نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الرابع

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الرابع

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 204

رواه أبو الحسن الغزنوي في (كشف المحجوب لأرباب القلوب 61) وعنه الشهاب الدولت آبادي في (هداية السعداء) وعبد الرحمن الجشتي في (مرآة الأسرار) ورواه محمد محبوب في (تفسير شاهي) بتفسير قوله تعالى: *(قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين)* عن كتاب (جواهر العلوم).

ص 205

دلالة حديث السفينة

ص 207

ويدل حديث السفينة على إمامة أهل البيت عليهم السلام من وجوه:

 1 - وجوب اتباعهم

 إن هذا الحديث يدل على وجوب اتباع أهل البيت عليهم السلام على الإطلاق، ولا يجب اتباع أحد كذلك - بعد الله ورسوله صلى الله عليه وآله - إلا الإمام كما دريت فيما سبق في وجوه دلالة حديث الثقلين على المطلوب. ويشهد لدلالته على وجوب ابتاعهم مطلقا كلمات عدة من علماء أهل السنة منهم العجيلي الشافعي، وقد تقدم ذكر بعض تلك الكلمات.

 2 - إتباعهم يوجب النجاة

إن هذا الحديث يدل على أن اتباع أهل البيت عليهم السلام يوجب النجاة والخلاص، ومن المعلوم أن كونهم كذلك دليل العصمة، وهي تستلزم الإمامة والخلافة. وقد نص على دلالة الحديث على ذلك جماعة في بيان وجه تشبيههم بالسفينة: قال الواحدي: (أنظر كيف دعا الخلق إلى النسب إلى ولائهم والسير تحت لوائهم بضرب مثله بسفينة نوح عليه السلام، جعل ما في الآخرة من مخاوف

ص 208

الأخطار وأهوال النار كالبحر الذي لج براكبه، فيورده مشارع المنية ويفيض عليه سجال البلية، وجعل أهل بيته عليه وعليهم السلام مسبب الخلاص من مخاوفه والنجاة من متالفه، وكما لا يعبر البحر الهياج عند تلاطم الأمواج إلا بالسفينة، كذلك لا يأمن نفخ الجحيم ولا يفوز بدار النعيم إلا من تولى أهل بيت الرسول صلوات الله عليه وعليهم، وتخلى لهم وده ونصيحته وأكد في موالاتهم عقيدته، فإن الذين تخلفوا عن تلك السفينة آلوا شر مآل وخرجوا من الدنيا إلى أنكال وجحيم ذات أغلال، وكما ضرب مثلهم بسفينة نوح قرنهم بكتاب الله تعالى فجعلهم ثاني الكتاب وشفع التنزيل) (1). وقال السمهودي في تنبيهات الذكر الخامس: (ثانيها قوله صلى الله عليه وسلم: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه، الحديث، ووجهه أن النجاة ثبتت لأهل السفينة من قوم نوح عليه السلام، وقد سبق في الذكر قبله في حثه صلى الله عليه وسلم على التمسك بالثقلين كتاب الله وعترته قوله صلى الله عليه وسلم فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وقوله في بعض الطرق: نبأني اللطيف الخبير، فأثبت لهم بذلك النجاة وجعله وصلة إليها، فتم التمسك المذكور، ومحصله الحث على التعلق بحبلهم وحبهم وإعظامهم شكرا لنعمة مشرفهم صلى الله عليه وعليهم، والأخذ بهدي علمائهم ومحاسن أخلاقهم وشيمهم، فمن أخذ بذلك نجا من ظلمات المخالفة وأدى شكر النعمة الوافرة، ومن تخلف عنه غرق في بحار الكفران وتيار الطغيان فاستوجب النيران) (2). وقال ابن حجر: (ووجه تشبيههم بالسفينة فيما مر: إن من أحبهم وعظمهم شكرا لنعمة مشرفهم صلى الله عليه وسلم وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز (تيار

(هامش)

(1) تفسير الواحدي - مخطوط. (2) جواهر العقدين - مخطوط. (*)

ص 209

ظ) الطغيان) (1).

 3 - دلالته على أفضليتهم

 إن هذا الحديث يدل على أفضلية أهل البيت عليهم السلام من سائر الناس مطلقا، إذ لو كان أحد أفضل منهم - أو في مرتبتهم من الفضل - لأمر الرسول صلى الله عليه وآله بالاقتداء به دونهم، وإلا لزم أن يكون قد غش أمته، وحاشا لله من ذلك.. وقد صرح بدلالة الحديث على ذلك جماعة من أعيان علماء السنة كما تقدم.

 4 - دلالته على وجوب محبتهم

 إن هذا الحديث يدل على وجوب محبة أهل البيت عليهم السلام على الإطلاق، ووجوبها كذلك دليل على وجوب عصمتهم وأفضليتهم والانقياد لهم، كما بحث عن ذلك بالتفصيل في مجلد آية المودة. وكل ذلك يستلزم الإمامة.

 5 - دلالته على عصمتهم

 إن هذا الحديث يدل على أن محبة أهل البيت عليهم السلام توجب النجاة. وهذا المعنى يستلزم عصمتهم، إذ لو كان منهم ما يوجب سخط الباري تعالى لما جازت محبتهم ومتابعتهم فضلا عن وجوبها وكونها سببا للنجاة - وهذا واضح. وإذا ثبتت عصمتهم عليهم السلام لم يبق ريب في إمامتهم..

 6 - من تخلف عنهم ضل

 إن هذا الحديث يدل على هلاك وضلال المتخلفين عن أهل البيت عليهم

(هامش)

(1) الصواعق المحرقة: 91. (*)

ص 210

السلام، وتخلف الخلفاء عنهم من الوضوح بمكان، كما أثبته علماؤنا الأعيان في كتب هذا الشأن، فبطل بهذا خلافتهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وثبتت خلافة سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام.

 7 - هم الميزان لمعرفة المؤمن والكافر

 إن هذا الحديث يدل على أن من اتبعهم كان من المفلحين الناجين، ومن خالفهم وتركهم كان من الكافرين الخاسرين، فبهم وباتباعهم يعرف المؤمن من الكافر، وهذا المعنى أيضا يقتضي الإمامة والرئاسة العامة، لأنه من شؤون العصمة المستلزمة للإمامة.. كما تقدم.

 8 - دلالته على لزوم الإمام في كل عصر

 إن هذا الحديث يدل على لزوم وجود إمام معصوم من أهل البيت عليهم السلام في كل زمان إلى يوم القيامة، ليتسنى للأمة في جميع الأدوار ركوب تلك السفينة والنجاة بها من الهلاك، فهو إذا يدل على صحة مذهب أهل الحق وبطلان المذاهب الأخرى، كما لا يخفى.

 9 - الجمع بين حديثي الثقلين والسفينة

 لقد جاء حديث السفينة بعد حديث الثقلين في سياق طويل بحيث لا يبقى ريب لمن لاحظه في دلالته على مطلوب أهل الحق.. وذلك ما رواه أبو عبد الله محمد بن مسلم بن أبي الفوارس الرازي في صدر كتابه (الأربعين في فضائل أمير المؤمنين) حيث قال: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فهما خليفتان بعدي، أحدهما أكبر من الآخر سبب موصول من السماء إلى الأرض، فإن استمسكتم بهما لن تضلوا، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة، فلا تسبقوا أهل بيتي بالقول فتهلكوا ولا تقصروا عنهم

ص 211

فتذهبوا، فإن مثلهم فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك، ومثلهم فيكم كمثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له، ألا وإن أهل بيتي أمان لأمتي فإذا ذهب أهل بيتي جاء أمتي ما يوعدون، ألا وإن الله عصمهم من الضلالة وطهرهم من الفواحش واصطفاهم على العالمين، ألا وإن الله أوجب محبتهم وأمر بمودتهم، ألا وإنهم الشهداء على العباد في الدنيا ويوم المعاد، ألا وإنهم أهل الولاية الدالون على طرق الهداية، ألا وإن الله فرض لهم الطاعة على الفرق والجماعة، فمن تمسك بهم سلك ومن حاد عنهم هلك. ألا وإن العترة الهادية الطيبين دعاة الدين وأئمة المتقين وسادة المسلمين، وقادة المؤمنين وأمناء العالمين على البرية أجمعين، الذين فرقوا بين الشك واليقين وجاؤا بالحق المبين) (1).

 10 - الحديث في سياق آخر

 لقد ورد هذا الحديث في سياق يدل دلالة واضحة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم يريد بذلك النص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام من بعده. وقد جاء ذلك في حديث رواه أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي: (عن أبي سعيد الخدري، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة الأولى ثم أقبل بوجهه الكريم علينا فقال: يا معاشر أصحابي إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطة في بني إسرائيل، فتمسكوا بأهل بيتي بعدي الأئمة الراشدين من ذريتي، فإنكم لن تضلوا أبدا، فقيل: يا رسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال: اثنا عشر من أهل بيتي - أو قال - من عترتي) (2).

 فإنه يدل على إمامة أهل البيت عليهم السلام من جهات:

 1 - تشبيهه صلى الله عليه وآله أهل البيت بسفينة نوح.

(هامش)

(1) الأربعين لابن أبي الفوارس - مخطوط. (2) مسند الفردوس. (*)

ص 212

2 - تشبيههم بباب حطة. 3 - أمره صلى الله عليه وسلم الأصحاب بالتمسك بهم. 4 - وصفهم بالأئمة الراشدين. 5 - ذكر أنهم لن يضلوا إن تمسكوا بهم. 6 - كون الأئمة من بعده اثني عشر من أهل بيته.

11 - الحديث في سياق ثالث

 لقد جاء هذا الحديث ضمن كلام للرسول صلى الله عليه وآله، خاطب به عليا عليه السلام بأسلوب بديع وسياق رفيع لا يرتاب في كونه نصا في الإمامة إلا مكابر عنيد.. جاء ذلك في (ينابيع المودة) وهذا لفظه: (أخرجه الحمويني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي أنا مدينة الحكمة وأنت بابها ولن تؤتى المدينة، إلا من قبل الباب، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغضك، لأنك مني وأنا منك لحمك من لحمي ودمك من دمي، وروحك من روحي وسريرتك من سريرتي، وعلانيتك من علانيتي، وأنت إمام أمتي ووصيي، سعد من أطاعك وشقي من عصاك وربح من تولاك وخسر من عاداك، فاز من لزمك وهلك من فارقك، ومثلك ومثل الأئمة من ولدك مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومثلكم مثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة) (1).

 12 - معنى الحديث في كلام الرسول صلى الله عليه وآله

 لقد جاء معنى هذا الحديث ضمن حديث يدل بوجوه عديدة على إمامة أهل البيت عليهم السلام، بحيث لو تأمله عاقل لم يخالجه أي شك في دلالته على

(هامش)

(1) ينابيع المودة 130. (*)

ص 213

مطلوب أهل الحق، وقد روى ذلك الحديث الهمداني في (مودة القربى) والبلخي القندوزي: (عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين فيوال عليا بعدي وليعاد عدوه وليأتم بالأئمة الهداة من ولده، فإنهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على خلقه بعدي وسادة [سادات] أمتي وقادة [قادات] الأتقياء إلى الجنة، حزبهم حزبي وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان) (1).

13 - الحديث مع حديث الأشباح

 لقد جاء هذا الحديث في حديث الأشباح الخمسة بنهج يدل بوضوح على إمامة أهل البيت عليهم السلام. وهو ما رواه صدر الدين الحموئي بسنده: (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لما خلق الله تعالى أبا البشر ونفخ فيه من روحه، إلتفت آدم يمنة العرش فإذا نور خمسة أشباح سجدا وركعا، قال آدم: يا رب هل خلقت أحدا من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم. قال: فمن هؤلاء الخمسة الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك، لولاهم ما خلقتك ولولاهم ما خلقت الجنة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجن، هؤلاء الخمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العالي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الاحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين، آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال حبة من خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري ولا أبالي. يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أنجيهم وأهلكهم، فإذا كان لك إلي حاجة فبهؤلاء توسل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن سفينة النجاة من تعلق بها نجا ومن

(هامش)

(1) ينابيع المودة ص 258. (*)

ص 214

حاد عنها هلك، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت) (1).

14 - الحديث مع حديث باب حطة

 لقد جمع رسول الله صلى الله عليه وآله بين حديث السفينة - في طرق عديدة من طرقه - وحديث باب حطة.. وقد ثبت دلالة حديث باب حطة على وجوب اتباع أهل البيت عليهم السلام مطلقا، وعلى عصمتهم وطهارتهم من الرجس، وعلى كفر المعرضين عنهم والمخالفين لهم.. فهكذا حديث السفينة يفيد ذلك كله، وبكل منهما يتم مطلوب أهل الحق.

 15 - في كلام أمير المؤمنين عليه السلام

 لقد جمع أمير المؤمنين عليه السلام بين حديث السفينة وباب حطة قائلا - فيما رواه السيوطي كما تقدم - (إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكباب حطة في بني إسرائيل) أي: إن الانقياد لهم والانقطاع إليهم سبب لنجاة الأمة كما نجا من ركب سفينة نوح ومن دخل باب حطة.. وهذا المقام لا يكون إلا للإمام عليه السلام.

 16 - الحديث مع حديث الثقلين في كلامه عليه السلام

 لقد جمع أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له - رواها اليعقوبي كما تقدم - بين حديث السفينة وحديث الثقلين فأشار فيها إلى واقعة الغدير أيضا.. وهذا يفيد أن حديث السفينة من براهين إمامته عليه السلام مثلهما.

(هامش)

(1) فرائد السمطين 1 / 36. (*)

ص 215

17 - إهتمام أبي ذر بحديث السفينة

لقد اهتم سيدنا أبو ذر رضوان الله عليه بشأن حديث السفينة، وهذا الاهتمام البالغ يكشف عن اعتقاده بدلالة هذا الحديث على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا هو الذي يرغم آناف الأعداء اللئام، ويرفع رؤوس الأولياء الكرام.

18 - الحديث مع حديث باب حطة في روايته

 إنه رضوان الله تعالى عليه قرن - في رواية الطبراني وغيره - بين حديث السفينة وحديث باب حطة.. وهو يدل على المطلوب كما سبق.

19 - كلام أبي ذر رضي الله عنه

 لقد علم من رواية ابن الصباغ المالكي وغيره: أن أبا ذر صعد على عتبة باب الكعبة ثم ذكر حديث السفينة، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: إجعلوا أهل بيتي فيكم مكان الرأس من الجسد ومكان العينين من الرأس.. وهذا دليل واضح على عصمة أهل البيت عليهم السلام وإمامتهم وخلافتهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله.

 20 - جمعه بينه وبين حديثي الثقلين وباب حطة

 لقد جمع أبو ذر رضي الله عنه - فيما رواه البلخي القندوزي - بين هذا الحديث وحديثي باب حطة والثقلين... وهو أيضا دليل على المطلوب.

ص 217

دحض مناقشات الدهلوي في دلالة حديث السفينة

ص 219

وبعد، فلنأت على كلمات الدهلوي حول دلالة حديث السفينة، لنبين فساد مزاعمه وبطلان دعاويه في المقام، فنقول وبالله التوفيق: قوله: وكذلك حديث: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. فإنه لا يدل إلا على الفلاح والهداية الحاصلين من حبهم والناشئين من اتباعهم، وأن التخلف عن حبهم موجب للهلاك.

 إعتراف الدهلوي بحصول الفلاح بحب أهل البيت

 أقول: إذا كان (الدهلوي) يعترف بذلك، فلم لا يعترف بإمامة أهل البيت عليهم السلام؟ فلقد علمت أن إيجاب موالاتهم ومحبتهم يستلزم خلافتهم وإمامتهم، على أنه سيأتي اعترافه بأن الإمام هو من أوجب اتباعه النجاة في الآخرة. قوله: وهذا المعنى - بفضل الله تعالى - يختص به أهل السنة من بين الفرق الإسلامية كلها.

ص 220

أقول: إن من المعلوم لدى كل عاقب بصير أنه ليس لأهل السنة من ولاء أهل البيت عليهم السلام واتباعهم نصيب أصلا، فضلا عن أن يكون خاصا بهم، كيف وهم يوالون بل يقتدون بمن ظلمهم وحاربهم وسبهم وسمهم وأبغضهم وانحرف عنهم! هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنهم ينفون فضلهم وينكرون عصمتهم ويخطؤونهم في الأقوال والأفعال ولا يعتبرون بإجماعهم.. كما لا يخفى على من راجع كتبهم الكلامية والأصولية!! وهل هذا الذي زعمه (الدهلوي) إلا مباهتة تتحير منها الأحلام والأذهان؟ قوله: لأنهم متمسكون بحبل وداد أهل البيت جميعهم حسب ما يريد القرآن: *(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض.. *) وموقفهم من ذلك كموقفهم من الأنبياء: *(لا نفرق بين أحد من رسله..)* فلا يؤمنون ببعضهم ويعادون غيرهم.

 هل أهل السنة متمسكون بأهل البيت

 أقول: هذه دعوى باطلة لا يسندها أي دليل، ولعمري أنه يتذكر المرء منها قوله عز وجل: *(إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون)*(1). وقوله تعالى: *(ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون)*(2).

(هامش)

(1) سورة المنافقون - 1. (2) سورة البقرة - 9. (*)

ص 221

وقوله تعالى: *(ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام)*(1). وقوله تعالى: *(قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله)*(2). وقوله تعالى: *(ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون)*(3). وقوله تعالى: *(يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم)*(4). وقوله تعالى: *(يحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون)*(5). وقوله تعالى: *(ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون)*(6). وقوله تعالى: *(يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون)*(7). وقوله تعالى: *(لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله..)*(8). وقوله تعالى: *(قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم.)*(9).

(هامش)

(1) سورة البقرة - 204. (2) سورة آل عمران - 29. (3) سورة النساء - 81. (4) سورة المائدة - 41. (5) سورة التوبة - 56. (6) سورة المجادلة - 14. (7) سورة المجادلة - 18. (8) سورة المجادلة - 22. (9) سورة آل عمران - 118. (*)

ص 222

وقوله تعالى: *(يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون)*(1). ولنعم ما قال بعض علمائنا الأعلام في جواب مخاطبنا في هذا المقام: إن دعوى التمسك بحبل وداد العترة من دون التبرؤ من أعاديهم غير مسموعة كما قيل: تود عدوي ثم تزعم أنني * صديقك، إن الرأي عنك لعازب إذ ليس التمسك بمجرد إظهار الود باللسان، كما أن قوله (حسبنا كتاب الله) من غير عمل به غير مفيد، وحال الثقلين - أعني أهل البيت مع القرآن - في التمسك سواء لقران العترة بالقرآن. وبالجملة: فلو جاز لأهل السنة أن يدعوا موالاة أهل البيت عليهم السلام - مع اتباعهم لأعدائهم أمثال عائشة وطلحة والزبير ونظرائهم - جاز القول بموالاة الشيعة للشيخين وأنصارهما - مع لعنهم إياهم وطعنهم فيهم على ضوء ما جاء في كتب أهل السنة!! إنتهى كلامه، رفع في الخلد مقامه.

نماذج من تقولاتهم على أهل البيت

 أضف إلى ذلك: ما في كتب أهل السنة من الكلمات والأقاويل الشنيعة في حق أهل البيت عليهم السلام، وهي كثيرة جدا، يجدها المتتبع الخبير، وذلك من أقوى البراهين على عدائهم للعترة الطاهرة، ومن أوضح الشواهد على بطلان دعوى الموالاة وكذبها، ونحن نكتفي هنا بذكر بعض كلمات والد (الدهلوي) والإشارة إلى بعضها الآخر، وذلك من باب الاضطرار (والضرورات تبيح المحظورات): قال ولي الله الدهلوي:

(هامش)

(1) سورة آل عمران - 167. (*)

ص 223

(وليعلم أنه صلى الله عليه وسلم أخبر - في أحاديث متواترة معنى - بمقتل عثمان وأنه ستقع فتنة عظيمة قبيل مقتله بحيث تتغير أحوال الناس وينتشر بلاؤها، فمدح الزمان السابق عليها وذم التالي لها، وأطال في بيان تلك الفتنة بحيث لم يخف على أحد مطابقة ما ذكر لما وقع. ولقد أوضح بأبلغ بيان: بأنه سينقطع الخلافة الخاصة بسبب تلك الفتنة وتنتهي بها بقية بركات أيام النبوة.. وقد تحقق ما ذكر ووقعت الفتنة على وجه لم يتمكن المرتضى من الخلافة، برغم رسوخ قدمه في السوابق الإسلامية وكثرة تحليه بأوصاف الخلافة الخاصة، ورغم انعقاد البيعة ووجوب انقياد الرعية، فلم ينفذ حكمه في أقطار الأرض ولم يسلم لحكمه المسلمون، وانقطع الجهاد في عهده وتفرقت كلمة المسلمين، وقد حاربه الناس في وقائع عظيمة، فرفعوا يده عن التصرف في البلاد وتضيقت دائرة سيطرته يوما فيوما، لا سيما بعد التحكيم، إلى أن لم يصف له منها سوى الكوفة وما والاها، وهذه الأمور وإن لم تؤثر على صفاته الكاملة النفسانية، إلا أن مقاصد الخلافة لم تتحقق على وجهها. ولما تمكن معاوية بن أبي سفيان اتفق الناس عليه وزالت الفتنة من بين الأمة الإسلامية) (1). وفيه أيضا ما ملخصه: أنه قد ضعفت أركان الدين الإسلامي منذ خلافة أمير المؤمنين عليه السلام فما بعد، واستشهد لذلك بأن الإمام عليه السلام لم يحج بنفسه في زمن خلافته بل لم يتمكن - في بعض الأعوام - من إرسال نائب عن قبله لإمارة الحج.. وكرر في موضع آخر من كتابه المذكور القول بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أشار إلى الفتنة التي تنتهي بمقتل عثمان، وزعم: (أنه - صلى الله عليه وآله - جعل تلك الفتنة الحد الفاصل بين زمان الخير وزمان الشر، وأخبر بتحول الخلافة على منهاج النبوة من ذلك الحين إلى ملك

(هامش)

(1) إزالة الخفا عن تاريخ الخلفا، الفصل الخامس من الجزء الأول. (*)

ص 224

عضوض، وتدل كلمة (عضوض) على وقوع الحروب والفتن وقيام الواحد في وجه الآخر والنزاع على الملك). وقال في آخر المقصد الأول ما ملخصه: (إن الغاية من الخلافة هي إصلاح الناس وهدايتهم، ولم تحقق خلافة المرتضى هذه الغاية، ولم يكن من واجب الأمة النضال تحت رايته كما كانت مأمورة بذلك تحت راية المشايخ الثلاثة، ولقد وجدنا - كما دلت على ذلك الأحاديث - انقطاع العناية الربانية في عصره بالرغم من نزولها على الأمة في عصور أولئك باستمرار، وأن الخير - وهو عبارة عن ائتلاف المسلمين واتحادهم - مفقود في عصره، ولم يتحقق فيه قوله تعالى: *(وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم)* إذ لم تحصل له السيطرة والقوة لدفع الكفار وإعلاء كلمة الإسلام، ولم يتحقق قوله تعالى: *(واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا)* إذ لم ينفذ حكمه في جميع الأمة. مع أن ذلك قد حصل وتحقق للمشايخ الثلاثة، وهذا من أقوى وجوه أفضليتهم..) (1). هذا، ولشاه ولي الله الدهلوي كتاب سماه ب‍ (قرة العينين في تفضيل الشيخين) حاول فيه تفضيلهما على أمير المؤمنين عليه السلام بأكاذيب وأباطيل مفضوحة، وباستدلالات باردة ووجوه سخيفة لا تبعث إلا من العناد والبغض، ومن ذلك قوله: (والذين خالفوا المرتضى وقاتلوه مجتهدون لكنهم مخطئون) وقد ذكر فيه تفضيل الشيخين على الإمام عليه السلام، وأن النبي صلى الله عليه وآله قد بشرهما بالخلافة، وأنه ستطبق الأحكام الدينية على عهدهما وتقع الفتوح على أيديهما.. بخلاف المرتضى. وقال أيضا: (والدين عبارة عما اجتمع الناس عليه ونقل عن الإمام، ولقد

(هامش)

(1) إزالة الخفا 2 / 572 - 573. (*)

ص 225

اختلف أصحاب المرتضى في فهم كلماته على مذاهب شتى، فمنهم من روى عنه - مثلا - براءته من دم عثمان رضي الله عنه، ومنهم من فهم من قوله: قتله الله وأنا معه - قال ابن سيرين: رواه ابن أبي شيبة - رضاه بقتله، وهكذا في كل قضية مشكلة من فقه وغيره كمسألة تحريم المتعة وغسل الرجلين، فقد وقعوا في حيرة في تطبيق كلماته وبذلك فتح باب الاختلاف). وقال: (كان أصحاب الشيخين متأدبين بآداب الشرع وراغبين في الخير ولم يظهر من أحد منهم فعل شنيع أبدا، وأما أصحاب المرتضى فكان أكثرهم أصحاب طمع وحرص وحقد وحسد..). وقال: إن المرتضى أغلق في عصره باب الجهاد، فالشيخان أفضل وأرجح منه بهذا الاعتبار. كما فضلهما عليه - عليه السلام - باعتبار الصفات القلبية، فذكر أن المرتضى سعى وراء الخلافة وحارب من أجل الحصول على الجاه وهذا ينافي الزهد، قال: إن أعظم أنواع الورع ترك المقاتلات بين المسلمين كما كان من الشيخين، بخلاف المرتضى. وهكذا فضلهما عليه في التواضع والزهد والعبادة وحسن الخلق كما انتقص علم الإمام فقال: (بل وقع الغلط من المرتضى في مسألة فقهية: عن عكرمة: إن عليا حرق قوما ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لقتلتهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه، ولم أكن لأحرقهم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تعذبوا بعذاب الله. فبلغ ذلك عليا فقال: صدق ابن عباس. أخرجه الترمذي) (1). كما انتقص فصاحة الإمام عليه السلام وسياسته، وأنكر انتفاع الإسلام

(هامش)

(1) قرة العينين 149. (*)

ص 226

والمسلمين به، وقال بالنسبة إلى قضية مؤاخات الرسول صلى الله عليه وآله مع الإمام عليه السلام: (إن قضية المؤاخاة توحي بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يؤاخ أحدا لحاجة منه إليه، لكثرة أصحابه وخدامه من المهاجرين والأنصار، وإنما شرف المرتضى بالأخوة لحزنه وبكائه) (1). أقول: والأفظع الأشنع من ذلك كله ما ذكره من أباطيل وسطره من أكاذيب تحت عنوان (مطاعن الإمام عليه السلام)، ومن شاء فليراجع كتابه (قرة العينين) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قوله: بخلاف الشيعة، إذ لا يوجد من بينهم فرقة تحب أهل البيت جميعا، فبعضهم يوادون طائفة ويكرهون الباقين، والبعض الآخر على العكس.

 المراد من (أهل البيت) الأئمة المعصومون

 أقول: لقد ظهر مما سبق بالتفصيل أن ليس المراد من (أهل البيت) في حديث الثقلين وحديث السفينة إلا الأئمة من عترة الرسول صلى الله عليه وآله، الذين ثبتت عصمتهم وطهارتهم، ولا ريب في أن الإمامية الاثني عشرية يوالون جميعهم وينقادون إليهم في الاعتقادات والعبادات مطلقا، وأما سائر الفرق - كالزيدية والاسماعيلية وغيرهم - فليسوا بشيعة على الحقيقة وإن تسموا بهذا الاسم، لأنهم يعرضون عن بعض الأئمة الاثني عشر ويبغضونهم، فهم كالنواصب والخوارج عندنا في الحكم.

(هامش)

(1) نفس المصدر 163. (*)

ص 227

قوله: وأما أهل السنة فليسوا كذلك، بل يروون أحاديث جميعهم ويستندون إليها، كما تشهد بذلك كتبهم في التفسير والحديث والفقه. أقول: لا يخفى على أهل العلم والبصيرة، أن اتباع أهل السنة للعترة يشبه اتباع المنافقين لرسول الله صلى الله عليه وآله، بل كانت دعوى أولئك أصدق من دعوى هؤلاء، لأن السنة يدعون ذلك في الوقت الذي يأخذون أصولهم من الأشعري والماتريدي وأمثالهما، ويقلدون في الفروع مالكا وأبا حنيفة وأحمد والشافعي، وأما المنافقون فإنهم - وإن شاقوا الرسول وعاندوه - لم ينتموا - في الظاهر - إلى الكفار واليهود والنصارى.. وأما ما ذكره من روايتهم لأحاديث أهل البيت عليهم السلام، فالجواب أن الرواية أعم من الاتباع، ولنعم ما قال بعض الأعلام في هذا المقام: (لو كان مجرد نقل الرواية عن أحد دليلا للولاء والاتباع، لكان البخاري الراوي عن الخوارج تابعا لهم وراكبا سفينتهم، فلا يكون من ركاب سفينة أهل البيت عليهم السلام، وإلا لزم اجتماع النقيضين).

طعن القوم في روايات أئمة أهل البيت ومقاماتهم

 بل إنا لا نسلم نقل أهل السنة عن أهل البيت عليهم السلام جميعا رواياتهم واستنادهم إليها، وتلك كلمات أكابرهم القبيحة وعباراتهم البذيئة في شأن روايات الأئمة الطاهرين، بل في ذواتهم المقدسة من حيث النقل والرواية والعلم والمذهب موجودة في كتبهم، أمثال (منهاج السنة) و(كتب والد الدهلوي) بل (التحفة).. ولننقل في هذا المقام طرفا في كل واحد من الأئمة الاثني عشر عليهم السلام باختصار:

ص 228

1 - أمير المؤمنين عليه السلام

 قال ابن تيمية: (وأما الكتاب المنقول عن علي ففيه أشياء لم يأخذ بها أحد من العلماء..) (1). وفيه: (وقد جمع الشافعي ومحمد بن نصر المروزي كتابا كبيرا في ما لم يأخذ به المسلمون من قول علي، لكون قول غيره من الصحابة أتبع للكتاب والسنة) (2). وفيه: (ولم يعرف لأبي بكر فتيا ولا حكم خالف نصا، وقد عرف لعمر وعثمان وعلي من ذلك الشياء، والذي عرف لعلي أكثر مما عرف لهما..) (3). ونقل السبكي بترجمة المروزي عن أبي إسحاق الشيرازي: أن المروزي (صنف كتابا في ما خالف فيه أبو حنيفة عليا وعبد الله رضي الله عنهما) (4). وقال والد الدهلوي ما ملخصه: أن الشيخين أفضل من الإمام عليه السلام باعتبار نشر العلوم الإسلامية أيضا، فالقراء لم يأخذوا بقراءته إلا أصحاب عبد الله بن مسعود من أهل الكوفة، وأما الحديث فإنهما نصبا المحدثين في مختلف البلاد، وأما الإمام عليه السلام فلم ينصب أحدا لذلك، والمرتضى في الحديث في رتبة ابن مسعود لكن أصحاب ابن مسعود فقهاء ثقات، ورواة حديث علي مجهولون فلم يصح من حديثه إلا ما رواه ابن مسعود عنه، وأما أهل المدينة والشام فلم يرووا عنه إلا القليل. وأما الفقه فإن أمهات المسائل الفقهية هي المسائل الإجماعية لعمر، وليس في (موطأ مالك) و(مسند أبي حنيفة) و(آثار الإمام محمد) و(مسند الشافعي) التي عليها العمل عند أكثر المسلمين عن المرتضى إلا أحاديث معدودة مرفوعة وآثار

(هامش)

(1) منهاج السنة 4 / 217. (2) المصدر نفسه 4 / 217. (3) المصدر نفسه. (4) طبقات السبكي 2 / 247. (*)

ص 229

موقوفة) (1).

2 - الحسنان عليهما السلام

 قال ابن تيمية: (وأما الحسن والحسين فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهما صغيران في سن التمييز، فروايتهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قليلة) (2). وقال: (وأما كونهما أزهد الناس وأعلمهم في زمانهم فهذا قول بلا دليل، وأما قوله: (وجاهدا في الله حق جهاده حتى قتلا، فهذا كذب عليهما) (3). وقال السبكي: (لكن الحسن رضي الله عنه فلم تتسع مهلته، ولم تبرز أوامره ولا عرفت طريقته، لقلة المدة) (4). أقول: وإذا لم تعرف طريقته فكيف يقال: إن أهل السنة يتبعون أهل البيت وهو من أئمتهم؟! بل نفى ابن حجر المكي أن يكون الإمام الحسن عليه السلام خامس الخلفاء الراشدين.. فقد قال في (المنح المكية بشرح الهمزية) ما نصه: (ومما يبطل توجيه تلك الكلمة ما ذكرته في مختصري (تاريخ الخلفاء) للحافظ السيوطي: أن رجلا سمى يزيد أمير المؤمنين، فأمر عمر بن عبد العزيز - خامس أو سادس الخلفاء الراشدين، ولا يرد الحسن رضي الله عنه على الذين عبروا بالأول فإنه وإن كان منهم بنص الحديث الصحيح على أن الخلافة بعده صلى الله عليه وسلم ثلاثون سنة، ومدة خلافته ستة أشهر تكملة هذه الثلاثين، لأنها لم تطل ولم يدن له ما دان للأربعة من جميع بلاد الإسلام، فكأنه اندرج في خلافة أبيه فهما كرجل واحد، فهو من الأربعة، وحينئذ تعين أن خامسهم عمر رضي الله عنه

(هامش)

(1) قرة العينين 150 - 152. (2) منهاج السنة. (3) منهاج السنة 2 / 151. (4) الابهاج في شرح المنهاج 2 / 367. (*)

ص 230

بضربه عشرين سوطا) الخ.

 تحقيق في ما نسب إلى الإمام الحسن من كثرة التزويج والطلاق

 وقال ابن الهمام (1) في كتابه (فتح القدير) في كتاب الطلاق: (وأما وصفه فهو أبغض المباحات إلى الله تعالى، على ما رواه أبو داود وابن ماجة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أبغض المباحات عند الله الطلاق، فنص على إباحته وكونه مبغوضا، وهو لا يستلزم ترتب لازم المكروه الشرعي إلا لو كان مكروها بالمعنى الاصطلاحي، ولا يلزم ذلك من وصفه بالبغض إلا لو لم يصفه بالإباحة، لكنه وصفه بها لأن أفعل التفضيل بعض ما أضيف إليه، وغاية ما فيه أنه مبغوض إليه سبحانه وتعالى ولم يترتب عليه ما رتب على المكروه. ودليل نفي الكراهة قوله تعالى: *(لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن)* وطلاقه صلى الله عليه وسلم حفصة، ثم أمر سبحانه وتعالى أن يراجعها فإنها صوامة قوامة. وبه يبطل قول القائلين: لا يباح إلا لكبر، لطلاق سودة، أو ريبة، فإن طلاقه حفصة لم يقرن بواحد منهما. وأما ما روي: لعن الله كل ذواق مطلاق، فمحمله الطلاق بغير حاجة، بدليل ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة اختلعت من زوجها بغير نشوز فعليها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ولا يخفى أن كلامهم فيما سيأتي من التعاليل يصرح بأنه محظور، لما فيه من كفران نعمة النكاح وللحديثين المذكورين وغيرهما، وإنما أبيح للحاجة والحاجة ما ذكرنا في بيان سببه، فبين الحكمين منهم تدافع.

(هامش)

(1) وهو: محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام، من أئمة الحنفية في الفقه والأصول وغيرهما. له: فتح القدير في شرح الهداية في الفقه، والتحرير في أصول الفقه. وغيرهما من المصنفات، توفي سنة 861 توجد ترجمته في: الضوء اللامع 8 / 127، الفوائد البهية في تراجم الحنفية 180، شذرات الذهب 7 / 289. (*)

ص 231

والأصح حظره إلا لحاجة للأدلة المذكورة، ويحمل لفظ المباح على ما أبيح في بعض الأوقات، أعني أوقات تحقق الحاجة المبيحة وهو ظاهر في رواية لأبي داود: ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق، وأن الفعل لا عموم له في الزمان غير أن الحاجة لا تقتصر على الكبر والريبة، فمن الحاجة المبيحة أن يلقى إليه عدم اشتهائها بحيث يعجز أو يتضرر بإكراهه نفسه على جماعها، فهذا إذا وقع فإن كان قادرا على طول غيرها مع استبقائها ورضيت بإقامتها في عصمته بلا وطئ أو بلا قسم فيكره طلاقه، كما كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسودة، وإن لم يكن قادرا على طولها أو لم ترض هي بترك حقها فهو مباح، لأن مقلب القلوب رب العالمين. وأما ما روي عن الحسن، وكان قيل له في كثرة تزوجه وطلاقه، فقال: أحب الغنى، قال الله تعالى: *(وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته)* فهو رأي منه إن كان على ظاهره! وكل ما نقل عن طلاق الصحابة رضي الله عنهم كطلاق عمر رضي الله عنه أم عاصم، وعبد الرحمن بن عوف تماضر، والمغيرة بن شعبة الزوجات الأربع دفعة واحدة فقال لهن: أنتن حسنات الأخلاق ناعمات الأطواق طويلات الأعناق، إذهبن فأنتن طلاق! فمحمله وجود الحاجة مما ذكرنا. وأما إذا لم تكن حاجة فمحض كفران نعمة وسوء أدب فيكره، والله سبحانه وتعالى أعلم). قلت: وقد رد عليه العلامة المحقق محمد معين السندي (1) بما لا مزيد عليه، ولننقل كلامه بطوله، فإنه قال بعد ذكر حجية عمل أهل البيت عليهم السلام: (وعلى هذا الذي اعتقد في أهل بيت النبوة أنتقد على إمام الحنفية كمال الدين ابن الهمام في موضعين من كتابه (فتح القدير)، فقد أحرق قلبي بما أفرط

(هامش)                  

(1) في نزهة الخواطر 6 / 347: (مولانا محمد معين السندي: الشيخ الفاضل العلامة محمد معين بن محمد أمين السندي، أحد العلماء المبرزين في الحديث والكلام والعربية). (*)

ص 232

فيهم مع وفور علمه وحسن سيرته وشمائله، فسرنا الله وإياه بجميل عفوه ورحمته بعزهم وجاههم، على جدهم وعليهم أفضل الصلاة والتسليمات: أحدهما: في مباحث الطلاق، حيث ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله كل ذواق مطلاق، وحرم بذلك فعله، ثم قال: وأما ما فعله الحسن رضي الله عنه فرأي منه! يعني ما فعله رضي الله تعالى عنه من كثرة الطلاق فرأي منه في مقابلة النص من غير تمسك بنص آخر، ولا جواب عن هذا فلا يقبل، فإن ما يكون بتمسك من نص أو جواب عما يرد عليه ليس هذا عنوان ذكره، فيفيد عدم قبوله قوله رضي الله عنه، مع أن الحنفية يقبلون ألف رأي كذلك عن علمائهم، ويرتكبون لأقوالهم تأويل النصوص، بل يدعون نسخها حماية لهم، ولا يأتون في آرائهم بمثل هذا القول الذي جاء به إمام من أئمتهم في رأي الحسن رضي الله تعالى عنه غير مبال لإصلاحه وطرحه محجوبا بالحديث!. وثانيهما: في باب الغنائم حيث تكلم على قول أبي جعفر محمد بن علي الباقر رضي الله تعالى عنهما، فيما أخبر به عن جده علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه كان يرى سهم ذوي القربى، لكن لم يعطهم مخافة أن يدعى عليه بخلاف سيرة أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، بكلام محصوله كون خبره ذلك خلاف الواقع، فيكون ذلك إما من جهله بمذهب علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أو سهوه أو نسيانه أو كذبه عليه لترويج مذهبه ومذهب الأئمة من ولده! وكل ذلك تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، ولو كان رأيا من أبي جعفر رضي الله تعالى عنه فرده بما بدا له من الدليل لكان أهون من رد ما روى وأخبر به. فالفجيعة كل الفجيعة على الأمة أن خلت كتب المذاهب الأربعة عن مذهب أئمة أهل البيت رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ثم إذا وجد شيء من ذلك يعارض بمثل هذا!! ولقد سبقت منا رسالة مفردة في انتقاد الموضعين تكلمنا فيها على الثاني، واستوفينا الكلام في الجواب عن الإمام الحق رضي الله تعالى عنه، فلنكتف به ولنتكلم على الأول:

ص 233

فاعلم أن الأئمة الطاهرين رضي الله تعالى عنهم يحرمون الرأي والقياس، ولهذا لما دخل أبو حنيفة على جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنه - على ما حكاه الشعراني في اللواقح - قال له: بلغني أنك تقيس، لا تقس، فإن أول من قاس إبليس، فإسناد ذلك إلى الإمام الحسن باطل، وإنما عملهم على النصوص والإلهام والكشف والفهم من الله سبحانه في معانيها. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن في هذا الحديث كل ذواق مطلاق، فخص ما عم، فأفاد النهي عن كثرة الطلاق المسبب بكثرة التلذذ من صاحبه بالنساء لرداءة حاله في شره شهوته المفضي إلى ارتكاب أبغض المباحات إلى الله تعالى، فالمطلاق لا للذوق بل لأمر صحيح في نفسه لا يتوجه إليه هذا اللعن، كالذي اتفق له في كل زوجة ما لم يضيق الشرع في دفعه عن نفسه، كالمرض الساري أو العقم ولم يكن قادرا إلا على نفقة الواحدة أو النشوز أو الفسق أو غيرها، أو يكون طبيبا يريد الاطلاع على ما يختص بطبائعهن مما يتيسر من غير محرميته نكاح بجماعة منهن، وهذا مما أخبر به بعض المتبصرين بالطبائع المختصة بهن عن نفسه وعمله، أو يكون فقيها يريد الاطلاع على دقائق مسائل الحيض مما يتوقف على المحرمية، وكل ذلك مقاصد صحيحة لكثرة الطلاق، ولا يصدق على أحد ممن يطلق لما ذكر (ذواق) فإنه ظاهر فيمن حمله كثرة الذوق بعسيلة الجماع على كثرة الطلاق، فإذا كان اللفظ ظاهرا في مثل هذا المحمل، ولم يكن نصا في معارضة العمل من مثله رضي الله تعالى عنه، يجب أن يحمل على أحسن المحامل ولو على الإرسال وعدم التعين لها، فيقال: النهي مخصوص بكل حريص شره لا يحمله على الطلاق إلا الشهوة واللذة، وأدنى المقبلين على الآخرة فضلا عن المتوجهين إلى الله تعالى يستنكف أن يرتكب ذلك لذلك، كما لا يخفى هذا على من شاهد بعده عن بعض المشتغلين بالخير في زماننا، فما ظنك بالامام الحق سيد أقطاب الله في أرضه. فكان الواجب أن يقول: وأما ما فعله الإمام الحسن رضي الله تعالى عنه

ص 234

فله في ذلك مقاصد حسنة لا ترد بها الحديث حجة، فما أحوجه إلى ذلك وترك ما قال، لما عرفت أن الحديث ليس متعينا في معارضة فعله رضي الله تعالى عنه، بل عندنا معارضة الأحاديث الصحيحة بعمل هؤلاء الأئمة رضي الله تعالى عنهم والثابت عنهم ثبوت الحديث المعارض عن النبي صلى الله عليه وسلم على فرض وجودها لها حكم معارضة النصوص بعضها ببعض، فإن فهم الجمع فيها وإلا يتوقف، مع الجزم بأن لا تعارض بينها في نفس الأمر. ثم إن الإرسال في محمل حسن لعمله رضي الله تعالى عنه يكفينا في الجواب، بعد ما اتضح عليك أن النص لا يقوم معارضا بعمله رضي الله تعالى عنه إلا بالتزام فعله لما يستنزه منه أصبياء الطريقة والجزم بتعينه فيه مما يعد جحودا بأهل هذا البيت المقدس رضي الله تعالى عنهم، أعاذ الله سبحانه كل مسلم عن ذلك، فقد بدى لي بحمد الله سبحانه وجهان لفعله رضي الله تعالى عنه اللائق بحاله على المعنى من ذلك. أحدهما: أن للعارفين في مجالي النساء تجلي إلهي خاص، أشار أعرف خلق الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله: حبب إلي من دنياكم ثلاث، وذكر النساء، وسر ذلك يطلب من الحكمة الفردية في الفص المختتم به كتاب (فصوص الحكم) وفي غيره من كلام الشيخ الأكبر رحمه الله تعالى، وتلون العارف بالتجليات الإلهية خير عنده من التمكن، وكل شيء من الدنيا فيه سر إلهي يختص بذلك الشيء، فمباشرة كثرة النساء تعرض للنفحات الإلهية المتجددة ولا يتيسر تلك الكثرة إلا بكثرة الطلاق والأنكحة. وفي حل النكاح سر ليس في ملك اليمين، فإنه وهب وقبول لسر متحرك وبين الزوجين صلة بين المتفرقين، ولا يوجد ذلك في ملك اليمين، فإن حل المباشرة فيه عرض طرأ على الملك وليس العقد عقد الوصلة وجمع التفرقة، والنكاح والتزويج ينبئان لغة عن ذلك، إذ النكاح بمعنى الضم والتزويج بمعنى التلفيق، وهو ليس سر الملك ومعناه من حيث أنه ملك كما هو معنى النكاح والتزويج

ص 235

وسرهما من حيث الحقيقة، هذا يؤيد مذهب الشافعي من أن النكاح لا ينعقد بلفظ التمليك للمباينة بينهما معنى، لأن لوازم المعاني غير داخلة في أصلابها، فلزوم التلفيق والضم شرعا بملك اليمين لا يؤثر في زوال المباينة المذكورة كما لا يخفى. فكثرة طلاقه ونكاحه رضي الله تعالى عنه كان صورة لتلونه رضي الله تعالى عنه بالتجليات الإلهية المتلونة الغير المتكررة، ويرزق الله عباده الكمل من نفسه بما شاء من مجاليه المعنوية والروحية والمثالية والحسية، وليس الحس دون العوالم إلا بالنسبة إلى المترقي منه إلى العوالم العلوية. وأما بالنسبة إلى العارف الصاعد الراجع فالأمر على عكس ذلك، وهو معنى قولهم: مقام النزول أتم من مقامات العروج، وإليه الإشارة بقوله تعالى: *(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)* وبقوله صلى الله عليه وسلم: أعطيت مفاتيح خزائن الأرض (وجعل الأرض. صح. ظ) كله مسجدا وطهورا، وبيان هذه الأسرار محلها كتابنا (أنوار الوجد) وهذا القدر يكفي منها ههنا، وهذا الوجه في فعله رضي الله تعالى عنه تحفة مهداة إلى أهل الطريق من الفقراء الصادقين، فقد علم كل أناس مشربهم وإن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. وثانيهما: أنه قد ثبت في الحديث ما دل على أن أهل بيته صلى الله عليه وسلم لا يتزوجون إلا من أهل الجنة، فأراد رضي الله تعالى عنه دخول صهره في هذه البشارة، وشقاوة جده لا ينافي سعادة أهله الذين وصلوا بالامام الحق، وكأنه بإرادته هذه تنبه رجل من همدان بحيث قال ما قال، وقصة ذلك ما أورده ابن سعد: أن عليا رضي الله تعالى عنه لما دخل الكوفة قال: يا أهل الكوفة إن الحسن رجل مطلاق فلا تزوجوه، فقام رجل من همدان فقال: لنزوجنه فما شاء أمسك وما شاء طلق. إنتهى. فذهب بخير الدنيا والآخرة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء

ص 236

والله ذو الفضل العظيم) (1). إفتعالهم اعتراض الحسن على أبيه وذكر الدهلوي أن الإمام الحسن عليه السلام اعترض على أبيه أمير المؤمنين عليه السلام في قصة مقتل عثمان قائلا له: (أمرتك حين حضر الناس هذا الرجل أن تأتي مكة فتقيم بها فعصيتني، ثم أمرتك حين قتل أن تلزم بيتك حتى ترجع إلى العرب عوازب أحلامها، فلو كنت في حجر ضب لضربوا إليك آباط الإبل حتى يستخرجوك من جحرك فعصيتني، وأنا أنشدك بالله أن لا تأتي العراق فتقتل بحال مضيعة. قال فقال علي: أما قولك آتي مكة فلم أكن بالرجل الذي تستحل به مكة، وأما قولك قتل الناس عثمان فما ذنبي إن كان الناس قتلوه؟ الحديث، أخرجه ابن أبي شيبة) (2).

 قول بعضهم: قتل الحسين بسيف جده!!

 ومن أجلى آيات بغضهم لأهل البيت عليهم السلام قول بعضهم: إن يزيد قتل الحسين بسيف جده الآمر بسله على البغاة وقتالهم، وهذا كفر صريح نعوذ بالله منه.. ومن أولئك البعض: القاضي أبو بكر بن العربي المالكي (3) صاحب (العواصم والقواصم) فقد قال ابن حجر المكي في (المنح المكية) في ذكر

(هامش)

(1) دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب: 437. أقول: هذا كله بناء على ثبوت أصل الموضوع تاريخيا وصحة الروايات الحاكية لذلك سندا، لكن الظاهر أنه من القضايا المفتعلة ضد أهل البيت عليهم السلام، فراجع. (2) قرة العينين / 189. (3) هو: محمد بن عبد الله المتوفى سنة 543، له ترجمة في: وفيات الأعيان 1 / 489 الديباج المذهب 281، نفح الطيب 1 / 340. له مؤلفات منها: (العواصم من القواصم) الذي نشره بعض أعداء الدين مع إضافة أباطيل كثيرة إليه. (*)

ص 237

يزيد بن معاوية: (قال أحمد بن حنبل بكفره، وناهيك به ورعا وعلما يقضيان بأنه لم يقل ذلك إلا لقضايا وقعت منه صريحة في ذلك ثبتت عنده وإن لم تثبت عند غيره كالغزالي فإنه أطال في رد كثير مما نسب إليه كقتل الحسين، فقال: لم يثبت من طريق صحيح أنه قتله ولا أمر بقتله، ثم بالغ في تحريم سبه ولعنه. وكابن العربي المالكي فإنه نقل عنه ما يقشعر منه الجلد، إنه قال: لم يقتل يزيد الحسين إلا بسيف جده، أي: بحسب اعتقاده الباطل أنه الخليفة والحسين باغ عليه والبيعة سبقت ليزيد، ويكفي فيها بعض أهل الحل والعقد وبيعته كذلك، لأن كثيرين أقدموا عليها مختارين لها، هذا مع عدم النظر إلى استخلاف أبيه له، أما مع النظر لذلك فلا يشترط موافقة أحد من أهل الحل والعقد على ذلك). وفيه أيضا (وقول بعضهم - لا ملام على قتلة الحسين، لأنهم إنما قتلوه بسيف جده الآمر بسله على البغاة وقتالهم - لا يعول عليه). وقال المناوي: (قيل لابن الجوزي (1) - وهو على الكرسي [على كرسي الوعظ] - كيف يقال يزيد قتل لحسين وهو بدمشق والحسين بالعراق؟ فقال: سهم أصاب وراميه بذي سلم * من بالعراق، لقد أبعدت مرماكا

(هامش)

(1) وهو: الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي البغدادي المتوفى سنة 597، من كبار علماء القوم في الحديث والفقه والتفسير والتاريخ وله في هذه العلوم وغيرها مصنفات. منها: كتاب (الرد على المتعصب العنيد المانع من لعن يزيد) قال في أوله: (سألني سائل في بعض مجالس الوعظ عن يزيد ابن معاوية، وما فعل في حق الحسين، وما أمر به من نهب المدينة. فقال لي: أيجوز أن يلعن؟ فقلت: يكفيه ما فيه والسكوت أصلح. فقال: قد علمت أن السكوت أصلح، ولكن هل تجوز لعنه؟ فقلت: قد أجازها العلماء الورعون منهم الإمام أحمد بن حنبل. فبلغ كلامي هذا إلى شيخ قد قرأ أحاديث مروية، ولم يخرج من العصبية العامية، فأنكر ذلك وصنف جزء لينتصر فيه ليزيد. فحمله إلى بعض أصحابي وسألني الرد..). قلت: وهذا الشيخ هو عبد المغيث بن زهير الحنبلي، وهو الذي رد عليه ابن الجوزي بكتاب آخر سماه (آفة أصحاب الحديث في الرد على عبد المغيث) في مسألة صلاة أبي بكر بالناس في مرض رسول الله صلى الله عليه وآله. وقد نشرنا هذا الكتاب لأول مرة مع مقدمة وتعاليق كثيرة. (*)

ص 238

وقد غلب على ابن العربي الغض من أهل البيت حتى قال: قتله بسيف جده) (1).

 ابن خلدون.. ومخاريقه

 ومن أولئك المبغضين أيضا ابن خلدون، فإنه قد تفوه بذلك كذلك، ولأجله لعنه وسبه بعض حفاظ أهل السنة، فقد ذكر السخاوي بترجمته عن ابن حجر العسقلاني ما نصه: (وقد كان شيخنا أبو الحسن - يعني الهيثمي (2) - يبالغ في الغض منه، فلما سألته عن سبب ذلك ذكر أنه بلغه أنه ذكر الحسين بن علي رضي الله عنهما في تاريخه فقال: قتل بسيف جده، ولما نطق شيخنا بهذه اللفظة، أردفها بلعن ابن خلدون وسبه وهو يبكي. قال شيخنا (3) في - رفع الأصر - ولم توجد هذه الكلمة في التاريخ الموجود الآن، وكأنه ذكرها في النسخة التي رجع عنها) (4). أقول: ومع ذلك توجد في (مقدمة ابن خلدون) كلمات حول يزيد والإمام الحسين الشهيد عليه السلام، تنبئ عن سوء سريرة ابن خلدون وخبث باطنه، يستحق بها اللعن والسب، كما فعل الحافظ نور الدين الهيثمي فقد قال في فصل ولاية العهد: (وعرض هنا أمور تدعو الضرورة إلى بيان الحق فيها. فالأول منها ما حدث في يزيد من الفسق أيام خلافته، فإياك أن تظن بمعاوية رضي الله عنه أنه علم ذلك من يزيد فإنه أعدل من ذلك وأفضل، بل كان يعذله أيام حياته في سماع

(هامش)

(1) فيض القدير 1 / 205. (2) هو: الحافظ الهيثمي صاحب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد المتوفى سنة 807 ترجم له في: الضوء اللامع 5 / 200، طبقات الحفاظ 541، البدر الطالع 1 / 44. (3) هو: الحافظ ابن حجر العسقلاني الملقب عندهم بشيخ الإسلام صاحب فتح الباري، الإصابة، تهذيب التهذيب وغيرها من أمهات المصادر. توفي سنة 852. (4) الضوء اللامع 4 / 147. (*)

ص 239

الغناء وينهاه عنه وهو أقل من ذلك، وكانت مذاهبهم فيه مختلفة، ولما حدث في يزيد ما حدث من الفسق اختلف الصحابة حينئذ في شأنه، فمنهم من رأى الخروج عليه ونقض بيعته من أجل ذلك، كما فعل الحسين وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ومن اتبعهما في ذلك، ومنهم من أباه لما فيه من إثارة الفتنة وكثرة القتل مع العجز عن الوفاء به، لأن شوكة يزيد يومئذ هي عصابة بني أمية وجمهور أهل الحل والعقد من قريش وتتبع عصبية مضر أجمع، وهي أعظم من كل شوكة ولا تطاق مقاومتهم، فأقصروا عن يزيد بسبب ذلك وأقاموا على الدعاء بهدايته والراحة منه، وهذا كان شأن جمهور المسلمين. والكل مجتهدون ولا ينكر على أحد من الفريقين، فمقاصدهم في البر وتحري الحق معروفة، وفقنا الله للاقتداء بهم). فتراه في هذا الكلام يدعي حدوث فسق يزيد في أيام خلافته، ويقصد من ذلك تنزيهه في أيام ولاية العهد. ويحذر من أن يظن بمعاوية أنه علم ذلك من يزيد.. مدعيا كونه أعدل من ذلك وأفضل. ويقول بأن معاوية كان يعذل يزيد في سماع الغناء وينهاه عنه، وسماع الغناء أمر أقل من الفسق، ومذاهب الأصحاب والتابعين فيه مختلفة. ويعود فيدعي حدوث الفسق من يزيد، واختلاف الصحابة حينئذ في شأنه. ويصرح بنسبة الخروج عليه ونقض البيعة إلى الإمام الحسين عليه السلام وغيره.. إلى غير ذلك من الطامات والأكاذيب المشتمل عليها هذا الكلام. ولابن خلدون في (المقدمة) كلام آخر كشف فيه عن كثير من الأسرار، وهتك فيه كثيرا من الأستار.. إنه يقول: (وأما الحسين فإنه لما ظهر فسق يزيد عند الكافة من أهل عصره بعثت شيعة أهل البيت بالكوفة للحسين أن يأتيهم فيقوموا بأمره، فرأى الحسين أن الخروج على

ص 240

يزيد متعين من أجل فسقه، لا سيما من له القدرة على ذلك وظنها من نفسه بأهليته وشوكته، فأما الأهلية فكانت كما ظن وزيادة، وأما الشوكة فغلط يرحمه الله فيها! لأن عصبية مضر كانت في قريش، وعصبية قريش في عبد مناف، وعصبية عبد مناف إنما كانت في بني أمية تعرف ذلك لهم قريش وسائر الناس ولا ينكرونه، وإنما نسي ذلك أول الإسلام لما شغل الناس من الذهول بالخوارق وأمر الوحي وتردد الملائكة لنصرة المسلمين، فأغفلوا أمور عوائدهم وذهبت عصبية الجاهلية ومنازعها ونسيت، ولم يبق إلا العصبية الطبيعية في الحماية والدفاع ينتفع بها في إقامة الدين وجهاد المشركين، والدين فيها محكم والعادة معزولة، حتى إذا انقطع أمر النبوة والخوارق المهولة تراجع الحكم بعض الشيء للعوائد فعادت العصبية كما كانت ولمن كانت، وأصبحت مضر أطوع لنبي أمية من سواهم بما كان لهم من ذلك قبل. فتبين لك غلط الحسين! إلا أنه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه!، وأما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه، لأنه منوط بظنه وكان ظنه القدرة على ذلك، ولقد عذله ابن العباس وابن الزبير وابن عمر وابن الحنفية أخوه وغيره في مسيره إلى الكوفة وعلموا غلطه في ذلك! ولم يرجع عما هو بسبيله لما أراده الله. وأما غير الحسين من الصحابة الذين كانوا بالحجاز ومع يزيد بالشام والعراق ومن التابعين لهم فرأوا أن الخروج على يزيد وإن كان فاسقا لا يجوز، لما ينشأ من الهرج والدماء فأقصروا عن ذلك، ولم يتابعوا الحسين ولا أنكروا عليه ولا أثموه لأنه مجتهد وهو أسوة المجتهدين. ولا يذهب بك الغلط أن تقول بتأثيم هؤلاء بمخالفة الحسين وقعودهم عن نصره، فإنهم أكثر الصحابة وكانوا مع يزيد ولم يروا الخروج عليه، وكان الحسين يستشهدهم وهو يقاتل بكربلاء على فضله وحقه ويقول: سلوا جابر بن عبد الله وأبا سعيد الخدري وأنس بن مالك وسهل بن سعيد (سعد. ظ) وزيد بن أرقم وأمثالهم، ولم ينكر عليهم قعودهم عن نصره، ولا تعرض لذلك لعلمه أنه عن

ص 241

اجتهاد منهم كما كان فعله عن اجتهاد منه. وكذلك لا يذهب بك الغلط أن تقول بتصويب قتله لما كان عن اجتهاد وإن كان هو على اجتهاد، ويكون ذلك كما يحد الشافعي والمالكي الحنفي على شرب النبيذ!. واعلم أن الأمر ليس كذلك وقتاله لم يكن عن اجتهاد هؤلاء وإن كان خلافه عن اجتهادهم، وإنما انفرد بقتاله يزيد وأصحابه، ولا تقولن إن يزيد وإن كان فاسقا ولم يجز هؤلاء الخروج عليه فأفعاله عندهم صحيحة. واعلم أنه إنما ينفذ من أعمال الفاسق ما كان مشروعا، وقتال البغاة عندهم من شرطه أن يكون مع الإمام العادل وهو مفقود في مسئلتنا، فلا يجوز قتال الحسين مع يزيد ولا ليزيد، بل هي من فعلاته المؤكدة لفسقه، والحسين فيها شهيد مثاب وهو على حق واجتهاد، والصحابة الذين كانوا مع يزيد على حق أيضا واجتهاد. وقد غلط القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في هذا فقال في كتابه الذي سماه ب‍ (العواصم والقواصم) ما معناه: أن الحسين قتل بشرع جده، وهو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الإمام العادل، ومن أعدل من الحسين في زمانه في إمامته وعدالته في قتال أهل الآراء) (1). وفي هذا الكلام أيضا أباطيل ننبه عليها، لئلا يغتر أحد ببعض كلماته الأخرى: إنه نسب الخروج إلى الحسين عليه السلام. ونسب إليه الغلط، وأن ابن عباس ومن ذكره علموا غلطه في ذلك. واعتذر للصحابة الذين خالفوا الحسين عليه السلام وقعدوا عن نصرته.. وذكر أنهم كانوا على حق أيضا.

(هامش)

(1) مقدمة ابن خلدون: 217. (*)

ص 242

وقوله: وقتال البغاة.. يفيد أن الحسين عليه السلام كان باغيا، لكن قتال البغاة عندهم من شرطه أن يكون مع الإمام العادل.. ومقتضى هذا الكلام: أنه لو كان مع من قاتل الحسين عليه السلام إمام عادل جاز قتالهم إياه. ثم إنه غلط ابن العربي المالكي في ما قاله، لكن اعتذر له قائلا: حملته عليه الغفلة..

رأي عبد الله بن عمر في سفر الإمام الحسين إلى العراق

 ومما يدل على انحراف أكابر أسلافهم عن أهل البيت عليهم السلام: نسبة عبد الله بن عمر الإمام الحسين عليه السلام إلى الدنيا، وأنه إنما توجه إلى العراق طلبا لها - معاذ الله من ذلك - وقد روى ذلك جماعة من المؤرخين والرواة، قال السيوطي: (وقال له ابن عمر: لا تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه ولا تنالها - يعني الدنيا - واعتنقه وبكى وودعه. فكان ابن عمر يقول: غلبنا حسين بالخروج ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه من عبرة) (1). ورواه السمهودي ثم قال: (وقد أخرجه البزار برواة ثقات عن الشعبي إلا أنه قال: فقال - أي الحسين - إني أريد العراق. فقال: لا تفعل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خيرت بين أن أكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا. فقيل لي: تواضع، فاخترت أن أكون نبيا عبدا، وإنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تخرج، فأبى، فودعه وقال: استودعك الله من مقتول) (2). ورواه الصبان (1) والشلي الحضرمي (4) و(الدهلوي) نفسه (5) والعيدروس

(هامش)

(1) تاريخ الخفاء ص 206. (2) جواهر العقدين - مخطوط. (3) إسعاف الراغبين - هامش نور الأبصار 187. (4) المشرع المروي 45. (5) سر الشهادتين 31. (*)

ص 243

اليمني في (العقد النبوي) وفيه: (وكان ابن عمر يقول: غلبنا حسين بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير) (1). والأفظع من ذلك ما جاء في رواياتهم من أن أبا سعيد الخدري - ذاك الصحابي الجليل - قال للحسين عليه السلام - والعياذ بالله -: (لا تخرج على إمامك).. ففي (العقد النبوي) ما نصه: (وقال أبو سعيد الخدري: غلبني الحسين على الخروج، وقد قلت له: إتق الله في نفسك والزم بيتك فلا تخرج على إمامك) (2).

 زعمهم نهي الإمام الحسن أخاه عن التوجه إلى العراق

 بل لقد افتروا كذبا فزعموا أن الإمام الحسن عليه السلام أوصى إلى أخيه الإمام الحسين عليه السلام أن لا يتوجه إلى العراق قائلا له: (وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوة والخلافة، فلأعرفن ما استخفك سفهاء أهل الكوفة فأخرجوك) قال ابن عبد البر: (وروينا من وجوه: أن الحسن بن علي لما حضرته الوفاة قال للحسين أخيه: يا أخي إن أبانا رحمه الله تعالى لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله استشرف لهذا الأمر ورجا أن يكون صاحبه فصرفه الله عنه ووليها أبو بكر، فلما حضرت أبا بكر الوفاة تشوق إليها [لها أيضا] فصرفت عنه إلى عمر، فلما احتضر عمر جعلها شورى بين ستة هو أحدهم فلم يشك أنها لا تعدوه فصرفت عنه إلى عثمان، فلما هلك عثمان بويع ثم نوزع حتى جرد السيف وطلبها [طالبوها] فما صفا له شيء منها. وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوة والخلافة، فلأعرفن

(هامش)

(1) العقد النبوي - مخطوط. (2) المصدر نفسه - مخطوط. (*)

ص 244

ما استخفك سفهاء أهل الكوفة فأخرجوك) (1). وقد ذكر هذا عن ابن عبد البر كل من: جلال الدين السيوطي (2). والسمهودي (3). والعيدروس اليمني (4). وقال ابن حجر المكي: (ومن جملة كلامه لأخيه لما احتضر: يا أخي إن أباك استشرف لهذا الأمر المرة بعد المرة، فصرفه الله إلى الثلاثة، ثم ولي فنوزع حتى جرد السيف فما صفت له، وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا النبوة والخلافة، وربما يستخفنك سفهاء الكوفة فيخرجوك) (5). وفي (الصواعق): ذكر الإمام الحسين عليه السلام: (ومر قول أخيه الحسن له: إياك وسفهاء الكوفة أن يستخفوك فيخرجوك ويسلموك فتندم ولات حين مناص، وقد تذكر ذلك ليلة قتله فترحم على أخيه الحسن رضي الله عنهما) (6). وقد ذكر ذلك: الشلي الحضرمي ومحمد الصبان المصري أيضا (7).

عبد القادر الكيلاني.. وصوم يوم عاشوراء

 ومن دلائل نصب هؤلاء وعدائهم ما ذكره غوثهم الأعظم من ذكر يوم عاشوراء وهذا نصه: (فصل: وقد طعن قوم على من صام هذا اليوم العظيم وما ورد فيه من

(هامش)

(1) الاستيعاب 1 / 391. (2) تاريخ الخلفاء 193. (3) جواهر العقدين - مخطوط. (4) العقد النبوي - مخطوط. (5) المنح المكية في شرح القصيدة الهمزية. (6) الصواعق المحرقة: 83. (7) المشرع الروي / 45، إسعاف الراغبين هامش نور الأبصار 183. (*)

ص 245

التعظيم، وزعموا أنه لا يجوز صيامه لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فيه، وقالوا: ينبغي أن تكون المصيبة فيه عامة لجميع الناس لفقده فيه، وأنتم تتخذونه يوم فرح وسرور، وتأمرون فيه بالتوسعة على العيال والنفقة الكثيرة والصدقة على الفقراء والضعفاء والمساكين، وليس هذا من حق الحسين رضي الله عنه على جماعة المسلمين. وهذا القائل خاطئ ومذهبه قبيح فاسد، لأن الله تعالى اختار لسبط نبيه صلى الله عليه وسلم الشهادة في أشرف الأيام وأعظمها وأجلها وأوقعها [ارفعها] عنده، ليزيده بذلك رفعة في درجاته وكراماته مضافة إلى كرامته، وبلغه منازل الخلفاء الراشدين الشهداء بالشهادة، ولو جاز أن نتخذ يوم موته [يوم] مصيبة لكان يوم الاثنين أولى بذلك، إذ قبض الله تعالى نبيه [محمدا] صلى الله عليه وسلم فيه، وكذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه قبض فيه، وهو ما روى هشام ابن عروة عن عائشة رضي الله عنهما قالت: قال أبو بكر رضي الله عنه: أي يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم فيه؟ قلت: ويوم الاثنين، قال رضي الله عنه: إني أرجو أن أموت فيه، فمات رضي الله عنه فيه، وفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفقد أبي بكر رضي الله عنه أعظم من فقد غيرهما، وقد اتفق الناس على شرف يوم يوم الاثنين، وفضيلة صومه وأنه تعرض أعمال العباد فيه، وفي يوم الخميس ترفع الأعمال [أعمال العباد]. [و] كذلك يوم عاشوراء لا يتخذ يوم مصيبة، ولأن يوم عاشوراء إن اتخذ يوم مصيبة ليس بأولى من أن يتخذ يوم فرح وسرور لما قدمنا ذكره وفضله، من أنه [يوم] نجى الله تعالى فيه أنبياءه من أعدائهم وأهلك فيه أعداءهم الكفار من فرعون وقومه وغيرهم وأنه تعالى خلق السماوات والأرض والأشياء الشريفة فيه وآدم عليه السلام وغير ذلك، وما أعد الله تعالى لمن صامه من الثواب الجزيل والعطاء الوافر وتكفير الذنوب وتمحيص السيئات، فصيام [فصار] عاشوراء بمثابة بقية الأيام الشريفة كالعيدين والجمعة وعرفة وغيرهما.

ص 246

ثم لو جاز أن يتخذ هذا اليوم مصيبة لاتخذته الصحابة والتابعون رضي الله عنهم، لأنهم أقرب إليه منا وأخص به، وقد ورد عنهم الحث على التوسعة على العيال فيه والصوم فيه، من ذلك ما روي عن الحسن رحمة الله تعالى عليه أنه قال: كان صوم يوم عاشوراء فريضة وكان علي رضي الله عنه يأمر بصيامه فقالت لهم عائشة رضي الله عنها: من يأمركم بصوم يوم عاشوراء؟ قالوا: علي رضي الله عنه. قالت: إنه أعلم من بقي بالسنة، وروي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحيا ليلة عاشوراء أحياه الله تعالى ما شاء. فدل على بطلان ما ذهب إليه هذا القائل. والله أعلم) (1).

 3 - الإمام زين العابدين عليه السلام

 وأما الإمام زين العابدين عليه السلام فقد اعترف شاه ولي الله والد (الدهلوي) بقلة رواية أهل السنة عنه (2). ومن عجائب الأكاذيب ما جاء في (تهذيب التهذيب) بترجمته عليه السلام وهذا نصه: (وقال مالك قال نافع بن جبير بن مطعم لعلي بن الحسين: إنك تجالس أقواما دونا؟! فقال علي بن الحسين: إني أجالس من أنتفع بمجالسته في ديني) (3). وما جاء بترجمته عليه السلام في كتب الرجال من أنه يروي عن فلان وفلان ومروان بن الحكم، وكل مسلم يجل الإمام عليه السلام أن يروي عن هؤلاء، ولا سيما أمثال مروان بن الحكم اللعين ابن اللعين، وأبي هريرة الكذاب.. وإليك بعض عباراتهم المشتملة على هذه الأكذوبة: قال النووي: (سمع أباه، وابن عباس، والمسور، وأبا رافع، وعائشة، وأم

(هامش)

(1) غنية الطالبين 684 - 687. (2) قرة العينين 245. (3) تهذيب التهذيب 7 / 305. (*)

ص 247

سلمة، وصفية، أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ومروان بن الحكم، وسعيد بن المسيب، وآخرين من التابعين) (1). وقال ابن حجر: (علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو الحسين، ويقال أبو الحسن، ويقال أبو محمد، ويقال أبو عبد الله المدني، زين العابدين، روى عن: أبيه، وعمه الحسن، وأرسل عن جده علي بن أبي طالب، وروى عن ابن عباس، والمسور بن مخرمة، وأبي هريرة، وعائشة، وصفية بنت حيي، وأم سلمة، وبنتها زينب بنت أبي سلمة، وأبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وابنه عبيد الله بن أبي رافع، ومروان بن الحكم، وعمرو بن عثمان، وذكوان أبي عمرو مولى عائشة، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن مرجانة، وبنت عبد الله بن جعفر) (2). كما ذكروا أن الإمام عليه السلام من الرواة عن مروان بن الحكم في ترجمة مروان، أنظر (الكاشف 3 / 132) و(التهذيب التهذيب 10 / 91) و(رجال المشكاة للخطيب التبريزي) وغيرها. بل زعموا أن الإمام زين العابدين عليه السلام كان يتعلم الحديث من العلماء به كما يتعلم سائر المسلمين، قال ابن تيمية ما نصه: وأما قوله: وأخذوا أحكامهم الفرعية عن الأئمة المعصومين الناقلين عن جدهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الخ، فيقال أولا: القوم المذكورون إنما كانوا يتعلمون الحديث من العلماء به كما يتعلم سائر المسلمين وهذا متواتر عنهم، فعلي ابن الحسين يروي تارة عن أبان بن عثمان بن عفان عن أسامة بن زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم: لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، رواه البخاري ومسلم. وأبو جعفر محمد بن علي يروي عن جابر بن عبد الله حديث مناسك الحج الطويل وهو أحسن ما روي في هذا الباب، ومن هذه الطريق رواه مسلم في صحيحه من

(هامش)

(1) تهذيب الأسماء واللغات 1 / 343. (2) تهذيب التهذيب 7 / 304. (*)

ص 248

حديث جعفر بن محمد عن جابر) (1).

 نسبتهم القول بجواز التزويج بما يزيد على الأربع إلى السجاد

 ومما يدل على انحراف أهل السنة ما ذكره ابن حجر العسقلاني (2) والشهاب القسطلاني (3) والعيني (4) بشرح عبارة البخاري (وقال علي بن الحسين: يعني مثني أو ثلاث أو رباع) واللفظ للأول: (وهذا من أحسن الأدلة في الرد على الرافضة لكونه من تفسير زين العابدين، وهو من أئمتهم الذين يرجعون إلى قولهم ويعتقدون عصمتهم). فإن مفهوم هذه الكلمات عدم اعتقادهم بإمامة سيدنا زين العابدين عليه السلام وعدم رجوعهم إلى قوله وعدم اعتقادهم بعصمته، ومن هنا يظهر بطلان دعوى (الدهلوي) بوضوح.

 القائل بجواز التزوج بما يزيد على الأربع من أهل السنة

لم يخالف أحد من أهل الحق قول الإمام زين العابدين عليه السلام بتفسير قوله تعالى: *(فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)*(5) فلم يذهب أحد منهم إلى القول بجواز التزوج بما يزيد على الأربع، فقولهم: وهذا من أحسن الأدلة.. باطل قطعا. بل الأمر بالعكس من ذلك، فقد ذهب جماعة من أئمة أهل السنة إلى جواز التزوج بالتسع، مستدلين بالآية الكريمة، فقد قال فخر الدين الزيلعي الحنفي ما نصه: (وقال القاسم بن إبراهيم: يجوز التزوج بالتسع، لأن الله تعالى أباح

(هامش)

(1) منهاج السنة 1 / 229. (2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 11 / 41 - 42. (3) إرشاد الساري 8 / 26. (4) عمدة القاري 20 / 91. (5) سورة النساء / 4. (*)

ص 249

نكاح ثنتين بقوله (مثنى) ثم عطف عليه (ثلاث ورباع) بالواو وهي للجمع، فيكون المجموع تسعا، ومثله عن النخعي وابن أبي ليلى) (1). وقال العيني: (وقال القاسم بن إبراهيم: يجوز التزوج بالتسع، ومثله عن النخعي وابن أبي ليلى، لأن الواو للجمع) (2). وقال القاضي القضاة الشوكاني: (وذهبت الظاهرية إلى أنه يحل للرجل أن يتزوج تسعا، ولعل وجهه قوله تعالى: *(مثنى وثلاث ورباع)* ومجموع ذلك إلا باعتبار ما فيه من العدل تسع، وحكي ذلك عن ابن الصباغ والعمراني) (3).

 ومنهم من قال بجواز التزوج بأي عدد شاء

بل ذهب جماعة منهم إلى جواز التزوج بأي عدد أريد، فقد قال نظام الدين الأعرج المفسر النيسابوري بتفسير الآية المذكورة: (ذهب جماعة إلى أنه يجوز التزوج بأي عدد أريد، لأن قوله *(فانكحوا ما طاب لكم من النساء)* إطلاق في جميع الأعداد، لصحة استثناء كل عدد منه، وقوله: *(مثنى وثلاث ورباع * لا يصلح مخصصا لذلك العموم، لأن تخصيص بعض الأعداد بالذكر لا ينافي ثبوت الحكم في الباقي، بل نقول: ذكرها يدل على نفي الحرج والحجر مطلقا، فإن من قال لولده: إفعل ما شئت، إذهب إلى السوق وإلى المدرسة وإلى البستان، كان تصريحا في أن زمام الاختيار بيده ولا يكون تخصيصا، وأيضا، ذكر جميع الأعداد

(هامش)

(1) تبيين الحقائق 2 / 112 و(النخعي) هو: إبراهيم بن يزيد. فقيه أهل الكوفة، قال النووي: أجمعوا على توثيقه وجلالته وبراعته في الفقه. توفي سنة 96. و. (ابن أبي ليلى) هو: عبد الرحمن بن أبي ليلى. من كبار التابعين. قال النووي: اتفقوا على توثيقه وجلالته. توفي سنة 83. (2) رمز الحقائق 1 / 143. (3) نيل الأوطار 6 / 169 و(ابن الصباغ) هو: أبو نصر عبد السيد بن محمد البغدادي فقيه العراق. قال ابن قاضي شهبة: كان ورعا نزها ثبتا صالحا زاهدا أصوليا محققا. توفي سنة 407 و(العمراني) هو: أبو الخير يحيى بن أبي الخير، كان شيخ الشافعية ببلاد اليمن قال ابن قاضي شهبة: وكان إماما زاهدا ورعا.. توفي 558. (*)

ص 250

متعذر، فذكر بعضها تنبيه على حصول الأذن في جميعها، ولئن سلمنا لكن الواو للجمع المطلق فيفيد الأذن في جمع تسعة بل ثمانية عشر لتضعيف كل منها. وأما السنة، فلما ثبت بالتواتر أنه صلى الله عليه وسلم مات عن تسع، وقد أمرنا باتباعه في قوله *(فاتبعوه * وأقل مراتب الأمر الإباحة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: فمن رغب عن سنتي فليس مني. والمعتمد عند الجمهور في جوابهم أمران..) (1).

 4ــ الإمام محمد الباقر عليه السلام

 قال ابن تيمية: (وأما سائر الاثني عشر فلم يدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقول النبي [كذا] أنهم نقلوا عن جدهم إن أراد بذلك أنه أوحي إليهم ما قال جدهم فهذه نبوة كما كان يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله غيره من الأنبياء، وإن أراد أنهم سمعوا ذلك من غيرهم فيمكن أن يسمع من ذلك الغير الذي سمعوه منهم، سواء كان ذلك من بني هاشم أو غيرهم، فأي مزية لهم في النقل عن جدهم إلا بكمال العناية والاهتمام؟ فإن كل من كان أعظم اهتماما وعناية بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتلقيها من مظانها كان أعلم بها، وليس من خصائص هؤلاء، بل في غيرهم من هو أعلم بالسنة من أكثرهم، كما يوجد في كل عصر من غير بني هاشم أعلم بالسنة من أكثر بني هاشم، فالزهري أعلم بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله وأقواله باتفاق أهل العلم من أبي جعفر محمد بن علي، وكان معاصرا له) (2). هذا كلامه ونعوذ بالله منه، على أن الزهري مجروح ومطعون فيه من وجوه

(هامش)

(1) غرائب القرآن 4 / 172. (2) منهاج السنة 1 / 230. (*)

ص 251

وقد ذكرنا شطرا منها في قسم حديث (مدينة العلم). وقال ابن تيمية أيضا: (وأما كونه أعلم أهل زمانه فهذا يحتاج إلى دليل، والزهري من أقرانه وهو عند الناس أعلم منه، ونقل تسميته بالباقر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا أصل له عند أهل العلم، بل هو من الأحاديث الموضوعة، وكذلك حديث تبليغ جابر له السلام هو من الموضوعات عند أهل العلم بالحديث) (1). وقال المحقق السندي - بعد أن ذكر حجية عمل أهل البيت عليهم السلام - (وعلى هذا الذي اعتقد في أهل البيت أنتقد على إمام الحنفية كمال الدين ابن الهمام موضوعين من كتابه فتح القدير، فقد أحرق قلبي بما أفرط فيهم.. أحدهما في مباحث الطلاق حيث ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله كل ذواق مطلاق وحرم بذلك فعله، ثم قال: وأما ما فعله الحسن رضي الله عنه فرأى منه.. وثانيهما: في باب الغنائم حيث تكلم على قول أبي جعفر محمد بن علي الباقر رضي الله تعالى عنهما - فيما أخبر به عن جده علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أنه كان يرى سهم ذوي القربى، لكن لم يعطهم مخافة أن يدعى عليه بخلاف سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما - بكلام محصوله كون خبره ذلك خلاف الواقع، فيكون ذلك إما من جهله بمذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه أو سهوه أو نسيانه أو كذبه عليه لترويج مذهبه ومذهب الأئمة من ولده. وكل ذلك تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، ولو كان رأيا من أبي جعفر رضي الله تعالى عنه فرده بما بدا له من الدليل لكان أهون من رد ما روى وأخبر به، فالفجيعة كل الفجيعة على الأمة أن خلت كتب المذاهب الأربعة عن مذهب أهل البيت رضي الله تعالى عنهم أجمعين..) (2).

(هامش)

(1) المصدر نفسه 2 / 153. (2) دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب: 437. (*)

ص 252

5 - الإمام جعفر الصادق عليه السلام

 قال ابن تيمية - (وبالجملة فهؤلاء الأئمة ليس منهم من أخذ عن جعفر شيئا من قواعد الفقه، لكن رووا عنه الأحاديث كما رووا عن غيره، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه، وليس بين حديث الزهري وحديثه نسبة لا في القوة ولا في الكثرة، وقد استراب البخاري في بعض حديثه لما بلغه عن يحيى بن سعيد القطان فيه كلام، فلم يخرج له، ويمتنع أن يكون حفظه للحديث كحفظ من يحتج بهم البخاري) (1). وقال الذهبي بترجمته عليه السلام: (لم يحتج به البخاري، قال يحيى بن سعيد: مجالد أحب إلي منه، في نفسي منه شيء، وقال مصعب عن الدراوردي قال: لم يرو مالك عن جعفر حتى ظهر أمر بني العباس، قال مصعب بن عباس: كان مالك لا يروي عن جعفر حتى يضمه إلى أحد، وقال أحمد بن سعد ابن أبي مريم: سمعت يحيى يقول: كنت لا أسأل يحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد فقال لي: لم لم [لا] تسألني عن حديث جعفر؟ قلت: لا أريده، فقال لي: إن كان يحفظ فحديث أبيه المسند [المسدد] (2). وفي (المغني) (لم يخرج له البخاري، وقد وثقه ابن معين وابن عدي، وأما القطان فقال: مجالد أحب إلي منه)) (3). وفي (الكاشف) (سمع أباه والقاسم وعطا، وعنه شعبة والقطان وقال: في نفسي منه شيء) (4). وفي (تهذيب التهذيب) بالاضافة إلى الكلمات السابقة: (وقال ابن سعد:

(هامش)

(1) منهاج السنة 1 / 229. (2) ميزان الاعتدال 1 / 414. (3) المغني في الضعفاء 1 / 134. (4) الكاشف 1 / 186. (*)

ص 253

كان كثير الحديث ولا يحتج به ويستضعف، سئل مرة: هذه الأحاديث من أبيك؟ فقال: نعم وسئل مرة فقال: إنما وجدتها في كتبه. قلت: يحتمل أن يكون السؤالان وقعا عن أحاديث مختلفة، فذكر فيما سمعه أنه سمعه وفيما لم يسمعه أنه وجده، وهذا يدل على تثبته) (1). وقال المناوي بشرح حديث: أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم وحب أهل بيته وقراءة القرآن - في مقام قدحه: (لم يرمز له بشيء وهو ضعيف، لأن فيه صالح بن أبي الأسود، له مناكير، وجعفر بن محمد الصادق قال في الكاشف عن القطان: في النفس منه شيء) (2).

6 - الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

قال ابن تيمية (وأما موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي، فلا يستريب من له من العلم نصيب أن مالك بن أنس، وحماد بن زيد، وحماد بن مسلمة، والليث بن سعد، والأوزاعي، ويحيى بن سعيد، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأمثالهم، أعلم بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء!! وهذا أمر تشهد به الآثار التي تعاين وتسمع، كما تشهد الآثار بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أكثر فتوحا وجهادا بالمؤمنين، وأقدر على قمع الكفار والمنافقين من غيره مثل عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ومما يبين ذلك أن القدر الذي ينقل عن هؤلاء من الأحكام المسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ينقل عن أولئك ما هو أضعافه) (3).

(هامش)

(1) تهذيب التهذيب 2 / 104. (2) فيض القدير 1 / 226. و(القطان) هو: يحيى بن سعيد التميمي، من أئمتهم الذين يقتدون بهم في الحديث والرجال، قال أحمد: ما رأيت بعيني مثل يحيى القطان. توفي سنة 198. وترجم له في: تهذيب التهذيب 11 / 216، تذكرة الحفاظ 1 / 274. وغيرهما. (3) منهاج السنة 1 / 229. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الرابع

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب