فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[12] المؤمن هو الذي يرى المستقبل البعيد رؤية واضحة ، فاذا به يجتنب المهالك لانه يستضيء بنور عقله الذي يتقد بالوحي ، فيعلم يقينا بالنتائج التي ينتهي اليها منهج الانحراف عن الرسالة .

أما الكافر الذي أطفأ البصيرة في نفسه - لكثرة مخالفته عقله و ضميره - فهو لا يستفيد من رسالة ربه في معرفة الحقائق ، و يكون عرضة للاخطاء و المخاطر ، لأنه بمنطقه المادي البحت لا يهتدي الى النتائج الا بالتجربة ، و ماذا ينفع الانسان لو اكتشف خطا في مرحلة لا ينفعه ذلك كالآخرة ؟!

[ و لو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ]

تعبيرا عن الذلة و الحسرة الشديدتين .

[ ربنا ابصرنا ]

الآن في الآخرة إذ رأينا الحقيقة .

[ و سمعنا ]

لعل معناه : رأينا بأعيننا ، و سمعنا عن ما رآه غيرنا ، أو معناه : رأينا الحقائق ، و سلمنا لها تسليما .

[ فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ]

لقد كان بالامكان ان يصل هؤلاء الى هذا اليقين في الدنيا ، لو استفادوا منعقولهم ، أو اتبعوا رسالة الله ، و لكنهم لم يفعلوا ، و الله يؤكد على هذه الحقيقة في سورة التكاثر إذ يقول : " كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون * كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم " و لأن المتقين استفادوا من عقولهم و وحي ربهم فانهم عرفوا بأن منهج الكفر ينتهي الى النار ، بينما ينتهي منهج الايمان الى الجنة :

" فهم و الجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون ، و هم و النار كمن قد رآها فهم فيها معذبون ، ولولا الاجل الذي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين أبدا ، شوقا الى الثواب ، و خوفا من العقاب " (1)[13] [ و لو شئنا لاتينا كل نفس هداها ]

ولكن الهداية التي تنفع الانسان ، و تتفق مع الحكمة من الحياة الدنيا ، هي التي يصل اليها الانسان بعقله و ارادته ، و بالاستفادة من رسالة ربه اليه . ولو شاء الله جبر الناس على الهدى ، و كانت تنتهي بهم الى الجنة .

[ ولكن حق القول مني لاملأن جهنم من الجنة و الناس اجمعين ]و هذا القسم يدعونا الى الجد في الحياة ، و السعي لكسب الجنة ، و اجتناب النار الذي لا يمكن من دون العمل الصالح .

[14] ثم يؤكد القرآن ان حقيقة الآخرة مسجلة في ذاكرة الانسان الفطرية ، كما يمكن له ان يستنتجها بإعمال عقله ، و تصديق رسالة ربه ، إلا انه ينساها(1) المصدر


بسبب حجب الشهوات ، و الافكار الباطلة ، و من ثم لا يستعد لذلك اليوم بل يتمادى في الانحراف و العصيان ، فيستحق بذلك العذاب .

[ فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم ]

فلا ينصرهم الله و لا يرحمهم ، و ليس النسيان هنا بمعنى عدم العلم ، بل عدم العمل بما يقتضيه العلم ، خلافا لمعنى النسيان عند البشر كسائر الكلمات ، مثلا الغضب بالنسبة للانسان يعني وجود حالة من الثوران في نفسه ، بينما يعني بالنسبة الى الله النتيجة المترتبة على الغضب كالعذاب ، ذلك أنه تعالى تصدق عليه الغايات دون المبادئ .

و لعل نسيان الله للعبد أشد من اي عذاب آخر ، قال تعالى : " إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا اولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر اليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم " (1)و في الدعاء :

" فهبنــــي يا الهي و سيدي و مولاي صبرت على عذابك ؟! فكيف أصبر على فراقك ؟! و هبني صبرت على حر نارك ، فكيف أصبر عن النظر الى كرامتك ؟! ام كيف أسكن في النار و رجائي عفوك ؟! " (2)ومن تضاعيف الآية يتبين وجود نوعين من العذاب ، الاول : هو العذاب النفسي المتمثل في نسيان الله ، و يشير اليه الشطر الاول منها وهو جزاء لنسيان الانسان ربه ، و الثاني : هو العذاب المادي ، و نجده في ختام الآية :


(1) آل عمران / 77

(2) دعاء كميل


[ و ذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ]

[15] ثم يأتي الحديث عن بعض صفات المؤمنين المهمة :


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس