فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الإطار العام


قسما بالطور ، و الكتاب المسطور . قسما بالبيت المعمور ، و بالسقف المرفوع . قسما بالبحر المسجور : إن عذاب الله حق ، و إنه واقع بالتأكيد .

بهذه الكلمات الصاعقة تفتتح السورة التي جاءت لشفاء الإنسان من مرض الجدل ، و ما أكثره جدلا ! متى يصدق بهذه الحقائق ، أفي يوم تمور السماء مورا ، وتسير الجبال سيرا ، و هل ينفعه التصديق يومئذ حيث يصب الويل للمكذبين ؟

إنهم لم يكونوا يابهون بالنذر ، كانوا سادرين في لعبهم ، فهل لهم أن يستمروا كذلك يوم يدعون الى نار جهنم دعا ، و هل لهم أن يكذبوا بنارها التي تتقد أمامهم ؟!

أم يقولون يومئذ : انها خيال و سحر زائف ؟! ليس المهم ما يقولون ، ولا أنهم يصبرون يومئذ على النار أم لا يصبرون ، لانهم مواقعوا النار يصلون لهيبها بما كانوا يعملون ..


هكذا تتواصل الآيات تستزيح من نفس الإنسان حالات الجدل و اللعب و التهرب من الحقائق بالاعذار التافهة ، و لكي لا يستريح الإنسان إلى الرخاء الظاهر والأمن الموقت الذي يعيشه اليوم لابد أن يتحسس ذلك اليوم الذي يهتز فيه كل شيء ، من السماء التي كانت سقفا محفوظا ، إلى الجبال التي كانت ركنا شديدا .

ثم يرسم السياق لوحة بارعة الجمال تتجلى فيها صورة أهل الجنة وهم يتنعمون في جنات واسعة ، بعيدين عن عذاب الجحيم ، ياكلون و يشربون بما عملوا من الصالحات في حياتهم الدنيا ، و قد استراحوا على سرر مصفوفة ، و زوجهم الله بحور عين ، و حولهم الصالحون من ذريتهم ، و وفر الله لهم النعم من الفاكهة و اللحم و الكأس الكريم ، و يتذاكرون نعم الله عليهم أفليس قد كانوا مشفقين في أهلهم ، و جلين من عذاب جهنم ، فقد وقاهم ربهم بمنه عذاب السموم .

و بعد أن نشاهد هذه اللوحة التي تثير اشتياق النفوس الكريمة يتناول السياق ما يبدو انه الموضوع الرئيسي للسورة ، وهو معالجة حالة الجدل في الحقائق الواضحة ، و ذلك بتسفيه الاعذار التي يتشبث بها الانسان للتهرب عن قبول الحق ، و هي مظاهر مرض الجدل الخطير ..
لقد قالوا : إن الرسول كاهن أو مجنون ، و قالوا بل هو شاعر فإذا مات انتهت دعوته ، و قالوا انه افتراه .. كل تلك الدعايات تتلاشى حينما يضعها الإنسان في إطار الحقائق الكبرى ، و يتصور نعم الله التي يسبغها عليه ( من الطور و كتاب مسطور و السقف المرفوع و .. و.. ) و عندما يتحسس يوم القيامة عندما تمور السماء مورا ، و تسير الجبال سيرا ، كذلك تتلاشى أفكار مشابهة مثل التفكير في عدم الحاجة إلى الباىء .

و يتساءل السياق : إذا هل هم خلقوا أنفسهم ؟ أم أنهم خلقوا من غير شيء ؟ و من الذي خلق السماوات و الأرض ؟ كلا .. بل لا يوقنون ، و هذه هي مشكلتهمالأول . ومن يريد الفرار من الحقيقة الواضحة لا يجد أمامه سوى هذه الخرافات .

و يمضي الذكر الحكيم في بيان ضلالاتهم و تفنيدها : فمن يا ترى يسيطر على خزائن السموات و الأرض ؟ ثم يقولون : ان لله البنات فهل لهم البنون ولله ما يعتبرونه الأدنى أي البنات ! ما لهم كيف يحكمون ؟!

أم تراهم يخشون من دفع غرامة إن هم آمنوا . او يطالبوا باجر . أم أنهم يعلمون الغيب بوضوح فيعتمدون عليه في تخرصاتهم . ؟

و بهذه التساؤلات الحادة المتتالية يستثير القرآن عقولهم و وجدان ضمائرهم حتى يروا بطلان تلك الأفكار بانفسهم .

ثم يقول : " أم يريدون كيدا "، و يبدو أن هذا هو جواب التساؤلات ، و لكن ، يعلموا أنهم هم المكيدون ، و أنه لا إله إلا الله الواحد لا شريك له ، ولا علاج لمثل هؤلاء عندما يرون العذاب فيقولون سحاب مركوم ، فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون.

و بعد أن يذكر القرآن أولئك الكفار بان عذاب الدنيا نذير لعذاب الآخرة يأمر الرسول و المؤمنين بالصبر لحكم الله فإنه وهم في رعاية رب العزة ، و يامره وإياهم بالتسبيح ليلا وعند الأسحار .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس