نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الخامس

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الخامس

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 204

القيامة على أن كل ما حصل لهم من الأجر كان مثله ثابتا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام، لأنهما اللذان سنا هذه السنة الحسنة، وتلك فضيلة بالغة ومرتبة رفيعة لا ينالها أحد من العالمين. قال السبكي في الباب التاسع من (شفاء الأسقام) - بعد أن ذكر أحاديث دالة على حياة الأنبياء - والكتاب العزيز يدل على ذلك أيضا، قال الله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) وإذا ثبت ذلك في الشهيد يثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم بوجوه: أحدها: إن هذه رتبة شريفة، أعطيت للشهيد كرامة له، ولا رتبة أعلى من رتبة الأنبياء، ولا شك أن حال الأنبياء أعلى وأكمل من حال جميع الشهداء، فيستحيل أن يحصل كمال للشهداء ولا يحصل للانبياء، لا سيما هذا الكمال الذي يوجب زيادة القرب والزلفى والنعم والأنس بالعلي الأعلى. والثاني: إن هذه الرتبة حصلت للشهداء أجرا على جهادهم وبذلهم أنفسهم لله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سن لنا ذلك ودعانا إليه وهدانا له بإذن الله تعالى وتوفيقه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. وقال صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من يتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من يتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا. والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة. فكل أجر حصل للشهيد حصل للنبي صلى الله عليه وسلم مثله، والحياة أجر فيحصل للنبي صلى الله عليه وسلم مثلها زيادة على ماله صلى الله عليه وسلم من الأجر الخاص من نفسه على هدايته للمهتدي، وعلى ماله من الأجور على حسناته الخاصة من الأعمال والمعارف والأحوال التي لا تصل جميع الأمة إلى عرف نشرها، ولا يبلغون معاشر عشرها. وهكذا نقول: إن جميع حسناتنا وأعمالنا الصالحة وعبادات كل مسلم مسطر

ص 205

في صحائف نبينا صلى الله عليه وسلم زيادة على ماله من الأجر، ويحصل له صلى الله عليه وسلم من الأجور أضعاف مضاعفة لا يحصرها إلا الله تعالى ويقصر العقل عن إدراكها، فإن كل شهيد وعامل إلى يوم القيامة يحصل له أجر ويتجدد لشيخه في الهداية مثل ذلك الأجر، ولشيخ شيخه مثلاه، وللشيخ الثالث أربعة وللرابع ثمانية، وهكذا يضعف في كل مرتبة الأجور الحاصلة إلى أن تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فرضت المراتب عشرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان للنبي من الأجر ألف وأربعة وعشرون، فإذا اهتدى بالعاشر حادي عشر صار أجر النبي صلى الله عليه وسلم ألفين وثمانية وأربعين، وهكذا كلما ازداد واحد يتضاعف ما قبله أبدا إلى يوم القيمة، وهذا أمر لا يحصره إلا الله تعالى ويقصر العقل عن كنه حقيقته، فكيف إذا أخذ مع كثرة الصحابة وكثرة التابعين وكثرة المسلمين في كل عصر، فكل واحد من الصحابة يحصل له بعدد الأجور التي يترتب على فعله إلى يوم القيامة، وكل ما يحصل لجميع الصحابة حاصل بجملته للنبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يظهر رجحان السلف على الخلف، فإنه كلما ازداد الخلف ازداد أجر السلف ويتضاعف بالطريق الذي نبهنا عليه. ومن تأمل هذا المعنى ورزق التوفيق، انبعثت همته إلى التعليم ورغب في النشر ليتضاعف أجره في حياته وبعد موته على الدوام، ويكف عن إحداث البدع والمظالم من المكوس وغيرها، فإنها يضاعف عليه وزرها بالطريق التي ذكرناها ما دام يعمل بها، فيتأمل المسلم هذا المعنى وسعادة الهادي إلى الخير وشقاوة الداعي إلى الشر . وعلى هذا... فلما كان علي عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك النور، فإنه يحصل له من الأجر ما يحصل له، وتلك منقبة عظيمة يقصر العقل عن إدراك شأنها. ولقد جاء في بعض ألفاظ الحديث التصريح بتعلم الملائكة التسبيح لله عز وجل من ذلك النور، وممن رواه سعيد الدين محمد بن مسعود الكازروني حيث

ص 206

روى: عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كنت نورا بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق الله آدم عز وجل بألفي عام، يسبح ذلك النور فتسبح الملائكة بتسبيحه، فلما خلق الله تعالى آدم ألقى ذلك النور في صلبه فقال صلى الله عليه وسلم: فأهبطني الله تعالى إلى الأرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح وقذفني في صلب إبراهيم، ثم لم يزل تعالى ينقلني من الأصلاب الكريمة والأرحام الطاهرة حتى أخرجني بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط (1). ورواه الديار بكري باختلاف يسير، قال: عن ابن عباس عن النبي أنه قال: كنت نورا بين يدي الله قبل أن يخلق الله عز وجل آدم بألفي عام، يسبح الله ذلك النور تسبح الملائكة بتسبيحه، فلما خلق الله آدم ألقى ذلك النور في صلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأهبطني الله إلى الأرض في صلب آدم، وجعلني في صلب نوح في السفينة، وقذف بي في النار في صلب إبراهيم، ثم لم يزل ينقلني من الأصلاب الكريمة والأرحام الطاهرة، حتى أخرجني من أبوي، لم يلتقيا على سفاح قط (2). ومع هذه الفضيلة الحاصلة لعلي كيف يقدم عليه من لم تحصل له، بل له سابقة كفر قبل إسلامه؟!

 4 - لولا الخمسة لما خلق آدم

 لقد جاء في حديث [الأشباح] الذي رواه الحمويني قوله تعالى لآدم: هؤلاء خمسة من ولدك، لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار، ولا العرش ولا الكرسي، ولا السماء ولا الأرض، ولا الإنس ولا الجن، فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العالي

(هامش)

(1) المنتقى من سيرة المصطفى - مخطوط. (2) تاريخ الخميس 1 / 21. (*)

ص 207

وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا ذو الاحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال حبة من خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري ولا أبالي. يا آدم هؤلاء صفوتي بهم أنجيهم وبهم أهلكهم، فإذا كان لك إلي حاجة فبهؤلاء توسل (1). وقد روى ابن المغازلي توسل آدم بالخمسة عن سعيد بن جبير، والسيوطي عن ابن النجار، والبدخشاني عن ابن النجار والدار قطني، كلاهما عن ابن عباس في قوله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) (2)، وكذا الصفوري (3) عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وأرسله النطنزي إرسال المسلم (4). وإذا كان لعلي عليه السلام هذا الشأن كيف يقدم عليه أحد؟!.

 5 - علي أفضل من آدم

 إن حديث النور يفيد تقدم نور النبي وعلي عليهما الصلاة والسلام على خلق آدم بزمن طويل، ففي بعض ألفاظه بأربعة عشر ألف عام، ورواه جماعة منهم: عبد الله بن أحمد وابن مردويه وابن المغازلي والديلمي والعاصمي

(هامش)

(1) فرائد السمطين - وقد تقدم. (2) أنظر الدر المنثور 1 / 60 ومفتاح النجا - مخطوط. (3) نزهة المجالس 2 / 230. (4) الخصائص العلوية - مخطوط، وقد تقدم نص الحديث عن ابن عباس. (*)

ص 208

والنطنزي والديلمي والخوارزمي وابن عساكر والمحب الطبري... وفي بعضها: أربعون ألف عام، كما في رواية الكنجي عن ابن عساكر والخطيب. فعلي - إذن - أفضل من آدم وغيره من الأنبياء عدا النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو الإمام بعد النبي. ولنعم ما قال ابن بطريق هنا: فهذه الأخبار الواردة عن ابن حنبل والثعلبي وابن المغازلي والديلمي تصرح بلفظ الخلافة بلا ارتياب، فلينظر في ذلك ففيه كفاية ومقنع لمن تأمله بعين الانصاف، فما بعد بيان الخلافة بيان لملتمس ولا منار لمقتبس ولا دليل يستفاد ولا علم يستزاد. ثم كونه معه عليه السلام نورا بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق الله تعالى آدم بأربعة عشر ألف عام يسبحان الله تعالى، ما لا يقدر أحد أن يدعي فيه مماثلة أو مداخلة (1). ولولا دلالة هذا الحديث على أفضلية علي عليه السلام من الأنبياء فضلا عن غيرهم - لما رماه (ابن الجوزي) و(ابن روزبهان) و(الكابلي) بالوضع... ولما ذا خلق الله تعالى نوره قبل غيره؟ أليس لأنه أفضل الخلائق كلهم أجمعين؟!. وإذا دل تقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الخلق على أفضلية، دل على أن عليا كذلك أيضا، لوحدة النور الذي خلقا منه.

(هامش)

(1) العمدة 45. (*)

ص 209

وذلك كله يقتضي أن تكون جميع الكلمات المتحققة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم متحققة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام أيضا، ولكي ندلل على هذا أكثر من ذي قبل ننقل كلمات بعض كبار علمائهم ضمن الوجوه الآتية.

6 - تباهى العصور بالنبي وعلي

 قال الإمام الشيخ أبو عبد الله محمد بن سعيد البوصيري في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله في [القصيدة الهمزية]: أنت مصباح كل فضل فما * يصدر إلا عن ضوئك الأضواء وقال الحافظ ابن حجر المكي في شرحه: [أنت] أيها العلم والمفرد الذي لا تساوى، بل ولا تدانى [مصباح] أي سراج فهو مقتبس من قوله تعالى (وسراجا منيرا) [كل] اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر المضاف إليه كما هنا والعرف المجموع، نحو: (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) وأجزاء المفرد المعرف نحو (يطبع الله على قلب كل متكبر جبار) بإضافة القلب إلى متكبر، أي على كل أجزائه، وقراءة التنوين لعموم أفراد القلوب، ثم إن لم يكن نعتا لنكرة ولا توكيدا لمعرفة بأن تلاها العامل كما هنا جازت الاضافة كما هنا وقطعها نحو: (وكلا ضربنا له الأمثال). واعلم أنها حيث أضيفت لمنكر وجب في ضميرها مراعاة معناها، نحو (وكل شيء فعلوه في الزبر) و(على كل ضامر يأتين) أو لمعرف جاز مراعاة لفظها في الإفراد والتذكير، ومراعاة لمعناها، وكذا إذا قطعت نحو (كل يعمل على شاكلته) (وكل أتوه داخرين) وأنها حيث وقعت في حيز النفي بأن سبقتها أداته أو فعل منفي نحو ما جاء كل القوم وكل الدراهم لم أجد، لم يتوجه النفي إلا لسلب شمولها، فنفهم إثبات الفعل لبعض الأفراد ما لم يدل الدليل على خلافه،

ص 210

نحو (والله لا يحب كل مختال فخور) مفهومه إثبات المحبة لأحد الوصفين لكن لا نظر إليه، للاجماع على تحريم الاحتيال والفخر مطلقا، وحيث وقع النفي في حيزها كقوله صلى الله عليه وسلم في خبر ذي اليدين: كل ذلك لم يكن، توجه النفي إلى كل فرد فرد. كذا ذكره البيانيون وإنما سقت هذا جميعه هنا لأنه لنفاسته وكثرة الاحتياج إليه مما ينبغي أن يستفاد ويحفظ [فضل] وكمال برز لغيرك في الوجود، لأنك الخليفة الأكبر الممد لكل موجود، وشاهده ما صح في خبر: آدم فمن دونه تحت لوائي. وخبر: لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي. وخبر: إن إبراهيم قال إنما كنت خليلا من وراء وراء. وآثر التشبيه بالسراج على القمرين لأنه يقتبس منه الأنوار بسهولة وتخلفه فروعه فتبقى بعده، ووجه التشبيه أن نوره صلى الله عليه وسلم يظهر الأشياء المعنوية كنور البصائر، ونور السراج يظهر المحسوسة كنور البصر، ولا ريب أن المحسوس أظهر من المعقول من حيث هو معقول، فلذا شبه نوره صلى الله عليه وسلم لكونه معقولا بنور السراج لكونه محسوسا، فلا ينافي ذلك أن السراج دونه صلى الله عليه وسلم بل لا نسبة، ويمكن أن يكون من التشبيه المقلوب كما في قوله تعالى (أفمن يخلق كمن لا يخلق). وإذا تقرر أن كمالات غيره المشبهة بالأضواء مستمدة من كماله الذي هو الضوء الأعلى [ف‍] بسبب ذلك [ما يصدر] أي يبرز في الوجود ضوء ينشأ عن ضوء أحد مطلقا [إلا] ضوئك، فأنت المخصوص بأنك الذي يبرز [عن ضوئك] الذي أكرمك الله [الأضواء] كلها من الآيات والمعجزات وسائر المزايا والكرامات، وإن تأخر وجودك عن جميع الأنبياء عليهم السلام، لأن نور نبوتك متقدم عليهم بل وعلى جميع المخلوقات. وشاهده: حديث عبد الرزاق بسنده عن جابر رضي الله عنه يا رسول الله، أخبرني عن أول شيء خلق الله قبل الأشياء. قال: يا جابر، إن الله تعالى خلق

ص 211

قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لوح، ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا إنسي، فلما أراد الله تعالى أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الأول السموات، ومن الثاني الأرضين، ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله، ومن الثالث نورا يشهد لهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله الحديث. وصح حديث: أول ما خلق الله القلم. وجاء بأسانيد متعددة: إن الماء لم يخلق قبله شيء. ولا ينافيان ما في الأول نور نبينا عليه السلام، لأن الأولية في غيره نسبية وفيه حقيقية، فلا تعارض. وفي حديث عن ابن القطان: كنت نورا بين يدي ربي قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام. وفي الخبر: لما خلق الله تعالى آدم جعل ذلك النور في ظهره وكان يلمع في جبينه فيغلب على سائر نوره. الحديث . وبمثله قال الشيخ سليمان جمل في (الفتوحات الأحمدية شرح الهمزية). قلت: وكذلك علي عليه السلام في كل ما ذكر... فتقدم الآخرين عليه قبيح غير جائز. وقال البوصيري: تتباهى بك العصور وتسمو * بك علياء بعدها علياء قال ابن حجر بشرحه: [تتباهى] أي تتفاخر [بك] أي بوجودك العصور، أي الأزمنة الطويلة من لدن آدم إلى يوم القيامة وما بعده، فكل عصر يفتخر على العصر الذي قبله

ص 212

لوجودك فيه بكمال أعلى مما قبله ولو في ضمن آبائك، لكن أعظمها افتخارا عصر بروزك إلى هذا العالم، ثم عصر نشأتك، ثم عصر رضاعك، فشق بطنك، فتعبدك بحراء وغيره، ثم عصر نبوتك، ثم عصر رسالتك، ثم عصر هجرتك، ثم عصر جهادك، ثم عصر سراياك وبعوثك، ثم عصر فتوحك، ثم عصر دخول الناس في دين الله أفواجا، ثم عصر حجك، ثم عصر أتباعك على تفاوتهم إلى يوم القيامة، كما دل عليه الحديث المشهور: لا تزال طائفة من أمتي الخ. فمزاياه تتزايد في كل عصر من أعصار حياته صلى الله عليه وسلم على ما قبله، وبحسب ذلك يكون افتخار ذلك العصر على غيره، وكذلك عصور أتباعه يتفاوت مراتبهم ومزاياهم المستمدة من مزاياه وأعمالهم المتضاعفة له تضاعفا يفوق الحصر، لأن كل عامل متضاعف له صلى الله عليه وسلم بحسب عمله، وكذلك كل واسطة بينه وبينه، لأنه الدال للكل، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله، فكل فاعل بكل حال يتضاعف له بحسب تضاعف من بعده، ويتضاعف للنبي صلى الله عليه وسلم بحسب تضاعف الجميع، وهذا شيء يقصر عن إدراك كنهه العقل، ثم عصر مقامه المحمود وشفاعته العظمى في فصل الفضاء، ثم بقية شفاعاته، ثم عصر حوضه، ثم عصر وسيلته التي يعطاها في الجنة، مما لا تدرك غايته ولا تحد نهايته. فكل هذه العصور تفتخر به بحسب ما يقع فيها من كماله، لأن الأزمنة والأمكنة تتشرف بشرف من كان فيها، وما يكون فيها من المزايا والكمالات، ولذا قال بعضهم: إن ليلة مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر، وهو صحيح لو لا النص على خلافه، على أن ليلة القدر من خصوصياته فتفضيلها إنما هو لأجله أيضا. [وتسمو] أي تعلو وترتفع من سموت وسميت كعلوت وعليت [بك] أي بتلبسها بك مرتبة [علياء] تأنيث أعلى [بعدها] في الزمان والعلو مرتبة أخرى [علياء] أي أعلى منها.

ص 213

أي: لك في كل عصر من العصور المذكورة مرتبة أعلى مما قبلها وأعلى منها ما بعدها وهكذا إلى ما لا نهاية له منها، ودليل تفاوت مراتبه كما ذكر قوله تعالى (وقل رب زدني علما) ولا شك أن علومه ومعارفه متزايدة متفاوتة إلى ما لا نهاية له، وقوله صلى الله عليه وسلم إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله. قال العارف القطب أبو الحسن الشاذلي: هذا غين أنوار لا غين أغيار، أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان دائم الترقي، فكان كلما توالت أنوار العلوم والمعارف على قلبه ارتقى إلى مرتبة أعلى مما هو فيه، ورأي أن ما قبلها دونها، فيستغفر الله تواضعا وطلبا لتزايد كماله. وفي قول الناظم: وتسمو إلى آخره، من المدح ما لا يخفى عظيم وقعه، لأنه جعل تلك المراتب هي التي تسمو وترتفع بها ولم يجر على ما هو المتبادر أنه الذي يسمو ويرتفع بها، لما هو الحق أنه تعالى خلقه في عالم الأمر على أكمل كمال يمكن أن يوجد لمخلوق، ثم أبرزه في عالم الخلق متدرجا في تلك المراتب، فتتشرف به لا يتشرف هو بها لما علمت أنه كامل قبلها. فتأمل ذلك فإنه مهم دقيق غفل عنه الشارح . وبمثله قال صاحب (الفتوحات الأحمدية). قلت: ولما كان علي عليه السلام معه صلى الله عليه وآله في جميع مراحله... فإن الأعصار مفتخرة بسيدنا أمير المؤمنين أيضا، وكل ما ثبت للنبي ثبت له كذلك، وأين هذا الفضل لغيره من أصحاب رسول الله كفلان وفلان!... قال البوصيري: لك ذات العلوم من الغ‍ * يب ومنها لآدم الأسماء وقال ابن حجر في شرحه: [الأسماء] مبتدأ مؤخر جمع اسم، وهو هنا ما دل على معنى فيشمل الفعل

ص 214

والحرف أيضا، واحتاج الناظم إلى هذا التفضيل مع العلم به مما قبله، لأن آدم ميزه الله تعالى عن الملائكة بالعلوم التي علمها الله تعالى له، وكانت سببا لأمرهم بالسجود والخضوع له بعد استعلائهم عليه بذمه ومدحهم بقولهم (أتجعل فيها من يفسد فيها) إلى آخره، فربما يتوهم أن هذه المرتبة الباهرة لم تحصل لنبينا صلى الله عليه وسلم، إذ قد يوجد في المفضول ما ليس ذلك في الفاضل. فرد ذلك التوهم ببيان آدم عليه السلام لم يحصل له من العلوم إلا مجرد العلم بأسمائها، وأن الحاصل لنبينا صلى الله عليه وسلم بحقائقها ومسمياتها، ولا ريب أن العلم بهذا أعلى وأجل من العلم بمجرد أسمائها، لأنها إنما يؤتى بها لتبيين المسميات فهي المقصودة بالذات وتلك بالوسيلة وشتان ما بينهما، ونظير ذلك أن المقصود من خلق آدم عليه السلام إنما هو خلق نبينا صلى الله عليه وسلم من صلبه. فهو المقصود بطريق الذات وآدم بطريق الوسيلة، ومن ثم قال بعض المحققين: إنما سجد الملائكة لأجل نور محمد صلى الله عليه وسلم في جبينه . قلت: إن عليا عليه السلام كان مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك النور بمقتضى الأحاديث المذكورة، فالملائكة إذا سجدت للنور الذي كانا معا منه... وهذا يستلزم أفضليته من غيره، ما عدا النبي بلا ريب وشك. البوصيري وقصيدته الهمزية ومن المناسب أن ننقل هنا كلمة ابن حجر والشيخ سليمان بالنسبة إلى القصيدة الهمزية وناظمها... قال ابن حجر ما ملخصه: وأجمع ما حوته قصيدة من مآثره صلى الله عليه وسلم وخصائصه ومعجزاته، وأفصح ما أشارت إليه منظومة من بدائع كمالاته ما صاغه [صوغ التبر الأحمر، ونظمه نظم الدرر والجوهر، الشيخ الإمام العارف الكامل الهمام المتفنن

ص 215

المحقق البليغ الأديب المدقق، إمام الشعراء وأشعر العلماء وأبلغ الفصحاء وأفصح الحكماء، الشيخ شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد بن حماد بن محسن بن عبد الله بن صهناج بن هلال الصهناجي، كان أحد أبويه من بوصير الصعيد، والآخر من دلاص، فركبت النسبة منهما فقيل: الدلاصيري، ثم اشتهر بالبوصيري. أخذ عنه: الإمام أبو حيان، والإمام اليعمري، وأبو الفتح ابن سيد الناس، ومحقق عصره العز بن جماعة وغيرهم. وكان من عجائب الدهر في النظم والنثر، ولو لم يكن له إلا قصيدته المشهورة بالبردة، التي تسبب نظمها عن وقوع فالج به أعيى الأطباء، ففكر في إعمال قصيدة يتشفع بها إليه صلى الله عليه وسلم، وبه إلى ربه، فأنشأها فرآه ماسحا بيده الكريمة فعوفي لوقته، لكفاه ذلك شرفا وتقدما، كيف؟ وقد ازدادت شهرتها إلى أن صارت الناس يتدارسونها في البيوت والمساجد كالقرآن] من قصيدته الهمزية المشهورة العذبة الألفاظ الجزلة المباني، العجيبة الأوضاع البديعة المعاني، العديمة النظير، البديعة التحرير، إذ لم ينسج أحد على منوالها، ولا وصل إلى حسنها وكمالها، حتى الإمام البرهان القيراطي المولود سنة 726 والمتوفى سنة 782، فإنه مع جلالته وتضلعه في العلوم النقلية والعقلية، وتقدمه على أهل عصره في العلوم العربية والأدبية، لا سيما علم البلاغة ونقد الشعر واتفاق الصنعة وتمييز حلوه من مره، ونهايته من بدايته، أراد أن يحاكيها ففاته السبب وانقطعت به الحيل عن أن يبلغ من معارضتها أدنى أرب، وذلك لطلاوة نظمها وحلاوة رسمها، وبلاغة جمعها، وبراعة صنعها، وامتلاء الخافقين بأنوار جمالها وإدخاص دعاوي أهل الكتابين ببراهين جلالها، فهي دون نظائرها الآخذة بأزمة العقول، والجامعة بين المعقول والمنقول والحاوية لأكثر المعجزات، والحاكية للشمائل الكريمة على سنن قطع أعناق أفكار الشعراء عن أن تشرئب إلى محاكات تلك المحكيات السالمة من عيوب الشعر. لكنها - وإن شرحت وتعاورتها الأفكار وخدمت - تحتاج إلى شرح جامع،

ص 216

فاستخرت الله تعالى في شرح ذلك . وقال الشيخ سليمان: ومن أبلغ ما مدح به صلى الله عليه وسلم من النظم الرائق البديع، وأحسن ما كشف عن كثير من شمائله من الوزن الفائق المنيع، ما صاغه صوغ التبر الأحمر ونظمه نظم الدر والجوهر: الشيخ الإمام العارف الكامل الهمام المحقق البليغ الأديب المحقق، إمام الشعراء وأشعر العلماء، وبليغ الفصحاء وأفصح الحكماء، الشيخ شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد البوصيري، من قصيدته الهمزية المشهورة، العذبة الألفاظ الجزلة المعاني، النجيبة الأوضاع، العديمة النظير، البديعة التحرير، إذ لم ينسج على منوالها، ولا وصل إلى حسنها وكمالها أحد. وقد شرحت شروحا كثيرة، فقد شرحها الإمام الجوجري بشرحين، وشرحها ابن قطيع المالكي، والشمس الدلجي، والشيخ أبو الفضل المالكي، والشيخ أحمد بن عبد الحق السنباطي، والعارف بالله تعالى السيد مصطفى البكري الصديقي، والشيخ الفاضل فريد عصره الإمام ابن حجر الهيتمي المكي، وشرحه أحسن شروحها وأنفعها، لكن رأيت فيه طولا تتقاصر عنه الهمم القاصرة، فأحببت أن ألتقط منه بعض عبارات من تقرير شيخنا الحنفي، وسميتها الفتوحات الأحمدية بالمنح المحمدية .

7 - كل ما للنبي من الفضل فهو ثابت لعلي

وقال البوصيري في (البردة): وكل آي أتي الرسل الكرام بها * فإنما اتصلت من نوره بهم . قال بدر الدين محمود بن أحمد بن مصطفى الرومي في (تاج الدرة في شرح البردة):

ص 217

يقول: وكل معجزة من المعجزات التي جاء بها المرسلون عليهم السلام إلى أقوامهم، وسائر الآيات الدالة على كمال فضلهم وصدق مقالهم من العلم والحكمة فيهم، فإنهم ما اتصلت بهم وما وصلت إليهم إلا من نوره الذي هو أول كل نور ومبدؤه صلى الله عليه وسلم لقوله عليه السلام: أول ما خلق الله نوري. ولا شك أن الأنبياء والرسل عليهم السلام كلهم مخلوقون من نور واحد، وهو نور نبينا صلى الله عليه وسلم، فأنوارهم شعب منه وفروع له، وهو نور الأنوار وشمس الأقمار . وقال عصام الدين إبراهيم بن محمد الأسفرائيني في شرحه: والحاصل: إن أنوار سائر الرسل أثر من آثار نوره، فمن نور محمد نور العرش والكرسي، ونور الشمس والقمر، وأنوار جميع الأنبياء، وأنوار الصحابة والتابعين، وأنوار المسلمين والمسلمات . قلت: إن جميع هذه الأوصاف والمدائح الكريمة ثابتة لعلي عليه السلام، لاتحاد نوره ونور النبي صلى الله عليه وآله، وكونهما معا في الخلق والتقدم، فهو - إذن - شريكه فيها ومثيله... وبهذا يظهر بطلان تقدم أحد عليه... وقال البوصيري: فإنه شمس فضل هم كواكبها * يظهرن أنوارها للناس في الظلم قال الرومي بشرحه ما ملخصه: يقول: إنما اتصلت تلك الآيات الباهرات بهم من نوره صلى الله عليه وسلم، لأنه شمس فضل الله تعالى ورحمة للناس كافة، والرسل عليهم السلام كانوا مظاهر نوره وحملة سره على درجات استعداداتهم ومراتب قابلياتهم، يظهرون أنوار حقائقه وأسرار دقائقه لأقوامهم قرنا بعد قرن، بدعوتهم إياهم إلى تصديقه والاقرار بمجيئه، كما أن القمر يظهر نور الشمس ويحكيه عند طلوعه في الليالي المظلمة ليكون نوره مستفادا من الشمس، فإذا طلعت لم يبق له ظهور ولا أثر نوره. وفي هذا البيت من حسن الاستعارة ما لا يخفى .

ص 218

وقال العصام: والحاصل: إنه عليه السلام مثل الشمس وسائر الأنبياء مثل الكواكب، وكأن أنورهم يتلألأ حين كان العالم في الظلمات، فلما ظهر نوره عليه السلام تلاشت أنوارها. والغرض من ذلك: إن الرسل إنما كان ينفع دينهم ما لم يظهر دينه، فلما أظهره الله نسخ هذا الدين سائر الأديان السالفة والملل الماضية كلها . وقال البوصيري: محمد سيد الكونين والثقلين * والفريقين من عرب ومن عجم . قال الرومي ما ملخصه: محمد صلى الله عليه وسلم سيد على الإطلاق في الوجودين وأشرف العالمين، لاختصاصه بدين هو أظهر الأديان الحقة، وكتاب هو أفضل الكتب المنزلة، وعترة هم أطهر العتر، وأمة هم خير الأمم . وقال البوصيري: فاق النبيين في خلق وفي خلق * ولم يدانوه في علم ولا كرم قال الرومي بشرحه ما ملخصه: المعنى: إنه فاق جميع الأنبياء عليهم السلام بشرف طينته ونزاهة عنصره وكمال صفاته وفضائل ملكاته . وبمثله قال العصام. وقال البوصيري: وكلهم من رسول الله ملتمس * غرفا من البحر أو رشفا من الديم قال العصام بشرحه ما ملخصه: فإن قلت: هم عليهم السلام سابقون على النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يلتمسون غرفا من بحره؟ قلت: هم سألوا منه مسائل مشكة في علم

ص 219

التوحيد والصفات، فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم وحل مشكلاتهم، وبين يديه جرت المحاجة بين آدم صفي الله وبين موسى كليم الله ليلة المعراج، أو يقول الاعتبار لتقدم الروح العلوي على القالب السفلي، وروح نبينا صلى الله عليه وسلم مقدم على أرواح سائر الأنبياء. والحاصل: كل الأنبياء - من نبينا لا من غيره - استفادوا العلم وطلبوا الشفاعة، إذ هو بحر من العلم وسحاب من الجود، وكالأنهار والأشجار . ومثل الأبيات المتقدمة في الدلالة على تقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على آدم، وتفوقه على جميع الأنبياء في الصفات والكمالات قوله: منزه عن شريك في محاسنه * فجوهر الحسن فيه غير منقسم قلت: وكل هذه الأبيات والكلمات التي جاءت في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم منطبقة على سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام، لاشتراكه معه في نوره، لأنهما من نور واحد قبل خلق آدم بمئات السنين. فإذا كان علي أفضل من سائر الأنبياء فضلا عن غيرهم، كانت الولاية العظمى والخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله ثابتة له لا لغيره، ولوجود الاستعدادات والقابليات مجتمعة فيه لا في غيره يكون هو الإمام بعد النبي لا غيره.

8 - علي أفضل الخلائق بعد النبي

 قال الشيخ شهاب الدين القسطلاني في (المواهب اللدنية) (1):

(هامش)

(1) ذكر تاج الدين الدهان في (كفاية المتطلع) سند رواية الشيخ حسن العجيمي لكتاب (المواهب اللدنية) بقوله: كتاب المواهب اللدنية - للإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني أبو الخطيب رحمه الله. أخذ به عاليا، عن الشيخ المسند العلامة إبراهيم بن محمد الميموني، عن الشيخ الدين محمد بن الشيخ أحمد الرملي، عن مؤلفه العلامة أحمد بن محمد القسطلاني إجازة. هذا سند مسلسل بالمصريين والشافعية . (*)

ص 220

إعلم يا ذا العقل السليم والمتصف بأوصاف الكمال والتتميم - وفقني الله وإياك بالهداية إلى الصراط المستقيم - أنه لما تعلقت إرادة الحق تعالى بإيجاد خلقه وتقدير رزقه، أبرز الحقيقة المحمدية من الأنوار الصمدية في الحضرة الأحمدية، ثم سلخ منها العوالم كلها علوها وسفلها على صور حكمه كما سبق في سابق إرادته وعلمه، ثم أعلمه الله تعالى بنبوته وبشره برسالته، هذا وآدم لم يكن إلا كما قال: بين الروح والجسد، ثم انبجست منه صلى الله عليه وسلم عيون الأرواح، فظهر بالملأ الأعلى وهو بالمنظر الأبلى، فكان لهم المورد الأحلى. فهو صلى الله عليه وسلم الجنس العالي على جميع الأجناس، والأب الأكبر لجميع الموجودات والناس، ولما انتهى الزمان بالاسم الباطن في حقه إلى وجود جسمه وارتباط الروح به، انتقل حكم الزمان إلى الاسم الظاهر، فظهر محمد بكليته جسما وروحا، فهو وإن تأخرت طينته فقد عرفت قيمته، فهو خزانة السر وموضع نفوذ الأمر، فلا ينفذ أمر إلا منه ولا ينقل خبر إلا عنه. ألا بأبي من كان ملكا وسيدا * وآدم بين الماء والطين واقف فذاك الرسول الأبطحي محمد * له في العلا مجد تليد وطارف أتى بزمان السعد في آخر المدى * وكان له في كل عصر مواقف أتى لانكسار الدهر يجبر صدعه * أتى لانكسار الدهر يجبر صدعه إذا رام أمرا لا يكون خلافه * وليس لذاك الأمر في الكون صارف قلت: وكل هذه الفضائل - منثورها ومنظومها - متحققة لعلي عليه السلام أيضا لاتحاد نورهما عليهما السلام... وكل واحدة من هذه الفضائل تفيد أفضليته من جميع الخلائق، كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك، وهذا كاف لاثبات قبح تقدم غيره عليه.

 9 - كمالات الأنبياء مأخوذة من مشكاة النبي وعلي

 قال الديار بكري:

ص 221

وفي فصوص الحكم وشرحه: وما كان من نبي يأخذ شيئا من الكمالات إلا من مشكاة خاتم النبيين، وإن تأخر عنهم وجود طينته، إذ لا تعلق بمشكاته لوجوده الطيني، فإنه بحقيقته موجود قبلهم، لأنه أبو الأرواح، كما أن آدم أبو الأشباح (1). قلت: ومن اتحاد نورهما عليهما السلام يعلم أن الأنبياء عليهم السلام أخذوا الكمالات من مشكاته أيضا، وحينئذ كيف يفضل الآخذ على المأخوذ منه، وكيف يقدم من ليس له شيء منها على الحاوي لجميعها والمعطي لها؟!. وقال القيصري شارحا لكلام ابن عربي الذي نقله الديار بكري عن الفصوص: إنما أعاد ذكره ليبين أنه وإن تأخر وجود طينته فإنه موجود بحقيقته في عالم الأرواح، وهو نبي قبل أن يوجد ويبعث للرسالة إلى الأمة، لأنه قطب الأقطاب كلها أزلا وأبدا، وغيره من الأنبياء ليس لهم النبوة إلا حين البعثة، لأنه عليه السلام هو المقصود من الكون وهو الموجود أولا في العلم، وبتفصيل ما يشتمل عليه ومرتبته حصل أعيان العالم فيه. وأيضا: أعيان الأنبياء بحسب استعداداتهم وإن كانوا طالبين ظهور النبوة فيهم لكنهم لم يظهروا مع أنوار الحقيقة المحمدية، كاختفاء الكواكب وأنوارها عند طلوع الشمس ونورها، فلما تحققوا في مقام الطبيعة الجسمية وظلمة الليالي العنصرية ظهروا بأنوارهم المختفية كظهور القمر والكواكب في الليلة المظلمة . وقال ابن عربي في (الفصوص): فص، حكمة فردية في كلمة محمدية، إنما كانت حكمة فردية لأنه أكمل موجود في هذا النوع الانساني، ولهذا بدئ به الأمر وختم، فكان نبيا وآدم بين الماء والطين، ثم كان بنشأته العنصرية خاتم النبيين وأول الأفراد الثلاثة، وما زاد على هذه الأولية من الأفراد فإنه عنها، وكان عليه السلام أدل على ربه، فإنه أوتي جوامع الكلم التي هي مسميات أسماء آدم .

(هامش)

(1) تاريخ الخميس 1 / 19. (*)

ص 222

قال القيصري بشرح قوله إنما كانت حكمة فردية الخ إنما كانت حكمة فردية لأنه أكمل موجود في هذا النوع وكل منهم مظهر لاسم كلي، وجميع الكلمات داخل تحت الاسم الإلهي الذي هو مظهره، فهو أكمل أفراد النوع، ولكونه أكمل الأفراد بدئ به أمر الوجود بإيجاد روحه أولا، وختم به أمر الرسالة آخرا، بل هو الذي ظهر بالصورة الآدمية في المبتدأية وهو الذي يظهر بالصورة الخاتمية للنوع، ويفهم هذا السر من يفهم سر الختمية، فلنكتف بالتعريض عن التصريح، والله هو الولي الحميد . وقال بشرح قوله: وما زاد على هذه الأولية الخ . أي: على هذه الفردية الأولوية هي الثلاث، وهذه الثلاثة المشار إليها في الوجود هي الذات الأحدية والمرتبة الإلهية والحقيقة الروحانية المحمدية المسماة بالعقل الأول، وما زاد عليها فهو صادر منها، كما تقرر أيضا عند أصحاب النظر أن أول ما وجد هو العقل الأول . وقال بشرح وكان عليه السلام أدل دليل على ربه الخ . أي: وإذا كان الروح المحمدي أكمل هذا النوع كان أدل دليل على ربه، لأن الرب لا يظهر إلا بمربوبه ومظهره، وكمالات الذات بأجمعها إنما يظهر بوجوده، لأنه أوتي جوامع الكلم التي هي أمهات الحقائق الإلهية والكونية الجامعة بجزئياتها، وهي المراد بمسميات أسماء آدم، فهو أدل دليل على الاسم الأعظم الإلهي (1).

 10 - التقدم في الخلق من أدلة الأفضلية

 قال الديار بكري: في شرح المواقف قال بعضهم: إن المعلول الأول من حيث أنه مجرد تعقل

(هامش)

(1) شرح فصوص الحكم للقيصري 293. (*)

ص 223

ذاته ومبدؤه يسمى عقلا، ومن حيث أنه واسطة في صدور سائر الموجودات ونقوش العلوم يسمى قلما، ومن حيث توسطه في إفاضة أنوار النبوة ومن حيث أن الكمالات المحمدية من أثر نور سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم من حيث أنه سبب لحياته يسمى روحا... (1). وقال أيضا: وفي شواهد النبوة: إن نبينا صلى الله عليه وسلم وإن كان آخر الأنبياء في عالم الشهادة لكنه أولهم في عالم الغيب، قال عليه الصلاة والسلام: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين. بيانه: إن الله تعالى في أزل الآزال كان الله ولا شيء معه، فجميع الشئون من غير امتياز من بعض، وصورة معلومية ذلك الشأن تسمى تعينا أولا وحقيقة محمدية، وحقائق سائر الموجودات كلها أجزاء وتفاصيل، فتلك الحقيقة والتجليات التي وقعت بصورها في الغيب إنما نشأت وانبعثت من التجلي بصور تلك الحقيقة، والصورة الوجودية لتلك الحقيقة أولا في مرتبة الأرواح كانت جوهرا مجردا عبر عنه الشارع صلى الله عليه وسلم تارة بالعقل، وتارة بالقلم، وتارة بالنور، وتارة بالروح، حيث قال صلى الله عليه وسلم: أول ما خلق الله العقل، وأول ما خلق الله القلم، وأول ما خلق الله روحي أو نوري، ولا شك أن اختلاف العبارات رتبي، إذ مرتبة الأولية حقيقة لا تصلح لغير شيء واحد، والصورة الوجودية لتلك الحقيقة مرتبة بعد مرتبة، حتى انتقلت إلى الصورة الجسمانية العنصرية الانسانية التي أول أفرادها آدم، فهو وسائر الأنبياء ما لم يظهروا بصورة جسمانية عنصرية في الشهادة لم يوصفوا بالنبوة، بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه لما وجد بوجود روحاني بشره وأعلمه بالنبوة بالفعل، وفي كل الشرائع أعطي الحكم له، لكن بأيدي الأنبياء والرسل الذين كانوا نوابه، كما أن عليا ومعاذ بن

(هامش)

(1) الخميس 1 / 19. (*)

ص 224

جبل في عالم الشهادة ذهبا بنيابته إلى اليمن وبلغا الأحكام، فإن ثبوت النبوة ليس إلا باعتبار شرع مقرر من عند الله، فجميع الشرائع شريعته إلى الخلق بأيدي نوابه، ولما ظهر بالوجود الجسماني العنصري نسخ تلك الشرائع التي كان اقتضاها بحسب الباطن، فإن اختلاف الأمم في الاستعدادات والقابليات مقتض لاختلاف الشرائع (1). وبمثله قال الملا معين في (معارج النبوة) (2). وصريح كلام الجامي في (شواهد النبوة) أن تقدمه صلى الله عليه وسلم في الخلق دليل على أفضليته. أقول: وكذلك علي عليه السلام لا تحاد نورهما، فلا يجوز تقدم أحد عليه. وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي ما ترجمته ملخصا: إعلم أن أول المخلوقات والواسطة في خلق الكائنات ومن لأجله خلق آدم عليه السلام والعالم هو: محمد صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في الصحيح: أول ما خلق الله نوري (3). وفي (حبيب السير): وأول ما خلق هو نور محمد صلى الله عليه وسلم، فقد روي عن أسد الله الغالب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه سأل خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم عن أول شيء خلقه الله، فقال: نور نبيك. وروي هذا عن جابر ابن عبد الله الأنصاري أيضا. ومن ذلك يظهر أن أفضل المخلوقات وأقدمها رسول الله، لأن كل ما سوى الله مخلوق لأجله (4).

(هامش)

(1) تاريخ الخميس 1 / 19، عن شواهد النبوة لعبد الرحمن الجامي، وما في تاريخ الخميس غير مطابق تماما لما في الشواهد. (2) معارج النبوة 1 / 2. (3) مدارج النبوة 2. (4) حبيب السير 1 / 10 - 11. (*)

ص 225

11 - الأحاديث الواضحة الدلالة على أفضليته بسبب تقدمه في الخلق

 لقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله تنص على أفضليته من آدم وجميع الخلائق، بسبب تقدمه في الخلق عليهم. وبما أن عليا عليه السلام كان معه صلى الله عليه وآله وسلم وكانا عليهما السلام من نور واحد، فإنه كالنبي أفضل من غيره، وجميع الخلائق مخلوقون لأجله أيضا... وهكذا تثبت له جميع الفضائل الثابتة له صلى الله عليه وسلم، وحينئذ فمن الغلط الفضيع والقبيح الشنيع تقدم غيره عليه في الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولنذكر بعض تلك الأحاديث: الحديث الأول ما رواه جماعة منهم (الديار بكري) و(الكازروني) و(الملا معين) والجمال المحدث) عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله. قال الديار بكري: وفي كيفية خلق نوره صلى الله عليه وسلم وردت روايات متعددة، وحاصل الكل راجع إلى أن خلق نور محمد صلى الله عليه وسلم قبل خلق السماوات والأرض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار والملائكة والإنس والجن وسائر المخلوقات بكذا وكذا ألف سنة، وكان يرى ذلك النور في فضاء عالم القدس. فتارة يأمره بالسجود، وتارة يأمره بالتسبيح والتقديس، وخلق له حجبا

ص 226

وأقامه في كل حجاب مدة مديدة، يسبح الله تعالى فيه بتسبيح خاص. فبعد ما خرج من الحجب تنفس بأنفاس، فخلق من أنفاسه أرواح الأنبياء والأولياء والصديقين والشهداء وسائر المؤمنين والملائكة. كما روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سألت رسول الله عن أول شيء خلقه الله؟ قال: هو نور نبيك يا جابر، خلقه ثم خلق منه كل خير وخلق بعده كل شيء، وحين خلقه أقامه قدامه في مقام القرب اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أقسام: خلق العرش من قسم، والكرسي من قسم، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الحب اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أقسام، فخلق الخلق من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثني عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء، فخلق الملائكة من جزء وخلق الشمس من جزء، وخلق القمر والكواكب من جزء، وأقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أجزاء، فخلق العقل من جزء والحلم والعلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء، وأقام الجزء الرابع في مقام الحباء اثني عشر ألف سنة، ثم نظر الله سبحانه إليه فترشح النور عرقا فانقطرت منه مائة ألف وعشرون ألفا وأربعة آلاف قطرة من النور، فخلق الله سبحانه من كل قطرة روح نبي أو رسول، ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم نور الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة. فالعرش والكرسي من نوري، والكروبيون من نوري، والروحانيون من الملائكة من نوري، وملائكة السماوات السبع من نوري، والجنة وما فيها من النعيم من نوري، والشمس والقمر والكواكب من نوري، والعقل والعلم والتوفيق من نوري، وأرواح الأنبياء والرسل من نوري، والشهداء والصالحون من نتائج نوري. ثم خلق سبحانه اثني عشر حجابا، فأقام النور وهو الجزء الرابع في كل

ص 227

حجاب ألف سنة، وهي مقامات العبودية وهي حجاب الكرامة والسعادة والهيبة والحرمة والرأفة والعلم والحلم والوقار السكينة والصبر والصدق واليقين، فعبد الله ذلك النور في كل حجاب ألف سنة. فلما خرج النور من الحجب ركبه الله في الأرض، وكان يضئ منه ما بين المشرق والمغرب كالسراج في الليل المظلم ثم خلق الله آدم في الأرض، وركب فيه النور في جبينه ثم انتقل منه إلى شيث، ومنه إلى بانش. وهكذا كان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن أوصله الله تعالى إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب، ومنه إلى رحم آمنة، ثم أخرجني إلى الدنيا، فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة للعالمين وقائد الغر المحجلين. هكذا بدأ خلق نبيك يا جابر. ذكره البيهقي (1). وفي (المواهب اللدنية) عن عبد الرزاق بسنده عن جابر مثله (2). الحديث الثاني روى (القسطلاني) و(محمد بن يوسف الشامي) عن (ابن القطان) وكذا الحلبي في (إنسان العيون) عن سيدنا علي بن الحسين عن أبيه عن جده عليهم السلام: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نورا بين يدي ربي قبل خلق آدم عليه السلام بأربعة عشر ألف عام (3). قلت: وفي هذا من الدلالة على الأفضلية ما لا يخفى.

(هامش)

(1) تاريخ الخميس 1 / 19 - 20. (2) المواهب اللدنية 1 / 9. (3) إنسان العيون 1 / 49. (*)

ص 228

الحديث الثالث روى (الديار بكري) عن كعب الأحبار، و(القسطلاني) عن عبد الله بن أبي حمزة و(ابن سبع) عنه واللفظ للأول، قال: لما أراد الله تعالى أن يخلق محمدا صلى الله عليه وسلم أمر جبرئيل فأتاه بالقبضة البيضاء التي هي موضع قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت بماء التسنيم ثم غمست في أنهار الجنة وطيف بها في السموات والأرض، فعرفت الملائكة محمدا صلى الله عليه وسلم قبل أن تعرف آدم عليه السلام ثم عجنها بطينة آدم (1). الحديث الرابع قال القسطلاني في (المواهب اللدنية): وفي الخبر: لما خلق الله آدم جعل ذلك النور النبوي المحمدي في ظهره، فكان يلمع في جبينه فيغلب على سائر نوره، ثم رفعه الله تعالى على سرير مملكته، وحمله على أكتاف الملائكة، وأمرهم فطافوا به في السماوات، ليرى عجائب ملكوته . وفي (المنتقى): في بعض الكتب في معنى قوله حين سئل: متى كنت نبيا؟ كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد، إن الله عز وجل وضع نور محمد صلى الله عليه وسلم في جبهته، وكان يزهر في جبهته مثل الشمع، وكان الناس يتعجبون منها، حتى تمنى آدم رؤيتها من كثرة تعجب الناس منها، وأمر الله تعالى أن يأتي إلى رأس إصبعه السبابة، فقال: يا رب ما هذا؟ فقال: نور ولد من أولادك

(هامش)

(1) تاريخ الخميس 1 / 21. (*)

ص 229

اسمه محمد، فأشار بأصبعه فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فصار هذا موضع الإشارة بالشهادة. ثم ردها إلى موضعها، ثم جلس آدم مع حواء فذهب النور من جبهته مع النطفة إلى رحم حواء، وكانت تزهر بين ثدييها مثل شمع، فحملت بشيث ووضعها في جبهة شيث، وأوحى الله إلى آدم أن لا تضيع هذه الوديعة إلا بالحلال، ومر أولادك حتى لا يضيعوها إلا بالحلال، فلما ولد شيث كان آدم يحبه من جميع أولاده لهذا النور. وهذا معنى قوله تعالى (وتقلبك في الساجدين) أي في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، ظهرا فظهرا وبطنا فبطنا ونكاحا من غير سفاح . لحديث الخامس قال الكازروني: وقيل: إن الحكمة في إباحة التيمم أن السماء كانت تفتخر على الأرض قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تقول: إن العرش في والحكمة [الحملة - ظ] في والملائكة السبح في، والركع والسجد في، والشمس والقمر في، والنجوم في، وأنت خلو عن هذا كله. فكانت السماء لها الفخر على الأرض. إلى أن ولد الميمون محمد صلى الله عليه وسلم وافتخرت الأرض على السماء حينئذ فقالت: إن كانت الشمس والقمر فيك والنجوم والملائكة فيك، فقد ولد على ظهري النبي المبارك صلى الله عليه وسلم، الذي نور الشمس من نوره، ونور السماوات والأرض من نوره، على ظهري ولادته وعلى ظهري تربيته وعلى ظهري مبعثه ودعوته وعلى ظهري تستعمل شريعته، وعلى ظهري موته وحفرته وقبره، فسمع الله افتخارها على السماء بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال: لا جرم حيث افتخرت بنبيي محمد جعلت تراب شرقك وغربك طهورا له

ص 230

ولأمته، وجعلت شرق الأرض وغربها مساجد لهم ومصلى لافتخارك بمحمد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا. ويقال: كان نوره في تلك الجوهرة التي خلق الله تعالى منها الأرض تزهر كما تزهر الشمس إلى الأرض. وهذا ما قاله صلى الله عليه وسلم: افتخر السماء والأرض فقالت السماء: أنا أفضل لأنه في الصافون وفي المسبحون وفي العرش والكرسي. وقالت الأرض: بل أنا أفضل، لأنه في الأنبياء والصالحون، ونورك ونجومك من نور محمد صلى الله عليه وسلم وهو في. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فخصمتها بهذا أو مثل هذا (1).

12 - دلالة الأحاديث على الأفضلية بسبب كون اسمه على العرش

 وفي بعض الأحاديث دلالة واضحة على أفضلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكون اسمه مكتوبا على العرش: قال أبو إسحاق الثعلبي: أخبرنا أبو عمر محمد الفريابي بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أعطي موسى الألواح نظر فيها. فقال: يا رب لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا من العالمين قبلي. قال: يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالتي وبكلامي، فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين، أي بقوة وجد ومحافظة تموت على حب محمد صلى الله عليه وسلم. قال موسى: يا رب ومن محمد؟ قال: أحمد الذي أثبت اسمه * على عرشي قبل أن أخلق السماوات والأرض بألفي عام، وأنه نبيي وصفيي وخيرتي من خلقي، وهو أحب إلي من

(هامش)

(1) المنتقى في سيرة المصطفى - مخطوط. (*)

ص 231

جميع خلقي وجميع ملائكتي. فقال موسى: يا رب إن كان محمد أحب إليك من جميع خلقك، فهل خلقت أمة أكرم عليك من أمتي؟ قال الله تعالى: إن فضل أمة محمد على سائر الأمم كفضلي على جميع الخلق (1). قلت: فإن وصفه عز وجل وتشريفه بأنه الذي أثبت اسمه على عرشه يدل على أن ذلك فضل عظيم يوجب ظهور أفضليته من جميع الخلائق، فتقدم خلقه أيضا يدل على المعنى المذكور، فعلي كذلك، لأن خلقه من خلق النبي، وهو مخلوق مما خلق منه.

 13 - استدلال آدم (ع) لأفضلية نبينا صلى الله عليه وآله بكون اسمه مع اسم الله

 وفي بعض الأحاديث الصحيحة سندا: أن آدم عليه السلام استدل على أفضلية نبينا صلى الله عليه وآله، وكونه أعظم قدرا عند الله، بمقارنة اسمه لاسمه عز وجل في العرش، وذلك عند التوسل به إلى الله ليغفر له خطيئته... وقد روى هذا الحديث جماعة من أعاظم حفاظ أهل السنة كالطبراني، والقاضي عياض في (الشفاء)، والسيوطي في (الخصائص) عن الحاكم والبيهقي وأبي نعيم وابن عساكر والطبراني، والسمهودي في (خلاصة الوفا) عن الحاكم، والقسطلاني في (المواهب اللدنية)، والديار بكري في (الخميس) عن عياض، والمناوي في (الإتحافات السنية) عن جماعة، والحلبي في (إنسان العيون) وغيرهم. قال الطبراني: حدثنا محمد بن داود بن أسلم الصدفي المصري، حدثنا

(هامش)

(1) العرائس: 280. (*)

ص 232

أحمد بن سعيد المدني الفهري، حدثنا عبد الله بن إسماعيل المدني، عن عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم، عن أبيه عن جده عن ابن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أذنب آدم عليه السلام الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى العرش وقال: أسألك بحق محمد إلا غفرت لي، فأوحى الله إليه: وما محمد؟ ومن محمد؟ فقال: تبارك اسمك، لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممن جعلت اسمه مع اسمك، فأوحى الله عز وجل إليه: يا آدم إنه آخر النبيين من ذريتك، وإن أمته آخر الأمم من ذريتك (1). وقال الشيخ عبد الوهاب السبكي في (شفاء الأسقام) في معنى التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله قبل خلقه وبعده وبعد موته صلى الله عليه وآله وسلم ما نصه: أقول: إن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم جائز في كل حال قبل خلقه، وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا وبعد موته، في مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة والجنة، وهو على ثلاثة أنواع: النوع الأول: أن يتوسل به بمعنى أن طالب الحاجة يسأل الله تعالى به أو بجاهه أو ببركته، فيجوز ذلك في الأحوال الثلاثة، وقد ورد في كل منها خبر صحيح، أما الحالة الأولى قبل خلقه، فيدل لذلك آثار عن الأنبياء الماضين صلوات الله عليهم وسلامه، اقتصرنا منها على ما تبين لنا صحته وهو: ما رواه الحاكم أبو عبد الله ابن البيع في المستدرك على الصحيحين أو أحدهما قال: حدثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل، حدثنا أبو الحسن محمد ابن إسحق بن إبراهيم الحنظلي، حدثنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري، حدثنا إسمعيل بن مسلمة، أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده

(هامش)

(1) المعجم الصغير 2 / 82. (*)

ص 233

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي. فقال الله تعالى: يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق، إذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب. ورواه البيهقي أيضا في دلائل النبوة وقال: تفرد به عبد الرحمن. وذكره الطبراني وزاد فيه وهو آخر الأنبياء من ذريتك. وذكر الحاكم مع هذا الحديث أيضا عن علي بن جمشاد العدل، حدثنا هارون بن العباس الهاشمي، حدثنا جندل بن والق، حدثنا عمرو بن أوس الأنصاري، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: أوحى الله إلى عيسى عليه السلام يا عيسى آمن بمحمد ومر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت لا إله إلا الله فسكن. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. قاله الحاكم. والحديث المذكور لم يقف ابن تيمية عليه بهذا الاسناد، ولا بلغه أن الحاكم صححه فإنه قال - أعني ابن تيمية -: أما ما ذكروه في قصة آدم من توسله به فليس له أصل ولا نقله أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد يصلح الاعتماد عليه ولا الاعتبار ولا الاستشهاد. ثم ادعى ابن تيمية أنه كذب، وأطال الكلام في ذلك جدا بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرص. ولو بلغه أن الحاكم صححه لما قال ذلك، أو لتعرض للجواب عنه، وكأني

ص 234

به إن بلغه بعد ذلك يطعن في عبد الرحمن بن زيد بن أسلم راوي الحديث، ونحن قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم، وأيضا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لا يبلغ في الضعف إلى الحد الذي ادعاه، وكيف يحل لمسلم أن يتجاسر على منع هذا الأمر العظيم الذي لا يرده عقل ولا شرع. وقد ورد فيه هذا الحديث وسنزيد هذا المعنى صحة وتبيينا بعد استيفاء الأقسام. وأما ما ورد من توسل نوح وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء فذكره المفسرون واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيحه . ليس أحد أعظم قدرا عند الله بعد النبي من علي لأن اسمه مع اسمهما أقول: ولقد جاءت أحاديث كثيرة تنص على أن اسم علي عليه السلام مكتوب على العرش مع اسم النبي صلى الله عليه وآله. وبذلك تظهر أفضليته من بعده، وأنه أعظم قدرا عند الله بعد الرسول من جميع الخلق، سواء الأنبياء وغيرهم. ونحن نكتفي هنا بذكر بعض تلك الروايات، فنقول: 1 - إسم علي مكتوب على العرش ففي عدة أحاديث في كتب أهل السنة مكتوب اسم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام على العرش بعد كلمة التوحيد واسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيعلم أنه ليس أحد أعظم عند الله قدرا ممن جعل اسمه مع اسمه واسم نبيه، وقد جاء ذلك في رواية: 1 - القاضي عياض عن أبي الحمراء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال رسول الله: لما أسري بي إلى السماء، إذا على العرش مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي (1).

(هامش)

(1) الشفاء - 138. (*)

ص 235

2 - ابن المغازلي لسنده عن أبي الحمراء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لما أسري بي إلى السماء رأيت على ساق العرش الأيمن: أنا وحدي لا إله غيري، غرست جنة عدن بيدي، محمد صفوتي، أيدته بعلي (1). 3 - الخوارزمي عنه: قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة أسري بي مثبتا على ساق العرش: أنا غرست جنة عدن بيدي محمد صفوتي من خلقي أيدته بعلي (2). 4 - المحب الطبري حيث قال: ذكر اختصاصه بتأييد الله نبيه صلى الله عليه وسلم به وكتبه ذلك على ساق العرش وعلى بعض الحيوان. عن أبي الحمراء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلة أسري بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش الأيمن، فرأيت كتابا عن يمينه: محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته به. خرجه الملا في سيرته. عن ابن عباس قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذا بطائر في فيه لوزة خضراء، فألقاها في حجر النبي فقبلها ثم كسرها، فإذا في جوفها ورقة خضراء مكتوبة: لا إله إلا الله محمد رسول الله نصرته بعلي. خرجه أبو الخير القزويني الحاكمي (3). 5 - الزرندي قال: ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما أسري بي رأيت في ساق العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله صفوتي عن خلقي أيدته بعلي ونصرته به. وفي رواية: رأيت على ساق العرش الأيمن مكتوبا: إني الله وحدي لا إله غيري، غرست جنة عدن بيدي محمد صفوتي أيدته بعلي (4).

(هامش)

(1) المناقب لابن المغازلي 39. (2) المناقب 229. (3) الرياض النضرة 2 / 227. (4) نظم درر السمطين 120. (*)

ص 236

6 - شهاب الدين أحمد عن الطبري والزرندي كما تقدم، وعن أبي الحمراء ثم قال: رواه الحافظ أبو بكر الخطيب (1). 7 - السيوطي: أخرج ابن عدي وابن عساكر عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي رأيت على ساق العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي (2). 8 - ولي الله الدهلوي عن أنس كذلك (3). وفي رواية غيرهم... 2 - إسم علي مقرون باسم النبي في مواطن ولقد قرن اسم علي عليه السلام باسم النبي صلى الله عليه وآله بعد كلمة التوحيد في أربعة مواطن، جاء ذلك في حديث رواه السيد الهمداني: عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رأيت اسمك مقرونا باسمي في أربعة مواطن فأنست بالنظر إليه: لما بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السماء وجدت على صخرة بها: لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بوزيره ونصرته بوزيره. فقلت لجبرئيل: ومن وزيري؟ قال: علي بن أبي طالب، فلما انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدت عليها: إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي ومحمد صفوتي من خلقي أيدته بوزيره ونصرته بوزيره. فقلت لجبرئيل: من وزيري؟ قال: علي بن أبي طالب، فلما جاوزت من سدرة المنتهى وانتهيت إلى عرش رب العالمين وجدت مكتوبا على قوائمه: إني أنا الله لا إله إلا أنا محمد حبيبي من خلقي أيدته بوزيره ونصرته بوزيره. فلما هبطت إلى الجنة وجدت مكتوبا على

(هامش)

(1) توضيح الدلائل - مخطوط. (2) الخصائص الكبرى 1 / 7، وانظر الدر المنثور له 4 / 153. (3) إزالة الخفا 2 / 148. (*)

ص 237

باب الجنة: لا إله إلا أنا محمد حبيبي من خلقي أيدته بوزيره ونصرته بوزيره (1). 3 - اسم علي مكتوب على باب الجنة وروي أن اسمه مكتوب مع اسم النبي صلى الله عليه وآله بعنوان أخو رسول الله على باب الجنة. وقد جاء ذلك في رواية جماعة منهم: 1 - الخوارزمي بسنده عن جابر بن عبد الله حيث قال: أخبرني شهر دار هذا إجازة قال: أخبرنا محمود بن إسماعيل الأشقر قال: أخبرنا أحمد بن الحسين ابن فادشاه قال: أخبرنا الطبراني عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن زكريا بن يحيى بن سالم، عن أشعث بن عمر، عن الحسن بن صالح - وكان يفضل على الحسن - عن مسدد عن عطية عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مكتوب على باب الجنة محمد رسول الله علي بن أبي طالب أخو رسول الله قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بألفي عام (2). 2 - شهاب الدين أحمد في الباب الرابع عشر في أن اسمه قرين اسم النبي صلى الله عليه وآله في العرش والجنان، فياله من روح الروح وبرد الجنان عن الصالحاني بإسناده عن ابن مردويه عن جابر مرفوعا، وعن الخطيب عن جابر... وفيه: بألف ألف سنة (3). 3 - الصفوري قال: وعنه صلى الله عليه وسلم: مكتوب على باب الجنة: محمد رسول الله علي أخو رسول الله، قبل أن يخلق السموات بألفي عام (4).

(هامش)

(1) مودة القربى. انظر ينابيع المودة: 256. (2) مناقب أمير المؤمنين 87. (3) توضيح الدلائل - مخطوط. (4) نزهة المجالس 2 / 207. (*)

ص 238

4 - محمد صدر عالم الطبراني في الأوسط وابن عساكر والخطيب في المتفق والمفترق عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله... (1). 5 - البدخشاني عن الطبراني والخطيب كما تقدم. ثم قال: وفي رواية أخرى عند أحمد عنه مرفوعا: رأيت مكتوبا على باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أخوه (2).

 4 - علي ولي الله مكتوب على أبواب الجنة

 وفي رواية عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله مكتوب على كل باب من أبواب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله وبعدها كلمات فيها حكم عالية ومواعظ غالية، وقد جاء ذلك في رواية: 1 - الحمويني بسنده عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل يشتمل على فوائد جمة... 2 - الزرندي عن الحمويني في (نظم درر السمطين). 3 - السيد شهاب الدين أحمد عن الزرندي عن الحمويني. وهذا نصه بطوله عن الحمويني: عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي إلى السماء أمر بعرض الجنة والنار علي، فرأيتهما جميعا رأيت الجنة وألوان نعيمها، ورأيت النار وأنواع عذابها، فلما رجعت قال لي جبرئيل عليه السلام: قرأت يا رسول الله ما كان مكتوبا على باب الجنة وما كان مكتوبا على أبواب النار؟ فقلت: لا يا جبرئيل. فقال: إن للجنة ثمانية أبواب على كل باب

(هامش)

(1) معارج العلى - مخطوط. (2) مفتاح النجا - مخطوط. (*)

ص 239

منها أربع كلمات كل كلمة خير من الدنيا وما فيها لمن تعلمها واستعملها، وإن للنار سبعة أبواب على كل باب منها ثلاث كلمات كل كلمة خير من الدنيا وما فيها لمن تعلمها وعرفها فقلت: يا جبرئيل إرجع معي لأقرأها، فرجع مع جبرئيل عليه السلام فبدأ بأبواب الجنة. فإذا على الباب الأول مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله، لكل شيء حيلة وحيلة طلب العيش في الدنيا أربع خصال: القناعة ونبذ الحقد وترك الحسد ومجالسة أهل الخير. وعلى الباب الثاني مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله، لكل شيء حيل وحيلة السرور في الآخرة أربع خصال: مسح رأس اليتامى والتعطف على الأرامل والسعي في حوائج المسلمين وتفقد الفقراء والمساكين. وعلى الباب الثالث مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله، لكل شيء حيلة وحيلة الصحة في الدنيا أربع خصال: قلة الطعام وقلة الكلام، وقلة المنام، وقلة المشي. وعلى الباب الرابع مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليبر والديه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت. وعلى الباب الخامس مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله، من أراد أن لا يذل فلا يذل، ومن أراد أن لا يشتم فلا يشتم، ومن أراد أن لا يظلم فلا يظلم، ومن أراد أن يستمسك بالعروة الوثقى فليستمسك بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله. وعلى الباب السادس منها مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله، من أحب أن يكون قبره واسعا فسيحا فلينق المساجد، من أحب أن لا يأكله الديدان تحت الأرض فليكنس المساجد، من أحب أن لا يظلم لحده فلينور

ص 240

المساجد، من أحب أن يبقى طريا تحت الأرض فليشتر بسط المساجد. وعلى الباب السابع منها مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله، بياض القلب في أربع خصال: في عيادة المريض واتباع الجنائز وشراء أكفان الموتى ورفع القرض. وعلى الباب الثامن منها مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله، من أراد الدخول من هذه الأبواب الثمانية فليستمسك بأربع خصال: بالصدقة والسخاء وحسن الخلق وكف الأذى عن عباد الله عز وجل. ثم جئنا إلى النار فإذا على الباب الأول منها ثلاث كلمات: لعن الله الكاذبين، لعن الله الباخلين، لعن الله الظالمين. وعلى الباب الثاني منها مكتوب: من رجى الله سعد، ومن خاف الله أمن، والهالك المغرور من رجى سوى الله وخاف غيره. وعلى الباب الثالث منها مكتوب: من أراد أن لا يكون عريانا في القيامة فليكس الجلود العارية، ومن أراد أن لا يكون جائعا في القيامة فليطعم الجائع في الدنيا، ومن أراد أن لا يكون عطشانا في يوم القيامة فليسق العطشان في الدنيا. وعلى الباب الرابع منها مكتوب: أذل الله من أهان الإسلام، أذل الله من أهان أهل البيت بيت نبي الله صلى الله عليه وسلم، أذل الله من أعان الظالمين على ظلم المخلوقين. وعلى الباب الخامس لا تتبع الهوى فإن الهوى يجانب الإيمان، ولا تكثر منطقك فيما لا يعنيك فتسقط من عين ربك، ولا تكن عونا للظالمين فإن الجنة لم تخلق للظالمين. وعلى الباب السادس منها مكتوب: أنا حرام على المجتهدين، أنا حرام على المصدقين، أنا حرام على الصائمين. وعلى الباب السابع منها مكتوب: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وبخوا أنفسكم قبل أن توبخوا وادعوا الله عز وجل قبل أن تردوا عليه فلا تقدروا على

ص 241

ذلك. رواه الزرندي وقال: نقل الشيخ العالم صدر الدين إبراهيم بن محمد بن المؤيد رحمه الله تعالى في كتابه فضل أهل البيت . 5 - على ولي الله مكتوب على باب الجنة بالذهب وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم: رأيت على باب الجنة مكتوبا بالذهب: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله . وقد جاء هذا في رواية السيد شهاب الدين أحمد حيث قال في أسماء أمير المؤمنين ما نصه: ومنها: ولي الله. عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعنهم أجمعين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آبائه وبارك وسلم: لما أسري بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوبا بالذهب لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله. الحديث بتمامه سيأتي في بابه. رواه الحافظ أبو موسى بأسناده (1). 6 - علي حبيب الله مكتوب على باب الجنة ورووا عنه صلى الله عليه وآله أنه رأى على باب الجنة مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي حبيب الله. الحديث. وقد جاء ذلك في رواية جماعة. منهم: 1 - الخوارزمي بسنده عن ابن عباس قال:

(هامش)

(1) توضيح الدلائل - مخطوط. (*)

ص 242

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي حبيب الله الحسن والحسين صفوة الله فاطمة أمة الله على مبغضيهم لعنة الله (1). 2 - البدخشاني عن الخطيب والحافظ الرسعني عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله وسلم (2). 3 - السيد شهاب الدين أحمد في (أسماء أمير المؤمنين) قال: منها حبيب الله. عن ابن عباس. حبيب الله. الحديث بتمامه سيأتي في بابه، رواه الصالحاني في بابه بإسناده (3). 7 - على مقيم الحجة مكتوب على العرش وجاء مكتوب على العرش: لا إله إلا الله محمد نبي الرحمة علي مقيم الحجة... وفي رواية: 1 - الخوارزمي بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أن خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم فقال الحمد لله، فأوحى الله تعالى: حمدني عبدي، وعزتي وجلالي لولا عبدان أريد أن أخلقهما في الدار الدنيا ما خلقتك، قال: إلهي ويكونان مني؟ قال نعم: يا آدم ارفع رأسك وانظر، فرفع رأسه فإذا مكتوب على العرش: لا إله إلا الله محمد نبي الرحمة علي مقيم الحجة، من عرف حق علي زكي وطاب، ومن أنكر حقه لعن وخاب، أقسمت بعزتي أن أدخل الجنة من أطاعه وإن عصاني،

(هامش)

(1) مناقب أمير المؤمنين: 214. (2) مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط. (3) توضيح الدلائل - مخطوط. (*)

ص 243

وأقسمت بعزتي أن أدخل النار من عصاه وإن أطاعني (1). 2 - شهاب الدين أحمد في أسمائه عليه السلام: ومنها مقيم الحجة عن الصالحاني عن الخوارزمي... (2). 3 - القندوزي البلخي عن الخوارزمي كذلك (3). 8 - علي ولي الله مكتوب على جناح جبرائيل وفي حديث أنه مكتوب على أحد جناحي جبرئيل: لا إله إلا الله علي الوصي وعلى الآخر: لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد جاء اسم علي عليه السلام موصوفا بالوصاية بعد اسم الله تعالى، وقد ورد هذا في رواية: 1 - الخوارزمي حيث قال: أخبرني شهر دار هذا إجازة قال: أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني هذا كتابه، قال: حدثنا أبو طاهر الحسين بن علي بن سلمة، قال: حدثنا أبو الفرج الصامت بن صهيب بن عباد قال: حدثني أبي عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبرئيل وقد نشر جناحيه فإذا مكتوب على أحد جناحيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومكتوب على الآخر: لا إله إلا الله علي الوصي (4). 2 - السيد شهاب أحمد في أسماء علي عليه السلام قائلا: ومنها: وصي الله وخليفة الله. عن الإمام جعفر الصادق عن أبيه الإمام عن جده الإمام عن النبي صلى الله عليه وآله وبارك وسلم... رواه الصالحاني بإسناده أيضا (5).

(هامش)

(1) المناقب للخوارزمي: 227. (2) توضيح الدلائل - مخطوط. (3) ينابيع المودة: 11. (4) المناقب: 90. (5) توضيح الدلائل - مخطوط. (*)

ص 244

9 - علي بن أبي طالب مقيم الحجة مكتوب بين كفي صرصائيل وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وآله وسلم رأى: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي مقيم الحجة مكتوبا بين كفي صرصائيل. وقد ورد هذا في رواية: الخوارزمي بسنده عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه... وهذا نص عبارته: أنبأني أبو العلاء الحافظ الهمداني هذا والإمام الأجل نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي، قالا: أنبأنا الشريف الإمام الأجل نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمد بن علي الزينبي، عن الإمام محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان، قال: حدثنا المعافا بن زكريا عن الحسن بن علي العاصمي [الهاشمي] عن صهيب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه [عليهم السلام] قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة فهبط عليه ملك له عشرون رأسا، في كل رأس ألف لسان، يسبح الله ويقدمه بلغة لا تشبه الأخرى، راحته أوسع من سبع سماوات وسبع أرضين، فحسب النبي صلى الله عليه وسلم أنه جبرئيل فقال: جبرئيل لم تأتني في هذه الصورة قط، قال: ما أنا جبرئيل، أنا صرصائيل بعثني الله إليك لتزوج النور من النور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من؟ وإلى من؟ قال: ابنتك فاطمة من علي بن أبي طالب. فزوج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة من علي بشهادة جبرئيل وميكائيل وصرصائيل. قال: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بين كفي صرصائيل مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب مقيم الحجة. فقال النبي: يا

ص 245

صرصائيل منذ كم [كتب] هذا بين كفيك؟ قال: من قبل أن يخلق الله الدنيا بإثني عشر ألف سنة (1). 10 - أيد الله محمدا بعلي مكتوب على جبهة ملك: وجاء في حديث أنه صلى الله عليه وآله رأى ملكا مكتوب على جبهته أيد الله محمدا بعلي . وقد جاء هذا في رواية: الخوارزمي بسنده عن محمد بن الحنيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي إلى السماء رأيت في السماء الرابعة [أ] والسادسة ملكا نصفه من النار ونصفه من ثلج في جبهته مكتوب: أيد الله محمدا بعلي، فبقيت متعجبا، فقال لي الملك: لم تتعجب؟ كتب الله في جبهتي ما ترى قبل الدنيا بألفي عام (2). 11 - علي ولي الله مكتوب على لواء الحمد: روى ذلك السيد علي الهمداني عن عبد الله بن سلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في حديث سأله عن لواء الحمد (3). 12 - آل محمد خير البرية مكتوب على لواء النور: روى ذلك أبو نعيم الحافظ عن جابر بن عبد الله قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما في مسجد المدينة فذكر بعض

(هامش)

(1) المناقب 245 وفيه بدل الكف: الكتف. (2) المصدر نفسه 218. (3) مودة القربى - ينابيع المودة: 252 (*)

ص 246

أصحابنا الجنة، قال دجانة: يا رسول الله سمعتك تقول الجنة محرم على النبيين وسائر الأمم حتى أدخلها، فقال له: أما علمت أن لله لواء من نور وعمودا من زبرجد خلقهما قبل أن يخلق السماوات بألفي سنة مكتوب على رداء ذلك اللواء: لا إله إلا الله محمد رسول الله آل محمد خير البرية، صاحب اللواء أمام القوم فقال علي: الحمد لله الذي هدانا بك وأكرمنا وشرفنا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما علمت أن من أحبنا وامتحن أسكنه الله معنا، وتلا هذه الآية (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) (1). 13 - محمد رسول الله نصرته بعلي مكتوب على درة أو ورقة خضراء وجاء في حديث: أن لا إله إلا الله محمد رسول الله نصرته بعلي مكتوب على درة أو ورقة خضراء موجودة في لوزة خضراء أحضرت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... وقد روى هذا الحديث جماعة منهم: 1 - محب الدين الطبري وقد تقدم حديثه. 2 - ابن المغازلي رواه بسنده عن سعيد بن جبير قال: جاع النبي صلى الله عليه وسلم جوعا شديدا، فأتى الكعبة فأخذ بأستارها وقال: أللهم لا تجع محمدا أكثر مما أجعته. قال: فهبط جبرئيل ومعه لوزة فقال: إن الله تبارك وتعالى يقرأ عليك السلام ويقول لك: فك عنها فإذا فيها ورقة خضراء مكتوب فيها: صلى الله عليه وآله وسلم محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته به. فما أنصف الله من اتهمه في قضائه واستبطأه في رزقه . 3 - القندوزي عن ابن المغازلي عن ابن عباس. 4 - الصفوري عن ابن عباس قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه

(هامش)

(1) منقبة المطهرين - مخطوط. (*)

ص 247

وسلم وإذا بطائر في فمه لوزة خضراء، فألقاها فأخذها النبي، فوجد فيها درة خضراء مكتوب عليها بالصفرة: لا إله إلا الله محمد رسول الله نصرته بعلي .

 14 - تقدم النبوة دليل الأفضلية

 وهو فرع تقدم النور الذي منه علي أيضا إن تقدم نبوة محمد صلى الله عليه وآله دليل على أفضليته، ومن المعلوم أن ذلك فرع تقدم نوره، فهذا يدل على ذلك بالأولوية. وبما أن عليا عليه السلام قد خلق من نفس النور الذي خلق منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه كذلك يكون أفضل من جميع المخلوقين عدا الرسول، وعلى هذا، فلا وجه لتقدم أحد عليه نبيا كان أو صحابيا... من أحاديث تقدم نبوة محمد صلى الله عليه وآله وأما شواهد تقدم نبوته صلى الله عليه وآله - من الأحاديث وأقوال العلماء - فكثيرة جدا، نذكر هنا بعضها: (1) البخاري بسنده: عن عرباض بن سارية صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله يقول: إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينه وسأخبركم عن ذلك، أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى بن مريم ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات الأنبياء يرين، وإن أم رسول الله رأت حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام (1). (2) الترمذي بسنده عن أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله متى وجبت

(هامش)

(1) التاريخ الصغير: 1 / 13. (*)

ص 248

لك النبوة؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث أبي هريرة، لا نعرفه إلا من هذا الوجه (1). (3) أبو نعيم حيث قال: ذكر ما روي في تقدم نبوته قبل تمام خلقة آدم . فرواه بألفاظ وأسانيد مختلفة عن أبي هريرة وميسرة وابن سارية (2). (4) الكازروني بسنده عن عبد الله بن شفيق (3). (5) السيوطي حيث قال: باب خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بكونه أول النبيين في الخلق، وتقدم نبوته، وأخذ الميثاق . فرواه عن ابن أبي حاتم وأبي نعيم عن أبي هريرة. وعن أبي سهل القطان، عن سهل بن صالح الهمداني، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام. وعن أحمد والبخاري والحاكم والطبراني وأبي نعيم عن ميسرة. وعن أحمد والحاكم والبيهقي عن العرباض بن سارية. وعن الحاكم والبيهقي وأبي نعيم عن أبي هريرة. وعن البزار والطبراني وأبي نعيم من طريق الشعبي عن ابن عباس. وعن أبي نعيم عن عمر. وعن ابن سعد عن ابن أبي الجدعاء. ثم إن السيوطي نقل عن تقي الدين السبكي كلاما في معنى هذه الأحاديث هذا نصه: فائدة: قال الشيخ تقي الدين السبكي في كتابه التعظيم والمنة في (لتؤمنن به ولتنصرنه): في هذه الآية من التنويه بالنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم قدره العلي ما

(هامش)

(1) صحيح الترمذي 5 / 585. (2) دلائل النبوة: 1 / 54. (3) المنتقى من سيرة المصطفى - مخطوط. (*)

ص 249

لا يخفى، وفيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلا إليهم، فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة، وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته، ويكون قوله بعثت إلى الناس كافة لا يختص به الناس من زمانه إلى القيامة، بل يتناول من قبلهم أيضا. ويتبين بذلك المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد وأن من فسره بعلم الله بأنه سيصير نبيا لم يصل إلى هذا المعنى، لأن علم الله محيط بجميع الأشياء، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة في ذلك الوقت ينبغي أن يفهم منه أنه أمر ثابت له في ذلك الوقت، ولهذا رأى آدم اسمه مكتوبا على العرش محمد رسول الله، فلا بد أن يكون ذلك معنى ثابتا في ذلك الوقت، ولو كان المراد بذلك مجرد العلم بما سيصير في المستقبل لم يكن له خصوصية بأنه نبي وآدم بين الروح والجسد، لأن جميع الأنبياء يعلم الله نبوتهم في ذلك الوقت وقبله، فلا بد من خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم لأجلها أخبر بهذا الخبر إعلاما لأمته ليعرفوا قدره عند الله تعالى، فيحصل لهم الخير بذلك. وقال: فإن قلت: أريد أن أفهم ذلك القدر الزائد، فإن النبوة وصف لا بد أن يكون الموصوف به موجودا، وإنما يكون بعد بلوغ أربعين سنة أيضا، فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله وإن صح ذلك فغيره كذلك. قلت: قد جاء إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد تكون الإشارة بقوله: كنت نبيا إلى روحه الشريفة وإلى حقيقته، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها، وإنما يعلمها خالقها ومن أمده بنور إلهي، ثم إن تلك الحقائق يؤتي الله كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي شاء، فحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم قد تكون من قبل خلق آدم آتاها الله ذلك الوصف، بأن بكون خلقها متهيئة لذلك، وأفاضه عليها من ذلك الوقت، فصار نبيا وكتب اسمه على العرش وأخبر عنه بالرسالة ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده، فحقيقته موجودة من ذلك الوقت وإن تأخر جسده الشريف المتصف بها، واتصاف حقيقته بالأوصاف الشريفة

ص 250

المفاضة عليه من الحضرة الإلهية، وإنما يتأخر البعث والتبليغ وكل ماله من جهة الله، ومن تأهل ذاته الشريفة وحقيقته معجل لا تأخير فيه. وكذلك استنباؤه وإيتاؤه الكتاب والحكم والنبوة، وإنما المتأخر تكونه وتنقله إلى أن ظهر صلى الله عليه وسلم وغيره من أهل الكرامة، وقد تكون إضافة الله تلك الكرامة عليه بعد وجوده بمدة كما يشاء سبحانه، ولا شك أن كلما يقع فالله عالم به من الأزل ونحن نعلم علمه بذلك بالأدلة العقلية والشرعية، ويعلم الناس منها ما يصل إليهم عند ظهوره كعلمهم نبوة النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه القرآن في أول ما جاءه جبرئيل، وهو فعل من أفعاله تعالى من جملة معلوماته، ومن آثار قدرته وإرادته واختياره في محل خاص يتصف بها، فهاتان مرتبتان الأول معلومة بالبرهان والثانية ظاهرة للعيان، وبين المرتبتين وسائط من أفعاله تعالى تحدث على حسب اختياره، منها ما يظهر لهم بعد ذلك، ومنها ما يحصل به كمال لذلك المحل وإن لم يظهر لأحد من المخلوقين، وذلك ينقسم إلى كمال يقارن ذلك الحمل من حين خلقه وإلى كمال يحصل له بعد ذلك، ولا يصل علم ذلك إلينا إلا بالخبر الصادق والنبي صلى الله عليه وسلم خير الخلق، فلا كمال لمخلوق أعظم من كماله ولا محل أشرف من محله. فعرفنا بالخبر الصحيح حصول ذلك الكمال من قبل خلق آدم لنبينا صلى الله عليه وسلم من ربه سبحانه وأنه أعطاه النبوة من ذلك الوقت، ثم أخذ له المواثيق على الأنبياء ليعلموا أنه المقدم عليهم، وأنه نبيهم ورسولهم، وفي أخذ المواثيق - وهي في معنى الاستخلاف، ولذلك دخلت لام القسم في (لتؤمنن به ولتنصرنه) لطيفة أخرى وهي كأنها إيمان للبيعة التي تؤخذ للخلفاء، ولعل إيمان الخفاء أخذت من هنا، فانظر هذا التعظيم العظيم للنبي صلى الله عليه وسلم من ربه سبحانه وتعالى. فإذا عرف ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم هو نبي الأنبياء، ولهذا أظهر في الآخرة جميع الأنبياء تحت لوائه، وفي الدنيا كذلك ليلة الاسراء صلى بها، ولو اتفق

ص 251

مجيؤه في زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجب عليهم وعلى أممهم الإيمان به ونصرته، وبذلك أخذ الله الميثاق عليهم ورسالته إليهم معنى حاصل له، وإنما أمره يتوقف على اجتماعهم معه، فتأخر ذلك لأمر راجع إلى وجودهم لا إلى عدم اتصافه بما تقتضيه، وفرق بين توقف الفعل على قبول المحل وتوقفه على أهلية الفاعل، فههنا لا توقف من جهة الفاعل ولا من جهة ذات النبي صلى الله عليه وسلم الشريفة، وإنما من جهة وجود العصر المشتمل عليه، فلو وجد في عصرهم لزمهم اتباعه بلا شك. ولهذا يأتي عيسى في آخر الزمان على شريعته وهو نبي كريم على حاله، لا كما يظن بعض الناس أنه يأتي واحدا من هذه الأمة، نعم هو واحد من هذه الأمة لما قلناه من اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن والسنة، وكل ما فيها من أمر أو نهي فهو متعلق به كما يتعلق بسائر الأمة، وهو نبي كريم على حاله لم ينقص منه شيء، وكذلك لو بعث النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه أو في زمن موسى وإبراهيم ونوح وآدم كانوا مستمرين على نبوتهم ورسالتهم إلى أممهم، والنبي صلى الله عليه وسلم نبي عليهم ورسول إلى جميعهم. فنبوته ورسالته أعم وأشمل وأعظم ومتفق مع شرائعهم في الأصول، لأنها لا تختلف، وتقدم شريعته صلى الله عليه وسلم فيما عساه يقع الاختلاف فيه من الفروع إما على سبيل لتخصيص وإما على سبيل النسخ أو لا نسخ ولا تخصيص، بل تكون شريعة النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الأوقات بالنسبة إلى أولئك الأمم ما جاءت به أنبياءهم، وفي هذا الوقت بالنسبة إلى هذه الأمة هذه الشريعة، والأحكام تختلف باختلاف الأشخاص والأوقات. وبهذا بان لنا معنى حديثين كان خفيا عنا، أحدهما: قوله صلى الله عليه وسلم: بعثت إلى الناس كافة، كنا نظن أنه من زمانه إلى يوم القيامة، فبان أنه جميع الناس أولهم وآخرهم. والثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: كنت نبيا وآدم

ص 252

بين الروح والجسد، كنا نظن أنه بالعلم، فبان أنه زائد على ذلك على ما شرحناه، وإنما يفترق الحال بين ما بعد وجود جسده صلى الله عليه وسلم وبلوغه الأربعين، وما قبل ذلك بالنسبة إلى المبعوث إليهم وتأهلهم لسماع كلامه، لا بالنسبة إليه ولا إليهم لو تأهلوا قبل ذلك، وتعليق الأحكام على الشروط قد يكون بحسب المحل القابل وقد يكون بحسب الفاعل المتصرف، فههنا التعليق إنما هو بحسب المحل القابل المبعوث إليهم وقبولهم سماع الخطاب من الجسد الشريف الذي يخاطبهم بلسانه، وهذا كما يوكل الأب رجلا في تزويج ابنته إذا وجدت كفوا، فالتوكيل صحيح وذلك الرجل أهل للوكالة ووكالته ثابتة، وقد يحصل توقف التصرف على وجود كفو ولا يوجد إلا بعد مدة، وذلك لا يقدح في صحة الوكالة وأهلية الوكيل انتهى كلام السبكي بلفظه (1). (6) القسطلاني عن أحمد والبيهقي والحاكم - وقال: صحيح الاسناد - عن العرباض بن سارية. وعن البخاري وأحمد وأبي نعيم - وصححه الحاكم - عن ميسرة. وعن الترمذي عن أبي هريرة. ثم أورد كلام السبكي (2). (7) الديار بكري عن أحمد ومسلم والترمذي والحاكم والبيهقي وأبي نعيم والبخاري في تاريخه (3). 8 - الحلبي عن (وفاء الوفا) عن ميسرة (4). 9 - القندوزي عن الترمذي عن أبي هريرة، وعن المشكاة عن العرباض ابن سارية... (5).

(هامش)

(1) الخصائص الكبرى 1 / 3 - 5. (2) المواهب اللدنية 1 / 5 - 8. (3) تاريخ الخميس 1 / 20. (4) إنسان العيون 1 / 355. (5) ينابيع المودة: 10. (*)

ص 253

10 - الجمال المحدث (1). 11 - ابن حجر مصححا إياه (2). 12 - وقال الاسكندري ما نصه: وأما تفضيله على آدم عليه السلام، فمن قوله صلى الله عليه وسلم: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين، وآدم فمن دونه من الأنبياء يوم القيامة تحت لوائي. ولقوله: إني أول شافع، وإني أول مشفع، وإني أول من تنشق الأرض عنه (3). 13 - وقال محمد بن يوسف الشامي: ويستدل بخبر الشعبي وغيره - مما تقدم في الباب السابق - على أنه صلى الله عليه وسلم ولد نبيا، فإن نبوته وجبت له حين أخذ منه الميثاق حيث استخرج من صلب آدم، فكان نبيا من حينئذ، لكن كانت مدة خروجه إلى الدنيا متأخرة عن ذلك، وذلك لا يمنع كونه نبيا، كمن يولى ولاية ويؤمر بالتصرف فيها في زمن مستقبل، فحكم الولاية ثابت له من حين ولايته وإن كان تصرفه يتأخر إلى حين مجئ الوقت، والأحاديث السابقة في باب تقدم نبوته صريحة في ذلك . ثم نقل حاصل كلام السبكي (4). 14 - وقال العيد روس: إعلم أن الله سبحانه وتعالى لما أراد إيجاد خلقه أبرز في الحقيقة المحمدية من أنواره الصمدية في حضرته الأحمدية، ثم سلخ منها العوالم كلها علوها وسفلها على ما اقتضاه كمال حكمته وسبق في إرادته وعلمه. ثم أعلمه تعالى بكماله ونبوته وبشره بعموم دعوته ورسالته، وبأنه نبي

(هامش)

(1) روضة الأحباب في سيرة النبي والأصحاب. (2) المنح المكية في شرح الهمزية. (3) لطائف المنن 47 - 48. (4) السيرة الشامية. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الخامس

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب