فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


إني مسني الشيطان بنصب و عذاب
هدى من الآيات

في مواضع أخرى من القرآن تعرضت الآيات لقصة أيوب (ع) بمناسبة الحديث عن الصبر ، ( الجانب المعروف من حياته (ع) ) ، حتى لقد شاع المثل " صبر أيوب " ، أما في هذه السورة فان القصة تأتي في سياق الحديث عن العلاقة السليمة بالسلطة و الثروة و العافية، هذه النعم التي ينبغي أن لا تستعبد البشر ، فلا يستبد به الغرور اذا رزق منها شيئا ، ولا يقتله اليأس اذا زويت عنه .

و ما تلتقي فيه قصة سليمان و أيوب عليهما السلام ، أنهما يهدياننا الى تجسيد للنفس الربانية التي لا تبطر بالنعمة و الملك كنفس سليمان ، و لا تيأس إذا فقدت متع الدنيا كنفس أيوب عليهما السلام . و بالرغم من ان هذين المثلين من حياة شخصيتين الا أنهما - في الواقع - شخصية واحدة ، حيث المؤمن هو الذي يتعالى على زينة الدنيا متطلعا الى رضوان ربه ، فيشكر حينما يظفر بها ، و يصبر حينما تفوته .


لقد كان أيوب ذا مال و أهل كثير و سمعة طيبة بين الناس ، و هو يسخر كل ذلك من أجل عمل الصالحات ، فاذا به يفقد ماله و أهله ، و يصاب في جسده بمرض استقذره الناس بسببه ، و أبعدوه عن قريتهم خوفا من العدوى ، فتركه كل من حوله ، و لم تبق معه الا زوجته الوفيةرحمة بنت يوسف بن يعقوب عليهم السلام ، و التي ضربت مثلا في الصبر مع زوجها و الوفاء له ، إذ كانت تعمل في البيوت و تخدم الناس لتأتي له بالطعام و الشراب .

الا أنه عليه السلام بقي صابرا شاكرا لله على النعمة ، و ما زاده الأبتلاء الا صبرا ، و رجاء للفضل في الدنيا و الآخرة . و هكذا يكون المتقون كما و صفهم سيدهم علي (ع) فقال :

"نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء " (1)و لعل السبب في ثبات شخصية المتقين و استقامتها أنهم يستمدون مقوماتها من الرسالة الالهية الثابتة لا من الظروف و العوامل المادية المتغيرة .

أما زوجة أيوب (ع) الوفية - و التي لم تكن بعصمة الانبياء مع مكانتها و إيمانها = فقد جاء لها ابليس متمثلا في هيئة البشر ، و قال لها إنني طبيب ماهر و استطيع أن أداوي زوجك و لكن بشرط واحد ، هو أن يقول لي بعد شفائه أنني شافيته ، فقبلت حبا في زوجها النبي، فجاءت مسرعة و أخبرت أيوب بالامر فغضب عليها ، و حلف يمينا أن يضربها مئة جلدة .

و هكذا اتم ايوب امتحانه و دعا ربه فاستجاب له ، و خفف عن زوجته حين أمره بأن يأخذ ضغثا و يضربها به و اعاد عليه أهله و ماله و مكانته و ابقى ذكره لنا(1) نهج البلاغة / خ 193 / ص 303 .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس