فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الاطار العام
الإسم

اقتبس اسم السورة من قصة مشهورة عند العرب ، و قد بين القرآن عبرتها الأساسية وهي قصة حضارة سبأ ، التي دمرت بسيل العرم لانحرافها و فسادها .

تتشابه آيات الذكر في بيان مسؤولية الانسان عن أفعاله ، و تفنيد الأعذار التي يتشبث بها البشر للفرار عنها بزعمه .

و من غرر السور التي تزرع الأحساس بالمسؤولية الذي لو ترسخ في قلب الانسان زكاه ، و اصلح أعماله ، هي سورة " سبأ " التي تذكرنا ايضا بالوحي المنزل على النبي (ص) .

و واقـــع الجزاء ( المسؤولية ) تجل لإسمي الحكيم الخبير اللذين نحمد الله بهما ، فهو العالم بما يلج في الارض وما يخرج منها (1/2) .


و عند قيام الساعة يتجلى الجزاء بأبرز صوره ، حيث لا ينفع تشكيك الكفار بها ، و حيث يحيط الرب علما بكل شيء ، لا يعزب عنه مثقال ذرة ، و حيث الجزاء الوافر للصالحين ، و العذاب الأليم لم يسعون في آيات الله معاجزين ( معاندين و متحدين ) (3/5)و ينقسم الناس فريقين تجاه الوحي : فبينما يراه أهل العلم هو الحق ، يستهزأ به الكفار ، و يقولون : هل الرسول مفتر أم به جنة ؟! كلا .. بل أنهم لا يؤمنون بالآخرة فهم في العذاب و الضلال البعيد .

و ينذرهم الذكر بأن كفرهم برسالات الله قد يعرضهم لعذابه ، الذي ان شاء خسف بهم الأرض أو أسقط عليهم من السماء كسفا (7/9) .

و يعرض السياق صورتين للحضارة : أولهما صالحة حيث استمرت ، بينما الثانية دمرت لفسادها ، وهما بالتالي صورتان بارزتان لواقع الجزاء و المسؤولية .

فلقد آتى الرب داود فضلا ، و ألان له الحديد ، و علمه صنعة الدروع السابغة ، و سخر لسليمان الريح ، و سخر له الجن ، و أمر داود و سليمان بالشكر له ، فاستمرت حضارتهما الى ما بعد موت سليمان ، الذي مـــا دل على موته إلا الأرضة التي أكلت عصاته ، فعلمت الجنأنهم بقوا في العذاب لجهلهم بالغيب ( و بالتالي لا يجوز الاعتماد عليهم للهروب من الجزاء كما زعم الجاهليون ) .

أمــا الصورة الثانية فتتمثل في قصة سبأ ، الذي أتاهم الله جنتين عن يمين و شمال ، و أمرهم أيضا بالشكر ، فأعرضوا ، فأرسل عليهم سيل العرم .

و مثلهم مثل القرى الآمنة التي بارك الله فيها ، فكفرت ، فجعلهم الله أحاديث يعتبر بها كل صبار شكور (10/19) .


و ينسف القرآن الكريم أسس التبرير التي يعتمد عليها الكفار ، و التي هي في ذات الوقت حجب للقلب ، و غشاوة للبصر .

الف : القاء اللوم على إبليس الذي صدق عليهم ظنه ، و يؤكد الذكر انه لا سلطان له عليهم ، و إنما يبتلي الله به الناس ، ليعلم من هو المؤمن حقا بالآخرة ممن هو منها في شك .

باء : الانداد الذين يزعمون أنهم يغنون عنهم شيئا ، و يجرمون اعتمادا عليهم ، إنهم لا يملكون مثقال ذرة في السموات و الأرض ، و لا شرك لهم في السلطة ، و لا لهم أعـــوان و أعضاد ، و لا تنفع شفاعتهم إلا لمن أذن الله له ، كما أنهم لا يملكون للناس رزقا ، ولا يتحملون عنهم وزرا .

جيم : إن الناس إما على هدى أو في ضلال مبين ، و إن أهل الصلاح لا يزرون من مسؤولية المجرمين شيئا (20/27) .

و يذكر السياق بأن الرسول بشير و نذير لكافة الناس ، و أن وعد الله آت ، لا يستأخر ساعة ولا يستقدم ساعة ، و يصور لهم مسؤوليتهم عن إيمانهم بالرسالة ، و أن جزاء كفرهم اليوم يتجلى عند قيام الساعة ، حيث يتلاوم الكفار ، و يلقي بعضهم المسؤولية على عاتق البعض الآخر .

دال : يلقـــي المستضعفون اللوم على المستكبرين ، ولكنهم لا يتحملون عنهم وزرا ، بل يقولون لهم : انكم كنتم مجرمين . و حين يشترك الجميع في الأغلال يعلمون أنهم كانوا جميعا مسؤولون عن أعمالهم ( بشهادة أنهم في العذاب مشتركون ) .

هاء : كثرة الأموال و الأولاد لا ترفع عن أصحابهما الجزاء و المسؤولية ، و يزعمالمترفون الذين كفروا بالرسالات الالهية : أنهم غير معذبين ، و يفند الذكر هذه الفكرة بما يلي :

أولا : إن الرزق من الله ، فكيف يقف حاجزا دون جزاء الله ؟

ثانيا : إن الأموال و الأولاد لا يقربونهم عند الله زلفى الا بقدر الاستفادة منهما في العمل الصالح و الانفاق ، و يعود القرآن ليذكرنا : ان الانسان مسؤول عن رفضه ، و أن الذين يسعون في آيات الله معاجزين يحضرون للجزاء غدا عند ربهم .

واو : إن بعضهم كانوا يعبدون الجن ، و يزعمون أنهم يعبدون الملائكة ( كل ذلك ليستمروا في جرائمهم اعتمادا على شفاعة الملائكة ) و يرفضهم الملائكة .

و يبين الرب أنهم لا يملكون لبعضهم نفعا و لا ضرا ، و أن الظالمين مجزيون بالنار ( ولا ينقذهم ادعاؤهم الانتماء الى الملائكة من جزاء ظلمهم ) (28/40) .

و يكشف القرآن الحجب التي يتلبس بها قلب الكافر الواحد بعد الآخر .

أولا : حجاب التقليد . حيث تراهم يتهمون رسولهم بالإفتراء أو بالسحر لانه يريد ان يصدهم عما كان يعبد آباؤهم .

و يقول الذكر : إن آباءهم لم ينزل عليهم كتاب يـــدرسونه ، ولا بعث فيهم نذيــر ( حتى يفتخروا بآبائهم الذين لم يكن لهم رسالة ولا معرفة ) .

ثانيا : حجب الغرور . حيث تجدهم يكذبون بالرسالة اعتمادا على قوتهم ، في حين أن قوة الأمم الغابرة التي كانت أكثر من هؤلاء عشرات المرات لم تدفع الجزاء المتمثل في العذاب النكير .


ثالثا : حجاب الغفلة . حيث يدعوهم الرب للقيام من أجل الله ، و التفكر في رسولهم ليعرفوا دلائل الصدق فيه . فهو ليس بمجنــون و لكنه يرى عذابا شديدا فينذر به ( و هذا هو دليل حماسه الكبير الذي فسره الكفار بالجنون ) و هو لا يطلب أجرا إلا ما يعود بالتالياليهم ، و هذا شاهد صدق على أنه حق .

ثم إن الرب يشهد له بالصدق ، و هو على كل شيء شهيد ، فهو يقذف بالحق فيهدم أركان الباطل فلا يتجدد ولا يعود .

و يؤكد ربنا أن خسارة الضلالة تعود على صاحبها ( فالانسان مجزي بضلالته شاء أم أبى ) (41/50) .

و يحذر الرب من مغبة الضلالة ، حيث لا يفوت أحد منهم من قبضة العدالة ، بل يؤخذون من مكان قريب ، فيقولون : آمنا ! و لكن هيهات لقد فات الآوان ، و هنالك حيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأتباعهم من قبل . كل ذلك بسبب أنهم كانوا في شك مريب (51/54) .



فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس