فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


تتجافى جنوبهم عن المضاجع
هدى من الآيات

تثير فينا السور القرآنية التي تتحدث عن مشاهد القيامة ، مزيجا من الرغبة و الرهبة ، و تدعونا الى السعي الحثيث نحو عمل الصالحات ، حتى لا نكون من ضحايا الغفلة ، وفي هذا الدرس يصور لنا القرآن المجرمين - الذين يعتقدون بأن الجريمة و الخط المنحرف هو السبيللاشباع الغرور في الدنيا - و هم منكسي الرؤوس ، بما نسوا و تغافلوا عن يوم القيامة ، تاركين الاستعداد لهذا اليوم ، فنسيهم الله .

ثم يؤكد السياق على أن الإتكاء على الاحلام و الامنيات من دون العمل الصالح و المستمر لتحقيق ذلك خطا كبير ، و أنه من عمل الشيطان ، فالجنة لا تنال الا بالايمان ، و العمل بما يقتضيه هذا الايمان ، أما ان يتصور الانسان بأن الله رحيم و رؤوف لا يعذب أحدا فذلك خطأ .

و القرآن يبرر هذه الأمنية بثلاثة أمور :


الأول : القسم الالهي بأنه تعالى سوف يملأ النار من الجنة و الناس ، و يكفينا هذا خوفا و حذرا .

الثاني : ان العذاب الدنيوي يعطينا فكرة تخالف الاماني و الاحلام الساذجة ، فكما ان نعم الله الظاهرة و الباطنة تدلنا على أنه رحيم و رؤوف بعباده ، فان جانب العذاب فيها يدلنا على أنه جبار متكبر ، يغضب ، و ينتقم ، و يعذب ، و يدمر تدميرا .

الثالث : يخبرنا القرآن بأن عدالة الله تأبى ان يستوي المحسن و المسيء ، و المؤمن و الكافر . و هذه من الأفكار الحساسة في تربية النفس ، أن يطرد الانسان عن ذهنه حلم التساوي مع الصادقين من دون عمل و سعي " أم للانسان ما تمنى " (1) فكيف مثلا يستوي عند الله الساكت عن جرائم الظلمة ، و الآخر الذي يقاسي أنواع العذاب بسبب معارضته لهم ؟!

ثم تذكرنا الآيات ببعض صفات المؤمنين ، و التي من أهمها و ابرزها خضوعهم للحق ، و تسليمهم له في مختلف الظروف و الاحوال ، خوفا و طمعا ، فاذا بك تجدهم يقاومون سلبيات النفس البشرية بذكر الله ، فهم كما وصفهم الامام علي (ع) :

" عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم " (2)كمــا ان من صفات المؤمنين أنهم تتجافى جنوبهم عن المضاجع ، يهجرون الفراش ، و يتوجهون الى ربهم بالعبادة و التبتل ، و الانفاق في سبيله ، مما يجعلهم أهلا لثوابه ، و هذا مما يخالف التمنيات و الآمال ، و يؤكد أن العاقبة الحسنى لا(1) النجم / 24

(2) نهج البلاغة / خ 193 - ص 303


تكون إلا بالسعي و العمل .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس