الاطار العام حينما يولد ابن ادم تتساوى في كيانه فرص الخير و الشر ، و لا يزال يختار ثم يستفيد من فرص الخير او الشر الواحدة بعد الأخرى حتى تميل كفته نحو ما اختار . فرص الخير هي العناصر النورية التي لو رجحت حملته الى الجنة ، بينما فرص الشر هي العناصر النارية التيلو تكاثفت هوت به الى جهنم و ساءت مصيرا .
و لا أعرف شيئا يجري فيه تحول ذاتي كالانسان . انه يتمحض بالتالي للجنة او للنار ، هنالك لا يعود مختارا ، ولا يعود يملك حرية اختيار واحد من النجدين ، بل يبقى كما اختار اولا : اما الى جنة النور خالدا فيها ، او الى جهنم النار خالدا فيها ، او لبعض الوقت.
كيف يتم اختيار الشر ؟ انه ليس بحاجة الى العزم و الوعي ، بل يكفي الغفلة و الاسترسال سبيلا يؤدي به الى النار ، كما لو تسلق الانسان الجبل لا يحتاج سقوطه في الوادي الـى إرادة و حكمة ، بل ليدع نفسه لحظة فسوف نراه في الوادي مهشما بعد لحظات ، بينما الذي يختار الجنة عليه ان يتسلح بوعي الذات و عزم الإرادة ، و لعلهذه البصيرة هي محور سورة البلد .
ذلك ان القسم الاول من السورة يبصرنا بأنفسنا ، و اننا في كبد ( الارض و المكان ) و علينا وعي ذلك حتى نتحدى الصعاب بعزم الارادة ، و نعرف ان الله قادر علينا فنراقبه ، و خبير بنا فلا نخدع انفسنا ، خصوصا عند الانفاق ، فنزعم : اننا أهلكنا مالا كثيرا .
اما القسم الثاني فيذكرنا بضرورة اقتحام العقبة ، و تجاوز المنعطف الخطير الذي يجد الانسان نفسه بين أمرين : بين السقوط في اشراك الهوى او التحليق في سماء الحق .
و بعــد ان يبين مثلين لاقتحام العقبة هما : فك رقبة ، و الاطعام في يوم ذي مسغبة ، يهدي الى قمة التحول الايجابي عند البعض المتمثلة في الايمان و التواصي بالصبر و المرحمة .
كما يشير في السياق في خاتمة السورة الى التحول السلبي عند البعض الآخر متمثلا في الانحياز الى المشأمة حيث النار المؤصدة .
|