فذكر بالقرآن من يخاف وعيد
هدى من الآيات لا تزال الآيات القرآنية تعالج العجب الذي اعترى الكفار من حديث البعث ، وهي في هذا الدرس تصور لنا بعض مشاهد القيامة ، لتكشف لنا جانبا من أسرار النشأة الأخرى التي لا وسيلة للتعرف عليها إلا من خلال القرآن لكن الهدف الأهم من ذلك لهذا اللون من الحديث هوالتربية ، ذلك أنه لو ترك الانسان الحجب الشهوانية ، و الاجتماعية ، و التربوية ، و الوراثية ، لرأى الحقيقة بوضوح تام ، لأن هذه الحجب و الأغلال هي التي تمنع عقله من الانطلاق في آفاق الايمان و المعرفــة . و لكن كيف يقتحم البشر هذه العقبات ، و ينفذ بعقلهإلى ما ورائها عن الحقائق ؟
إن ذلك لا يمكن إلا بهزة عنيفة تتعرض لها نفسه ، فتسقط عنها أستارها ومن شأن الآيات القرآنية بحديثها عن مشاهد القيامة السلبية و الايجابية ، و بالاسلوب البلاغي و النفسي الرائع أن تحدث هذه الهزة .
إن مجرد سماع الانسان حديث القيامة يكفي أن يبعثه نحو التفكير ، وإذا فكر تفكيرا سليما اهتدى الى الحقيقة ، و نضرب على هذه الفكرة مثلا فنقول : لو كان شخص يسير باتجاه حفرة في طريقه ، فان مخاطبته بكلمة إنتبه وحدها ، حري بأن يرفع عنه الغفلة و يوقظ عقله وحواسه ، فيكتشفها دون أن يحتاج الأمر الى بيان مفصل . و هكذا لو كنت في سيارة تسير بسرعة وقد غفل سائقها في حين اعترضته سيارة أخرى ، فان رفع الغفلة عنه قد لا يحتاج إلا الى كلمة واحدة ليضغط على الفرامل . وهكذا القرآن يهز ضمير الانسان لينتبه من غفلته ، ويستثير عقله في مسيرة الحياة ليفكر فيهتدي للحق ، لأن مشكلته الأساسية أنه لا ينتفع بعقله .
ثم إن القرآن جاء ليحقق هدفين هما : تزكية نفس الانسان بهدايته الى الحق و دفعه للالتزام به في كل جوانب الحياة ، كما جاء ليزيده علما بالحقائق من حوله وفي نفسه " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمةو إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " (1) لذلك فالآيات كلها تنتهي إلى أحد هذين الهدفين أو إليهما جميعا في موضع واحد ، ومن هنا ينبغي لنا أن نقرأها مرة للتعلم و مرة للاتعاظ .
|