ص 254
وفي (ميزان الاعتدال) بترجمته عليه السلام: (روى عنه بنوه: علي الرضا وإبراهيم،
وإسماعيل، وحسين، وأخواه علي ومحمد: وإنما أوردته لأن العقيلي ذكره في كتابه وقال:
حديثه غير محفوظ - يعني في الإيمان - قال: الحمل فيه على أبي الصلت الهروي. قلت:
فإذا كان الحمل فيه على أبي الصلت فما ذنب موسى تذكره) (1). وقال ابن حجر: (روى عن
أبيه وعبد الله بن دينار وعبد الملك بن قدامة الجمحي). وقال فيه - بعد أن ذكر مولده
سنة ثمان وعشرين ومائة - (قلت: إن ثبت أن مولده سنة ثمان فروايته عن عبد الله بن
دينار منقطعة، لأن عبد الله بن دينار توفي سنة سبع وعشرين) (2). وقال ابن حبان
بترجمة الإمام الصادق عليه السلام: (يحتج بروايته ما كان من غير رواية أولاده عنه،
لأن في حديث ولده عنه مناكير كثيرة، وإنما مرض القول فيه من مرض من أئمتنا لما روي
في حديثه من رواية أولاده، وقد اعتبرت حديثه من حديث الثقات عن مثل ابن جريج
والثوري ومالك وشعبة وابن عيينة ووهب ابن خالد وذويهم، فرأيت أحاديث مستقيمة ليس
فيها شيء، يخالف حديث الاثبات، ورأيت في رواية ولده عنه أشياء ليست من حديثه ولا من
حديث أبيه ولا من حديث جده، ومن المحال أن يلزق به ما جنت يد غيره). 3). وفي (تهذيب
التهذيب) عن ابن حبان: (يحتج بحديثه من غير رواية أولاده عنه) (4).
(هامش)
(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 3 / 201. (2) تهذيب التهذيب 10 / 339 - 340. (3)
الثقات 6 / 131. (4) تهذيب التهذيب 2 / 104. (*)
ص 255
7 - الإمام الرضا عليه السلام

قال ابن تيمية في جواب كلام العلامة الحلي قدس الله
روحه حول الإمام الرضا عليه السلام: كان أزهد الناس وأعلمهم - ما نصه: (أما قوله:
كان أزهد الناس وأعلمهم، فدعوى مجردة بلا دليل، فكل من غلا في شخص أمكنه أن يدعي له
هذه الدعوى، كيف والناس يعلمون أنه كان في زمانه من هو أعلم منه وأزهد منه،
كالشافعي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وأشهب بن عبد العزيز وأبي سليمان الداراني
ومعروف الكرخي وأمثال هؤلاء، هذا ولم يأخذ عنه أحد من أهل العلم بالحديث شيئا، ولا
روى له حديثا في كتب السنة، وإنما روى له أبو الصلت الهروي وأمثاله نسخا عن آبائه
فيها من الأكاذيب ما نزه الله عنه الصادقين منهم، وأما قوله: إنه أخذ عنه الفقهاء
المشهورون، فهذا من أظهر الكذب، هؤلاء فقهاء الجمهور المشهورون لم يأخذوا عنه ما هو
معروف، وإن أخذ عنه بعض من لا يعرف من فقهاء الجمهور فهذا لا ينكر، فلان طلبة
الفقهاء يأخذون عن المتوسطين في العلم ومن هم دون المتوسطين) (1). وقد ضعف المقدسي
أحاديث كثيرة قائلا: (فيه علي بن موسى الرضا، يأتي عن آبائه بالعجائب) (2). وقال
السمعاني ما نصه: (الرضا - بكسر الراء وفتح الضاء المعجمة - هذا لقب أبي الحسن علي
بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المعروف
بالرضا، قال أبو حاتم ابن حبان البستي: يروي عن أبيه العجائب، روى عنه أبو الصلت
وغيره، كأنه كان يهم ويخطئ) (3).
(هامش)
(1) منهاج السنة 2 / 125. (2) أنظر تذكرة الموضوعات. (3) الأنساب الرضا. (*)
ص 256
وقد أورد ابن حجر كلام ابن حبان عن السمعاني كذلك (1). وقال الذهبي بترجمته عليه
السلام: (قال ابن طاهر: يأتي عن أبيه بعجائب. قلت: إنما الشأن في ثبوت السند إليه
وإلا فالرجل قد كذب عليه ووضع عليه نسخة سائرها الكذب على جده جعفر الصادق، فروى
عنه أبو الصلت الهروي أحد المتهمين، ولعلي بن مهدي القاضي عنه نسخة ولأبي أحمد عامر
بن سليمان الطائي عنه نسخة كبيرة، ولداود بن سليمان القزويني عنه نسخة، مات سنة
ثلاث ومائتين، قال أبو الحسن الدارقطني، إن ابن حبان في كتابه قال: علي بن موسى
الرضا يروي عن أبيه عجائب، يهم ويخطئ) (2).
8 - سائر الأئمة المعصومين عليه السلام

قال الفخر الرازي (والعجب أنهم يزعمون في التقي والحسن العسكري أنهم كانوا عالمين
بجميع المسائل الأصولية والفرعية جملها وتفاصيلها، مع أنهم كانوا في زمان كثر خوض
العلماء في أصناف العلوم وكثر تصانيفهم، ومع ذلك فلم يظهر من أحد منهم شيء من
العلوم لا بالقليل ولا بالكثير، ولم يحضروا محفلا، ولا تكلموا في شيء من المسائل مع
المخالفين، ولم يظهر منهم تصنيف منتفع به، كما ظهر من الشافعي رضي الله عنه ومحمد
بن الحسن رحمة الله عليه وغيرهما من الفقهاء والمتكلمين والمفسرين) (3). وقال ابن
تيمية: (الثالث أن يقال: القول بالرأي والاجتهاد والقياس والاستحسان، خير من الأخذ
بما ينقله من يعرف بكثرة الكذب عمن يصيب ويخطئ، نقل غير مصدق عن قائل غير معصوم،
ولا يشك عاقل أن رجوع مثل مالك، وابن أبي ذئب، وابن الماجشون، والليث بن سعد،
والأوزاعي،
(هامش)
(1) تهذيب التهذيب 7 / 388. (2) ميزان الاعتدال 3 / 158. (3) نهاية العقول - مخطوط.
(*)
ص 257
والثوري، وابن أبي ليلى، وشريك، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وزفر،
والحسن بن زياد اللؤلؤي، والشافعي، والبويطي، والمزني، وأحمد بن حنبل، وأبي داود
السجستاني، والأثرم، وإبراهيم الحربي، والبخاري، وعثمان بن سعيد الدارمي، وأبي بكر
بن خزيمة، ومحمد بن جرير الطبري، ومحمد بن نصر المروزي، وغير هؤلاء إلى اجتهادهم
واعتبارهم - مثل أن يعلموا سنة النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، ويجتهدوا في
تحقيق مناط الأحكام وتنقيحها وتخريجها - خير لهم من أن يتمسكوا بنقل الروافض عن
العسكريين وأمثالهما، فإن الواحد من هؤلاء لأعلم بدين الله ورسوله من العسكريين
أنفسهما، فلو أفتاه أحدهما بفتيا كان رجوعه إلى اجتهاده أولى من رجوعه إلى فتيا
أحدهما، بل ذلك هو الواجب عليه، فكيف إذا كان ذلك نقلا عنهما من مثل الرافضة؟
والواجب على مثل العسكريين وأمثالهما أن يتعلموا من الواحد من هؤلاء؟) (1). وقال:
(الثاني أن يقال: القياس - ولو أنه ضعيف - هو خير من تقليد من لم يبلغ في العلم
مبلغ المجتهدين، فإن كل من له علم وإنصاف يعلم أن مثل مالك، والليث بن سعد،
والأوزاعي، وأبي حنيفة، والثوري، وابن أبي ليلى، ومثل الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي
عبيد، وأبي ثور، أعلم وأفقه من العسكريين وأمثالهما، وأيضا، فهؤلاء خير من المنتظر
الذي لا يعلم ما يقول!!) (2). وقال: (وأما من بعد موسى، فلم يؤخذ عنهم من العلم ما
يذكر به أخبارهم في كتب المشهورين وتواريخهم، فإن أولئك الثلاثة توجد أحاديثهم في
الصحاح والسنن والمسانيد، وتوجد فتاويهم في الكتب المصنفة في فتاوى السلف، مثل كتب
ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وعبد الرزاق، وأبي بكر بن أبي شيبة، وغير هؤلاء، وأما
من بعدهم فليس له رواية في الكتب الأمهات من الحديث، ولا
(هامش)
(1) منهاج السنة 1 / 231. (2) منهاج السنة 2 / 89. (*)
ص 258
فتاوى في الكتب المعروفة التي نقل فيها فتاوى السلف، ولا لهم تفسير ولا غيره، ولا
لهم أقوال معروفة) (1). وفي (الموضوعات) بعد حديث في فضل فاطمة عليها السلام: (هذا
حديث موضوع، والحسن بن علي صاحب العسكر هو: الحسن بن علي بن محمد ابن علي بن موسى
بن جعفر أبو محمد العسكري، أحد من يعتقد فيه الشيعة الإمامة، روى هذا الحديث عن
آبائه، وليس بشيء) (2). وفي (اللآلي المصنوعة) بعده: (موضوع، الحسن العسكري ليس
بشيء!!) (3). وفي (تنزيه الشريعة) بعده: (فيه عبد الله والحسن، ولعله من وضع
أحدهما) (4). وقال الفتني: (الحسن بن علي صاحب العسكر ليس بشيء) (5). وقال ابن
تيمية (وأما قوله - وكان ولده الحسن العسكري عالما زاهدا فاضلا عابدا أفضل أهل
زمانه وروت عنه العامة كثيرا - فهذا من نمط ما قبله، من الدعاوى المجردة والأكاذيب
المثبتة، فإن العلماء المعروفين بالرواية الذين كانوا في زمن هذا الحسن بن علي
العسكري ليست لهم عنه رواية مشهورة في كتب أهل العلم، وشيوخ أهل كتب السنة:
البخاري، ومسلم وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، كانوا موجودين في ذلك
الزمان وقريبا منه قبله وبعده، وقد جمع الحافظ أبو القاسم ابن عساكر أسماء شيوخ
الكل، يعني شيوخ هؤلاء الأئمة، فليس في هؤلاء الأئمة من روى عن الحسن بن علي
العسكري،
(هامش)
(1) منهاج السنة 2 / 124. (2) الموضوعات لابن الجوزي 1 / 415. (3) اللآلي المصنوعة
1 / 396. (4) تنزيه الشريعة 1 / 410. (5) قانون الموضوعات / 249. (*)
ص 259
مع روايتهم عن ألوف مؤلفة من أهل الحديث، فكيف يقال: روت عن العامة كثيرا؟ وأين هذه
الروايات؟! وقوله: إنه كان أفضل أهل زمانه هو من هذا النمط) (1).
9 - الإمام الثاني
عشر عجل الله فرجه

وقال ابن تيمية في ذكر الإمام الثاني عشر الحجة ابن الحسن
العسكري عجل الله فرجه: (وهذا لو كان موجودا معلوما لكان الواجب في حكم الله الثابت
بنص القرآن والسنة والاجماع أن يكون محضونا عند من يحضنه في بدنه، كأمه وأم أمه
ونحوهما من أهل الحضانة، وأن يكون ماله عند من يحفظه، إما وصي أبيه إن كان له وصي،
وإما غير الوصي إما قريب وإما نائب لدى السلطان فإنه يتيم لموت أبيه، والله تعالى
يقول: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم
أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا) فهذا لا يجوز تسليم ماله إليه حتى
يبلغ النكاح ويؤنس منه الرشد، كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه. فكيف يكون من يستحق
الحجر عليه في بدنه وماله إماما لجميع المسلمين معصوما، لا يكون أحد مؤمنا إلا
بالايمان به، ثم هذا باتفاق منهم سواء قدر وجوده أو عدمه لا ينتفعون به، لا في
الدين ولا في الدنيا، ولا علم أحدا شيئا ولا عرف له صفة من صفات الخير ولا الشر،
فلم يحصل به شيء من مقاصد الإمامة ومصالحها لا الخاصة ولا العامة. بل إن قدر وجوده
فهو ضرر على أهل الأرض بلا نفع أصلا، فإن المؤمنين به لم ينتفعوا به أصلا ولا حصل
لهم به لطف ولا مصلحة، والمكذبون به يعذبون عندهم على تكذيبهم به، فهو شر محض لا
خير فيه! وخلق مثل هذا ليس من
(هامش)
(1) منهاج السنة 2 / 131. (*)
ص 260
فعل الحكيم العادل). وقال (ثم إنهم يقولون: إن الله يجب عليه أن يفعل أصلح ما يقدر
عليه للعباد في دينهم ودنياهم، وهو يمكن الخوارج الذين يكفرون به بدار لهم فيها
شوكة ومن قتال أعدائهم، ويجعلهم والأئمة المعصومين في ذل أعظم من ذل اليهود
والنصارى وغيرهم من أهل الذمة! فإن أهل الذمة يمكنهم إظهار دينهم وهؤلاء الذين يدعى
أنهم حجج الله على عباده ولطفه في بلاده، وأنه لا هدى إلا بهم ولا نجاة إلا بطاعتهم
ولا سعادة إلا بمتابعتهم، وقد غاب خاتمتهم من أربعمائة وخمسين سنة، فلم ينتفع به
أحد في دينه ودنياه، وهم لا يمكنهم إظهار دينهم كما تظهر اليهود والنصارى دينهم)
(1).
كلام سليمان بن جرير في الطعن في الأئمة

ومما يدل على انحراف أهل السنة عن أهل
البيت وسوء اعتقادهم فيهم: ما حكوه عن سليمان بن جرير واستندوا إليه في كتبهم، طعنا
في الأئمة الطاهرين وشيعتهم.. فقد قال الفخر الرازي في آخر بحث الإمامة بعد كلام
على التقية ما نصه: (ولنختم هذا الكلام بما يحكى عن سليمان بن جرير الزيدي أنه قال:
إن أئمة الرافضة وضعوا مقالتين لشيعتهم لا يظفر معهما أحد عليهم، الأولى: القول
بالبداء، فإذا قالوا إنه سيكون لهم قوة وشوكة ثم لا يكون الأمر على ما أخبروه
قالوا: بدا لله تعالى فيه، قال زرارة بن أعين - من قدماء الشيعة وهو يخبر عن علامات
ظهور الإمام رضي الله عنه - هذه الأبيات: فتلك أمارات تجئ بوقتها * ومالك عما قدر
الله مذهب ولولا البداء سميته غير فائت * ونعت البدا نعت لمن يتقلب ولولا البدا ما
كان ثم تصرف * وكان كنار دهرها تتلهب وكان كضوء مشرق بطبيعة * ولله عن ذكر الطبائع
مرغب
(هامش)
(1) منهاج السنة 2 / 131. (*)
ص 261
والثانية: التقية، فكلما أرادوا شيئا يتكلمون به، فإذا قيل لهم هذا خطأ وظهر بطلانه
قالوا: إنما قلناه تقية) (1). وقد أورد الشهرستاني كلام سليمان بن جرير وهذا نصه:
(ثم إنه طعن في الرافضة فقال: إن أئمة الرافضة قد وضعوا مقالتين لشيعتهم لا يظهر
أحد قط بهما عليهم، إحداهما: القول بالبداء، فإذا أظهروا قولا أنه سيكون لهم قوة
وشوكة وظهور. ثم لا يكون الأمر على ما أخبروه قالوا: بدا الله تعالى في ذلك.
والثانية: التقية، وكل ما أرادوا تكلموا به، فإذا قيل لهم: ذلك ليس بحق وظهر لهم
البطلان قالوا: إنما قلناه تقية وفعلناه تقية) (2).
تحريف الدهلوي الكلام

المذكور
ومن غرائب الأعمال الفاضحة تحريف (الدهلوي) كلام الشهرستاني هذا وإقحامه فيه عبارات
من عنده، فقد جاء في حاشية المكيدة السابعة بعد المائة من باب المكائد من (التحفة)
ما نصه: (قد نقل صاحب الملل والنحل عن سليمان بن جرير من الزيدية أنه قال: إن أئمة
الرفض وضعوا مقالتين لشيعتهم لا يظهر أحد قط بهما عليهم. إحداهما: القول بالبداء،
فإذا تليت عليهم الآيات الدالة على مدح الصحابة والثناء الحسن عليهم أولوها بالبداء
وقالوا: بدا لله تعالى في حالهم، وكذا إذا أخبروا أتباعهم بأنه سيكون لهم شوكة وقوة
ثم لا يكون الأمر على وفق ما وعدوا به قالوا: بدا لله في ذلك. والثانية: التقية،
فكلما رويت عندهم عن أمير المؤمنين والأئمة ما يدل على الثناء في حق الصحابة
والألفة معهم والمؤانسة بهم والمصاهرة والمؤاكلة والمشاربة والصلاة خلف الخلفاء
ورواية الحديث عنهم ولهم قالوا: هذا كله محمول على
(هامش)
(1) المحصل للرازي 182. (2) الملل والنحل 1 / 160. (*)
ص 262
التقية، بل بعض فضلائهم إذا تكلم بكلام باطل فقيل له: هذا باطل عندك وعلى وفق
قواعدك وقواعد أصحابك وروايات أئمتك قال: إنما قلناه تقية وتلبيسا للأمر. أقول:
هاهنا مقالة ثالثة هي حصنهم الحصين وحرزهم الحريز وهي الرجعة، فإن الآيات الدالة
على غلبة الحق وأهله، وكذا الأحاديث المبشرة بحصول الأمن والغنى والجاه والثروة إذا
أوردت عليهم قالوا: هذه المواعيد كلها يكون عند الرجعة). أقول: قد أضاف (الدهلوي)
على كلام الشهرستاني جملة: (فإذا تليت عليهم..) وجملة (فكلما..) وأسقط جملة: (وكلما
أرادوا تكلموا..) ووضع في مكانها: (بل بعض فضلائهم..). ثم إنه أضاف قضية الرجعة
مصدرة بكلمة (أقول) ليوهم الناظر في كتابه أنه من كلام الشهرستاني، وأن ما ذكره قبل
(أقول) كلام سليمان بن جرير.. وهل هذا إلا خيانة وتدليس؟!
كلام الدواني

ومما يدل
على انحراف أهل السنة عن أهل البيت عليهم السلام قول الدواني - حيث زعم العضدي أن
الفرقة الناجية التي يعنيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث افتراق الأمة هم
الأشاعرة دون غيرهم -: (فإن قلت: كيف حكم بأن الفرقة الناجية هم الأشاعرة وكل فرقة
تزعم أنها الناجية؟ قلت: سياق الحديث مشعر بأنهم مقتدون بما روي عن النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه، وذلك إنما ينطبق على الأشاعرة، فإنهم يتمسكون في عقائدهم
بالأحاديث الصحيحة المروية عنه عليه السلام وعن أصحابه رضي الله عنهم لا يتجاوزون
عن ظواهرها إلا بضرورة، ولا يسترسلون مع عقولهم كالمعتزلة ومن يحذو حذوهم، ولا مع
النقل عن غيرهم كالشيعة المتشبثين بما روي عن
ص 263
أئمتهم لاعتقادهم العصمة فيهم) (1). وقد أفرط الخلخالي في العناد والانحراف فقال في
(حاشيته على شرح العقائد) معلقا على عبارة الدواني: (لأجل اعتقادهم العصمة في
أئمتهم وعدم صدور الكذب والافتراء منهم). أي: أن الاعتقاد بعصمة أئمة أهل البيت
عليهم السلام وعدم صدور الكذب والافتراء هو مما يختص بالشيعة الإمامية، وأما أهل
السنة فيخالفونهم في ذلك ويرونه اعتقادا باطلا ومذهبا منكرا. فهذه عقيدة أهل السنة
في أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، لا ما زعمه (الدهلوي).. قوله: وإذا كان
الشيعة لا يعتبرون كتب أهل السنة فبماذا يجيبون عن الأحاديث الواردة عن الشيعة،
سواء في العقائد الإلهية والفروع الفقهية الموافقة لأهل السنة، كما سيأتي في هذا
الكتاب؟ أقول: لقد أجاب علماؤنا الأعلام عن استدلالات (الدهلوي) بروايات الشيعة في
الأصول والفروع في ردودهم على أبواب (التحفة)، وقد أتموا الحجة على أولياء
(الدهلوي) وأوضحوا المحجة لهم، وبرهنوا على تخلفهم عن سفينة أهل البيت - عليهم
السلام - التي من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك وغوى، والحمد لله رب العالمين.
لا
دلالة للحديث إلا على نجاة الاثني عشرية

فحسب قوله: ولبعض علماء الشيعة في هذا
المقام تأويل خداع لا بد من ذكره وتفنيده،
(هامش)
(1) شرح العقائد بحاشية الشيخ محمد عبدة (الشيخ محمد عبدة بين الفلاسفة والمتكلمين)
1 / 28. (*)
ص 264
حيث يقول: إن تشبيه أهل البيت بالسفينة في هذا الحديث يقتضي أن لا يكون حب جميع أهل
البيت واتباعهم ضروريا في النجاة والفلاح، فإن من يستقر في زاوية واحدة من السفينة
ينجو من الغرق بلا ريب، بل إن التنقل من مكان إلى آخر فيها ليس أمرا مألوفا،
فالشيعة لتمسكهم ببعض أهل البيت ناجون، ولا يرد عليهم طعن أهل السنة في ذلك. أقول:
ليس هذا التقرير البارد لأحد من علماء الشيعة، والذي أظنه - وظن الحر يقين - أنه من
صنع يد (الدهلوي) نفسه وقد نسبه إلى الشيعة تهجينا لهم وتمهيدا للرد عليهم، وإلا
فليذكر أولياؤه قائله!! وإذا كان جميع المناظرات على هذا المنوال لانسد باب البحث
والتحقيق.. ومن العجيب: أن (الدهلوي) لا يسمح له عناده لأن ينقل تقريرا لأحد أعلام
الشيعة ثم يتصدى لرده بجواب صحيح أو باطل، لكنه يأتي بما لا يرضاه الحمقى - فضلا عن
العقلاء فالعلماء - ناسبا إياه إلى الشيعة.. وعلى أي حال فإنا لا نسلم أبدا أن يكون
هذا الوجه المذكور لأحد من أهل الحق، فإنه لا يصدر من عوامهم فضلا عن علمائهم
ومحققيهم، وإن هو إلا كذب مفترى. بل إنه يتناسب مع عقيدة أهل السنة، فإنهم - بالرغم
من زعمهم محبة أهل البيت عليهم السلام وموالاتهم - يهتدون بهدى أعدائهم ومخالفيهم،
ويتفوهون في حقهم عليهم السلام بكلمات قاسية - تقدم ذكر بعضها، ولا يرون إجماعهم
حجة، ويقدمون عليهم من لا يدانوهم علما وفقها وزهدا.. وهذا الذي ذكرناه يغني عن
التعرض لما ذكره في جواب هذا التقرير المزعوم، إلا أنا نورد ذلك ونشير بالاجمال إلى
فساده.
ص 265
قوله: أما الجواب على هذا الكلام فيكون على نحوين: الأول: بطريق النقض، فالإمامية
في هذه الصورة يجب ألا يعتبروا الزيدية والكيسانية والناووسية والفطحية منحرفين، بل
مهتدون، لأن كلا منهم قد استقر في زاوية من هذه السفينة الكبيرة، ويكفي الاستقرار
في زاوية منها للنجاة من الغرق. أقول: لقد علم مما سبق - والحمد لله - أن مصداق
حديث السفينة ليس إلا الأئمة الهداة من أهل البيت عليهم السلام، ومن ركب سفينتهم
معتقدا عصمتهم وطهارتهم نجا من الهلاك. وبما أن الزيدية والكيسانية والناووسية
وأمثالهم لا يذهبون إلى هذا الاعتقاد فإنهم - كأهل السنة - متخلفون في السفينة
الناجية المنجية، وهم هالكون بلا ريب. قوله: بل إن النص على الأئمة الاثني عشر يبطل
على هذا أيضا، لأن كل زاوية من السفينة كافية في الإنجاء من أمواج البحر، ومعنى
الإمام هو أن أتباعه يوجب النجاة في الآخرة، فبهذا يبطل مذهب الاثني عشرية بل
الإمامية بأسرها. أقول: لقد ثبت من النصوص النبوية وكلمات الأئمة الطاهرين وسائر
الأدلة والبراهين: أن مصداق الحديث هم الأئمة الاثنا عشر، فكيف يضعف هذا المذهب
بهذه الشبهات الواهية؟ ومن الواضح: أنه إذا كان ركوب السفينة المنجية متوقفا على
الاعتقاد بإمامة الاثني عشر وعصمتهم وطهارتهم، كان ركوب غير الاثني عشرية فيها من
المحالات، ولما كان سبب النجاة منحصرا بهذه السفينة كان من المحتم هلاك من
ص 266
عدا الاثني عشرية من الفرق مطلقا.. فبطلان مذهب الاثني عشرية - بعد وضوح معنى حديث
السفينة - محال. قوله: وإذا ادعى الزيدية ذلك أجيبوا بنفس الجواب. أقول: إن الزيدية
- وإن كانوا من الهالكين عندنا - يترفعون عن الاستدلال بهكذا دليل فاسد بارد، ومن
وقف على كلماتهم حول حديث السفينة في كتاب (ذخيرة المآل) علم أنهم - وإن خلطوا فيها
بين الحق والباطل - لا يستدلون بمثله أبدا. قوله: فلا يصح لأي فرقة من فرق الشيعة
التقيد بمذهب معين، ولازمه اعتبار جميع المذاهب على صواب. أقول: لقد ذكرنا أن هذا
التقرير ليس للشيعة مطلقا، فما بنى عليه (الدهلوي) إنما هو من بناء الفاسد على
الفاسد. قوله: في حين أن التناقض قائم بين هذه المذاهب، وأن اعتبار كلا الجانبين
المتناقضين حقا يؤدي إلى اجتماع النقيضين في غير الاجتهاديات، وهو مستحيل قطعا.
أقول: كأن (الدهلوي) في غفلة عن الاختلافات والتناقضات الموجودة بين مذاهب أهل
السنة؟! بل لقد جوز بعضهم تعدد المذاهب بعدد الصحابة وهذا من عجائب الأمور، قال
العجيلي ما نصه: (وقد وضع الشيخ الرباني وإمام أهل الكشف عبد الوهاب الشعراني قدس
الله روحه في ميزانه لاختلاف المذاهب تمثالا كالشجرة
ص 267
وكتب عليه: فانظر يا أخي إلى العين التي في أسفل الشجرة وإلى الفروع والأغصان
والثمار، تجدها كلها متفرعة من أصل الشجرة وهي الشريعة، والفروع الكبار مثال أقوال
أئمة المذاهب، والفروع الصغار مثال أقوال المقلدين، والأغصان المتفرعة من جوانب
الفروع مثال أقوال الطلبة المقلدين، والنقط الحمر التي في أعلى الأغصان مثال
المسائل المستخرجة من أقوال العلماء، فلم يخرج أحد من عين شريعة وشجرة علمه، وما من
قول من أقوال هؤلاء الأئمة إلا وهو متفرع من هذه الشجرة وفروعها وأغصانها. ثم وضع
مثالا آخر لاتصال سائر المذاهب بعين الشريعة، وخط خطوطا كثيرة تشرع إلى العين
الوسطى من سائر الجوانب، ولم يحصرها في أربعة ولا خمسة بل ذكر نحو ثمانية عشر
مذهبا، كما جعلها غيره مائة ألف وأربعة عشر ألفا على عدد الصحابة رضي الله عنهم
وبأيهم اقتديتم اهتديتم!!) (1). بل نسبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
(إن شريعتي جاءت على ثلاثمأة وستين طريقة..) فقد جاء في (ذخيرة المآل) أيضا عن
الشعراني: (وقد روى الطبراني مرفوعا: أن شريعتي جاءت على ثلاثمائة وستين طريقة ما
سلك أحد منها طريقة إلا ونجا، ويؤيده حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
إنتهى كلام الشعراني نفع الله به) (2). قوله: الثاني بطريق الحل، فإن الاستقرار في
زاوية من السفينة يضمن النجاة من الغرق في البحر، بشرط أن لا يثقب الزاوية الأخرى
منها، فإذا اقترن الجلوس في زاوية مع الإثقاب في الزاوية الأخرى فإن ذلك سوف يؤدي
إلى الغرق حتما، وما من فرقة من فرق الشيعة إلا وهي مستقرة في زاوية وتثقب الزاوية
الأخرى.
(هامش)
(1) ذخيرة المآل - مخطوط. (2) المصدر نفسه. (*)
ص 268
أقول: جوابه الحلي أوهن من جوابه النقضي، لما ذكرنا مرة بعد أخرى من أن المراد من
أهل البيت الذين شبههم النبي صلى الله عليه وآله بسفينة نوح هم المراد منهم في حديث
الثقلين، وهم الأئمة الاثنا عشر عليهم السلام، وهل يتسنى لغير الاثني عشري ركوب هذه
السفينة كي يخرقها من الجانب الآخر؟ كلا إنه من المغرقين.. وأما الاثنا عشرية
فإنهما يقتدون بجميع أجزاء السفينة وينظرون إليها بعين الاكرام والتعظيم، فهم إذن
ركابها والناجون بها من الغرق. هذا، والغريب أن (الدهلوي) يقيس سفينة أهل البيت
عليهم السلام بالسفينة الخشبية التي يصنعها الناس، فيجيز ثقبها وخرقها، مع أن الأمر
ليس كذلك، فإن السفينة - هذه - من صنع الله سبحانه، ولو اجتمع الإنس والجن على أن
يخرقوها لما أمكنهم ذلك، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. قوله: أجل فإن أهل السنة مهما
تنقلوا في الزوايا المختلفة فإن سفينتهم عامرة، وأنهم لم يثقبوا أية زاوية منها
أصلا ليتسرب الموج من ذلك الجانب ويؤدي بهم إلى الغرق، والحمد لله. أقول: يبطل هذا
ما تقدم نقله من كلمات أهل السنة في أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهو بالعكس من
ذلك عند الإمامية، فإن من راجع كلماتهم وجدهم يعتقدون في الأئمة عليهم السلام بما
هم أهله من العصمة والطهارة والامامة، ويتمسكون بأقوالهم في الأصول والفروع، فهم
ركاب سفينتهم لا الذين يقتدون بغيرهم ويقتفون أثر المتقدمين عليهم، فإن هؤلاء هم
المتخلفون عن السفينة، الهالكون في بحار الغي والضلالة، الذين صدق عليهم قوله تبارك
وتعالى: *(مما
ص 269
خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا)*(1). قوله: وبهذا
يتم لأهل السنة إلزام النواصب في إنكارهم لهذين الحديثين حيث ناقشوا في صحتهما
بالدليل العقلي، فقالوا: إن مفاد هذين الحديثين هو التكليف بما يمتنع عقلا وهو محال
بالبداهة، ذلك أنه إذا وجب التمسك بأهل البيت جميعهم مع ما هم عليه من الاختلاف في
العقائد والفروع، فذلك يستلزم التكليف بالجمع بين النقيضين وهو محال. وإذا وجب
التمسك ببعضهم فإما أن يكون ذلك مع التعيين أو بدونه، فعلى الأول يلزم الترجيح بلا
مرجح، خصوصا مع وجود الاختلاف بين القائلين بذلك في تأكيد النص لصالحهم، وعلى
الثاني يلزم تجويز العقائد المختلفة والشرائع المتفاوتة في الدين الواحد من الشارع،
في حين أن آية: *(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)* صريحة في خلاف ذلك، مضافا إلى
استحالته بضروريات الدين. ولا تستطيع أية فرقة من فرق الشيعة أن تخدش في دليل هؤلاء
الأشقياء إلا باتباع مذهب أهل السنة). أقول: لا يخفى على الخبير أن (الدهلوي) كثيرا
ما يدافع عن النواصب في هذا الكتاب، ويضع - من قبلهم - براهين وأدلة على ما ذهبوا
إليه، وقد نسب إليهم في المقام هذا الكلام مع أنا لم نجده في كتاب أحد منهم.
الأصل
في مناقشة الدهلوي

والواقع: إنه قد أخذ هذا من بعض أسلافه، فقد قال الشيخ إبراهيم
بن حسن الكردي - وهو الذي أثنى عليه (الدهلوي) واحتج ببعض هفواته في مبحث
(هامش)
(1) سورة نوح: 25. (*)
ص 270
آية الولاية، كما أنه من مشائخ والده (1) - في الجواب عن الحديثين في كتابه
(النبراس) ما نصه: (وأما خبر السفينة وإني تارك فيكم، فلا دلالة فيهما إلا على أن
المتمسك بهم غير ضال، ولا دلالة فيهما على أن تقليدهم أولى، كما لا دلالة فيهما على
أن المتمسك بغيرهم من التابعين للكتاب والسنة ليس على هدى. وأقرب ما يتبين به أنه
لا دلالة في ذلك على الأولوية، إن الأولوية لا تثبت بهذه الأحاديث إلا إذا دلت على
أنهم لا يخطئون أبدا، ولا دلالة فيها على ذلك كما يشهد به الواقع، لما مر أنهم قد
اختلفوا باعترافكم ونقلكم في المسائل الأصولية - وقد اعترفتم بأن الحق في الأصول
واحد، وإذا كان الحق واحدا - وهم قد اختلفوا اختلافا متناقضا - دل ذلك على تطرق
الخطأ الإجتهادي إليهم قطعا ولا محيص لإنكاره، وكلما تطرق إليهم كانوا كسائر
المجتهدين من الأمة، فلا أولوية بهذه الأحاديث أصلا). وقد تقدم سابقا عن (الدهلوي)
نفسه قوله: (والحاصل أن المراد بالعترة إما جميع أهل بيت السكنى، أو جميع بني هاشم،
أو جميع أولاد فاطمة وعلي، وعلى كل تقدير فالتمسك المأمور به إما بكل منهم أو بكلهم
أو بالبعض المبهم أو بالبعض المعين. والشقوق كلها باطلة. أما الأول فلأنه يستلزم
التمسك بالنقيضين في الواقع، لاختلاف العترة فيما بينهم في أصول الدين كما مر
مفصلا، وعلى الثاني يلغو الكلام، لأن التمسك بما أجمع عليه كلهم بحيث لا يشذ عنه
فرقة لا يجدي نفعا، إذ البحث في المسائل الخلافية. وعلى الثالث يلزم تصويب الطرفين
المتخالفين، ويلزم على الإمامية تصويب الزيدية والكيسانية وبالعكس. وعلى الرابع
يلزم التجهيل والتلبيس في التبليغ، إذ البعض المراد غير مذكور في الكلام، فيفضي إلى
النزاع في تعيينه كما
(هامش)
(1) وقال الشوكاني في (البدر الطالع 1 / 11) ما ملخصه: (الإمام المجتهد الكبير ولد
سنة 1025 وبرع في جميع الفنون وانتفع به الناس ورحلوا إليه وأخذوا عنه في كل فن حتى
مات سنة 1101). (*)
ص 271
هو الواقع). فظهر - إذن - أن ما ذكره من قبل النواصب هو من هفواته وهفوات أهل
السنة، وقد ذكرنا سابقا بطلانه بما لا مزيد عليه، ونقول هنا باختصار: بما أن الأئمة
الاثني عشر عليهم السلام هم مصداق (أهل البيت) في حديث الثقلين وحديث السفينة، وهم
متفقون في أصول الدين وفروعه وغير ذلك - فلا وجه لهذه الشقوق الباطلة أبدا. ثم إن
هؤلاء عليهم السلام معصومون من الخطأ ومبرؤن من الزلل، وأن اجتماعهم على عقيدة
واحدة ومذهب واحد من أظهر الأمور، حتى اعترف بذلك جماعة من علماء أهل السنة،
كالعلامة السندي صاحب (دراسات اللبيب). وإذ قد عرف (أهل البيت) بالتحقيق، وعلم أنهم
معصومون ومتفقون فيما بينهم في الأصول والفروع، ظهر بطلان كلام (الدهلوي) الذي زعم
أنه للنواصب، ولو تم ذلك للزم القدح في الإسلام. قال بعض علمائنا الأعلام هذا
المقام: (أما ما ذكره هذا الناصبي عن النواصب، فإنه في الحقيقة قدح في الإسلام، إذ
بناءا عليه يجوز للكفار أن يقولوا بوجود التناقض والاختلاف في آيات الكتاب، وإن
التكليف بالعمل بالمتناقضين محال، وأما أحدهما فإن كان معينا لزم الترجيح بلا مرجح
- وأيضا فالوجوه المرجحة مختلفة كذلك، وحينئذ يتمسك كل بما يرجح عقيدته - وإن لم
يكن معينا لزم تجويز الشرائع المتفاوتة في دين واحد. وأيضا، فإن هذا التقدير الذي
ارتكبه (الدهلوي) من قبل النواصب يبطل حديث النجوم - الذي طالما اغتر به هو وأصحابه
- إذ يمكن القول بأن الذي أمرت الأمة بالاقتداء به إما جميع الأصحاب وإما بعضهم،
فإن كان الأول لزم اجتماع النقيضين - للاختلاف الكثير فيما بينهم - وإن كان الثاني
فإما أن يكون معينا وإما أن يكون مبهما، فعلى الأول يلزم الترجيح بلا مرجح - على أن
حديث الاقتداء معارض بأحاديث ارتداد الأصحاب على الأعقاب، فيأتي هنا عين ما ذكره
ص 272
(الدهلوي) هناك، وأيضا، فإن الشيعة الذين يقتدون بأفضل الصحابة غير ملومين - وعلى
الثاني يلزم تجويز التناقضات). فتلخص: بطلان مناقشات (الدهلوي) في دلالة حديث
السفينة.
ص 273
تفنيد كلام الدهلوي في حاشية التحفة
ص 275
مناقشة أخرى

وقد نقل (الدهلوي) في هذا المقام في حاشية كتابه كلاما لبعض علماء
طائفته هو أكثر سخافة مما تقدم منه، فقال: قال الملا يعقوب الملتاني من علماء أهل
السنة: إن تشبيه أهل البيت بالسفينة والصحابة بالنجوم يشير إلى وجوب أخذ الشريعة من
الصحابة والطريقة من أهل البيت، إذ يستحيل الخوض في بحار الحقيقة والمعرفة من غير
إعمال قواعد الطريقة وتطبيق تكاليف الشريعة، كما يستحيل ركوب البحر من غير الاهتداء
بالنجوم، والسفينة - وإن كانت تنجي من الغرق - إلا أن الوصول إلى المقصود من دون
ملاحظة النجوم محال، كما أن ملاحظة النجوم من غير ركوب السفينة لا أثر لها. وعليك
بالتأمل في هذه النقطة فإنها عميقة. وجوه الجواب عن المناقشة أقول: وهذا الوجه -
الذي ذكره الفخر الرازي عن بعض المذكرين (1) - موهون
(هامش)
(1) جاء في التفسير الكبير تحت آية المودة (والحاصل أن هذه الآية تدل على وجوب حب
آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب أصحابه، وهذا المنصب لا يسلم إلا على قول
أصحابنا أهل السنة =
ص 276 (هامش)
= والجماعة الذين جمعوا بين حب العترة والصحابة، وسمعت بعض المذكرين قال: إنه صلى
الله عليه وسلم قال: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا وقال صلى الله
عليه وسلم: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، ونحن الآن في بحر التكليف
وتضربنا أمواج الشبهات والشهوات، وراكب البحر يحتاج إلى أمرين: (أحدهما) السفينة
الخالية عن العيوب والثقب. و(الثاني) الكواكب الظاهرة الطالعة النيرة، فإذا ركب تلك
السفينة ووقع نظره على تلك الكواكب الظاهرة كان رجاء السلامة غالبا، فكذلك ركب
أصحابنا أهل السنة سفينة حب آل محمد ووضعوا أبصارهم على نجوم الصحابة، فرجوا من
الله تعالى أن يفوزوا بالسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة). ومن الغريب استحسان
بعضهم هذا الكلام حتى نسبوه إلى الرازي، قال الطيبي في (الكاشف): (شبه الدنيا لما
فيها من الكفر والضلالات والبدع والأهواء الزائغة ببحر لجي يغشاه موج من فوقه موج
من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض، وقد أحاط بأكنافه وأطرافه الأرض كلها وليس فيه
خلاص ومناص إلا تلك السفينة وهي محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما
أحسن انضمامه مع قوله مثل أصحابي مثل النجوم من اقتدى بشيء منها اهتدى! قال الإمام
فخر الدين الرازي في تفسيره: نحن معاشر أهل السنة بحمد الله ركبنا سفينة محبة أهل
بيت النبي صلى الله عليه وسلم واهتدينا بنجم هدى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
ونرجوا النجاة من أهوال القيامة ودركات الجحيم والهداية إلى ما يزلفنا إلى درجات
الجنان والنعيم المقيم). وقال القاري في (المرقاة) في شرح حديث السفينة نقلا عن
الطيبي (شبه الدنيا بما فيها من الكفر والضلالات والبدع والجهالات والأهواء الزائغة
ببحر لجي يغشاه موج من فوقه من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض، وقد أحاط بأكنافه
وأطرافه الأرض كلها وليس منه خلاص ولا مناص إلا تلك السفينة وهي محبة أهل بيت
الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أحسن انضمامه مع قوله مثل أصحابي مثل النجوم من
اقتدى بشيء منه (منها. ظ) اهتدى ونعم ما قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره:
نحن معاشر أهل السنة بحمد الله ركبنا سفينة محبة أهل البيت واهتدينا بنجم هدى أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم، فنرجوا النجاة من أهوال القيمة ودركات الجحيم والهداية
إلى ما يوجب درجات الجنان والنعيم المقيم. إنتهى. وتوضيحه أن من لم يدخل السفينة
كالخوارج من الهالكين في أول وهلة، ومن دخلها ولم يهتد بنجوم الصحابة كالروافض ضل
ووقع في ظلمات ليس بخارج منها). (*)
ص 277
بوجوه: الوجه الأول: إن حديث النجوم موضوع حسب اعتراف كبار أئمة أهل السنة (1).
الوجه الثاني: إن المراد من (الأصحاب) في هذا الحديث - لو صح - هم (أهل البيت)
عليهم السلام، كما حقق ذلك في (استقصاء الافحام) فيجب أخذ الشريعة منهم كذلك. الوجه
الثالث: لو لم يكن المراد (أهل البيت) فلا ريب في أن بعضهم من (الأصحاب)، فالاقتداء
بهم يستلزم الهداية، ويجب أخذ الشريعة والطريقة منهم معا. الوجه الرابع: لما شمل
حديث النجوم على فرض صحته أئمة أهل البيت عليهم السلام، وكان حديث السفينة مختصا
بهم - باعترافه - كانوا عليهم السلام أولى وأقدم من غيرهم، لجمعهم بين الفضيلتين
اللتين أشار إليهما. الوجه الخامس: لقد دلت الأدلة الوافرة من الكتاب والسنة على
وجوب أخذ الشريعة من أهل بيت العصمة والطهارة. الوجه السادس: دعوى دلالة حديث
السفينة على الرجوع إليهم عليهم السلام في الطريقة فحسب، تردها تصريحات كبار
علمائهم، فإن من راجعها ظهر له حكمهم بوجوب الرجوع إليهم عليهم السلام في الشريعة
والطريقة معا. الوجه السابع: لقد بلغت دلالة حديث السفينة على أخذ الشريعة من أهل
البيت عليهم السلام من الوضوح حدا حتى اعترف بها نصر الله الكابلي صاحب (الصواقع)
فقال بعده (ولا شك أن الفلاح منوط بولائهم وهديهم والهلاك بالتخلف عنهم، ومن ثمة
كان الخلفاء والصحابة يرجعون إلى أفضلهم فيما أشكل
(هامش)
(1) حديث (أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم) موضوع باطل سندا ودلالة باعتراف
أعلام القوم من المتقدمين والمتأخرين. وقد فصلنا فيه الكلام في قسم (حديث الثقلين)
حيث ذكره الدهلوي معارضا للحديث المذكور، كما أنا بحثنا عنه في رسالة مفردة مطبوعة.
(*)
ص 278
عليهم من المسائل، وذلك لأن ولاءهم واجب وهديهم هدي النبي صلى الله عليه وسلم).
الوجه الثامن: لقد اعترف (الدهلوي) نفسه بهذا المعنى إذ قال (وكذلك حديث مثل أهل
بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، فإنه لا يدل إلا على
الفلاح والهداية الحاصلين من حبهم والناشئين من اتباعهم، وأن التخلف عن حبهم موجب
للهلاك). وقال في حاشية (التفحة) أيضا.. (وهكذا الأمر في الاتباع والانقياد، فإن
أهل السنة لا يخصون ذلك بطائفة دون أخرى، بل يروون أحاديث جميعهم ويتمسكون بها كما
تشهد بذلك كتبهم في التفسير والحديث والفقه). الوجه التاسع: ما ذكره الملتاني
يستلزم تضليل أهل البيت عليهم السلام - والعياذ بالله - والصحابة جميعا، إذ من
المعلوم أن أهل البيت عليهم السلام لم يأخذوا الشريعة من الأصحاب، كما أن الأصحاب
لم يسلكوا طريق أهل البيت ولم يهتدوا بهداهم، بل كان أكثرهم قالين لهم منحرفين
عنهم. الوجه العاشر: كلامه يقتضي تضليل مذهب المتصوفة الذين يذهبون إلى وصول
أوليائهم إلى أقصى مراتب الكمال ومدارج العرفان، مع مجانبتهم للشريعة وتركهم
للواجبات الشرعية، بل وارتكابهم للمحرمات الإلهية.. كما لا يخفى على ناظر (لواقع
الأنوار) و(نفحات الأنس) وغيرهما من كتب المتصوفين الأعلام، وقد ذكر شطر من أحوالهم
في كتاب (استقصاء الافحام). الوجه الحادي عشر: دعوى لزوم الاهتداء بالنجوم باطلة،
لأن قوله تعالى *(وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر)*(1)
صريح في أن الاهتداء بها يكون في ظلمات البر والبحر، وأما في حال وضوح الطريق،
ومعرفة الربان به، وجريان السفينة بإذن الله، فلا حاجة إلى ذلك، لأن من شأن هذه.
(هامش)
(1) سورة الأنعام: 97. (*)
ص 279
السفينة أن ترسو على شاطئ النجاة لا محالة، وأن تصل إلى هدفها المطلوب قطعا، وهذا
ظاهر. الوجه الثاني عشر: قوله: إن الوصول إلى المقصود من دون ملاحظة النجوم محال
باطل كذلك، لما ذكرنا في الوجه السابق، ونضيف هنا: إذا كان الهدف الأصلي من الركوب
هو النجاة من الغرق، فإن مجرد الركوب كاف لحصول هذا الغرض، ولا حاجة إلى الاهتداء
بالنجوم حينئذ أبدا، كما لا يخفى. الوجه الثالث عشر: قوله كما أن.. إعتراف بالحق،
إلا أنه يريد بهذا التأكيد على ورود حديث النجوم في حق أسلافه، وقد بينا بطلان ذلك.
الوجه الربع عشر: إن هذا الكلام واضح البطلان والهوان، ولا ينطوي على فائدة، ولا
يتضمن معنى وجيها، فلا وجه لأمره بالتأمل فيه.
من وجوه الشبه بين سفينة نوح وأهل
البيت

لقد شبه النبي صلى الله عليه وآله أهل البيت بسفينة نوح عليه السلام لا
بسفينة أخرى، ومن المعلوم أن سفينة نوح لم تكن بحاجة إلى الاهتداء بالنجوم، فما
ذكره الملتاني و(الدهلوي) باطل قطعا. ويدل على استغناء سفينة نوح عن ذلك وجوه: 1 -
الغرض من الركوب هو النجاة

لقد كان الغرض الأصلي من ركوب سفينة نوح عليه السلام هو
النجاة من الهلاك والغرق في الطوفان الذي جاء قوم نوح، أي: إن الله تعالى قد ضمن
النجاة لركابها، وفي هذه الحالة يكفي مجرد الركوب فيها لأجل النجاة من الهلاك
والخلاص من الغرق، من غير توقف على الاهتداء بالنجوم. ولقد كان هذا المعنى مقصودا
للنبي صلى الله عليه وآله حين قال: من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق..
ص 280
2 - وجود نوح فيها من أسباب النجاة

وإن وجود نوح عليه السلام - وهو نبي معصوم ومن
أولي العزم - كان من أسباب نجاة السفينة وركابها واهتدائها إلى ساحل النجاة، من دون
حاجة إلى شيء من الأسباب الظاهرية.
3 - *(واصنع الفلك بأعيننا)*

.. وإن السفينة التي
صنعت بيد نوح عليه السلام وبعين الباري ووحيه لا بد وأن تصل إلى هدفها المقصود،
وإلى ساحل الأمان والنجاة من الغرق وسائر الأخطار.. قال الله تعالى مخاطبا لنوح
عليه السلام: *(واصنع الفلك بأعيننا ووحينا)*(1).
4 *(بسم الله مجريها..)*

ولقد قال
الله تعالى في حق هذه السفينة *(بسم الله مجريها ومرساها)*(1). وقد ذكر المفسرون في
معنى هذه الآية: أن نوحا عليه السلام إذا أراد أن ترسو قال بسم الله، فرست، وإذا
أراد أن تجري قال: بسم الله، فجرت: قال الطبري: (حدثنا أبو كريب، قال ثنا جابر بن
نوح، قال ثنا: أبو روق عن الضحاك في قوله: *(إركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها)*
قال: إذا أراد أن ترسي قال بسم الله فرست. وإذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت)
(3). وقال البغوي: (قال الضحاك: كان نوح إذ أراد أن تجري السفينة قال بسم
(هامش)
(1) سورة هود: 37. (1) سورة هود: 41. (2) تفسير الطبري 12 / 45. (*)
ص 281
الله جرت، وإذا أراد أن ترسو قال بسم الله رست) (1). وقال الرازي: (قال ابن عباس:
تجري بسم الله وقدرته، وترسو بسم الله وقدرته وقيل: كان إذا أراد أن تجري بهم قال
بسم الله مجريها فتجري، وإذا أراد أن ترسوا قال بسم الله مرسها فترسو) (2). وقال
النيسابوري: (يروى أن كان إذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت، وإذا أراد أن ترسو
قال بسم الله فرست) (3). وقال علاء الدين الخازن البغدادي (يعني بسم الله إجراؤها
قال الضحاك: كان نوح إذا أراد أن تجري السفينة قال: بسم الله فتجري، وكان إذا أراد
أن ترسو يعني تقف قال بسم الله فترسو أي تقف) (4). وقال السيوطي (وأخرج ابن جرير عن
الضحاك قال: كان إذا أراد أن ترسي قال بسم الله فأرست وإذا أراد أن تجري قال بسم
الله فجرت) (5).
5 *(.. تجري بأعيننا..)*

وقال الله عز وجل فيها: *(وحملناه على ذات
ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر)*(6). قال الطبري: (وقوله: تجري بأعيننا،
يقول جل ثناؤه تجري السفينة التي حملنا نوحا فيها بمرأى منا ومنظر، وذكر عن سفيان
في تأويل ذلك ما حدثنا ابن حميد قال: ثنا مهران عن سفيان في قوله تجري بأعيننا
يقول: بأمرنا) (7).
(هامش)
(1) تفسير البغوي 3 / 190. (2) تفسير الرازي 17 / 229. (3) تفسير النيسابوري 12 /
28. (4) تفسير الخازن 3 / 190. (5) الدر المنثور 3 / 333. (6) سورة القمر: 14. (7)
تفسير الطبري 27 / 94. (*)
ص 282
وقال الثعلبي: (قوله عز وجل تجري بأعيننا، أي بمرأى منا. مقاتل بن حيان: بحفظنا،
ومنه قول الناس للمودع: عين الله عليك. مقاتل بن سليمان: لوحينا. سفيان: بأمرنا)
(1). وقال البغوي: (تجري بأعيننا أي بمرأى منا. وقال مقاتل بن حيان: بحفظنا ومنه
قولهم للمودع: عين الله عليك، وقال سفيان بأمرنا) (2). وقال الخازن البغدادي: (تجري
يعني السفينة بأعيننا يعني بمرأى منا، وقيل: بحفظنا، وقيل بأمرنا) (3). وقال ابن
كثير الشامي: (وقوله: تجري بأعيننا أي بأمرنا بمرأى منا وتحت حفظنا وكلائتنا) (4).
6 - وحي الله إلى السفينة

ولقد كانت السفينة تجري بوحي من الله تعالى إليها، وكانت
تحدث نوحا في مسيرتها وطوافها في الأرض، قال محمد بن عبد الله الكسائي: (وقال:
وأوحى الله إلى السفينة أن تطوف أقطار الأرض. فعند ذلك أطبق نوح أبوابها. وجعل يتلو
صحف شيث وإدريس، وكانوا لا يعرفون الليل والنهار في السفينة إلا بخردة بيضاء كانت
مركبة في السفينة إذا نقص ضوءها علموا أنه ليل، وإذا زاد ضوءها علموا أنه نهار،
وكان الديك يصقع عند الصباح فيعلمون أنه قد طلع الفجر. قال وهب: إذا صقع الديك
يقول: سبحان الملك القدوس، سبحان من أذهب الليل وجاء بالنهار، يا نوح الصلاة يرحمك
الله.
(هامش)
(1) الكشف والبيان - مخطوط. (2) تفسير البغوي 3 / 188. (3) تفسير الخازن 3 / 188.
(4) تفسير ابن كثير 4 / 264. (*)
ص 283
قال: والدنيا كلها أطبقت بالماء ولا يرى فيها جبل ولا حجر ولا شجر، وكان الماء قد
علا أعلى الجبال أربعين ذراعا، وسارت السفينة حتى وقعت ببيت المقدس ثم وقفت وقالت:
يا نوح هذا البيت المقدس الذي يسكنه الأنبياء من ولدك عليهم السلام. ثم كرت راجعة
حتى صارت موضع الكعبة، وطافت سبعا، ونطقت بالتلبية فلبى نوح ومن معه في السفينة،
وكانت لا تقف في موضع إلا تناديه وتقول: يا نوح هذه بقعة كذا، وهذا جبل كذا وكذا،
حتى طافت بنوح الشرق والغرب، ثم كرت راجعة إلى ديار قومه وقالت: يا نوح يا نبي
الله، ألا تسمع صلصلة السلاسل في أعناق قومك *(مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا
فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا)*(1). قال: (ولم تزل السفينة كذا ستة أشهر أولها
رجب وآخرها ذي الحجة) (2).
7 - لولا أهل البيت ما سارت

ولقد كان أهل بيت نبينا عليه
وعليهم الصلاة والسلام السبب الحقيقي لحركة سفينة نوح ونجاة أهلها من الغرق
والهلاك، كما جاء في حديث رواه الحافظ محب الدين محمد بن محمود بن النجار البغدادي
* المترجم له ببالغ الثناء والتعظيم في تذكرة الحفاظ 4 / 212 والعبر 5 / 180 وفوات
الوفيات 2 / 522 والوافي بالوفيات 5 / 9 ومرآة الجنان 4 / 111 وطبقات السبكي 5 / 41
وطبقات الأسنوي 2 / 502
(هامش)
(1) سورة نوح: 25. (2) قصص الأنبياء للكسائي - مخطوط، ومحمد بن عبد الله الكسائي من
علماء القرن الخامس الهجري وكتاب (بدء الدنيا وقصص الأنبياء لمحمد بن عبد الله
الكسائي منه نسخة في دار الكتب الظاهرية بدمشق أولها: هذا كتاب فيه قصص الأنبياء..
قال الإمام محمد بن عبد الله الكسائي: هذا كتاب جمعته في خلق السموات والأرض وخلق
الجن والإنس وأحوال الأنبياء على قدر ما وقع لي من أخبارهم واتصل لي من ابتدائهم
واجتهدت وتخيرت ما اقترب منها وألقيت ما بعد..) انظر فهرس مخطوطات دار الكتب
الظاهرية التاريخ وملحقاته 123 فما في كشف الظنون من نسبته إلى علي بن حمزة الكسائي
المشهور سهو. (*)
ص 284
وغيرها * بترجمة الحسن بن أحمد المحمدي بسنده: (عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: لما أراد الله عز وجل أن يهلك قوم نوح عليه السلام أوحى الله
إليه أن شق ألواح الساج، فلما شقها لم يدر ما صنع، فهبط جبرائيل عليه السلام فأراه
هيئة السفينة ومعه تابوت فيه مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار، فسمر المسامير
كلها في السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير، فضرب بيده إلى مسمار منها فأشرق في يده
وأضاء كما يضئ الكوكب الدري في أفق السماء، فتحير من ذلك نوح فأطلق الله ذلك
المسمار بلسان طلق ذلق فقال: أنا على اسم خير الأنبياء محمد بن عبد الله، فهبط
جبرائيل فقال له: يا جبرائيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله، قال: هذا بسم خير
الأولين والآخرين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أسمره في أولها على جانب
السفينة الأيمن، ثم ضرب بيده على مسمار ثان فأشرق وأنار، فقال نوح عليه السلام وما
هذا المسمار؟ قال: مسمار أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب فأسمره على جانب السفينة
اليسار في أولها، ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر وأشرق وأنار فقال له جبرائيل
عليه السلام: هذا مسمار فاطمة عليها السلام فأسمره إلى جانب مسمار أبيها صلى الله
عليه وسلم، ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر وأنار فقال له: هذا مسمار الحسن فأسمره
إلى جانب مسمار أبيه، ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس فأشرق وأنار وبكى وأظهر النداوة
فقال: يا جبرائيل ما هذه النداوة؟ فقال: هذا مسمار الحسين بن علي سيد الشهداء
فأسمره إلى جانب مسمار أخيه. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى:
*(وحملناه على ذات ألواح ودسر)* قال النبي صلى الله عليه وسلم: الألواح خشب السفينة
ونحن الدسر ولولانا ما سارت السفينة بأهلها) (1).
(هامش)
(1) ذيل تاريخ بغداد - مخطوط. (*)
ص 285
فهذه من خصائص سفينة نوح، وهل هي بحاجة إلى الاهتداء بالنجوم؟! كلا والله.. ومثل
أهل البيت مثل سفينة نوح..
ص 287
النظر في كلام آخر للدهلوي

ص 289
ولقد حاول (الدهلوي) أن يصرف - بأسلوب خداع - حديث السفينة عن مفاده الحقيقي ومعناه
الواقعي، فقال في تفسيره (فتح العزيز) تبعا للشيخ يعقوب الملتاني: (*(حملناكم في
الجارية)* أي حملناكم في السفينة الجارية على ماء الطوفان ولم تغرق، وبالرغم من
اشتراك الجميع في العذاب فقد حفظناكم إذ كنتم في أصلاب المؤمنين، ولقد جرت سفينتكم
على مادة العذاب تلك - وهي ماء الطوفان - بسلام، كما يجري المؤمنون من على الصراط
المنصوب على جهنم يوم القيامة *(لنجعلها لكم تذكرة)* وهذا من فوائد ذلك، أي: لنجعل
السفينة لكم تذكرة، فتصنعونها من الألواح الخشبية وتنتقلون بها من بلد إلى آخر،
وتركبون فيها متى خفتم من الغرق، ويظهر لكم بالتأمل في ذلك أن الخلاص من ثقل الذنوب
- التي تغرق صاحبها وترميه إلى قعر الهاوية - لا يمكن إلا عن طريق التوسل بالأشخاص
الذين وصلوا إلى مرتبة أصبحوا بها ظرف ألطف اللطفا، نظير الظرف الخشبي الذي يملؤه
الهواء اللطيف، فلا بد من السعي - كيفما كان - حتى نجعل أنفسنا في هذه الظروف
لتشملنا بركة ذاك اللطيف - وهو مظروفها - ونتخلص من ثقل الذنوب على أثر الاتحاد بين
الظرف واللطيف المظروف. ولما كانت الظروف اللطيفة نادرة الوجود في كل عصر، فلا بد
من الطلب
ص 290
الحثيث لها والفحص عنها ثم متابعتها والانقياد لها بجميع الجوارح والأركان، وتلك
الظروف في هذه الأمة هم أهل بيت المصطفى عليهم السلام، فمن أحبهم واتبعهم أحبوه
بقلوبهم المنورة العامرة بنور الله جل اسمه، وإذا كان كذلك حصل النجاة من الذنوب..
ومن هنا جاء في الحديث: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف
عنها غرق. ووجه تخصيصهم بهذه المرتبة والفضيلة هو: إن سفينة نوح كانت الصورة
العملية لكمال نوح عليه السلام، وكان أهل البيت عليهم السلام الصورة العملية لكمال
خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم من قبل الله تعالى وهي عبارة عن الطريقة، إذ لا
يتصور وجودها في أحد إلا إذا ناسبه في القوى الروحية: في العصمة والحفظ والفتوة
والسماحة، وهذه المناسبة لا تحصل إلا مع علاقة الأصلية والفرعية وجهة الولادة منه
صلى الله عليه وسلم، فلذا جعل هذا الكمال - مع جميع شعبه وفروعه - فيهم، وهذا معنى
الإمامة التي يوصي بها الواحد منهم إلى الآخر عند وفاته، وهذا سر انتهاء سلاسل
أولياء الأمة إليهم، وأن من تمسك بحبل الله، يرجع إليهم لا محالة ويركب سفينتهم.
وهذا بخلاف الكمال العلمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه قد تجلى غالبا في
أصحابه الكرام، إذ من اللازم والضروري - لانطباع ذلك الكمال - هو ملازمة التلميذ
لاستاذه الزمن الطويل، وتفطنه لخصائصه وتعلمه لأساليبه في حل المشكلات واستخراج
المجهولات، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
وبما أن قطع بحر الحقيقة لا يكون إلا بجناحي العلم والعمل، فإن من الضروري للمسلم
أن يتمسك بهما معا، كما أن قطع البحر لا يمكن من دون ركوب السفينة مع ملاحظة النجوم
ليهتدي بها في سيره، ولذا قال *(وتعيها)* أي: وتعي قصة السفينة ونجاة المؤمنين بها
من الغرق *(أذن واعية)*: وفي الحديث: أنه لما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه
وسلم لعلي كرم الله وجهه: سألت الله
ص 291
أن يجعلها أذنك يا علي، ومن أجل هذا كانت هذه المرتبة وهذا الشرف خاصا بأمير
المؤمنين، إذ لا يتصور أن يكون أهل البيت سفينة النجاة إلا بواسطة علي، وذلك لأن
أهل بيته - المؤهلين للإمامة - كانوا صغارا حينذاك، وكان إحالة تربيتهم إلى غيره
منافيا لشأنه وكماله، فلا جرم كان من الضروري جعل أمير المؤمنين سببا للنجاة
والخلاص من الذنوب وأن يكون إماما للناس، ومصدرا لكمالات النبي صلى الله عليه وسلم
العملية، كي ينقلها هو بدوره بحكم الأبوة إلى أولاده، ولكي تبقى هذه السلسلة إلى
يوم القيامة، ولهذا فقد خاطب أمير المؤمنين ب (يعسوب المؤمنين). هذا، بالاضافة إلى
أن الأمير تربى في حجر النبي عليه السلام ثم صار صهره وشاركه في كل الأمور حتى كأنه
ابنه صلى الله عليه وسلم، وحصلت له - بفضل ذلك - مناسبة كلية معه صلى الله عليه
وسلم في قواه الروحية، فأصبح الظل والصورة لكمالاته العملية التي هي عبارة عن
الولاية والطريقة، وهكذا تضاعف - بفضل دعائه صلى الله عليه وسلم في حقه - استعداده
وبلغ الكمال، كما تظهر آثاره في ظواهر الأولياء وبواطنهم في كل طريقة وسلسلة،
والحمد لله).
الرد على هذا الكلام

أقول: وهذا الكلام فيه الحق والباطل ونحن نوضح
ذلك في ما يلي: 1 - قوله: إن الخلاص من ثقل الذنوب.. مدح لأهل البيت عليهم السلام
وهو في نفس الوقت ذم لغيرهم، لأنه يفهم عدم وجود من بلغ هذه المرتبة السامية في
صحابة الرسول صلى الله عليه وآله. 2 - قوله: فلا بد من السعي.. فيه تنقيص وذم
الأصحاب الذين لم يكونوا بصدد ذلك في وقت الأوقات، بل كانوا على العكس منه كما يشهد
بذلك تاريخهم.
ص 292
3 - قوله: ونتخلص من ثقل الذنوب على أثر الاتحاد.. فيه: إن الاتحاد بهذا المعنى
مردود لدى المحققين من أهل العرفان، لأن دعوى هذا الاتحاد - ولو مجازا - لا تخلو -
عندهم - من الجسارة وسوء الأدب.. 4 - لقد اعترف بأن: هذه الظروف نادرة الوجود في كل
عصر.. وهذا يدل - بالنظر الدقيق - على حقية مذهب الإمامية، لأن مراد (الدهلوي) من
(الظروف) هم الذوات المقدسة من (أهل البيت) وهم الأئمة (الاثنا عشر) الذين تعتقد
الإمامية - بالاتفاق - بعصمتهم وطهارتهم. فدعوى (الدهلوي) شمول (أهل البيت) لغير
(الاثني عشر) ومناقشته دلالة (حديث الثقلين) و(حديث السفينة) من هذه الجهة باطلة من
كلامه في هذا المقام. 5 - قوله: فلا بد من الطلب الحثيث لها.. فيه طعن في الذين
تركوا هذا الأمر، بل فعلوا بهم من القتل والظلم والتشريد، فويل لهم ولأتباعهم.. 6 -
لقد اعترف بأن: تلك الظروف في هذه الأمة هم أهل البيت.. وهذا يقتضي أنهم عليهم
السلام أفضل من غيرهم، وأولى بالاتباع والانقياد لهم من سواهم، وبهذا تسقط مقالات
(الدهلوي) ووالده وغيرهما في تفضيل غيرهم عليهم. 7 - ما ذكره في وجه تخصيصهم بهذه
المرتبة.. كلمة حق يراد بها باطل، لأنهم عليهم السلام ورثوا جميع كمالات أبيهم -
العملية والعلمية - ولا كلام للمحققين في أنهم مصادر الشريعة وأئمة الأمة، ومن أراد
التفصيل فعليه بمراجعة (جواهر العقدين) و(ذخيرة المآل). 8 - ذكر (الدهلوي) أنه لا
يتصور وجود الصورة العملية في أحد إلا إذا ناسب النبي صلى الله عليه وسلم في القوى
الروحية: العصمة والحفظ والفتوة والسماحة، ولا تتحقق هذه المناسبة إلا عند وجود
علاقة الفرعية، ومن المعلوم أن ذلك كله لم يوجد إلا في أهل البيت عليهم السلام.
وأما مشايخ القوم فقد كانوا
ص 293
بمعزل من هذه الخصائص، بل لا يتصور وجودها فيهم فضلا عن تحققها لديهم، وعلى هذا
الأساس أيضا تثبت إمامة أهل البيت وخلافتهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
دون أولئك الذين لم يكن لهم نصيب من كمالات الرسول وخصائصه الروحية. 9 - ذكر: أن
الكمال العملي لرسول الله صلى الله عليه وآله - بجميع شعبه وفروعه - إنتقل إلى أهل
البيت وكانوا هم أهله، وهذا معنى الإمامة التي كان الواحد منهم يوصي بها إلى الآخر
عند وفاته. وهذا الكلام - وإن كان يثبت أفضلية أهل البيت عليهم السلام من هذه
الناحية - تمهيد منه لتقديم غيرهم عليهم في الناحية العلمية، وهي دعوى باطلة مردودة
بوجوه لا تحصى، لأن أعلميتهم من غيرهم أمر مقطوع به، ولو أردنا جمع الآيات
والروايات الدالة على ذلك، ثم استقصاء القضايا التي رجع الخلفاء وغيرهم إليهم لصارت
كتابا ضخما، وقد ذكرنا طرفا وافيا منها في مجلد حديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها)
فليراجع. ثم إنه حمل الإمامة، على المعنى المصطلح عليه لدى (الصوفية) وهذا باطل
أيضا، بل المراد من (الإمامة) - كما ذكر علماء أهل الحق، وأوضحناه في مجلد حديث
الثقلين وحديث السفينة - هو معناها المعروف الشائع، وهو (الخلافة عن رسول الله صلى
الله عليه وآله في جميع الشؤون)، كما أنا أبطلنا في قسم (حديث التشبيه) دعوى
انحصارها في (القطبية والارشاد). 10 - قوله: وهذا سر انتهاء سلاسل أولياء الأمة
إليهم.. طعن صريح في ظالمي أهل البيت عليهم السلام وغاصبي حقوقهم، ورد على من جحد
هذه الفضيلة كابن تيمية في (منهاج السنة) ووالد (الدهلوي) في كتابيه (قرة العينين)
و(إزالة الخفاء) وقد أوردنا كلماتهم في قسم (حديث التشبيه).
ص 294
رجوع كبار الصحابة إلى علي في المعضلات

11 - قوله: وهذا بخلاف الكمال العلمي لرسول
الله صلى الله عليه وسلم.. باطل، ويشهد ببطلانه كل منصف، بل لا نسبة علوم أهل البيت
عليهم السلام وعلوم الصحابة إلا كنسبة الذرة إلى عين الشمس والقطرة إلى البحر
المحيط، وكيف لا يكون كذلك؟! وهم أبواب علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومراجع
الأصحاب وغيرهم في جميع العلوم، وقد أمروا بالأخذ منهم والانقياد لأوامرهم
ونواهيهم: قال الشافعي في حق أمير المؤمنين - فيما نقل عنه الفخر الرازي في مناقبه:
(وأكثر ما أخذ عنه في زمان عمر وعثمان، لأنهما كانا يسألانه ويرجعان إلى قوله، وكان
علي كرم الله وجهه خص بعلم القرآن والفقه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له
وأمره أن يفتي بين الناس، وكانت قضاياه ترفع إلى النبي فيمضيها). وقال النووي:
(وسؤال كبار الصحابة ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل
المعضلات أيضا مشهور) (1). وقال الكرماني: (وسؤال كبار الصحابة ورجوعهم إلى فتاواه
وأقواله في المسائل المعضلات أيضا مشهور) (2). وقال ابن روزبهان: (رجوع الصحابة
إليه في الفتوى غير بعيد، لأنه كان من مفتي الصحابة، والرجوع إلى المفتي من شأن
المستفتين، وأن رجوع عمر إليه كرجوع الأئمة وولاة العدل إلى علماء الأمة) (3). وقال
القاري: (والمعضلات التي سأله كبار الصحابة ورجعوا إلى فتواه فيها
(هامش)
(1) تهذيب الأسماء واللغات 1 / 346. (2) الكواكب الدراري في شرح البخاري 2 / 109.
(3) إبطال الباطل لابن روزبهان. (*)
ص 295
فضائل كثيرة شهيرة، تحقق قوله عليه السلام: أنا مدينة العلم وعلي بابها. وقوله عليه
السلام، أقضاكم علي) (1). وقال الحفني: (قوله (عيبة علمي) أي: وعاء علمي الحافظ له،
فإنه باب مدينة العلم، ولذا كانت الصحابة تحتاج إليه في فك المشكلات) (2). وقال
العجيلي: (ولم يكن يسأل منهم واحدا، وكلهم يسأله مسترشدا، وما ذلك إلا لخمود نار
السؤال تحت نور الاطلاع) (3). وفوق هذا كله: فقد أنطق الحق نصر الله الكابلي فقال
في (الصواقع): (ولا شك أن الفلاح منوط بولائهم وهديهم والهلاك بالتخلف عنهم، ومن
ثمة كان الخلفاء والصحابة يرجعون إلى أفضلهم فيما أشكل عليهم من المسائل، وذلك لأن
ولاءهم واجب وهديهم هدي النبي صلى الله عليه وسلم). ومن أراد المزيد من هذه الكلمات
فعليه بمراجعة قسم حديث (مدينة العلم) من كتابنا. هذا، ومن العجيب: إستدلال
(الدهلوي) لدعوى تجلى علوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصحابة بملازمتهم له
وتفطنهم وتعلمهم، والحال أن هذه الأوصاف كلها كانت مجموعة لدى أهل البيت عليهم
السلام والأصحاب بعيدون عنها غاية البعد، والشواهد على جهلهم بالقضايا والأحكام
كثيرة جدا، وقد ذكر طرف منها في (تشييد المطاعن) ومجلد حديث (مدينة العلم).
كلمات
في حديث النجوم

12 - استشهاد (الدهلوي) بحديث النجوم لاثبات مرامه واضح البطلان،
فإن هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة الباطلة لدى الحفاظ
(هامش)
(1) شرح الفقه الأكبر 113. (2) حاشية الجامع الصغير. (3) ذخيرة المآل - مخطوط. (*)
ص 296
الأعيان، كما تقدم بالتفصيل في مجلد حديث الثقلين، وإليك بعض كلماتهم فيه: قال
السبكي: (وهذا حديث قال فيه أحمد: لا يصح، ثم إنه منقطع..) (1). وقال الشاطبي: (..
إنه مطعون في سنده..) (2). وقال ابن أمير الحاج: (.. له طرق بألفاظ مختلفة ولم يصح
منها شي..) (3). وقال ابن حزم ما ملخصه: (وأما الحديث المذكور فباطل مكذوب من توليد
أهل الفسق لوجوه ضرورية: أحدها: إنه لم يصح من طريق [النقل] والثاني: أنه صلى الله
عليه وسلم لم يجز أن يأمر بما نهى عنه، وهو عليه السلام قد أخبر أن أبا بكر قد أخطأ
في تفسير فسره، وكذب عمر في تأويل تأوله في الهجرة.. فمن المحال الممتنع الذي لا
يجوز ألبتة أن يكون عليه السلام يأمر باتباع ما قد أخبر أنه خطأ، فيكون حينئذ أمر
بالخطأ، تعالى الله عن ذلك، وحاشا له عليه السلام من هذه الصفة.. والثالث: أن النبي
صلى الله عليه وسلم لا يقول الباطل بل قوله الحق، وتشبيه المشبه للمصيبين بالنجوم
تشبيه فاسد وكذب ظاهر، لأنه من أراد جهة مطلع الجدي فأم جهة مطلع السرطان لم يهتد
بل قد ضل ضلالا بعيدا وأخطأ خطأ فاحشا وخسر خسرانا مبينا، وليس كل النجوم يهتدى بها
في كل طريق. فبطل التشبيه المذكور، ووضح كذب ذلك الحديث وسقوطه وضوحا ضروريا) (4).
وقال أيضا: (وأما الرواية أصحابي كالنجوم فرواية ساقطة..) (5).
(هامش)
(1) الابهاج في شرح المنهاج 2 / 368. (2) الموافقات 4 / 80. (3) التقرير والتحبير 3
/ 312. (4) الاحكام في أصول الأحكام 5 / 64 - 65. (5) المصدر نفسه 6 / 82. (*)
ص 297
13 - قوله: وبما أن قطع بحر الحقيقة.. مبني على ما ذكره سابقا، وقد ثبت مما تقدم أن
أهل البيت عليهم السلام قد حازوا الكمالات العلمية والعملية معا، فما ذكره مبنى
وبناء باطل.
الأذن الواعية: علي عليه السلام

14 - لقد اعترف (الدهلوي) بأن (الأذن
الواعية) في الآية الكريمة (1) هو (أمير المؤمنين عليه السلام) وقد صرح بهذا كبار
علماء أهل السنة أيضا (2). وهو دليل واضح على أعلميته عليه الصلاة والسلام، فمن
العجيب تقديمه غيره عليه من الناحية العلمية، والأعجب من ذلك: نفي خلافته عليه
السلام عن النبي صلى الله عليه وآله بلا فصل، لأن الأعلمية تستلزمها كما هو واضح.
15 - لم يكن كون (أهل البيت) سفينة النجاة متوقفا على كون (علي) عليه السلام (الأذن
الواعية) كما يدعي (الدهلوي) في قوله: من أجل هذا.. بل لما كان علي عليه السلام
المصداق الأتم لقوله تعالى: *(قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم
الكتاب)*(3) وكان باب مدينة علم الرسول صلى الله عليه وآله استحق أن يكون (الأذن
الواعية). 16 - ولما كان عليه السلام سبب نجاة (سفينة نوح) - كما تقدم في حديث عن
النبي صلى الله عليه وآله - وكان مثله كمثل تلك السفينة في إنجاء الأمة من الهلاك،
كان ذكره عليه السلام - بهذا الصفة - في القرآن الكريم بعد بيان قصة سفينة نوح عليه
السلام أولى وأحرى. وأما أهل البيت عليهم السلام فإن كل واحد منهم بالاستقلال مثل
كمثل سفينة نوح، وكانوا بأجمعهم - سواء كانوا كبارا أم صغارا - كمثل سفينة نوح على
(هامش)
(1) سورة الحاقة - 12. (2) أنظر: الدر المنثور في تفسير الآية، وكنز العمال 3 / 398
وغيرهما. (3) سورة الرعد - 43. (*)
ص 298
عهد النبي صلى الله عليه وآله، وذلك ظاهر كل الظهور، ولكن من لم يجعل الله له نورا
فما له من نور.
تنبيهات على مقاصد الدهلوي ومزاعمه

17 - قوله: وذلك لأن أهل بيته -
المؤهلين للإمامة - كانوا صغارا حينذاك.. يشتمل على مكائد نشير إليها: (1) حصر
إمامة أهل البيت بالامامة في الطريقة ظلم صريح. (2) كون الحسنين عليهما السلام
مؤهلين للإمامة بالأصالة، وكون علي عليه السلام إماما بالجعل نفاق عجيب. (3) دعوى
عدم أهلية الحسنين عليهما السلام للإمامة في الطريقة في العهد النبوي وخلوهما من
الكمال العملي بسبب الصغر، نصب صريح. (4) دعوى جهلهما في العهد النبوي بعلم قواعد
النجاة من الذنوب، نصب صريح كذلك. (5) الاعتراف بأن إحالة تربيتهما إلى غيره صلى
الله عليه وآله كان ينافي مقامه، ثم الاعتقاد بصحة خلافة الثلاثة وكونهما من
رعاياهم - كما هو مقتضى مذهبهم - غي وضلال، إذ كما أن تلك الإحالة كانت تنافي شأن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن كون الحسنين عليهما السلام تحت حكومة أولئك
ينافيه بالأولوية القطعية، فثبت بطلان خلافة الجماعة. (6) لم يكن النبي صلى الله
عليه وآله ملقيا قواعد النجاة من الذنوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام وناصبا إياه
للإمامة في الطريقة فحسب كما يزعم (الدهلوي)، بل إنه صلى الله عليه وآله علمه جميع
علومه كما في مجلد (حديث مدينة العلم) وهكذا قد فوض إليه الإمامة الكبرى والزعامة
العظمى من بعده، وقد أتم الحجة على الأمة في ذلك مرارا عديدة وفي مواطن كثيرة، فهو
عليه السلام المرآة العاكسة لجميع كمالات الرسول صلى الله عليه وآله العلمية
ص 299
والعملية، وفضائله الذاتية والكسبية، وأوضح الأدلة على ذلك قوله تعالى: *(..
وأنفسنا وأنفسكم..)*(1). وقوله صلى الله عليه وآله: (أنت مني وأنا منك) والله
العاصم. (7) قوله: كي ينقلها.. دليل جهله وعدم معرفته بمراتب أهل البيت عموما وعلي
والحسنين عليهما السلام خصوصا، إذ أنهم يملكون جميع الكمالات التي كانت لرسول الله
صلى الله عليه وآله حتى في صغرهم، على أن للحسنين عليهما السلام امتيازا خاصا في
هذا المضمار، وقد برهن عليه في كتاب (تشييد المطاعن) فمن شاء فليرجع إليه. لقد كانا
حائزين لجميع الكمالات في حياة أمير المؤمنين عليه السلام، لكن عليا كان الإمام
حينذاك بسبب أفضليته منهما من وجوه عديدة، ومن هنا جاء في الحديث - فيما رواه ابن
ماجة في (السنن) عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (الحسن والحسين سيدا شباب
أهل الجنة وأبوهما خير منهما)، وفي حديث آخر ذكره البدخشي عن الحافظ ابن الأخضر
صاحب (معالم العترة): (هما فاضلان في الدنيا وفاضلان في الآخرة وأبوهما خير منهما)
(2). بل إمامتهما ثابتة على عهد النبي صلى الله عليه وآله، ومن هنا قال صلى الله
عليه وآله (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا) رواه المولوي صديق حسن خان القنوجي
(3). وقال صلى الله عليه وآله للحسين عليه السلام: (أنت إمام ابن إمام أخو إمام)
رواه الشيخ البلخي (4). كما ثبت إمامتهما من الأحاديث الواردة في شأن الاثني عشر
عليهم السلام، وقد تقدم بعضها ويأتي طرف منها في الأجزاء الآتية إن شاء الله تعالى.
(هامش)
(1) سورة آل عمران: 61. (2) مفتاح النجا - مخطوط. (3) السراج الوهاج في شرح صحيح
مسلم. (4) ينابيع المودة ص 445. (*)
ص 300
(8) لم يكن ما نقله أمير المؤمنين عليه السلام إليهما بحكم الأبوة كما يقول
(الدهلوي)، بل كان بحكم النبوة، أي: بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. (9)
ولم يكن ذلك بقصد بقاء السلسلة، بل إنه صلى الله عليه وآله أراد بقاء كمالاته
العلمية والعملية في أهل بيته المعصومين إلى يوم القيامة، كما هو مفاد حديث الثقلين
وحديث السفينة وغيرهما. (10) لم يقصد (الدهلوي) من هذا الكلام الطويل إلا صرف دلالة
حديث السفينة على الإمامة المطلقة والخلافة العامة إلى الإمامة في الطريقة
والولاية، ولكن، لا يحيق المكر السئ إلا بأهله. 18 - إعتراف (الدهلوي) بمخاطبة
النبي لعلي عليهما السلام ب (يعسوب المؤمنين) يؤيد صحة اعتقاد أهل الحق، والحمد
لله. 19 - اعترافه بأنه: تربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم.. دليل أيضا على
أفضليته وإمامته، لكن (الدهلوي) يقصد به معنى آخر وهو: جعل علي عليه السلام من
مصاديق (أبنائنا) دون (أنفسنا) في آية المباهلة كما صرح بذلك في كتابه (التحفة) في
الجواب عن الاستدلال بها، ولكن ذلك واضح البطلان، ويشهد ببطلانه كلمات العلماء
الأعيان، وقد تبين ذلك في (المنهج الأول) من الكتاب. 20 - إعترافه بأن عليا عليه
السلام ناسب النبي صلى الله عليه وسلم في القوى الروحية والصفات الإلهية.. يستلزم
الطعن في من تقدم عليه في الإمامة والخلافة.. كما لا يخفى. والخلاصة: لقد ظهر أن
(الدهلوي) لا يقصد من هذا الكلام الطويل إلا إنكار فضل أهل البيت عليهم السلام،
وتقديم غيرهم عليهم بأساليب خداعة وتزويرات مكشوفة *(يريدون ليطفئوا نور الله
بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)*.
ص 301
من أحاديث تشبيه أهل البيت بالنجوم

ص 303
والعجب من (الدهلوي) يستشهد بحديث (أصحابي كالنجوم) في مقابلة (حديث السفينة) مع
أنه حديث باطل موضوع حسب تصريحات كبار حفاظ طائفته، ولا يلتفت إلى الأحاديث الكثيرة
التي رواها أصحابه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها تشبيه أهل البيت بالنجوم،
وفرض اقتداء الأمة بهم، ولما كانت هذه الأحاديث كثيرة مستفيضة نذكر بعضها في هذا
المقام، ونرجئ ذكر بعضها إلى المواضع المناسبة الآتية إن شاء الله تعالى.
*(1)*
قوله صلى الله عليه وآله: أهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم

وهو من أحاديث
نسخة (نبيط بن شريط الأشجعي الصحابي) التي رواها شيوخ أهل السنة بأسانيد عالية كما
ستعرف عن قريب، ومن العجيب وصف الفتني والشوكاني إياه بالكذب، قال الأول: (أهل بيتي
كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. من نسخة نبيط الكذاب) (1).
(هامش)
(1) تذكرة الموضوعات / 98. (*)