الإطار العام يبلغ الصراع بين الرسالات الإلهية و الجاهلية أوجه في القيادة ، و استقامة النبي و اتباعه تحسم الموقف لصالح الوحي . من هنا جاءت فاتحة السورة في عظمة الرسالة و الرسول ، و انعطفت سريعا نحو رفض القيادات الجاهلية ، و بالذات تلك التي تقوم بقيمة الثــروة، و تبين الآيات الستة عشر الأولى مفارقات القيادتين ، فبينما الرسول مقام نعم الله ، وله عنده أجر لا ينقطع ، و هو على خلق عظيم ، و تتجلى آيات حكمته على كل أفـق ، ترى القيادات الجاهلية تتشكل من كل دجال حلاف مهين ، يستهزأ بالناس يفرق بينهم ، و هو مناع للخير معتد أثيم .. قد أغلق منافذ قلبه دون أي شعاع من نور الحق ، فإذا تليت عليه آيات الله قال إنها أساطير الأولين .
و لابد ان يبقى التمايز بين الفريقين قائما أبدا ، فلا يجوز ان يداهن الرساليون مثل هذه السلطات الفاسدة التي تستعد لتقديم بعض التنازل من أجل هذه المداهنة .
و يمضي السياق في قصة أصحاب الحقل الذين منعوا المساكين حقهم فأهلك الله زرعهم ، لعلها تكون عبرة لأصحاب الثروة فلا يطغون بها ، و لكي يعلموا أن هذا العذاب اشارة الى العذاب الأكبر في الآخرة .
وفي الايات 34 / 41 يبين السياق عمق الفجوة بين المتقين و المجرمين ، و ينسف أساس تفكير المبطلين بانهم شرع سواء مع المتقين ، لان العقل يرفض ذلك ، ولا حجة لهم بذلك لا من كتاب مدروس ولا عهد من الله ، ولا كفيل و لاشركاء ، و يحذرهم الله من يوم القيامة الذي لا ينفع فيه عمل او ندم ، و يبين ان أموالهـم قد تكون لعنة عليهم ، لان الله يستدرجهم بها ، و يملي لهم بكيده المتين .
و ان بعضهم يخشى من اجر يعطيه ازاء الرسالة ، كلا .. بل الرسالة تنفعهم في دنياهم .. و ينهي السياق هذا الحديث بانهم لا يعلمون الغيب فكيف يتشبثون بافكارهم ؟ و ينعطف نحو الرسول و كل رسالي يتبعه ان يصبر ( حتى يحكم الله ) ، و لا يكون كصاحب الحوت الذي استعجل في الدعاء على قومه ، فلولا ان نعمة من الله تداركته لكان ينبذ بالعراء ( بعد التقام الحوت له ) و هو مذموم ، و لكن الله اجتباه بنعمته فجعله من الصالحين.
و تختم السورة بان الذين كفروا يكادون يزلقون الرسول بابصارهم التي يتطاير منها شرر البغض و الحسد و ذلك حينما يسمعون الذكر ، و يتهمون الرسول بالجنون خشية تأثرهم به و من شدة عداوتهم له ، بينما هو ذكر للعالمين يذكرهم بالله و اليوم الآخر ، و لو اتبعوهلكان شرفا لهم و مجدا .
و بهذا تنتهي سورة القلم التي فصلت بين خطي العلم و الجهل على صعيد الفكر و في صميم الحياة حقا .
|