فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الذي احسن كل شيء خلقه
هدى من الآيات

تذكرنا الآيات هذه بأن الرب الذي يجب ان يسجد له من في السماوات و الارض ، هو الله رب العرش ، و أن ما يعبد من دونه ليس سوى أوهام و اساطير أبتدعتها أفكار الناس ، و ان القرآن كتاب حكيم لا ريب فيه لانه من عند الله ، و لكن لماذا يقول القرآن عن نفسه " لا ريب فيه " ؟

الجواب : ان الشك نوعان : الأول ينبعث من العقل لعدم توفر الحجج و الآيات الكافية ، و الثاني ينبعث عن هوى الانسان بسبب كبره أو حجب الغفلة التي تعمي قلبه ، لذلك نجد القرآن يقول في إحدى الآيات عن الكفار : " فهم في ريبهم يترددون " (1) ناسبا الشك الى الكفار أنفسهم ، أما القرآن ذاته فهو لا ريب فيه ، لانه صورة أخرى لعقل الانسان المحض و المجرد عن المؤثرات السلبية ، كما أن(1) التوبة / 45


العقل هو الآخر صورة باطنية للقرآن ، و إذ يثير الوحي الالهي عقل البشرفان هذا العقل يؤيد حقيقة القرآن ، للتطابق التام بين الذي يذكره القرآن و بين العقل البشري ، و لذلك تتكرر في الآيات كلمة : " لا ريب فيه " .

ثم يستمر السياق في الحديث عن القرآن نفسه ، مؤكدا بأنه لا يمكن ان يكون إفتراء كما يتقول البعض ، لان هدف القرآن هو انذار الناس و هدايتهم للحق ، و لا يمكن ان يتحقق الهدى بالكذب ، كما أن القرآن ليس مجردا عن الادلة و البراهين حتى يكون موضعا للريب و الشك ، و من أنصع الادلة ان الكاذب انما يكذب لمصلحة نفسه ، و نحن لا نرى من جاء بالقرآن وهو الرسول (ص) يدعو الى نفسه أبدا بل الى ربهم ، وهذا دليل على صدق الرسل ، بل و الدعوات الاجتماعية التي تأخذ هذا المنحى و تتبع منهج الرسل ، و التي تتمحور حول العقل و عبادة الله فهي الصادقة ، و انصارها هم الصادقون ، اما الدعوات التي تنتهي الى الاشخاص لا الى القيم ، و تعتمد غير الله هدفا و غاية فهي خاطئة ، و أنصارها كاذبون .

و الانبياء من أول نظرة اليهم يعرفون بأنهم انما جاؤوا من عند الله ، فالرجل الذي يلبس الخشن ، و يأكل الجشب ، و لا يجمع من حطام الدنيا شيئا ، ولا يدعو الناس الى نفسه ، و يتحمل كل الأذى من أجل خير الناس ليس أنانيا ، انما يضحي لإيمانه فهو صادق لاريب فيه .

ثم يذكرنا القرآن بخلق السماوات الذي تم في ستة ايام ، مثنيا بخلقة الانسان التي تمت على مرحلتين : الاولى : خلقه من الطين ، و الثانية : خلقه من الأرحام ، و هذا قد يشير الى عالم الذر حيث خلق الانسان مرة واحدة على صورة ذر ( موجودات صغير ة ) ثم وضعت فيأصلاب الرجال ، و خلق مرة أخرى عبر النكاح ، و نمى في بطن أمه ، ثم يشير الى نفخ الروح فيه و هذا خلق آخر بعد ذلك الخلق ، و يوصلكل ذلك بقضية النشور بعد الموت .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس