الإطار العام لعــل زرع الخشية مـن اللـه بالغيب هو المحور الذي تتصل به كل ايات سورة الملك ، التي هي بداية انعطافة كبيرة في السياق القرآني نحو البصائر التي تنزل بها الوحي في الجزئين الاخيرين ، و اللذان يتالفان في الاكثر من السور المكية التي تذكر باصول الاسلام كالايمان بالله ، و بالرسول و الرسالة ، و بالاخرة .
1 - ففي مطلع السورة يتجلى الله العظيم باسمائه الحسنى ( تبارك ، الملك ، و القدير ، و الخالق ، و العزيز ، و الغفور ، و الرحمن ) لان المعرفة السليمة بالله تضع الانسان المخلوق بوجدانه و عقله و كل حواسه امام الله الخالق سبحانه ، مما تمنحه الخشية منه عزوجل . و لا ريب ان خشية الانسان من ربه تكون بقدر معرفته به . أولم يقل تعالى : " انما يخشى الله من عباده العلماء " ؟؟ (1) . و لكي تكون المعرفة بتلك الدرجة نجد السياق يمزج بينهما و بين تعريف الانسان باعظم الاهداف التي(1) فاطر / 28 .
خلق من اجلها " ليبلوكم ايكم احسن عملا " فليس في منهج الاسلام اذن معرفة لا تقود الى العمل الصالح ، بل ان احسن الناس عملا اكثرهم معرفة بربه .
و يزداد الانسان معرفة بربه كلما جال ببصره و بصيرته في الآفاق من حوله ، ففيها تتجلى اسماء الخالق ( قدرته و عظمته و تعاليه .. ) و بالذات اذا كر ببصره مع عقله المرة بعد الاخرى ، في مظهر الخلق وجوهره ، و في صلة بعضه ببعض ، حيث يتجلى له ربه و جماله الذي عكس بعض اثاره في الكون بمظهره و جوهره و نظامه المتقن الذي لا يعتوره تفاوت و لا فطور . الايات (1 / 5) .
2 - و لان الكفر من الحجب التي تمنع المعرفة بالله و من ثم خشيته بالغيب جاءت الآيات تذكر الكافرين بعذاب الاخرة ، و تحذرهم من التكذيب بالنذر ، كوسيلة لهز ضمائرهم و اخراجهم من غرور الكفر و غفلته ، اذ تضعهم امام صور من عذاب الخزي في جهنم التي تكاد تتفجر من الغيظ ، و بصورة تجعل ذلك الغيب المستقبلي شهودا لمن يسمع او يعقل ، مما يزرع خشية الله في النفس ، فهنالك تحوط الكافرين الحسرة ، و يغمرهم الندم على ما فرطوا في جنب الله و ما صاروا اليه من سوء العاقبة ، و لا يملك احدهم الا الاعتراف بذنوبه دون ان يجدمبررا يتملص به من المسؤولية او يستر به الفضيحة ، و انى له ذلك و شهادة الله محيطة بكل شيء و هو عليم بذات الصدور ؟ ! و كيف لا يعلم اللطيف الخبير بخلقه ؟ ! الايات (6 / 14) .
3 - ثم ياتي السياق على الافكار الشركية فينسفها نسفا ، لانها تدعوا الانسان الاعتماد على الانداد المزعومين ، و الاعتقاد بانهم قادرون على تامينه و حمايته و رزقه من دون الله ، باعتبارهم شركاء او شفعاء او انصاف آلهة يؤثرون على مشيئته سبحانه ، الامر الذي يجعله لا يخشى ربه عز وجل . الآيات (15 / 30) .
و بناء على الحقائق الثلاث المتقدمة يمكن القول بان قوله سبحانه : " ان الذين يخشون ربهم الغيب .. " هي الاية التي تفصح بجلاء عن المحور الاساسي في هذه السورة المباركة .
|