الإطار العام
مثلما نذر و الأعاصير الحطام ذروا ، مثلما تحمل السحب و قر الغيث إلى الأرض العطشى ، مثلما تجري السفن الثقيلة في البحر سيرا ، و كما يقسم ملائكة الله أرزاق العباد أمرا ، كذلك وعد الله صدق حقا حقا . متى ؟ في يوم الجزاء الذي لا ريب فيه .
هكذا تنتظم آيات سورة الذاريات حول محور المسؤولية التي يهدينا إليها التدبير القائم في الخليقة ، و أن كل شيء خلق بقدر ، و إلى أجل ، و لحكمة بالغة . أفيترك هذا الإنسان الذي سخرت له الأشياء سدى أو يمكن أن يكون خلقه عبثا بلا حكمة ولا هدف ؟
كلا .. قسما بالسماء المنتظمة كحلقات الدرع المتينة إن الرسالة حق ، و إنما أختلفوا فيها أو انحرفوا عنها لأنهم خراصون إن يتبعون إلا ظنا ، و لم ياخذوا الأمور بجد ، بل تغمرهم أمواج الأماني ، ساهين عما ينتظرهم ، و يسألون باستهزاء : متى يأتي الجزاء ؟ هل يدرون أيان يوم الجزاء عندما يعرضون على النار عرضا ، و قبل أنيلقوا فيها يقال لهم : " ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون " .
أوليس هذا الجزاء الحق كان لإيقاظ الإنسان من سباته ، و إنقاذه من غمرات السهو ؟ بلى . وفي الجانب الآخر أنظر إلى المتقين الذين آمنوا بالجزاء فتجنبوا النار وما يجرهم إليها في الدنيا . أين تراهم اليوم ؟ ٍإنهم في جنات و عيون ، و كما أحسنوا في الدنيا بالعطاء تراهم اليوم ياخذون عطاءهم من ربهم . أي عمل عظيم قاموا به فبلغوا هذه الدرجات العلى ؟ كانوا قليلا من الليل ما يهجعون تبتلا إلى الله ، و بالأسحار هم يستغفرون تطهرا من الذنوب و تطلعا إلى المغفرة و الرضوان ، و قد وضعوا على أنفسهم في أموالهم حقا مفروضاللسائل و المحروم غير الواجبات التي فرضت عليهم إحسانا و فضلا .
أفلا يكفي ذلك باعثا للصالحات ، داعيا إلى المكرمات . افلا يكفينا سهوا و غفلة و هزلا ؟
و إذا نظرت إلى الأرض كيف مهدت للحياة ، و إلى النفس كيف انطوت على عالم كبير اختصرت آيات الخليقة في كل خلية منها ، و إلى السماء كيف يتنزل منها رزق الله و ما وعده الداعين من فضله .. لعرفت أنه الحق كما أنك لاترتاب في نطقك .
و يضرب القرآن مثلا من ضيف إبراهيم المكرمين : كيف بشروه بغلام عليم لأنه أطاع الله ، و حملوا العذاب إلى قوم لوط لأنهم كذبوه . أوليس ذلك دليلا على أن وعد الله صادق ، و أن الدين لواقع ، و أن الرسالة حق لا يحتمل السهو و اللهو و السخرية .
كما أن استجابة الدعاء لامرأة إبراهيم العجوز العقيم لشاهد صدق على تدبيرالله للخلق ، و أن وعده لصادق عندما أمرنا بالدعاء و ضمن الإجابة .
و يقص السياق عاقبة فرعون الذي كذب برسالة موسى الذي جاءه بسلطان مبين فأخذه الله - و جنوده - فألقاه في اليم غير مأسوف عليه .. كذلك يشير إلى قصة عاد الذين أرسل عليهم ريحا مدمرة ، و قصة ثمود الذين أخذتهم الصيحة ، و قصة قوم نوح الذين لفهم الطوفان ، كل أولئك الذين فسقوا عن أمر الله فدمر عليهم ، فهل هذا سهو أم هزل ؟
كلا .. ما خلق الله السماوات و الأرض إلا بالحق و الحكمة . فما هي حكمة خلق الجن و الإنسان ( بما أوتيا من حرية القرار ) ؟
تعال ننظر إلى السماء التي بناها الله بقوة و إنه لموسعها ، و إلى الأرض فرشها برحمته ، و خلق من كل شيء زوجين ، لعلنا نذكر وحدته و حسن تأليفه و تدبيره .
على أي بصيرة تشهد كل هذه الحقائق ؟ أوليس على أنه سبحانه المدبر و السلطان المهيمن ؟ ألا نفر إليه لنأمن في كهفه عواصف الفتن ، و قواصف العذاب ، سالمين من فتنة الشركاء و الأنداد الذين ينبهون في الدنيا حقوقنا و يقودوننا في الآخرة الى سواء الجحيم ؟
من أجل هذا جاء الرسول و جاءت سائر الرسالات ، و لكن الناس تمردوا و قالوا عن كل واحد منهم شاعرا او مجنونا ، فهل تواصوا بذلك أم هم قوم طاغون ؟
ذرهم في غيهم غير ملوم عليهم ، و توجه للقاء المؤمنين فذكرهم . إن الذكرى تنفعهم .
و كذلك جاء الرسل لتحرير الإنسان من نير العبودية الشركية إلى رحاب عبوديةالرب الواحد ، و إنها لحكمة خلق الجن و الإنس ، فما خلقهم الله ليربح عليهم أو يعطوه شيئا ، تعالى الله ذو القوة المتين أن يصل إليه نفع من عباده أنى كان صغيرا .
إذا فما هي عاقبة هؤلاء الظالمين و الكافرين ؟ دعهم يستعجلون العذاب فإن نصيبهم منه مضمون ،ـ و إنهم لمعذبون مثل سلفهم العابر ، و إن لهم الويل في يوم المعاد عندما يحيق بهم ما استهزأوا به .
و هكذا تختم السورة بما يبدو أنه محور السورة الأساس أي حكمة خلق الله للإنس و الجن المتمثلة في عبادته .
|