الإطار العام
عبر (59) آية قصيرة نسبيا تطالعنا سورة الدخان الكريمة بثلاث موضوعات أساسية : ليلة القدر ، و الفتن الكبرى ، و صور عن الجزاء الأوفى في الآخرة .
ماهي العلاقة بين هذه الموضوعات ؟
كل شيء في الخليقة مقدر سلفا ، و لكل جزيئة منها غاية محددة سلفا ، أو يمكن لهذا الانسان الأكمل خلقا بينها أن يترك سدى .. كلا .. الذرة المتناهية في الصغر - حسب علمنا - مخلوق مقدر بعلم ، و مسير لهدف ، و كذلك المجرة المتناهية في السعة - حسب علمنا - مخلوق مقدر بعلم ، و مسير لهدف .. أفلا يكون لهذا الانسان تقدير و هدف ؟
لعل عقلانية الخليقة هي محور السورة . تعالوا إذا نوصل فروع بصائر السورة بهذا المحور .
أولا : القرآن أنزل في ليلة القدر - المباركة - لانه ينذر باسم مقدر هذا الخلق ، و ألا يزيغوا عن ذلك التقدير الحكيم الذي قضي في ليلة القدر ، حيث يفرق فيها كل أمر حكيم . أمرا من عند الله ، الذي أرسل الأنبياء ينذروا الناس به .
وكانت تلك رحمة من الله ان ينذر الناس ألا يتجاوز تلك السنن و الأقدار ، فيتعرضوا للخطر .
و بعد أن يذكرنا بعظمة الخالق يقول : " بل هم في شك يلعبون ( وهو سبـب كفرهم بهذه الرسالة و سيبقى ضلالهم حتى يأتيهم العذاب ) فارتقب ( يوم العذاب ) يوم تأتي السمــاء بدخــان مبيــن * يغشــى الناس ( حيث يتساءلون ما هذا ) هذا عذاب أليم * ( فينادون) ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون * ( و هيهات ) أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه ( بعد أن انذرهم بما فيه الكفاية ) و قالوا معلم مجنون * ( و يأتيهم الخطاب ) إنا كاشفو العذاب قليلا انكم عائدون * ( ولعل هذا العذاب هو العذاب الأدنى ، الذييأخذهم ليكون نذيرا للعذاب الأكبر ، وهذا بدوره من شواهد القيامة ) يوم يبطش الله البطشة الكبرى ( فيومئذ لا ينفع الاستغفار ) إنا منتقمون " .
و يسوق القرآن قصة فرعون لتكون شاهدة على مجمل هذه البصائر التي سبقت . تقـديـر الله الحكيـم - انذار الرسل ، نزول العذاب ، و الجزاء الحسن الذي أتاه بني اسرائيل - .
و تلك هي فتنة كبرى تعرض لها قوم فرعون فلم يفلحوا حيث جاءهم موسى بالبلاغ المبين ، فلما رجموه بالتهم دعا عليهم فجاءه النصر ، حيث أغرق الله فرعون و قومه ليتركوا وراءهم ثرواتهم دون أن تذرف السماء عليهم دمعة . أوليســوا كانـوا خاطئين ، حيث زاغوا عن القدر الحكيم ، و الصراط المستقيم . تلك هي سنة الجزاء ،و دليل على ان الله خلق كل شيء بالحق ؟!
و كذلك فقد نجى الله بني اسرائيل من العذاب المهين ، و اختارهم على علم ( و استحقاق لديهم ) على العالمين .
كيف يترك الانسان سدى ، و بلا محاسبة ، و كيف تكون حياته الدنيا خاتمة المطاف ، و لقد أهلك الله قوم تبع ، حيث كانوا مجرمين - وفي هذا دليل على حكومة الله العادلة على مجريات التاريخ - كما انه يكشف عن جانب من عقلانية الخليقة ، وأن الله لم يخلق السماواتو الارض وما بينهما إلا بالحق ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، و عدم علمهم دليل جهلهم لا عدم صحة هذه الحقيقة .
و يفصل الذكر الحكيم جانبا من جزاء الله في يوم القيامة ، و يقول : " إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين " ( في ذلك اليوم لا ينفع الأنداد الذين يشركون بهم ) " يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا " ( وحتى لو انهم نصروهم فانهم لا ينصرون ) .
و بعد بيان طعام شجرة الزقوم ، و كيف يقيد المجرم الى عذاب النار ، يعرض الرب لنا جانبا من نعيم الله للمتقين ، و يختم القرآن السورة بأن تيسير الكتاب كان بهدف تذكيرهم ( فمنهم من يتذكر ومنهم من ينتظر ) فارتقب انهم مرتقبون .
وهكذا ينذر القرآن عباده بالجزاء الأوفى الذي هو رمز حقانية الخليقة ، و عدالة الله و تقديره الحكيم .
|