نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الخامس

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الخامس

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 155

و (الفصول المهمة) وغيرهما من كتب هذا الفن (1). ويفهم من هذا الكلام صحة استدلال الشيعة برواياتهم الخاصة في فضائل أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام، وعلى هذا... فإن احتجاج الشيعة بروايات حديث النور المنقولة آنفا من طرقهم صحيح غير قابل للرد. وأما زعم كون كتاب (الفصول المهمة) من كتب الشيعة - كما هو ظاهر عبارته - فبطلانه ظاهر، ويدل على ذلك تراجم أهل السنة لمؤلفه ابن الصباغ المالكي، وسيأتي ذلك بالتفصيل في قسم (حديث التشبيه). وأما نقل صاحب (كشف الغمة) عن كتبهم فليس إلا إلزاما لهم، وإلا فإن تآليف علماء الشيعة في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام أكثر من أن تذكر، ومن راجع كتاب (غاية المرام) وكتاب (بحار الأنوار) اطلع على أسماء بعض تلك الكتب. (4) أنه قال رشيد الدين خان تلميذ (الدهلوي) بعد كلام له في كتابه (شوكت عمريه): إلا أني لا يخالجني أي شك بالنسبة إلى الأحاديث التي يرويها الشيعة بطرقهم في مناقب الأئمة الأطهار (إلا إذا كان هناك قرينة ظاهرة على الوضع في حديث منها) وإني لأضع هذه الأحاديث على الرأس والعين فضلا عن نقلها . فحديث النور - إذن - من الأحاديث التي يسلم بها ويضعها على الرأس والعين... فليكن أتباعه ومقلدوه كذلك... (5) أنه قد أكثر (الكابلي في الصواقع) وهكذا (الدهلوي) وغيرهما من الاحتجاج بالأحاديث المروية من طرقهم خاصة، بل إنهم يستندون إلى ما اشتهر وضعه بحيث اعترف محققوهم بذلك. وإذا كان هذا صحيحا فإن (للشيعة) أن يحتجوا برواياتهم أمام الخصم، وعليه أن يذعن بها ويخضع لمداليلها. فهذا حديث النور ببعض أسانيده وألفاظه عند أهل السنة...

(هامش)

(1) التحفة الاثنا عشرية - الباب الحادي عشر هامش التعصب الثالث عشر. (*)

ص 156

وهذا حديث النور ببعض أسانيده وألفاظه عند الشيعة الإمامية... فهو حديث متفق عليه... فهل يسمع إنكاره أو نسبة روايته إلى الإمامية فحسب؟ وكما لا يسمع ذلك.. لا يسمع القدح في سنده بما أسس على الباطل من أول يوم كما سترى... * * *

ص 157

دحض القدح في سند حديث النور

ص 159

قوله: وهذا حديث موضوع بإجماع أهل السنة . أقول: إن هذا إلا إفك مبين، وإنكار للحقيقة الواضحة. لقد اعتاد (الدهلوي) على الكذب والافتراء تقليدا لصاحب (الصواقع)... وهذا يقبح من صغار أهل العلم فكيف بمثله وهو يدعي الإمامة والزعامة الدينية!! لقد ذكرنا - ولله الحمد - ما يبطل هذه الدعوى بالأدلة الواضحة والبراهين الجلية، وتبين مما تقدم أن هذا الحديث من روايات كبار علماء أهل السنة، فقد رووه كتبهم من غير تكلم فيه أو رد عليه... وهل يتلائم اتفاق هؤلاء الأئمة والحافظ على نقل هذا الحديث مع دعوى كونه موضوعا بالاجماع منهم؟! أليس نقل الحديث الموضوع محرما؟ ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو

ص 160

أحد الكاذبين (1). فلو كانت دعواه هذه صحيحة لوجب الحكم بفسق هؤلاء الأئمة جميعا، وانطباق الحديث الشريف عليهم، ولا يظن به الالتزام بذلك!! (أضف إلى هذا إن جماعة من علمائهم احتجوا بهذا الحديث الشريف (حديث النور) وآخرين نسبوه إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله جازمين بصدوره منه صلى الله عليه وآله. فهذه الدعوى باطلة قطعا. الأصل في هذه الدعوى ثم إن الأصل في هذه الدعوى الكاذبة هو (ابن الجوزي) [هذا الرجل الشهير بالتسرع في التضعيف، والافراط في الحكم، والمجازفة في الرأي، حتى أن بعضهم تكلموا فيه وشنعوا على كتابه كما لا يخفى على من راجع (تذكرة الموضوعات)] فإنه الذي حكم بوضعه على دأبه، ثم اقتدى به (ابن روزبهان) واقتدى بهذا (صاحب الصواقع) وزاد عليه دعوى الإجماع، وقد تبعه (الدهلوي) في ذلك حسب عادته (2) وسيأتي شرح ذلك. ما هو ملاك التضعيف؟ وما هو ملاك تضعيف أي حديث من الأحاديث؟ إنه لا يجوز الحكم بوضع حديث إلا إذا كان مخالفا للكتاب والسنة... ونحن نسأل: ما هي مخالفة حديث النور للكتاب أو السنة؟

(هامش)

(1) أخرجه مسلم 1 / 5. (2) ولقد ثبت لدى المحققين أن كتاب (التحفة الاثنا عشرية) منحول من كتاب (الصواقع) لنصر الله الكابلي، غير أن هذا باللغة العربية و(التحفة) باللغة الفارسية. (*)

ص 161

ولقد كان على (ابن الجوزي) أن يقيم دليلا على حكمه أو يذكر معارضا لهذا الحديث - لو كان، كما فعل بالنسبة إلى حديث سد الأبواب مثلا، حيث حاول رده وتضعيفه - ولو كان عنده هنا شيء لذكره. كذب دعوى الإجماع مطلقا فظهر بطلان دعوى الإجماع في المقام، بل عن الشافعي وأحمد بن حنبل وابن حزم الأندلسي وابن القيم تكذيب دعوى الإجماع مطلقا، قال الحافظ ابن حزم ما نصه: رحم الله أحمد بن حنبل فلقد صدق إذ يقول: من ادعى الإجماع فقد كذب. ما يدريه؟ لعل الناس اختلفوا، لكن ليقل: لا أعلم خلافا... هذه أخبار المرسي والأصم . ثم قال ابن حزم: لا يحل دعوى الإجماع إلا في موضعين: أحدهما: ما يتفق أن جميع الصحابة رضي الله عنهم عرفوه بنقل صحيح عنهم فأقروا به. والثاني: ما يكون من خالفه كافرا خارجا عن الإسلام... (1). وقال ابن القيم: وكذلك الشافعي أيضا نص في رسالته الجديدة على أن ما لا يعلم فيه خلاف لا يقال له إجماع، ولفظه لا يعلم فيه خلاف، فليس إجماعا. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ما يدعي فيه الرجل الإجماع فهو كذب... (2). ترجمة ابن حزم: ولنذكرها بعض الكلمات الواردة في ترجمة ابن حزم:

(هامش)

(1) المحلى 9 / 6 مسألة الاقالة من كتاب البيوع، مسألة لا يحل الحكم بالقياس من كتاب الأقضية. (2) إعلام الموقعين 1 / 11. (*)

ص 162

1 - قال صاحب (المعجب) ما ملخصه: كان أبو محمد الفقيه وزيرا لعبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار بن الناصر الملقب بالمستطهر بالله أخي المهدي المذكور آنفا، ثم نبذ الوزارة وأطرحها اختيارا، وأقبل على قراءة العلوم وتقييد الأخبار والسنن، ونال من ذلك ما لم ينله أحد قبله بالأندلس، وكان على مذهب الإمام أبي عبد الله الشافعي رحمه الله، أقام على ذلك زمانا ثم انتقل إلى القول بالظاهر وأفرط في ذلك، وله مصنفات كثيرة جليلة القدر، شريفة المقصد في أصول الفقه وفروعه على مهيعه الذي يسلكه ومذهبه الذي يتقلده وهو مذهب داود بن علي، بلغني عن غير واحد من علماء الأندلس أن مبلغ تصانيفه في الفقه والحديث والأصول والملل والنحل وغير ذلك من التاريخ والنسب وكتب الأدب والرد على الخالفين له نحو من أربعمائة مجلد، وهذا شيء ما علمناه لأحد ممن كان في مدة الإسلام قبله، إلا لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، وهذا لا يتهيأ لمخلوق إلا بكرم عناية الباري تعالى وحسن تأييده له، ولأبي محمد ابن حزم بعد هذا نصيب وافر من علم النحو واللغة، وقسم صالح من قرض الشعر وصناعة الخطابة. وإنما أوردت هذه النبذة من أخبار هذا الرجل لأنه أشهر علماء الأندلس اليوم، وأكثرهم ذكرا في مجالس الرؤساء وعلى ألسنة العلماء، وذلك لمخالفته مذهب مالك بالمغرب، وقد كثر أهل مذهبه وأتباعه عندنا بالأندلس اليوم . 2 - وذكره صديق حسن في المجتهدين قائلا ما ملخصه: ومنهم الإمام أبو محمد ابن حزم الظاهري، قال: لو علمت أن أحدا على وجه الأرض أعلم مني قرآنا وحديثا لرحلت إليه. قال الشيخ الأكبر في الفتوحات في الباب الثالث والعشرين ومائتين: غاية الوصلة أن يكون الشيء عين ما ظهر ولا يعرف أنه هو، كما رأيت النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم وقد عانق أبا محمد ابن خزم المحدث، فغاب الواحد في الآخر فلم يزالا واحدا هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه غاية الوصلة وهي المعبر عنها بالاتحاد - إنتهى.

ص 163

ولم تحصل تلك الوصلة لابن حزم إلا من جهة اعتصامه بالسنة وانتصارها وصلابته في التمسك بها... (1). قوله: وفي إسناده (محمد بن خلف المروزي) قال يحيى بن معين: هو كذاب وقال الدار قطني: متروك ولم يختلف أحد في كذبه. ويروى من طريق آخر، وفيه: (جعفر بن أحمد) وكان رافضيا غاليا كذابا، وضاعا، وكان أكثر ما يضع في قدح الأصحاب وسبهم . أقول: لا يخفى على الباحث المحقق عدم وقوع (محمد بن خلف) في شيء من أسانيد هذا الحديث أصلا، كما سنوضحه إن شاء الله، كما أن (جعفر بن محمد) ليس من رواته في طرق الشيعة. وكأن (الدهلوي) وسفله قصدوا من وراء هذه الدعوى الكاذبة حصر هذا الحديث المشهور بسندين، ثم أتوا على كل منهما بطعن يسقطه عن الاعتبار، ليفقد - بالتالي - مكانته المرموقة في الأحاديث التي يستند إليها الشيعة في إثبات إمامة أمير المؤمنين وخلافته بعد رسول الله سلام الله عليهما. إن من تتبع طرق هذا الحديث المستفيض المعتبر - والذي أثبت صحته الحافظ شمس الدين سبط ابن الجوزي - بل المقطوع بصدوره، يعلم أن الرجلين المذكورين ليسا من رجال هذا الحديث في أسانيد كبار أئمة الحفاظ والأئمة، كأحمد، وابنه عبد الله، وابن المغازلي، والخطيب الخوارزمي، والنطنزي، والعاصمي، والحمويني...

(هامش)

(1) الجنة في الأسوة الحسنة بالسنة - في ذكر المجتهدين. (*)

ص 164

على أن من المسلم بينهم أن ورود حديث صحيح بطريق آخر - فرض فيه شيء من الضعف - يفيده زيادة في القوة سندا ودلالة. فظهر أن القادح في حديث النور بظن وقوع أحد الرجلين فيه إما مكابر مختبط، أو أعفك سفيه. منشأ الغلط ثم إن منشأ هذا الغلط هو: أنه لما نقل (العلامة الحلي) هذا الحديث عن أحمد وابن المغازلي في كتابه (نهج الحق وكشف الصدق) وجد ابن روزبهان صاحب (الباطل) نفسه عاجزا عن الجواب، فاحتال حيلة فاضحة وقال: ذكر ابن الجوزي هذا الحديث بمعناه في كتاب (الموضوعات) وقال: هذا الحديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتهم به في الطريق الأول: محمد بن خلف المروزي. قال يحيى بن معين: كذاب، وقال الدار قطني: متروك. وفي الطريق الثاني المتهم به: جعفر بن أحمد، وكان رافضيا كذابا يضع الحديث في سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - إنتهى . ويتضح نتيجة المقارنة - بين كلام العلامة وكلام ابن روزبهان - أن (ابن روزبهان) لم يدع وقوع أحد من الرجلين المذكورين في سند الحديث الذي نقله (العلامة)، بل نقل كلام (ابن الجوزي) ليوهم الناظرين أن الحديث المذكور في (نهج الحق) موضوع كذلك. هذا كلام (ابن روزبهان)، وجاء بعده (الكابلي)، الآخذ أكثر ما عنده منه، فقال: وهو باطل لأنه موضوع بإجماع أهل الخبر، وفي إسناده محمد بن خلف المروزي، قال يحيى بن معين هو كذاب، وقال الدار قطني: متروك ولم يختلف أحد في كذبه. ويروى من طريق آخر وفيه جعفر بن أحمد، وكان رافضيا غاليا كذابا،

ص 165

وضاعا، كان أكثر ما يضع في قدح الصحابة وسبهم (1). فزاد الكابلي كلمة لأنه موضوع بإجماع أهل الخبر ، وغير العبارة ليوهم أن هذا الرجل قد وقع في هذا الحديث بعينه. وجاء (الدهلوي) المنتحل لعبارات (الكابلي)، فزعم ذلك مع تغيير يسير في دعوى الإجماع. نص عبارة ابن الجوزي وبيان تصرفاتهم فيها وبعد... فالحديث الذي وقع في إسناده (محمد بن خلف المروزي) غير حديث النور الذي نبحث عنه، فإن لفظه: خلقت أنا وهارون بن عمران ويحيى ابن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة ... وإن كنت في ريب من ذلك فإليك نص عبارة ابن الجوزي... فإنه قال في فضائل علي عليه السلام من كتابه: الحديث الأول في ما خلق منه علي بن أبي طالب: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني علي بن الحسن بن محمد الدقاق، قال: ثنا محمد بن إسماعيل الوراق قال: ثنا إبراهيم ابن الحسين بن داود القطان قال: ثنا محمد بن خلف المروزي، ثنا موسى ابن إبراهيم، ثنا موسى بن جعفر عن أبيه عن جده قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلقت أنا وهارون بن عمران ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة. هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتهم به: المروزي: قال يحيى بن معين هو كذاب، وقال الدار قطني: متروك، وقال ابن حبان: كان مغفلا يلقن فيتلقن فاستحق الترك. وقد روى جعفر بن أحمد بن بيان عن محمد بن عمر الطائي، عن أبيه، عن

(هامش)

(1) الصواقع - المطلب الرابع. (*)

ص 166

سفيان عن داود بن أبي هند، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن نمير الحضرمي، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلقت أنا وعلي من نور وكنا عن يمين العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، ثم خلق الله آدم، فانقلبنا في أصلاب الرجال، ثم جعلنا في صلب عبد المطلب، ثم اشتق أسماءنا من اسمه، فالله محمود وأنا محمد، والله الأعلى وعلي علي. قال المصنف: هذا وضعه جعفر بن أحمد، وكان رافضيا يضع الحديث، قال ابن عدي: كان يتيقن أنه يضع (1). فعلم من هذا ما يلي: 1 - إن دعوى وقوع (محمد بن خلف المروزي) في طريق حديث النور كاذبة. 2 - إنه نسب إلى (جعفر بن أحمد) وضع الحديث، وابن روزبهان أضاف جملة في سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . 3 - إن ابن روزبهان أضاف كلمة: كذابا . 4 - إن الكابلي أضاف إلى ما تقدم: غاليا وضاعا . 5 - إن الكابلي أضاف كلمة: وكان أكثر ما يضع في قدح الصحابة وسبهم . 6 - إن الكابلي أضاف ذلك كله أيضا كلمة: ولم يختلف أحد في كذبه . فهذه زيادات: [أربع] من (الكابلي) و[اثنتان] من (ابن روزبهان) شاركه فيهما (الكابلي)... وليس لها وجود في كلام (ابن الجوزي). كما علم أيضا: 1 - إن (ابن روزبهان) نقل عن (ابن الجوزي) حكمه بأن (ابن خلف) كان وضاعا للحديث، ولكن (الكابلي) لم يذكر (ابن الجوزي) لئلا يتعقب عليه.

(هامش)

(1) الموضوعات 1 / 339 - 340. (*)

ص 167

2 - إن (الكابلي) نسب الحكم بوضعه إلى إجماع أهل الخبر بدل أن ينسبه إلى (ابن الجوزي). 3 - إن (الدهلوي) ذكر: إجماع أهل السنة بدل إجماع أهل الخبر . نظرة في كلام ابن الجوزي: لقد جاء في عبارة (الموضوعات) عن (ابن حبان) قوله في (المروزي) إنه كان مغفلا يلقن فيتلقن فاستحق الترك . وهذا صريح في أنه لم يكن يتعمد الوضع والكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى هذا يبطل ما نقله عن (ابن معين) من أنه كذاب ، إذ لا وجه لرميه بالكذب بالنظر لما قاله (ابن حبان). على أن أئمة أهل السنة قد صنعوا وشنعوا على (ابن معين)، لكثرة تحامله على الناس، فيجب التوقف عند جرحه، كما جاء في كتاب (مناقب الشافعي) للفخر الرازي في الكلام على ما كان منه بالنسبة إلى (الشافعي). السمعاني المروزي صدوق عند السمعاني ثم إنه قد نص السمعاني على أن (المروزي) كان صدوقا... وهذا كلامه: فأما ببغداد درب يقال له (درب المروزي) أو (محلة المراوزة)، وظني أنها من الكرخ. ومن هذه المحلة: أبو عبد الله محمد بن خلف بن عبد السلام الأعور المروزي، لأنه كان يسكن هذه المحلة، روى عن: يحيى بن هاشم السمسار، وعاصم بن علي، وعلي بن الجعد. روي عنه: أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك، وعبد الصمد بن علي الطيبي، وأبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي. وكان صدوقا. مات في سنة إحدى وثمانين ومائتين (1).

(هامش)

(1) الأنساب - المروزي. (*)

ص 168

المروزي صدوق عند الخطيب، ولا بأس به عند الدار قطني كما وثقه الحافظ الخطيب البغدادي، ونص على أنه كان صدوقا، وأضاف ذكره الدار قطني وقال لا بأس به وهذا كلامه: محمد بن خلف بن عبد السلام الأعور، يعرف بالمروزي لأنه كان يسكن محلة المراوزة، حدث عن: عاصم بن علي، وعلي بن جعد، وموسى بن إبراهيم المروزي وغيرهم. روى عنه: أبو عمرو ابن السماك، وأبو العباس بن نجيح، وعبد الصمد الطيبي، وأبو بكر الشافعي وغيرهم. وكان صدوقا، ذكره الدار قطني وقال: لا بأس به، ونقل عن ابن قانع أنه مات سنة 218 (1). هذا بالاضافة إلى أنه من شيوخ أبي بكر الشافعي، وابن السماك، وابن نجيح وعبد الصمد الطيبي... وهم من كبار أئمة أهل السنة. فالحق: أنه كان صدوقا لا كما عن (ابن معين). وأن (الدار قطني) نفى عنه البأس، لا أنه تركه كما زعموا. بل لقد أضاف (الكابلي) و(الدهلوي) عدم الاختلاف في كذبه ، فإن أرادا أنه قاله الدار قطني ففرية فاحشة، وإن قالاه من عند أنفسهما فبطلانه أوضح وأظهر. حديث المروزي أخرجه الخطيب وابن عساكر وقال الكنجي: حديث حسن ومما يزيد في بطلان كلام هؤلاء وضوحا نص الحافظ الكنجي - بعد رواية حديث المروزي عن الحافظين ابن عساكر والخطيب - على أنه حديث حسن وهذا كلامه:

(هامش)

(1) تاريخ بغداد 5 / 235. (*)

ص 169

أخبرنا يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي بحلب، والحافظ محمد بن محمود بن الحسن النجار ببغداد، والحافظ خالد بن يوسف النابلسي بدمشق: قالوا: أخبرنا الإمام أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي بدمشق، أخبرنا القزاز، أخبرنا الحافظ أحمد بن علي بن ثابت الخطب، أخبرني أبو القاسم علي بن عثمان الدقاق، حدثنا محمد بن إسماعيل الوراق، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين ابن داود القطان سنة 311 إحدى عشرة وثلاثمائة، حدثنا محمد بن خلف المروزي، حدثنا موسى بن إبراهيم المروزي، حدثنا موسى بن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلقت أنا وهارون بن عمران ويحيى ابن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة. قلت: هذا حديث حسن. هكذا رواه حافظ العراق في كتابه، وتابعه محدث الشام، كما أخرجنا سواء (1). أقول: أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه بترجمة إبراهيم بن الحسين القطان (2) وتابعه ابن عساكر حيث أخرجه من طريقه فقال: أخبرنا أبو الحسن بن قبيس وأبو منصور بنخيرون، أنبأنا أبو بكر الخطيب، أخبرني أبو القاسم علي بن أبي (3) عثمان الدقاق، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين بن داود القطان... (4). * * *

(هامش)

(1) كفاية الطالب 319. (2) تاريخ بغداد 6 / 59. (3) كذا. (4) ترجمة علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق 1 / 125 (*)

ص 171

دحض العارضة بحديث الشافعي في فضل الخلفاء

ص 173

قوله: وعلى تقدير صحته فإنه معارض بما هو أحسن منه في الجملة، وليس في إسناده من اتهم بالكذب، وهو: ما رواه الشافعي بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كنت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلما خلق أسكناه ظهره، ولم نزل ننتقل في الأصلاب الطاهرة حتى نقلني الله إلى صلب عبد الله، ونقل أبا بكر إلى صلب أبي قحافة، ونقل عمر إلى صلب الخطاب، ونقل عثمان إلى صلب عفان، ونقل عليا إلى صلب أبي طالب . أقول: هذه المعارضة باطلة لوجوه: 1 - قوله في الجملة قوله: في الجملة ظاهر في أن هذا الحديث أحسن من حديث النور -

ص 174

الذي زعم انحصار روايته في طريقين - في الجملة، لا من جميع الوجوه. إذن هذا الحديث قاصر عن المعارضة سندا، لو سلم الانحصار المزعوم. 2 - لا يعارض ما لا سند له ما رواه الأئمة إن رواية أكابر علماء أهل السنة ونصوصهم تثبت صحة حديث (النور)، فلا يلتفت إلى دعوى معارضته بحديث عار عن السند، ولم يعرف رواته لنرى هل هم ثقات أولا... 3 - نص بعضهم على ضعفه لقد نص القاضي ثناء الله (وهو باعتراف الدهلوي كما في إتحاف النبلاء: بيهقي زمانه في الحديث) - بعد أن نقل حديث النور وعارضه بحديث الشافعي - على ضعف هذا الحديث فقال ما ترجمته: وهذا الحديث وإن كان ضعيفا إلا أنه ليس في إسناده من يتهم بالكذب (1). والجدير بالإشارة هنا: أن (الكابلي) اكتفى بالقول: ليس في إسناده من يتهم بالكذب واكتفى (الدهلوي) بقوله في الجملة ... كل ذلك لئلا يصرحا بضعفه ولا يعترفا بالحق... 4 - استدلال الدهلوي به يخالف ما التزم به لقد قال (الدهلوي) ما ملخصه: إن القاعدة المقررة لدى أهل السنة هي: أن كل حديث ورد في كتاب لم

(هامش)

(1) سيف مسلول، الحديث الثامن.

ص 175

يلتزم صاحبه فيه بالصحة - كما فعل البخاري ومسلم وسائر أرباب الصحاح - فإنه غير صالح للاحتجاج (1). ورواية الشافعي - هذه - لم نجدها في كتاب هذا شأنه، كما أنه لم ينص الشافعي - ولا غيره - على صحته بالخصوص. فلم هذا السهو والذهول والخروج على القاعدة المقررة؟ وهل أنها محكمة في رد فضائل علي عليه السلام ومرفوضة عند البحث في الروايات المزعوم ورودها في حق غيره؟ 5 - ما لا سند له لا يصغى إليه قال (الدهلوي) في الجواب عما طعن به أبو بكر من تخلفه عن جيش أسامة وقد قال صلى الله عليه وآله لعن الله من تخلف عنه ما ملخصه: إن الحديث المعتبر لدى أهل السنة هو ما روي في كتب المحدثين المسندة مع الحكم بالصحة، وأما الحديث العاري عن السند فلا يصغون إليه أبدا (2). وحديث الشافعي ليس في الكتب المسندة التي ذلك شأنها... فهو غير قابل للاستناد إليه، كما أنه مرسل لا سند له... فكل حديث لم يذكر سنده فلا يصغى إليه - على حد تعبيره - وحينئذ لا يكفي القول بأن الشافعي رواه بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله، لا سيما مع عدم معرفة الكتاب الذي رواه فيه. 6 - لا يجوز الاحتجاج به ذكر (الدهلوي) في كتابه (التحفة) بأنه قد التزم فيه بالنقل عن كتب

(هامش)

(1) التحفة: 213. (2) التحفة: 266. (*)

ص 176

الشيعة خاصة، مستندا إلى رواياتهم الصحيحة في كتبهم المعتبرة (1) و إن روايات كل فرقة لا تكون حجة على الفرقة الأخرى (2). 7 - لا يصح إلزام الخصم به لقد صرح (والد الدهلوي) بما ملخصه: لا تصح المناظرة مع الإمامية والزيدية بأحاديث الصحيحين فضلا عن غيرها (3). وعلى هذا أيضا يسقط احتجاج (الدهلوي) بالحديث المذكور. 8 - جواز رده حتى لو كان مسندا وذكر رشيد الدين الدهلوي ما ملخصه: إن كل فرقة تذعن بالروايات المروية من طرقها وتقدح في الروايات المروية من طرق الفرقة المخالفة لها (4). وعلى ضوء هذا، فإن للإمامية رد هذا الحديث ولو تم سنده. وأما الفوائد الأخرى المستفادة من هذه الكلمات، فلا تخفى على المتتبع الفطن. 9 - النص الكامل لهذا الحديث ثم إن الأصل في نقل هذا الحديث الموضوع هو (الملا عمر) المنهمك في

(هامش)

(1 - 2) التحفة الاثنا عشرية: 2. (3) قرة العينين - خاتمة الكتاب. (4) شوكت عمريه - مقدمة الكتاب. (*)

ص 177

فضائل الخلفاء، وأخذه عنه (المحب الطبري) و(صاحب الاكتفاء) و(ابن حجر المكي)... وهذا نص عبارة المحب الطبري: ذكر أنهم - أي الخلفاء الأربعة - والنبي صلى الله عليه وسلم كانوا قبل آدم، ووصف كل منهم بصفة، والتحذير من سبهم: عن محمد بن إدريس الشافعي، بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أنوارا علي يمين العرش قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلما خلق أسكنا ظهره، ولم نزل ننقل في الأصلاب الطاهرة، إلى أن نقلني الله إلى صلب عبد الله، ونقل أبا بكر إلى صلب أبي قحافة، ونقل عمر إلى صلب الخطاب، ونقل عثمان إلى صلب عفان، ونقل عليا إلى صلب أبي طالب، ثم اختارهم لي أصحابا، فجعل أبا بكر صديقا وعمر فاروقا وعثمان ذا النورين وعليا وصيا، فمن سب أصحابي فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله أكبه الله في النار على منخريه. أخرج الحافظ عمر بن خضر في سيرته (1). وتجده بهذا اللفظ في (الاكتفاء) و(الصواعق المحرقة). تصرفات الجماعة في الحديث لقد ذكرنا نص الحديث... وكأن واضعه لم يقصد - من وضعه إياه - إلا جعل فضيلة للمشايخ الثلاثة، لكنه - مع ذلك - لم ترك ذكر سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام، فذكره ووصفه بالوصاية، كما جعل لكل من أولئك وصفا. لكن الجماعة كالكابلي و(الدهلوي) تصرفوا فيه... ونحن ننبه على ذلك بالتفصيل: 1 - لقد أسقط (الكابلي) جملة أنوارا على يمين العرش أما (ابن حجر) فقد أسقط كلمة أنوارا وترك الباقي وجعل خبر (كان) قوله: قبل أن يخلق ،

(هامش)

(1) الرياض النضرة 1 / 44. (*)

ص 178

لكن (الدهلوي) لما رأى بشاعة العبارة وتفككها جعل بدل ذلك لفظ بين يدي الله تعالى ، وجاء (القاضي) فتركها على علتها فلا أنوارا ولا بين يدي الله تعالى .!.! 2 - لقد وجد (الكابلي) الحديث يشتمل في ذيله على لفظة وعليا وصيا الدالة على وصاية أمير المؤمنين عليه السلام وخلافته، فالتجأ - في سبيل إسقاطها - إلى إسقاط الذيل بكامله طردا للباب. وعلى هذا التدليس مشى كل من (القاضي) و(الدهلوي). ثم لماذا لم يذكر (الكابلي) الملا عند نقله للحديث؟ إنه لم يذكره لأمرين... وهما: أ - إنه لو ذكره وصرح بنقله عنه لدل ذلك على اعتماده عليه والركون إلى رواياته، وهذا يضره من جهات أخرى، فإن (الملا) ممن روى حديث (الطير) وحديث (التشبيه) في سيرته، و(الكابلي) يسعى في ردهما وإبطالهما. مع أنه ينقل عنه لدى الجواب عن الاستدلال بآية المودة أكاذيب غريبة في فضل أبي بكر. ب - إنه يقصد بذلك إظهار طول باعه وسعة اطلاعه لاتباعه، حتى يظنوا أنه قد عثر على أصل (كتاب الشافعي) ونقل عنه رأسا وبدون واسطة (الملا). بالمناسبة ولقد قال (الدهلوي): المطعن السابع: حديث مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف: كما أمرنا الله تعالى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا بل تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون . قال: والجواب عنه: إن للحديث ذيلا قد حذف واقتصر منه على مورد

ص 179

الطعن، مع أن الذيل يوضح المراد ويدفع الطعن، لكنه قد أسقط، وهذا من قبيل تمسك الملحد بكلمة (لا تقربوا الصلاة). وسرقة الأحاديث في مثل هذا الموضع في غاية القبح. وهذا هو الذيل: ثم تنطلقون إلى مساكن المهاجرين فتحملون بعضهم على رقاب بعض (1). أقول: فكيف ارتكب (هو) نفسه و(القاضي) تبعا (للكابلي) بالنسبة إلى بعض الأحاديث الأخرى... كالحديث الذي روياه عن (أمالي (2) السيد المرتضى رضي الله عنه) فتصرفا فيه، وذكره (الدهلوي) مبتورا عند الجواب عن حديث القرطاس... وأما انتحاله (الصواقع) في (التحفة) و(مقاليد الأسانيد للثعالبي) في (بستان المحدثين) و(تفسير المهائمي) في تفسيره (فتح العزيز) فمعروف... ثم من الذي أسقط ذيل الحديث السابق؟! أما علماء الشيعة فقد نقلوه بتمامه من غير أن ينقصوا منه شيئا، ففي (كشف الحق للعلامة الحلي) و(الطرائف للسيد ابن طاووس الحلي) ما نصه: روى الحميدي في (الجمع بين الصحيحين) عن عبد الله بن عمرو بن العاص في الحديث الحادي عشر من أفراد مسلم، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن ابن عوف: نكون كما أمرنا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا، بل تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون. وفي رواية: ثم تنطلقون إلى مساكن المهاجرين فتحملون بعضهم على رقاب بعض . ثم قال العلامة: وهذا ذم منه عليه السلام لأصحابه (3). وقال السيد ابن طاووس بعد نقله الحديث:

(هامش)

(1) التحفة / 342. (2) الأمالي 1 / 77. (3) نهج الحق وكشف الصدق: 321. (*)

ص 180

أنظر رحمك الله عز وجل إلى ما قد شهدوا به من ذم نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه، فكيف يستبعدون من قوم يكونون بهذه الصفات أن يخالفوا نبيهم في الحياة وبعد الوفاة (1). وكيف يحذفونه وهو لا ينافي مطلوبهم؟ هذا... على أن هذه الزيادة جاءت في لفظ آخر عند مسلم، فإنه قد روى الحديث مرة بدونها، وأخرى معها، وعليه فلا مجال للطعن على السيد والعلامة لو لم يذكراها... كما أن (الكابلي) أضاف الذيل قائلا: وفي رواية... (2). 10 - من تحكماتهم في المقام زعمهم عدم وجود من يتهم بالكذب في إسناده تحكم محض، نعم لو ذكروا رجاله ثم وثقوهم بكلمات علماء الرجال لكان لما ذكروا وجه. 11 - النظر في وثاقة الشافعي ثم إن في وثاقة الشافعي وعدالته وجوها من النظر، ونحن نكتفي هنا بالإشارة إلى بعضها: 1 - إنه أثنى على شيخه (مالك) وقال: إذا ذكر أهل الأثر فمالك النجم (3). وقال: كان مالك إذا شك في شيء من الحديث ترك كله وقال: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز إلى غير ذلك. وهو مع ذلك خالفه في كثير من المواضع، ورد عليه، وانتقده... وهذا

(هامش)

(1) الطرائف - مبحث ما خالف فيه الصحابة رسول الله ص . (2) الصواقع - في ذكر مطاعن الصحابة. (3) مناقب الشافعي - الفصل الثالث من الكتاب. (*)

ص 181

الأمر يسبب ضعفه ويؤدي إلى جرحه، ولذا قال الفخر الرازي - بعد ما حاول الدفاع عنه بالأساليب المختلفة -: ولو كان الأمر كذلك فكيف جاز للشافعي أن يتمسك بروايات مالك رحمهما الله تعالى؟ وكيف يجوز أن يقول: إذا ذكر أهل الأثر فمالك النجم . وهذا نص كلام الرازي بطوله: الفصل الثالث في ثناء الشافعي على أستاذيه ومشايخه: كان يقول: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز. وقال: إذا ذكر أهل الأثر فمالك النجم. وقال: كان مالك إذا شك في شيء من الحديث ترك كله. وحكى الشافعي أنه اجتمع مالك وأبو يوسف عند الرشيد فتكلما في الوقوف وما يحبسه الناس فقال يعقوب: هذا باطل، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء بإطلاق الحبس، فقال مالك: إنما جاء بإطلاق ما كانوا يحبسونه لآلهتهم من البحيرة والسائبة، أما الوقوف فهذا وقف عمر بن الخطاب حين استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: احبس الأصل وسبل الثمرة ولهذا وقف الزبير، فأعجب الخليفة هذا الكلام ونفى يعقوب. وكان الشافعي يقول: ما أعلم بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك. وقيل للشافعي: هل رأيت أحدا ممن أدركت مثل مالك بن أنس؟ فقال: سمعت من تقدمنا في السن والعلم يقولون: ما رأينا مثل مالك، فكيف نرى نحن مثله! قال الشافعي: إن مالكا كان مقدما عند أهل العلم بالمدينة والحجاز والعراق في الفضل، ومعروفا عندهم بالإتقان في الحديث ومجالسة العلماء، وكان ابن عيينة إذا ذكره رفع ذكره وحدث عنه، وكان مسلم بن خالد الزنجي - وهو مفتي أهل مكة وعالمهم في زمانه - يقول: جالست مالك بن أنس في حياة جماعة من التابعين. فإن قال قائل: لما كان حال مالك في العلم والدين ما ذكرتم، وكان تعظيم الأستاذ واجبا على كل مسلم فكيف أقدم الشافعي على مخالفته؟ وكيف جوز من نفسه أن يضع الكتاب عليه؟ فالجواب قال البيهقي: قرأت في كتاب أبي يحيى زكريا بن يحيى الساجي: إن الشافعي إنما وضع الكتاب على مالك لأنه بلغه أن بالأندلس قلنسوة لمالك يستشفى بها، وكان يقال لهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون:

ص 182

قال مالك، فقال الشافعي: إنما مالك آدمي قد يخطئ ويغلط، فصار ذلك داعيا للشافعي إلى أن وضع الكتاب على مالك، وكان يقول: كرهت أن أفعل ذلك، ولكني استخرت الله تعالى فيه سنة. وقال الربيع: سمعت الشافعي: يقول قدمت مصرا ولا أعرف أن مالكا يخالف من أحاديثه إلا ستة عشر حديثا، فنظرت فإذا هو يقول بالأصل ويدع الفرع، ويقول بالفرع ويدع الأصل. وأقول: إن أرسطاطاليس الحكيم تعلم الحكمة من أفلاطون ثم خالفه، فقيل: له: كيف فعلت ذلك؟ فقال: أستاذي صديقي والحق صديقي وإذا تنازعا فالحق أولى بالصداقة. فهذا المعنى بعينه هو الذي حمل الشافعي على إظهار مخالفة مالك. والذي يدل على صحة ما ذكرناه: إن الكتاب الذي وضع الشافعي على مالك قال في أوله: إذا قلت حدث الثقة عن الثقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يترك إلا إذا وجد حديث يخالفه، وإذا اختلفت الأحاديث فللاختلاف فيها وجهان: أحدهما: أن يكون فيها ناسخ ومنسوخ، فيعمل بالناسخ ويترك المنسوخ. والآخر: أن لا يتميز الناسخ عن المنسوخ، فههنا نذهب إلى أثبت الروايتين، وإذا تكافأتا ذهبت إلى أشبه الحديث بكتاب الله أو أشبههما بحديث آخر، وإذا ثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يخالفه حديث آخر، وكان يروى عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث يخالفه لم ألتفت إلى ما خالفه، فحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يؤخذ به، وإن كان روى عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث يوافقه لم يزده قوة، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مستغن عنه. ولما قرر الشافعي هذه القاعدة ذكر أن مالكا اعتبر هذه القاعدة في بعض المواضع دون بعض، ثم ذكر المسائل التي ترك الأخبار الصحيحة فيها بقول واحد من الصحابة، أو بقول واحد من التابعين، أو لرأي نفسه، ثم ذكر ما ترك فيه من أقاويل الصحابة لرأي بعض التابعين، أو لرأي نفسه، وذلك أنه رما يدعي الإجماع وهو مختلف فيه. ثم بين الشافعي أنه ادعى أن إجماع أهل المدينة حجة،

ص 183

وأنه قول ضعيف، وذكر في هذا الباب أمثلة. منها: إن مالكا قال: أجمع الناس على أن سجود القرآن إحدى عشرة سجدة وليس في المفصل منها شيء ثم قال الشافعي: قد روي عن أبي هريرة أنه سجد في (إذا السماء انشقت) وأن عمر بن الخطاب سجد في (النجم إذا هوى) فقد نرى السجود في المفصل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر، وعن أبي هريرة. فليت شعري أي الناس من الذين أجمعوا على أن لا سجدة في المفصل! ثم بين أن أكثر الفقهاء ذهبوا إلى أن في المفصل سجودا. ومنها: إن مالكا زعم أن الناس أجمعوا على أن لا سجدة في الحج إلا مرة واحدة، وهو يروي عن عمر وابن عمر أنهما سجدا في الحج سجدتين. ثم قال الشافعي: وليت شعري من هؤلاء المجمعون الذين لا يسمون؟ فإنا لا نعرفهم ولا يكلف الله أحدا أن يأخذ دينه عمن لا يعرفه. ومنها: ما أخبرنا مالك عن أبي الزبير، عن عطا بن أبي رباح، عن ابن عباس: أنه سئل عن رجل واقع أهله وهو بمنى قبل أن يفيض، فأمره أن ينحر بدنة. قال الشافعي: وبهذا نأخذ. وقال مالك: عليه عمرة وحجة تامة وبدنه. ورواه عن ربيعة وعن ثور ابن زيد عن عكرمة يظنه عن ابن عباس، فإن كان قد ترك قول ابن عباس لرأي ربيعة فهو خطأ، وإن تركه لرأي عكرمة فهو يسئ القول في عكرمة، لا يرى لأحد أن يقبل حديثه. وهو يروي عن سفيان عن عطا عن ابن عباس خلافه. وعطا ثقة عنده وعند الناس. قال الشافعي: والعجب أنه يقول في عكرمة ما يقول، ثم يحتاج إلى شيء من علمه يوافق قوله، فيسميه مرة ويسكت عنه أخرى، فيروى عن ثور بن زيد عن ابن عباس في الرضاع وذبائح نصارى العرب وغيره، ويسكت عن ذكر عكرمة، وإنما يحدثه ثور عن عكرمة، وهذا من الأمور التي ينبغي لأهل العلم أن يتحفظوا منها. فهذه حكاية بعض ما ذكره الشافعي في كتابه الذي وضعه على مالك. ولقائل أن يقول: حاصل هذه الاعترافات ترجع إلى حرفين: الأول: إن مالكا يروي الحديث الصحيح ثم إنه يترك العمل به، لأن أهل المدينة تركوا العمل به، وهذا يقتضي عمل علماء المدينة على خلاف قول رسول

ص 184

الله صلى الله عليه وسلم وإنه لا يجوز. ولمالك أن يجيب عنه فيقول: هذه الأحاديث ما وصلت إلينا إلا برواية علماء المدينة، فهؤلاء إما أن يكونوا عدولا أو لا يكونوا. فإن كانوا من العدول وجب أن يعتقد أنهم تركوا العمل بذلك الحديث لاطلاعهم على ضعف فيه، إما لأجل الضعف في الرواية أو لأجل أنه وجد ناسخ أو مخصص، وعلى جميع التقديرات فترك العمل به واجب. فإن قالوا: فلعلهم اعتقدوا في ذلك الحديث تأويلا خطأ، فلأجل ذلك التأويل الخطأ تركوا العمل به، وعلى هذا التقدير لا يلزم من تركهم العمل بالحديث حصول ضعف فيه. قلنا: إن علماء المدينة الذين كانوا قبل مالك كانوا أقرب الناس إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشدهم مخالطة للصحابة، وأقواهم رغبة في الدين، وأبعدهم عن الميل إلى الباطل، فيبعد اتفاق جمهور علماء المدينة على تأويل فاسد. وأما إن قلنا أن علماء المدينة ليسوا بعدول، لكان الطعن فيهم يوجب الطعن في الحديث. فثبت بهذا الطريق أن الدليل الذي ذكرناه يقتضي ترجيح عمل علماء المدينة على ظاهر خبر الواحد، وليس هذا قولا بأن إجماعهم حجة، بل هو قول بأن عملهم إذا كان على خلاف ظاهر الحديث أورث ذلك قدحا وضعفا في الحديث. ومما يؤيد ما ذكرناه ما روى البيهقي في كتاب مناقب الشافعي رضي الله عنه بإسناده عن يونس بن عبد الأعلى قال: ناظرت الشافعي رضي الله عنه في شيء فقال: والله ما أقول لك إلا نصحا، إذا وجدت أهل المدينة على شيء فلا يدخلن، قلبك شك أنه الحق، وكل ما جال في صدرك وقوى كل القوة لكنك لم تجد له في المدينة أصلا وإن ضعف فلا تعبأ به ولا تلتفت إليه. وأقول: هذا الكلام صريح في تقرير مذهب مالك رحمه الله تعالى. وأما الاعتراض الثاني وهو أن مالكا رحمه الله إذا احتاج إلى التمسك بقول عكرمة ذكره، وإذا لم يحتج إليه تركه، فهذا إن صح عن مالك أورث ذلك ضعفا في روايته وفي ديانته، ولو كان الأمر كذلك فكيف جاز للشافعي أن يتمسك بروايات مالك رحمهما الله تعالى؟ وكيف يجوز أن يقول: إذا ذكر الأثر فمالك

ص 185

النجم؟ هذا جملة ما يتعلق بهذا البحث . 2 - لقد كان الشافعي يقول بإمامة هارون الرشيد ويعتقد بها، ويخاطبه ب‍ (أمير المؤمنين)... وهذا الأمر من قوادح الشافعي العظيمة، ولننقل ما ذكره الحافظ أبو نعيم في (الحلية) بترجمة الشافعي: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد، ثنا أبو عمرو عثمان بن عبد الله المديني، ثنا أحمد بن موسى الجار قال قال أبو عبد الله محمد بن سهل الأموي: ثنا عبد الله ابن محمد البلوي قال: لما جئ بأبي عبد الله محمد بن إدريس إلى العراق، أدخل إليها ليلا على بغل بلا قتب وعليه طيلسان مطبق وفي رجليه حديد، وذلك أنه كان من أصحاب عبد الله بن الحسن بن الحسن، وأصبح الناس في يوم الاثنين لعشر خلون من شعبان من سنة أربع وثمانين ومائه، وكان قد اعتود على هارون الرشيد أبو يوسف القاضي وكان قاضي القضاة، وكان على المظالم محمد بن الحسن، فكان الرشيد يصدر عن رأيهما ويتفقه بقراءتهما، فسارا في ذلك اليوم إلى الرشيد فأخبراه بمكان الشافعي وانبسطا جميعا في الكلام فقال محمد بن الحسن: الحمد لله الذي مكن لك في البلاد، وملكك رقاب العباد من كل باغ وعاد إلى يوم المعاد، لا زلت مسموعا لك ومطاعا، فقد علت الدعوة وظهر أمر الله وهم كارهون، وإن جماعة من أصحاب عبد الله بن الحسن اجتمعت وهم متفرقون، وقد أتاك عنق ينوب عن الجميع وهو على الباب يقال له: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد يزيد بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، يزعم أنه أحق بهذا الأمر منك، حاش، لله، ثم إنه يدعي ما لم يبلغه ولا يشهد له بذلك قدمه، وله لسان ومنطق ورواء وسيخلبك بلسانه وأنا خائف منه، كفاك الله مهماتك وأقال عثراتك. ثم أمسك. فأقبل الرشيد على أبي يوسف فقال: يا يعقوب، قال: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: أنكرت من مقالة محمد شيئا؟ فقال له أبو يوسف: محمد صادق فيما قال، والرجل كما حكى. فقال الرشيد: لا خير بعد شاهدين ولا إقرار أبلغ من المحنة. وكفى بالمرء إثما أن يشهد بشهادة يخفيها عن خصمه، فعلى رسلكما لا تبرحان.

ص 186

ثم أمر بالشافعي فأدخل، فوضع بين يديه بالحديد الذي كان في رجليه، فلما استقربه المجلس ورمى القوم إليه بأبصارهم رمى الشافعي بطرفه نحو أمير المؤمنين وأشار بكفه كله مسلما فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة وبركاته. فقال الرشيد: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، بدأت بسنه لم تؤمر بإقامتها، ورددنا فريضة قامت بذاتها، ومن أعجب العجب أنك تكلمت في مجلسي بغير إذني. فقال الشافعي: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) وهو الذي إذا وعد وفى، فقد مكنني في أرضه وآمنني بعد خوفي يا أمير المؤمنين. فقال له الرشيد: أجل قد آمنك الله إذ أمنتك. فقال الشافعي: قد حدثتك أنك لا تقتل قومك صبرا، ولا تزدريهم بهجرتك غدرا، ولا تكذبهم إذ أقاموا لديك عذرا. فقال له الرشيد: هو كذلك، فما عذرك مع ما أرى من حالك وتسييرك من حجازك إلى عراقنا التي فتحها الله علينا، بعد أن بغي صاحبك ثم اتبعه الأزدال وأنت رئيسهم، فما ينفع لك القول مع إقامة الحجة، ولن يضر الشهادة مع إظهار التوبة. فقال له الشافعي: يا أمير المؤمنين أما إذا استنطقتني الكلام فسأتكلم على العدل والنصفة. فقال الرشيد: ذلك لك. فقال الشافعي: والله يا أمير المؤمنين لو اتسع الكلام على ما بي لما شكوت لك، الكلام مع ثقل الحديد يعذر، فإن جدت علي بفكه أفصحت عن نفسي، وإن كانت الأخرى فيدك العليا ويدي السفلى، والله غني حميد. فقال الرشيد لغلامه: يا سراح، خل عنه. فأخذ ما في قدميه من الحديد فجثا على ركبته اليسرى ونصب اليمنى وابتدر الكلام فقال:

ص 187

والله يا أمير المؤمنين، لإن يحشرني الله تحت راية عبد الله بن الحسن - وهو من قد علمت، وشيخ قرابة لا تنكر عند اختلاف الأهواء، وتفرق الآراء - أحب إلي وإلى كل مؤمن من أن يحشرني تحت راية قطري بن الفجأة المازني، وكان الرشيد متكئا فاستوى جالسا وقال: صدقت وبررت، لإن تكون تحت راية رجل من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاربه إذا اختلف الأهواء، خير من أن تحشر تحت راية خارجي حنفي يأخذه الله بغتة. وخبرني يا شافعي: ما حجتك على أن قريشا كلها أئمة وأنت منهم؟. قال الشافعي: قد افتريت على الله كذبا يا أمير المؤمنين إن نصبت نفسي لها، وهذه كلمة ما سبقت بها قط، والذين حكوها لأمير المؤمنين فأطلبهم معاينة، فإن الشهادة لا تجوز إلا كذلك. فنظر أمير المؤمنين إليهما، فلما رآهما لا يتكلمان علم ما في ذلك، فأمسك عنهما ثم قال له الرشيد: قد صدقت يا ابن إدريس، فكيف بصرك بكتاب الله تعالى؟ فقال له الشافعي: عن أي كتاب الله تسألني؟ إن الله أنزل ثلاثا وسبعين كتابا على خمسة أنبياء، وأنزل كتاب موعظة النبي، فكان سادسا، أولهم آدم عليه السلام، عليه أنزل ثلاثون صحيفة كلها أمثال. وأنزل على أخنوخ وهو إدريس ستة عشر صحيفة كلها حكم وعلم الملكوت الأعلى. وأنزل على إبراهيم ثمانية صحف كلها حكم وعلم الملكوت الأعلى. وأنزل على إبراهيم ثمانية صحف كلها حكم مفصلة فيها فرائض ونذر. وأنزل على موسى التوراة فيها تخويف وموعظة. وأنزل على عيسى الانجيل ليبين لبني إسرائيل ما اختلفوا فيه من التوراة. وأنزل على داود كتابا كله دعاء وموعظة لنفسه حتى يخلصه به من خطيئته لا حكم لنا فيه وإيقاظ لداود ولقاريه من بعد. وأنزل على محمد صلى الله عليه وسلم القرآن وجمع فيه سائر الكتب فقال (تبيانا لكل شيء وهدى وموعظة) (أحكمت آياته ثم فصلت). فقال له الرشيد: فصل لي كتاب الله المنزل على ابن عمي رسول الله صلى

ص 188

الله عليه وسلم، الذي دعانا إلى قبوله وأمرنا بالعمل بمحكمه والايمان بمتشابهه. فقال: عن أية آية تسألني، عن محكمه أو متشابهه، أم عن تقديمه أو تأخيره، أم عن ناسخة أم عن منسوخة، أم عما ثبت حكمه ونسخت تلاوته، أم عما ثبت تلاوته وارتفع حكمه، أم عما ضربه الله مثلا أم عما ضربه الله اعتبارا، أم عما أمضى ما فيه فعال الأمم الماضية، أم عما قصدنا الله من فعلهم تحذيرا؟ قال: فما زال حتى عدله الشافعي ثلاثا وسبعين حكما في القرآن. فقال له الرشيد: ويحك يا شافعي، أفكل هذا يحيط به علمك؟ فقال يا أمير المؤمنين: المحنة على العالم كالنار على الفضة، تخرج جودتها من رادءتها، فها أنا ذا فامتحن. فقال له الرشيد: ما أحسن أن أعيد ما قلت، فسأسألك بعد هذا المجلس إن شاء الله تعالى. قال له: كيف بصرك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له الشافعي: إني لأعرف منها يا أمير المؤمنين ما خرج على وجه الايجاب لا يجوز تركه، كما لا يجوز ترك ما أوجبه الله في القرآن، وما خرج على وجه التأديب، وما خرج على وجه الخاص لا يشرك فيه العام، وما خرج على وجه العموم يدخل فيه الخصوص، وما خرج جوابا عن سؤال سائل ليس لغيره استعماله، وما خرج منه ابتداءا لازدحام العلوم في صدره، وما جعله في خاصة نفسه وافتدى به الخاصة والعامة، وما خص به نفسه دون الناس كلهم مع ما لا ينبغي ذكره، لأنه أسقطه صلى الله عليه وسلم ذكرا. فقال: أجدت الترتيب يا شافعي لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحسنت موضعها بوصفها، فلما حاجتنا إلى التكرار عليك، ونحن نعلم ومن حضر أنك نصابها. فقال له الشافعي: فلك من فضل الله علينا وعلى الناس، وإنما شرفنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبك.

ص 189

فقال: كيف بصرك بالعربية؟ قال: مبداتنا وطباعنا بها تقدمت، وألسنتنا بها جرت، فصارت كالحياة لا تتم إلا بالسلامة، وكذلك العربية لا تسلم إلا لأهلها، ولقد ولدت وما أعرف اللحن، فكنت كمن سلم من الداء ما سلم له الدواء وعاش متكاملا، وبذلك شهد لي القرآن فقال (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) يعني قريشا، وأنت وأنا منهم يا أمير المؤمنين، فالعنصر رصيف والجرثومة منيعة شامخة، أنت أصل ونحن فرع، وهو صلى الله عليه مفسر ومبين، به اجتمعت أحبائنا، فنحن بنو الإسلام بذلك ندعى وننسب. فقال الرشيد: صدقت وبارك الله فيك... . وقال الرازي: الفصل الثالث في مناظرة جرت بينه وبين محمد بن الحسن في هذه الواقعة، ذكروا: أن الشافعي رضي الله عنه لما حضر مع العلويين من اليمن وحضر باب الرشيد اتفق أن كان ذلك في وهن من الليل، فكانوا يدخلون عشرة عشرة منهم على الرشيد، فجعل يقيم واحدا واحدا منهم ويتكلم من داخل الستر، ويأمر بضرب عنقه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فلما انتهى الأمر إلي قلت: يا أمير المؤمنين عبدك وخادمك محمد بن إدريس. قال: يا غلام، إضرب عنقه. قلت يا أمير المؤمنين كأنك اتهمتني بالانحراف عنك والميل إلى العلوية، وسأضرب مثلا في هذا المعنى، ما تقول يا أمير المؤمنين في رجل له ابنا عم أحدهما خلطه بنفسه وأشركه في نسبه وزعم أن ماله حرام عليه إلا بإذنه، وأن ابنته إحرام عليه إلا بتزويجه. والآخر يزعم أنه دونه كالعبد له، فهذا الرجل إلى أيهما يميل؟ فهذا مثلك ومثل هؤلاء العلويين. فاستعاد الرشيد هذا القول ثلاث مرات، وكنت أعبر عن هذا المعنى بألفاظ مختلفة . هذا، ومن المعلوم أن (هارون الرشيد) إمام باطل، وأن جرائمه قد سودت وجه التاريخ، وموبقاته أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر. ولا شك في أن من رضي بهكذا إمام فهو كافر، صرح به جماعة منهم: أبو شكور محمد بن عبد السعيد السلمي الحنفي في (التمهيد في بيان التوحيد).

ص 190

12 - أمارات الوضع على هذا الحديث لائحة إن أمارات الوضع والاختلاق ظاهرة على هذا الحديث: فمنها: إن تقدم الثلاثة في الخلق على آدم عليه السلام يستلزم تفضيلهم عليه وعلى سائر الأنبياء (عدا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا باطل بالاجماع. ومنها: إن هؤلاء قد ثبت كفرهم وعبادتهم للأصنام قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما ثبت - بالضرورة - محاربتهم له وقيامهم عليه، ولو أنهم نفوا هذا عن الأول منهم فزعموا إسلامه، فإنه بالنسبة إلى الآخرين من الضروريات التي لا كلام لأحد فيها، فمن كان هذا حاله كيف يصح أن يكون مع النبي صلى الله عليه وآله على يمين العرش، ومخلوقا مما خلق صلى الله عليه وآله وسلم منه؟ ومنها: إن من المسلم به الثابت عند الكل كفر آباء الثلاثة، ولو ثبت إسلام أبي قحافة في الظاهر فلا ريب في كفر والدي الثاني والثالث وموتهما على ذلك. فكيف تكون هذه الأصلاب طاهرة كما يدعي واضع الحديث؟ وكيف يصح صدور مثل هذا الكذب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!. فالعجب من هؤلاء كيف يعتمدون على مثل هذا، وهم يردون الأحاديث الصحيحة الواردة في فضل علي عليه السلام، أمثال حديث (الطير) و(الولاية) و(مدينة العلم)...؟! إلا أنه لا مجال للتعجب من (الدهلوي)، لأنه قد اعترف بضعفه في الجملة ، ولأن تعصبه يبعثه على أن يحاول رد استدلالات الشيعة مهما أوتي من حول وقوة وإنما نتعجب من الشافعي كيف روى هذه الخرافة! 13 - حديث موضوع آخر في فضل الشيخين لقد روى بعضهم حديثا في باب فضائل عمر عن أبي هريرة يفيد: أن الله

ص 191

خلق النبي صلى الله عليه وسلم من نور، وخلق أبا بكر من نوره، وخلق عمر من نور أبي بكر. وهذا الحديث موضوع عند محققي أهل السنة. وإليك نصه وما قيل فيه: قال السيوطي: أبو نعيم في أماليه حدثنا محمد بن محمد بن عمرو بن زيد إملاء، حدثنا أحمد بن يوسف، حدثنا أبو شعيب صالح بن زياد، حدثنا أحمد بن يوسف المنبجي، حدثنا أبو شعيب السوسي عن الهيثم بن جميل عن المقبري عن أبي معشر عن أبي هريرة مرفوعا: خلقني الله من نوره، وخلق أبا بكر من نوري، وخلق عمر من نور أبي بكر، فخلق أمتي من نور عمر، وعمر سراج أهل الجنة. قال أبو نعيم: هذا باطل، أبو معشر وأبو شعيب متروكون. وقال في الميزان: هذا خبر كذب، ما حدث به واحد من الثلاثة، وإنما الآفة عندي فيه المنبجي لا يعرف (1). وفي (تنزيه الشريعة) ما نصه: خلقني الله من نوره، وخلق أبا بكر من نوري، وخلق عمر من نور أبي بكر، وخلق أمتي من نور عمر وعمر سراج أهل الجنة. نع في أماليه عن أبي هريرة وقال: هذا باطل. وقال الذهبي: هذا كذب (2). فإذا كان هذا الحديث موضوعا باعتراف أبي نعيم والذهبي والسيوطي وابن عراق، فإن خبر خلق الثلاثة قبل آدم عليه السلام وكونهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على يمين العرش كذب بالأولوية. ولا أدري لما ذا لم يحتج (الدهلوي) وغيره بهذا الحديث، ولم يعارض به حديث النور؟ لا يبعد عدم اطلاعه به، وإلا لذكره على عادته في التمسك بالأحاديث الموضوعة، ألا ترى صاحب (فصل الخطاب) قائلا:

(هامش)

(1) ذيل الموضوعات - مخطوط. (2) تنزيه الشريعة عن الأحاديث الموضوعة 1 / 337. (*)

ص 192

في فردوس الأخبار: ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل خلقني من نوره، وخلق أبا بكر من نوري، وخلق عمر من نور أبي بكر، وخلق المؤمنين كلهم من عمر رضي الله عنهم . * * *

ص 193

دحض تأييد حديث الشافعي بحديث آخر

ص 195

قوله: ويؤيده الحديث المشهور: إن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف . أقول: 1 - لم يدع الكابلي هذا التأييد لقد اكتفى (الكابلي) بذكر الحديث المزعوم وقال: وليس في إسناده من يتهم بالكذب وأضاف قائلا ولأن مثل هذه الأخبار لو ثبت لا يحتج به في مثل هذه الأمور، وذلك ظاهر . وأما مخاطبنا (الدهلوي) فقد أضاف تأييده بهذا الحديث، لكن من الواضح أنه لا وجه لذلك، إذ لا مناسبة بين هذا الحديث وذاك لا منطوقا ولا مفهوما، ولا يدل عليه دليل بوجه من الوجوه أبدا... ولعله لذا لم يتطرق (الكابلي) إلى هذا.

ص 196

2 - معنى الحديث يوضح بطلان الدعوى وإليك نص كلمة الشيخ عبد الحق الدهلوي في معنى الحديث، فإنه قال: قوله: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر اختلف. الجنود: جمع جند، ومجندة: مجتمعة على نحو قناطير مقنطرة، وفيه دليل على أن الأرواح ليست بأعراض، وعلى أنها كانت موجودة قبل الأجساد، ولا يلزم من ذلك قدمها، لكن يبطل القول بخلقها بعد تمام البدن وتسويته، إلا أن يراد بخلقها قبل البدن تقديرها كذلك، وهو مخالف لظاهر الحديث جدا، بل قد جاء في الحديث: خلقت الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، وعلى أنها خلقت في أول خلقتها على قسمين من ائتلاف واختلاف باعتبار موافقة في الصفات ومخالفة فيها، وإن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا فتأتلف وتختلف على حسب ما خلقت عليه، فالخير يحب الأخيار، والشرير يحب الأشرار، وإن عرض عارض يقتضي خلاف ذلك فالمال إليه، فما تعارف منها قبل التعلق بالأجساد ائتلف بعده، كمن فقد أليفه ثم اتصل به، وما تناكر قبله اختلف بعده، وهذا التعارف والتناكر إلهامات من الله من غير إشعار منهم بالسابقة (1). وعلى هذا فأين وجه التأييد؟ ولماذا لم يبينه (الدهلوي) ولو إجمالا؟ والظاهر: إنه يقصد من هذا أن الائتلاف في عالم الأجساد يدل على التعارف في عالم الأرواح، والتعارف يستلزم كونها في مكان واحد، وبما أن الخلفاء كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله في هذا العالم فإن أرواحهم كانت مع روحه هناك، أن تكون أرواحهم كروحه صلى الله عليه وآله مخلوقة قبل خلق آدم عليه السلام. ولكن بطلان هذا واضح جدا، فإنه يستلزم أن يكون خلق جميع الصحابة

(هامش)

(1) اللمعات في شرح المشكاة - باب الحب في الله. (*)

ص 197

وحتى عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، وأمثالهم من المجرمين الذين يزعم (الدهلوي) وأسلافه ائتلافهم صلى الله عليه وآله، بل خلق سائر المسلمين والمؤمنين به صلى الله عليه وآله وسلم مقدما على خلق آدم وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأن تكون أرواح هؤلاء إلى جنب روحه على يمين العرش... وهذا باطل إجماعا. 3 - كان عمر شديدا على رسول الله قبل إسلامه وكيف يجوز أن تكون روح عمر بن الخطاب مؤتلفة مع روح النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو لا يزال يحاول ويقصد اغتياله ويعاديه حتى ساعة تظاهره بالاسلام؟ لقد جاء في (إزالة الخفا) ما نصه: عن أنس قال: خرج عمر متقلدا السيف، فلقيه رجل من بني زهرة فقال له: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدا، قال: وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة؟ فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك؟ قال: أفلا أدلك على العجب؟! إن أختك وختنك قد صبوا وتركا دينك، فمشى عمر ذامرا حتى أتاهما وعندهما حباب، فلما سمع حباب بحس عمر توارى في البيت فدخل عليهما، فقال: ما هذه الهيمنة التي سمعتها عنكم؟ وكانوا يقرؤن طه، فقالوا: ما عدا حديثا تحدثنا به، قال: فلعلكما قد صبوتما؟ فقال له ختنه: يا عمر إن كان الحق في غير دينك، فوثب عمر على ختنه فوطئه وطئا شديدا، فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها، فنفحها بيده فدمي وجهها . وفيه أيضا: عن الزهري: كان عمر بن الخطاب شديدا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانطلق حتى دنا من رسول الله... . وروى محمد بن حبيب بإسناده عن زيد بن الخطاب قال: كان من حديث الحرب التي كانت بين عدي بن كعب في الإسلام: إن

ص 198

أبا الجهم بن حذيفة بن غانم كان من رجال قريش في الجاهلية، وكان يوازن عمر ابن الخطاب قبل إسلامه على غيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاداته، فأكرم الله عمر بهما أكرمه من الإسلام... (1). وفي (سيرة ابن هشام) ما ملخصه: قال ابن إسحاق: وكان إسلامه عمر فيما بلغني: أن أخته فاطمة بنت الخطاب - وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل - وكانت قد أسلمت وأسلم زوجها سعيد بن زيد، وهما مستخفيان بإسلامهما عن عمر، وكان نعيم بن عبد الله التحام رجل من قومه من بني عدي بن كعب قد أسلم، وكان أيضا يستخفي بإسلامه فرقا من قومه، وكان حباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن. فخرج عمر يوما متوشحا بسيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا، وهم قريب من أربعين، ما بين رجال ونساء، ومع رسول الله عمه حمزة بن عبد المطلب وأبو بكر ابن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب في رجال في المسلمين، ممن كان أقام مع رسول الله بمكة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له: أين تريد يا عمر؟ قال: أريد محمدا هذا الصابي الذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فأقتله، فقال له نعيم: والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر! أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا؟ فلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ قال: فأي أهل بيتي؟ قال: ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو وأختك فاطمة بنت الخطاب، فقد والله أسلما وتابعا محمدا على دينه، فعليك بهما (2). وعلى أي حال، فإن هذا الحديث لا يؤيد ذاك الحديث الموضوع مطلقا.

(هامش)

(1) المنمق: 362. (2) سيرة ابن هشام 1 / 343. (*)

ص 199

دلالة حديث النور

ص 201

قوله: وبعد اللتيا والتي، فلا دلالة لهذا الحديث على ما يدعونه . أقول: لقد اكتفى (الكابلي) في رد حديث النور بمجرد معارضته بالحديث الموضوع المذكور آنفا وزعمه أن مثل هذه الأخبار لو ثبت لا يحتج به في مثل هذه الأمور ، فلم يمنع دلالته على مطلوب الشيعة بصراحة. لكن (الدهلوي) منع الدلالة أيضا جريا على عادته في إنكار الحقائق ومخالفة الواقع. ونحن هنا نذكر بعض الوجوه القائمة على دلالة هذا الحديث، ليزداد المنصف بصيرة، والمؤمن إيمانا، ولعل المكابر يرجع بملاحظتها إلى رشده ويتبع سبيل المؤمنين، والله الموفق والمعين، فنقول:

ص 202

1 - التصريح بخلافة علي في الحديث

 لقد جاء التصريح بخلافة علي عليه السلام في جملة من ألفاظ الحديث، في رواية جماعة من علماء أهل السنة، وقد تقدم ذلك في القسم الأول من الكتاب، ولذا نكتفي بالإشارة إليها... فمن ذلك التصريح بالخلافة بلفظ: ففي النبوة وفي علي الخلافة أو نحوه. وجاء ذلك في رواية: 1 - أبي الحسن ابن المغازلي الواسطي في (مناقب أمير المؤمنين عليه السلام). 2 - شيرويه الديلمي في (فردوس الأخبار). 3 - السيد علي الهمداني في (المودة في القربى) و(روضة الفردوس). 4 - السيد محمد كيسو دراز في (كتاب الاسمار). 5 - أحمد بن إبراهيم في (جواهر النفائس). 6 - الواعظ الهروي في (رياض الفضائل). وبلفظ: كان اسمي في الرسالة والنبوة وكان اسمه في الخلافة والشجاعة . وجاء ذلك في رواية: الحمويني في (فرائد السمطين).

 2 - التصريح بوصاية علي في الحديث

 وجاء التصريح بوصايته عليه السلام: بلفظ: فأخرجني نبيا وأخرج عليا وصيا .

ص 203

ومن رواته: الحافظ ابن المغازلي في (مناقب أمير المؤمنين). وبلفظ: وكان لي النبوة ولعلي الوصية . ومن رواته: أحمد بن محمد بن أحمد الحافي الحسيني الشافعي في (التبر المذاب).

 3 - تعلم الملائكة وغيرها التسبيح من ذلك النور

 لقد دلت جملة من ألفاظ حديث النور على أن ذلك النور كان يسبح الله ويقدسه مطيعا له، حديث ابن عبد البر في (بهجة المجالس): خلقت أنا وعلي من نور واحد يسبح الله تعالى يمنة العرش . وفي حديث ابن المغازلي في (المناقب) عن سلمان: كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل يسبح الله ذلك النور . وفي آخر له عن أبي ذر: كنت أنا وعلي نورا عن يمين العرش يسبح الله ذلك النور ويقدسه . وفي حديث الديلمي في (الفردوس): كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله مطيعا يسبح الله ويقدسه . وفي حديث ابن أسبوع في كتاب (الشفاء): خلقت أنا وعلي من نور واحد يسبح الله على متن العرش . وفي حديث الحمويني عن أبي هريرة: لما خلق الله تعالى أبا البشر ونفخ فيه من روحه التفت آدم يمنة العرش، فإذا نور خمسة أشباح سجدا وركعا . وعلى هذا، فإن كل تقديس وتسبيح كان من آدم عليه السلام وغيره من الأنبياء وسائر البشر، فإنه كان اقتداء بهما، وعملا بسنتهما، وقد دل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الخامس

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب