فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


طريق الانحدار :

[146] كما السيارة إذا وضعت في طريق منحرف تعمل كل أجزائها في ذلك المسير و بصورة منحرفة ، حتى اذا كانت سليمة بحد ذاتها و غير معطبة ، كذلك المجتمع اذا توجه نحو تطلعات خاطئة ، فان كل أعضائه تعمل في ذلك الطريق و بصورة خاطئة .

التطلع السليم للمجتمع هو بناء ذاته ، و التعاون على الخير مع سائر المجتمعات ، أما اذا تكبر في الأرض ، و تطلع نحو استعباد الآخرين و استثمار طاقاتهم ، فانه ليس فقط ينحرف في هذه الجهة ، و فيما يخص علاقاته بالآخرين فحسب ، بل سوف ينحرف بكل أبعاده حتى فيما يتصل بعلاقاته الداخلية ، ذلك لأن الله لم يجعل في جوف الناس قلبين ، إنما هو قلب واحد فاذا كان متكبرا باحثا عن المجد الذاتي ، متخذا نفسه و ليــس الحق محورا و معيارا ، فان كل تصرفانه ستكون مصبوغة بصبغة التكبر .

لذلك لا يكون الفرد مؤمنا و عاملا بآيات الله و رسالاته اذا تطلع نحو استعباد الآخرين ، و تكبر في الأرض بغير الحق ، و أراد أن يتعالى بما لا يحق له .

[ سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق ]يبدو لي : أن كلمة الآيات هنا تعني الآيات التشريعية حسب السياق ، حيث كان الحديث في الآية السابقة حول رسالات الله و كلامه .

[ و أن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ]

و الآية هنا - حسبما يبدو لي - تعني الآية التكوينية مثل المعاجز ، و عبر التاريخ ، و التطورات التي تبين الحقائق و هكذا الان القلب المتكبر لا يبحث عن الحقيقة ، بل عما يخدم ذاته ، و يشبع غروره ، و لذلك فهو لا يلتفت الى الحقائق و لا يهتم أو يؤمن بها حتى إذا رآها رأي العين ، و هو كذلك لا يبحث عن الطريق السديد لانه قد انحرف بوعي و إصرار .

[ وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا و ان يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ]إنهم منحرفون و لذلك فهم يبحثون عما هو منحرف .

[ ذلك بانهم كذبوا باياتنا و كانوا عنها غافلين ]

إن تكذيبهم الأول بآيات الله جعلهم ينصرفون عن الحقائق ، و يغفلون عن أهمية الآيات التشريعية ، إن البشر ينحرف أول ما ينحرف بسبب اختياره السيء ، و لكنه ينحدر بعدئذ نحو الكفر و الجحود بصورة أقرب الى اللا إختيار ..


العاقبة في الحقل العملي :

[147] تلك كانت عاقبة المتكبرين الفكرية : أنهم لا يهتدون الى الحقيقة لا عن طريق رسالات الله التي يصرفون عنها ، و لا عن طريق الحقائق و العبر الواقعية ، اما عاقبة المتكبرين العملية فهي : أن أعمالهم الصالحة تحبط بسبب أعمالهم السيئة ، و التي تكون إستراتيجيتهم الأصلية دون تلك .


[ و الذين كذبوا باياتنا و لقاء الاخرة حبطت اعمالهم ]لان الخط العام لحياتهم خط منحرف ، لذلك فان العمل الجزئي لم ينفعهم شيئا ، بل سوف يحبط و لا يؤدي مفعوله ، و الواقع أن سبب حبط العمل ليس عدم إيمانهم فقط ، بل لأن عدم الايمان يؤدي بهم الى سلسلة من الانحرافات العملية التــي تكون هي السبب لحبط العمل ، لذلك قال ربنا سبحانه :

[ هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ]


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس