فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الاطار العام


لماذا خلق ربنا الغني العزيز هذه الكائنات ؟ أليس لأنه سبحانه الرحمن ؟ آيات رحمته الواسعة تجلت في كل شيء : في هذا الكتاب الذي يهدينا إلى نوره ولولاه لما عرفناه . . في هذا الإنسان الذي أحسن خلقه و أكرمه و علمه البيان ليفضله على كثير ممن خلق ، في الشمسالمضيئة ، و القمر المنير ، في النجم المسخر برحمته ، و في الشجر الساجد لعظمته . في السماء التي رفع سمكها و جعلها سقفا محفوظا . في النظام المحسوب الذي قدره ، و في الميزان الذي وضعه للناس حتى يحكموا العدل بينهم ولا يطغون ...

بلى . سبحات وجهه الكريم تتجلى في آياته . أفلا تتجلى في قلوب عباده ليعرفوه و ليسكنوا إلى رحمته فلا يبتغوا عنه بدلا ؟ ما أعظم خيبة من عاش على شاطىء رحمة الله ظامئا لأنه لم يهتد إليها ؟

هكذا تتواصل آيات سورة الرحمن مذكرة بهذا الإسم المبارك الذي لو انعكسنوره في أفئدتنا غمرها بالسكينة و الأمل ، بالتطلع و التوكل ، بالعطاء و الكرامة .

لماذا اليأس و ربنا الرحمن ؟

لماذا الإنغلاق و خالقنا الرحمن ؟

أفلم يجعل الأرض للأنام ، فيها فاكهة و النخل ذات الأكمام ، فلماذا التكذيب بآلاء ربنا و الكفر بنعمه ؟ ( ومن التكذيب : تحريم الطيبات على أنفسنا بعد أن خلقها لنا ، و من الكفر : القنوط من روحه ، و الإنطواء على أنفسنا يائسين ) .

خلق الله الإنسان هذا العالم الكبير ابتداءا من صلصال كالفخار ( أوليس بقادر على أن يبعثه مقاما محمودا ليكون أكرم من خلقه ، فلماذا اليأس و التكذيب ؟) .

و خلق الجان من مارج من نار فبأي آلاء الرب يكذب الجن و الإنس ؟

و يبصرنا السياق بتجليات رحمة الله في اختلاف الفصول بحساب دقيق ، و بحركة المياه عبر نظام قاهر يفصل بين الفرات و الأجاج ، و إذا باللؤللؤ و المرجان يستخرجان منهما ، و أجرى فيهما السفن الكبيرة بتقدير حكيم ، فأنى يكذبون بآياته ؟

و بعد أن يشير إلى أن الثقة ليست بنظام الخليقة لأنها فانية ، بل بخالقها لأن وجهه الكريم باق لا يفنى ، يعود و يذكرنا بأن خزائن رحمته لا تنفذ ، و منها يسأل من في السموات و الأرض فلنسئله أيضا . لماذا نكذب و نخسر عطاءه ؟

إن التكذيب بآيات الله و نعمائه ليس فقط خيبة أمل في الدنيا ، بل خسارة عظمى في الآخرة ، و هكذا تنذرنا الآيات من عاقبة التكذيب يوم الحساب العظيم فأنى يمكن أن نهرب من حكومته ؟ هب أننا نفذنا من أقطار السموات و الأرضفهل ننفذ إلا بسلطان منه ؟ أفلا نحسب حساب شواظ النار و النحاس ، فهل نقدر على مقاومتها ؟ فلماذا إذا التكذيب بآلاء ربنا الغني العزيز ؟ فيوم تنشق السماء و تتحول حمراء كأنها وردة أنى يمكن التكذيب بآلاء الرحمن ؟

يومئذ لا داعي للسؤال عن المجرمين . أو ليسوا معروفين بسيماهم ؟ فيؤخذ بالنواص و الأقدام و يلقى بهم في نار جهنم التي كذبوا بها ( حينما كذبوا بالحساب و كذبوا بآلاء الله ) .

تعالوا نؤمن بربنا المقتدر الجبار و نخشاه حتى يرزقنا الجنة ، فلمن خاف مقام ربه جنتان ذواتا ظلال وارفة ، و عيون جارية ، و فواكه متنوعة ، و أسرة موضونة عليها الحرير و الإستبرق ... هنالك تجد قاصرات الطرف من الحور الطاهرات كأنهن الياقوت و المرجان ، بلى. ذلك جزاء إحسانهم ، و أقل منهم بدرجة جنتان ملتفة الأغصان ، تتفجر فيهما عينان ، فيهما من أنواع الثمار ، كما فيهما الخيرات الحسان من النساء حور محفوظات في الخيام لم تصل إليهن يد إنس ولا جان .. هنالك يستريح الصالحون على رفوف خضر و عبقري حسان .. كل هذهالنعم التي يبشر بها القرآن لماذا التكذيب بها بعدم السعي إليها ؟ تبارك اسم ربك ذي الجلال و الإكرام .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس