نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثالث

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثالث

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 103

ظاهريا وكان صاحب فنون وورع وزهد، وإليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم، أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة مع توسعه في علوم اللسان والبلاغة والشعر والسير والأخبار، له (المجلي) على مذهبه واجتهاده، وشرحه (المحلى) و(الملل والنحل) و(الايصال في فقه الحديث) وغير ذلك. آخر من روى عنه بالإجارة أبو الحسن شريح بن محمد. مات في جمادي الأولى سنة سبع وخمسين وأربعمائة (1). 8 - تنصيص العبري على أنه موضوع لقد صرح العبري الفرغاني بوضع حديث الاقتداء حيث قال: وقيل: إجماع الشيخين حجة لقوله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، فالرسول أمرنا بالاقتداء بهما، والأمر للوجوب وحينئذ يكون مخالفتهما حراما، ولا نعني بحجية إجماعهما سوى ذلك. الجواب: إن الحديث موضوع لما بينا في شرح الطوالع (2). ترجمة الفرغاني ولقد قال الأسنوي بترجمة الفرغاني ما نصه: الشريف برهان الدين عبيد الله الهاشمي الحسيني المعروف بالعبري - بعين مكسورة ثم باء موحدة ساكنة - كان أحد الأعلام في علم الكلام والمعقولات، ذا حظ وافر من باقي العلوم، وله التصانيف المشهورة.. (3). وقال ابن حجر العسقلاني: كان عارفا بالأصلين وشرح مصنفات ناصر الدين البيضاوي... وذكره الذهبي في المشتبه في العبري فقال: عالم كبير في وقتنا وتصانيفه سائرة، ومات في شهر رجب سنة 743.

(هامش)

(1) طبقات الحفاظ 436. (2) شرح المنهاج - مخطوط. (3) طبقات الشافعية 2 / 236. (*)

ص 104

قلت: رأيت بخط بعض فضلاء العجم أنه مات في غرة ذي الحجة منها وهو أثبت، ووصفه فقال: هو الشريف المرتضى قاضي القضاة، كان مطاعا عند السلاطين، مشهورا في الآفاق مشارا إليه في جميع الفنون، ملاذ الضعفاء كثير التواضع والانصاف... (1). وقال اليافعي: الإمام العلامة قاضي القضاة عبيد الله بن محمد العبري الفرغاني الحنفي البارع العلامة المناظر، يضرب بذكائه ومناظرته المثل، كان إماما بارعا متفننا، تخرج به الأصحاب، يعرف المذهبين الحنفي والشافعي وأقرأهما وصنف فيهما، وأما الأصول والمعقول فتفرد فيهما بالامامة، وله تصانيف... وكان أستاذ الأستاذين في وقته (2). وبمثل ما تقدم ترجمه الشوكاني في (البدر الطالع 1 / 411) وتقي الدين ابن قاضي شهبة الأسدي في (طبقات الشافعية - 2 / 183). 9 - تغليط الذهبي إياه لقد غلط الذهبي حديث الاقتداء المروي عن ابن عمر، وأظهر بطلانه مرة بعد أخرى، فقال: أحمد بن صليح عن ذي النون المصري عن مالك عن نافع عن ابن عمر بحديث اقتدوا باللذين من بعدي. وهذا غلط، وأحمد لا يعتمد عليه (3). وقال: أحمد بن محمد بن غالب الباهلي غلام خليل عن إسماعيل بن أبي أويس وشيبان وقرة بن حبيب، وعنه ابن كامل وابن السماك وطائفة، وكان من كبار الزهاد ببغداد، قال ابن عدي سمعت أبا عبد الله النهاوندي يقول قلت لغلام خليل: ما هذه الرقائق التي تحدث بها؟ قال: وضعناها لنرقق بها قلوب العامة.

(هامش)

(1) الدرر الكامنة 2 / 433. (2) مرآة الجنان 4 / 306. (3) ميزان الاعتدال 1 / 105. (*)

ص 105

وقال أبو داود: أخشى أن يكون دجال بغداد، وقال الدارقطني متروك. ومن مصائبه قال: حدثنا محمد بن عبد الله العمري حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. فهذا ملصق بمالك، وقال أبو بكر النقاش وهو واه. قال أبو جعفر بن الشعيري: لما حدث غلام خليل عن بكر بن عيسى عن أبي عوانة قلت له: يا أبا عبد الله ما هذا الرجل؟ هذا حدث عنه أحمد بن حنبل وهو قديم لم تدركه، ففكر في هذا، فقلت: لعله آخر اسمه ذلك؟ فسكت، فلما كان من الغد قال لي يا أبا جعفر، علمت أني نظرت البارحة في من سمعت عليه بالبصرة ممن يقال له بكر بن عيسى، فوجدتهم ستين رجلا (1). وقال: محمد بن عبد الله بن عمر بن القاسم بن عبد الله بن عبيد الله ابن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري، ذكره العقيلي وقال لا يصح حديثه ولا يعرف بنقل الحديث. حدثنا أحمد بن الخليل حدثنا إبراهيم بن محمد الحلبي حدثني محمد ابن عبد الله بن عمر بن القاسم أنا مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: اقتدوا باللذين من بعدي. فهذا لا أصل له من حديث مالك، بل هو معروف من حديث حذيفة ابن اليمان وقال الدارقطني: البصري هذا يحدث عن مالك بأباطيل، وقال ابن مندة: له مناكير (2). فظهر أن هذا الحديث مصنوع موضوع. وقال الذهبي: عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الزعراء عن ابن مسعود مرفوعا: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا

(هامش)

(1) ميزان الاعتدال 1 / 141. (2) ميزان الاعتدال 3 / 610. (*)

ص 106

بهدى عمار، وتمسكوا بعهد ابن مسعود. قلت: سنده واه جدا (1). وقال المناوي بشرح الحديث برواية ابن مسعود: ورواه ك عن ابن مسعود باللفظ المذكور. قال الذهبي وسنده واه حدا (2). 10 - إبطال ابن حجر إياه لقد قال ابن حجر العسقلاني - مقتفيا أثر الذهبي - أحمد بن صليح عن ذي النون المصري عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: بحديث اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر وهذا غلط، وأحمد لا يعتمد عليه (3). وقال بعد كلام الذهبي المتقدم حول غلام خليل: وقال الحاكم سمعت الشيخ أبا بكر بن إسحاق يقول: أحمد بن محمد بن غالب ممن لا أشك في كذبه، وقال أبو أحمد الحاكم: أحاديثه كثيرة لا تحصى كثرة وهو بين الأمر في الضعف، وقال أبو داود: قد عرض علي من حديثه فنظرت في أربعمائة حديث أسانيدها ومتونها كذب كلها، وروى عن جماعة من الثقات أحاديث موضوعة على ما ذكره لنا القاضي أحمد بن كامل مع زهده وورعه، ونعوذ بالله من ورع يقين صاحبه ذلك المقام... (4). وقال بعد كلام الذهبي في محمد بن عبد الله العمري: وقال العقيلي بعد تخريجه: هذا ديث منكر لا أصل له، وأخرجه الدارقطني من رواية أحمد الخليلي الضمري بسنده، وساق بسند كذلك ثم قال: لا يثبت، والعمري هذا

(هامش)

(1) تلخيص المستدرك 3 / 75. (2) فيض القدير 2 / 57. (3) لسان الميزان 1 / 188. (4) لسان الميزان 1 / 272. (*)

ص 107

ضعيف... (1). 11 - إبطال الهروي إياه لقد قال شيخ الإسلام الهروي ما نصه: من موضوعات أحمد الجرجاني: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. باطل (2). والخلاصة: قد ثبت بطلان حديث اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر وبأن وضعه، وظهر كذب (الدهلوي) في زعمه شهرته وتواتره، والحمد لله رب العالمين.

(هامش)

(1) لسان الميزان 5 / 237. (2) الدر النضيد 97. (*)

ص 108

ثم إن (الدهلوي) لم يكتف بإيراد حديث الاقتداء في متن (التحفة) فأضاف في حاشيتها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر فإنهما حبل الله الممدود، من تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها. أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء، وله طرق أخرى. أقول: وهذا أيضا باطل لوجوه: الأول: إنه لم يعرف سنده حتى ينظر فيه، فلا يجوز الاستدلال به. الثاني: إنه غير مخرج في الكتب الملتزم فيها الصحة، فلا يصغى إليه. الثالث: لقد أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) على ما في (كنز العمال 12 / 171)، ولكن الطبراني لم يلتزم فيه الصحة كالبخاري ومسلم وأمثالهما، ولم يصرح بصحة هذا الحديث بالخصوص، كما لم يقل بصحته أحد من مشاهير حفاظهم الثقات، بل لم يدع ذلك حتى غير الثقات من علمائهم. الرابع: لقد جعل (الدهلوي) في (أصول الحديث) - تبعا لوالده -

ص 109

تصانيف الطبراني من جملة الكتب التي لم يلتزم فيها بالصحة، ونص على أنها لم تبلغ المرتبة الأولى ولا الثانية من مراتب الشهرة والقبول، واعترف بأنها تضم الأحاديث الضعيفة بل فيها ما رمي بالوضع، وأن في رواتها المستورين والمجاهيل، وذكر أن أكثر أحاديث معاجمه غير معمول بها لدى الفقهاء، بل فيها ما انعقد الإجماع على خلافه. فإذا كان هذا حال كتب الطبراني حسب تصريحه، فإن مجرد وجود حديث أبي الدرداء في كتاب منها لا يدل على اعتباره ولا يجوز الاعتماد عليه، والاستناد إليه (1)... فما الذي دعاه إلى أن يحتج بهذا السياق إذن؟ إن الذي دعاه إلى ذلك وصف الشيخين فيه ب‍ حبل الله الممدود .. نعم هذا ما دعاه إليه، وانخدع به، فأتى به معارضا لحديث الثقلين . ثم قال (الدهلوي) قالت الشيعة هذا خبر واحد، فلا يجوز التمسك به فيما يطلب فيه اليقين. قلنا: ليس أقل من خبر الطير ولا من خبر المنزلة، وهم يدعون فيما يوافق مذهبهم التواتر وفيما يخالفه الآحاد تحكما، فلا يكون هذا إلا دعاء مقبولا.. شرح المواقف. أقول: لا يخلو نقله عن تصرف ما، وهذا نص ما جاء في (شرح المواقف): السادس: قوله عليه السلام اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، أقل مراتب الأمر الجواز. قالت الشيعة: هذا خبر واحد فلا يجوز أن يتمسك به فيما يطلب فيه اليقين. قلنا: ليس أقل من خبر الطير الذي يعولون به على

(هامش)

(1) بل اعترف الحافظ الهيثمي بضعف هذا الحديث من هذا الوجه خاصة حيث قال (مجمع الزوائد 9 / 53): وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، فإنهما حبل الله المدود ومن تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها. رواه الطبراني، وفيه من لم اعرفهم. وقد بحثنا عن هذا الحديث سندا ودلالة في العدد الثاني من سلسلتنا في الأحاديث الموضوعة. (الميلاني) (*)

ص 110

الأفضلية كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ولا من خبر المنزلة الذي مر، وهم يدعون فيما يوافق مذهبهم التواتر، وفيما يخالفه الآحاد تحكما، فلا يكون ذلك إلا دعاء مقبولا. أقول: وهذا فاسد. فأما قوله: قالت الشيعة: هذا خبر واحد فلا يجوز أن يتمسك به فيما يطلب فيه اليقين فلا يخلو من تلبيس، لأن من راجع كتب الشيعة علم أنهم يعتبرون هذا الحديث من موضوعات أهل السنة، ويثبتون فساده وبطلانه سندا ومتنا.. كما في (الشافي لعلم الهدى) و(منهاج الكرامة للعلامة الحلي) وكيف لا يكون كذلك؟ وقد اعترف بوضعه كبار حفاظ أهل السنة، ولو جاء في كلام أحد منهم أنه خبر واحد فإنما كان على سبيل التنزل وعلى فرض تسليم الصحة. وأما قوله: ليس أقل من خبر الطير.. ولا من خبر المنزلة.. فظاهر الفساد كما لا يخفى على من راجع المجلدين المختصين بهما، حيث أثبتنا هناك تواترهما على ضوء كلمات أئمة الحديث من أهل السنة. وأما قوله: وهم يدعون فيما يوافق مذهبهم التواتر، وفيما يخالفه الآحاد تحكما فباطل، لأنهم لا يدعون تواتر حديث من الأحاديث في الإمامة والكلام إلا بالاستناد إلى كلمات علماء الخصم.. كما لا يخفى على من راجع كتبهم الكلامية. ويتجلي للمتتبع عكس ذلك لدى أهل السنة، فإنهم يدعون التواتر فيما يذكرونه لمعارضة براهين أهل الحق، وهو لم يبلغ أدنى مراتب الثبوت فضلا عن التواتر. فنسبة التحكم إلى أهل الحق مكابرة ومصادمة للواقع والحقيقة. وأما قوله: فلا يكون ذلك الإدعاء مقبولا فمكابرة واضحة: لأن الشيعة يبطلون حديث الاقتداء من أصله، وأما أهل السنة فمنهم من يصرح ببطلانه ووضعه ومنهم من يصرح بأنه من الآحاد، فليس ادعاء كونه من

ص 111

الآحاد من علماء الشيعة، ونحن وإن كنا في غنى عن ذكر كلمات القائلين بذلك منهم - بعد ثبوت وضعه من كلمات كبار أئمتهم وحفاظهم - لكنا ننقل في المقام بعض عباراتهم الزاما لشارح المواقف و(الدهلوي) وتبيينا لكذبهما.. قال الآمدي في الجواب عن مطاعن عمر: وقد ورد في حقه من النصوص والأخبار ما يدرء عنه ما قيل من الترهات، وهي وإن كانت أخبار آحاد غير أن مجموعها ينزل منزلة التواتر، فمن ذلك قوله عليه السلام: إن في أمتي لمحدثين، وإن عمر منهم، وقوله عليه السلام: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر (1). وقال ابن الهمام في مبحث الإجماع بعد أن ذكر حديث الاقتداء وحديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء.. أجيب: يفيدان أهلية الاقتداء لا منع الاجتهاد وعليه أن ذلك مع إيجابه، إلا أن يدفع بأنه آحاد (2). وقرره ابن أمير الحاج (3). وقال نظام الدين السهالوي في (الصبح الصادق) في المبحث المذكور بعد الحديثين المذكورين والجواب: إنهما من أخبار الآحاد فلا يثبت به حجية الإجماع القطعي الحجية . وفيه أيضا: ويمكن أن يجاب أيضا بأنهما من الآحاد، وأدلتنا الدالة على حجية الإجماع معممة وهي قطعية، فلا يعارضانها . وكذا قال عبد العلي (4). هذا، ولم يجد الفخر الرازي بدا من الاعتراف بذلك، فقد قال في الجواب عن الأحاديث المستدل بها على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام:

(هامش)

(1) أبكار الأفكار للآمدي 2 / 112. (2) التحرير لابن همام بشرح ابن أمير الحاج 3 / 98. (3) التقرير والتحبير في شرح التحرير 3 / 98. (4) فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت 2 / 509. (*)

ص 112

الطريقة الخامسة لهم: التمسك بأخبار آحاد رووها منها قوله عليه السلام سلموا على علي بإمرة المؤمنين، ومنها قوله عليه السلام: إنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، وقال عليه السلام: هذا ولي كل مؤمن ومؤمنة، وقال عليه السلام لعلي: أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني. والاعتراض: إنها بأسرها معارضة بما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: إيتوني بدواة وقلم أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه اثنان، ثم قال يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر. وأيضا عينه للإمامة في الصلاة وما عزله عنها فوجب أن يبقى إماما على الصلاة، وكل من ثبت إمامته في الصلاة بعد الرسول أثبت إمامته مطلقا، فوجب القول بإمامته. وروي عن أنس بعد الرسول أثبت إمامته مطلقا، فوجب القول بإمامته. وروي عن أنس رضي الله عنه: إن النبي أمره عند إقبال أبي بكر أن يبشره بالجنة وبالخلافة بعده... وبما روي أنه عليه السلام قال: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. والكلام على صحة هذه الأحاديث من الجانبين وفي دلالتها على المطلوب طويل، ولكنها عن إفادة اليقين بمعزل، لكونها من أخبار الآحاد عند التحقيق وإن كان كل واحد من الفريقين يدعي في خبره كونه متواترا ويطعن فيما يرويه مخالفه . أقول: فمن القائل بكون هذا الحديث من أخبار الآحاد إذن؟! وقد ثبت أن القائلين بوضعه منهم أكثر عددا وأجل قدرا... قوله: فاللازم أن يكون هؤلاء كلهم أئمة . أقول: إنما يلزم ذلك لو كان قد صح ما استدل به شيء من الأحاديث، ولكن قد ظهر سقوط جميع ما زعمه معارضا لحديث الثقلين سندا ودلالة ومتنا فدعوى لزوم إمامة الحميراء وعمار وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب باطلة.

ص 113

دحض المعارضة بحديث: أصحابي كالنجوم

ص 115

هذا.. وكأن (الدهلوي) يعلم بعدم نهوض تلك الأحاديث الموضوعة حجة في مقابلة حديث الثقلين، فأضاف إليها حديثا آخر، وهو حديث النجوم فقال في حاشية [التحفة]: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به، لا عذر لأحد في تركه، فإن لم يكن في كتاب الله فبسنة مني ماضية، فإن لم يكن مني سنة ماضية فما قال أصحابي، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء، فأيما أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة. أخرجه البيهقي بسنده في المدخل عن ابن عباس . حديث النجوم موضوع سندا عنه الأئمة أقول: لكنه أيضا موضوع باطل كما نص على ذلك كبار الأئمة والحفاظ: 1 - أحمد بن حنبل لقد كذب أحمد بن حنبل حديث النجوم وحكم بوضعه، قال ابن أمير

ص 116

الحاج.. قال أحمد: لا يصح (1). وقال نظام الدين في (الصبح الصادق في شرح المنار) وعبد العلي في (فواتح الرحموت 2 / 510): قال ابن حزم في رسالته الكبرى: مكذوب موضوع باطل، وبه قال أحمد والبزار . 2 - المزني لم يصحح أبو إبراهيم المزني - صاحب الشافعي - هذا الحديث، وقد ذكر له - إن صح - معنى هو بعيد عن الصواب بكثير، قال ابن عبد البر: قال المزني رحمه الله في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم، قال: إن صح هذا الخبر فمعناه فيما نقلوا عنه وشهدوا به عليه: فكلهم ثقة مؤتمن على ما جاء به، لا يجوز عندي غير هذا، وأما ما قالوا فيه برأيهم فلو كان عند أنفسهم كذلك ما خطأ بعضهم بعضا ولا أنكر بعضهم على بعض ولا رجع منهم أحد إلى قول صاحبه، فتدبر (2). ترجمة المزني وترجم له ابن خلكان بما ملخصه: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني صاحب الإمام الشافعي هو من أهل مصر، كان زاهدا عالما مجتهدا محجاجا غواصا على المعاني الدقيقة، وهو إمام الشافعيين وأعرفهم بطرقه وفتاواه وما ينقله عنه، صنف كتبا كثيرة في مذهب الإمام الشافعي، وقال الشافعي في حقه: المزني ناصر مذهبي. وكان في غاية الورع، وبلغ من احتياطه أنه كان يشرب في جميع فصول السنة من كوز نحاس، فقيل له في ذلك، فقال: بلغني أنهم يستعملون

(هامش)

(1) التقرير والتحبير في شرح التحرير 3 / 99. (2) جامع بيان العلم 2 / 89 - 90. (*)

ص 117

السرجين في النيران والنار لا تطهرها، وكان من الزهد على طريقة صعبة شديدة، وكان مجاب الدعوة، ولم يكن أحد من أصحاب الشافعي يحدث نفسه في شيء من الأشياء بالتقدم عليه، وهو الذي تولى غسل الإمام الشافعي، وقيل: كان معه أيضا حينئذ الربيع. وذكره ابن يونس في تاريخه ثم قال: صاحب الشافعي، وقال: كانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث لا يختلف فيه، حاذق من أهل الفقه، وكان أحد الزهاد في الدنيا، وكان من خير خلق الله عز وجل. ومناقبه كثيرة، وتوفي لست بقين من شهر رمضان سنة أربع وستين ومأتين بمصر، ودفن بالقرب من تربة الإمام الشافعي (1). وقال السبكي: الإمام الجليل أبو إبراهيم المزني ناصر المذهب وبدر سمائه... كان جبل علم، مناظرا محجاجا، قال الشافعي رضي الله عنه في وصفه: لو ناظر الشيطان لغلبه، وكان زاهدا ورعا متقللا من الدنيا، مجاب الدعوة، وكان إذا فاتته صلاة في جماعة صلاها خمسا وعشرين مرة، ويغسل الموتى تعبدا واحتسابا ويقول: افعله ليرق قلبي.. قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي. (2). وانظر: (حسن المحاضرة 1 / 307) و(مرآة الجنان 2 / 167 - 178) و(العبر 2 / 28) وغيرها. 3 - البزار لقد طعن الحافظ البزار في حديث النجوم، فقد قال ابن عبد البر: وعن محمد بن أيوب الرقي قال قال لنا أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار: سألتم عما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مما في أيدي

(هامش)

(1) وفيات الأعيان 1 / 196. (2) طبقات الشافعية 2 / 93. (*)

ص 118

العامة يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أصحابي كمثل النجوم، أو أصحابي كالنجوم فبأيها اقتدوا اهتدوا. قال: وهذا الكلام لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما رواه عبد الرحيم عن أبيه عن ابن عمر. وإنما أنى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرحيم بن زيد، لأن أهل العلم قد سكتوا عن الرواية لحديثه. والكلام أيضا منكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي فعضوا عليها بالنواجذ، وهذا الكلام يعارض حديث عبد الرحيم لو ثبت فكيف ولم يثبت، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه، والله أعلم. هذا آخر كلام البزار (1). وفيه وجوه عديدة في قدح حديث النجوم تقدم بيانها في القسم الثاني من مجلد (حديث مدينة العلم). وقد نقل هذا الكلام عن البزار واعتمده جماعة كبيرة من علمائهم منهم: ابن حزم في (رسالته) وابن تيمية في (منهاجه) وأبو حيان في (تفسيريه) وابن مكتوم في (الدار اللقيط) وابن القيم في (أعلام الموقعين) والزين العراقي في (تخريج المنهاج) وابن حجر في (تخريج المختصر) و(تخريج الرافعي الكبير) وابن أمير الحاج في (التقرير والتحبير) والقاري في (شرح الشفاء) والمناوي في (شرح الجامع الصغير) ونظام الدين في (الصبح الصادق) وعبد العلي في (فواتح الرحموت).

(هامش)

(1) جامع بيان العلم 2 / 90. (*)

ص 119

4 - ابن القطان لقد أورد الحافظ ابن عدي المعروف بابن القطان هذا الحديث في (الكامل) وموضوعه الضعفاء والمقدوحون وموضوعاتهم، بترجمة جعفر بن عبد الواحد، وحمزة النصيبي، كما ستعرف ذلك من كلام الزين العراقي. ترجمة ابن عدي وترجم له السمعاني بما ملخصه: وأبو أحمد عبد الله ابن عدي بن عبد الله ابن محمد الجرجاني المعروف بابن القطان الحافظ، حافظ عصره، صنف في معرفة ضعفاء المحدثين كتابا مقدار ستين جزءا سماه (الكامل) وكان حافظا متقنا لم يكن في زمانه مثله، تفرد بأحاديث، وقد كان وهب أحاديث تفرد بها لبنيه وأبي زرعة ومنصور، تفردوا بروايتها عن أبيهم. قال حمزة بن يوسف السهمي: سألت الدارقطني أن يصنف كتابا في ضعفاء المحدثين فقال: أليس عندك كتاب ابن عدي؟ قلت: نعم، قال: فيه كفاية، لا يزاد عليه. وكانت وفاته يوم السبت غرة ذي القعدة سنة سبع وسبعين ومائتين (1). وقال الذهبي: قال الخليلي: كان عديم النظير حفظا وجلالة، سألت عبد الله بن محمد الحافظ: أيهما أحفظ ابن عدي أو ابن قانع؟ فقال: زر قميص ابن عدي أحفظ من عبد الباقي بن قانع. قال الخليلي: وسمعت أحمد بن أبي مسلم الحافظ يقول: لم أر أحدا مثل أبي أحمد ابن عدي، وكيف فوقه في الحفظ؟. وكان أحمد قد لقي الطبراني وأبا أحمد الحاكم وقد قال لي: كان حفظ هؤلاء تكلفا وحفظ ابن عدي طبعا،

(هامش)

(1) الأنساب - الجرجاني. (*)

ص 120

زاد معجمه على ألف شيخ... (1). وكذا ترجم له في (العبر 6 / 337) واليافعي في (مرآة الجنان 2 / 381) وجلال الدين السيوطي في (طبقات الحفاظ). 5 - الدارقطني لقد قدح الدارقطني في حديث النجوم، فقد قال ابن حجر العسقلاني ما نصه: جميل بن يزيد عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر رفعه: ما وجدتم في كتاب الله فالعمل به، ولا يسعكم تركه إلى غيره، الحديث، وفيه: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. أخرجه الدارقطني في غرائب مالك، والخطيب في الرواة عن مالك من طريق الحسن بن مهدي عن عبدة المروزي عن محمد بن أحمد السكوني عن بكر بن عيسى المروزي عن أبي يحيى عن جميل به. قال الدارقطني: لا يثبت عن مالك، ورواته مجهولون (2). وسيأتي ذلك عن (تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر) أيضا. 6 - ابن حزم لقد كذب ابن حزم هذا الحديث وأبطله وحكم بوضعه، فقد قال أبو حيان ما نصه: قال الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم في رسالته في إبطال الرأي والقياس والاستحسان والتعليل والتقليد ما نصه: وهذا خبر مكذوب موضوع باطل لم يصح قط (3). وتجد كلام ابن حزم هذا في (النهر الماد) و(الدر اللقيط) و(تخريج

(هامش)

(1) تذكرة الحفاظ 3 / 940. (2) لسان الميزان 2 / 137. (3) البحر المحيط 5 / 528. (*)

ص 121

أحاديث المنهاج) و(التلخيص الحبير) و(التقرير والتحبير) و(المرقاة) و(نسيم الرياض) و(الصبح الصادق) و(فواتح الرحموت) كما ستعرف ذلك كله إن شاء الله تعالى. هذا، وقد نقل ابن حزم في رسالته المذكورة كلام البزار المتقدم سابقا وأيده كما سيأتي عن (البحر المحيط) وغيره، كما قدح فيه في كتابه (الاحكام في أصول الأحكام) أيضا. 7 - البيهقي لقد ضعف البيهقي حديث النجوم في (المدخل)، فقد قال الحافظ العراقي ما نصه: ورواه البيهقي في المدخل من حديث عمر ومن حديث ابن عباس بنحوه، ومن وجه آخر مرسلا وقال: متنه مشهور وأسانيده ضعيفة، لم يثبت في هذا إسناد (1). وسيأتي عن (تخريج أحاديث الكشاف) أيضا. ومن هنا يظهر خيانة (الدهلوي)، إذ نقل الحديث برواية ابن عباس عن (المدخل) وسكت عن تضعيف البيهقي إياه.. على أن البيهقي قد طعن فيه في كتابه (الاعتقاد) أيضا، حيث حكم في سنده الذي فيه عبد الرحيم بن زيد بأنه غير قوي، وفي سنده عن الضحاك بأنه حديث منقطع، كما سيأتي عن ابني حجر وأمير الحاج.. 8 - ابن عبد البر قال الحافظ أبو عمرو وابن عبد البر بعد كلام البزار والمزني المتقدمين: - قال أبو عمرو: قد روى أبو شهاب الحناط عن حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أصحابي مثل

(هامش)

(1) تخريج أحاديث المنهاج - مخطوط. (*)

ص 122

النجوم، فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم. وهذا إسناد لا يصح ولا يرويه عن نافع من يحتج به، وليس كلام البزار بصحيح على كل حال، لأن الاقتداء بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منفردين إنما هو لمن جهل ما يسأل عنه، ومن كانت هذه حاله فالتقليد لازم له، ولم يأمر أصحابه أن يقتدي بعضهم ببعض إذا تأولوا تأويلا سائغا جائزا ممكنا في الأصول، وإنما كل واحد منهم نجم جائز أن يقتدي به العامي الجاهل، بمعنى ما يحتاج إليه من دينه، وكذلك سائر العلماء من العامة، والله أعلم. وقد روي في هذا الحديث أسناد غير ما ذكر البزار عن سلام بن سليم قال حدثنا الحارث بن غصين عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهديتم. قال أبو عمرو: هذا إسناد لا تقوم به حجة، لأن الحارث بن غضين مجهول (1). وقد ذكرنا فوائد هذا الكلام - مع الاعتراض على بعضه - في القسم الثاني من مجلد حديث (مدينة العلم). 9 - ابن عساكر لقد صرح الحافظ ابن عساكر بضعف هذا الحديث، كما ستعرف ذلك من (فيض القدير) إن شاء الله. ترجمة ابن عساكر وقد ترجم لابن عساكر وأثنى عليه جماعة كبيرة من أصحاب المعاجم الرجالية وكتب التاريخ منهم: ياقوت الحموي في (معجم الأدباء 13 / 73 - 87). ابن خلكان في (وفيات الأعيان 2 / 471).

(هامش)

(1) جامع بيان العلم 2 / 90 - 91. (*)

ص 123

الذهبي في (تذكرة الحفاظ 4 / 1328) و(دول الإسلام 2 / 85). اليافعي في (مرآة الجنان 3 / 393). السبكي في (طبقات الشافعية 4 / 273). أبو الفداء الأيوبي في (المختصر في أخبار البشر 3 / 59). ابن الوردي في (تتمة المختصر في أخبار البشر 2 / 124). جلال الدين السيوطي في (طبقات الحفاظ 474). الأسنوي في (طبقات الشافعية 2 / 216). الخوارزمي في (جامع مسانيد أبي حنيفة). وقد ذكرنا ترجمته بالتفصيل في مجلد (حديث الطير). 10 - ابن الجوزي لقد أورده الحافظ ابن الجوزي في (العلل المتناهية) قائلا: روى نعيم بن حماد قال نا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر ابن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحى إلي يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء، بعضها أضوء من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو على هدى. قال المؤلف: وهذا لا يصح، نعيم مجروح، وقال يحيى بن معين: عبد الرحيم كذاب (1). 11 - ابن دحية وقد قدحه الحافظ ابن دحية قال الحافظ العراقي: وقال ابن دحية - وقد ذكر حديث أصحابي كالنجوم - حديث لا يصح (2).

(هامش)

(1) العلل المتناهية في الأحاديث الواهية 1 / 283. (2) تعليق تخريج أحاديث المنهاج - مخطوط. (*)

ص 124

ترجمة ابن دحية وترجم لابن دحية: ابن خلكان في (وفيات الأعيان 3 / 121). والسيوطي في (بغية الوعاة 2 / 218) و(حسن المحاضرة 1 / 355). والمقري في (نفح الطيب 2 / 301). والزرقاني في (شرح المواهب اللدنية 1 / 79 - 80). وقد ذكرنا ترجمته في مجلد (حديث الولاية). 12 - أبو حيان لقد قال الحافظ أبو حيان الأندلسي القول الفصل في حديث النجوم، وهذا نص كلامه: قال الزمخشري فإن قلت: كيف كان القرآن تبيانا لكل شيء؟ قلت: المعنى أنه بين كل شيء من أمور الدين حيث كان نصا على بعضها، وإحالة على السنة حيث أمر باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته، وقيل وما ينطق عن الهوى وحثا على الإجماع في قوله ويتبع غير سبيل المؤمنين ، وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته اتباع أصحابه والاقتداء بآثاره في قوله: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، وقد اجتهدوا وقاسوا ووطئوا طرق القياس والاجتهاد، فكانت السنة والاجماع والقياس مستنده إلى تبيين الكتاب، فمن ثم كان تبيانا لكل شيء. وقوله: وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله اهتديتم، لم يقل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حديث موضوع لا يصح بوجه عن رسول الله، قال الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم في رسالته في إبطال الرأي والقياس والاستحسان والتعليل والتقليد ما نصه: وهذا خبر مكذوب عن النبي صلى الله عليه وسلم مما في أيدي العامة ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما مثل أصحابي كمثل النجوم - أو كالنجوم - بأيها اقتدوا

ص 125

اهتدوا. وهذا كلام لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرحيم، لأن أهل العلم سكتوا عن الرواية لحديثه، والكلام أيضا منكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت، والنبي لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه. هذا نص كلام البزار. قال ابن معين: عبد الرحيم بن زيد كذاب ليس بشيء، وقال البخاري: هو متروك. ورواه أيضا حمزة الجزري. وحمزة هذا ساقط متروك (1). ترجمة أبي حيان وقد ترجم صلاح الدين الصفدي أبا حيان بما هذا ملخصه: الشيخ الإمام الحافظ العلامة فريد العصر وشيخ الزمان وإمام النحاة أثير الدين أبو حيان الغرناطي، لم أر في أشياخي أكثر اشتغالا منه، لأني لم أره إلا يسمع أو يشتغل أو يكتب، ولم أره على غير ذلك، وهو ثبت فيما ينقله، محرر لما يقوله، عارف باللغة، ضابط لألفاظها، وأما النحو والتصريف فهو إمام الدنيا فيهما، لم يذكر معه في أقطار الأرض غيره في العربية، وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم، وله التصانيف التي سارت وطارت وانتشرت وانتثرت وقرئت ودرست ونسخت وما نسخت، أخملت كتب الأقدمين وألهت المقيمين بمصره والقادمين، وقرأ الناس عليه وصاروا أئمة وأشياخا في حياته (2). وذكره الذهبي في (المعجم المختص) والكتبي في (فوات الوفيات 4 / 71).

(هامش)

(1) البحر المحيط 5 / 527 - 528، النهر الماد من البحر المحيط. (2) الوافي بالوفيات 5 / 267. (*)

ص 126

والسبكي وقال: شيخنا وأستاذنا أبو حيان شيخ النحاة، العلم الفرد والبحر الذي لا يعرف الجزر بل المد... وكان الشيخ أبو حيان إماما منتفعا به اتفق أهل العصر على تقديمه وإمامته ونشأت أولادهم على حفظ مختصراته وآباؤهم على النظر في مبسوطاته، وضربت الأمثال باسمه مع صدق اللهجة وكثرة الاتقان والتحري، وسدد طرفا صالحا من الفقه... (1). وقال الأسنوي بترجمته: إمام زمانه في علم النحو، وصاحب التصانيف المشهورة فيه وفي التفسير شرقا وغربا والتلاميذ المنتشرة، كان أيضا إماما في اللغة، عارفا بالقراءات السبع والحديث، شاعرا مجيدا، وكان صادق اللهجة كثير الاتقان والتحري، ملازما على الاشتغال إلى آخر وقت، كثير الاستحضار واشتغل بالفروع اشتغالا قليلا... (2). وترجم له ابن الجزري فقال: الإمام الحافظ الأستاذ شيخ العربية والأدب والقراءات مع العدالة والثقة. قال الذهبي: ومع براعته الكاملة في العربية له يد طولى في الفقه والآثار والقراءات واللغات، وله مصنفات... وهو فخر أهل مصر في وقتنا في العلم، تخرج به جماعة... (3). ذكره ابن حجر ونقل عن الكمال في ترجمته: شيخ الدهر وعالمه، ومحيي الفن الأول بعد ما درست معالمه، وبحر اللسان العربي فلا يقاربه أحد فيه ولا يقاومه، وذكر أنه لازمه من سنة ثماني عشرة إلى أن مات، وذكر جملة كثيرة من شيوخه، وذكر تصانيفه وذكر أنه كان صدوقا حجة سالم العقيدة من البدع الفلسفية والاعتزال والتجسيم، وجرى على مذهب أهل الأدب في الميل إلى محاسن الشباب ومال إلى مذهب أهل الظاهر، وإلى محبة علي بن أبي طالب والتجافي عمن قاتله، وكان يتأول قوله لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق وكان كثير الخشوع، يبكي عند قراءة القرآن وعند

(هامش)

(1) طبقات الشافعية 1 / 475. (2) طبقات الشافعية 1 / 457. (3) طبقات القراء 2 / 285. (*)

ص 127

الأبيات الغزلية، وقال: وامتدحه الأعيان... (1). وبنحو ذلك ترجم له وذكره السيوطي في (بغية الوعاة 121) والأسدي في (طبقات الشافعية - 3 / 220) والشوكاني في (البدر الطالع 2 / 288) وغيرهم. 13 - الذهبي لقد قدح الذهبي حديث النجوم في مواضع عديدة، منها بترجمة جعفر ابن عبد الواحد الهاشمي حيث قال بعد كلمات العلماء الأعيان في جرحه: ومن بلاياه عن وهب بن جرير عن أبيه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أصحابي كالنجوم من اقتدى بشيء منها اهتدى (2). ومنها بترجمة زيد العمي حيث قال بعد إيراده: فهذا باطل (3). ومنها بترجمة عبد الرحيم بن زيد (4). 14 - ابن مكتوم وقدحه تاج الدين ابن مكتوم القيسي، حيث نقل كلمات شيخه أبي حيان المتقدمة سابقا عن تفسيريه، في كتابه (الدر اللقيط من البحر المحيط - المطبوع بهامش البحر المحيط) بعين ألفاظها. ترجمة ابن مكتوم وقد أثنى على ابن مكتوم وترجم له الصفدي، والجزري في (طبقات

(هامش)

(1) الدرر الكامنة 5 / 70. (2) ميزان الاعتدال 1 / 413. (3) ميزان الاعتدال 2 / 102. (4) ميزان الاعتدال 2 / 605. (*)

ص 128

القراء 1 / 70) وجلال الدين السيوطي في (طبقات النحاة) و(حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة 1 / 47). وذكره ابن حجر العسقلاني فقال: كان قد تقدم في الفقه والنحو واللغة ودرس وناب في الحكم، وجمع من تفسير أبي حيان مجلدا سماه (الدر اللقيط من البحر المحيط) قصره على مباحث مع ابن عطية والزمخشري (1). وقد ذكرنا ترجمته في القسم الثاني من مجلد (حديث الغدير). 15 - ابن القيم وطعن ابن قيم الجوزية في حديث النجوم، حيث قال في الرد على المقلدين: الوجه الخامس والأربعون قولهم: يكفي في صحة التقليد الحديث المشهور: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. جوابه من وجوه: أحدها إن هذا الحديث قد روي من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، ومن حديث سعيد بن المسيب عن ابن عمر، ومن طريق حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر. ولا يثبت شيء منها. قال ابن عبر البر: حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد أن أبا عبد الله ابن مفرح حدثهم ثنا محمد بن أيوب الصموت قال قال لنا البزار: وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، فهذا الكلام لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم (2). 16 - الزين العراقي وقال الحافظ زين الدين العراقي ما نصه: حديث أصحابي

(هامش)

(1) الدرر الكامنة 1 / 174. (2) أعلام الموقعين 2 / 223. (*)

ص 129

كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم رواه الدارقطني في الفضائل وابن عبد البر في العلم من طريقه من حديث جابر وقال: هذا إسناد لا تقوم به حجة، لأن الحارث بن غصين مجهول، ورواه عبد بن حميد في مسنده من رواية عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن ابن المسيب عن ابن عمر، قال البزار: منكر لا يصح. ورواه ابن عدي في الكامل من رواية حمزة بن أبي حمزة النصيبي عن نافع عن ابن عمر بلفظ فأيهم أخذتم بقوله - بدل اقتديتم - وإسناده ضعيف من أجل حمزة فقد اتهم بالكذب. ورواه البيهقي في المدخل من حديث عمر ومن حديث ابن عباس بنحوه ومن وجه آخر مرسلا وقال: متنه مشهور وأسانيده ضعيفة لم يثبت في هذا إسناد. وقال ابن حزم: مكذوب موضوع باطل، قال البيهقي: ويؤدي بعض معناه حديث أبي موسى: النجوم أمنة لأهل السماء، وفيه أصحابي أمنة لأمتي، الحديث، رواه مسلم (1). وقال الزين العراقي: قال ابن دحية - وقد ذكر حديث أصحابي كالنجوم -: حديث لا يصح، ورواه القضاعي قال: أنبأنا أبو الفتح منصور ابن علي الأنماطي، أنبأ أبو محمد الحسن بن رثيق، أنبأ محمد بن جعفر بن محمد، حدثنا جعفر - يعني ابن عبد الواحد - أنبأ وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل أصحابي مثل النجوم من اقتدى بشيء منها اهتدى. قال الدارقطني: جعفر ابن عبد الواحد كان يضع الحديث، وقال أبو أحمد بن عدي: كان يتهم بوضع الحديث، لا يصح (2). هذا وسيأتي عن (نسيم الرياض) اعتراض العراقي على القاضي

(هامش)

(1) تخريج أحاديث المنهاج - مخطوط. (2) تعليق تخريج أحاديث المنهاج - مخطوط. (*)

ص 130

عياض إيراده حديث النجوم بصيغة الجزم. ترجمة الزين العراقي وقد ترجم للزين العراقي وأثنى عليه جماعة متهم: 1 - الجزري في (طبقات القراء 1 / 382). 2 - السخاوي في (الضوء اللامع 4 / 171 - 178). 3 - الشوكاني في (البدر الطالع 1 / 354 - 356). 17 - ابن حجر العسقلاني قال ابن حجر العسقلاني ما نصه: حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. عبد بن حميد في مسنده من طريق حمزة النصيبي عن نافع عن ابن عمر. وحمزة ضعيف جدا. ورواه الدارقطني في غرائب مالك من طريق جميل بن يزيد عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر. وجميل لا يعرف ولا أصل له من حديث مالك ولا من فوقه. وذكره البزار من رواية عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد ابن المسيب عن عمر، وعبد الرحيم كذاب، ومن حديث أنس أيضا، وإسناده واه. ورواه القضاعي في مسند الشهاب له عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وفي إسناده جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، وهو كذاب. ورواه أبو ذر الهروي في كتاب السنة من حديث مندل عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم منقطعا. وهو في غاية الضعف. قال أبو بكر البزار: هذا الكلام لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن حزم: هذا خبر مكذوب باطل. وقال البيهقي في الاعتقاد عقب حديث أبي موسى الأشعري الذي

ص 131

أخرجه مسلم بلفظ: النجوم أمنة لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون، أصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون. قال البيهقي: روي في حديث موصول بإسناد غير قوي - يعني حديث عبد الرحيم العمى - في حديث منقطع - يعني حديث الضحاك بن مزاحم -: مثل أصحابي كمثل النجوم في أهل السماء من أخذ بنجم منها اهتدى، قال: والذي رويناه ههنا من الحديث الصحيح يؤدي بعض معناه. قلت: صدق البيهقي، هو يؤدي صحة التشبيه للصحابة بالنجوم خاصة، أما في الاقتداء فلا يظهر من حديث أبي موسى، نعم يمكن أن يتلمح ذلك من معنى الاهتداء (1). وقال ابن حجر: حديث أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم. الدارقطني في المؤتلف من رواية سلام بن سليم عن الحارث بن غصين عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا، وسلام ضعيف. وأخرجه في غرائب مالك من طريق جميل بن يزيد عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر في أثناء حديث - وفيه: فبأي قول أصحابي أخذتم اهتديتم، إنما مثل أصحابي مثل النجوم من أخذ بنجم منها اهتدى، وقال: لا يثبت عن مالك، ورواته دون مالك مجهولون. ورواه عبد بن حميد والدارقطني في الفضائل من حديث حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر، وحمزة اتهموه بالوضع. ورواه القضاعي في مسند الشهاب من حديث أبي هريرة وفيه: جعفر ابن عبد الواحد الهاشمي، وقد كذبوه. ورواه ابن طاهر من رواية بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس وبشر كان متهما أيضا. وأخرجه البيهقي في المدخل من رواية جويبر عن الضحاك عن

(هامش)

(1) تلخيص الحبير 4 / 190 - 191. (*)

ص 132

ابن عباس وجويبر متروك، ومن رواية جويبر عن جواب بن عبيد الله مرفوعا، وهو مرسل قال البيهقي: هذا المتن مشهور وأسانيد كلها ضعيفة. وروى في المدخل أيضا عن عمر: سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحى إلي يا محمد أصحابك عندي بمنزلة النجوم من السماء، بعضها أضوء من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى. وفي إسناده عبد الرحيم بن زيد العمي وهو متروك (1). أقول: وفي عبارتي ابن حجر هاتين وجوه ينبغي التدقيق والتدبر فيها، وكلها تهبط بحديث النجوم إلى أقصى درجات الفساد، ويظهر منهما أيضا قبح تمسك (الدهلوي) برواية البيهقي، إذ أنه بلغ من الهوان حدا لم يتمكن البيهقي من السكوت عنه حتى اعترف بضعفه. تنبيهات وبعد، فإن ههنا تنبيهات: الأول: لقد اكتفى ابن حجر في (سلام بن سليم) بقوله سلام ضعيف وقد علم سابقا - في الطعن في حديث أعلمية معاذ - كونه مجروحا ومطعونا فيه بمطاعن جسيمة. الثاني: إنه أعرض عن تضعيف (الحارث بن غصين) وقد علم من كلام الحافظين ابن عبد البر والعراقي كونه مجروحا. الثالث: إنه لم يقل في (حمزة) إلا اتهموه بالوضع وهذه بعض كلماتهم في جرحه: ترجمة حمزة الجزري قال البخاري: منكر الحديث (2) وقال النسائي متروك الحديث (3)

(هامش)

(1) الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف - هامش الكشاف 2 / 628. (2) الضعفاء للبخاري 36. (3) الضعفاء للنسائي 32. (*)

ص 133

وقال ابن الجوزي: قال يحيى: ليس بشيء، وقال ابن عدي، يضع الحديث وقال أيضا: قال أحمد: هو مطروح الحديث، وقال يحيى: ليس بشيء لا يساوي فلسا، وقال ابن عدي: يضع الحديث، وقال ابن حبان: لا يحل الرواية عنه (1). وتقدم عن أبي حيان قوله: وحمزة هذا ساقط متروك . وترجمه الذهبي وقال: قال ابن معين: لا يساوي فلسا، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن عدي: عامة مروياته موضوعة (2). وذكره ابن حجر نفسه وقال بعد نقل الكلمات المذكورة: قلت: وقال أبو حاتم أيضا وأبو زرعة: ضعيف الحديث، وزاد أبو حاتم: أضعف من حمزة بن نجيح، وقال الاجري عن أبي داود: ليس بشيء، وقال الحاكم: يروي أحاديث موضوعة، وقال ابن عدي أيضا: يضع الحديث، وأورد له البخاري وابن حبان في موضوعاته (3). الرابعة: إنه قال في (جعفر بن عبد الواحد): وقد كذبوه وإليك بعض أقوالهم فيه: ترجمة جعفر بن عبد الواحد قال ابن الجوزي بعد حديث: هذا حديث موضوع قال ابن حبان: لا أصل لهذا الحديث، قال: وجعفر كان يسرق الحديث ويقلب الأخبار حتى لا يشك أنه يعملها، وقال أبو أحمد ابن عدي: كان جعفر يتهم بوضع

(هامش)

(1) الموضوعات 3 / 34. (2) ميزان الاعتدال 1 / 606. (3) تهذيب التهذيب 3 / 29. (*)

ص 134

الحديث (1). وقال بعد حديث: قال الدارقطني كذاب يضع الحديث (2). وذكره الذهبي في (المغني في الضعفاء) وقال متروك وفي (الميزان) وقال: قال الدارقطني: يضع الحديث، وقال أبو زرعة: روى أحاديث لا أصل لها، وقال ابن عدي: يسرق الحديث ويأتي بالمناكير عن الثقات، ثم ساق له ابن عدي أحاديث وقال: كلها بواطيل وبعضها سرقة من قوم، وكان عليه يمين أن لا يحدث ولا يقول حدثنا وكان يقول قال لنا فلان... (3). الخامس: إنه قال في (بشر بن الحسين): وبشر كان متهما أيضا ولنورد بعض كلمات علمائهم فيه: ترجمة بشر بن الحسين قال الذهبي: قال الدارقطني: متروك وقال أبو حاتم: يكذب على الزبير (4) وفي (الميزان): قال البخاري: فيه نظر، وقال الدارقطني: متروك وقال ابن عدي: عامة حديثه ليس بمحفوظ، وقال أبو حاتم: يكذب على الزبير... قال ابن حبان: يروي بشر بن الحسين عن الزبير نسخة موضوعة شبيها بمائة وخمسين حديثا (5). وقال العراقي: هو ضعيف جدا وقال الهيثمي: هو كذاب . وقال ابن حجر العسقلاني ما ملخصه: قال ابن حبان لا ينظر في شيء رواه عن الزبير إلا على جهة التعجب، وقال أبو نعيم: جاء إلى أبي داود الطيالسي فقال: حدثني الزبير بن عدي، فكذبه أبو داود وقال ما نعرف

(هامش)

(1) الموضوعات 2 / 96. (2) الموضوعات 3 / 172. (3) ميزان الاعتدال 1 / 413. (4) المغني في الضعفاء 1 / 105. (5) ميزان الاعتدال 1 / 315. (*)

ص 135

للزبير بن عدي عن أنس رضي الله عنه إلا حديثا واحدا، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس حديثه بالقائم، وقال ابن الجارود: ضعيف (1). السادس: أنه اختصر القدح في (جويبر) فقال جويبر متروك ولكن سيأتي ذكر بعض كلماتهم في جرحه. السابع: إنه سكت عن الطعن في (الضحاك) وستعرف أنه موهون لدى كبار العلماء.... ترجمة جواب بن عبيد الله الثامن: إنه لم يذكر شيئا حول (جواب بن عبيد الله) وقد ضعفه ابن نمير وقد رآه الثوري فلم يحمل عنه، وقال أبو خالد الأحمر: كان يقص ويذهب مذهب الارجاء، وقال ابن عدي: ليس لجواب من المسند إلا القليل... راجع: (الميزان 1 / 426) و(تهذيب التهذيب 2 / 121) وغيرهما. التاسع: إنه لم يسم راوي الحديث عن (جويبر) وستعرف من كلام السخاوي أنه (سليمان بن أبي كريمة) وستعرف ما فيه. العاشر: إنه لم يقل في (عبد الرحيم بن زيد العمى) إلا أنه متروك ، وقد قال يحيى بن معين: ليس بشيء هو وأبوه، وقال مرة: عبد الرحيم كذاب خبيث، وقال الجوزجاني: غير ثقة، وقال أبو زرعة: واه ضعيف الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة ولا مأمون ولا يكتب حديثه، وقال البخاري: تركوه... إلى غير ذلك من كلمات الطعن والذم تجدها في كتب الرجال وغيرها، وقد تقدم بعضها... 18 - ابن الهمام لقد طعن ابن الهمام في حديث النجوم حيث قال في مبحث الإجماع

(هامش)

(1) لسان الميزان 2 / 117. (*)

ص 136

في الجواب عن حديث الاقتداء وحديث عليكم بسنتي وأجيب: يفيدان أهلية الاقتداء لا منع الاجتهاد، وعليه إن ذلك مع إيجابه، إلا أن يدفع بأنه آحاد، وبمعارضته بأصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، وخذوا شطر دينكم عن الحميراء، إلا أن الأول لم يعرف (1). 19 - ابن أمير الحاج لقد أوضح ابن أمير الحاج في شرح التحرير وهن هذا الحديث قائلا: [وبمعارضته] أي: وأجيب أيضا بمعارضة كل منهما [بأصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. وخذوا شطر دينكم عن الحميراء] أي عائشة وإن خالف قول الشيخين أو الأربعة [إلا أن الأول] أي أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم [لم يعرف] بناءا على قول ابن حزم في رسالته الكبرى مكذوب موضوع باطل، وإلا فله طرق من رواية عمر وابنه وجابر وابن عباس وأنس، بألفاظ مختلفة أقربها إلى اللفظ المذكور ما أخرج ابن عدي في الكامل وابن عبد البر في كتاب بيان العلم عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل أصحابي مثل النجوم يهتدى بها فبأيهم أخذتم بقوله اهتديتم. وما أخرج الدارقطني وابن عبد البر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل أصحابي في أمتي مثل النجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم. نعم لم يصح منها شيء، ومن ثمة قال أحمد: حديث لا يصح، والبزار: لا يصح هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم. إلا أن البيهقي قال في كتاب الاعتقاد: رويناه في حديث موصول بإسناد غير قوي. وفي حديث آخر منقطع، والحديث الصحيح يؤدي بعض معناه وهو حديث أبي موسى المرفوع... (2).

(هامش)

(1) التحرير بشرح ابن أمير الحاج 3 / 99. (2) التقرير والتحبير 3 / 99. (*)

ص 137

ترجمة ابن أمير الحاج ترجم له الحافظ السخاوي وأثنى عليه بما ملخصه: ولد في ثامن عشر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وثمانمائة بحلب ونشأ بها، وعرض على ابن خطيب الناصرية والبرهان الحافظ والشهاب ابن الرسام وغيرهم من أهل بلده وتفقه بالعلاء الملطي، وأخذ النحو الصرف والمعاني والبيان والمنطق عن الزين عبد الرزاق أحد تلامذة العلاء البخاري، وكذا لازم ابن الهمام، وبرع في فنون، وأذن له ابن الهمام وغيره، وتصدى للأقراء، فانتفع به جماعة وأفتى وقد سمعت أبحاثه وفوائده وسمع مني بعض القول البديع وتناوله مني، وكان فاضلا مفننا دينا قوي النفس محبا في الرياسة والفخر (1). 20 - أبو ذر الحلبي لقد قدح أبو ذر الحلبي شارح الشفاء في حديث النجوم حيث قال معترضا على القاضي عياض: وكان ينبغي للقاضي أن لا يذكره بصيغة جزم لما عرف عند أهل الصناعة، وقد سبق له مثله مرارا . ترجمة موفق الدين أبي ذر أحمد الحلبي وترجم له الحافظ السخاوي في (الضوء اللامع) ترجمة مطولة نلخصها فيما يلي: لزم الاعتناء بالحديث والفقه، وأفرد مبهمات البخاري، وكذا اعرابه بل جمع عليه تعليقا لطيفا لخصه من الكرماني والبرماوي وشيخنا، وآخر أخصر منه، وله التوضيح للأوهام الواقعة في الصحيح، ومبهمات مسلم أيضا، وقرة العين في فضل الشيخين والصهرين والسبطين، وشرح الشفاء والمصابيح ولكنه لم يكمل، والذيل على تاريخ ابن خطيب الناصرية، وغير ذلك، وأدمن قراءة الصحيحين والشفاء، خصوصا بعد وفاة والده،

(هامش)

(1) الضوء اللامع 2 / 210. (*)

ص 138

وصار متقدما في لغاتها ومبهماتها وضبط رجالها، لا يشذ عنه من ذلك إلا النادر. ولما كان شيخنا بحلب لازمه واغتبط شيخنا به وأحبه لذكائه وخفة روحه ووصفه بالامام موفق الدين، ومرة بالفاضل البارع المحدث الأصيل الباهر الذي ضاهى كنيه في صدق اللهجة، الماهر الذي ناجى سميه ففداه بالمهجة، الأخير الذي فاق الأول في البصارة والنضارة والبهجة، أمتع الله المسلمين ببقائه. وأذن له في تدريس الحديث وإفادته في حياة والده. كان خيرا شهما مبجلا في ناحيته، منعزلا عن بني الدنيا، قانعا باليسير محبا للانجماع، كثير التواضع والاستيناس بالغرباء والاكرام لهم، شديد التخيل، طارحا للتكلف. ذا فضيلة تامة وذكاء مفرط. وقد تصدى للحديث والأقراء وانتفع به جماعة من أهل بلده والقادمين عليها، بل وكتب مع القدماء في الاستدعاءات من حياة أبيه وهلم جرا. وترجمه ابن فهد وغيره من أصحابنا، وكذا وصفه ابن أبي غديبة في أبيه بالامام العلامة، وسمى بعض تصانيفه . 21 - السخاوي قال الحافظ السخاوي: حديث اختلاف أمتي رحمة. البيهقي في المدخل من حديث سليمان بن أبي كريمة عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لأحد في تركه، فإن لم تكن في كتاب الله فسنة مني ماضية، فإن لم تكن سنة مني فما قال أصحابي، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فأيما أخذتم به اهتديتم، واختلاف أمتي رحمة، ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني والديلمي في مسنده: بلفظ سواء. وجويبر ضعيف، والضحاك عن ابن عباس منقطع (1).

(هامش)

(1) المقاصد الحسنة 26 - 27. (*)

ص 139

أقول: ولنورد بعض كلماتهم في رجال هذا الحديث: أما سليمان بن أبي كريمة فقد قال ابن أبي حاتم في (العلل) بعد حديث: قال أبي هذا حديث باطل، وابن أبي كريمة ضعيف الحديث. وقال ابن الجوزي بعد أحاديث أوردها: هذه الأحاديث موضوعات على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الأول ففيه سليمان ابن أبي كريمة وأحمد ابن إبراهيم، قال ابن عدي: يرويان المناكير (1). وقال الذهبي: لين صاحب مناكير (2) وفي (الميزان): ضعفه أبو حاتم، وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير، ولم أر للمتقدمين فيه كلاما (3) وكذا قال ابن حجر (4) وكذا ضعفه السيوطي والمتقي ومحمد بن طاهر في (قانون الموضوعات 261). وأما جويبر بن سعيد البخلي، فقد ذكره البخاري بقوله: جويبر بن سعيد البلخي عن الضحاك قال علي بن [عن] يحيى: كنت أعرف جويبرا بحديثين، ثم أخرج هذه الأحاديث [بعد] فضعف (5). وكذا النسائي وقال: متروك الحديث (6). وفي (الموضوعات) - بعد حديث تحذير من بلغ الأربعين -: أجمعوا

(هامش)

(1) الموضوعات 1 / 277. (2) المغني في الضعفاء 1 / 282. (3) ميزان الاعتدال 2 / 221. (4) لسان الميزان 3 / 102. (5) الضعفاء للبخاري 27. (6) الضعفاء للنسائي 28. (*)

ص 140

على تركه، قال أحمد: لا يشتغل بحديثه . وفيه بعد حديث الاكتحال يوم عاشوراء: قال الحاكم أنا أبرء إلى الله من عهدة جويبر. قال: والاكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن رسول الله فيه أثر، وهو بدعة ابتدعها قتلة الحسين. قال أحمد: لا يشتغل بحديث جويبر، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي والدارقطني: متروك . وقال ابن حجر: قال عمرو بن علي: ما كان يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عنه، وكذا قال أبو موسى، وقال أبو طالب عن أحمد: ما كان عن الضحاك فهو أيسر، وما كان يسند عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو منكم، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان وكيع إذا أتى على حديث جويبر قال: سفيان عن رجل - لا يسميه استضعافا له - وقال الدوري وغيره عن ابن معين: ليس بشيء، وزاد الدوري: ضعيف ما أقر به من جابر الجعفي وعبيدة الضبي وقال عبد الله بن علي بن المديني: سألته - يعني أباه - عن جويبر فضعفه جدا قال: وسمعت أبي يقول: جويبر أكثر عن الضحاك روى عنه أشياء مناكير وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب عن الرواية عنهم، وقال الدارقطني عن أبي داود: جويبر على ضعفه، وقال النسائي وعلي بن الجنيد والدارقطني متروك، وقال النسائي في موضع آخر: ليس بثقة، وقال ابن عدي: والضعف على حديثه وروايته بين. قلت: وقال أبو قدامة السرخسي قال يحيى القطان: تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثقونهم في الحديث، ثم ذكر الضحاك وجويبرا ومحمد بن السائب وقال: هؤلاء لا يحمل حديثهم ويكتب التفسير عنهم، وقال أحمد بن سيار المروزي: جويبر بن سعيد كان من أهل بلخ وهو صاحب الضحاك وله رواية ومعرفة بأيام الناس، وحاله حسن في التفسير وهو لين في الرواية. وقال ابن حبان: يروي عن الضحاك أشياء مقلوبة، وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث، وقال الحاكم أبو عبد الله: أنا أبرأ إلى الله من عهدته، وذكره البخاري في التاريخ الأوسط في فصل من مات بين الأربعين

ص 141

إلى الخمسين ومائة (1). وأما الضحاك بن مزاحم فقد قال ابن الجوزي في (الموضوعات): أما الضحاك فقال شعبة: لا يحدث عنه، وينكر أن يكون لقي ابن عباس، وقال يحيى بن سعيد: هو عندنا ضعيف . وقد ذكر إنكار شعبة هذا: الذهبي في (ميزان الاعتدال 2 / 326) وابن التركماني بعد أن قال: لم يلق ابن عباس . وكذا بمعناه في (تهذيب التهذيب 4 / 453 - 454) عنه وعن مشاش وعبد الملك. وفي (الميزان): قال ابن عدي: الضحاك بن مزاحم إنما عرف بالتفسير، فأما رواياته عن ابن عباس وأبي هريرة وجميع من روى عنه ففي ذلك كله نظر (2). وفي (المغني): ضعفه يحيى القطان وشعبة أيضا (3). وقال محمد بن طاهر: ضعيف مجروح ولم يسمع عن ابن عباس . وكذا في (اللآلي المصنوعة) عن ابن الجوزي. حول حديث اختلاف أصحابي لكم رحمة ولا يخفى أن سياق حديث النجوم في كتاب (المدخل) للبيهقي - الذي استدل به (الدهلوي) - يشتمل على حديث اختلاف أصحابي لأمتي - أو لكم - رحمة وقد نص الحفاظ على ضعفه، فثبت ضعف الحديثين كليهما لضعف الاسناد المشتمل عليهما.... ومن هنا كان على (الدهلوي) الاعراض عن هذا السياق بجملته، لا

(هامش)

(1) تهذيب التهذيب 2 / 123. (2) ميزان الاعتدال 2 / 326. (3) المغني في الضعفاء 1 / 312. (*)

ص 142

الاستناد إليه في مقابلة حديث الثقلين، ولكن إذا لم تستح فاصنع ما شئت . وإليك كلمات بعضهم في تضعيف هذا الحديث: قال الحافظ العراقي: حديث اختلاف أمتي رحمة. البيهقي في المدخل من حديث ابن عباس: بلفظ أصحابي، ورواه آدم بن أبي أياس في كتاب العلم والحلم بلفظ اختلاف أصحابي لأمتي رحمة. وهو مرسل ضعيف، ذكره البيهقي في رسالته الأشعرية بهذا اللفظ بغير إسناد (1). وقال في (المغني): حديث اختلاف أمتي رحمة، ذكره البيهقي في رسالته الأشعرية تعليقا، وأسنده في المدخل من حديث ابن عباس بلفظ: اختلاف أصحابي لكم رحمة. وإسناده ضعيف (2). وقال ابن إمام الكاملية: الوجه [الخامس] لهم [إنه] أي العمل بالقياس [يؤدي إلى الخلاف والمنازعة] بين المجتهدين للاستقراء لأنه تابع للأمارات وهي مختلفة، فكيف يجوز العمل به [وقد قال الله تعالى: ولا تنازعوا فتفشلوا] فوجب أن يكون ممنوعا [قلنا: الآية] إنما وردت [في الآراء والحروب] لقرينة قوله: فتفشلوا وتذهب ريحكم، فأما التنازع في الأحكام فجائز [لقوله عليه الصلاة والسلام: اختلاف أمتي رحمة] قال الخطابي والبيهقي: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على أنه له أصلا، قال الشيخ زين الدين العراقي: وأسنده في المدخل من حديث ابن عباس بلفظ اختلاف أصحابي لكم رحمة وإسناده ضعيف (3). وقال محمد بن طاهر: في المقاصد اختلاف أمتي رحمة للبيهقي عن الضحاك عن ابن عباس رفعه في حديث طويل بلفظ: واختلاف أصحابي

(هامش)

(1) تخريج أحاديث المنهاج - مخطوط. (2) المغني عن حمل الأسفار. هامش إحياء العلوم 1 / 34. (3) شرح المنهاج - مخطوط. (*)

ص 143

لكم رحمة، وكذا الطبراني والديلمي، والضحاك عن ابن عباس منقطع، وقال العراقي: مرسل ضعيف (1). وقال المناوي: وأسنده البيهقي (في المدخل) وكذا الديلمي في مسند الفردوس كلاهما من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ اختلاف أصحابي رحمة، واختلاف الصحابة في حكم اختلاف الأمة كما مر. لكن هذا الحديث قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف (2). وقال العزيزي: أسنده البيهقي في المدخل وكذا الديلمي في الفردوس من حديث ابن عباس، لكن بلفظ اختلاف أصحابي رحمة. قال الشيخ: حديث ضعيف (3). ومن هنا تعرف: أنه ليس إسناده في المدخل ضعيفا عند البيهقي فحسب، بل قد نص على ضعفه جمع من نقاد الأخبار وصيارفة الحديث كالعراقي والسخاوي ومحمد بن طاهر والمناوي والحجازي - وهو المراد من الشيخ في كلام العزيزي كما صرح في صدر كتابه - والعزيزي. 22 - ابن أبي شريف لقد طعن ابن أبي شريف في حديث النجوم تبعا لشيخه الحافظ ابن حجر كما ستعرف ذلك من عبارة المناوي في (فيض القدير) إنشاء الله. ترجمة ابن أبي شريف وقد ترجم السخاوي لابن أبي شريف ترجمة مطولة، هذا ملخصها: ارتحل إلى القاهرة غير مرة، منها في سنة تسع وثلاثين، وأخذ في بعضها عن ابن الهمام والعز عبد السلام البغدادي والعلاء القلقشندي والقاياني وشيخنا

(هامش)

(1) تذكرة الموضوعات 90 - 91. (2) فيض القدير 1 / 212. (3) السراج المنير 1 / 66. (*)

ص 144

- ولازمه (يعني شيخه وهو ابن حجر) في أشياء رواية ودراية وسماعا وقراءة - في آخرين بالقاهرة وببلده ممن أخذ عنهم العلم حتى تميز، وأذن له كلهم أو جلهم في الأقراء وعظمه جدا، منهم ابن الهمام وعبد السلام وشيخنا حيث قال: إنه شارك في المباحث الدالة على الاستعداد، وتأهل أن يفتي بما يعلمه ويتحققه من مذهب الإمام الشافعي من أراد، ويفيد في العلوم الحديثية من المتن والإسناد علما بأهليته لذلك وتولجه في مضائق تلك المسالك. وترجم له البقاعي ووصفه بالذهن الثاقب والحافظة الضابطة والقريحة الوقادة والفكر القويم والنظر المستقيم، وسرعة الفهم وبديع الانتقال وكمال المروة، مع عقل وافر وأدب ظاهر وخفة روح ومجد على سمته يلوح، وإنه شديد الانقباض عن الناس غير أصحابه، قال: وهو الآن صديقي، وبيننا من المودة ما يقصر الوصف فيه. ودرس وأفتى وحدث ونظم ونثر وصنف، وبالجملة فهو علامة متين التحقيق حسن الفكر والتأمل فيما ينظره ويقرب عهده، وكتابه أمتن من تقريره ورويته أحسن من بديهته، مع وضائته وتأنيه وضبطه وقلة كلامه وعدم ذكره للناس (1). وقال القاضي مجير الدين العليمي الحنبلي - وهو من تلامذته - بترجمته: هو شيخ الإسلام، ملك العلماء الأعلام، حافظ العصر والزمان، بركة الأمة، علامة الأئمة، شيخنا الإمام الحبر الهمام العالم العلامة الرحالة، القدوة المجتهد العمدة، مولده في ليلة يسفر صباحها عن يوم السبت خامس شهر ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة بمدينة القدس ونشأ بها في عفة وصيانة وتقوى وديانة، لم يعلم له صبوة ولا ارتكاب محظور... وجد ودأب ولازم الاشتغال والاشغال إلى أن برع وتميز وأشير إليه في حياة شيخه الزين

(هامش)

(1) الضوء اللامع 9 / 64 - 67. (*)

ص 145

ماهر، وكان يرشد الطلبة للقراءة عليه حين ترك هو الأقراء وكذلك المستفتين، ودرس وأفتى من سنة ست وأربعين وثمانمائة.... ولم يزل حاله في ازدياد وعلمه في اجتهاد، فصار نادرة وقته وأعجوبة زمانه إماما في العلوم، محققا لما ينقله وصار قدوة بيت المقدس ومفتيه وعين أعيان المعيدين بالمدرسة الصلاحية.. ووقع له ما لم يقع لغيره ممن تقدمه من العلماء والأكابر، وبقي صدر المجالس وطراز المحافل، المرجع في القول إليه والتعويل في الأمور كلها عليه، وقلده أهل المذاهب كلها، وقبلت فتواه على مذهبه ومذهب غيره، ووردت الفتاوى إليه من مصر والشام وحلب وغيرها، وبعد صيته وانتشرت مصنفاته في سائر الأقطار، وصار حجة بين الأنام في سائر ممالك الإسلام.... وأما سمته وهيبته فمن العجائب في الأبهة والنورانية، رؤيته تذكر السلف الصالح، ومن رآه علم أنه من العلماء العاملين برؤية شكله وإن لم يكن يعرفه، وأما خطه وعبارته في الفتوى فنهاية في الحسن. وبالجملة فمحاسنه أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر، وهو أعظم من أن ينبه مثلي على فضله، ولو ذكرت حقه في الترجمة لطال الفصل، فإن مناقبه وذكر مشايخه يحتمل الإفراد بالتأليف، والمراد هنا الاختصار... (1). وكذا ترجم له الشوكاني (2). 23 - السيوطي قال الحافظ جلال الدين السيوطي في (إتمام الدراية): وليس قول صحابي حجة على غيره نعم لحديث: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. وأجيب بضعفه .

(هامش)

(1) الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل 2 / 288. (2) البدر الطالع 2 / 243 - 244. (*)

ص 146

ووضع عليه ض . وهي علامة الضعف في (الجامع الصغير) (1). وقال في (جمع الجوامع) ما نصه: مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لأحد في تركه، فإن لم يكن في كتاب الله فبسنة مني ماضية، فإن لم تكن سنة مني فبما قال أصحابي، أن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فبأيها أخذتم اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة. ق في المدخل وأبو نصر السجزي في الابانة وقال: غريب، والخطيب وابن عساكر والديلمي عن سليمان بن أبي كريمة عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس، وسليمان ضعيف وكذا جويبر . 24 - المتقي لقد تبع المتقي شيخه السيوطي في الطعن في حديث النجوم حيث نقل عبارته السالفة بعين ألفاظها (2). 25 - القاري وقال القاري ما نصه: قال ابن الديبع: إعلم أن حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم أخرجه ابن ماجة. كذا ذكره الجلال السيوطي في تخريج أحاديث الشفاء، ولم أجده في سنن ابن ماجة بعد البحث عنه، وقد ذكره ابن حجر العسقلاني في تخريج أحاديث الرافعي في باب أدب القضاء، وأطال الكلام عليه وذكر أنه ضعيف واه، بل ذكر عن ابن حزم: إنه موضوع باطل، لكن ذكر عن البيهقي أنه قال: إن حديث مسلم يؤدي بعضه معناه، يعني قوله صلى الله عليه وسلم النجوم أمنة للسماء الحديث. قال ابن حجر: صدق البيهقي هو يؤدي صحة التشبيه للصحابة بالنجوم، أما

(هامش)

(1) بشرح المناوي 4 / 76. (2) كنز العمال 6 / 133. (*)

ص 147

في الاقتداء فلا يظهر، نعم يمكن أن يتلمح ذلك من معنى الاهتداء بالنجوم. قلت: الظاهر أن الاهتداء فرع الاقتداء. قال: وظاهر الحديث إنما هو إشارة إلى الفتن الحادثة بعد انقراض الصحابة من طمس السنن وظهور البدع وفشور الجور في أقطار الأرض انتهى. وتكلم على هذا الحديث ابن السبكي في شرح ابن الحاجب الأصلي في الكلام على عدالة الصحابة ولم بعزه لابن ماجة، وذكره في جامع الأصول ولفظه عن ابن المسيب عن عمر بن الخطاب مرفوعا: سألت ربي. الحديث إلى قوله: اهتديتم. وكتب بعده: أخرجه. فهو من الأحاديث التي ذكرها رزين في تجريد الأصول ولم يقف عليها ابن الأثير في الأصول المذكورة، وذكره صاحب المشكاة وقال: أخرجه رزين (1). أقول: وفي هذا الكلام فوائد لا تخفى. وقال القاري في (شرح الشفاء) بشرح قول القاضي: وقال صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم قال: ثم اعلم أن قوله وقال: أصحابي... حديث آخر، وقد أخرجه الدارقطني في الفضائل وابن عبد البر من طريقه من حديث جابر وقال: هذا إسناد لا تقوم به حجة، ورواه عبد بن حميد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال البزار: منكر لا يصح ورواه ابن عدي في الكامل بإسناده عن نافع عن ابن عمر بلفظ: فأيهم أخذتم بقوله بدل اقتديتم وإسناده ضعيف، ورواه البيهقي في المدخل من حديث عمر ومن حديث ابن عباس بنحوه، ومن وجه آخر مرسلا وقال: متنه مشهور وأسانيده ضعيفة. قال الحلبي: وكان ينبغي للقاضي أن لا يذكره بصيغة جزم لما عرف عند أهل الصناعة، وقد سبق له مثله مرارا. أقول: يحتمل أنه ثبت بإسناده عنده أو حمل كثرة الطرق على ترقيه من

(هامش)

(1) المرقاة 5 / 523. (*)

ص 148

الضعيف إلى الحسن بناءا على حسن ظنه، مع أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، والله أعلم بحقيقة الأحوال . تنبيه إن ما احتمله القاري في هذا المقام سخيف، وذلك: أولا: إن احتمال ثبوت الحديث بإسناد عند القاضي. - من دون أكابر الحفاظ - بعيد جدا، ومجرد الاحتمال لا يصغى إليه في مثل هذا الموضوع، إذ لو ثبت ذلك لأورده فلم يتعرض للطعن من أبي ذر الحلبي وغيره. ثانيا: لقد علم من الوجوه السابقة سقوط حديث النجوم لدى أحمد والمزني والبزار وابن عدي والدارقطني وابن حزم والبيهقي وابن عبد البر.. وكل هؤلاء متقدمون على القاضي، فلو كان على إسناد مثبت له لذكره حتى يدفع كلماتهم فيه، ولا يجوز - والحالة هذه - أن يعرض عن ذكر السند رأسا، ويورده بصيغة الجزم حائدا عن طريق الاحتياط والحزم. ثالثا: إنه لو كان لهذا الحديث سند مثبت - لم يذكره القاضي لسبب من الأسباب - لذكره شراح كتابه (الشفاء) ومخرجوا أحاديثه وهم علماء أعلام عاشوا قبل القاري بكثير، ولكان لهم بذلك منة على القاضي، وقد رأيناهم يتعرضون عليه ذكره بصيغة الجزم. ولقد علم آنفا من عبارة (المرقاة) عزو السيوطي حديث النجوم إلى ابن ماجة، ولا أثر له في سننه، وهذا أدل دليل على خيبة الأمل وضلال السعي في هذا الباب. رابعا: إن دعوى كثرة طرقه مردودة لتنصيص كبار الحفاظ على خلافها، وأما طرقه المعدودة فمقدوحة كما تقدم. هذا، ولم يدع أحد منهم ترقي هذا الحديث إلى الحسن، فكيف جاز للقاضي أن يحسن الظن به؟ خامسا: إن دعوى العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال

ص 149

- على فرض التسليم بها - لا تجدي في المقام لوجوه: 1 - إن هذا الحديث موضوع وليس بضعيف، فلا يجوز العمل به مطلقا. 2 - إنه ليس في فضل عمل من الأعمال، بل مفاده من أهم الأمور الدينية. 3 - إنه لو سلمنا ذلك كله فإن أصل الاعتراض على ذكر القاضي إياه بصيغة الجزم باق على حاله. وسيأتي مزيد كلام في بطلان تضليل القاري من كلام الخفاجي والشوكاني فانتظر. 26 - المناوي قال المناوي: [سألت ربي فيما تختلف فيه أصحابي] أي: ما حكمه [من بعدي] أي: بعد موتي [فأوحى إلي يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضها أضوء من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى] لأنهم كنفس واحدة في التوحيد ونصرة الدين واختلافهم إنما نشأ عن اجتهاد ولهم محامل، ولذلك كان اختلافهم رحمة كما في حديث [السجزي في الابانة] عن أصول الديانة و[ابن عساكر عن عمر] قال ابن الجوزي: لا يصح والذهبي: باطل (1). وقال بشرحه: قال ابن الجوزي في العلل: هذا لا يصح، نعيم مجروح، وعبد الرحيم قال ابن معين كذاب، وفي الميزان هذا الحديث باطل، وقال ابن حجر في تخريج المختصر: حديث غريب سئل عنه البزار فقال: لا يصح هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الكمال ابن أبي شريف، كلام شيخنا - يعني ابن حجر - يقتضي أنه مضطرب، قال ابن عساكر: رواه عن

(هامش)

(1) التيسير في شرح الجامع الصغير 2 / 48. (*)

ص 150

سعيد زيد العمى أبو الحواري وكان ضعيفا في الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه ومن يروي عنه ضعفاء (1). 27 - الخفاجي وقال شهاب الدين الخفاجي: وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر رواه الدارقطني وابن عبد البر في العلم من طريق أسانيد كلها ضعيفة حتى جزم ابن حزم بأنه موضوع، وقال الحافظ العراقي: كان ينبغي للمصنف رحمه الله أن لا يورده بصيغة الجزم. وما قيل: من إنه ليس بوارد لأن المصنف رحمه الله ساقه في فضل الصحابة وقد استقروا على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال فضلا عن فضائل الرجال، لا وجه له، لأن قول أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم فيه العمل بما فعلوه وقالوه من الأحكام، وليس هذا من قبيل الفضائل التي يجوز العمل فيها بالضعيف (2). أقول: هذا كلام الخفاجي، ثم جعل يدافع عن القاضي بوجه آخر فقال: فلو قال إنه بمعنى الحديث الذي قبله - وهو حديث صحيح يعمل به - ولذا ساقه بعده كالمتابعة له، ولذا جزم به كان أقوى وأحسن. إلا أنه واه بل أوهن من بيت العنكبوت لوجوه: الأول: إن حديث الاقتداء موضوع لغرض لم يوضع لأجله حديث النجوم، فإن الأول وضع للشيخين والثاني لجميع الصحابة، ولذا ذهب جماعة من الأصوليين إلى أنهما متعارضان، كما لا يخفى على من راجع (إحكام

(هامش)

(1) فيض القدير - شرح الجامع الصغير 4 / 76. (2) نسيم الرياض - شرح الشفاء 4 / 423 - 424. (*)

ص 151

الأحكام) و(مختصر الأصول) و(شرح المختصر) و(حاشية التفتازاني على شرح المختصر) و(شرح المنهاج للعبري) و(معراج الأصول للأيكي) و(التحرير) و(شروح التحرير) و(مسلم الثبوت) و(شروح مسلم الثبوت) وغيرها. فجعل الثاني بمعنى الأول غير صحيح. الثاني: دعوى صحة حديث الاقتداء وإنه معمول به باطلة، لأنه حديث موضوع قطعا، كما ذكرنا في هذا الكتاب وفي مجلد (حديث الطير). الثالث: قوله ولذا ساقه بعده كالمتابعة له باطل، لأن المتابعة تكون في الحديث الواحد بتعدد رواته، و الشاهد هو الحديث الذي يؤدي معنى حديث آخر. (راجع كلمات: ابن الصلاح والنووي والعراقي وغيرهم في هذا الموضوع). ومن المعلوم: أن حديثي الاقتداء والنجوم متغايران، وليس معناهما واحدا - بل هما متعارضان كما أشرنا آنفا - فلا يتحقق في المقام معنى المتابعة ولا الشاهد . الرابع: إن دعوى المتابعة في هذا المقام ممنوعة من جهة أخرى: لأن روايات الوضاعين والكذابين لا شأن لها حتى في المتابعات والشواهد. وقد نص على ذلك علماء الفن كما لا يخفى على من راجع كلماتهم. نعم قد تذكر روايات شرذمة معينة من الضعفاء لغرض المتابعة والاستشهاد.... ولقد ثبت وضع حديث النجوم، وأن رواته وضاعون كذابون في جميع أسانيده، فلا يليق لأن يساق متابعة أيضا. الخامس: لو سلم ذلك كله... فإنه لا يصح جزم القاضي بحديث النجوم. وهنا نكتة يجب ذكرها: وهي أنه لو كان القاضي يقصد المتابعة لذكر حديث الاقتداء بصيغة الجزم، ثم ذكر حديث النجوم مع الاعتراف بالضعف لتتم المتابعة، ولكنه فعل العكس فذكر حديث الاقتداء الصحيح

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثالث

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب