أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ؟!
هدى من الآيات في سياق هذه السورة التي تدور حول تصحيح علاقة الإنسان بما حوله ، يضرب لنا القرآن مثلا من فرعون الذي اغتر بزينة الحياة الدنيا ، و استعبد الناس بها ، فكانت نهايته الأليمة أن أغرقه الله و جنده ، وما هذه العاقبة و أمثالها من الظالمين ببعيد .
لقد جاء موسى (ع) الى فرعون لكي يحدد له العلاقة السليمة بالطبيعة ، فله أن يسخرها و يستفيد منها ، لا أن يركن إليها ، و يطمئن بها ، لأنها متغيرة ، و كل متغير زائل ، بيد أن فرعون آثر الكفر على الإيمان ، و رفض الإنقياد لرسالة الله ، و قيادة موسى (ع) .
و يركز الله في هذه القصة على علاقة الانسان بالطبيعة ، فقد اعتقد فرعون أنه مادام يملك مصر ، وأن الأنهار تجري من تحته ، فلابد أن يكون هو ملك الناس و موجههم دون موسى (ع) الذي جاءه بمدرعة الصوف ، و بيده عصاه التي يتوكأعليها ، و يهش بها على غنمه ، غافلا عن أن قيادة الحياة ليست للأغنى أو الأعتى بل للأصلح .
و تتناسب هذه الآيات و الآية التي تقول : " و قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " لأن أهل الجاهلية كما فرعون اعتقدوا بأن الأصلح للحكم هو الأغنى وليس الأصلح الأقرب الى الله عز وجل .
كما هي مثل للقرين الذي يقيضه الله لمن يعشو عن ذكره ، حيث أن فرعون حين وجـد قوما فاسقين استخفهم ، و أثار فيهم النزعات الشريرة و الشهوات العقيمة ، فقال لهم : ألا ترون - يا قومي - أني ملك مصر ، كما بيدي تنظيم أنهارها . هل أنا خير أم هذا الذي لا يتزينبأسورة من ذهب ، ولا تصف وراءه جنوده ( من الملائكة ) ؟!
وهكذا يصد الطغاة ( وهم قرناء السوء ) الغافلين عن ذكر ربهم ، و يزينون لهم سوء أعمالهم ليحسبوا أنهم مهتدون !
و أخيرا : يضرب القرآن بهذه الآيات مثلا لعاقبة المستهزئين بالرسالات ، الذين ازينت الدنيا في أعينهم ، فعبدوها و قاسوا كل شيء بزخرفها ، كيف يحيط بهم ما عبدوه ، ويكون هلاكهم بما افتخروا به . ألا ترى كيف تبجح فرعون بالأنهار التي تجري من تحته فأطاعه قومه بذلك فأغرقهم الله فيها ؟! هكذا يضرب الله للناس الأمثال .
و للسياق هنا محوران : الأول : ما يتعلق بموسى (ع) و فرعون ، الثاني : ما يرتبط بفرعون و ملئه ، الذين لم يتدخلوا لحسم الحوار للحق ، فاستحقوا العذاب بسبب سكوتهم عن فرعون و اتباعهم لهم .
|