الاطار العام
الإسم و اتخذ اسم الاحزاب لهذه السورة من قصة حرب الخندق ، حيث تحزبت قريش و اليهود ضد المسلمين ، فرد الله كيدهم ، و لعلها كانت أعظم خطر درأه الله سبحانه عن رسالته .
حقائق شتى تذكرنا بها سورة الأحزاب الا ان محورها - فيما يبدو للمتدبر فيها - ترسيخ دعائم القيادة الرسالية في الامة ، التي هي ذروة الدين ، و سنام الشريعة ، و الامانة الكبرى التي عجزت عن حملها السموات و الارض و الجبال ، و حملها الانسان فظلم نفسه بها .
و تجري آيات السورة عبر هذا الإطار لتذكرنا بشخصية القائد الرسالي ، الذي يتعالى - بتوفيق الله و عصمته - على قوى الضغط الاجتماعية ، فهو يتقي الله ولا يطيع الكافرين و المنافقين ، و يتبع وحي الله ، و يتوكل عليه .
و ينقل لنا السياق قصتين ، إحديهما شخصية و الثانية عامة :
الف : فمن خلال قصة زيد الذي تبناه الرسول ينفي الذكر الحكيم عادة جاهلية كانت سارية حتى نقضها الاسلام بالقرآن و عبر تحدي شخص الرسول لها ، و هي إلحاق الولد بمن تبناه ، دون من كان من صلبه ، و نستوحي منها أمرين :
أولا : إن الرسول ليس أبا لزيد ، و لا يحق له ان يدعي القيادة بهذا العنوان .
ثانيا : ان النبي يتحدى شخصيا عادات الجاهلية ، و يتحمل الأذى في ذلك مما يبين صفة التحدي عند القائد الرسالي .
و يكمل السياق بيان شخصية القائد بأن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، و أن أزواجه أمهات المؤمنين ، وأن أولي الارحام - و هم هنا أبناء الرسول من صلبه - بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، و هكذا يرسم الخط القيادي للامة من بعد الرسول .
و يؤكد على الميثاق الذي أخذه الله من النبي كما أخذه من أولي العزم من الرسل قبل ان يحملهم الرسالة ، و لعل أعظم بنود الميثاق : عدم الخضوع للمنافقين و الكافرين ، و إخلاص الطاعة لله .
باء : ومن خلال قصة الأحزاب ، يبين السياق صفات القيادة الرسالية و كيف يجب ان تتبع في الساعات الحرجة ، والا تخور عزيمة المؤمنين في طاعتهم لها بمجرد تعرضهم لابتلاء شديد ، و كيف ينبغي أن يتخذ الرسول أسوة حسنة .
بلى . ان الطاعة حقا تتبين عند مواجهة الأخطار ، و على الناس ان يرفعوا بطاعتهم للرسول الى هذا المستوى ، و لا يكونوا كالمنافقين الذين يستأذنون الرسولقائلين : إن بيوتنا مكشوفة ، ففضحهم الله بأنهم لا يريدون إلا فرارا .
و من خلال كشف القرآن لصفات المنافقين يحذرنا من الوقوع في مهلكة النفاق عند مواجهة الخطر .
كما انه يبين لنا مدى رسوخ ايمان المؤمنين الصادقين ، عندما قالوا - و هم يرون امواج الاحزاب تترى على المدينة لاقتحامها - : هذا ما وعدنا الله و رسوله و صدق الله و رسوله ، و ما زادهم إلا إيمانا و تسليما .
و بعد بيان صفات المؤمنين الصادقين و جزاءهم الحسن ، يبين كيف رد الله الكافرين على أعقابهم ، و كيف أنزل اليهود من قلاعهم و أورث المسلمين أرضهم و ديارهم .
و يعود السياق لبيان احكام نساء النبي ، و يخيرهم بين التشرف بخدمة الرســول أو التعلـــق بزينة الدنيا ، و ان من يرتكب منهـــن فاحشـة يضـــاعف لها العذاب ضعفيـــن ( لمكانتها من رسول الله ) كما ان من تقنت منهن و تعمــل صالحـا تحصل على الأجر مرتين .
و نستلهم من كل ذلك كيف يجب ان يكون بيت القائد الرسالي نظيفا من الطمع ، و بعيدا عن اختراق القانون .
ثم يأمر القرآن نساء النبي بأوامر مشددة في عدم الخضوع بالقول ، و يأمرهن بأن يقولن قولا معروفا ، و الا يخرجن من بيوتهن ، و لا يتبرجن تبرج الجاهلية الاولى .
و يبين السياق فضيلة آل بيت الرسول ، الذين أذهب الله عنهم الرجس ، و طهرهم تطهيرا ، ليبين الخط الرسالي بعد رحيل النبي الذي لابد ان يلتف المسلمونحوله .
و يعود الى نساء النبي و كيف يجب عليهن أن يذكرن ما يتلى في بيوتهن من آيات الله و الحكمة .
و يذكر القرآن صفات المؤمنين و المؤمنات ، لتكون مثلا أمامنا و مقياسا لمعرفة الناس ، و يبين ان ابرز صفاتهم جميعا : التسليم لقضاء الله و رسوله ، و لعل التسليم للقضاء أسمى مراتب التسليم للقيادة ، و أعلى درجات الايمان بعد الثبات في الحرب .
و يبين الذكر قصة زواج الرسول من مطلقة زيد ، لينقض الله عادة جاهلية كانت تقضي بان الدعي ابن ، و انه لا يجوز النكاح من مطلقته .
و يبين ان النبي بشر ، و أنه لا حرج عليه فيما فرض الله له .
و يصف النبي و مــن مضى على نهجه ممن يبلغ رسالات ربه بانهم يخشونه وحده ، و لا يخشون أحدا غيره .
و يبين ان أعظم علاقة توصل الامة برسولهم هي رسالته اليهم ، و انه ليس محمـــد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أبا أحد من رجالهم ، و لكنه الرسول و خاتم النبيين .
و لكي يتقرب الناس الى مقام الرسول فعليهم ان يتقربوا الى ربهم زلفى ، و عليهم ان يذكروا الله كثيرا و يسبحوه بكرة و أصيلا ، فهو الذي يصلي عليهم و ملائكته ليخرجهم من الظلمات الى النور .
و يعود الى ذكر صفات النبي السامية فهو الرسول الشاهد ، و المبشر النذير ، و الداعي الى الله بإذنه ، و السراج المنير ، و ان من آمن بالله و برسوله يحصل على فضلكبير .
و يكرر ما ذكر به في أول السورة من رفض طاعة الكفار و المنافقين ، و ترك أذاهم .
و بعد ذكر حكم شرعي عام في الطلاق يقضي بضرورة إعطاء المهر ( لدى الاتفاق عليه ) و إعطاء شيء تمتع به المطلقة لدى عدم الاتفاق على المهر ، فلابد إذا من ثمن للبضع ، بعدئذ يبين ميزة للرسول هي : إن المرأة لو وهبت نفسها للرسول كان له ان يتقبلها من دون مهر، بعكس سائر المؤمنين ، و انه - صلى الله عليه وآله وسلم - يرجي من نسائه من يشاء ، و يأوي اليه من يشائ ، و انه لا يحل له النساء من بعد .
و يؤدب السياق المسلمين و يأمرهم بأن لا يذهبوا الى بيت الرسول ينتظرون الطعام ، و لا يجلسوا بعد دعوتهم اليه و اطعامهم مستأنسين لحديث ، و يبين أن ذلك يؤذي الرسول ، و ان عليهم الا يطلبوا من نساء النبي حاجة إلا من وراء حجاب ، و يبدو أن ذلك ايضا مما يخصنساء النبي اذ يجوز لغيرهن التحدث مع الرجال مباشرة إذا حافظن على سترهن .
و تختص نساء النبي أيضا بحرمة نكاحهن بعد وفاة الرسول .
بلى . لا جناح عليهن في التعامل مع الاقرباء ، و مع نسائهن أو أمهاتهن .
و هكذا يسرد السياق خصائص الرسول ، مما يكشف عن جانب من عظمته ، ثم يأمر بضرورة التواصل معه عبر الصلاة عليه ، أوليس الله و ملائكته يصلون عليه ، فيجب الصلاة و السلام عليه ، ولابد من التسليم له و طاعته .
و يلعن القرآن الذين يؤذون رسول الله ، سواء ببث الشائعات ضده أو ضد نسائه أو بأذى ذريته و يتوعدهم بعذاب أليم في الآخرة .
و يبين جانبا من أذية المنافقين للرسول ، و ذلك حين ينهى نساء النبي و سائر نساء المسلمين من عدم مراعاة الستر تماما ، مما يجعلهن يعرفن و يوذين .
و في ذات الوقت يوجه تهديدا شديدا الى المنافقين ، و مرضى القلوب ، و المرجفين من الإستمرار في اذى الرسول ، و ينذرهم بطردهم و قتلهم ، و لكي ينصحهم يحذرهم من القيامة و يبين ان الناس يسألون عن الساعة ، فيقول : لعل الساعة تكون قريبا ، و يبين لعن الله للكفار حيث يخلدون في السعير ، لا يجدون وليا ولا نصيرا ، هنالك حين تقلب وجوههم في النار ، و يتمنون لو كانوا يطيعون الله و الرسول ، و يحاولون إلقاء اللوم على السادات و الكبراء الذين أضلوهم السبيل .
و ينذرهـم السياق - مرة أخرى - بعاقبة الذين آذوا موسى فلم يحصلوا على شيء ، لان الله كان قد جعل موسى وجيها ، فما قيمة أذاهم ؟!
و يأمر الله المؤمنين بالقول السديد ( البعد عن التهمة و السب ) ، و يعدهم بالمغفرة ، و يبين أن من اطاع الله و رسوله فقد فاز فوزا عظيما .
و يبين أن الطاعة للرسول ، ولأولي الأمر من بعده هي الأمانة الكبرى التي أشفقت السموات و الارض و الجبال مـــن حملها ، بينما حملها الانسان و كان ظلوما جهولا ، حيث ان المنافقين فشلوا من احتمال الامانة ، فعذبهم الله بينما تاب على المؤمنين و المؤمنات ، وكان الله غفور رحيما .
|