الاطار العام
تفتتح السورة بتسبيح الله و بيان عزته التي تجلت في دحر الكافرين ، و تختتم باسماء الله الحسنى ، و فيما بينهما تبين الاخوة الايمانية التي تشد المسلمين الى بعضهم ، بينما الكفار تحسبهم جميعا و قلوبهم شتى ..
ففي السورة اذا محور ان يتصلان ببعضهما اتصال الرافد بالينبوع ، و الدوحة بجذورها الضاربة في العمق ..
ذلك ان تسبيح الله و تقديسه عن الشركاء ، و الذوبان في بوتقة توحيده ، و الاستظلال تحت راية حمده التي ترفرف باسماءه الحسنى .. كل ذلك اساس التجمع الايمانــي المتسامي عن حواجز المادة ، و جذر لدوحة الصفات المثلى كالتكافل و الايثار ، و ينبوع روافد الحكمةو الجهاد و العزة الالهية .
و هكذا تنساب آيات السورة في الاذان الواعية ، فتطهر القلوب من اضغانها ،و تزرع الحب في ارجائها .
تعالوا نستقبل زخات النور المنبعث من آياتها المباركات :
لان الله قدوس يسبح له ما في السماوات و الارض فهو العزيز الحكيم .
و لانه عزيز فانه قهر الذين كفروا بالرسالة و حاربوها من اهل الكتاب ، و اخرجهم حتى يوم الحشر من ديارهم بالرغم من تجذرهم فيها ، فلم يظنوا بانهم خارجون منها ، كما لم تظنوا ذلك . لماذا ؟ لانهم شاقوا الله حينما كفروا برسالته ، و بما شاقوا الرسول . و من آيات عزة الله انه شديد العقاب بالنسبة الى من يشاق الله .
و يشرع السياق في بيان اصول التكافل الاجتماعي بين المسلمين عبر نقاط متواصلة :
الاولى : ان ما افاءه الله على رسوله من دون حرب فهو لله و للرسول و للمستضعفين من المسلمين .
الثانية : ان الهدف من توزيع الثروة منع تراكمها بين الاغنياء فقط .
الثالثة : الفقراء من المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم ابتغاء رضوان الله و نصروا الله و رسوله اولئك هم الصادقون فهم يستحقون الفيء .
الرابعة : الذين سبقوهم الى دار الايمان و هم الانصار لا يجدون في انفسهم حاجة مما اوتوا ، لانهم يؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ، و لان الله قد وقاهم شح انفسهم ، و من يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون .
و هكذا تتدرج آيات السورة ابتداءا من التكافل الاجتماعي لتبلغ اسمىمراحل الاخوة الايمانية المتمثلة في الايثار . و يبدو ان هذه البصيرة هي محور السورة كلها .
الخامسة : لكي تبقى مسيرة الاخوة عبر الاجيال فان المؤمنين يستغفرون الله لمن سبقهم بالايمان .
السادسة : ان المؤمنين يدعون ربهم دوما ان ينزع من صدورهم اي غل تجاه اخوتهم المؤمنين .
السابعة : و كما يضرب القرآن لنا مثلا اعلى للاخوة بين ابناء البشر في قصة الانصار ( من اهل المدينة ) و المهاجرين ( من غيرهم ) و ما كان بينهم من ايثار و حب ، يسوق أمثولة من واقع المنافقين ( من اهل المدينة ) و كفار اهل الكتاب ( من غيرهم ) كيف سادت علاقاتهم الخيانة ، فقد وعدوهم بان ينصروهم ان هوجموا و الله يشهد انهم لكاذبون ، كما يسوق امثولة اخرى من واقع اليهود و كيف انهم يفقدون التمسك بعزة الله فتراهم يرهبون منكم ، كما ان قلوبهم شتى فيما بينهم لانهم قوم لا يعقلون .
و هكذا علاقة الشيطان بمن يتبعه ، يامره بالكفر ( و يمنيه بالنصر ) و لكنه يخذله ، و يقول : اني اخاف الله رب العالمين ، فيكون عاقبتهما النار خالدين فيها .
الثامنة : و لكي تنمو في الامة روح التقوى التي هي اصل كل خير فان الله يأمرنا بان ننظر ماذا نقدم لدار مقرنا التي ننتقل اليها غدا ، و يأمرنا بذكره ابدا ، لان من ينسى الله ينسيه الله نفسه ، و ان نسعى لنكون من اهل الجنة ( التي سبقت الاشارة اليهم ، و كيفيؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ) ، و ان نحذر مصيرا اهل النار فهما لا يستويان مثلا ، اصحاب الجنة هم الفائزون .
و في ختام الآية يتحف ربنا رسوله و المؤمنين ببيان اسمائه الحسنى عبر آيات لو انزلت على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله ..
و اذا تفكرنا في هذه الاسماء و وعيناها فان الانصهار في بوتقة التوحيد و الخروج من شح الذات يكون ممكنا باذن الله .
|