فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الإسم
فــي أربـع سور فــي القرآن يجب السجود عند الأمر به ، وهي التي تسمى بالعزائم . وهذه السورة أولها في الترتيب ، ولذلك حق أن تسمى بذلك ، وقد تسمى بـ ( الم السجدة ) .

لعل آية السجدة (15) هي محور السورة ، وهي تبين أعظم صفات المؤمنين المخلصين ، المتمثلة في تجلي الله لقلوبهم الزكية ، حتى أنهم يخرون سجدا لله إذا ذكروا بآياته ، و تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم .

و تترى آيات السورة للوصول الى هذا المحور ، انطلاقا من إسم الربوبية لإله العالمين ، فهو الله الذي خلق السموات و الأرض في ستة أيام ، مما يوحي بترتيبها خلقا بعد خلق ، وطورا بعد طور . ثم هو الذي يدبر الأمر من السماء الى الأرض ، وإليه يرجع العباد و اعمالهم ، وهو عالم الغيب و الشهادة ، يحيط علما بالخلق ، فلايعزب عن علمه شيء في السموات و الأرض .

و يذكرنا السياق بتجليات إسم الرب في خلق الإنسان الذي بدأ خلقه من طين ، و تعاهد أمره طورا بعد طور حتى جعله بشرا سويا ، و يتقلب في تقدير الرب و تدبيره مادام حيا ، ثم يتوفاه ملك الموت الذي وكل به من عند الرب ، وحين يتحول ترابا ، و تنشر اجزاؤه في الارض ، لا يكون بعيدا عن هيمنة الرب و تقديره ، وحين يبعث الى محكمة العدل الإلهية ، ترى المجرمين ناكسي رؤوسهم ، يتصرعون إليه ، و يدعونه ان يرجعهم ليعملوا صالحا .

كلا .. ان الله أقسم صادقا أن يملأ جهنم من الجنة و الناس أجمعين ، ولذلك تركهم يختارون طريقهم بحرية تامة ، فاذا شاؤوا اختاروا الجنة ، ولكن كيف النجاة من ذل ذلك الموقف ، حين يندم المجرمون على أعمالهم ؟

إنما بالتضرع اليه ، وهكذا يحصر القرآن المؤمنين بآيات الله . أولئك الذين إذا سمعوها خروا سجدا ، و سبحوا بحمد ربهم .

و جزاء هؤلاء عظيم الى درجة لا يمكن وصفه ، حيث يقر الله أعينهم بالجزاء الحسن .

وإن من هؤلاء من يختارهم الله للإمامة ، لأنهم يهدون بأمر الله ، و يصبرون على الأذى في جنبه ، و لأنهم كانوا بآيات الله يوقنون .

ولعل الهدف الأسمى للسورة بناء هذه الطائفة المختارة ، وهذا هو محور السورة الأساس - فيما يبدو لي - الا ان هناك بصيرة أخرى تعطيها آيات السورة هي : نسف التمنيات الى يحلم بها الانسان ، و يريد ان يكون المؤمن و الفاسق سواء . كلا .. لا يستوون . ان للمؤمنين جنات المأوى ، بينما مأوى الفاسقين النار


خالدين فيها ، و دليل الفرق في الآخرة عذاب الله الذي يصيب الفساق بأعمالهم في الدنيا ، الفقر ، و الذل ، و الأمراض ، و الحروب ، و الزلازل ، و الفيضانات و .. و .. كل ذلك دليل مسؤولية البشر عن أعمالهم السيئة ، وانها لن تمر بلا حساب .

و ميزان الله دقيق ، يفصل به يوم القيامة بين هؤلاء و هؤلاء ، و نظرة الى التاريخ تهدينا الى نكال الله الذي يصيب الكفار ، وهو - برغم عظمته - يعتبر عند الله عذابا أدنى ، فكيف يهرب الفاسقون و المجرمون الذين يعرضون عن آيات الله عن الإنتقام بالعذاب الأكبر ؟!

وفي خاتمة السورة يذكرنا الرب بآيات رحمته ، وانه يسوق الماء الى الأرض الجرز لينبت لهم و لأنعامهم زرعا .

و يحذر أولئك الذين ينتظرون الآيات الواضحة التي تجبرهم على الإيمان و ينذرهم بأنه في يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم في ذلك اليوم .

ثم يأمر المؤمنين بالإعراض عنهم ، و الإنتظار ، كما ان الكفار ينتظرون . ليرى الجميع جزاء أعمالهم ، إن خيرا فخير ، وان شرا فشر .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس