إن ذلك لحق تخاصم أهل النار
هدى من الآيات الآيات القرآنية آيات مثاني متشابهات ، و من معاني هذه الكلمة انها تجري على اساس المقابلة ، الجنة و النار ، و الصالح و المفسد و الخير و الشر و .. و .. ولا يعرف الشيء بابعاده و حدوده إلا بمقارنته مع أضداده ، فالنهار يعرف بالليل ، و الحياة تعرف بالموت، و الغنى بالفقر .
و لكي يعرفنا ربنا بنعيم الجنة يحدثنا عن عذاب جهنم التي يستقر فيها ذوي العقائد و الأعمال المناقضة لأصحاب النعيم ، و من خلال الآيات التي وردت في كل القرآن يتضح ان المسافة بين العاقبتين منعدمة تماما ، فليس ثمة منطقة أخرى بينهما ، لهذا يكفي الانسان حتىيدخل الجنة أن يخرج نفسه من النار ، و كما قال الله : " كل نفس ذائقة الموت و إنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار و أدخل الجنة فقد فاز و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " (1)(1) آل عمران / 185 .
و هنا في هذه السورة و بعد أن يبين القرآن الحكيم أمثلة واقعية من التأريخ عن الذين اخلصوا لله في معتقداتهم و اعمالهم ، فاصروا بذلك قدوة و أئمة في الصالحات ، فمنهم من صبر و تجاوز اغراء السلطة والمال كداود و سليمان ( عليهما السلام ) و منهم من صبر على البلاء حتى صار مضرب المثل كأيوب (ع) فنالوا الجنة على ذلك ، بعد ذلك كله يضرب لنا مثلا من واقع أًصحاب النار الذين عصوا الله ، و حاربوا المؤمنين ، و طغوا في الأرض . و كما أن الأنبياء يشفعون لأتباعهم و يدخلونهم الجنة لا يدخل هؤلاء النار بمفردهم إنما يجرونمعهم كل من انتمى إليهم ، و اتبع خطهم في الحياة ، و هناك يتخاصم التابع و المتبوع تخاصما عنيفا ، يلقي من خلاله كل طرف المسؤولية على الطرف الآخر ، و كان ينبغي أن يحدث هذا الصراع في الدنيا ، بان يتمرد الانسان على أئمة الكفر ، و يثور على الطغاة ، أما وهولم يفعل ذلك فلن ينفعه تخاصمه في يوم الحساب شيئا و قد فوت على نفسه فرصة الإختيار السليم ، و العمل الصالح في دار الابتلاء .
ان السبب الذي يدعو أكثر الناس لاتباع الطغاة ، و الإنسجام مع الواقع المنحرف الذي يصنعونه في المجتمع ليس عدم معرفتهم بخطئه ، انما لا يعارضون ولا يثورون هربا من صعوبات الصراع و مسؤولياته ، و اذا استطاعوا ذلك في الدنيا فانهم يجدون مرارة الصراع في نار جهنم ، حيث الظروف القاسية ، و العذاب الأليم المستمر .
إن ربنا يقسم في هذه الآيات بأن الصراع في النار حق - كما أكد ذلك في الدنيا في مواقع أخرى من القرآن ، و التخاصم الذي يشب لضاه هناك لهو دليل على ترك الانسان الالتزام بمسؤوليات الصراع في هذه الحياة ، و الذي لا يختار الحق بإرادته يخضع له على الرغم منه ،و قد ترك هؤلاء مكافحة الظلم ، فها هم يكافحونه هناك في النار .
|