فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


انا كذلك نجزي المحسنين
هدى من الآيات

حينما يبين لنا القرآن حقيقة أو حكما ، لا يلبث ان يضرب لذلك امثلة عديدة ليس للايضاح و حسب ، انما لبيان الابعاد و الحدود ايضا ، ذلك لان النفس البشرية قادرة على تحوير الالفاظ و تفريغها عن معانيها الحقيقية ، و تحويلها الى الفاظ قشرية غير مؤثرة ، بل وقدتعطي معاني غريبة عن المعنى الحقيقي .

فلكي لا يأتي بعض المفسرين القشريين ، أو بعض من تسول لهم أنفسهم تبرير الافعال والانحرافات للناس ، و يفسروا القرآن على اهوائهم و آرائهم ، لم يترك ربنا كلمة في القرآن الحكيم الا و اوضحها بالامثلة التاريخية التي لا يمكن نكرانها ، أو تبديلها و تأويلها الى غير مضامينها .

و اذ ذكرنا الله في الدروس الماضية بعابدة المخلصين ، الذين يدخلون الجنة بغير حساب ، كنا بحاجة الى الامثلة التأريخية التي من شأنها احاطتنا بصفاتهم و خطهمو الطريق الى هذه القمة السامقة ، فربما زعمنا اننا من المخلصين ، أو منينا أنفسنا بذلك ، و لكن القرآن يقطع طريق التمني ، حينما يضرب لنا أمثلة من حياة انبياء عظام كنوح و ابراهيم و اسحاق و يعقوب - عليهم السلام - ، و يبين لنا مواقفهم الربانية في تحدي الجبتو الطاغوت ، ليقول لنا : بان من لا يتحدى الجبت الداخلي ، فيصرع هوى نفسه ، لا يستطيع ان يتحدى الطواغيت و يصرعهم .

ولأن هذه السورة تعالج في جانب منها مرض الاستكبار ، الذي يتعالى المبتلى به على الحق كذبا و زورا ، و توضح كيف انه سينتهي بالانسان الى جهنم انها توضح = في مقابل الاستكبار - صفة الاحسان ، فبينما تعني الاولى المبالغة في حب الذات و التمحور حولها ، تعني الاخرى التنازل عنها و عما يملك الانسان من الطاقات و القدرات في سبيل الحق و الناس . ان الاحسان هو خروج الفرد عن ذاته ، و دخوله في رحاب المجتمع ، و كما يدخل الاستكبار الانسان النار ، و يجعله لعنة الاجيال ، فان الاحسان يدخل صاحبه الجنة ، و يخلد ذكره الحسنو مديحه على ألسن الناس في كل أفق و زمان .

و القرآن في هذا الدرس ، يؤكد بان المحسن ليس يجازى من قبل الله في الدنيا و الآخرة و حسب ، و انما يمشي ثناؤه كالطيب بين الناس ، وقد اكد ربنا هذه الحقيقة في أكثر من آيتين بالنسبة لنبيه ابراهيم (ع) ، مما يدل على اهمية دور الاحسان في رسالة الانبياء و نبوتهم (ع) .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس