فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


و له الحمد و هو الحكيم الخبير
هدى من الآيات

تبدأ هذه السورة المباركة بالحمد ، و بذكر اثنين من اسماء الله ، و هما الحكيم الخبير ، ومن خصائص القرآن انه يبين آياته و عبره ، بعد التمهيد لها ببراعة الإستهلال ، وهو بدء المتكلم بالاشارة الى حديثه ، و في القرآن الحكيم نجد بيانا للموضوعات التي يفصلها السياق بعدئذ عبر ألفاظ مجملة ، مما يدل على نزول الوحي من عند الله ، اذ لا يقدر أحد على التحدث بهذا الاجمال و التعبير ، و بهذه الاحاطة غير الله .

و عند البحث عميقا في هذه السورة التي تبدا بالحمد ، نجد اشارات و تجليات لإسمي الحكيم و الخبير ، و حديثا عن جوانب من انعكاساتهما في الحياة ، و هكذا نبدأ المعارف الالهية و القرآنية كما الدين بذكر الله ، و تنتهي اليه ، و في الحديث :

" أول الدين معرفته " (1)


(1) نهج البلاغة / خ 1 - ص 39


و هكذا تتركز المعرفة ثم تتسع و تعود بعدها لتتركز مرة أخرى . في البدء نتعرف على أن ربنا حميد و حكيم و خبير ، ثم نفتش في الحياة واذا بها تدلنا بما فيها من سنن و أنظمة على ذلك ، و النظرة الكلية للحياة ( الفلسفة العامة ) يجب ان توفر للإنسان الإجابة على السؤال التالي : ماهي السنن و الأنظمة العامة التي تسير الحياة ؟ و بتعبير آخر : ان الحكمة ( الفلسفة ) هي التي تبصرنا بحقيقة أنفسنا ، و ما يحيط بنا من الخلائق ، و بما تحكمها من سنن ثابتة ، و بالتالي تجعلنا قادرين على معرفة أفضل و عمل اصلح . و هذه الحكمة نجدها مفصلة في كتاب ربنا الحكيم ، و أكثر آيات الذكر تبصرنا بتعابير ظريفة يستطيع أن يستوعب مضامينها حتى الطفل الصغير ، و بشكل متكامل ، فقوله الحمد لله الحكيم الخبير يشتمل على حقائق كثيرة في الحكمة العامة ، لأنه يحدد بداية الكون و نهايته و هدفه ، و انه قائم على علم و نظام يتجليان في كل جزء و جزء منه ، لأن خالقه هو الله الذي يملك السموات و الارض حاضرا و مستقبلا مما يوجب علينا الحمد له في كل مكان و زمان .

و الخبير هو المحيط بدقائق الأمور نظريا و عمليا ، و من مصاديق خبره انه يحيط علما بكل ما يلج في الارض وما يخرج منها حتى الغازات التي تمتصها الأرض أو التي تلفضها ، يعلم الله وزنها و حجمها و طبيعتها ، كما يحيط علما بكل ما ينزل من السماء وما يعرج اليها، و ألطف ما يعرج هو النية الحسنة و العمل الصالح اللذان يرفعهما الله .

ثم يشير السياق الى أحد تجليات الحكمة الالهية ، حينما يذكرنا بأن الله عادل في جزائه للناس ، فالذي يعمل الصالحات يجازيه بالمغفرة و الرزق الكريم ، بينما يعذب الذين يعملون السوء برجز أليم .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس