الاطار العام الصورة المثلى التي تبشر بها رسالات الله لحضارة الانسان في المستقبل ، هي صورة ذلك المجتمع المبدئي الذي يتعالى عن مؤثرات المادة السلبية ، ليسموا الى افق القيم الربانية ، انئذ تنصهر كل القوى في بوتقة الوحي ، بعيدا عن عصبية الاقليم و القوم ، و حزازات الطائفة و الطبقة و الحزب .
و لكي تسعى البشرية نحو تحقيق هذه الصورة المثلى فان الوحي يصنع نموذجا بشريا رائعا ممن يسميهم بحزب الله او الامة الشاهدة و الصفوة الخالصة .. لكي تكون سيرتهم قدوة لغيرهم ، و لكي يكونوا كما الدرع الواقية تحيط بالامة و تمنعها عن التمزق و التشرذم .
ارايت كيف جعل الله الجبال اوتادا للارض تحميها من القواصف و العواصف و الهزات و الزلازل ، كذلك حزب الله المنتشرين في اوساط الامة يمنعونهم من التقاتل تحت ضغوط المصالح و الاهواء ، و عن الاختلاف و التمزق .
و يبدو ان سورة الممتحنة تربي في الامة تجمع حزب الله ثم الامثل فالامثل ممن يتبع نهجم و يقتدي بسيرتهم ، و هكذا الخطاب يتوجه في فاتحتها الى المؤمنين لكي يبتعدوا عن مودة الكفارة المعادين للرسول و لكم لانكم قد تفرغتم للجهاد في سبيل الله ، و لانكم تبحثونعن مرضاته ، و لان الله يعلم سركم و نجواكم ، و لان هذه المودة ضلال عن الصراط السوي ، و لانهم قد يتظاهرون اليوم بالمودة و لكنهم ان ياخذوكــم يشبــعونكم اذى بالسنتهم و ايديهم ، و اخير : لانهم لا يزيدونكم عند الله خبالا ، هنالك اذ يتميز المؤمنون عن الكافرين .
و لمزيد من التحريض على الكفار المعادين يرغب الرب المؤمنين بالتأسي بابراهيم - عليه السلام - و المؤمنين في عهده الذي تبرأوا من قومهم الكافرين ، و نابذوهم العداء ، و توكلوا على الله .
ان هذا الموقف الصلب قد يجعله الله سبحانه سببا لانتصار المسلمين على الكفار او لتحييدهم لا اقل مما يسمح للمؤمنين يومئذ بمودة من يشاؤون منهم لان الله لا ينهــى عن المـــبرة الى غير الاعداء من الكفار و القسط اليهم لان الله يحب المقسطين .
و ينعطف السياق الى الحديث عن المهاجرات ، ربما لان المعروف التحاق المرأة بالرجل بينما صلة الدين اقرب من علاقة الزوجية ، و هكذا كانت المرأة تترك زوجها للالتحاق بأبناء دينها ، و لكن يأمر القرآن امتحانها ، فاذا عرف منها الايمان انفصلت عن زوجها ، و منجهة ثانية اذا امن الرجل لم يجز له الابقاء على زوجته الكافرة .
و بعد بيان جملة احكام تخص هذه المفارقة يبين القرآن بنود بيعة النساء ، و ابرزها نبذ الشرك ( و الذي يعني نبذ كل حاكمية مخالفة لحاكمية الله ) ، و الامانة في المال و العرض ، و المحافظة على الاولاد ، و التورع عن اتهام احد ( فيما يتصل ظاهرابالامانة في النسب ) ، و الطاعة للقيادة .
و في خاتمة السورة يذكرنا الرب بضرورة الطاعة للقيادة الرشيدة ، و ينهى عن اتباع القيادات الضالة .
|