و تعيها أذن واعية
هدى من الآيات الحق و الجزاء توأمان لا ينفصل أحدهما عن الآخر ، فانما تحكم الحياة مجموعة من القوانين و السنن التي وضعها و أجراها الله فيها فهي مخلوقة بالحق ، و لانها كذلك فـان الجزاء واقع لانه حق ، و ايمان الانسان بالحق مرهون بمدى ايمانه بالحساب و الجزاء ، اذ لاتعني الدعوة للايمان به شيئا ولا تعكس استجابة في النفس لولا ذلك ، وهكذا جاء التعبير القرآني عن كفر ثمود و عاد ببيان كفرهم بالجزاء ( القارعة ) مع أنهم كذبوا ايضا بالرسل ، لان الكفر بالجزاء يساوي الكفر بالحق .
و في هذا المحور تنتظم ايات الفصل الاول من سورة الحاقة في سياق التأكيد على حقيقة الجزاء في الحياة ، كقضية تشريعية و تكوينية ، تتصل بالحق اتصالا متينا ، ففي مطلعها و حتى الآية الثانية عشرة يبين لنا صورا من الجزاء الذي حل بالأقوام السالفة نتيجة تكذيبهم بالحق و اتباعهم الباطل ، كدلالات واقعية على هذه السنة الإلهية ، و كآيات هادية الى الجزاء الأكبر في الآخرة .
و لكن تبقى ( الواقعة ) أجلى آيات الجزاء و الحق معا بالنسبة للانسان ، حيث ينفخ في الصور ، و تحدث التحولات الكونية الهائلة و المفزعة ، و تتجلى الملائكة المقربون يحملون عرش الله ، و يعرض يومئذ الناس بكيانهم و أعمالهم لا تخفى منهم خافية ، و لعله لذلكجاءت تسمية القيامة فـي هذه السورة بالحاقة .. باعتبارها ذات وجهين : يتصل الاول بالجزاء التي هي عرصته و أعظم آياته ، و يتصل الثاني بالحق ، إذ هي جزء لا ينفك من أعظم حقائق الوجود ، و لقد سماها ربنا في نهاية الدرس بالواقعة للمبالغة في التأكيد على انها حقيقة واقعية لابد ان تقع ، ومن ثم فان التكذيب بها لا ينفيها ولا يمنع وقوعها أو حتى يغير أجلها .
و تبقى الآية " لنجعلها لكم تذكرة و تعيها أذن واعية " محورا في هذا السياق بل في سياق السورة كلها ، إذ لا تدرك غور الآيات بما تتضمنه الحقائق إلا تلك القلوب الزاكية التي صيرها الايمان و العلم أذنا لوحي الله و آياته .
|