فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


و كانوا باياتنا يوقنون
هدى من الآيات

في الدرس الاخير من سورة السجدة ، يؤكد ربنا على صفة اليقين التي تجمع ارادة الانسان ، و عقله ، و قوة تصوره و خياله على محور الحق ، حتى لا يبقى لديه أدنى أثر من الهوى و ضعف الارادة ، فالانسان يعرف الحقائق بعقله و فطرته ، و لكنه يشكك فيها بهواه و افكاره الباطلة ، و يحتاج الى اليقين حتى يزول هذا الشك ، ذلك أن مراحل العلم عند الانسان هي التالية :

الاولى : المعرفة ، فالانسان يعرف ان للكون خالقا مدبرا ولكنه يبقى مشككا .

الثانية : الايمان ، حيث يسيطر العقل في معركته مع الهوى فتتبعه الارادة ، و لكن دون ان ينتهي الشك و الهوى عنده ، بل يبقى لهما أثر معنوي لا فعلي ، فتجد انسانا ما يشكك نفسه فيها ، لكنه يستمر يؤديها ، و يلتزم بها ظاهريا بأفعالها و أذكارها ، فهذا الرجلمؤمن أي ان نفسه سلمت لعقله تسليما عمليا .


الثالثة : اليقين ، حين يزول الشك عن قلب الانسان ، و يبقى مسلما عمليا و نفسيا تسليما محضا للمعرفة ، و لليقين بدوره درجات ثلاث هي : اليقين ، و حق اليقين ، و عين اليقين ، التي إذا وصلها الانسان حق له ان يقول كما قال الامام (ع) :

" و الله لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا "أو كقوله (ع) :

" ما رأيت شيئا قط الا و رأيت الله قبله و معه و بعده "او كقوله (ع) :

" الهي ما عبدتك خوفا من نارك ، و لا طمعا في جنتك ، و انما وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك "اما كيف يحصل الانسان على اليقين ، فان ذلك يكون بالمزيد من النظر الى آيات الله و التفكر فيها ، لان هذه الآيات اشارات ظاهرية الى الحقائق الكبرى في الحياة ، و التفكر السليم هو الذي يعبر بالانسان من خلال هذه الآيات الى الحقائق ، ذلك ان النظرة التي تنقل الانسان الى اليقين هي النظرة العبرية لا الشيئية ، و التي يمتزج فيها بصر الانسان مع بصيرته و عقله .

في البداية يجعلك التفكر تؤمن بربــــك ، و شيئا فشيئا يتحول هذا الايمان الى يقين ، و منه الى أعلى درجاته . و في الحديث :

" طوبى لمن كان نظره عبرة ، و سكوته فكرة "و بالاضافة الى ما تعطيه هذه النظرة من اليقين ، فانها تعطي الصبر كثمرة لهذا اليقين ، ذلك أن الذي يطمئن للعاقبة الحسنى ، التي يوصل اليها طريق الحق ، يصبر على عقبات الطريق ، و المؤمن يصبر على الصعاب بسبب يقينه مما يجعله أهلا لامامة الحق التي تقابل أبدا إمامة الباطل .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس