(1) شرح نهج البلاغة 4 / 99. (*)
ص 167
ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، أي: من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب
واختلاف القلوب، ونحو ذلك مما أنذر به صريحا، وقد وقع كل ذلك (1). وقال الطيبي:
والإشارة في الجملة إلى مجئ الشر عند ذهاب أهل الخير فإنه لما كان صلى الله عليه
وسلم بين أظهرهم كان يبين ما يختلفون فيه، فلما توفي صلى الله عليه وسلم حالت
الآراء واختلفت الأهواء (2). وقال القاري: فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون.
أي من الفتن والمخالفات والمحن (3). هذا وإذا دل هذا الحديث على ما سمعت فلا مجال
لأن يذكر بصدد تأييد حديث النجوم، وأن يعد من فضائل الصحابة. التحريف في حديث
النجوم وبعد، فقد ظهر لدى التحقيق أن لأصحاب الخدع والضلال وأولي الأيدي الأثيمة
تحريفا عظيما في هذا الحديث، وذلك لأن أصله هكذا: وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب
أهل بيتي أتى أمتي ما يوعدون فجعل أصحابي في مكان أهل بيتي ... وهذا نص
الحديث: حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن ابن الحسن القاضي بهمدان من أصل كتابه، ثنا
محمد ابن المغيرة اليشكري، ثنا القاسم بن الحكيم [الحكم] العرني ثنا عبد الله بن
عمرو بن مرة، حدثني محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن أبيه عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه خرج ذات ليلة وقد أخر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة
والناس ينتظرون في المسجد فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: ننتظر الصلاة، فقال: إنكم لن
تزالوا في صلاة ما انتظرتموها. ثم قال: أما
(هامش)
(1) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج 9 / 424. (2) الكاشف - مخطوط. (3) المرقاة
5 / 519. (*)
ص 168
إنها صلاة لم يصلها أحد ممن قبلكم من الأمم، ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: النجوم
أمان لأهل السماء فإن طمست النجوم أتى السماء ما يوعدون، وأنا أمان لأصحابي فإذا
قبضت أتى أصحابي ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لأمتي فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما
يوعدون (1). فليلاحظ ممن هذا التحريف؟ أمن أبي موسى؟ من ولده أبي بردة؟ من غيرهما
من المحرفين المنحرفين؟ سيأتي إنشاء الله تعالى إن أهل البيت عليهم السلام هم
كالنجوم في هداية الأمة، وهم الذين يمتنع الاختلاف والهلاك باتباعهم... كل ذلك من
أحاديث عديدة بطرق وسياقات متكاثرة عن النبي صلى الله عليه وآله... وفي كل ذلك ما
يرغم آناف أولي البغي والعناد، ويوضح للسالكين محجة الصواب والرشاد. حديث النجوم
باطل وحديث النجوم... باطل من جهة متنه ودلالته كذلك... ولنوضح ذلك في وجوه: 1 -
مخالفته للاجماع والضرورة إن حديث النجوم يدل على صلاح جميع أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم. وهذا باطل بالاجماع. ويدل على أنهم جميعا هادون للأمة. وهذا
باطل أيضا، لأن طائفة كبيرة منهم أضلت كثيرا من الناس. ويدل على أهلية جميع الصحابة
لاقتداء الأمة بهم، وهذا أيضا ظاهر البطلان إذ لا يصلح كثير منهم - بل أكثرهم -
لذلك.
(هامش)
(1) المستدرك 3 / 457. (*)
ص 169
وإذا ثبت بطلان ذلك كله ثبت بطلان الحديث من أصله. 2 - اقتراف بعض الصحابة للكبائر
لقد اقترف جماعة كبيرة من الصحابة كبائر الذنوب، مثل الزنا وقتل النفس المحترمة
وشهادة الزور ونحو ذلك مما هو مشهور معروف لمن نظر في أحوالهم، فهل يعقل أن يجعل
رسول الله صلى الله عليه وآله كل واحد منهم قائدا للأمة وهاديا للملة؟ 3 - مخالفته
للكتاب لقد وردت آيات في كتاب الله عز وجل صريحة في سوء حال جم غفير من الصحابة،
ولا سيما الآيات في سورة الأنفال، وسورة البراءة، وسورة الأحزاب، وسورة الجمعة،
وسورة المنافقين. أفيصح أن ينصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميع الصحابة
قادة للأمة والحال هذه؟ 4 - مخالفته للأحاديث الأخرى لقد روي عن النبي صلى الله
عليه وآله أحاديث كثيرة تفيد ذم الصحابة والحط من شأنهم... تجدها في الصحاح
والمسانيد المعتبرة، ومنها: حديث الحوض. وحديث الارتداد. وحديث: لا ترجعوا بعدي
كفارا. وحديث: الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل. وحديث: لا أدري ما تحدثون بعدي.
وحديث: إتباع سنن اليهود والنصارى. وحديث: التنافس.
ص 170
وحديث: إن من أصحابي من لا يراني بعدي ولا أراه. وحديث: إن في أصحابي منافقين.
وحديث: قد كثرت علي الكذابة. إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في ذم الصحابة
مجتمعين وفرادى. وقد جاوزت حد الحصر، ويكفيك منها ما ذكر في كتاب (تشييد المطاعن).
وهذه الأحاديث تعارض حديث النجوم - إن صح - فلا يجوز العلم به. 5 - نهي النبي صلى
الله عليه وآله عن الاقتداء بهم لقد جاء في كتب القوم أحاديث تدل بصراحة منع النبي
صلى الله عليه وآله وسلم عن الاقتداء بالصحابة، وفيها إن من اقتداهم في النار .
قال العاصمي: وقال عليه السلام إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، يعني عن الوقيعة فيهم، عن
ذكر زلاتهم وما كان منهم في مقاماتهم، وأي عبد من عباد الله لم يزل ولو بطرفة!!.
فليحذر العاقل في هذا الموضوع عن الوقيعة فيهم وذكر زلاتهم ومساويهم. وأخبرني جدي
أحمد بن المهاجر رحمه الله قال أخبر أبو علي الهروي قال أخبرنا المأمون قال أخبرنا
عطية عن ابن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال قال رسول الله صلى الله
عليه: يكون من أصحابي أحداث بعدي، يعني الفتنة التي كانت بينهم، فيغفرها الله لهم
لسابقتهم، إن اقتدى بهم قوم من بعدهم كبهم الله في نار جهنم. قال ابن لهيعة: هذا
رأيي منذ سمعت هذا الحديث (1). وقال المتقي: تكون بين أصحابي فتنة يغفر الله
لهم لسابقتهم، إن
(هامش)
(1) زين الفتى في تفسير سورة هل أتى - مخطوط. (*)
ص 171
اقتدى بهم قوم من بعدهم كبهم الله تعالى في نار جهنم. نعيم عن [ابن] يزيد ابن أبي
حبيب، مرسلا (1). 6 - اعترافهم بعدم أهليتهم للاقتداء بهم إن في كتب أهل السنة
أحاديث كثيرة فيها اعتراف الصحابة أنفسهم بعدم أهليتهم للاقتداء بهم، ويكفي من
أقوال أبي بكر بن أبي قحافة: قوله: إن لي شيطانا يعتريني. - لست بخير من أحدكم
فراعوني، فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني. - أطيعوني ما
أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم. - أفتظنون أني أعمل بسنة رسول الله،
إذا لا أقوم بها؟. ومن أقوال عمر بن الخطاب: قوله: يا حذيفة بالله أنا من
المنافقين. - لولا علي لهلك عمر (في قضايا كثيرة). - لولاك لافتضحنا (قاله لعلي
عليه السلام). - امرأة خاصمت عمر فخصمته (في مسألة المهر). - امرأة أصابت ورجل
أخطأ. - ألا تعجبون من إمام أخطأ ومن امرأة أصابت؟ ناضلت إمامكم فنضلته. - تسمعونني
أقول مثل هذا فلا تنكرونه، حتى ترد علي امرأة ليست من أعلم النساء؟ - كل أحد أفقه
مني. - كل أحد أفقه من عمر.
(هامش)
(1) كنز العمال 22 / 174. (*)
ص 172
- كل أحد أعلم من عمر. - كل أحد أعلم وأفقه من عمر. - كل أحد أعلم منك حتى النساء.
- كل أحد أفقه من عمر حتى النساء - كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في الحجال. -
كل الناس أعلم من عمر حتى العجائز. وهذه كلها موجودة في كتب أهل السنة كما لا يخفى
على من راجع (تشييد المطاعن) وغيره. فهل يصح تشبيه هكذا أناس بالنجوم؟!
ص 173
تفنيد كلام الدهلوي في حاشية التحفة

ص 175
ومن الغريب قول (الدهلوي) في حاشية (التحفة) في هذا المقام: فإن قلت: اجتهاد بعض
الصحابة خطأ بيقين، فكيف وعد الهداية في اتباعهم جميعا؟. قلنا: محل اتباعهم ما كان
غير منصوص في الكتاب والسنة، ولا شبهة إن تيقن الخطأ إنما يكون في المنصوصات، وهي
ليست محلا لاتباعهم. والحاصل: إن اتباعهم دليل الهداية ما لم يظهر خطؤهم بمقتضى
الكتاب والسنة، فلا إشكال. شرح الارشاد. أقول: وهذا الكلام مردود بوجوه: 1 - المخطئ
لا يكون هاديا من كان اجتهاده خاطئا بيقين لا يجوز أن يكون هاديا. 2 - الخطأ في غير
المنصوصات أكثر إذا كان بعضهم يخطأ في اجتهاده فيخالف منصوصات الكتاب، فإنه
ص 176
يكون خطؤه في غير المنصوصات أكبر وأكثر. 3 - لا يجوز متابعة المخطئ مع وجود المعصوم
إنه لا ريب في عصمة أئمة أهل البيت عليهم السلام عن الخطأ، لدلالة آية التطهير
وحديث الثقلين وغيرهما من الآيات والروايات على ذلك - ومع وجود هؤلاء لا يعقل أن
يجعل النبي صلى الله عليه وآله الخاطئين بمنزلة النجوم. على أن في أصحابه صلى الله
عليه وآله من تتلو مرتبتهم مرتبة الأئمة عليهم السلام. أمثال أبي ذر وسلمان
والمقداد وعمار رضي الله عنهم أجمعين فترك هؤلاء واتباع الخاطئين ظلم عظيم. تعالى
الله عن ذلك ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. 4 - الاختلاف بين الأصحاب في الأحكام
إنه لا شك في وقوع الاختلاف بين الصحابة في الأحكام الشرعية - المنصوصة منها وغيرها
- وهو موضوع كتاب (الانصاف في بيان سبب الاختلاف لشاه ولي الله والد الدهلوي) وجعل
هؤلاء قادة للأمة وتشبيههم بالنجوم من حيث الهداية قبيح في الغاية، يجل عنه كل عاقل
فضلا عن خاتم النبيين وأشرف الخلائق أجمعين صلى الله عليه وآله. 5 - تخطئة الأصحاب
بعضهم لبعض لقد كان باب التخطئة مفتوحا لدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، بل قد تجاوزت تخطئة بعضهم البعض حد الاعتدال وبلغت التكذيب والتجهيل التكفير،
وتلك قضاياهم مدونة في كتب أهل السنة وأسفارهم، فكيف يصدق عاقل أن يكونوا جميعا -
والحالة هذه - أئمة في الدين وقادة المسلمين؟!
ص 177
6 - استعمالهم القياس لقد كان في الأصحاب من يستعمل القياس ويتبع في ذلك سبيل أول
من قاس... ومن كان مخطئا بيقين في المنصوصات ومستعملا للقياس في غيرها لا يستحق أن
يكون نجم هداية. 7 - جهلهم بالأحكام لقد كان في الأصحاب - ومنهم المشايخ الثلاثة -
من يرجع في الحوادث الواقعة إلى غيره ملتمسا الحكم الشرعي فيه، بل كان فيهم من
يعترف بأن كل الناس أفقه منه حتى المخدرات في الحجال . ومن المستحيل أن ينصب
الرسول صلى الله عليه وآله هؤلاء الجهال مراجع للأمة في الأحكام وغيرها.... بل كان
فيهم من يحكم - لفرط جهله - أحكاما مختلفة متناقضة في الواقعة الواحدة.... بل كان
فيهم من لم يعرف معنى الكلالة رغم وجودها في القرآن الكريم وتفسير النبي صلى
الله عليه وآله لها، وقد روي عن أبي بكر أنه قال: إني قد رأيت في الكلالة رأيا،
فإن كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له وإن يكن خطأ فمني والشيطان، والله برئ منه
(1). وقد روي في هذا المقام عن عمر بن الخطاب عجائب، رواها الطبري في تفسيره، وقد
ذكرت بالتفصيل في (تشييد المطاعن). والأعجب أنه كان الخليفة متى قرأ قوله تعالى: *
[يبين الله لكم أن تضلوا] * قال: اللهم من تبينت له الكلالة فلم تتبين لي . ولقد
كان يقول: ما أراني أعلمها أبدا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال
يشير إلى قوله صلى الله عليه وآله لحفصة: ما أرى أباك يعلمها
(هامش)
(1) راجع تفسير الطبري 4 / 283 - 284. (*)
ص 178
أبدا . بل روي عنه أنه كان يقول ثلاث لإن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم
بينهن لنا أحب إلي من الدنيا وما فيها: الخلافة والكلالة والربا . 8 - إقدام بعضهم
على معاملة محرمة لقد أقدم بعض كبار الصحابة في بعض معاملاته على أمر محرم باطل،
سبب بطلان حجه وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله، على حد تعبير عائشة بنت أبي
بكر. وقد روى هذا الأثر كبار المحدثين في كتب المحدثين، وأئمة الفقه في كتبهم
ومشاهير العلماء في التفسير وعلم الأصول في مؤلفاتهم، وإليك نصوص عبارات طائفة من
هؤلاء الأعلام: قال عبد الرحمن بن القاسم المالكي في كتاب (المدونة الكبرى):
وأخبرني ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أم يونس أن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم، قالت لها أم محبة أم ولد لزيد بن أرقم الأنصاري: يا أم
المؤمنين! أتعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم! قالت: فإني بعته عبدا إلى العطاء بثمان
مائة، فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته منه قبل الأجل بستمائة. فقالت بئس ما شريت وبئس ما
اشتريت، أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله إن لم يتب.
قالت: فقلت: أفرأيت إن تركت المائتين وأخذت الستمائة؟ قالت: فنعم! من جاءه موعظة من
ربه فانتهى فله ما سلف . وقال عبد الرزاق بن همام الصنعاني في (المصنف) أخبرنا
معمر والثوري عن أبي إسحق السبيعي، عن امرأة دخلت على عائشة في نسوة فسألتها امرأة
فقالت: يا أم المؤمنين! كانت لي جارية فبعتها من زيد بن أرقم بثمان مائة درهم ثم
ابتعتها منه بستمائة فنقدته الستمائة وكتب عليه ثمان مائة فقالت عائشة: بئس ما
اشتريت وما بئس ما اشترى! أخبري زيد بن
ص 179
أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أن يتوب، فقالت المرأة
لعائشة: أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت إليه الفضل! فقالت: فمن جاءه موعظة من ربه
فانتهى فله ما سلف . وقال أحمد بن حنبل الشيباني في (مسنده) حدثنا محمد بن جعفر:
حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن امرأة (امرأته. ظ) أنها دخلت على عائشة - هي وأم ولد
زيد بن أرقم - فقالت أم ولد زيد بن أرقم لعائشة: إني بعت من زيد غلاما بثمان مائة
درهم نسية واشتريت بستمائة نقدا، فقالت عائشة: أبلغي زيدا أنك قد أبطلت جهادك مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تتوب! بئس ما اشتريت وبئس ما شريت! . وقال
أبو بكر أحمد بن محمد المعروف بالجصاص الرازي الحنفي في كتاب (أحكام القرآن) في شرح
أحكام آية الربا: ومن الربا المراد من الآية شري ما يباع بأقل من ثمنه قبل نقد
الثمن. والدليل على أن ذلك ربا حديث يونس ابن إسحاق (أبي إسحق. ظ) عن أبيه عن أبي
العالية قال (العالية، قالت. ط) كنت عند عائشة فقالت لها امرأة: إني بعت زيد بن
أرقم جارية لي إلى عطائه بثمان مائة درهم وأنه أراد أن يبيعها فاشتريتها منه
بستمائة، فقالت: بئسما شريت وبئسما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه أبطل جهاده مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب! فقالت: يا أم المؤمنين! أرأيت إن لم آخذ
إلا رأس مالي فقالت: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله)،
فدلت تلاوتها لآية الربا عند قولها أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي أن ذلك كان
عندها من الربا، وهذه التسمية طريقها التوقيف . وقال أبو زيد عبيد الله بن عمر بن
عيسى الدبوسي الحنفي في كتاب (تأسيس النظر) في مسائل مبحث تقديم قول الصحابي على
القياس: ومنها إذا اشترى ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن لا يجوز، أخذنا بحديث
عائشة رضي الله عنها وحديث زيد بن أرقم فحكمنا بفساد البيع وتركنا القياس،
ص 180
وعند الإمام أبي عبد الله الشافعي: البيع جائز، وأخذ فيه بالقياس . وقال شمس
الأئمة أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي في كتاب (المبسوط): وإذا باع رجل
شيئا بنقد أو بنسية فلم يستوف ثمنه حتى اشتراه بمثل ذلك الثمن أو أكثر منه جاز، وإن
اشتراه بأقل من ذلك الثمن لم يجز ذلك في قول علمائنا رحمهم الله استحسانا، وفي
القياس يجوز ذلك وهو قول الشافعي، لأن ملك المشتري قد تأكد في المبيع بالقبض فيصح
بيعه بعد ذلك بأي مقدار من الثمن باعه، كما لو باعه من غير البائع، ألا ترى أنه لو
وهبه من البائع جاز ذلك، فكذلك إذا باعه منه بثمن يسير، ولأنه لو باعه من إنسان آخر
ثم باعه ذلك الرجل من البائع الأول بأقل من الثمن الأول جاز، فكذلك إذا باعه
المشتري منه. إلا أنا استحسنا لحديث عائشة، رضي الله عنها، فإن امرأة دخلت عليها
وقالت: إني بعت من زيد بن أرقم جارية لي بثمان مائة درهم إلى العطاء ثم اشتريتها
منه بستمائة درهم قبل محل الأجل. فقالت عايشة رضي الله عنها: بئسما اشتريت، أبلغي
زيد بن أرقم شريت وبئس أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم إن لم يتب فأتاها زيد بن أرقم معتذرا، فتلت قوله تعالى: فمن جاءه موعظة من ربه
فانتهى فله ما سلف. فهذا دليل على أن فساد هذا العقد كان معروفا بينهم، وأنها سمعته
من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أجزية الجرائم لا تعرف بالرأي، وقد جعلت جزاءه
على مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد، فعرفنا من ذلك كالمسموع من رسول الله صلى
الله عليه وسلم واعتذار زيد رضي الله عنه إليها دليل على ذلك لأن في المجتهدات كان
يخالف بعضهم بعضا، وما كان يعتذر أحدهم إلى صاحبه فيها . وقال ملك العلماء علاء
الدين أبو بكر بن مسعود الكاشاني الحنفي في كتاب (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع)
في مسألة شراء ما باع بأقل من ثمنه قبل نقد الثمن : ولنا ما روي أن امرأة جاءت
إلى سيدتنا عائشة
ص 181
رضي الله عنها وقالت: إني ابتعت خادما من زيد بن أرقم بثمانمائة ثم بعتها بستمائة،
فقالت سيدتنا عائشة رضي الله عنها: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيدا أن الله
تعالى قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب. ووجه الاستدلال به
من وجهين: أحدهما أنها ألحقت بزيد وعيدا لا يوقف عليه بالرأي، وهو بطلان الطاعة بما
سوى الردة، فالظاهر أنها قالته سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يلتحق
الوعيد إلا بمباشرة المعصية، فدل على فساد البيع لأن البيع الفاسد معصية. والثاني:
أنها رضي الله عنها سمت ذلك بيع سوء وشراء سوء، والفاسد هو الذي يوصف بذلك لا
الصحيح . وقال برهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني في (الهداية) قال: ومن
اشترى جارية بألف درهم حالة أو نسية فقبضها، ثم باعها من البائع بخمس مائة درهم قبل
أن ينقد الثمن، لا يجوز البيع الثاني، وقال الشافعي: يجوز لأن الملك قد تم فيها
بالقبض فصار البيع من البائع ومن غيره سواء، وصار كما لو باع بمثل ثمن الأول أو
بالزيادة أو بالعوض. ولنا: قول عائشة (رض) لتلك المرأة وقد باعت بستمائة. بعد ما
اشترت بثمان مائة: بئس ما شريت واشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أن الله قد أبطل حجه
وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب! . وقال مجد الدين مبارك بن
محمد المعروف بابن الأثير الجزري الشافعي أم يونس، قالت: جاءت أم ولد زيد بن أرقم
إلى عائشة فقالت: بعت جارية من زيد بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريها منه قبل
حلول الأجل بستمائة، وكنت شرطت عليه أنك إن بعتها فأنا اشتريها منك، فقالت لها
عائشة: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول
الله صلى الله عليه وآله إن لم يتب منه. قالت: فما
ص 182
نصنع؟ فتلت عائشة: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد
فينتقم الله منه، فلم ينكل أحد على عائشة والصحابة متوفرون. ذكره رزين ولم أجده
في الأصول . وقال مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله الحراني في كتاب
(المنتقى) باب أن من باع سلعة بنسية لا يشتريها بأقل مما باعها. عن أبي إسحاق
السبيعي، عن امرأته أنها دخلت على عائشة فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم، فقالت: يا
أم المؤمنين! إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسية وأني ابتعته منه
بستمائة نقدا، فقالت لها عائشة: بئس ما اشتريت وبئس ما شريت، إن جهاده مع رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قد بطل إلا أن يتوب. رواه الدارقطني . وقال أبو المؤيد
محمد بن محمود الخوازمي في (جامع مسانيد أبو حنيفة) أبو حنيفة، عن أبي إسحاق
السبيعي عن امرأة أبي السفر أن امرأة قالت لعائشة (رض): إن زيد بن أرقم باعني جارية
بثمان مائة درهم ثم استردها مني بستمائة درهم، فقالت: أبلغيه عني أن الله أبطل
جهاده مع رسول الله إن لم يتب . وقال أبو البركات عبد الله بن أحمد المعروف بحافظ
الدين النسفي في (كشف الأسرار - شرح المنار): وقد اتفق عمل أصحابنا بالتقليد فيما
لا يعقل بالقياس كما في أقل الحيض، أخذا بقول أنس، وشراء ما باع بأقل مما باع قبل
بعد الثمن، عملا بقول عائشة رضي الله عنها في قصة زيد بن أرقم . وقال علاء الدين
عبد العزيز بن أحمد البخاري في (كشف الأسرار - شرح أصول البزودي): وأفسدوا شراء
ما باع بأقل مما باع، يعني قبل أخذ الثمن، مع أن القياس يقتضي جوازه كما قال
الشافعي، لأن الملك في المبيع قد تم بالقبض للمشتري فيجوز بيعه من البائع بما شاء
كالبيع من غيره وكالبيع بمثل الثمن منه، عملا بقول عائشة رضي الله عنها، وهو ما روت
أم يونس أن امرأة جاءت إلى عائشة رضي الله عنها وقالت: إني بعت من زيد بن أرقم
ص 183
خادما بثمان مائة درهم إلى العطاء فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته منه قبل محل الأجل
بستمائة، فقالت عائشة رضي الله عنها: بئسما شريت واشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أن
الله تعالى أبطل جهاده وحجه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب. فأتاها زيد
ابن أرقم معتذرا، فتلت قوله تعالى: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف.
فتركنا القياس به لأن القياس لما كان مخالفا لقولها تعين جهة السماع فيه. والدليل
عليه أنها جعلت جزاءه على مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد، وأجزئة الجرائم لا
تعرف بالرأي، فعلم أن ذلك كالمسموع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتذار زيد
إليها دليل على ذلك أيضا، فإن بعضهم كان يخالف بعضا في المجتهدات وما كان يعتذر إلى
صاحبه . وقال حسن بن محمد الطيبي في (كاشف - شرح مشكوة) في باب الربا في شرح حديث
مح (1) : إحتج أصحابنا بهذا الحديث أن الحيلة التي يعملها بعض الناس توصلا إلى
مقصود الربا ليس بحرام، وذلك أن من أراد أن يعطي صاحبه مائة درهم بمائتين فيبيعه
بمائتين ثم يشتري منه بمائة، لأنه صلى الله عليه وآله قال: بع هذا واشتر بثمنه من
هذا، وهو ليس بحرام عند الشافعي. وقال مالك وأحمد: هو حرام. أقول: وينصره ما رواه
رزين في كتابه عن أم يونس أنها قالت: جاءت أم ولد زيد بن أرقم إلى عائشة رضي الله
عنها فقالت: بعت جارية من زيد بثماني مائة درهم إلى العطاء ثم اشتريتها منه قبل
حلول الأجل بستمائة، وكنت شرطت عليه أنك إن بعتها فأنا أشتريها منك، فقالت لها
عائشة رضي الله عنها: بئس ما شريت وبئسما اشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل
جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله إن لم يتب منه. قالت: فما
(هامش)
(1) أي: قال محيي الدين النووي في شرح مسلم . (*)
ص 184
يصنع: فتلت عائشة رضي الله عنها: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره
إلى الله تعالى الآية. فلم ينكر أحد على عائشة، والصحابة متوفرون . وقال فخر
الدين عثمان بن علي الزيلعي في (تبيين الحقائق - شرح كنز الدقائق): قال: وشراء ما
بالأقل قبل النقد، ومعناه أنه لو باع شيئا وقبضه المشتري ولم يقبض البائع الثمن
فاشتراه بأقل من الثمن الأول لا يجوز، وقال الشافعي (رح) يجوز، وهو القياس، لأن
الملك قد تم بالقبض فيجوز بيعه بأي قدر كان من الثمن، كما إذا باعه من غير البائع
أو منه بمثل الثمن الأول أو بأكثر أو بعرض أو بأقل بعد النقد. ولنا: ما روي عن أبي
إسحاق السبيعي، عن امرأة أنها دخلت على عائشة رضي الله عنها فدخلت معها أم ولد زيد
بن أرقم، فقالت: يا أم المؤمنين إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمان مائة درهم
نسيئة وإني ابتعته منه بستمائة نقدا، فقالت لها عائشة: بئسما شرى؟ إن جهاده مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد بطل إلا أن يتوب. رواه الدارقطني. فهذا الوعيد دليل على
أن هذا العقد فاسد، وهو لا يدرك بالرأي فدل على أنها قالته سماعا، ولا يقال: قد روى
أنها قالت: إني بعته إلى العطاء، فلعلها أنكرت عليها لذلك. لأنا نقول: كانت عائشة
رضي الله عنها ترى البيع إلى العطاء ولأن الثمن لم يدخل في ضمان البائع قبل قبضه،
فإذا عاد إليه عين ما له بالصفة التي خرج من ملكه وصار بعض الثمن قصاصا ببعض بقي له
عليه فضل بلا عوض، فكان ذلك ربح ما لم يضمن، وهو حرام بالنص . وقال أبو الفدا
إسمعيل بن عمر بن كثير الدمشقي في (تفسيره): وقال ابن أبي حاتم: قرأ على محمد بن
عبد الله بن عبد الحكم: أخبرنا ابن وهب، أخبرني جرير بن حازم، عن أبي إسحاق
الهمداني، عن أم يونس - يعني امرأته العالية بنت أيفع - إن عائشة زوج النبي صلى
الله عليه وسلم قالت لها أم بحنة (محبة ظ): أم ولد زيد بن أرقم: يا أم المؤمنين:
أتعرفين زيد بن أرقم:
ص 185
قالت نعم! قالت: فإني بعته عبدا إلى العطاء بثمانمائة فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته قبل
محل الأجل بستمائة، فقالت: بئسما شريت وبئسما اشتريت، أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بطل إن لم يتب. قالت: فقلت أرأيت تركت المائتين
وأخذت الستمائة؟ قالت: نعم! فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف. وهذا الأثر
مشهور وهو دليل لمن حرم مسألة العينة، مع ما جاء فيها من الأحاديث المذكورة المقررة
في كتاب الأحكام، ولله الحمد والمنة (1). قال أكمل الدين محمد بن محمود البابرتي
في (العناية): وحاصل ذلك أن شراء ما باع لا يخلو من أوجه، إما أن يكون من المشتري
بلا واسطة أو بواسطة شخص آخر والثاني جائز بالاتفاق مطلقا: أعني سواء اشترى بالثمن
الأول أو بأنقص أو بأكثر أو بالعرض، والأول إما أن يكون بأقل أو بغيره، والثاني
بأقسامه جائز بالاتفاق، والأول هو المختلف فيه، الشافعي (ره) جوزه قياسا على
الأقسام الباقية وبما إذا باع من غير البائع فإنه جائز أيضا بالاتفاق، ونحن لم
نجوزه بالأثر والمعقول. أما الأثر: فما قال محمد: حدثنا أبو حنيفة يرفعه إلى عائشة
رضي الله عنها أن امرأة سألتها فقالت: إني اشتريت من زيد بن أرقم جارية بثمانية
مائة درهم إلى العطاء، ثم بعتها منه بستمائة درهم قبل محل الأجل فقالت عائشة رضي
الله عنها: بئسما اشتريت! أبلغي زيد بن أرقم إن الله تعالى قد أبطل حجه وجهاده مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب، فأتاها زيد بن أرقم معتذرا، فتلت عليه
قوله تعالى: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف. ووجه الاستدلال أنها جعلت
جزاء مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجزية
الأفعال لا تعلم بالرأي فكان مسموعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعقد
الصحيح لا يجازي بذلك
(هامش)
(1) تفسير ابن كثير 1 / 327. (*)
ص 186
فكان فاسدا وإن زيدا اعتذر إليها، وهو دليل على كونه مسموعا لأن في المجتهدات كان
بعضهم يخالف بعضا، وما كان أحدهما يعتذر إلى صاحبه، وفيه بحث، لجواز أن يقال إلحاق
الوعيد لكون البيع إلى العطاء هو أجل مجهول. والجواب أنه ثبت من مذهبها جواز البيع
إلى العطاء وهو مذهب علي رضي الله عنها فلا يكون كذلك، ولأنها كرهت العقد الثاني
حيث قالت: بئسما شريت، مع عرائه عن هذا المعنى، فلا يكون لذلك بل لأنهما تطرقا به
إلى الثاني. فإن قيل: القبض غير مذكور في الحديث فيمكن أن يكون الوعيد للتصرف في
المبيع قبل قبضه. أجيب بأن تلاوتها آية الربا دليل على أنه للربا لا لعدم القبض .
وقال جلال الدين الخوارزمي الكرماني في (الكفاية): ولنا: قول عائشة رضي الله عنها
لتلك المرأة، وهو أن امرأة دخلت على عائشة رضي الله تعالى عنها وقالت: إني اشتريت
من زيد بن أرقم جارية إلى العطاء بثمان مائة درهم ثم بعتها منه بستمائة. فقالت
عائشة: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت! أبلغي زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل حجه
وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب عن هذا. فأتاها زيد بن أرقم
معتذرا، فتلت قوله تعالى: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف. فهذا الوعيد
الشديد دليل على فساد هذا العقد، والحاق هذا الوعيد لهذا الصنع لا يهتدي إليه
العقل، إذ شيء من المعاصي دون الكفر لا يبطل شيئا من الطاعات إلا أن يثبت شيء من
ذلك بالوحي، فدل على أنها قالته سماعا، واعتذار زيد إليها دليل على ذلك، لأن في
المجتهدات كان يخالف بعضهم بعضا وما كان يعتذر أحد إلى صاحبه فيها. ولا يقال: إنما
ألحقت الوعيد بن للأجل إلى العطاء. لأنا نقول: إن مذهب عائشة رضي الله عنه جواز
البيع إلى العطاء ولأنها قد كرهت العقد الثاني بقولها: بئس ما شريت. وليس فيه هذا
المعنى وإنما ذمت البيع الأول وإن كان جائزا عندها، لأنه صار ذريعة إلى البيع
الثاني الذي هو موسوم بالفساد، وهذا كما يقول
ص 187
لصاحبه: بئس البيع الذي أوقعك في هذا الفساد وإن كان البيع جائزا. فإن قيل: يحتمل
أنها ذمت البيع الأول لفساده بجهالة الأجل وأنها رجعت عن تجويز البيع إلى العطاء
والبيع الثاني، لأنه بيع المبيع قبل القبض إذ القبض لم يذكر في الحديث. قلنا:
الرجوع لم يثبت وإنما ذمت البيع الثاني لأجل الربا حتى تلت عليه آية الربا، وليس في
بيع المبيع قبل القبض الربا . وقال أبو إسحق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي
الشهير بالشاطبي في كتاب (الموافقات في أصول الأحكام): والثاني من الاطلاقين أن
يراد بالبطلان عدم ترتب آثار العمل عليه في الأخوة وهو الثواب. ويتصور ذلك في
العبادات والعادات فتكون العبادة باطلة بالإطلاق الأول فلا يترتب عليها جزاء لأنها
غير مطابقة لمقتضى الأمر بها، وقد تكون صحيحة بالإطلاق الأول ولا يترتب عليها ثواب
أيضا، فالأول كالمتعبد رئاء الناس فإن تلك العبادة غير مجزئة ولا يترتب عليها ثواب
والثاني كالمتصدق بالصدقة يتبعها بالمن والأذى وقد قال تعالى: * [يا أيها الذين
آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس] *، الآية. وقال
(لئن أشركت ليحبطن عملك). وفي الحديث: أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب، على تأويل من جعل الابطال حقيقة . وقال
بدر الدين محمود بن أحمد العيني في (شرح الهداية): (ص): ولنا قول عائشة رضي الله
عنه لتلك المرأة وقد باعت بستمائة بعد ما اشترت بثمان مائة: بئسما شريت! أبلغي زيد
بن أرقم أن الله تعالى قد أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم
يتب. (ش): هذا أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: أخبرنا معمر والثوري عن أبي إسحاق عن
امرأة أنها دخلت على عائشة في نسوة فسألت امرأة فقالت: يا أم المؤمنين! كانت لي
جارية فبعتها من زيد بن أرقم بثمان مائة إلى العطاء ثم
ص 188
ابتعتها منه بستمائة فنقدت له الستمائة. فقالت عائشة: بئسما شريت وبئسما اشتريت
أخبري زيد بن أرقم أنه قد بطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب.
فقالت المرأة لعائشة رضي الله عنها: أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل؟
فقالت: من جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف. وأخرجه الدارقطني ثم البيهقي في
سننيهما عن يونس بن أبي إسحاق الهمداني عن أمه العالية، قالت: كنت قاعدة عند عائشة
رضي الله عنها فأتتها أم محبة فقالت: إني بعت زيد بن أرقم جارية إلى العطاء. فذكرا
بنحوه. وقال الدارقطني: أم محبة وأم العالية مجهولتان لا يحتج بهما. (قلت): بل
العالية امرأة معروفة جليلة القدر، ذكرها ابن سعد في (الطبقات) فقال: العالية بنت
أيفع بن شرحبيل. امرأة أبي إسحاق السبيعي: سمعت من عائشة رضي الله عنها. وأم محبة
بضم الميم وكسر الحاء. كذا ضبطه الدارقطني في كتاب (المؤتلف والمختلف). ورواه أبو
حنيفة في مسنده عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأة أبي السفر أن امرأة سألت عن عائشة
فقالت: إن زيد بن أرقم باعني جارية بثمان مائة واشتراها مني بستمائة فقالت: أبلغي
عن زيد بن أرقم أن الله عز وجل قد أبطل جهاده إن لم يتب. وجه الاستدلال أنها جعلت
جزاء مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم
يتب، وأجزية الجرائم لا تعلم بالرأي فكان مسموعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
والعقد الصحيح لا يجازي بذلك فكان فاسدا وإن زيدا اعتذر إليها، وهو دليل على كونه
مسموعا، وفي المجتهدات كان بعضهم يخالف بعضا وما كان أحدهما يعتذر إلى صاحبه. فإن
قلت: يجوز أن يكون إلحاق الوعيد لكون البيع إلى العطاء وهو أجل مجهول. (قلت): ثبت
من مذهب عائشة رضي الله عنها جواز البيع إلى العطاء وهو مذهب علي وابن أبي ليلى
وآخرين ولم يكن كذلك. فإن قلت: لم كرهت العقد الأول مع أن الفساد من الثاني؟ قلت
لأنها تطرق به إلى
ص 189
الثاني، كالسفر يكون محظورا إذا كان لقطع الطريق وإن كان السفر مباحا في نفسه. فإن
قلت: القبض غير مذكور في الحديث فيمكن أن يكون الوعيد للتصرف في المبيع قبل القبض.
قلت: تلاوتها آية الربا دليل على أنه للربا لا لعدم القبض . وقال ابن الهمام
السيواسي في (فتح القدير): ولنا: قول عائشة رضي الله عنها إلى آخر ما نقله المصنف
عن عائشة، يفيد أن المرأة هي التي باعت زيدا بعد أن اشترت منه وحصل له الربح لأن
شريت معناه بعت ، قال تعالى: شروه بثمن بخس. أي: باعوه، وهو رواية أبي حنيفة
فإنه روى في مسنده عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأة أبي السفر أن امرأة قالت لعائشة
رضي الله عنها إن زيد بن أرقم باعني جارية بثمانمائة درهم ثم اشتراها مني بستمائة.
فقالت: أبلغيه أن الله أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب. ففي
هذا أن الذي باع زيد ثم استرد وحصل الربح له، ولكن رواية غير أبي حنيفة من أئمة
الحديث عكسه. روى الإمام أحمد بن حنبل، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن أبي
إسحاق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة هي وأم ولد زيد بن أرقم فقالت أم ولد
زيد لعائشة: إني بعت من زيد غلاما بثمان مائة درهم نسية واشتريته بستمائة نقدا.
فقالت أبلغي زيدا أن قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تتوب
بئسما شريت وبئسما اشتريت وهذا فيه أن الذي حصل له الربح هي المرأة قال ابن عبد
الهادي في التنقيح : هذا إسناد جيد وإن كان الشافعي قال: لا يثبت مثله عن عائشة.
وقول الدارقطني في العالية هي مجهولة لا يحتج بها فيه نظر، فقد خالفه غير واحد،
ولولا أن عند أم المؤمنين علما من رسول الله أن هذا محرم لم تستجز أن تقول مثل هذا
الكلام بالاجتهاد. وقال غيره: هذا مما لا يدرك بالرأي. والمراد بالعالية امرأة أبي
إسحاق السبيعي التي ذكر أنها دخلت مع أم ولد على عائشة.
ص 190
قال ابن الجوزي: قالوا إن العالية امرأة مجهولة لا يحتج بنقل خبرها. قلنا: هي امرأة
جليلة القدر، ذكرها ابن سعد في الطبقات فقال: العالية بنت أنفع بن شراحيل،
امرأة أبي إسحاق السبيعي. سمعت من عائشة. وقولها: بئسما شريت، أي بعت. قال تعالى:
وشروه بثمن بخس. أي باعوه. وإنما ذمت العقد الأول لأنه وسيلة، وذمت الثاني لأنه
مقصود بالفساد. وروى هذا الحديث على هذا النحو عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر
والثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأة أنها دخلت على عائشة في نسوة فسألتها امرأة
فقالت: كانت لي جارية فبعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة إلى العطاء ثم ابتعتها منه
بستمائة فنقدته ستمائة وكتب لي عليه ثمانمائة. فقالت عائشة: - إلى قولها - إلا أن
يتوب. وزاد: فقالت المرأة لعائشة: أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل؟ فقالت:
فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف. لا يقال: إن قول عائشة وردها لجهالة
الأجل وهو البيع إلى العطاء فإن عائشة كانت ترى جواز الأجل إلى العطاء، ذكره في
(الأسرار) وغيره . وقال ابن أمير الحاج الحلبي في كتاب (التقرير والتحبير) في
مسألة إلحاق قوله الصحابي بالسنة: وفساد بيع ما اشترى قبل نقد الثمن لقول عائشة
لأم ولد زيد بن أرقم - لما قالت لها: إني بعت من زيد غلاما بثمانمائة درهم نسية
واشتريته بستمائة نقدا -: أبلغي زيدا أن قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلا أن تتوب بئسما اشتريت وبئسما شريت. رواه أحمد. قال ابن عبد الهادي: إسناده
جيد . وقال عبد اللطيف بن عبد العزيز الحنفي المعروف بابن الملك في (شرح المنار):
وكفساد شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن مع أن القياس يقتضي جوازه عملا
بقول عائشة رضي الله عنها لتلك المرأة القائلة: إني بعت خادما من زيد بن أرقم بثمان
مائة درهم إلى العطاء فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته منه بستمائة، قالت: بئسما شريت
واشتريت، أبلغي زيد بن أرقم
ص 191
أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله عليه السلام إن لم يتب . وقال زين
الدين عبد الرحمن بن أبي بكر المعروف بابن العيني في (شرح المنار): وشراء ما باع
بأقل مما باع قبل نقد الثمن أفسدوه بقوله عائشة للتي قالت: إني بعت من زيد بن أرقم
خادما بثمانمائة درهم إلى العطاء فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته قبل محل الأجل بستمائة:
بئسما شريت واشتريت! أبلغي زيد بن أرقم أن الله أبطل جهاده وحجه مع رسول الله عليه
السلام إن لم يتب . وقال جلال الدين السيوطي في تفسيره (الدر المنثور): وأخرج
عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عائشة أن امرأة قالت لها: إني بعت زيد بن أرقم عبدا
إلى العطاء بثمانمائة فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته قبل محل الأجل بستمائة: فقالت:
بئسما شريت وبئسما اشتريت، أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم إن لم يتب. قلت أفرأيت إن تركت المائتين وأخذت الستمائة! فقالت: نعم! من
جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف (1). وقال في (عين الإصابة): أخرج عبد
الرزاق في (المصنف) والدارقطني والبيهقي في (سننهما) عن أبي إسحاق السبيعي عن
امرأته أنها دخلت على عائشة في نسوة فسألتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين! كانت لنا
جارية فبعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة إلى العطاء ثم ابتعتها منه بستمائة فنقدته
الستمائة وكتب عليه ثمانمائة: فقالت عائشة: بئسما اشتريت وبئسما شريت، أبلغي زيد بن
أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب. فقالت المرأة
لعائشة: أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل؟ قالت: فمن جاءه موعظة من ربه
فانتهى فله ما سلف . وقال عبد الرحمن بن علي الشهير بابن الديبع الشيباني في
(تيسير الوصول): وعن أم يونس، قالت: جاءت أم ولد زيد بن أرقم رضي الله عنه
(هامش)
(1) الدر المنثور 1 / 365. (*)
ص 192
إلى عائشة رضي الله عنها فقالت: بعت جارية من زيد بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم
اشتريتها منه قبل حلول الأجل بستمائة درهم وكنت شرطت عليه أنك إن بعتها فأنا
اشتريتها منك. فقالت عائشة رضي الله عنها: بئس ما شريت، وبئس ما اشتريت أبلغي زيد
بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب منه. قالت
فما صنع؟ فتلت عائشة رضي الله عنها: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره
إلى الله. الآية. فلم ينكر أحد على عايشة رضي الله عنها، والصحابة رضي الله عنهم
متوفرون . وقال زين الدين الشهير بابن نجيم المصري في (البحر الرائق - شرح كنز
الدقائق): قوله: وشراء ما باع بالأقل قبل النقد. أي لم يجز شراء البائع ما باع
بأقل مما باع قبل نقد الثمن، فهو مرفوع عطفا على البيع لا أنه مجرور عطفا على
المجرورات لأنه لو كان كذلك لصار المعنى لم يجز بيع شراء، وهو فاسد وإنما منعنا
جوازه استدلالا بقول عائشة (رض) لتلك المرأة وقد باعت بستمائة بعد ما اشترت
بثمانمائة: بئس ما شريت واشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده
مع رسول الله صلى الله عليه وآله إن لم يتب . وقال الملا علي القاري في (المرقاة -
شرح المشكاة) في شرح حديث تمر جنيب بعد ذكر الاختلاف في مسألة الاحتيال في الربا:
قال الطيبي رحمه الله: وينصر قول مالك وأحمد ما رواه رزين في كتابه عن أم يونس أنها
قالت: جاءت أم ولد لزيد بن أرقم إلى عائشة رضي الله عنها فقالت: بعت جارية من زيد
بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريتها قبل حلول الأجل بستمائة وكنت شرطت عليه أنك
إن بعتها فأنا أشتريها منك فقالت لها عائشة رضي الله عنها:؟ بئس ما شريت وبئس ما
اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم
يتب. قالت: فما يصنع؟ قالت: فقالت عائشة: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف
وأمره إلى الله. فلم ينكر أحد على عائشة، والصحابة متوفرون .
ص 193
وقال محمد بن حسن بن أحمد الكواكبي مفتي حلب الشهباء في كتاب (الفوائد السنية - شرح
الفوائد السنية): ومن شرى ما باع بالأقل * من الذي باع به من قبل والثمن الأول ما
كان نقد * فذا شراؤه يقينا قد فسد أي: إن اشترى جارية مثلا بألف درهم حالة أو نسية
فقبضها ثم باعها من البايع بخمسمائة قبل أن ينقد الثمن الأول لا يجوز البيع الثاني،
لقول عائشة رضي الله عنها لتلك المرأة وقد باعت جارية من زيد بن أرقم بثمانمائة إلى
العطاء ثم ابتاعتها منه بستمائة وكتبت عليه ثمانمائة: بئس ما اشتريت وبئس ما اشترى
أخبري زيد بن أرقم إن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم إن لم يتب . وقال الملا أحمد بن أبي سعيد بن عبيد الله الحنفي في (نور
الأنوار - شرح المنار) وشراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن الأول فإن القياس
يقتضي جوازه، ولكنا قلنا بحرمته جميعا عملا بقول عائشة رضي الله عنها لتلك المرأة
وقد باعت بستمائة بعد ما شرت بثمانمائة من زيد بن أرقم: بئس ما شريت واشتريت أبلغي
زيد بن أرقم بأن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم
يتب . وقال المولوي عبد العلي بن نظام الدين الأنصاري في (فواتح الرحموت) في مسألة
تقليد الصحابي فيما لا يدرك بالرأي مثال آخر: روى رزين عن أم يونس، قالت:
جاءت أم ولد زيد بن أرقم إلى أم المؤمنين عائشة فقالت: بعت جارية من زيد بثمانمائة
درهم إلى العطاء ثم اشتريتها قبل حلول الأجل بستمائة وكنت شرطت عليه إن بعتها فأنا
اشتريتها منك. فقالت لها عائشة: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه
قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم إن لم يتب منه. قالت:
فما نصنع؟ قال: قالت عائشة: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى
الله ومن عاد فينتقم الله منه. والحكم ببطلان الجهاد لا يكون بالرأي فلا بد من
السماع .
ص 194
9 - بيع بعضهم الخمر لقد كان في الأصحاب من يقول بجواز بيع الخمر، وقد ارتكب هذا
الذنب الكبير فعلا، وإن ذلك - وإن كان عن اجتهاد!! - قد أزعج عمر ابن الخطاب حتى
قال: قاتل الله فلانا باع الخمر؟! وهذا أيضا من الآثار المشهورة التي اتفق كافة
الرواة والعلماء على نقله: قال الشافعي في (مسنده): أخبرنا سفيان عن عمرو بن
دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن
رجلا باع خمرا فقال: قاتل الله فلانا! باع الخمر؟ أما علم أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: قاتل اليهود! حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها . وقال أبو بكر بن
أبي شيبة البغدادي: حدثنا هشيم عن مطيع عن الشعبي عن مسروق، قال: قال عمر: لعن
الله فلانا فإنه أول من أذن في بيع الخمر (1). وقال أحمد بن حنبل: حدثنا سفيان
عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس ذكر لعمر رضي الله عنه إن سمرة - وقال مرة: بلغ عمر أن
سمرة -، باع خمرا، قال: قاتل الله سمرة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن
الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها (2). وقال عبد الله بن عبد الرحمن
الدارمي في (مسنده): حدثنا محمد بن أحمد، ثنا سفيان عن عمرو - يعني ابن دينار -
عن طاوس عن ابن عباس قال بلغ عمر أن سمرة باع خمرا فقال: قاتل الله سمرة، أما علم
أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها
فباعوها. قال سفيان: جملوها أذابوها . وقال البخاري في (الصحيح) في باب لا يذاب
شحم الميتة ولا يباع
(هامش)
(1) المصنف 8 / 195. (2) المسند لأحمد 1 / 25. (*)
ص 195
ودكه : حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار، قال: أخبرني طاوس أنه
سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: بلغ عمر أن فلانا باع خمرا فقال: قاتل الله
فلانا! ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قاتل الله اليهود! حرمت
عليهم الشحوم فجملوها فباعوها. حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن ابن
شهاب، قال: سمعت سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها. قال
أبو عبد الله: قاتلهم الله: لعنهم قتل - لعن - الخراصون . وقال في باب ما ذكر
بني إسرائيل : حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس،
قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: قاتل الله فلانا! ألم يعلم أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها. تابعه جابر
وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال مسلم في (الصحيح): حدثنا أبو بكر
بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم - واللفظ لأبي بكر - قالوا: نا: سفيان
بن عيينة عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس، قال: بلغ عمر أن سمرة باع خمرا فقال: قاتل
الله سمرة! ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله اليهود حرمت
عليهم الشحوم فجملوها فباعوها. حدثنا أمية بن بسطام، نا: يزيد بن زريع، نا: روح -
يعني ابن القاسم - عن عمرو بن دينار بهذا الاسناد مثله . وقال ابن ماجة في (السنن)
في باب التجارة في الخمر : حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا سفيان عن عمرو بن
دينار عن طاوس عن ابن عباس، قال: بلغ عمر أن سمرة باع خمرا فقال: قاتل الله سمرة!
ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم
فجملوها فباعوها .
ص 196
وقال النسائي في (السنن): النهي عن الانتفاع بما حرم الله عز وجل. أخبرنا إسحق بن
إبراهيم، قال: أخبرنا سفيان عم عمرو عن طاوس عن ابن عباس قال: أبلغ عمر أن سمرة باع
خمرا، قال: قاتل الله سمرة! ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قاتل
الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها. قال سفيان: أذابوها . وقال الغزالي في
(إحياء العلوم): ومن الوقت الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الربا فقال: أول
ربا أضعفه ربا العباس، ما ترك الناس بأجمعهم كما لم يتركوا شرب الخمر وسائر المعاصي
حتى روي أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باع الخمر فقال عمر رضي الله عنه:
لعن الله فلانا، هو أول من سن بيع الخمر . وقال عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن
مسرور الجماعيلي المقدسي الحنبلي في (عمدة الأحكام): عن عبد الله بن عباس رضي
الله عنهما قال: بلغ عمر أن فلانا باع خمرا فقال: قاتل الله فلانا، ألم يعلم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها
فباعوها. جملوها: أذابوها . وقال ابن الأثير الجزري: [خ م س] ابن عباس، قال: بلغ
عمر بن الخطاب أن فلانا باع خمرا فقال: قاتل الله فلانا، ألم يعلم أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم قال: لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها. هذه رواية
البخاري ومسلم، وأخرجه النسائي قال [أ] بلغ عمر أن سمرة بن جندب باع خمرا فقال:
قاتل الله سمرة ألم يعلم؟ الحديث . وقال علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم
البغدادي المعروف بالخازن في تفسيره (لباب التأويل) في تفسير الآية: * [يسئلونك عن
الخمر] *: أجمعت الأمة على تحريم بيع الخمر والانتفاع بها وتحريم ثمنها، ويدل على
ذلك ما روي عن جابر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام فتح مكة إن
الله تعالى حرم بيع الخمر والانتفاع بها والميتة والخنزير
ص 197
والأصنام. أخرجاه في (الصحيحين) مع زيادة اللفظ (ق). عن عائشة، قالت: خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: حرمت التجارة في الخمر. (ق). عن ابن عباس، قال: بلغ عمر
بن الخطاب أن فلانا باع خمرا فقال: قاتل الله فلانا: ألم يعلم أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها . وقال
عماد الدين إسماعيل بن أحمد بن سعيد بن محمد بن الأثير الحلبي الشافعي في (إحكام
الأحكام - شرح عمدة الأحكام) في شرح حديث قاتل الله فلانا : وفلان الذي كنى
عنه هو سمرة بن جندب . وقال ابن حجر العسقلاني في (تلخيص الخبير): حديث نهي عن
بيع العنب من عاصره. أخرجه الطبراني في الأوسط عن محمد بن أحمد بن أبي خثيمة
بإسناده عن بريدة، مرفوعا: من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني
أو ممن يتخذه خمرا فقد تقحم النار على بصيرة. وفي (الصحيحين): بلغ عمر بن الخطاب أن
فلانا - يعني سمرة بن جندب - باع خمرا فقال: قاتل الله فلانا، الحديث وفي الباب
الأحاديث الواردة في لعن بائع الخمر ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه . وقال الملا
علي المتقي: عن ابن عباس، قال: بلغ عمر أن سمرة باع خمرا فقال: قاتل الله سمرة!
أما علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قاتل الله اليهود حرم الله عليهم
الشحوم فجملوها فباعوها. عب. حم والدارمي والعدني خ. م: ن حب وابن الجارود: وابن
جرير. ق (1). وقال: عن عمر، قال: لعن الله فلانا أول من أذن في بيع الخمر وأن
التجارة لا تصح فيما لا يحل أكله وشربه. ش. ق. أي أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف
والبيهقي في السنن . * ورووا أن سمرة قد خلط في فئ المسلمين ثمن الخمر والخنزير،
فلما
(هامش)
(1) كنز العمال 4 / 91. (*)
ص 198
بلغ ذلك عمر استنكره بشدة، قال المتقي: عن ابن عباس قال: رأيت عمر يقلب كفيه وهو
يقول: قاتل الله سمرة عويمل لنا بالعراق، خلط في فئ المسلمين ثمن الخمر والخنزير،
فهي حرام وثمنها حرام عب. ق (1). هذا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله -
فيما روى عنه الحفاظ - من باع الخمر فليشقص الخنازير قال الخازن: أخرجه أبو
داود. قال: والمعنى من استحل بيع الخمر فليستحل بيع الخنازير، فإنهما في التحريم
سواء . بل إنه قد ارتقى في أمر الخمر حتى جعل يدلك جسده بدرديه، الأمر الذي دعا
عمر لأن يلعنه على المنبر، وممن روى ذلك فقيه الحنفية فخر الإسلام السرخسي، حيث
قال: ويكره شرب دردي الخمر والانتفاع به، لأن الدردي من كل شيء بمنزلة صافيه،
والانتفاع بالخمر حرام فذلك بدرديه، وهذا لأن في الدردي أجزاء الخمر، ولو وقعت قطرة
من خمر في ماء لم يجز شربه والانتفاع به، فالدردي أولى، والذي روي أن سمرة بن جندب
رضي الله عنه كان يتدلك بدردي الخمر في الحمام، فقد أنكر عليه عمر رضي الله عنه ذلك
حتى لعنه على المنبر لما بلغه ذلك عنه، وليس لأحد أن يأخذ بذلك بعد ما أنكره عمر
رضي الله عنه (2). * أقول: وقد سبق سمرة بن جندب في هذا الاجتهاد!! خالد بن
الوليد - وهو أحد كبار مجتهدي الصحابة؟! فقد كان مولعا بالخمر غير مرتدع عنه، حتى
لقد وبخه عمر فلم ينته فعزله عن الأمارة، قال الطبري: كتب إلي السري عن شعيب عن
سيف عن أبي عثمان وأبي حارثة قالا: فما زال خالد على قنسرين حتى غزا غزوته التي
أصاب فيها وقسم فيها ما أصاب لنفسه.
(هامش)
(1) كنز العمال 4 / 91. (2) المبسوط 24 / 20. (*)
ص 199
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن أبي المجالد مثله. قالوا: وبلغ عمر أن خالدا دخل
الحمام فتدلك بعد النورة بثخين عصفر معجون بخمر. فكتب إليه: بلغني أنك تدلكت بخمر
وإن الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنه كما حرم ظاهر الإثم وباطنه، وقد حرم مس الخمر
إلا أن تغسل كما حرم شربها، فلا تمسوها أجسادكم فإنها رجس، وإن فعلتم فلا تعودوا.
فكتب إليه خالد: إنا قتلناها فعادت غسولا غير خمر، فكتب إليه عمر: إني أظن آل
المغيرة قد ابتلوا بالجفاء فلا أماتكم الله عليه. فانتهى إليه ذلك (1). وقال ابن
الأثير: وقيل إن خالد بن الوليد حضر فتح الجزيرة مع عياض ودخل حماما بآمد فأطلى
بشيء فيه خمر فعزله عمر (2). وقال ابن خلدون: قيل إن خالدا حضر فتح الجزيرة مع
عياض ودخل الحمام بآمد فأطلى بشيء فيه خمر (3). وقال: وشاع في الناس ما أصاب
خالد مع عياض بن غنم من الأموال، فانتجعه رجال منهم الأشعث بن قيس وأجازه بعشرة
آلاف، وبلغ ذلك عمر مع ما بلغه من تدلكه بالخمر، فكتب إلى أبي عبيدة أن يقيمه في،
المجلس وينزع عنه قلنسوته ويعقله بعمامته ويسأله من أين أجاز الأشعث فإن كان من
ماله فقد أسرف فاعزله واضمم إليك عمله . * قد باع معاوية بن أبي سفيان المجتهد
الأعظم!! الخمر على عهد عثمان بن عفان... قال أبو هلال العسكري: أخبرنا أبو
القاسم بإسناده عن المدائني عن أبي معشر عن محمد بن كعب عن بريدة الأسلمي قال: مر
بعبادة بن الصامت عير تحمل الخمر بالشام [من الشام]، فقال: أزيت هذا؟
(هامش)
(1) تاريخ الطبري 3 / 166. (2) الكامل 2 / 375. (3) تاريخ ابن خلدون المجلد الثاني
956. (*)
ص 200
قالوا: [لا] بل خمر تباع لمعاوية، فأخذ شفرة فشق الروايا، فشكاه معاوية إلى أبي
هريرة، فقال له أبو هريرة: مالك ولمعاوية؟ له ما تحمل إن الله تعالى يقول: تلك أمة
قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم. فقال: يا أبا هريرة إنك لم تكن معنا إذ بايعنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم، بايعناه على السمع والطاعة والأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر [وإن] نمنعه مما نمنع نساءنا وأبناءنا ولنا الجنة، فمن وفى بها لله
[الله] وفى الله له، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه. فكتب معاوية إلى عثمان يشكوه،
فحمله إلى المدينة، فلما دخل عليه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
سيلي أموركم رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى
الله، وعبادة يشهد أن معاوية منهم. فلم يراجعه عثمان (1). 10 - الافتاء بغير علم
لقد كان في الأصحاب من يفتي بغير علم، فهل يكون هكذا شخص كالنجم يهتدى من يقتدي به؟
وإليك بعض الشواهد على ذلك: قال المتقي: عن عاصم بن ضمرة قال: جاء نفر إلى أبي
موسى الأشعري فسألوه عن الوتر فقال: لا وتر في الأذان، فأتوا عليا فأخبروه فقال:
لقد أغرق في النزع وأفرط في الفتيا، الوتر ما بينك وبين صلاة الغداة من أوترت فحسن.
عبا. وابن جرير (2). وكلمة أمير المؤمنين عليه السلام هذه عن أبي موسى كافية
لاثبات جهله وغباوته، وكيف لا يكون أبو موسى كذلك؟ والحال أن النبي صلى الله عليه
وآله
(هامش)
(1) الأوائل لأبي هلال 153. (2) كنز العمال 8 / 47. (*)
ص 201
وسلم كان يوتر عند الأذان، قال أحمد: ثنا أسود ثنا شريك عن أبي إسحاق عن الحرث عن
علي رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر عند الأذان، ويصلي
الركعتين عند الإقامة (1). ومن الغرائب: فتيا أبي موسى بعدم نقض النوم الوضوء،
فقد قال السرخسي: وكان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يقول: لا ينقض الوضوء
بالنوم مضطجعا حتى يعلم بخروج شيء منه، وكان إذا نام أجلس عنده من يحفظه، فإذا
انتبه سأله فإن أخبر بظهور شيء منه أعاد الوضوء (2). وقال الغزالي: وأنكروا على
أبي موسى الأشعري قوله: النوم لا ينقض الوضوء (3). ومن فتاواه الباطلة ما جاء في
[الموطأ] وهذا نصه: مالك عن يحيى ابن سعيد: أن رجلا سأل أبا موسى الأشعري فقال:
إني مصصت عن امرأتي من ثديها لبنا فذهب في بطني، فقال أبو موسى [الأشعري]: لا أراها
إلا قد حرمت عليك. فقال عبد الله بن مسعود: أنظر ما يفتي [ماذا تفتي] به الرجل!!
فقال أبو موسى: فما [ذا] تقول أنت؟ فقال عبد الله بن مسعود: لا رضاعة إلا ما كان في
الحولين. فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحبر بين أظهركم (4). وفي
[المبسوط]: قام ابن مسعود إلى أبي موسى ثم أخذ بأذنه وهو يقول: أرضيع فيكم هذا
اللحياني؟ فقال أبو موسى: لا تسألوني... .
(هامش)
(1) المسند 1 / 111. (2) المبسوط 1 / 78. (3) المستصفى 1 / 186. (4) الموطأ 2 /
607. (*)