بينات من الآيات
لا للتبرير :
[184] سبق الحديث في آية (173) على ان على البشر مسؤولية المعرفة و التصميم ، و انه لا يمكنه تبرير فساده بالغفلة و التقليد ، و ها هو القرآن يذكرنا مرة اخرى بمسؤولية التفكير الوسيلة الوحيدة لمقاومة الغفلة :
[ أو لم يتفكروا ]
و لأهمية التفكير و ضرورته الفطرية يتساءل الله : لماذا لم يتفكروا ؟
[ ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين ]
إن الرسول يخبرهم عن أشياء جديدة غير مألوفة و لذلك فيمكن أن يكون هذا في نظرهم جنونا عارضا أو إنذارا مبينا ، و بالتفكير نعرف المتانة في الكلام ، و القوة في الدليل ، و السلامة في النية ، و شواهد الوجدان و العقل مما يدل جميعا على ان كلام الرسول ليس جنونا بل هو إنذار حق و واضح .
[185] ذلك الانذار الذي يحذر من المصير الذي ينتهي اليه المجرمون ، يمكن أننسمعه من الرسول و من لسان الكون ايضا ، الذي ينطق بالنظام الدقيق و العظمــة المتناهية .
[ أو لم ينظروا في ملكوت السموات و الارض ]
و ما فيهما من عظمة تدل على قدرة الخالق و هيمنته ..
[ و ما خلق الله من شيء ]
و ما في كل شيء ينظر اليه الانسان من خلق الله دلالة واضحة على دقة النظم ، و إتقان الخلق ، و حسن التدبير .
إن النظر في عظمة الكون ، و في أي شيء مخلوق ، يهدينا الى الله الذي يهيمن على تدبير الكون ، و الله في أي لحظة يمكن أن يسحب تدبيره عن الكون فيتهاوى ، و إنه لم يخلق الخلق عبثا و بلا هدف ، بل بحكمة بالغة هي : إبتلاء الانسان ، و اختبار تحمله لمسؤولية التفكر ، و ارادة التصميم ..
[ و أن عسى أن يكون قد إقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون ]إذا تركوا هذا الحديث الذي هو إنذار مبين ، و يشهد عليه النظر في السماوات و الأرض و في أي مخلوق صغير أو كبير من خلق الله سبحانه ، هل هناك حديث أفضل منه يؤمنون به ؟
[186] الذي لايهتدي بهدى الله فان البديل الوحيد له هو الضلالة الدائمة . لماذا ؟
لان عدم ايمانه بهدى الله ناشئ من طغيانه على الله و الحق ، و هذا الطغيان باق معه و يسبب له العمه و الضلال .
[ من يضلل الله فلا هادي له و يذرهم في طغيانهم يعمهون ]متى تقوم الساعة ؟
[187] اذا كانت شواهد الكون تدل على أن النظام الذي يمسك السماوات و الارض سوف ينتهي في يوم ، و ان سفينة الكون سوف ترسو في نهاية المطاف على شاطئ ، فان هذا السؤال سوف يطرح أيان مرسى هذه الساعة ؟ متى ؟ و كيف ؟ :
[ يسألونك عن الساعة أيان مرساها ]
و متى تقف عند الشاطئ النهائي .
[ قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات و الأرض لا تأتيكم إلا بغتة ]يبدو لي : أن ساعة كل طائفة تنتهي في حين ، فماذا ينفعها حين ينتهون ؟ إن الحياة تستمر في غيرهم ، إن ساعة قوم لوط رست عندما نزل العذاب عليهم في صورة زلزال عظيم ، و ان الساعة فرعون و قومه قد حلت حينما أغرقوا في اليم ، و هذه الساعة تأتي مفاجئة و دون انذار .
و ربما يشير الى ذلك ضمير ( كم ) ، ذلك لان نهاية الكون لا تأتي الجميع ، بل فقط أولئك الذين يتواجدون آنئذ .
و يبقى السؤال : لماذا يطرح الناس هذا السؤال على الرسول ؟ أو ليسوا هم المسؤولون أولا و أخيرا عن أنفسهم ؟ أو لا يهمهم أمر نهايتهم و بلوغ ساعتهم ، أو ان الرسول حفي بها .. مطلع عنها ؟
[ يسألونك كأنك حفي عنها ]
يستقصي السؤال عنها ، و يطلع بجوانبها ، بينما هم المسؤولون و عليهم التقصي كما الرسول .
[ قل إنما علمها عند الله ]
فهو الذي يقرر متى ينتهي وقت الامتحان ، ويبلو واقع كل واحد منا ، فيقرر بمشيئته المطلقة ميعاد الجزاء ..
[ و لكن أكثر الناس لا يعلمون ]
هذه الحقيقة الواضحة وهي : أن مصير البشر بيد الله العزيز الحكيم ، لا بيدهم أو بيد الرسول ( صلى الله عليه و آله ) .
|