بينات من الآيات [ بسم الله الرحمن الرحيم ]
[1] [ الحمد لله ]
قال بعض المفسرين ان معنى الآية: يا أيها القارئ للقرآن قل الحمد لله ، و الحال أننا لا نحتاج الى تقدير كلمة " قل " لان جملة " الحمد لله " مفيدة للمعنى المطلوب ، فالحمد التام الدائم لله تعالى شئنا أم أبينا ، قلنا أم سكتنا ، عرفناأم جهلنا ، و من هو أحق بالحمد ممن خلق فرزق ، و قدر فألهم ، و صور فأحسن .
[ الذي له ما في السموات و ما في الأرض ]
وما في الدنيا صورة مصغرة و محدودة مما في الآخرة ، و حين نتذكر بالآيات التي تدل على أن ربنا حميد في الدنيا نعرف انه حميد في الآخرة .
[ و له الحمد في الأخرة ]
و من آيات حمده حكمته و خبره .
[ وهو الحكيم الخبير ]
[2] و لكن ماهي تجليات هاتين الصفتين الالهيتين ؟
يحدثنا القرآن عن علم الله ( خبره ) أولا ، و ذلك عندما يعرفنا بإحاطته علما بكل شيء ، وعن حكمته ثانيا ، و ذلك عندما يذكرنا بجزائه العادل للخلق .
[ يعلم ما يلج في الأرض و ما يخرج منها و ما ينزل من السماءو ما يعرج فيها ]
فالله محيط بكل شيء خبرا ، و جاء في تفسير الآية عن علي بن ابراهيم : " يعلم ما يلج في الأرض " ما يدخل فيها " و ما يخرج منها " قال : من النبات " و ما يعرج فيها " قال : من أعمال العباد (1) و لكن الله لا يتخذ علمه وسيلة ليضاربها البشر ، بل هو رحيم بهم ، و بعلمه يرحمهم ، و اذا علم منهم ذنبا فإنه يغفره لهم .
[ و هو الرحيم الغفور ]
روى أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال :
" لما رأى ابراهيم ملكوت السموات و الأرض التفت فراى رجلا يزني ، فدعا عليه فمات ، ثم رأى آخر فدعا عليه فمات ، ثم رأى ثلاثة فدعا عليهم فماتوا ، فأوحى الله اليه يا إبراهيم إن دعوتك مستجابة فلا تدع على عبادي فإني لو شئت لم أخلقهم " (2)[3] واذ يذكرنا القرآن باسماء ربنا الحسنى - وانه حكيم خبير و عليم - فلكي ينعكس ذلك على وعينا و سلوكنا . أوليس ربنا حكيما ، إذا لابد من يوم الجزاء ، و إنما يكفر البعض بالساعة تهربا من حقيقة الجزاء .
[ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة ]
وهكذا بهذه البساطة أرادوا التملص من ثقل المسؤولية ، بيد أن ربنا الجبار قال لهم كلمته التي لا تبديل لها :
(1) نور الثقلين / ج 4 - ص 314
(2) المصدر / ج 1 - ص 732
[ بلى و ربي لتأتينكم ]
و حين تعرضون أمام ربكم تعرفون أن كتاب ربكم قد أحتوى كل صغيرة و كبيرة من اعمالكم .
[ عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات و لا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ][4] و يبين القرآن الهدف من الساعة ، و بالتالي الهدف من التذكرة بالرقابة الالهية على العباد ، الا وهو إثبات تحقيق العدل الشامل ، الأمر الذي يستوجب الحساب الحق .. الذي لا يغفل عن أي شيء يصدر من البشر مهما كان صغيرا .
[ ليجزي الذين ءامنوا و عملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة و رزق كريم ]فما دامت مسيرة المؤمن العامة هي الصلاح ، فإن ما يشوبها من ذنوب بسبب غفلته ، يفتديها الله بغفرانه ، كما يثيبه على إيمانه و عمله الصالح بالوان الرزق الكريم ، الذي يصفه الحديث بما لا عين رأيت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر .
[5] موقف المؤمن من آيات ربه هو التسليم الذي يسمو به الى درجة رؤية الحق مباشرة ، بينما موقف الكافر الرفض ، و لكن كيف يرفض البشر المزود بالعقل الحقيقة التــــي تتــرى عليها شواهد لا تحصى ؟ أوتقدر العين أن تنزوي عن أشعة الشمس بسهولة ؟!
كلا .. كذلك ليس من السهل ان يرفض الانسان الحقائق الكبرى التي يذكربها الوحي ، كحقيقة المسؤولية إلا بصعوبات بالغة ، لذلك فهم :
أولا : يسعون سعيا حثيثا - و ببالغ الجهد - من أجل إثبات كفرهم الباطل ، و إقامة الأدلة على ضلالتهم .
ثانيا : هدفهم من هذا السعي ليس إقناع أحد بالحقيقة ، و إنما إسكات المؤمنين و إعجازهم بإثارة الشبهات حول الحقائق ، كلما ردت لهم شبهة منها أعدوا شبهة جديدة مكانها ، فهم لا يهدفون الإقتناع بحديث الطرف الآخر ، و لا إقناعه لانهم على باطل ، و إنما يهدفونان يخصموه موقتا ، لكي لا تقتحم أدلة الحق رحاب قلوبهم .
[ و الذين سعوا في ءاياتنا معاجزين ]
و آيات الله هي شواهــد صدق رسالاتـــه ، و التعبير بمعــاجزيــن بالـغ الدقــة حيث الطرف الثـاني ( وهم المؤمنون ) يحاولون اقناعهم أيضا ، وبالتالي محاولة إعجازهم ( ايصالهم الى حد العجز عن الادلاء بحجــة جديدة ) فكل طرف يحاول إعجاز الطرف الثاني ، و هذه الكلمة توضح استراتيجية الإعلام عند الكفار القائمة فقط على أساس إسكات الخصم ، و طمس معالم الحق أمام عينيه .
[ أولئك لهم عذاب من رجز أليم ]
الرجز - كما قالوا - أشد العذاب ، و لعله يشير الى ما يقابل الكريم في الآية السابقة ، و على هذا يكون معناه عذابا أليما فيه الذل و الهوان ، أوليسوا قد تكبروا ، فهم يستحقون الصغار و الرجز .
[6] و من الناس من يعرج به اليقين درجة يرى الحق واضحا لا ريب فيه ،أولئك هم أولوا العلم .
[ و يرى الذين أوتوا العلم ]
و العلم - هنا - ليس مجرد المعلومات التي يختزنها الذهن البشري ، ولا الألفاظ المتشابهة التي تتزاحم في ذاكرة المعاجزين من أدعياء العلم ، و إنما هو ذلك النور الإلهي الذي يشرق على القلب فيجد الحقائق وجدانا ، و يعيها وعي دراية لا وعي رواية ، حتى يقول أمثلهم هدى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :
" و الله لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا "[ الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ]
فهم يعلمون الحق ، و يرون ما أنزل الى الرسول ، فيعرفون أن ذلك الحق التام الذي لا يشوبه هوى ، ولا يخالطه باطل أو جهل هو هذا الوحي المنزل .
[ و يهدي الى صراط العزيز الحميد ]
و الذي يؤتى العلم هو الذي يحيط به ، فيستطيع فهم القرآن ، و التمييز بين الحق و الباطل ، بين الدساتير و المناهج الحديثة المضلة و بين الآيات القرآنية ، كما ميز سحرة فرعون بين حبالهم و عصيهم التي يخيل للناس أنها تسعى و بين الآية الحقيقية التي جاء بهانبي الله موسى (ع) .
و لعل اختيار اسمي العزيز الحميد ، من بين اسماء الله الحسنى ، جاء انسجاما مع الجو العام للسورة ، التي هي تجليات اسم الحمد ، و لأن الانسان يتطلع الى العزة و حميد الخصال ، فلما رأى اولوا العلم الوحي عرفوا أنه يحقق ذلك الطموح .
و يبدو أن الآيات الثلاث تبين ثلاثة نماذج من الناس : المسلمون أولا ثم الكفار ثم الصديقون .
|