ص 53
وفي الظاهر متسترا بدم عثمان مراعيا مرائيا، فجاء هذا الحديث عليه ناعيا، وعن عمله
ناهيا، لكن كان ذلك في الكتاب مسطورا، فصار عنده كل من القرآن والحديث مهجورا! فرحم
الله من أنصف ولم يتعصب ولم يتعسف وتولى الاقتصاد في الاعتقاد لئلا يقع في جانبي
سبيل الرشاد من الرفض والنصب بأن: يحب الآل والصحب. (رواه مسلم) . وقال نور الدين
الحلبي: ولما قتل عمار دخل عمرو بن العاص على معوية فزعا وقال: قتل عمار! فقال
معاوية: قتل عمار فماذا؟ قال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقتل عمارا
الفئة الباغية. فقال له معوية: دحضت، أي زلقت في بولك! أنحن قتلناه؟ إنما قتله من
أخرجه. وفي رواية قال له: أسكت فوالله ما تزال تدحض، أي تزلق في بولك، إنما قتله
علي وأصحابه جاءوا به حتى ألقوه بيننا. وذكر أن عليا رضي الله تعالى عنه لما احتج
على معاوية رضي الله تعالى عنه بهذا الحديث ولم يسع معاوية إنكاره قال: إنما قتله
من أخرجه من داره، يعني بذلك عليا. فقال علي رضي الله تعالى عنه: فرسول الله صلى
الله عليه وسلم إذن قتل حمزة حين أخرجه . قال: وكان ذو الكلاع رضي الله تعالى
عنه مع معاوية وقال له يوما ولعمرو ابن العاص: كيف نقاتل عليا وعمار بن ياسر؟!
فقالا له: إن عمارا يعود إلينا ويقتل معنا. فقتل ذو الكلاع قبل قتل عمار، ولما قتل
عمار قال معاوية: لو كان ذو الكلاع حيا لمال بنصف الناس إلى علي، أي لأن ذا الكلاع
ذووه أربعة آلاف أهل بيت، وقيل: عشرة آلاف . وقال شهاب الدين الخفاجي في (نسيم
الرياض): ومما أخبر به صلى الله تعالى عليه وسلم من المغيبات إن عمار بن ياسر
الصحابي المشهور تقتله الفئة الباغية. من البغي وهو الخروج بغير حق على الإمام.
ولفظ مسلم: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمار: تقتلك الفئة الباغية. وروي: وقاتله
في النار. فقتله أصحاب معوية وكان هو مع علي بصفين وهو صريح في أن الخليفة بحق هو
علي رضي الله عنه وإن معوية مخطئ في اجتهاده
ص 54
كما في حديث إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق وابن سمية هو عمار رضي الله
تعالى عنه كان مع علي، وهذا هو الذي ندين الله به، وهو أن عليا كرم الله وجهه على
الحق ومجتهد مصيب في عدم تسليم قتلة عثمان، ومعوية رضي الله تعالى عنه مجتهد مخطي،
فدع القيل والقال فماذا بعد الحق إلا الضلال؟! وقد تأول معوية حديث عمار لما لم يجد
مجالا لإنكاره فقال: إنما قتله من أخرجه، ولذا قال علي كرم الله وجهه لما بلغه
قوله: فرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قتل حمزة رضي الله تعالى عنه لما أخرجه
لأحد، كما نقله ابن دحية رحمه الله تعالى، وقتل عمار بصفين وهو ابن سبعين سنة قتله
ابن العمادية (أبو الغادية. ظ) واجتز رأسه ابن جزء ودفنه علي رضي الله تعالى عنه .
وقال حسين بن محمد الديار بكري: وفي (عقائد الشيخ أبي السحق الفيروز آبادي)
و(خلاصة الوفاء) أن عمرو بن العاص كان وزير معوية فلما قتل عمار بن ياسر أمسك عن
القتال وتابعه على ذلك خلق كثير فقال له معوية لم لا تقاتل؟ قال قتلنا هذا الرجل
وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية، فدل على أنا نحن
بغا. قال له معوية: أسكت فوالله ما تزال تدحض في بولك! أنحن قتلناه؟ إنما قتله علي
وأصحابه جاءوا به حتى ألقوه بيننا. وفي رواية قال: قتله من أرسله إلينا يقاتلنا
ودفعنا عن أنفسنا فقتل فبلغ ذلك عليا فقال: إن كنت أنا قتلته فالنبي صلى الله عليه
وسلم قتل حمزة حين أرسله إلى قتال الكفار . وقال محمد بن عبد الباقي الزرقاني في
(شرح المواهب اللدنية) في بحث حديث ويح عمار تقتله الفئة الباغية . وهذا
الحديث متواتر، قال القرطبي: ولما لم يقدر معاوية على إنكاره قال: إنما قتله من
أخرجه فأجابه علي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قتل حمزة حين أخرجه. قال
ابن دحية: وهذا من الالزام المفحم الذي لا جواب عنه، وحجة لا اعتراض عليها. قال
القرطبي: فرجع معاوية وتأوله على الطلب وقال: نحن الفئة الباغية أي
ص 55
الطالبة لدم عثمان، من البغاء بضم الباء والمد هو الطلب. قال الآبي: البغي عرفا
الخروج عن طاعة الإمام مغالبة له. ولا يخفى بعد التأويلين أو خطؤهما والأول واضح
وكذا الثاني لأن ترك علي القصاص من قتلة عثمان الذين قاموا بطلبه ورأوه مستند
اجتهادهم ليس لأنه تركه جملة واحدة، وإنما تركه لما تقدم أي حتى يدخلوا في الطاعة
ثم يدعوا علي من قتل. قال: وأيضا عدم القصاص منكر قاموا لتغييره، والقيام لتغيير
المنكر إنما هو ما لم يؤد إلى مفسدة أشد. وأيضا المجتهد إنما يحسن به الظن إذا لم
يبين مستند اجتهاده وأما إذا بينه وكان خطأ فلا، ولله در الشيخ، يعني ابن عرفة حيث
كان يقول: الصحبة حصنت من حارب عليا، إنتهى . وقال محمد بن إسمعيل بن صلاح الأمير
اليماني الصنعاني في (الروضة الندية) بعد ذكر بعض أحاديث وأخبار قتال أمير المؤمنين
مع الناكثين والقاسطين والمارقين: تنبيه - قلت: اشتملت هذه القصص على معجزات
نبوية وكرامات علوية وأخلاق عند الله مرضية، فنذكر شيئا من ذلك. أما المعجزات
فمنها: إخباره صلى الله عليه وسلم بأن وصيه عليه السلام يقاتل الثلاث الطوائف وأمره
له بذلك، فإنه إخبار بالغيب الذي هو إحدى المعجزات ووصف كل طائفة بوصفها التي قوتلت
عليه من النكث والقسط والمروق، وقدمنا في قتاله الناكثين نكتا من معجزات وكرامات،
ومن المعجزات في قتاله القاسطين ما تواتر عند أئمة النقل من أن عمارا يقتله الفئة
الباغية وأنه يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. وهذا الحديث متواتر متفق عليه
بين الطوائف حتى أن رأس الفئة الباغية ورئيسها معوية بن أبي سفيان مقر به، فإنه
تأوله بالتأويل الباطل ولم ينكره، بل قال: قتله من جاء به، فألزم بأن رسول الله صلى
الله عليه وسلم هو القاتل لحمزة. وهذا الحديث من أعلام النبوة فإنه قاله صلى الله
عليه وسلم أول قدومه المدينة عند بناء مسجده صلى الله عليه وسلم كما هو معروف في
كتب السير
ص 56
والحديث ولم يحضرنا منه شيء فننقل لفظه، ومعناه أنه قال عمار رضي الله عنه وقد
حملوه أحجارا صلى الله عليه وسلم المسجد: قتلوني يا رسول الله يحملونني فوق ما
أطيق، أو قال: كما يحمله رجلان. فنفض صلى الله عليه وسلم الغبار عنه وقال: ليسوا
بقاتليك، إنما يقتلك الفئة الباغية. تكلم صلى الله عليه وسلم بهذا قبل وقعة بدر
وقبل فتح مكة وقبل إسلام رأس الفئة الباغية وقبل أن يفتح من البلاد شبر واحد. وتكرر
منه صلى الله عليه وسلم ذكر أن عمارا (رض) يقتله الفئة الباغية في عدة مواقف، وقد
كان عمار (رض) من أعيان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال العامري (رض):
وكان مخصوصا من الرسول صلى الله عليه وسلم بالبشارة والترحيب والبشاشة والتطييب،
أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أحد الأربعة الذين تشتاق إليهم الجنة وقال له:
مرحبا بالطيب المطيب، وقال صلى الله عليه وسلم: عمار جلدة ما بين عيني وأنفي، وقال:
اهتدوا بهدى عمار، وقال: من عادى عمارا عاداه الله من أبغض عمارا أبغضه الله. ذكر
هذه الأحاديث في فضائله الفقيه العلامة الشافعي المحدث يحيى بن أبي بكر العامري
(رض) في كتاب (الرياض المستطابة) في ترجمة عمار رضي الله عنه. قال العامري: وكان من
أصحاب علي عليه السلام وقتله أصحاب معوية وبقتله استدل أهل السنة على تصحيح إمامة
علي عليه السلام وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان قال: ويح ابن سمية يقتله
الفئة الباغية، وقال: ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، انتهى كلامه.
قلت: وأخرج ابن عساكر وابن سعد أن عليا عليه السلام قال حين قتل عمار: إن امرء من
المسلمين لم يعظم عليه قتل عمار بن ياسر وتدخل عليه المصيبة الموجعة لغير رشيد. رحم
الله عمارا يوم أسلم، ورحم الله عمارا يوم قتل، ورحم الله عمار يوم يبعث حيا، لقد
رأيت عمارا وما يذكر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة إلا كان رابعا
ولا خمسة إلا كان خامسا ولا كان أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشك أن
عمارا
ص 57
قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا شك، فهنيئا لعمار بالجنة، ولقد قيل: إن عمارا مع
الحق والحق معه يدور عمار مع الحق حيث دار، وقاتل عمار في النار، انتهى. قلت:
وبقتله استدل على أن معوية في حربه وقتاله باغ ظالم غير مجتهد كما يقوله بعض السنية
أنه مجتهد مخطئ وأنه غير آثم، كما قال العامري أيضا وأما المخالفون له فكانوا
متأولين وكان لهم شبهة أداهم اجتهادهم إليها، انتهى ذكره في ترجمة الزبير. فنقول:
إنه لا يشك من يعرف حال معوية أنه ليس من الاجتهاد في ورد ولا صدر، وإنما الرجل
يتحيل على الملك فنفق شبهة الطلبة بدم عثمان ليضل أهل الشام بها وأي اجتهاد مع النص
أنه باغ، وأي اجتهاد مع إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي عليه السلام بأنه
يقاتل القاسطين، وسمعت صحة الحديث عند إمام المتأخرين مع أهل السنة الحافظ ابن حجر،
فإنه قال: وثبت عند النسائي ونقله وفسره ولم يقدح فيه، وقد ثبت من طرق عدة، وأي
اجتهاد مع نص عمار ونص القرآن أن الفئة الباغية تقاتل حتى تفئ إلى أمر الله، وحديث
عمار نص أن فئة معوية الفئة الباغية. وأحسن من قال مشيرا إلى الرد على من زعم
اجتهاد معوية: قال النواصب قد أخطأ معوية * في الاجتهاد وأخطأ فيه صاحبه والعفو في
ذاك من حق لفاعله * وفي أعالي جنان الخلد راكبه قلنا كذبتم فلم قال النبي لنا * في
النار قاتل عمار وسالبه وما دعوى الاجتهاد لمعاوية في قتاله إلا كدعوى ابن حزم أن
ابن ملجم أشقى الآخرين مجتهد في قتله لعلي عليه السلام كما حكاه عنه الحافظ ابن حجر
في (تلخيصه) وإذا كان من ارتكب هواه ولفق باطلا يروج به ما يراه اجتهادا لم يبق في
الدنيا مبطل، إذ لا يأتي أحد منكرا إلا وقد أهب له عذرا، وهؤلاء
ص 58
عبدة الأوثان قالوا: ما يعبدونهم إلا ليقربوهم إلى الله زلفى! وكم من محتج حجته
داحضة عند ربه وعليه غضب . وقال المولوي عبد العلي بن الملا نظام الدين السهالوي
في (فواتح الرحموت - شرح مسلم الثبوت): بقي أمر بغي معوية، والذي عليه جمهور أهل
السنة أن هذا أيضا خطأ في الاجتهاد ولا يلزم منه بطلان العدالة، لكن يخدشه عدم
إظهار الحجة في مقابلة أمير المؤمنين علي وكان هو ألين للحق واستمراره على الصنع
الذي صنع، مع أن قتل عمار كان من أبين الحجج على حقية رأي أمير المؤمنين علي، ولم
ينقل في الدفع إلا أمر بعيد هو أن الجائي برجل شيخ في المعركة قاتل إياه! وهو كما
ترى . وقال: وقال بعضهم: في كون مخالفة معوية بالاجتهاد نظر، لأنه لو كانت
بالاجتهاد لناظر بالحجة وأمير المؤمنين علي كان ألين للحق، وقصد مناظرته بالحجة
وإقامة الحجة عليه ولم يصغ إليه، وعند شهادة عمار قال: إنما قتله علي حيث جاء به
شيخا كبيرا، وليس هذا من الحجة في شيء، ولذا قال أمير المؤمنين في الجواب: فإذا قتل
حمزة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، بل الكلام في كونه مجتهدا،
كيف وقد عده صاحب (الهداية) من السلاطين الجائرة مقابل العادلين، ولو كان بالاجتهاد
لما كان جورا، ولم ينقل عنه فتوى على طريقة الأصول الشرعية . وقال سليمان بن
إبراهيم البلخي في (ينابيع المودة) في الباب الثالث والأربعين: وفي (جمع الفوائد)
عن عبد الله بن الحارث أن عمرو بن العاص قال لمعوية: أما سمعت النبي صلى الله عليه
وآله: يقول حين كان يبني المسجد لعمار: إنك لحريص على الجهاد وإنك لمن أهل الجنة
ولتقتلنك الفئة الباغية. قال: بلى! قال عمرو: فلم قتلتموه؟ قال: والله ما تزال تدحض
في بولك! أنحن قتلناه؟ إنما قتله الذي جاء به، وهو علي - لأحمد. عبد الله بن عمرو
بن العاص رأى رجلين يختصمان في رأس عمار يقول كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال عبد
الله: سمعت النبي صلى الله عليه وآله
ص 59
وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية. فقال معوية: فما بالك أنت معنا؟ قال: شكاني أبي
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: اطع أباك ما دام حيا ولا تعصيه (تعصه. ظ)
فأنا معكم ولست أقاتل - لأحمد . 15 - خروج عمرو بن العاص لقتل عمار وهذا الحديث
دليل مبين على ضلالة عمرو بن العاص، فإنه الذي أعان معاوية ونصره وأيده وشاركه في
سيئات أعماله. أخرج أحمد وابن سعد واللفظ للثاني: قيل لعمرو بن العاص: قد كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبك ويستعملك، قال: قد كان والله يفعل فلا أدري أحب
أم تألف يتألفني، ولكني أشهد على رجلين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
يحبهما: عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر. قالوا: فذاك والله قتيلكم يوم صفين. قال:
صدقتم والله، لقد قتلناه (1). وفي (الطبري): وخرج اليوم الثالث عمار بن ياسر،
وخرج إليه عمرو بن العاص، فاقتتل الناس كأشد القتال.. وشد عمار في الرجال فأزال
عمرو بن العاص عن موقفه (2). وفي (الكامل): وقد كان ذو الكلاع سمع عمرو بن
العاص يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية،
وآخر شربة تشربها ضياح من لبن. فكان ذو الكلاع يقول لعمرو: ما هذا ويحك يا عمرو!
فيقول عمرو: إنه سيرجع إلينا، فقتل ذو الكلاع قبل عمار مع معاوية وأصيب عمار بعده
مع علي، فقال عمرو لمعاوية: ما أدري بقتل أيهما أنا أشد فرحا؟ بقتل عمار أو بقتل ذي
الأكلاع، والله لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمار
(هامش)
(1) الطبقات 2 / 263. (2) الطبري 4 / 7 - 8. (*)
ص 60
لمال بعامة أهل الشام إلى علي. فأتى جماعة إلى معاوية كلهم يقول: أنا قتلت عمارا،
فيقول عمرو: وما سمعته يقول؟ فيخلطون، فأتاه ابن جزء فقال: أنا قتلته وسمعته يقول:
اليوم ألقى الأحبة، محمدا وحزبه، فقال عمرو: أنت صاحبه، ثم قال: رويدا والله ما
ظفرت يداك، ولقد أسخطت ربك (1). وروى المتقي: قاتل ابن سمية في النار. كر عن
عمرو بن العاص . وانظر 16 / 141، 145.. من (كنز العمال). وانظر أيضا: المستدرك 3 /
386، 387 مروج الذهب 3 / 31 أسد الغابة 4 / 47 تذكرة الخواص 91، 92 تاريخ ابن خلدون
2 / 173. وغيرها 16 - أبو غادية قاتل عمار وأبو الغادية... قاتل عمار بن ياسر رضي
الله عنه. قال ابن سعد بترجمة عمار: شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسل سيفا،
وشهد صفين وقال: أنا لا أسل أبدا حتى يقتل عمار، فانظر من يقتله، فإني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية. قال: فلما قتل عمار بن ياسر
قال خزيمة: قد بانت لي الضلالة واقترب فقاتل حتى قتل. وكان الذي قتل عمار بن ياسر
أبو غادية المزني، طعنه برمح فسقط، وكان يومئذ يقاتل في محفة، فقتل يومئذ وهو ابن
أربع وتسعين سنة، فلما وقع
(هامش)
(1) الكامل لابن الأثير 3 / 157. (*)
ص 61
أكب عليه رجل آخر فاجتز رأسه، فأقبلا يختصمان فيه كلاهما يقول: أنا قتلته، فقال
عمرو بن العاص: والله إن يختصمان إلا في النار، فسمعها منه معاوية، فلما انصرف
الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص: ما رأيت مثل ما صنعت، قوم بذلوا أنفسهم دوننا
تقول لهما: إنكما تختصمان في النار؟ فقال عمرو: هو والله ذاك، والله إنك لتعلمه،
ولوددت أني مت قبل هذه بعشرين سنة (1). وروى المتقي: عن زيد بن وهب قال: كان
عمار بن ياسر قد ولع بقريش وولعت به فغدوا عليه فضربوه فجلس في بيته، فجاء عثمان بن
عفان يعوده، فخرج عثمان وصعد المنبر فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
تقتلك الفئة الباغية، قاتل عمار في النار. حل. كر (2). وفي (الاستيعاب): ابن
الغادية الجهني. كان محبا في عثمان، وهو قاتل عمار بن ياسر رضي الله عنه، وكان إذا
استأذن على معاوية وغيره يقول قاتل عمار بالباب. وكان يصف قتله له إذا سئل عنه لا
يباليه. وفي قصته عجب عند أهل العلم، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا أنه
سمعه منه، ثم قتل عمارا رضي الله عنه روى عنه كلثوم بن جبير (3). أشار بقوله
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا إلى أن أبا الغادية من رواة حديث
عمار تقتله الفئة الباغية وقد صرح الحلبي بذلك في (سيرته) متعجبا منه. وقال
الزبيدي في (تاج العروس): وأبو الغادية... هو قاتل عمار بن ياسر رضي الله عنه،
مذكور في تاريخ دمشق . وفي (شرح الشفاء للقاري): قتله أبو الغادية .
(هامش)
(1) الطبقات 3 / 359. (2) كنز العمال 16 / 139. وانظر 16 / 145، 146. (3) الاستيعاب
4 / 1725. (*)
ص 62
وفي (تذكرة الخواص 94): وقال الواقدي: لما طعن أبو الغادية عمارا بالرمح وسقط أكب
عليه آخر فاحتز رأسه... . وفي (الروض الأنف 7 / 28): قتله أبو الغادية الفزاري
وابن جزء، اشتركا في قتله . وفي (أسد الغابة 5 / 267): أبو الغادية الجهني، بايع
النبي صلى الله عليه وسلم... وكان من شيعة عثمان رضي الله عنه، وهو قاتل عمار بن
ياسر، وكان إذا استأذن على معاوية وغيره يقول: قاتل عمار بالباب، روي عن النبي صلى
الله عليه وسلم النهي عن القتل ثم يقتل مثل عمار، نسأل الله السلامة. روى ابن أبي
الدنيا عن محمد بن أبي معشر عن أبيه قال: بينا الحجاج جالسا إذ أقبل رجل مقارب
الخطو، فلما رآه الحجاج قال: مرحبا بأبي غادية وأجلسه على سريره وقال: أنت قتلت ابن
سمية؟ قال: نعم، قال: وكيف صنعت؟ قال: صنعت كذا حتى قتلته. فقال الحجاج لأهل الشام:
من سره أن ينظر إلى الرجل عظيم الباع اليوم القيامة فلينظر إلى هذا، ثم سار أبو
غادية يسأله شيئا فأبى عليه، وقال أبو غادية: نوطئ لهم الدنيا ثم نسألهم فلا
يعطوننا ويزعم أنني عظيم الباع يوم القيامة، أجل والله إن من ضرسه مثل أحد وفخذه
مثل ورقان ومجلسه مثل ما بين المدينة والربذة لعظيم الباع يوم القيامة، والله لو أن
عمارا قتله أهل الأرض لدخلوا النار . وراجع: التاريخ الصغير للبخاري 1 / 188.
المعارف لابن قتيبة 256. مروج الذهب 2 / 381. المستدرك 3 / 386. وغيرها.
ص 63
دحض المعارضة بحديث: تمسكوا بعهد ابن أم عبد

ص 65
قوله: وتمسكوا بعهد ابن أم عبد . أقول: تمسك (الدهلوي) بهذا الحديث باطل لوجوه:
1 - إنه مما تفرد به أهل السنة إنه حديث من متفردات العامة، وحديث الثقلين متفق
عليه. 2 - إنه مما اعرض عنه الشيخان إنه حديث أعرض عنه الشيخان، وإعراضهما دليل على
الضعف عندهم. 3 - إنه ضعيف سندا إنه حديث ضعيف سندا، قال ابن الأثير بترجمة ابن
مسعود: أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله الدمشقي، أخبرنا
أبو العشائر محمد بن خليل بن فارس القيسي، أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد
ص 66
ابن علي المصيصي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن قاسم ابن أبي نصر، أخبرنا
أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي، حدثنا أبو عبيدة السري بن يحيى
بالكوفة، حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير عن مولى
لربعي عن ربعي عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وتمسكوا بعهد ابن أم
عبد. وقد رواه سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن ابن مسعود (1). وفيه قبيصة بن عقبة
قال الذهبي: قال ابن معين هو ثقة إلا في حديث الثوري . قال: وقال ابن معين ليس
بذلك القوي، وقال: ثقة في كل شيء إلا في سفيان (2). وقد علمت أنه روى هذا الحديث
عن سفيان الثوري. وفيه: سفيان الثوري وقد ذكرنا مساويه بالتفصيل في القسم الثاني من
مجلد (حديث مدينة العلم). وفيه: عبد الملك بن عمير وقد ذكرنا وجوه ضعفه والقدح فيه
في مجلد (حديث الطير) بالتفصيل.
(هامش)
(1) أسد الغابة 3 / 258. (2) ميزان الاعتدال 3 / 383. (*)
ص 67
وفيه: مولى ربعي وهو مجهول. * وأما طريقه الآخر الذي ذكره ابن الأثير معلقا ففيه:
أبو الزعراء وقد ترجمه بقوله: عبد الله بن هاني، أبو الزعراء صاحب ابن مسعود، قال
البخاري: لا يتابع على حديثه، سمع منه سلمة بن كهيل حديثه عن ابن مسعود في الشفاعة:
ثم يقول نبيكم صلى الله عليه وسلم رابعا، والمعروف أنه عليه السلام أول شافع، قاله
البخاري. وقد أخرج النسائي الحديث مختصرا (1). وفي (تهذيب التهذيب 6 / 16): قال
البخاري: لا يتابع في حديثه . هذا، ولو راجعت (جامع الترمذي) باب مناقب ابن
مسعود لرأيت أن راوي هذا الحديث عن سلمة بن كهيل هو: يحيى بن سلمة بن كهيل وعنه
ابنه إسماعيل وعنه ابنه إبراهيم. وهؤلاء بأجمعهم مجروحون حسب تصريحات الأئمة من أهل
السنة كما فصل ذلك في مجلد (حديث الطير) وستقف على ذلك قريبا أيضا، وبالأخص: يحيى
بن سلمة فإنه الأشد ضعفا فيهم، فلقد قال الترمذي بعد إن خرجه: هذا حديث غريب من
حديث ابن مسعود، لا نعرفه إلا من يحيى بن سلمة بن كهيل، ويحيى بن سلمة يضعف في
الحديث (2). وبهذه الوجوه يقف المنصف على تعسف (الدهلوي) ومكابرته... والله
الموفق.
(هامش)
(1) ميزان الاعتدال 2 / 516. (2) صحيح الترمذي 2 / 221. (*)
ص 69
دحض المعارضة بحديث: رضيت لكم ما رضي به ابن أم عبد

ص 71
قوله: ورضيت لكم ما رضي به ابن أم عبد . أقول: هذا الحديث لا يجوز الاستدلال به
للوجوه الآتية: 1 - إنه من الآحاد إن هذا الحديث من الآحاد، وحديث الثقلين من
المتواترات. على أنه مما تفرد به أهل السنة، كما إنه مما لا يقبله أهل الحق. 2 -
إنه مما أعرض منه الشيخان لقد أعرض الشيخان عن روايته، وقد ذكرنا أن كلما لم يذكراه
فهو عندهم موهون. بل لم يخرجه أحد من أصحاب الصحاح الستة. 3 - إنه لا يدل على منزلة
لابن مسعود ولو فرض صحة هذ الحديث وسلمنا ذلك، فإنه لا يعارض حديث
ص 72
الثقلين، لأن حديث الثقلين يدل على خلافة أهل البيت عليهم السلام وإمامتهم وعصمتهم
وطهارتهم وأفضليتهم من غيرهم... كما مر بالتفصيل. وأما هذا الحديث فلا يثبت شيئا
مما ذكر لابن مسعود، بل لا يدل على علمية أو مقام، بل لو تأمل أحد في شأن صدوره
لعلم أنه لا يدل إلا على أن النبي صلى الله عليه وآله يريد أن ابن مسعود يرضى بما
رضي الله به ورسوله، ويشهد بما ذكرنا ما جاء في (المستدرك) بإسناده عن جعفر ابن عمر
وابن حريث عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود: اقرأ،
قال: أقرأ وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن اسمع من غيري، قال: فافتتح سورة النساء حتى
بلغ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فاستعبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكف عبد الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم، فحمد
الله في أول كلامه وأثنى على الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وشهد شهادة
الحق وقال: رضينا بالله ربا وبالاسلام دينا ورضيت لكم ما رضي الله ورسوله. فقال
رسوله الله صلى الله عليه وسلم: رضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد. هذا حديث صحيح
الاسناد ولم يخرجاه (1). فحاصل الحديث: إني رضيت لكم ما رضي به ابن مسعود لكم،
وهو قوله: رضينا بالله ربا... 4 - ما كان بين عمر وابن مسعود. من العجيب تمسك
(الدهلوي) بهذا الحديث وسابقه في مقابلة حديث الثقلين وقد رووا أن عمر بن الخطاب قد
منع ابن مسعود من الافتاء، قال الدارمي: أخبرنا محمد بن الصلت، ثنا ابن المبارك،
عن ابن عون عن محمد قال قال عمر لابن مسعود: ألم أنبأ، أو أنبئت أنك تفتي ولست
بأمير؟
(هامش)
(1) المستدرك 3 / 319. (*)
ص 73
ول حارها من تولى قارها (1). وهذا ينافي حديث تمسكوا بعهد ابن أم عبد وعلى
أهل السنة حينئذ إما أن يتركوا الحديث من أصله، وإما أن يحكموا بمعصية عمر لأمر
رسول الله صلى الله عليه وآله. * بل أن عمر اتهم ابن مسعود في الرواية ونهاه عنها،
قال ابن سعد في ذكر من كان يفتي بالمدينة: أخبرنا حجاج بن محمد عن شعبة عن سعد بن
إبراهيم عن أبيه قال قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن مسعود ولأبي الدرداء ولأبي ذر:
ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أحسبه قال: ولم يدعهم يخرجون
من المدينة حتى مات (2). وقال الذهبي بترجمة عمر: إن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود
وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم (3). 5 - ما كان بين عثمان وابن مسعود وأما صنائع عثمان بن عفان مع ابن
مسعود فقد اشتهرت في التاريخ اشتهار الشمس في رابعة النهار، ونحن نكتفي هنا ببعض
الأخبار: قال اليعقوبي في قصة المصاحف بعد كلام له: فأمر به عثمان فجر برجله حتى
كسر له ضلعان، فتكلمت عائشة وقالت قولا كثيرا... واعتل ابن مسعود، فأتاه عثمان
يعوده فقال له: ما كلام بلغني عنك؟ قال: ذكرت الذي فعلته بي، إنك أمرت بي فوطئ
جوفي، فلم أعقل صلاة الظهر ولا العصر، ومنعتني عطائي. قال: فإني أقيدك من نفسي،
فافعل بي مثل الذي فعل بك.
(هامش)
(1) مسند الدارمي 1 / 61. (2) الطبقات 2 / 336. (3) تذكرة الحفاظ 1 / 5 - 8. (*)
ص 74
قال: ما كنت بالذي أفتح القصاص على الخلفاء. قال: هذا عطاؤك فخذه. قال: منعتنيه
وأنا محتاج إليه، وتعطينيه وأنا غني عنه، لا حاجة لي به. فانصرف، فأقام ابن مسعود
مغاضبا لعثمان حتى توفي، وصلى عليه عمار ابن ياسر، وكان عثمان غائبا فستر أمره،
فلما انصرف رأى عثمان القبر فقال: قبر من هذا؟ فقيل: قبر عبد الله بن مسعود. قال:
فكيف دفن قبل أن أعلم؟ فقالوا: ولي أمره عمار بن ياسر، وذكر أنه أوصى ألا يخبره به.
ولم يلبث إلا يسيرا حتى مات المقداد، فصلى عليه عمار وكان أوصى إليه ولم يؤذن عثمان
به، فاشتد غضب عثمان على عمار وقال: ويلي على ابن السوداء أما لقد كنت به عليما
(1). وفي (المعارف) في خلافة عثمان: وكان مما نقموا على عثمان: أنه.. طلب إليه
عبد الله بن خالد بن أسيد صلة فأعطاه أربعمائة ألف درهم من بيت مال المسلمين. فقال
عبد الله بن مسعود في ذلك، فضربه إلى أن دق له ضلعين... (2). وفي (الرياض النضرة
2 / 163) و(الخميس 2 / 261) و(تاريخ الخلفاء للسيوطي 158) واللفظ للأول: فلم يبق
أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان، وزاد ذلك غضب من غضب لأجل ابن مسعود وأبي ذر
وعمار . وانظر: تاريخ الطبري 3 / 311، 325، 326
(هامش)
(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 159. (2) المعارف 194. (*)
ص 75
العقد الفريد 2 / 186، 192 الأوائل لأبي هلال 152 الكامل 3 / 42 أسد الغابة 3 / 259
وغيرها. ولقد اعترف (الدهلوي) أيضا بذلك كله في (التحفة).
ص 77
دحض المعارضة بحديث: أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل

ص 79
قوله: وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل . أقول: والجواب عنه وجوه: 1 - إنه
من متفردات العامة إن هذا الحديث ليس من أحاديث الإمامية، وقد كان (الدهلوي) قد
التزم بنقل الأحاديث التي يعترف الإمامية بصحتها ويحتجون بها، على أن والده لم يجوز
الاحتجاج معهم بأحاديث الصحيحين، مع أن هذا الحديث لا عين له ولا أثر فيهما كما لا
يخفى. 2 - إنه واه إن هذا الحديث سنده واه، فإنه جزء من حديث: أرحم أمتي أبو
بكر.. ولقد بسطنا الكلام حوله في مجلد (حديث مدينة العلم). 3 - اعترف ابن تيمية
بضعفه
ص 80
لقد اعترف ابن تيمية - وهو من فتن أهل السنة بهفواته - بضعفه، إذ قال في الجواب عن
حديث أقضاكم علي بعد أن ذكره: مع أن الحديث الذي فيه ذكر معاذ وزيد بعضهم
يضعفه وبعضهم يحسنه (1). أقول: سيأتي تعقيب ابن عبد الهادي لتحسين بعضهم إياه. 4
- قدح فيه ابن عبد الهادي إن حديث أعلمية معاذ بن جبل - وإن حسنه بعضهم بل صححه -
باطل عند ابن عبد الهادي فقد صرح في (التذكرة) بأن في متنه نكارة وبأن شيخه ضعفه بل
رجح وضمه. 5 - قدح فيه الذهبي لقد عد الحافظ الذهبي - الذي استند (الدهلوي) إلى
كلامه في رد حديث الطير - هذا الحديث في الأحاديث المقدوحة، وصرح بذلك في (الميزان)
بترجمة سلام بن سليم، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى. 6 - قدح فيه المناوي لقد
قدح المناوي في هذا الحديث لكون ابن البيلماني في سنده، ونقل في ذلك كلام ابن
عبد الهادي، فقال في شرح الحديث الطويل المشار إليه سابقا : ع. من طريق ابن
البيلماني عن أبيه عن ابن عمر بن الخطاب. وابن البيلماني حاله معروف. لكن في الباب
أيضا عن أنس وجابر وغيرهما عن الترمذي وابن ماجة والحاكم وغيرهم، لكن قالوا في
روايتهم بدل أرأف : أرحم . وقال ت: حسن صحيح، وقال ك: على شرطهما. وتعقبهم
ابن عبد الهادي في تذكرته بأن في متنه نكارة، وبأن شيخه
(هامش)
(1) منهاج السنة 2 / 138. (*)
ص 81
ضعفه، بل رجح وضعه (1). بعض كلماتهم في راويه: ابن البيلماني لقد اكتفى المناوي
بقوله: وابن البيلماني حاله معروف ولا بأس بإيراد كلمات أساطين الجرح والتعديل
فيه وفي أبيه: قال البخاري: محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه. منكر الحديث،
كان الحميدي يتكلم فيه (2). وقال النسائي: محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن
أبيه. منكر الحديث (3). وقال المقدسي: إذا كان آخر الزمان واختلف الأهواء
فعليكم بدين البادية والنساء. فيه محمد بن عبد الرحمن البيلماني قال ابن معين: ليس
بشيء (4). وقال عنه في مواضع عديدة بعد أحاديث رواها لا شيء في الحديث و لا
شيء و ليس بشيء و كان يتهم (أنظر: ص 26، 42، 46، 49، 82، 112، 122، 123،
136، 141). وقال ابن الجوزي بعد الحديث المذكور: قال المصنف: هذا حديث لا يصح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يحيى بن معين: محمد بن الحارث ومحمد بن عبد
الرحمن ليسا بشيء، قال أبو حاتم: حدث محمد بن عبد الرحمن عن أبيه بنسخه شبيه بمائتي
حديث كلها موضوعة، لا يحل الاحتجاج به ولا ذكره في الكتب إلا تعجبا (5).
(هامش)
(1) فيض القدير 1 / 460. (2) الضعفاء والمتروكين للبخاري 103. (3) الضعفاء
والمتروكين للنسائي 93. (4) تذكرة الموضوعات للحافظ المقدسي 25. (5) الموضوعات 1 /
271. (*)
ص 82
وهكذا قال فيه في حديث في باب فضل جدة . وفي (ميزان الاعتدال): د. ق محمد بن
عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه: ضعفوه، وقال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث،
وقال الدارقطني وغيره: ضعيف، وقال ابن حبان: يحدث عن أبيه بنسخه شبيه بمائتي حديث
كلها موضوعة.. قال ابن عدي: كلما يرويه ابن البيلماني البلاء فيه منه.. (1). وفي
[المغني]: ضعفوه وقال ابن حبان: روى عن أبيه نسخة موضوعة (2). وقال الزين
العراقي بعد حديث إذا كان آخر الزمان.. : وابن البيلماني له عن أبيه عن ابن
عمر نسخة كان يتهم بوضعها، وهذا اللفظ عن هذا الوجه رواه حب في الضعفاء في ترجمة
ابن البيلماني والله أعلم (3). وقال الهيثمي في باب صلاة الخوف بعد حديث رواه
البزار وفيه محمد بن عبد الرحمن البيلماني، وهو ضعيف جدا (4). وقال سبط ابن
العجمي: ضعفه غير واحد، وقال خ وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن حبان: حدث عن
أبيه بنسخة شبيه بمائتي حديث كلها موضوعة، وقد ذكر الذهبي عدة أحاديث في ميزانه وفي
آخرها: قال ابن عدي: كلما يرويه ابن البيلماني فالبلاء منه، ومحمد بن الحرث أيضا
ضعيف. إنتهى، يعني: راوي غالب الأحاديث التي ذكرها والله أعلم. وفي ثقات ابن حبان
في ترجمة أبيه: يضع على أبيه العجائب (5).
(هامش)
(1) ميزان الاعتدال 3 / 617. (2) المغني في الضعفاء 2 / 603. (3) المغني عن حمل
الاسفار في الأسفار 1 / 262. (4) مجمع الزوائد 2 / 196. (5) الكشف الحثيث عمن رمى
بوضع الحديث - مخطوط. (*)
ص 83
وقال ابن حجر بعد حديث: ورواه الدارقطني من طريق ابن البيلماني عن أبيه عن عثمان،
وابن البيلماني ضعيف جدا وأبوه ضعيف أيضا (1). ونقل في (تهذيب التهذيب) كلمات
البخاري وأبي حاتم والنسائي وابن معين وابن عدي. ثم قال: قلت وقال ابن حبان: حدث
عن أبيه نسخة شبيه بمائتي حديث كلها موضوعة لا يجوز الاحتجاج به ولا ذكره إلا على
وجه التعجب وقال الساجي: منكر الحديث، وقال العقيلي: روى عنه صالح بن عبد الجبار
ومحمد بن الحارث مناكير، وقال الحاكم: روى عن أبيه عن ابن عمر المعضلات (2). وفي
(لسان الميزان): قال البخاري: منكر الحديث (3). وفي (تقريب التهذيب): ضعيف
وقد اتهمه ابن عدي وابن حبان، من السابعة (4). وقال ابن الهمام في مسألة تقدير
المهر: وحديث العلائق معلول بمحمد ابن عبد الرحمن ابن البيلماني، قال ابن القطان
قال البخاري منكر الحديث (5). وقال السخاوي بعد حديث إذا كان.. : وابن
البيلماني ضعيف جدا (6). وقال الخزرجي: قال البخاري منكر الحديث (7). وقال
السندي: محمد بن عبد الرحمن البيلماني، روى عن أبيه نسخة
(هامش)
(1) التلخيص الحبير 1 / 84. (2) تهذيب التهذيب 9 / 294. (3) لسان الميزان 6 / 697.
(4) تقريب التهذيب 2 / 182. (5) فتح القدير 2 / 436. (6) المقاصد الحسنة 290. (7)
خلاصة التهذيب 2 / 429. (*)
ص 84
كلها موضوعة (1). ونقل القاري عن ابن القيم كلمات القوم المتقدمة (2). وقال
المناوي بعد حديث: إذا كان آخر الزمان.. : وابن البيلماني ضعيف جدا، وأورده
السخاوي في المقاصد (3). وبمثله قال الزبيدي في (شرح الأحياء) بعد الحديث
المذكور. وقال الشوكاني: وفيه ابن البيلماني وهو ضعيف جدا، عن أبيه وهو أيضا ضعيف
(4). وأما أبوه عبد الرحمن ابن البيلماني فقد ضعفه الدارقطني في (المجتني -
مخطوط). والحاكم في (المستدرك 4 / 485). والذهبي في (الميزان 2 / 551) و(المغني 2 /
377) و(الكاشف 2 / 158) و(تلخيص المستدرك 4 / 102 و485). وابن حجر العسقلاني في
(تهذيب التهذيب 6 / 150) و(تقريب التهذيب 1 / 474). والخزرجي في (خلاصة التذهيب 2 /
127). وابن أمير الحاج في (التقرير والتحبير 1 / 224). والمتقي في (كنز العمال 6 /
146). والشوكاني في (نيل الأوطار 1 / 197). والمناوي في (فيض القدير 1 / 163).
والزبيدي في (تاج العروس - بلم).
(هامش)
(1) مختصر تنزيه الشريعة عن الأحاديث الموضوعة - مخطوط. (2) الموضوعات 419. (3) فيض
القدير 1 / 424. (4) نيل الأوطار 1 / 197، 6 / 87. (*)
ص 85
7 - قدح المناوي أيضا لقد قال المناوي في (فيض القدير) بشرح حديث معاذ بن جبل
إعلم الناس بحلال الله وحرامه : حل - عن أبي سعيد الخدري، وفيه زيد العمي وقد مر
ضعفه، وسلام بن سليم قال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه . أقول: وإليك بعض
أقوال أساطين علمائهم في كل من الرجلين: أما زيد العمى فقد قال النسائي: زيد
العمي ضعيف (1). وقال ابن أبي حاتم عن أبيه في حديث: زيد العمي ضعيف الحديث
(2). وقال ابن الجوزي بعد أحاديث: هذه أحاديث ليس فيها صحيح... والثاني والثالث:
فيهما زيد العمي، قال ابن حبان، يروي أشياء موضوعة لا أصل لها حتى يسبق إلى القلب
إنه المعتمد لها (3). وقال الذهبي: فيه ضعف، قال ابن عدي: لعل شعبة لم يرو عن
أضعف منه (4). وقال العراقي في (المغني) بعد حديث: وفيه زيد العمي وهو ضعيف .
وقال ابن حجر: ضعيف (5).
(هامش)
(1) الضعفاء والمتروكين للنسائي: 180. (2) العلل 1 / 45. (3) الموضوعات 3 / 215.
(4) الكاشف 1 / 338. (5) تقريب التهذيب 1 / 274. (*)
ص 86
وفي (تهذيب التهذيب): قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: صالح الحديث، وقال غير
مرة: لا شيء، وقال أبو الوليد بن أبي الجارود عن ابن معين: زيد العمي وأبو المتوكل
يكتب حديثهما وهما ضعيفان، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به،
وقال أبو زرعة: ليس بقوي واه الحديث، ضعيف، وقال الجوزجاني: متماسك، وقال الاجري عن
أبي داود حديث عن شعبة وليس بذاك ولكن ابنه عبد الرحيم لا يكتب حديثه، وقال الاجري
أيضا: سألت أبا داود عنه فقال: زيد بن مرة، قلت: كيف هو؟ قال: ما سمعت منه إلا
خيرا. وقال النسائي: ضعيف، وقال الدارقطني: صالح، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه
ضعيف، على أن شعبة قد روى عنه، ولعل شعبة لم يرو عن أضعف منه، وقال علي بن مصعب:
سمى العمي، لأنه كان كلما سئل عن شيء، قال: حتى اسأل عمي. قلت: وقال الرشاطي: هو
منسوب إلى بني العم من تميم، وقال ابن سعد: كان ضعيفا في الحديث، وقال ابن المديني:
كان ضعيفا عندنا، وقال أبو حاتم: كان شعبة لا يحمد حفظه، وقال العجلي: بصري ضعيف
الحديث ليس بشيء، وقال ابن عدي: هو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم (1). وأما
سلام بن سليم فقد قال البخاري: تركوه (2). وقال النسائي في (الضعفاء والمتروكين
47) وابن أبي حاتم في (العلل 1 / 63) عن أبيه: متروك الحديث .
(هامش)
(1) تهذيب التهذيب 3 / 408. (2) الضعفاء للبخاري 55. (*)
ص 87
وقال أبو نعيم بترجمة الشعبي بعد حديث: متروك باتفاق (1). وقال ابن الجوزي بعد
حديث: فيه سلام الطويل قال يحيى: ليس بشيء لا يكتب حديثه، وقال البخاري: تركوه،
وقال النسائي والدارقطني: متروك وقال ابن حبان: يروى عن الثقات الموضوعات وكأنه كان
المعتمد لها (2). وقال الذهبي: تركوه ثم نقل كلماتهم فيه (3). وفي (المغني):
متروك، وقال أبو زرعة: ضعيف (4). وفي (الكاشف): قال البخاري: تركوه (5).
وقال ابن التركماني عن البيهقي: متروك (6). وقال الهيثمي: قد أجمعوا على ضعفه
(7). وقال سبط ابن العجمي في (الكشف الحثيث): جرحه جماعة . وقال ابن حجر:
متروك من السابعة (8). وقال أيضا: زيد وسلام ضعيفان (9). وهكذا ضعفه آخرون
كالخزرجي (خلاصة التذهيب 1 / 433) والسندي في (مختصر تنزيه الشريعة) ومحمد بن طاهر
في (قانون الموضوعات 259).
(هامش)
(1) حلية الأولياء 4 / 336. (2) الموضوعات 2 / 89. (3) ميزان الاعتدال 1 / 175. (4)
المغني 1 / 270. (5) الكاشف 1 / 413. (6) الجوهر النقي 1 / 21. (7) مجمع الزوائد 1
/ 212. (8) تقريب التهذيب 1 / 342. (9) تلخيص الحبير 1 / 222. (*)
ص 88
8 - قدح المناوي أيضا قال المناوي: حل - عن أبي سعيد. وإسناده ضعيف (1). 9 -
قدح العزيزي فيه قال العزيزي: حل - عن أبي سعيد وإسناده ضعيف (2). 10 - تصرف
معاذ في ما ليس له إن من مبطلات أحاديث أعلمية معاذ بن جبل تصرفه في ما ليس له من
الأموال، وإليك من ذلك روايتين: الأولى: ما أخرجه جماعة مهم ابن سعد بترجمة معاذ،
قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، أنا شيبان، عن الأعمش عن شقيق قال: استعمل النبي
صلى الله عليه وسلم معاذا على اليمن، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو
بكر وهو عليها، وكان عمر عامئذ على الحج، فجاء معاذ إلى مكة ومعه رقيق ووصفاء على
حدة، فقال له عمر: يا أبا عبد الرحمن لمن هؤلاء الوصفاء؟ قال: هم لي، قال: من أين
هم لك؟ قال: أهدوا لي. قال: أطعني وأرسل بهم إلى أبي بكر فإن طيبهم لك فهم لك، قال:
ما كنت لأطيعك في هذا، شيء أهدي لي أرسل بهم إلى أبي بكر؟ قال: فبات ليلا [ليلته]
ثم أصبح فقال: يا ابن الخطاب ما أراني إلا مطيعك، إني رأيت اللية في المنام كأني
أجر - أو: أقاد أو كلمة تشبهها - إلى النار وأنت آخذ بحجزتي، فانطلق [بي و] بهم إلى
أبي بكر، فقال: أنت أحق بهم، [فانطلق بهم إلى أبي بكر] فقال أبو بكر: هم
(هامش)
(1) التيسير 2 / 376. (2) السراج المنير 3 / 282. (*)
ص 89
لك، فانطلق بهم إلى أهله فصفوا خلفه يصلون قال: لمن تصلون؟ قالوا: لله تبارك
وتعالى. قال: فانطلقوا فأنتم له (1). والثانية: أخرجها جماعة منهم ابن عبد البر
في (الاستيعاب 3 / 1404) بترجمة معاذ والمتقي في (كنز العمال 5 / 342) في كتاب
الخلافة، وهذا لفظ المتقي: أخبرنا معمر عن الزهري عن كعب بن عبد الرحمن [ابن كعب]
بن مالك عن أبيه قال: كان معاذ بن جبل رجلا سمحا شابا جميلا من أفضل شباب قومه،
وكان لا يمسك شيئا، فلم يزل يدان حتى أغلق ما له كله من الدين، فأتى النبي صلى الله
عليه وسلم يطلب له أن يسأل له غرماءه أن يضعوا له، فأبوا، فلو تركوا لأحد من أجل
أحد تركوا لمعاذ من أجل النبي صلى الله عليه وسلم، فباع النبي صلى الله عليه وسلم
كل ما له في دينه حتى قام معاذ بغير شيء، حتى إذا كان عام فتح مكة بعثه النبي صلى
الله عليه وسلم على طائفة من اليمن أميرا ليجبره، فمكث معاذ باليمن أميرا وكان أول
من أتجر مال الله هو، ومكث حتى أصاب وحتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدم
قال عمر لأبي بكر: أرسل إلى هذا الرجل فدع له ما يعيشه وخذ سائره، فقال أبو بكر:
إنما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ليجبره ولست بآخذ منه شيئا إلا أن يعطيني،
فانطلق عمر إلى معاذ إذ لم يطعه أبو بكر، فذكر ذلك عمر لمعاذ، فقال [معاذ]: إنما
أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجبرني ولست بفاعل، ثم لقي معاذ عمر فقال: قد
أطعتك وأنا فاعل ما أمرتني به، إني رأيت في المنام أني في حومة ماء قد خشيت الغرق،
فلخصتني منه يا عمر، فأتى معاذ أبو بكر فذكر ذلك له وحلف له أنه لم يكتمه شيئا حتى
بين له سوطه، فقال أبو بكر: والله لا آخذه منك، قد وهبته لك، فقال عمر: هذا حين طاب
لك وحل، فخرج معاذ
(هامش)
(1) الطبقات 3 / 585. (*)
ص 90
عند ذلك إلى الشام. قال معمر: فأخبرني رجل من قريش قال: سمعت الزهري يقول: لما باع
النبي صلى الله عليه وسلم مال معاذ أوقفه للناس فقال: من باع هذا شيئا فهو باطل. عب
وابن راهويه . أقول: فمن كان هذا حاله من الجهل بحكم الله والتصرف في مال الله ولم
يؤده حتى رأى في منامه ما رأى.. لا يكون أعلم بحلال الله وحرامه من غيره!. قوله:
وأمثال ذلك كثيرة. أقوال: نعم أمثال هذه الموضوعات في كتبهم كثيرة، وعلى ألسنتهم
شهيرة، والوقوف على حال ما ذكر منها كاف لمعرفة حال تلك عند من له أدنى بصيرة،
والحمد لله الذي وفقنا لاحقاق الحق وإعلانه، ودحض الباطل وإزهاقه، وهو سبحانه نعم
المولى ونعم النصير.
ص 91
دحض المعارضة بحديث: اقتدوا باللذين من بعدي

ص 93
قوله: خصوصا قوله: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر حيث بلغ درجة الشهرة
والتواتر بالمعنى. أقول: إن دعوى صحة هذا الحديث كاذبة، لما ذكرنا في مجلد (حديث
الطير) من الوجوه الرصينة والبراهين المتينة على وهنه وسقوطه عن درجة الاعتبار،
بحيث لو ركن أهل السنة إلى أنواع التلبيس، واعتمدوا على إشكال التدليس، وتشبثوا
بمختلف طرق التسويل لما تمكنوا من إثبات صحته فضلا عن تواتره... ونحن ذاكرون هنا
وجوها على فساد هذا الحديث وبطلانه لاقتضاء المقام ذلك، فنقول: 1 - لقد أعله أبو
حاتم لقد كشف أبو حاتم الرازي النقاب عن سقم هذا الحديث، فقد قال المناوي: وأعله
أبو حاتم، وقال البزار كابن حزم: لا يصح، لأن عبد الملك لم يسمعه من ربعي، وربعي لم
يسمعه من حذيفة، لكن له شاهد (1).
(هامش)
(1) فيض القدير في شرج الجامع الصغير 2 / 56. (*)
ص 94
أقول: قد ذكرنا ما في سند الشاهد في مجلد (حديث الطير). ترجمة أبي حاتم قال
السمعاني: وأبو حاتم، كان إماما حافظا فهما من مشاهير العلماء... توفي سنة سبع
وسبعين ومائتين (1). وقال: إمام عصره والمرجوع إليه في مشكلات الحديث.. كان من
مشاهير العلماء المذكورين الموصوفين بالفضل والحفظ والرحلة.. وكان أول من كتب
الحديث.. وكان أحمد بن سلمة يقول: ما رأيت بعد إسحاق - يعني ابن راهويه - ومحمد بن
يحيى أحفظ للحديث ولا أعلم بمعانيه من أبي حاتم محمد بن إدريس. قال أبو حاتم: قال
لي هشام بن عمار يوما: أي شيء تحفظ من الأذواء؟ قلت له: ذو الإصبع وذو الجوشن وذو
الزوائد وذو اليدين وذو اللحية الكلابي وعددت له ستة، فضحك وقال: حفظنا نحن ثلاثة
وزدت أنت ثلاثة مات أبو حاتم بالري في شعبان سنة سبع وسبعين ومائتين (2). وذكره
ابن الأثير وقال: وهو من أقران البخاري ومسلم (3). وقال الذهبي: أبو حاتم
الرازي الإمام الحافظ الكبير محمد بن إدريس ابن المنذر الحنظلي أحد الأعلام، ولد
سنة خمس وتسعين ومائة، قال: كتبت الحديث سنة تسع ومائتين. قلت: رحل وهو أمرد فسمع
عبيد الله بن موسى ومحمد بن عبد الله الأنصاري والأصمعي وأبا نعيم وهوذة بن خليفة
وعفان وأبا مسهر وأمما سواهم، وبقي في الرحلة زمانا، فقال: أول ما رحلت أقمت سبع
سنين
(هامش)
(1) الأنساب - الجزى. (2) المصدر - الحنظلي. (3) الكامل في التاريخ 6 / 67. (*)
ص 95
أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، ثم تركت العدد، وخرجت من البحرين إلى
مصر ماشيا ثم إلى الرملة ماشيا ثم إلى طرسوس ولي عشرون سنة قلت ألحق عبيد الله
فأتيته قبل موته بشهرين، قال: وكتبت عن النفيلي نحو أربعة عشر ألفا، وسمع مني محمد
بن المصفى أحاديث. قلت: وحدث عنه يونس بن عبد الأعلى ومحمد بن عون الطاعي وأبو داود
والنسائي وأبو عوانة الأسفرائني وأبو الحسن علي بن إبراهيم القطان وأبو عمر وأحمد
بن محمد بن حكيم وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب وعبد المؤمن بن خلف النسفي وخلق كثير.
قال محمد بن إسحاق الأنصاري القاضي: ما رأيت أحفظ من أبي حاتم، وقال محمد بن سلمة
الحافظ: ما رأيت بعد محمد بن يحيى أحفظ للحديث ولا أعلم بمعانيه من أبي حاتم، وقال
النسائي ثقة، وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي:
من اغرب علي حديثا صحيحا فله درهم - وكان ثم خلق أبو زرعة فمن دونه، وإنما كان
مرادي أن يلقى علي ما لم اسمع به لأذهب به إلى راويه فأسمعه - فلم يتهيأ لأحد أن
يغرب علي... (1). وترجم له الذهبي في (سير أعلام النبلاء 13 / 247) و(الكاشف 3 /
18) و(دول الإسلام 1 / 132) و(العبر 2 / 58) قال في الأخير حوادث 277 -: فيها
توفي حافظ المشرق أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي في شعبان وهو في عشر
التسعين، وكان بارع الحفظ، واسع الرحلة، من أوعية العلم، سمع محمد بن عبد الله
الأنصاري وأبا مسهر وخلقا لا يحصون، وكان جاريا في مضمار البخاري وأبي زرعة الرازي
. وكذا جاء في (مرآة الجنان) في حوادث السنة المذكورة.
(هامش)
(1) تذكرة الحفاظ 2 / 567. (*)
ص 96
وقال الحافظ ابن حجر: أحد الحفاظ، من الحادية عشر (1). وقال السيوطي: أحد
الأئمة الحفاظ، روى عن أحمد وآدم بن أبي أياس وأبي خيثمة وقتيبة وخلق، وعنه أبو
داود والنسائي وابن ماجة وآخرون، قال الخطيب: كان أحد الأئمة الحفاظ الاثبات،
مشهورا بالعلم مذكورا بالفضل، وثقه النسائي وغيره، وقال ابن يونس: قدم مصر قديما
وكتب بها وكتب عنه. مات بالري سنة خمس وقيل سبع وسبعين ومائتين (2). 2 - طعن
الترمذي فيه لقد طعن أبو عيسى الترمذي في سند هذا الحديث برواية ابن مسعود - وإن
رواه عن حذيفة وحسن رجاله - وذلك حيث قال: حدثنا إبراهيم ابن إسماعيل بن يحيى بن
سلمة بن كهيل، ثنى أبي عن أبيه سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن ابن مسعود قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر،
واهتدوا بهدى عمار، وتمسكوا بعهد ابن مسعود. هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث
ابن مسعود، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل، ويحيى بن سلمة يضعف في
الحديث، وأبو الزعراء اسمه عبد الله بن هاني، وأبو الزعراء الذي روى عنه شعبة
والثوري وابن عيينة اسمه عمرو بن عمرو، وهو ابن أخي أبي الأحوص صاحب ابن مسعود
(3). أقول: لقد اكتفى الترمذي بهذا المقدار في تضعيفه، ونحن نضيف إلى كلامه بعض
كلماتهم في رجاله:
(هامش)
(1) تقريب التهذيب 2 / 142. (2) طبقات الحفاظ 255. (3) صحيح الترمذي 5 / 672. (*)
ص 97
أما إبراهيم بن إسماعيل فقد قال الذهبي: لينه أبو زرعة وتركه أبو حاتم، يروي عن
أبيه، تأخر (1). وفي (المغني): غمزه أبو زرعة وتركه أبو حاتم (2). وأضاف ابن
حجر العسقلاني: وقال العقيلي عن مطين: كان ابن نمير لا يرضاه ويضعفه، وقال: روى
أحاديث مناكير. قال العقيلي ولم يكن إبراهيم هذا بقيم الحديث... وذكره ابن حبان في
الثقات فقال: في روايته عن أبيه بعض المناكير (3). وقال الخزرجي: اتهمه أبو
زرعة (4). وأما إسماعيل بن يحيى فقد قال الذهبي: قال الدارقطني متروك (5).
وقال ابن حجر: قال الدارقطني متروك، وتقدم الكلام عليه في ترجمة ابنه. قلت: ونقل
ابن الجوزي عن الأزدي أنه قال: متروك (6). وأما يحيى بن سلمة بن كهيل فقد قال
البخاري: منكر الحديث (7). وقال أيضا: في حديثه مناكير (8).
(هامش)
(1) ميزان الاعتدال 1 / 20. (2) المغني في الضعفاء 1 / 10. (3) تهذيب التهذيب 1 /
106. (4) خلاصة تهذيب الكمال 1 / 14. (5) ميزان الاعتدال 1 / 254، والمغني في
الضعفاء 89. (6) تهذيب التهذيب: 1 / 336. (7) التاريخ الصغير للبخاري 1 / 347. (8)
الضعفاء للبخاري 119. (*)
ص 98
وقال النسائي: متروك الحديث (1). وقال المقدسي: ضعفه ابن معين، وقال أبو
حاتم: ليس بالقوي، وقال البخاري: في حديثه مناكير، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال
الترمذي: ضعيف، أما ابن حبان فذكره في الثقات (2). وقال الذهبي: ضعيف، مات سنة
172 (3). وقال ابن حجر بعد الأقوال المتقدمة: قلت: وذكره ابن حبان أيضا في
الضعفاء فقال منكر الحديث جدا لا يحتج به، وقال النسائي في الكنى: متروك الحديث،
وقال ابن نمير ليس ممن يكتب حديثه، وقال الدارقطني: متروك، وقال مرة: ضعيف وقال
العجلي: ضعيف الحديث وكان يغلو في التشيع، وقال ابن سعد: كان ضعيفا جدا، وقال
البخاري في الأوسط: منكر الحديث، وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب عن الرواية
عنهم، وكنت أسمع أصحابنا يضعفونه، وقال الاجري عن أبي داود: ليس بشيء (4). وأما
أبو الزعراء فقد مر قدحه عن البخاري في الكلام على حديث: وتمسكوا بعهد ابن أم عبد،
فليكن منك على ذكر.. 3 - إبطال البزار إياه لقد أنصف البزار إذ قال لا يصح كما
عرفته بنص المناوي في [فيض القدير] ومن العجيب: إن (الدهلوي) يستدل في حاشية
(التحفة)
(هامش)
(1) الضعفاء والمتروكين للنسائي 109. (2) الكمال في أسماء الرجال - مخطوط. (3)
الكاشف 3 / 251. (4) تهذيب التهذيب 11 / 225. (*)
ص 99
بحديث أخرجه البزار في (مسنده) على أن أبا بكر أشجع من أمير المؤمنين عليه السلام.
ولكنه لا يلتفت في المقام إلى طعن البزار في حديث الاقتداء فيدعي شهرته وتواتره..
على أنه قد وصفه في موضع آخر ب عمدة محدثي أهل السنة فهل يجوز له الاستدلال
بحديث ضعفه عمدة المحدثين فضلا عن دعوى شهرته وتواتره؟ ولا بأس بذكر كلمات لهم
في الثناء على البزار: ترجمة البزار قال أبو نعيم: أحمد بن عمرو بن عبد الخالق
البصري أبو بكر البزار الحافظ، قدم أصبهان مرتين (1). وقال السيوطي: البزار -
الحافظ العلامة الشهير أبو بكر.. صاحب المسند الكبير المعلل، رحل بآخر عمره إلى
أصبهان ونشر علمه، مات بالرملة سنة 292 (2). وقال الأزهري في (أسانيده): قال
ابن أبي خيثمة، هو ركن من أركان الإسلام، وكان يشبه بابن حنبل في زهده وورعه . 4 -
إبطال العقيلي إياه لقد أورد العقيلي حديث الاقتداء في كتاب (الضعفاء) وأنكره كما
ستعرف ذلك من عبارة ابن حجر العسقلاني. ترجمة العقيلي ولقد أثنى على العقيلي علماء
الرجال ووصفوه بكل جميل.. راجع
(هامش)
(1) تاريخ أصبهان 1 / 104. (2) طبقات الحفاظ 285. (*)
ص 100
(تذكرة الحفاظ 3 / 833) و(العبر في خبر من غبر 2 / 198) و(طبقات الحفاظ 346). وهذه
خلاصة ما جاء في (تذكرة الحفاظ): العقيلي، الحافظ الإمام صاحب كتاب الضعفاء
الكبير. قال سلمة بن القاسم: كان العقيلي جليل القدر عظيم الخطر ما رأيت مثله وكان
كثير التصانيف، فكان من أتاه من المحدثين قال: اقرأ من كتابك ولا تخرج أصله،
فتكلمنا في ذلك وقلنا إما أن يكون أحفظ الناس وإما أن يكون من اكذب الناس واجتمعنا
عليه، فلما أتيت بالزيادة والنقص فطن لذلك، فأخذ مني الكتاب وأخذ القلم فأصلحها من
حفظه، فانصرفنا من عنده وقد طابت أنفسنا وعلمنا أنه من أحفظ الناس. وقال الحافظ أبو
الحسن بن سهل القطان: أبو جعفر ثقة جليل القدر، عالم بالحديث، مقدم في الحفظ، توفي
سنة 322 . 5 - تضعيف النقاش إياه لقد نص النقاش على أن هذا الحديث واه فقد قال
الذهبي بترجمة أحمد ابن محمد بن غالب الباهلي: ومن مصائبه قال: حدثنا محمد بن عبد
الله العمري حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . فهذا ملصق بمالك. وقال أبو بكر النقاش وهو
واه (1). وكلام النقاش هذا دليل متين على سقم هذا الحديث، إذ النقاش كان ممن ولع
بجمع الموضوعات والاعتماد عليها، وتفسيره ملئ بها كما لا يخفى على من راجع (طبقات
الحفاظ للحافظ السيوطي 371).
(هامش)
(1) ميزان الاعتدال 1 / 142. (*)
ص 101
6 - تضعيف الدارقطني إياه لقد صرح الدارقطني بعدم ثبوت هذا الحديث المنقول عن ابن
عمر وضعف راويه، كما ستعرف ذلك إن شاء الله من عبارة ابن حجر العسقلاني. ترجمة
الدارقطني وكتب الرجال والتاريخ مشحونة بالثناء على الدارقطني وإطرائه، وإليك بعض
مصادر ترجمته: الأنساب - الدارقطني. الكامل في التاريخ، حوادث 385. وفيات الأعيان 2
/ 459. تذكرة الحفاظ 3 / 991. العبر 3 / 28. طبقات السبكي 3 / 462. طبقات الأسنوي 1
/ 508. طبقات القراء 1 / 559. طبقات الحفاظ 393. وقد أوردنا طرفا من كلماتهم في
مجلد (حديث الطير). 7 - إبطال ابن حزم إياه لقد صرح ابن حزم بعدم صحة حديث
الاقتداء، فقد قال في استخلاف أبي بكر: وأيضا: فإن الرواية قد صحت بأن امرأة قالت
يا رسول الله: أرأيت إن رجعت ولم أجدك؟ كأنها تريد الموت قال: فأتي أبا بكر. وهذا
نص جلي على استخلاف أبي بكر. وأيضا: فإن الخبر قد جاء من الطرق الثابتة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها في مرضه الذي توفي فيه عليه
السلام: هممت أن أبعث إلى أبيك وأخيك فأكتب
ص 102
كتابا وأعهد عهدا لكيلا يقول قائل: أنا أحق، أو يتمنى متمن، ويأبى الله والمؤمنون
إلا أبا بكر، وروي أيضا ويأبى الله والنبيون إلا أبا بكر. فهذا نص جلي على استخلافه
عليه الصلاة والسلام أبا بكر على ولاية الأمة بعده. قال أبو محمد: ولو أننا نستجير
التدليس والأمر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحا أو أبلسوا أسفا لاحتججنا بما
روي: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. قال أبو محمد: ولكنه لم يصح، ويعيذنا
الله من الاحتجاج بما لا يصح (1). أقول: وفي هذا الكلام فوائد لا تخفى عليه
النبيه. ولقد ظهر أيضا قدحه في هذا الحديث من عبارة (فيض القدير) كما تقدم. ترجمة
ابن حزم قال السمعاني ما ملخصه: الحافظ المعروف بابن حزم من أفضل أهل عصره
بالأندلس وبلاد المغرب، له التصانيف والكتب المفيدة، وكان حافظا في الحديث، وكان
يميل إلى مذهب أهل الظاهر (2). وقال الذهبي ما ملخصه: وكان إليه المنتهى في
الذكاء وحدة الذهن وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والملل والنحل والعربية
والأدب والمنطق والشعر، مع الصدق والأمانة والديانة والحشمة والسؤدد والرياسة
والثروة وكثرة الكتب... (3). وقال السيوطي: ابن حزم الإمام العلامة الحافظ
الفقيه أبو محمد علي ابن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف الفارسي الأصل
الترمذي الأموي مولاهم القرطبي الظاهري. كان أولا شافعيا ثم تحول
(هامش)
(1) الفصل في الملل والنحل 4 / 88. (2) الأنساب - اليزيدي. (3) العبر 3 / 239، دول
الإسلام 1 / 207. (*)