فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الإطار العام
تحيط آيات هذه السورة المباركة بثلاثة محاور رئيسية ، هي :

1 - إعراض الكفار عن الآيات الالهية ، سواء تمثلت في الرسالات النازلة ، أو المعاجز التي تظهر على أيدي الأنبياء ، أو ما تتجلى في الكائنات أو السنن التي تتجلى في تاريخ الأمم الغابرة ، و نجد مرتكزا لهذا المحور في قوله تعالى : " وإن يروا آية يعرضواو يقولوا سحر مستمر " ( الآية 2 ) .

2 - التكذيب بالحق ، و يبرز هذا المحور عند قوله تعالى : " و كذبوا و اتبعوا أهواءهم و كل أمر مستقر " ( الاية 3 ) ، و هكذا شبيهاتها ( الآية 9 ، 18 ، 23 ، 33 ، 42 ) .

3 - التذكرة ، و يظهر ذلك من تكرار قول الله تعالى : " و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " في أربعة مواضع ، بالاضافة إلى الآيتين ( 15 / 51 ) .


و بالتدبر العميق في السورة نجد ارتباطا و ثيقا بين المحاور الثلاث فيها ، فالاعراض بالاضافة الى كونه مظهرا للتكذيب هو سبب له أيضا ، و هذا يبين لنا أن تكذيب الرسالات ليس منطلقا من قناعة المكذبين بها ، و إنما من انحراف حقيقي في أنفسهم ، لأنك تجدهم يعرضون عنها و بالتالي يكذبونها قبل دراستها و التفكر فيها .

ولكن ما هو علاج الاعراض و التكذيب عند البشر ؟ إنه التذكرة . و القرآن إنما جاء ليحقق هذا الهدف الهام و الكبير ، لذلك نجده من حيث المحتوى والأداء الأدبي و النفسي و الفكري حكمة بالغة ، تنفذ إلى أعمق أغوار نفس الانسان ، و أبعد آفاق عقله ، و لكن "لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " ، فهو ميسر من قبل الله ، و هذا التيسير هو الذي جعل كلام الخالق الذي لا يتناهى عظمة وجلالا و علوا بينا و واضحا عند خلقه .. قال الامام الصادق (ع) : " لولا تيسيره لما قدر أحد من خلقه أن يتلفظ بحرف من القرآن ، و أنى لهم ذلك وهو كلام من لم يزل ولا يزال " (1) ، و لكن المعنى الذي يرتبط بعلاج الاعراض و التكذيب عند البشر هو أن القرآن يصور لنا الحقائق الكبرى ، كحقائق الغيب التي ينحسر عنها - اولا تيسير القرآن - وعي الانسان ، و منها الآخرة ، تصويرا بليغابحيث تصبح يسيرة الفهم و الاستيعاب ، الأمر الذي يحدث تعادلا في عقل الانسان بين ما غاب مما يحدث في المستقبل وما هو حاضر يحسه و يعايشه . إنه يدعوه إلى التعايش مع الحاضر الذي تشتهيه نفسه على أساس المستقبل ، أو ينهاه عن استهلاك شيء حاضر لأنه يوقعه في مهالك المستقبل .


(1) تفسير روح البيان / ج 8 / ص 433 .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس