ذلك تقدير العزيز العليم
هدى من الآيات بعد أن تهيأت النفوس الطيبة ، لتلقي آيات الله ، و ذلك بذكر العاقبة السوءى التي تعرض لها أصحاب القلوب المغلقة ، يشرع القرآن بالتذكير بالله عبر آياته ، و أولها آية الحياة التي يبثها الرب في الأرض الميتة ( كما يحيي بالرسالة القلوب ) و يخرج منها الحب ( الذي يشكل أعظم طعام البشر ) كما يجعل فيها جنات ذات أشجار النخيل ( المتنوعة الفوائد ) و كروم العنب ( الذي هو من الثمرات المفيدة كما التمر ) و فجر الله الأرض عيونا تجري بالبركات ، و الأهداف الثلاثة منها هي : أن يستفيد منها البشر رزقا ، و ليصنع فيهاما يشاء من حاجاته ، و لكي يشكر ربه .
( و بعد آية الحياة ) يذكرنا الرب بآياته - سبحانه - في الخليقة ، و من أٍروعها آية الزوجية التي تشمل البشر والأحياء و غيرهما ( مما تدلنا على أن ربنا منزه عن الحاجة ) .
( و من طعام البشر و نظام حياته القائم على أساس التزاوج ، الى بيان آيات ربنا في الآفاق ) هذا الليل كيف يسلخ منه النهار ( مما يدل على أن أول ما خلقه الله هو النهار ، ثم سلخه فكان الليل ) فإذا هم مظلمون .
و الشمس ( التي هي محور منظومتنا ) تجري بسهولة و يسر ( و لكن ضمن خطة مرسومة ، والى نهاية معلومة تستقر عندها ) ذلك تقدير العزيز العليم ( الذي رسم للشمس مدارها بعلمه ، و سخرها بعزته ) .
أما القمر فقد قدره الله أيضا ( كما قدر الشمس ) ضمن منازل يجري عبرها يوميا حتى عاد في نهاية الشهر كما العرجون القديم ، ذابلا مصفرا .
و كلما تعمقنا في الخليقة ظهرت آثار التقدير و التدبير أكثر فأكثر ، فلا الشمس يجوز لها أن تسارع حتى تكون كالقمر في سرعة حركته ( فإن مدار الشمس سنوي و مدار القمر شهري ) ولا الليل ( الذي يحتوي القمر عادة ) يسبق النهار ، و يتجاوز حدوده ، بل كل جرم يسيربسرعة معينة في مداره المرسوم له .
( و هكذا يستطيع البشر أن يطمئن الى النظام المحيط به ، و أن ينظم حياته و فقه بدقة متناهية ، و أن يبني حضارته على هذا الأساس ) .
و هناك نعمة أخرى ضرورية لسعادة الانسان و حضارته ، هي نعمة السفن التي هي آية إلهية . إنها لآية تهدينا الى ربنا ، و تعرفنا بعزته و رحمته ، فهي تمخر في البحار ، و تحمل الناس و البضائع الكثيرة ، أما في البر فقد خلق الله لنا الأنعام التي تشبه السفن .
( و ليس تسخير السفن أو الانعام من صنع البشر ، لأنه إذا لم يهيء الله الأمور للإستفادة منها فلن يقدر البشر على ذلك ) و دليل ذلك أنه : لو أراد الله إغراقهم |