فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الثالثة : الانفاق في سبيل الله
[ و مما رزقناهم ينفقون ]


(1) نهج البلاغة / خ 78 - ص 119


الامكانات و النعم التي يمن الله بها عليهم ، يفكرون في تحويلها الى زاد للآخرة ، أكثر من تفكيرهم في استهلاكها ، و صرفها على أنفسهم ، و هكذا ينبغي للانسان أن يفكر في آخرته قبل تفكيره في دنياه : " و ابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة " . (1)

[17] و بعد ذلك يشجع القرآن على الاقتداء بهذا الفريق من الناس ، حينما يذكر جزاءهم الحسن عن الله بإبهام ، والذي هو في موارده أمضى أثرا من التوضيح .

[ فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ]فكلما وصفت الجنة كانت دون واقعها . أوليس فيها ما لا عين رأت ، ولا اذن سمعت ، و لا خطر على قلب بشر ؟! بلى . و إن نعم الجنة تقر عين اصحابها ، لأنها صافية من الأكدار ، و نفوس أهلها زاكية ، لا غل فيها ، و لا حقد و لا طمع .

و جاء في الحديث في تفسير هذه الآية عن الامام الصادق عليه السلام :

" ما من حسنة الا ولها ثواب مبين في القرآن ، الا صلاة الليل ، فإن الله عز اسمه لم يبين ثوابها لعظم خطرها " (2)[18] و يذكرنا الرب بحكمته البالغة لنسف تمنيات البشر التي توهمه بانه من اهل الجنة ، و انه آمن من ان يكون من الفاسقين ، فيفقد الضابط الحق لسلوكه .

[ افمن كان مؤمنا ]


(1) القصص / 77

(2) نور الثقلين / ج 4 - ص 230


يعمل الصالحات ، و يستجيب لله و لاوليائه ، و يتحلى بتلك الصفات التي ذكرت آنفا .

[ كمن كان فاسقا ]

يقترف السيئات و الجرائم .

و يجيب القرآن أن ذلك محال ، و يخالف حكمة الله التي تتجلى في الخليقة أنى بصرنا بها .

[ لا يستوون ]

و هذه هي الإجابة الفطرية على التمنيات الباطلة التي تغزو فؤاد الانسان بعيدا عن ضوء العقل و قيم الوحي .

[19] و يفصل القرآن الحكيم القول ببيان الفروق العظيمة بين الفريقين :

[ اما الذين آمنوا ]

برسالة الله ، فاتخذوها منطلقا في حياتهم ..

[ و عملوا الصالحات ]

يقينا منهم بأن الايمان وحده لا يكفي لخلاص الانسان ، و ضمان مستقبله .

[ فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون ]

مما يؤكد على أن هذه النتيجة كانت ثمرة للايمان و العمل الصالح ، و ليس للتمنيات .


[20] ثم يحدثنا السياق عن الفريق الآخر :

[ و أما الذين فسقوا فمأواهم النار ]

و الفاسق هو الخارج عن الصراط المستقيم ، الصراط الذي ينتهي الى جنة الله و رضوانه ، فالفاسقون إذن يصيرون الى النار ، و في الآيتين فكرة هامة هي : ان مستقبل الانسان رهين عمله في الدنيا ، فهو يستطيع ان يجعل مأواه الجنة ، كما يستطيع أن يجعله النار .


[ كلما أرادوا ان يخرجوا منها اعيدوا فيها ]

لان الذي يخرج الانسان من النار هو ايمانه بالله و عمله الصالح ، و هؤلاء لا يملكون شيئا من ذلك ، ولهذا فلن يستطيعوا الخروج منها ، و يبدو أن اهل النار لا ييأسون من الخروج منها ، فاذا بهم يحاولون المرة بعد الأخرى الخلاص ، و لكن دون جدوى . و في الحديث:

" يقول المؤمنون - لاهل النار - : انظروا الى هذه الابواب ، فينظرون الى أبواب الجنان مفتحة ، يخيل اليهم أنها الى جهنم التي فيها يعذبون ، و يقدرون أنهم ممكنون أن يتخلصوا اليها ، فيأخذون في السباحة في بحار حميمها ، و عدوا بين ايدي زبانيتها ، و هميلحقونهم و يضربونهم بأعمدتهم و مرزباتهم و سياطهم ، فلا يزالون هكذا يسيرون هناك ، و هذه الأصناف من العذاب تمسهم ، حتى إذا قدروا أنهم بلغوا تلك الأبواب ، وجدوها مردومة عنهم ، و تدهدههم الزبانية بأعمدتها فتنكسهم الى سواء الجحيم " (1)(1) بح / ج 8 - ص 299


[ و قيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ][21] كان بامكان هؤلاء ان يستدلوا على عذاب الآخرة بالعذاب الذي يجدونه في الدنيا ، و من ثم يقاومون عوامل الغفلة و النسيان ، فيؤبون الى رشدهم ، و يرجعون الى الحقيقة كلما أبتعدوا عنها ، و لكنهم لم يفعلوا ذلك .

[ و لنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ]في تفسير نور الثقلين عن المجمع عن الامام الصادق (ع) :

" و أما العذاب الأدنى ففي الدنيا " (1)

و الذي من أهم أهدافه هداية الانسان الى الحقيقة :

[ لعلهم يرجعون ]


(1) نور الثقلين / ج 4 - ص 232


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس