فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


ولقد يسرنا القرآن للذكر
هدى من الآيات

إذا كانت هداية البشر هدف رسالات الله فإن الوسيلة المثلى التي تتبعها هي تذكرته و إنذاره ، لكي تتساقط حجب الغفلة و الكبر عن قلبه . إن في ضمير الانسان خوف دفين من مستقبل مجهول ، و يستثير القرآن هذا الخوف بتذكرته بالساعة ، و ما الساعة ؟ إنها أدهى و أمر.

و هذا النهج نجده أكثر تجليا في السورة المكية ذات المقاطع القصيرة ، و بالذات سورة القمر التي تتجلى فيها هذه الوسيلة بأظهر مصاديقها ، و قد سميت بذلك بسبب إشارتها إلى آية انشقاق القمر ، الظاهرة التي حدثت في عصر الرسول (ص) بمكة المكرمة ، حسبما يقول أغلب المفسرين .

و يوصل القرآن بين هذه الظاهرة المعجزة و بين اقتراب يوم القيامة لأنه قريب من بعثته (ص) ، و هو القائل : " إنني بعثت و الساعة كهاتين ، وجمع بين إصبعيه "دلالة على قربهما الزمني ، أي لا يلبث العالم بعده أن يشهد الساعة ، و قال علي بن إبراهيم (رض] : " اقتربت القيامة فلا يكون بعد رسول الله (ص) إلا القيامة ، و قد انقضت النبوة و الرسالة " (1) .

وسواء كانت الساعة بعد آلاف أو ملايين السنين من بعثته (ص) فإنها قريبة إذ كل آت قريب ، و لأن البعد و القرب لا يقاسان بحياة الانسان المحدودة في الدنيا ، بل يقاسان بما في الكون من أرقام و أبعاد زمانية كبيرة ، فقد يكون عمر الشمس عشرة ملايين سنة و لكنهاانقضى أكثرها ، و أصبحت نهايتها قريبة جدا ، ثم ما هي نسبة هذه المدة إلى الزمن اللآمتناهي الذي يلي الحياة الدنيا ؟!

إن الكفار كذبوا هذه الآية المعجزة مع وضوحها ، و أعرضوا عن دلالاتها ، و لكنهم لم يكونوا أول ولا آخر المكذبين ، فقد سبقهم إلى هذا الضلال قوم نوح و عاد ، و كانت عاقبة أولئك الخزي و العذاب ، فلا ينبغي للرسالي أن يصاب بهزيمة نفسية إذا رفض البعض الاستجابة إلى دعوته ، فإن دعوته منصورة ، و إن المكذبين في ضلال بعيد .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس