الاطار العام
الاسم استوحي اسم السورة من واقعة تاريخية هامة جرت بين الروم الذين كانوا على هدى المسيح بن مريم (ع) ظاهرا ، و بين الفرس ، في عصر الرسول (ص) .
تدور آيات هذه السورة حول عدة محاور ، أبرزها :
أ - تبصير الانسان بهيمنة الرب على السموات و الأرض ، و أن هناك تقديرا ظاهرا ، و قضاء خفيا ، و يضرب القرآن مثلا من هذه الحقيقة بغلبة الفرس على الروم في أدنى الارض ، كيف انها جرت ضمن تقديرات الخليقة ، الا أنه ينبئنا بقضاء الله الذي لا يرد بنصر الله ،و هذا وعد الهي لا يخلف ، بيد أن أكثر الناس لا يعلمون سوى الظاهر من الحياة الدنيا .
و أعظم ما يجهله أغلب الناس من الحياة : ان الله خلقها بالحق و أجل مسمى ،و لذلك ترى الظالمين قد دمروا حين خالفوا الحق ، و لكن عندما حان أجلهم ، بالرغم من شدة قوتهم و عظيم عمرانهم .
ب - و يتصل هذا المحور بالمحور الثاني ، ألا و هو مسؤولية الانسان عن أفعاله دون أن يقدر الشركاء المزعومون على نجاته من جزاء السيئات .
و يطول الحديث حول هذا المحور (12/16) و (28/45) حيث يبين القرآن أن المجرمين يبلسون عند قيام الساعة ، و ان الناس يومئذ يتفرقون بين صالحين يجزون و كافرين يحضرون في العذاب .
و يحتج الذكر وجدانيا لوحدانية الرب و ضرورة إخلاص الدين له و تطهيره من دنس الشرك ، و يحذر من الشرك في السياسة باتباع القادة الذين لم يأمر الله باتباعهم ، و من الشرك في الاجتماع بالتحزب و التوسل بغير الله ، و من الشرك في الاقتصاد بالاستئثار بالثروةو عدم إنفاقها في سبيل الله ، و كذلك بالربا الذي لا يربو عند الله .
و يبين القرآن أن ما يظهر من الفساد في البر و البحر إنما هو بما كسبت أيدي الناس ، و أن الحكمــة منه : تحسيس الناس بنتائج بعض أعمالهم السيئة ، لعلهم يرجعون عن غيهــم .
و هذا دليل واضح على المسؤولية ، و هناك دليل آخر يتمثل في عاقبة المشركين من قبل الذين يأمر الله بالسير في الارض للنظر في نهايتهم .
ج - و لكي يعي البشر مسؤوليته أكثر فأكثر ، لابد ان يؤمن بالساعة ، حين يبعث للجزاء . و هذا هو المحور الثالث و الأهم في السورة . و لكن كيف يؤمن البشر بالبعث ، و هوى نفسه ، و شيطان قلبه يزينان له سوء عمله ، و يطولان أمله ، و يلقيانفي روعه الشبهات ؟
و الجواب : بمعرفة الله . أليس الله بقادر على أن يعيــد الانسـان بعد هلاكه ؟ بلى . أوليس حكيما ، و من حكمته أن يجزي الصالحين بالحسنى و الكفار بالنار ؟ بلى . إذا فالساعة آتية لا ريب فيها .
و ليــزداد المؤمن معرفة بخالقه ، فيزداد إيمانا و تصديقا بالنشور ، و وعيا للساعة ، يذكرنا الرب بآياته المبثوثة في الآفاق و المحسوسة في النفس مساءا و صبحا و عشيا و عند الظهيرة ، و التي يتجلى بها أن حق التسبيح و الحمد لله وحده .
و يهدينا الى روعة الحياة ، و كيف يخرج الحي من الميت و الميت من الحي ، و يأمر بالتفكر في أنفسنا : كيف خلقنا من التراب ، ثم جعل لنا أزواجا نسكن إليها ، و يأمرنا بتعلم آياته في السماء و الارض ، و في اختلاف ألسنة الناس ، و كيف ننام ليلا ثم يبعثنا نهارا لاكتساب المعائش ، و يذكرنا بنعمة الغيث الذي يحيي به الأرض بعد موتها ، و يلفت نظرنا الى عظمة السموات و الارض .. و يستدل بذلك كله على أنه عزيز حكيم (17/27) .
و مرة أخرى يبين لنا نعمة الرياح التي تبشر ببركات الغيث ، كما تحمل الفلك ، و توجب الشكر ، و يصف لنا سبحانه نزول الغيث بأروع وصف ، و يأمرنا بأن ننظر الى آثــــار رحمته ، و كيف يحي الارض بعد موتها .. ثم يذكرنا بأنه سبحانه على كل شيء قديــر .
و يبين لنا آياته في أنفسنا : كيف نتقلب بين ضعف و قوة ، ثم ضعف وشيبة ، و يذكرنا - مرة أخرى - بأنه العليم القدير (46/51) .
و يصور لنا بعض مشاهد القيامة حيث يعالج طول الأمل عند الانسان ، و أنه لاينفعه يومئذ عذر و لا هو يستتاب .
وبالإضافة الــى هذه المحاور نجد في السورة حديثا مبثوثا بين أرجائه عن شروط المعرفة ، و عن أهميتها ، و أن في القرآن من كل مثل .
كما ان السورة تذكرنا بالزمن ، و موقف المؤمنين منه ، و ضرورة الصبر حتى يأتي وعد الله .
|