و اتبع ما يوحى اليك من ربك
هدى من الآيات تبحث سورة الأحزاب في معظم آياتها الثلاث و السبعين ، موضوع المنافقين في المجتمع الاسلامي ، كما تتناول في جانب منها الإقدام و الشجاعة الإيمانية في الحروب ، و التحديات التي تواجه الامة .
تبدأ السورة بحث الرسول على تقوى الله ، ثم تذكره ببعض تعاليم الاسلام حول الأسرة ، و الخطاب بدوره يعن كل مسلم يتلو القرآن و يؤمن به ، و تؤكد السورة في مطلعها ضرورة التقوى للرسول ( القيادة ) ، و ان لا يطيع الكافرين و المنافقين ، لأن القيادات على نوعين : الاول : القيادة الرسالية ، و الثاني : القيادة السياسية .
القيادة السياسية هي تجسيد لمجمل الاوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و النفسية و الثقافية التي تعيشها المجموعة التي تظلها هذه القيادة و تشرف عليها ، و نجد اشارة لهذه الحقيقة في الحكمة المعروفة " كما تكونون يولى عليكم " ، فالقيادة
التي تتحكم في المجتمع صورة أخرى لما هو عليه تتجلى في شخص أو حزب أو جماعة .
أما القيادة الرسالية فهي التي تشرف على الناس ، تربية و تعليما ، من دون ان تتأثر بسلبياتهم ، و مثالها قيادة الانبياء و الأئمة ومن يتبع خطهم . و هذه القيادة تصطدم بعقبـة كأداء هي سلبيات المجتمع ، فبينما تريد قيادته ان تفرض الرسالة الالهية باتجاه معين ، تضغط عليها المتغيرات اليومية في الاقتصاد و السياسة و المجتمع و .. و .. باتجاه آخر ، و هنا تواجه القيادة إشكالية كبيرة ، فهي اما تلتزم بخطها الرسالي فينفض الناس من حولها ، و اما تخضع لاهوائهم و ضغوطهم ، فتحافظ على تأييدهم ، و لكنها تنحرف عن مسيرتها الحقة .
و الامام علي (ع) حينما واجه هذه الإشكالية اثناء حكمه ، كان بإمكانه تفريق الاموال و الرشاوي على الناس ، و إخضاعهم رغبا و رهبا ، و لكنها كانت تفسد ضميره - حاشا لله - لذلك لم يفعل و قال :
" و انــي لعالم بما يصلحكم ، و يقيم أودكم ، و لكني لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي " (1)فالقيادة اذا احوج ما تكون الى التقوى حتى تستقيم أمام الضغوط ، و إنما تؤكد هذه الآيات على التقوى ، لأنها تبحث موضوع الحرب التي تجسد ذروة الصراع ، و أصعب ما يواجه البشر في حياتهم ، و من ثم أبرز و أهم قضية تتعرض فيها القيادة لضغوط المنافقين و الكفار، و حتى بعض أبناء المجتمع المسلم ، و لكي تتحصن القيادة ضد هذه الضغوط لابد من التقوى ، و التوكل على الله .
و بعد ذلك ينعطف السياق نحو قضية أسرية ، مما يثير السؤال : ما هو الرابط بين(1) نهج البلاغة / خ 69 - ص 99
القضايا الأسرية ، و قضية إجتماعية كتحدي ضغوط الكفار و المنافقين في الحرب ؟!
و الجواب : إن الأسرة هي المدرسة الأولى التي تصوغ حياة الانسان في بعديها المادي و المعنوي ، و يجب ان يكون هدفها في المجتمع الاسلامي بناء الانسان الصلب الذي لا يتأثر بالضغوط الخارجية ، و لا يخضع للشهوات ، و القادر على خوض الحروب باستقامة و وعي ، دفاعا عن المبادئ و المجتمع ، في حال تعرضهما للخطر . لذلك حينما يحدثنا القرآن عن الاستقامة ، و عن الايمان الكامل و القيادة الرسالية ، يحدثنا كذلك عن الأسرة ، التي ينبغي ان تربي المؤمن المستقيم .
و في سورة " المؤمنون " رأينا كيف أن ربنا حينما حدثنا عن الطراز المتكامل للانسان المؤمن ، كان يحدثنا أيضا عن الأسرة الصالحة ، و هي منبت الايمان ، و مزرعة التقوى ، و مدرسة الأخلاق الفاضلة في سورة " النور " .
و في نهاية الدرس يؤكد القرآن على أن الأسرة نظام فطري يزكيه الاسلام و يؤكده ، و ليست نظاما اعتباريا أو قانونيا فقط ، و بتعبير آخر لا يمكن طريق القانون ، أو ما يسمى في لغة الحقوقيين الإتفاق أو العقد الإجتماعية أن تلغي الأسرة ، لانها من الحقائق الفطرية ، فزوجة الانسان لا تضحى أمه أو أخته .
و بذلك يخالف الاسلام العادة الجاهلية التي كانت تقضي ، بأن يتعامل الانسان مع زوجته ، كتعامله مع أمه أو أخته ، بمجرد ان يقول لها : انت علي كظهر أمي ، أو كظهر أختي ، أو العادة الاخرى التي تقتضي بأن يكون الواحد ولدا للآخر لأنه رباه ، حتى لو كان قــــدعثر عليه في الطريق ، و يبين القرآن انه لا يكون ولدا له ، بلى . انه أخ له في الدين ، و تربطه به علاقة الولاية ، ان لم يعرف والده .
و لعل تأكيد القرآن على هذا الأمر يهدف إيجاد حدود للأسرة ، و إعطائهااعتبارها الحقيقي ككيان فطري ، يتكون من أم و أب و أولاد ، يجب الالتزام به ، بعيدا عن التلاعب بالألفاظ بأن نضع أشياء جديدة ، و نسميها أسرة ، و بعيدا عن الاستهانة بالروابط الفطرية ، بأن نوجد روابط خارج هذا الإطار .
|