فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الإطار العام
ثــلاث آيات غرر في هذه السورة ترسم معالمها ، و تحدد - فيما يبدو لي - إطارها : فاتحتها : " الحاقة " ، و عند الخاتمة : " و انه لحق اليقين " ، و أوسطها " انه لقول رسول كريم " ، و حين ينفتح القلب على أشعة السورة يلامس الحقيقة - كل حقيقة و كل الحقيقة - بلا حجاب ، و كذلك سور القرآن جميعا هي الجسر بين الانسان و الحقيقة ، يتجاوز المتدبرون فيها كل الحواجز ، و لكن كل سورة تسقط عنا حاجزا .

و سورة الحاقة - كما آيات أخرى مبثوثة في كتاب ربنا العزيز - تسقط حاجز التهاون ، ذلك ان الانسان بطبعه يعيش الغفلة عن الحق ، و التهاون فيه ، و عدم الجدية في التعامل معه ، و اتخاذ أمره بسذاجة بل و بسفاهة . كلا .. انه حق و للحق ثقله ، و للحق اقتداره ،و للحق حقيقته و طاقته التي تثبته و تجعل مخالفيه في حرج عظيم . ألم تسمع بقصة عاد و ثمود و فرعون و قوم نوح و المؤتفكات ماذا حدث بهم حينما اتخذوا موقف اللاهي عن الحق فصارعوه كيف نزلت بهم القوارع فتركتهم صرعى ؟!

أوتدري ما الحكمة في ذلك العذاب العريض ؟ لكي يذكرنا ( فلا نبقى سادرين في غياهب الغفلة ) و لكي تعيه أذن واعيه .

و تتجلى الحقيقة بكل جلالها و عظمتها في يوم القيامة ، و حين نتصور أهوالها نزداد وعيا بها في الدنيا ايضا .

و أصعب المواقف واشدها جدية وهولا عند استلام الكتاب المصيري ، فمن أوتي كتابه بيمينـه فطوبى له ، و من أوتي بشماله فيقول من فرط حسرته : ياليتني لم أوت كتابيه ، و يقول : ياليتها كانت القاضية .

انها عاقبة المتهاونين الذين لم يكونوا جديين في وعي الحقيقة ، وفي الايمان بالله و الحض على طعام المساكين .

و يقسم القرآن بكل حقيقة نبصرها و كل حقيقة قائمة و لكن لا نبصرها بأن القرآن حق ، و هو قول رسول كريم .

و انه بالتالي ليس خيالات باطلة ولا ظنون كاهن .

و تتجلى حقانية الرسالة في شدة الله الجبار مع من يخالفها ، بل و مع المرسل بها لو افترض التقول عليه ببعض الاقاويل ، فانه ليأخذ منه باليمين ثم ليقطع منه الوتين .

و يبدو ان من يتهاون في شأن الحق او يكذب به او لا يعيه او لا يوقن به حق اليقين .. يبدو انه لم يعرف ربه الذي يضمن الحق و يجريه بقوته الشديدة و قدرته الواسعـــة ، لذلك فنحــن بحاجــة الى تقديس الله و تنزيهه حتى نقترب من معرفته و معرفة الحــق به ، و لعله لذلك اختتمت السورة المباركة بقوله سبحانه : " فسبح باسم ربك العظيــــم " .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس