بينات من الآيات [1 - 4] قال الامام الصادق - عليه السلام - : " لما نصب رسول الله (ص) عليا يوم غدير خم قال : " من كنت مولاه فعلي مولاه " طار ذلك في البلاد ، فقدم على النبي (ص) النعمان بن الحارث الزهري فقال : أمرتنا عن الله ان نشهد ان لا إله إلا اللهوأنك رسول الله ، و أمرتنا بالجهاد و الحج و الصوم و الصلاة و الزكاة فقبلناها ، ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ؟! فهذا شيء منك أو أمر من عند الله ؟! فقال : لا و الله الذي لا إله إلا هو ان هذا من الله ، فولى النعمان بن الحارث و هو يقول : اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، فرماه الله بحجر في رأســـه فقتلــه " (1) ، و في رواية أخرى قال ابو بصير عن الصادق (ع) : " بينما رسول الله (ص) جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين (ع) فقال له رسول الله ( ص) : ان فيك شبها من عيسى بن مريم .. قال : فغضب الحارث بن عمرو الفهدي فقال : " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك أن بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل ( اسم ملك الروم أراد بني هاشم يتوارثون ملكا بعد ملك ) فأرسل علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعـذاب أليم " فأنزل الله عليه مقالة الحارث و نزلت هذه الآية : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم و هم يستغفرون " ثم قال له : يا عمرو إما(1) نور الثقلين / ج 5 - ص 411 .
تبت وإما رحلت ، فقال : يا محمد بل تجعل لساير قريش شيئا مما في يديك فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب و العجم ، فقال النبي : ليس ذلك إلي ، ذلك الى الله تبارك و تعالى ، فقال : يا محمد قلبي ما يتابعني على التوبة و لكن أرحل عنك ، فدعا براحلته فركبها فلما صاربظهر المدينة أتته جندلة ( اي حجرة ) فرضت هامته ثم أتى الوحي الى النبي (ص) فقال : " الآيات الأولى من سورة المعارج " (1) .
[ سأل سائل بعذاب واقع ]
و سؤال السائل يكشف ليس عن شك في وعد الله عز وجل و حسب ، بل يكشف ايضا حالة من الاستهزاء و التحدي دعته اليهما الثقافة الجاهلية التي جاءت الرسالة لتحرير الانسان منها ، كما دعته اليهما الضغائن الدفينة على الرسول و الرسالة .
و الآية الكريمة - كسائر آيات القرآن - أوسع من حادثة تاريخية ، أو مصداق واحد بذاته ، بل هي شاملة لكل موقف استهزاء بالحق ، و تكذيب به . ولا يصف رب العزة عظمة العذاب و مدى هوله ، بل يؤكد واقعيته فيقول : " واقع " ، و ذلك يهدينا الى حقيقة فطرية و عقلية لا يتردد في قبولها أحد وهي ان جهل الانسان بالحقائق القائمة في الواقع ، او تجاهله بها ( تكذيبه ) لا يغير من أمرها شيئا . أترى ان عقيدة الوجوديين الذين زعموا بان الوجود خيال يتراءى للانسان كالسراب أعدمت الوجود أو غيرت من الواقع شيئا ؟ هل ينفي عدم رؤية الأعمى لما حوله وجوده ؟ كلا .. وإذا قلنا ان كلمة " واقع " تدل على الماضي فإنها تأتي هنا للتأكيد من حيث انه حتمي لا شك فيه و لا تردد في وقوعه ، لان الله قد قدره و قضاه تقديرا حتما و قضاءا مبرما .
(1) المصدر / ص 312 ذكره أبو عبيدة و الثعلبي و النقاش و سفيان بن عيينه ، و أشار اليه الرازي و النيسابوري ، و نقل القرطبي نص الرواية في تفسيره و الحسكاني في شواهد التنزيل .
و يبدو ان السؤال لم يكن سؤال مستفهم ، بل سؤال مكذب مستهزء ، و لهذا عدي الفعل بالباء فأعطى معنى التكذيب , فكانه قال : سأل سائل مكذب بعذاب واقع . و هكذا أوحى النص بان الدافع الى السؤال لم يكن المعرفة وإنما التشكيك به .
وإذ يقع عذاب الله فانه - وإن كان - يبدل وجه الكون و علاقات أجزائه ببعضها فتكون السماء كالمهل و الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما ، إلا أنه لا يخرج عن اطار حكمة الله و إرادته الى حالة الفوضى ، وإنما يكون بقدر ، ولا يصيب إلا من يشاء الله ، فاذا بكتراه وقد حان حينه لا يقع إلا على الكافرين ، الذين لا يجدون ما يدفعونه به عن أنفسهم .
[ للكافرين ليس له دافع ]
يحجزه عنهم و يدفعه عن ساحتهم ، و ما عسى ان تبلغ قدرة أحد حتى يكون قادرا على دفع عذاب يصير السماء كالمهل و الجبال كالعهن ، و يقطع الروابط الحميمة بين الأخلاء و الأنساب لهوله و شدته ! و الانسان هناك لا يفكر إلا في خلاص نفسه ، فلا يسأل عن غيره ، فكيف السعي لدفع العذاب عنه ؟! بلى . يستطيع الانسان دفع العذاب عن نفسه يومئذ بفضل الله و رحمته ، و بعمله الصالح ، ولم يترك الكافرون بينهم و بين الله صلة كي يرحمهم ، بل سدوا عن أنفسهم كل أبواب الرحمة بكفرهم و عتوهم عن الحق و الرسل ، ولم يقدموا لآخرتهم و مستقبلهم عملا صالحا .
وعلى ضوء هذه الآية الكريمة ينبغي للانسان ان يكشف عن نفسه و عقله حجب الضلال و الشرك و المتمثلة في العقائد السفيهة التي تجنح به نحو الموبقات و الشهوات و مخالفة الحق ، ظنا بأن أحدا من الجن أو الإنس أو الاصنام يخلصه من عذاب الله و سطوته ، او العقيدةالباطلة بأن الله لن يعذب عباده لأنه رحيم ودود ، فاذا به يود و يطمع ان يدخل الجنة على جناح التمنيات بلا أي سعي و عمل !
و نفهم من قوله " للكافرين " أنهم ليس لهم يوم يقع العذاب دافع يدفعه عنهم لا من عند أنفسهم أو من أشركوا بهم ولا من عند الله . وأي قوة يمكن ان تتحدى إرادة الله العظيم حتى يتشبث بها الكفار ؟ ان العذاب ليس من بشر مثلهم حتى يقدروا على دفعه ،و لا من مخلوق . انه من رب العزة المتعال الجبار .
[ من الله ذي المعارج ]
قال البعض : ان كلمة " ذي المعارج " ليست إسما لله سبحانه ، و جاء في الدر المنثور : أخرج احمد و ابن خزيمة عن سعد بن أبي وقاص انه سمع رجلا يقول : لبيك ذي المعارج ، فقال : انه لذو المعارج ، و لكنا كنا مع رسول الله (ص) لا يقول ذلك (1) ، و لكنالأظهر انه اسم لله لوروده في أدعية الحج حيث قالوا : يستحب ان يقول في التلبية : " لبيك ذا المعارج لبيك " ، على ان نص القرآن ظاهر في ذلك وهو المقياس .
و في معنى المعارج أقوال منها : الفواضل ، و عليه جل المفسرين ، و زاد صاحب المجمع : و الدرجات التي يعطيها للانبياء و الاولياء في الجنة ، لانه يعطيهم المنازل الرفيعة ، و الدرجات الطيبة (2) ، و في التبيان قال العلامة الطوسي : هي معارج او مراقي السماء(3) ، و قال صاحب الميزان : و هي مقامات الملكوت ، و قال الدرجات التي يصعد فيها الاعتقاد الحق و العمل الصالح ، قال تعالى : " اليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه " (4) ، و قيل : هي مصاعد الملائكة .. و يمكن ان تكون الاقوال كلها صحيحة ، ويجمعها الاصل اللغوي للكلمة .. فالمعارج مواضع العروج(1) الدر المنثور / ج 6 - ص 264 .
(2) مجمع البيان / ج 10 - ص 353 .
(3) التبيان / ج 10 - ص 114 .
(4) الميزان / ج 20 - ص 7 .
و هي مرتبة بعد مرتبة . و يبدو ان تأويلها هنا ذات العروج المتواصل ، و ذلك يظهر من الآية التالية .
ولكي ينسف السياق أسس التفكير الخاطىء عند اولئك السفهاء الذين استعجلوا عذاب ربهم العظيم ، تلك الأسس القائمة على حسابات قصيرة ، يهدينا القرآن الى حقائق الزمن اللامتناهي الذي سوف يعيشه الانسان ، لكي يمتد وعي الزمن لدينا من مقاييس اللحظات الحاضرة الىآفاق الآباد المطلقة و المستقبل الذي لا ينتهي ، و هناك نعيش حقيقة أنفسنا و حقيقة الظواهر المحيطة بنا .
ان من يتخذ المقاييس الدنيوية معيارا في معادلة الزمن يظن ان مئة سنة شيئا كثيرا ، و لكنه حين يطلع على الافق الواسع للزمن عند الله حيث الحساب بمليارات السنين و حيث الخلود فان المعادلة تختلف بالنسبة اليه لحتى يكاد يرى وعد الله بالآخرة واقعا أمام عينيه.. فهؤلاء الملائكة يسبقهم الروح يعرجون خمسين ألف سنة الى الله في الآفاق الواسعة ، و لانها حسب فهمنا الارواح النورانية ذات القدرات الهائلة فان عروجها ليس بحسابنا نحن في السرعة ، بل بحساب لا يستوعبه عقل البشر .. ومع ذلك ان خمسين ألف سنة يعرجون فيها ليست عنده تعالى إلا كيوم واحد لا أكثر !
[ تعرج الملائكة و الروح اليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ]و العروج عروجان : عروج مادي في آفاق الوجود ، و عروج معنوي في آفاق القرب من الله ، و ليس لله مكان ، تعالى ان يخلو منه مكان او يحويه مكان ، ومن هنا فان عروج الملائكة و الروح اليه عروج في القرب منه ، قرب الفضيلة ، ولا ينفي ذلك حقيقة عروجهم ماديا في منازل السماوات والى العرش ، بل هذا العروج بذاته رمز للقرب المعنوي منه سبحانه ، و من هنا اختلفت الملائكة فمنهم من يعرج الى السماء الرابعة ، و منهم من يعرج الى العرش باختلاف فضلهم عند رب العالمين .
اما الروح فهو أعظم من الملائكة ، و لعله الخلق الذي يؤيد به الله ملائكته الكرام و انبياءه و اولياءه الابرار ، و لعله سمي جبريل بـ " الروح الأمين " لكونه مؤيدا - عليه السلام - بالروح .
[5 - 8] ومن فتح آفاق المتدبر على الزمن بالحديث عن العروج يعالج القرآن مسألتين :
الاولى : تتصل بالداعية الى الله ، و هو يواجه تحديات الكفار بالرسالة ، و بالضبط يواجه تحدي الزمن في الاستقامة على الحق ، و الاستمرار في الطريق حتى يفتح الله . فان اكثر الناس قادرون على اتخاذ قرار الجهاد في سبيل الله ، و لكن القليل منهم يقدرون علىالاستقامة مع طول الأمد و تراكم التحديات المضادة .
وانما يفتح القرآن آفاق المؤمنين على المعادلة الحقيقية للزمن ، و يؤكد على ان الزمن الدنيــــوي ليس المقياس ، و انما معادلة الزمن تقاس باليوم الواحد خمسين الف سنة ، كل ذلك ليسهل الاستقامة في أنفسهم ، فلا يعد واحدهم حتى الصبر سني عمره مجاهدا في سبيلالله شيئا كثيرا ، بل يعتبر عنده - أنى طال به الزمن و امتد - أياما قصيرة يصبر فيها على الاذى لتعقبه راحة طويلة ، و هكذا جاء الحديث بعد بيان الزمن عن الصبر فقال ربنا :
[ فاصبر صبرا جميلا ]
وهو الصبر الذي يكون لوجه الله ، و البعيد عن اي ضعف او هزيمة ، و الذي لا خروج معه عن الحكمة و الصواب . قال اكثر المفسرين : هو الصبر الذي لا شكوى فيه على ما يقاسيه الرسول من أذى قومه ، و تكذيبهم إياه فيما يخبر به من الآخرة .
وما أعظم ما تعطيه هذه الآية بسياقها من روح الصبر و الاستقامة و المقاومة للمؤمنين و المجاهدين في سبيل الله .
الثانية تتصل بالكافرين الذين يستبعدون عذاب الله و وعده ، و ربما الى حد التكذيب البته . ولو بحثنا عن السبب وراء هذا الموقف من وعد الله فسنجده اعتمادهم على مقاييس الزمن الدنيوية في التقييم و النظر الى المستقبل . و يعالج القرآن هذه العقدة بأمرين :
أحدهما : السعي لتوعيتهم بالمقياس الحقيقي للزمان ، حيث مقدار يوم واحد خمسين ألف سنة ، مما يغير رؤيتهم المحدودة برؤية ربانية واسعة لو أنهم آمنوا و اتبعوا الآيات .
[ إنهم يرونه بعيدا ]
لمحدودية افكارهم التي تتصور الزمان محدودا . ارايت الطفل كيف يستبعد وعدا مدته ساعات ؟ كذلك الكفار يرون وعد الله بعيدا لان منهجية الرؤية و وسيلتها عندهم محدودة . اما المنهجية الربانية التي تتلاشى فيها الارقام الزمنية لسعتها فان ملايين السنين ليست بذات شأن حتى يكون أمدها بعيدا .. و كيف يكون ذلك و المؤمنون يطلعون بها على عالم الخلود ؟!
[ و نراه قريبا ]
لا فرق بين أجل الموت ، او النصر للمؤمنين ، او عذاب الكافرين في الدنيا ، او قيام الساعة و وقوع الآخرة .
الثاني : التذكير بالوقائع و المشاهد التي ترافق وقوع وعد الله ، الأمر الذي يهز النفس ، و يلقي عنها حجبها و عقدها ، و يجعلها ماثلة في وعيهم .
[ يوم تكون السماء كالمهل ]
قال القمي : الرصاص الذائب و النحاس (1) ، و قيل : الزيت المغلي ، و في المنجد : ما كان ذائبا من المعدنيات (2) .
[ و تكون الجبال كالعهن ]
اي الصوف المتفرق ، قال في التبيان : فالعهن الصوف المنفوش ، و ذلك ان الجبال تقطع حتى تصير بهذه الصفة (3) ، و زاد صاحب المجمع : و قيل : كالصوف الاحمر ، و قيل : انها تلين بعد الشدة ، و تتفرق بعد الاجتماع (4) . و علق العلامة الطباطبائي بقوله : في هذهالآية وما قبلها تعليل للصبر ، فان تحمل الأذى و الصبر على المكاره يهون على الانسان إذا استيقن أن الفرج قريب (5) .
ولا يحدثنا القرآن عن صفة الارض يؤمئذ ، لان دمار السماء و هي السقف المحفوظ الذي يؤمن للارض و لأهلها الحماية ، و كذلك تدمير الجبال التي تحفظ توازنها ان تميد بنا ، هذين الأمرين يهدياننا الى ما تكون فيه أرضنا يومئذ من الزلزال و الخطر العظيم .
وما هو حال الانسان الضعيف و موقفه حينما يعاصر هذه المشاهد الرهيبة ؟ فهذه السماء على عظمتها أصبحت كالمهل ذائبة ، و تلك هي الجبال الراسيات صارت عهنا(1) تفسير القمي / ج 2 - ص 386 .
(2) المنجد / مادة مهل بتصرف .
(3) التبيان / ج 10 - ص 116 .
(4) مجمع البيان / ج 10 - ص 353 .
(5) الميزان / ج 20 - ص 9 .
يحركها النسيم ! انه حينئذ يعرف صدق وعد الله ، و تقع من على بصيرته كل الحجب .. فيترك الهزل و الاستهزاء الذي قاد الكافرين الى السؤال عن العذاب و استعجاله .. و هل يستعجل عاقل أمرا إرهاصاته تصنع هذا الصنيع بالطبيعة و الوجود من حوله ؟!
ان العذاب الالهي إذا وقع يذهل الانسان عن كل شيء ، و تتقطع به الاسباب و الراوابط ، فينسى أقرب المقربين اليه بحثا عن الخلاص ، فلا يجد فرصة حتـــى للسؤال عنهم .
[ ولا يسئل حميم حميما ]
و الحميم هو الأقرب للانسان ، و عدم سؤاله عنه دليل على شدة الموقف ، و ذلك ان نفس الانسان أقرب اليه من كل احد .. و حيث يهتم بها يغفل عن سواها ولو كان أقرب المقربين كالولد و الصاحبة . و في الروايات ان الأم يوم القيامة توزن أعمالها فتنقصها الحسنة الواحدة حتى تدخل الجنة او تصير الى النار ، فتذهب الى ولدها تستعطفه و تطلب منه التنازل لها عن حسنة من حسناته فلا يقبل . وقد جاء في الدعاء ( بعد صلاة الليل ) : " يا من لم أزل أتعرف منه الحسنى ، يا من يغذيني بالنعم صباحا و مساءا ، إرحمني يوم آتيك فرداشاخصا اليك بصري ، مقلدا عملي ، قد تبرأ جميع الخلق مني ، نعم . و أبي و أمي و من كان له كدي و سعيي " (1) .
ومن أهم ما يقع يومئذ هو رفع الحجب عن المجرمين حتى يروا الحقائق التي عميت عنها ابصارهم و قلوبهم في الدنيا ، كما يرون ايضا أقرباءهم الذين يتهربون منهم .
(1) مفاتيح الجنان / دعاء صلاة الليل .
[ يبصرونهم ]
قيل : يرون الملائكة و الروح الذين يعرجون الى الله ، و قيل : أئمة الهدى و الحق ، و قيل : الأحماء ، لبيان ان عدم سؤالهم عنهم يومئذ ليس لعدم رؤيتهم إياهم ، وإنما لإنشغال نفوسهم و أفكارهم ، و الى ذلك ذهب الزمخشري و الرازي و صاحب الميزان ، وهذا أقرب الى السياق . و بني الفعل للمجهول لان المجرمين يحشرون عميانا أعينهم و قلوبهم كما كانوا في الدنيا عميانا لا يرون الحقائق ، و انما يبصرهم الله او ملائكته بأمره .. و هناك تبلغ ندامتهم ذروتها لما يرون من واقع العذاب الذي كذبوا و استهزؤوا به في الدنيا الى درجة العتو و التحدي .
[ يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه ]
و هم أقرب الناس اليه ، و أعزهم لديه .
[ و صاحبته و أخيه ]
في الدرجة الثانية .
[ وفصيلته التي تؤيه ]
قيل : هي العشيرة و القبيلة ، و قيل : هي المنقطعة عن جملة القبيلة برجوعها الى أبوة خاصة ، في التبيان و المجمع و الميزان ، و زاد المجمع و الكشاف : أي عشيرته التي تؤويه في الشدائد و تضمنه ، و يأوي اليها في النسب .
[ ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه ]
اما المؤمنون فإنهم على العكس يسألون عن بعضهم ، و يسعون في خلاص بعضهم البعض بالشفاعة و السؤال من الله ، و قلوبهم مطمئنة الى رب الارباب لانهم لم يتورطوا في الجرائم حتى يهولهم الأمر .. إلا خشية الايمان .
بلى . إنهم آمنوا بوعد اللــه ، فسعوا لخلاص أنفسهم ، اما المجرمون الذين كفروا ، و تمادوا في الجريمة بسبب الكفر بالاخرة و الجزاء ، فإنهم يجدون أنفسهم بين يدي عذاب شديد .
[ كلا إنها لظى ]
و " لظى " اسم من أسماء جهنم ، و هي النار شديدة التوقد ، و قال في المجمع ، هي الدركة الثانية من النار ، و قال الرازي : اللهب الخالص ، يقال : لظت النار ، و تلظت تلظيا ، و المعنى أنـه لا مصير للمجرمين إلا جهنم و العذاب ، ولا مفر لهم .. تشويهم حرقا ، و تنزع ما ينشوي منهم نزعا .
[ نزاعة للشوى ]
قيل : الشوى فروة الرأس ، و قيل : محاسن الوجه و عموم الجلد . و قال صاحب التبيان : و معنى " نزاعة " كثيرة النزع ، و هو اقتلاع عن شدة ، و الاقتلاع أخذ بشدة اعتماد (1) ، و في المجمع : تنزع الاطراف فلا تترك لحما ولا جلدا إلا أحرقته ، و قيل : تنزع الجلد و اللحم عن العظم (2) . و لعل الشوى هو عموم ما يعد للشواء بالنار ، فيكون المعنى ان لظى تجذب المجرمين و تنزعهم نزعا ( وهم شواؤها ) فتحرقهم .
[ تدعوا من أدبر و تولى ]
(1) التبيان / ج 10 - ص 118 .
(2) مجمع البيان / ج 10 - ص 356 .
أدبر عن الحق الى الباطل ، و تولى عن طاعة القيادة الربانية الى طاعة غيرها ، و ان النار لتتطاول على المجرمين و تجرهم الى قعرها و حريقها مكرهين ، لأنهم قد رفضوا دعوة الرسول الى الايمان فأدبروا و تولوا .
[ و جمع ]
حطام الدنيا و أموالها حلالا و حراما .
[ فأوعى ]
و قد قال المفسرون المعنى : جمع المال و لم يخرج حق الله ، فكأنه جعله في وعاء على منع للحقوق منه ، و قال العلامة الطبرسي : جمعه من باطل ، و منعه عن الحق (1) .
(1) المصدر / ص 356 .
|