الاطار العام لكي تتلقى كلمات الوحي عليك ان تسمو الى مستوى التدبر فيها ، و التحسس لنبضاتها ، و متابعة مؤثراتها ، و التفاعل مع ايقاعاتها .. و بكلمة : لا بد ان تعيشها بكل ما أوتيت من صفاء الفؤاد ، و قوة الفكر ، و رهافة الحس .
كذلك سورة الفجر لا يعيها إلا من يندمج معها ، و يسلم قياده لكلماتها التي تفيض علما و حكمة و حياة و نورا بها تعرج به الى أفق آخر ، تجعله يرى ما حوله بصورة جديدة حتى يتسامى عن جواذب المادة و إصرها و أغلالها و تطمئن نفسه الى الله و ترضى به ، فاذا به وهو في الدنيا يعود بروحه الى ربه ، و يسمع هتاف ربه : " إرجعي الى ربك راضية مرضية " .
و يبدو ان هذه هي محور السورة ، و لكن كيف يتحقق ذلك ؟ في السورة - فيما يبدو - الاجابة عن ذلك والتي تتلخص في نقاط هي بدورها محاور تمهيدية للسورة .
اولا : التحسس برقابة الله و انه بالمرصاد حتى يزداد القلب وعيا و تقوى ،و السؤال : كيف ؟ بالنظر في اختلاف الليل و النهار و حسن تدبيرهما من الفجر حتى الليل إذا يسر ، و ايضا بالاعتبار بمصير أولئك الجبارين الذين نسوا الله ، و لم يراقبوه ، فكان ربهم لهم بالمرصاد ، فصب عليهم سوط عذاب .
ثانيا : تزكية القلب من حب الدنيا ، و اعتبار الغنى قيمة الهية ، لان عاقبة حب الدنيا وخيمة إذ أنه يمسخ شخصية الانسان فيجعله لا يكرم اليتيم ، و لا يحض على طعام المسكين ، و يأكل التراث جميعا ، و يكاد يعبد المال لفرط حبه له .
ثالثا : بتذكر أهوال الساعة حيث تندك الارض ببعضها دكا دكا ، و يتجلى الله بعظمته و عدالته و شدة بطشه بالجبارين و المجرمين ، و يتذكر الانسان انه قد ضيع فرصته الوحيدة في الدنيا ، و لم يقدم شيئا لحياته ، و لكن لن تنفعه الذكرى .
هنالك يهتف الرب بالنفوس المطمئنة ان ارجعي الى ربك راضية مرضية . ما أعظمه من نداء ، و ما أحسنها من عاقبة . وفقنا الله لها جميعا .
|