نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الخامس

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الخامس

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 254

الأنبياء وواسطة جميع الأصفياء، وأبوه آدم بين الروح والجسد... (1).

15 - أخذ ميثاق نبوة محمد دليل أفضلية وهو دليل أفضلية علي

 لقد تفرع على تقدم نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أخذ ميثاق نبوته من الأنبياء، وهذا يدل على أفضليته صلى الله عليه وآله وسلم. وقد علم من الوجه السابق أن تقدم نبوته متفرع على تقدم خلقه، فمتى دل فرع الفرع على الأفضلية دل الأصل عليها بالأولوية القطعية. ونور علي عليه السلام متحد مع نوره صلى الله عليه وآله وهو أيضا مخلوق قبل آدم، فللإمام عليه السلام فضيلة عظيمة كان أخذ الميثاق فرع فرعها، فلا ريب إذا في أفضليته من جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، فهو المتعين للخلافة عن الرسول لا غيره. من أحاديث أخذ الميثاق متفرعا على تقدم خلقه صلى الله عليه وآله وأما كون أخذ الميثاق متفرعا على تقدم خلقه صلى الله عليه وآله فهو المستفاد من الأحاديث العديدة: 1 - قال أبو نعيم: ثم قدمه صلى الله عليه وآله وسلم في الذكر على من تقدمه في البعث فقال: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب) إلى قوله (وآتينا داود زبورا) وقال: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح). وذلك ما حدثناه: أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب، ثنا جعفر بن عاصم، ثنا هاشم بن عمار، ثنا بقية حدثني سعيد بن بشير، نا قتادة عن الحسن

(هامش)

(1) النور السافر في أعيان القرن العاشر - مقدمة الكتاب. (*)

ص 255

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (أخذنا من النبيين ميثاقهم) قال: كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث ثم ذكر بثلاثة طرق أخرى عن أبي هريرة مثله (1). 2 - وقال السبكي فيما نقل عنه السيوطي: فعرفنا بالخبر الصحيح... وقد تقدم. 3 - ونص على ذلك الشيخ عبد الحق الدهلوي قائلا: وجاء في الروايات... (2). من أحاديث أفضليته من الأنبياء بسبب أخذ الميثاق منهم وأما دلالة أخذ الميثاق على أفضليته منهم عليهم السلام فمن الواضحات، ومن الأحاديث والأقوال الصريحة في الدلالة على ذلك: 1 - قال أبو نعيم: ومن فضائله صلى الله عليه وسلم: أخذ الله الميثاق على جميع أنبيائه إن جاءهم رسول آمنوا به ونصروه، فلم يكن ليدرك أحد منهم الرسول إلا وجب عليه الإيمان به والنصر لأخذه الميثاق منهم، فجعلهم كلهم أتباعا له يلزمهم الانقياد والطاعة لو أدركوه. وذلك مما حدثناه محمد بن أحمد بن الحسن... عن جابر عن عمر بن الخطاب قال: أتيت النبي ومعي كتاب أصبته من بعض أهل الكتب، فقال: والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا اليوم ما وسعه إلا أن يتبعني (3). 2 - وقال القاضي عياض: السابع في ما أخبر الله به في كتابه العزيز من عظيم قدره وشريف منزلته على الأنبياء وخطورة رتبته، قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة) إلى قوله: (من الشاهدين).

(هامش)

(1) دلائل النبوة: 1 / 44. (2) مدارج النبوة 2 / 3. (3) دلائل النبوة: 1 / 50. (*)

ص 256

قال أبو الحسن القابسي: إختص الله نبينا محمدا بفضل لم يؤته أحدا غيره أبانه به، وهو ما ذكره في هذه الآية. قال المفسرون: أخذ الله الميثاق بالوحي ولم يبعث نبيا إلا ذكر له محمدا ونعته وأخذ على ذلك الميثاق منه إن أدركه ليؤمنن به. وقيل: أن يبينه لقومه ويأخذ ميثاقهم أن يبينوه لمن بعدهم... قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لم يبعث الله نبيا من آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد عليه الصلاة والسلام لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، ويأخذ العهد بذلك على قومه. ونحوه عن السدي وقتادة في آي تضمنت فضله من غير وجه واحد. قال الله تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) الآية، وقال: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح) إلى قوله (وكيلا). وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كلام بكى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عند الله أن بعثك آخر الأنبياء وذكرك في أولهم فقال: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح...) الآية بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودون أن يكونوا أطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون يقولون (يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا) قال قتادة: إن النبي قال: كنت أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث، فلذلك وقع ذكره مقدما هنا قبل نوح وغيره. قال السمرقندي: في هذا تفضيل نبينا عليه السلام لتخصيصه بالذكر قبلهم وهو آخرهم. قال بعضهم: ومن فضله أن الله تعالى خاطب الأنبياء بأسمائهم، وخاطبه بالنبوة والرسالة في كتابه فقال يا أيها النبي، ويا أيها الرسول. وحكى السمرقندي عن الكلبي - في قوله تعالى: (وإن من شيعته لإبراهيم) إن الهاء عائدة على محمد، أي من شيعة محمد لإبراهيم، أي: علي دينه ومنهاجه، واختاره الفراء وحكاه عنه مكي، وقيل: المراد نوح عليه الصلاة

ص 257

والسلام (1). 3 - وللقسطلاني في المقصد السادس من كتابه بحث طويل خصه بالموضوع هذا أوله: النوع الثاني في أخذ الله تعالى له الميثاق على النبيين فضلا ومنة ليؤمنن به إن أدركوه ولينصرنه نقل فيه الآيات والأحاديث (2). 4 - وقال القسطلاني ما ملخصه: روي عن علي بن أبي طالب أنه قال: لم يبعث الله تعالى: نبيا من آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد، لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأخذ العهد بذلك على قومه. وهو مروي عن ابن عباس أيضا. ذكرهما العماد ابن كثير في تفسيره. قال الشيخ تقي الدين السبكي: فإذا عرف هذا فالنبي نبي الأنبياء، وبهذا ظهر في الآخرة أن جميع الأنبياء تحت لوائه، وفي الدنيا كذلك ليلة المعراج صلى بهم، ولو اتفق مجيؤه في زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم وجب عليهم وعلى أممهم الإيمان به ونصرته، وبذلك أخذ الميثاق عليهم (3). 5 - وبمثل هذا قال ابن حجر والشيخ سليمان في شرحيهما على الهمزية بشرح قول البوصيري: ما مضت فترة من الرسل إلا * بشرت قومها بك الأنبياء 6 - والشيخ القندوزي في (ينابيع المودة) حيث نقل حديث علي عليه السلام وغيره (4).

(هامش)

(1) الشفا 35 - 38. (2) المواهب اللدنية 2 / 51. (3) المصدر نفسه 1 / 8. (4) ينابيع المودة: 17. (*)

ص 258

أحاديث في ولاية علي وميثاق إمامته

 لقد علم من كلمات أكابر أهل السنة ومشاهير أئمتهم وحفاظهم: أن أخذ ميثاق نبوة سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم من جميع الأنبياء والمرسلين من أوضح البراهين وأتمها على أفضليته منهم وتقدمه عليهم. ولما كان هذا المعنى متفرعا على تقدمه في الخلق عليهم، وكان التقدم في الخلق ثابتا لعلي عليه السلام، كان هو أيضا أفضل الخلائق بعد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، فهو الإمام والخليفة من بعده ولا يجوز تقدم أحد عليه. بل لقد وردت أحاديث كثيرة في كتبهم صريحة في: أنه قد أخذ من الأنبياء وغيرهم ميثاق ولاية علي وإمامته، كما أخذ منهم ميثاق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم... فيكون جميع ما ذكره كبار العلماء من الفضل له صلى الله عليه وآله وسلم على ضوء أحاديث الميثاق وغيرها ثابتا لعلي عليه السلام... وهذا ما يقطع ألسنة المكابرين، ويضيق الخناق على المعاندين، والحمد لله رب العالمين. ولنذكر بعض تلك الأحاديث في هذا المقام:

 1 - حديث بعث الأنبياء على ولاية علي

 فمن تلك الأحاديث الشريفة: حديث بعث الأنبياء على ولاية سيدنا علي عليه السلام، وقد رواه جماعة من أعلام أهل السنة، ومنهم: 1 - الحاكم النيسابوري. 2 - أبو إسحاق الثعلبي. 3 - أبو نعيم الاصفهاني. 4 - الخطيب الخوارزمي.

ص 259

5 - عبد الرزاق الرسعني. 6 - السيد علي الهمداني. 7 - السيد شهاب الدين أحمد. 8 - شمس الدين الجيلاني. 9 - عبد الوهاب بن محمد رفيع الدين أحمد. 10 - ميرزا محمد البدخشاني. رواية الحاكم رواه بسنده عن عبد الله بن مسعود حيث قال: حدثني محمد بن المظفر الحافظ، نا عبد الله بن محمد بن غزوان، نا علي بن جابر، نا محمد بن خالد بن عبد الله، نا محمد بن فضيل، نا محمد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وآله أتاني ملك فقال يا محمد: واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا، قال: قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب. قال الحاكم: تفرد به علي بن جابر عن محمد بن خالد عن محمد بن فضيل، ولم نكتب إلا عن ابن مظفر، وهو عندنا حافظ ثقة مأمون (1). رواية الثعلبي ورواه الثعلبي قائلا: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين

(هامش)

(1) معرفة علوم الحديث: 96. (*)

ص 260

الدينوري، حدثنا أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي الموصلي، حدثنا عبد الله بن محمد بن غزوان البغدادي، حدثنا علي بن جابر، حدثنا محمد بن خالد ومحمد بن إسماعيل قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن محمد بن سوقة، عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود... (1). رواية الخوارزمي رواه عن شهردار الديلمي عن الحاكم عن عبد الله بن مسعود (2). رواية شهاب الدين أحمد رواه عن أبي هريرة قال قال رسول صلى الله عليه وآله: لما أسري بي ليلة المعراج فاجتمع علي الأنبياء في السماء فأوحى الله إلي: سلهم يا محمد بماذا بعثتم؟ قالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله وعلى الاقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب. أورده الشيخ المرتضى العارف الرباني السيد شرف الدين علي الهمداني في بعض تصانيفه وقال: رواه الحافظ أبو نعيم (3). رواية عبد الوهاب بن محمد رواه عن أبي نعيم الاصبهاني عن أبي هريرة مثله (4).

(هامش)

(1) الكشف والبيان - مخطوط، بتفسير قوله تعالى في سورة زخرف (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا). (2) المناقب 220 - 221. (3) توضيح الدلائل - مخطوط. ومنه علم رواية أبي نعيم والهمداني. (4) تفسير أنوري... ومنه علم رواية أبي نعيم. (*)

ص 261

رواية الجيلاني اللاهيجي رواه في (شرح كلشن راز) بعد عدة أحاديث في فضل أمير المؤمنين عليه السلام وهي إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن. وأيضا: لكل نبي وصي ووارث وإن عليا وصيي ووارثي. وأيضا: أنا أقاتل على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويل القرآن. وأيضا: يا أبا بكر كفي وكف علي في العدل سواء. وأيضا: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. وأيضا أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار شتى. وأيضا: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة والناس جزء واحدا. وأيضا: أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب فمن تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولى الله. وأيضا: لما أسري بي ليلة المعراج فاجتمع علي الأنبياء في السماء فأوحى الله تعالى إلي سلهم يا محمد بماذا بعثتم؟ فقالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله وعلى الاقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب . رواية البدخشاني رواه عن عبد الرزاق الرسعني عن ابن مسعود (2).

 2 - حديث عرض ولاية علي على إبراهيم

 ومنها: حديث عرض ولاية علي على إبراهيم عليهما السلام، وقد رواه البدخشاني عن الحافظ ابن مردويه حيث قال: أخرج ابن مردويه عن أبي عبد الله

(هامش)

(1) مفتاح النجا - مخطوط. ومنه علم رواية الرسعني. (*)

ص 262

جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه في قوله تعالى: (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) قال: هو علي بن أبي طالب عرضت ولايته على إبراهيم عليه السلام فقال: اللهم اجعله من ذريتي، ففعل الله ذلك (1). وفيه من الفضل الذي لم يحزه أحد ما لا يخفى.

 3 - حديث أخذ الله ميثاق إمارة علي من الملائكة

ومنها: ما رواه: 1 - شيرويه بن شهردار الديلمي عن حذيفة حيث قال: حذيفة: لو علم الناس متى سمي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد، قال الله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم) قالت الملائكة بلى. فقال: أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم (2). إذن، كل ما ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم ثابت لعلي، وهو أفضل من الملائكة أيضا كالنبي. وإذا كان أفضل من الأنبياء - عد النبي - ومن الملائكة فهو أفضل من سائر الخلق، الصحابة وغيرهم... فهو الخليفة من بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا غيره، وهو الأمير وليس غيره... الديلمي وفردوس الأخبار وشيرويه الديلمي من أكابر حفاظ أهل السنة، فقد ترجم له بكل إطراء

(هامش)

(1) مفتاح النجا - مخطوط. (2) فردوس الأخبار: 3 / 399. (*)

ص 263

وتبجيل في المعاجم الرجالية وغيرها ومن ذلك: 1 - تذكرة الحافظ للذهبي 4 / 53. 2 - العبر له أيضا 4 / 18. 3 - طبقات الشافعية للسبكي 7 / 111. 4 - طبقات الشافعية للأسدي. 5 - طبقات الشافعية للأسنوي. 6 - طبقات الحفاظ للسيوطي 457. 7 - فيض القدير للمناوي 1 / 28. كما يعتمد عليه (الدهلوي) وينقل عنه في مواضع من (التحفة). وقد وصف الديلمي نفسه وولده شهردار في (مسند الفردوس) والهمداني في (روضة الفردوس) كتاب (فردوس الأخبار) بأوصاف جليلة، قال شهردار ما ملخصه: وهو كتاب نفيس، عزيز الوجود، مفتون به، جامع للغرر والدرر النبوية والفوائد الجمة والمحاسن الكثيرة، قد طنت به الآفاق، وتنافست في تحفظه الرفاق، لم يصنف في الإسلام مثله تفصيلا وتبويبا، وكم ضمنه رحمه الله من عجائب الأخبار وغرائب الأحاديث مما لا يوجد في كثير من الكتب، فهو في الحقيقة كالفردوس. فأما اليوم فقد تكثرت نسخه في البلاد بحيث لم تبق بلدة من بلاد العراق ولا كورة من أقطار الآفاق، إلا وعلماؤها مثابرون على تحصيله، وأئمتها مكبون على اشترائه ونسخه، وفضلاؤها مواظبون على قرائته وحفظه... . 2 - السيد على الهمداني عن حذيفة مثله (1). وعن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله متى وجبت لك النبوة؟ قال صلى

(هامش)

(1) روضة الفردوس - مخطوط. ينابيع المودة: 248. (*)

ص 264

الله عليه وسلم: قبل أن يخلق الله آدم وينفخ فيه الروح وقال: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم) قالت الملائكة: بلى. فقال: أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلى أميركم (1). ترجمة الهمداني: وقد ترجمنا للعارف المحدث السيد علي الهمداني في بعض المجلدات عن عدة من المصادر، ومنها: 1 - خلاصة المناقب للبدخشاني. 2 - نفحات الأنس للجامي. 3 - كتائب الأعلام للكفوي. 4 - الانتباه في سلاسل أولياء الله للدهلوي. 3 - الشيخ عبد الوهاب بن محمد بن رفيع الدين أحمد في (تفسيره) بتفسير آية المودة عند ذكر فضائل علي عليه السلام عن الفردوس عن حذيفة كما تقدم. ترجمة الشيخ عبد الوهاب. وتظهر جلالة عبد الوهاب بمراجعة: 1 - أخبار الأخيار للشيخ عبد الحق الدهلوي. 2 - تذكرة الأبرار للسيد محمد ماه عالم.

 4 - حديث أخذ النبي الميثاق على وصاية علي من صحابته

 ولقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه أخذ من صحابته

(هامش)

(1) مودة القربى. انظر ينابيع المودة: 248. (*)

ص 265

ميثاقهم بالنسبة إلى إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وإمارته، كما أخذ الله ذلك من ملائكته وعرضه على أنبيائه ورسله... جاء ذلك في رواية السيد علي الهمداني: عن عتبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الله وحده لا شريك له، وأن محمدا نبيه وعليا وصيه، فإن تركنا الثلاثة كفرنا، وقال لنا: أحبوا هذا فإن الله يحبه، واستحيوا منه فإن الله يستحيي منه (1). ومن هذا الحديث يعلم أن الاقرار بوصاية علي - كالاقرار بنبوة محمد ووحدانية الله سبحانه - ركن، ومن أعرض عن ذلك وتركه فقد كفر.

16 - أحاديث في فضل علي مثبتة لإمامته للأفضلية ومؤيدة لحديث النور

 الحديث الأول

 الكنجي، بسنده عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ميلاد علي بن أبي طالب، فقال: لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبه المسيح: إن الله خلق عليا من نوري، وخلقني من نوره، وكلانا في نور واحد، ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم إلى أصلاب طاهرة في أرحام زكية، فما نقلت من صلب إلا ونقل علي معي، فلم نزل كذلك حتى استودعني خير رحم وهي آمنة، واستودع عليا خير رحم وهي فاطمة بنت أسد. وكان في زماننا رجل زاهد عابد يقال له: المبرم بن دعيب بن الشقبان، قد عبد الله تعالى مائتين وسبعين سنة لم يسأل الله حاجة، فبعث الله إليه أبا طالب، فلما أبصره المبرم قام إليه وقبل رأسه وأجلسه بين يديه، ثم قال له: من أنت؟

(هامش)

(1) مودة القربى. انظر يا نبيع المودة: 248. (*)

ص 266

فقال: رجل من تهامة، فقال: من أي تهامة؟ فقال: من بني هاشم. فوثب العابد فقبل رأسه ثانية، ثم قال: يا هذا، إن العلي الأعلى ألهمني إلهاما. قال أبو طالب: وما هو؟ قال: ولد يولد من ظهرك وهو ولي الله عز وجل، فلما كان الليلة التي ولد فيها على أشرقت الأرض. فخرج أبو طالب وهو يقول: أيها الناس ولد في الكعبة ولي الله عز وجل، فلما أصبح دخل الكعبة وهو يقول: يا رب هذا الغسق الدجى * والقمر المنبلج المضي بين لنا من أمرك الخفي * ما ذا ترى في اسم ذا الصبي قال: فسمع صوت هاتف يقول: يا أهل بيت المصطفى النبي * خصصتم بالولد الزكي إن اسمه من شامخ العلي * علي اشتق من العلي قلت: هذا حديث اختصرته، ما كتبناه إلا من هذا الوجه، تفرد به مسلم ابن خالد الزنجي، وهو شيخ الشافعي، وتفرد به عن الزنجي عبد العزيز بن عبد الصمد وهو معروف عندنا، والزنجي لقلب لمسلم وسمي بذلك لحسنه وحمرة وجهه وجماله (1). ودلالة الحديث على المطلوب واضحة.

 الحديث الثاني

 الكنجي أيضا، بسنده عن مالك بن أنس عن أبي سلمة عن أبي سعيد قال: سأل أبو عقال النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله من سيد المسلمين، أليس آدم؟ فقد خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وزوجه حواء أمته،

(هامش)

(1) كفاية الطالب 406 - 407. (*)

ص 267

وأسكنه جنته، فمن يكن؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: من فضله الله عز وجل، فقال: شيث؟ فقال: أفضل من شيث، فقال: إدريس؟ فقال: أفضل من إدريس، وهكذا ذكر هودا، وصالحا، ولوطا، وموسى، وهارون، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف وداود، وأيوب، ويونس، وزكريا، واليسع، وذا الكفل، وعيسى، والنبي أجاب بأنه أفضل. قال أبو عقال: ما علمت من هو يا رسول الله: ملك مقرب؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: مكلمك يا أبا عقال - يعني نفسه صلى الله عليه وآله. فقال أبو عقال: سررتني والله يا رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وآله: أزيدك على ذلك؟ قال: نعم، فقال: إعلم يا أبا عقال أن الأنبياء والمرسلين ثلاثمائة وثلاثة عشر نبيا، لو جعلوا في كفة وصاحبك في كفة لرجح عليهم، فقلت: ملأتني سرورا يا رسول الله، فمن أفضل الناس بعدك؟ فذكر له نفرا من قريش، ثم قال: علي بن أبي طالب، فقلت: يا رسول الله، فأيهم أحب إليك؟ قال: علي بن أبي طالب. فقلت: لم ذلك؟ فقال: لأني خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد. قال: فقلت: فلم جعلته آخر القوم؟ قال: ويحك يا أبا عقال، أليس قد أخبرتك أني خير النبيين وقد سبقوني بالرسالة وبشروا بي من قبلي، فهل ضرني شيء إذ كنت آخر القوم؟ أنا محمد رسول الله، وكذلك لا يضر عليا إذا كان آخر القوم، ولكن يا أبا عقال فضل علي على سائر الناس كفضل جبرائيل على سائر الملائكة. قلت: هذا حديث حسن عال، وفيه طول إنما اختصرته، ما كتبناه إلا من هذا الوجه (1).

(هامش)

(1) كفاية الطالب 315 - 317. (*)

ص 268

قلت: دل على أن أمير المؤمنين عليه السلام أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنهما خلقا من نور واحد فهو أفضل الناس بعده، وقد صرح بذلك إذ قال: ولكن يا أبا عقال فضل علي على الناس كفضل جبرئيل على سائر الملائكة . وأما ما جاء في ذيله من أنه صلى الله عليه وآله جعله آخر القوم... فهو مما انفردوا بروايته، وليس حجة على الإمامية، على أنه يناقض ما قبله، لأنه إذا كان أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وآله، وكان فضله على سائر الناس - على الإطلاق - كفضل جبرئيل على سائر الملائكة، لم يكن لأحد أن يتقدم عليه في شيء أبدا.

 الحديث الثالث

 الكنجي أيضا، بسنده عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتى، وخلقني وعليا من شجرة واحدة فأنا أصلها، وعلي فرعها، وفاطمة لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ عنها هوى. ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام، ثم لم يدرك محبتنا أكبه الله على منخريه في النار، ثم تلا: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى). قلت: هذا حديث حسن عال، رواه الطبراني في معجمه كما أخرجناه سواء، ورواه محدث الشام في كتابه بطرق شتى (1). وهذا الحديث أيضا صريح في المطلوب.

(هامش)

(1) كفاية الطالب 317. (*)

ص 269

الحديث الرابع

 الكنجي عن ابن عساكر بسنده عن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله بعرفات وعلي تجاهه، فأومأ إلي وإلى علي، فأتينا النبي وهو يقول: أدن مني، فدنا منه، فقال: ضع خمسك في خمسي - يعني كفك في كفي - يا علي: خلقت أنا وأنت من شجرة أنا أصلها وأنت فرعها والحسن والحسين أغصانها، فمن تعلق بغصن منها دخل الجنة، يا علي: لو أن أمتي قاموا حتى يكونوا كالحنايا، وصلوا حتى يكونوا كالاوتار ثم أبغضوك لأكبهم الله في النار. قلت: هكذا رواه في ترجمة علي عليه السلام من كتابه (1). وهذا الحديث يؤيد حديث النور ويثبت صحته، ويدل على وجوب اتباع علي عليه السلام والقول بإمامته.

 الحديث الخامس

 الكنجي في (الباب الثامن والخمسون في تخصيص علي بقوله: أنا مدينة العلم وعلي بابها) بسنده عن الخطيب البغدادي عن علي عليه السلام: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: شجرة أنا أصلها وعلي فرعها والحسن والحسين ثمرتها والشيعة ورقها، فهل يخرج من الطيب إلا الطيب؟ وأنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها. قلت: هكذا رواه الخطيب في تاريخه وطرقه (2).

(هامش)

(1) كفاية الطالب 318. (2) كفاية الطالب 220. (*)

ص 270

فإن جمعه صلى الله عليه وآله بين حديث الشجرة وحديث مدينة العلم في سياق واحد يشعر بتفرع كونه باب مدينة العلم على كونه فرع الشجرة، ويقتضي دلالة حديث الشجرة على أعلمية علي عليه السلام كحديث النور.

 الحديث السادس

 الكنجي في (الباب السادس والخمسون في تخصيص علي بكونه إمام الأولياء) بسند فيه جماعة من الأعاظم عن ابن عباس: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من سره أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي عز وجل فليوال عليا من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهما وعلما، ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي (1). دل على وجوب الاقتداء بالأئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله، وأن الأئمة عترته وعلي أولهم، وفيه تحذير للأمة من تكذيب فضلهم لئلا يقطعوا بذلك صلة الرسول ويحرموا من شفاعته يوم القيامة. فليتأمل: ألا يشمل هذا الحديث المكذبين لحديث النور والمنكرين لدلالته؟

 الحديث السابع

 الكنجي في الباب المذكور بسنده عن أنس: قال بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي برزة الأسلمي فقال له - وأنا أسمع - إن رب العالمين عهد

(هامش)

(1) كفاية الطالب: 214. (*)

ص 271

إلي عهدا في علي بن أبي طالب، فقال: إنه راية الهدى ومنار الإيمان وإمام أوليائي ونور جميع من أطاعني. يا أبا برزة: علي بن أبي طالب أميني غدا في يوم القيامة، وصاحب رايتي، وأميني على مفاتيح خزائن رحمة ربي عز وجل. قلت: هذا حديث حسن أخرجه صاحب حلية الأولياء (1). وهذا الحديث أيضا يفيد المطلوب بوضوح، ولا سيما وصفه صلى الله عليه وآله وسلم الإمام عليه السلام ب‍ إمام أوليائي فإنه بوحده كاف في إثبات المرام.

الحديث الثامن

 الكنجي بسنده عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتحت خيبر: لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت اليوم فيك مقالا لا تمر على ملأ من المسلمين إلا أخذوا من ترابك رجليك وفضل طهورك ليستشفوا به. ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، أنت تؤدي ديني وتقاتل على سنتي، وأنت في الآخرة أقرب الناس مني، وأنك غدا على الحوض، وأنت أول داخل الجنة من أمتي، وأن شيعتك على منابر من نور مسرورون مبيضة وجوههم حولي اشفع لهم، فيكونون غدا في الجنة جيراني، وأن أعداءك غدا ظماء مظمئين مسودة وجوههم مقمحين، حربك حربي وسلمك سلمي، وسرك سري وعلانيتك علانيتي وسريرة صدرك كسريرة صدري، وأنت باب علمي، وأن ولدك ولدي ولحمك لحمي ودمك دمي، وأن الحق معك والحق على لسانك وفي قلبك وبين عينيك، والايمان

(هامش)

(1) كفاية الطالب: 215. (*)

ص 272

مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وأن الله عز وجل أمرني أن أبشرك أنك وعترتك في الجنة، وأن عدوك في النار، لا يرد الحوض علي مبغض لك ولا يغيب عنه محب لك. قال علي عليه السلام: فخررت لله سبحانه وتعالى ساجدا وحمدته على ما أنعم به علي من الإسلام والقرآن، وحببني إلى خاتم النبيين وسيد المرسلين (1). أقول: وهذا الحديث رواه الخركوشي، وابن المغازلي، وعمر الملا، وابن سبع الأندلسي، والوصابي، وشهاب الدين أحمد، ومحمد بن إسماعيل اليماني.. أيضا: كما في مجلد (حديث المنزلة). وقد جاء فيه سرك سري وعلانيتك علانيتي وسريرة صدرك كسريرة صدري وهذا دليل واضح على أن خلق أمير المؤمنين مثل خلق رسول الله صلى الله عليهما وعلى آلهما وسلم، وهو مدلول حديث النور، فهو من مؤيدات هذا الحديث الشريف. وبهذه الجملة من الحديث أيضا تثبت عصمة أمير المؤمنين عليه السلام وأفضلية من جميع الخلائق، حتى الملائكة والأنبياء وسائر الأولياء والأوصياء، لأن سره وعلانيته وسريرة صدره كسر وعلانية وسريرة صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومما لا ريب فيه عند الكل أن سر رسول الله وعلانيته وسريرة صدره معصوم من الخطأ وأفضل من جميع الخلائق، فيكون سر أمير المؤمنين وعلانيته وسريرة صدره كذلك. وهذا يقتضي أن تكون إمامته وخلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من البديهيات الأولية، ويدل على قبح تقدم القوم عليه، وبطلان خلافتهم وإمامتهم. والحديث يدل على الأفضلية من وجوه أخرى كما لا يخفى.

(هامش)

(1) كفاية الطالب: 264. (*)

ص 273

الحديث التاسع

الكنجي في الباب السادس والعشرين (في شوق الملائكة والجنة إلى علي عليه السلام واستغفارهم لمحبيه) بسنده: عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مررت ليلة أسري بي إلى السماء، فإذا أنا بملك جالس على منبر من نور والملائكة تحدق به، فقلت: يا جبرئيل من هذا الملك؟ قال: أدن منه وسلم عليه، فدنوت منه وسلمت عليه، فإذا أنا بأخي وابن عمي علي بن أبي طالب. فقلت: يا جبرئيل سبقني علي إلى السماء الرابعة، فقال لي: يا محمد لا، ولكن الملائكة شكت حبها لعلي، فخلق الله تعالى هذا الملك من نور على صورة علي، فالملائكة تزوره في كل ليلة جمعة ويوم جمعة سبعين ألف مرة، يسبحون الله ويقدسونه ويهدون ثوابه لمحب علي. قلت: هذا حديث حسن عال لم نكتبه إلا من هذا الوجه، تفرد به يزيد بن هارون عن حميد الطويل عن أنس وهو ثقة (1). دل على أن الملك المخلوق من نور على صورة أمير المؤمنين عليه السلام أفضل من سائر الملائكة، فأي ريب في خلق أمير المؤمنين من النور وأفضليته من جميع الخلائق بعد الرسول الكريم؟

 الحديث العاشر

 الموفق بن أحمد المكي أخطب خطباء خوارزم: أنبأني مهذب الأئمة هذا، قال أخبرنا أبو القاسم نصر بن محمد بن علي بن زيرك المقري، قال أخبرنا والدي أبو بكر محمد، قال حدثنا أبو علي عبد الرحمن بن محمد بن أحمد النيسابوري، قال

(هامش)

(1) كفاية الطالب: 132. (*)

ص 274

حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله النانيجي البغدادي من حفظه بدينور، قال حدثنا محمد بن جرير الطبري، قال حدثني محمد بن حميد الرازي قال: حدثنا العلاء بن الحسين الهمداني قال: حدثنا أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي، عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله - وسئل بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج فقال -: خاطبني بلغة علي بن أبي طالب، فألهمني أن قلت: يا رب خاطبتني أم علي؟ فقال: يا أحمد أنا شيء لا كالأشياء، لا أقاس بالناس ولا أوصف بالشبهات، خلقتك من نوري وخلقت عليا من نورك فاطلعت على سرائر قلبك، فلم أجد أحدا في قلبك أحب إليك من علي بن أبي طالب، فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك (1). وقد رواه السيد علي الهمداني أيضا. وأهل السنة وإن جوزوا القبيح على الله تعالى شأنه إلا أنهم لا يجوزون عليه الكذب! هذا وقد تقدم في

الحديث السابع

 عن رب العالمين عز وجل فيما عهد إلى النبي صلى الله عليه وآله في علي: نور جميع من أطاعني .

 كلمات علماء أهل السنة وعرفائهم في فضل علي ومعنى حديث النور

 ولأكابر أئمة أهل السنة في الحديث والعرفان كلمات رشيقة دالة على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام، على أساس أنه مخلوق من نور وعلى ضوء حديث النور... ونحن نذكر طائفة من تلك الكلمات بنصوصها في هذا المقام، تأييدا لدلالة حديث النور على المرام:

(هامش)

(1) مناقب علي بن أبي طالب للخوارزمي 36 - 37. (*)

ص 275

1 - الشيخ ابن عربي

 فمنهم: الشيخ محيي الدين ابن عربي، كبير أوليائهم وأكبر مشايخهم، حيث صرح بأنه لم يكن أقرب إلى الله تعالى في عالم الهباء - وهو عالم النور - من رسول الله صلى الله عليه وآله، وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب إمام العالم بأسره والجامع لأسرار الأنبياء أجمعين ، وهذا نص كلامه: فصل - كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه وكان، لم يرجع إليه من إيجاده العالم صفة لم يكن عليها، بل كان موصوفا بنفسه، وسمي قبل خلقه بالأسماء التي يدعونه بها خلقه، فلما أراد وجود العالم وبدأه على حد ما علمه بعلمه بنفسه الفعل عن تلك الإرادة المقدسة، بضرب تجل من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية حقيقة تسمى الهباء هي بمنزلة طرح البناء الجص، ليفتح فيها ما شاء من الأشكال والصور، وهذا أول موجود في العالم، وقد ذكره علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسهل بن عبد الله رحمه الله وغيرهما من أهل التحقيق أهل الكشف والوقوف. ثم إنه سبحانه تجلى بنوره إلى ذلك الهباء، ويسمونه أصحاب الأفكار الهيولى الكلي والعالم كله فيه بالقوة والصلاحية، فقبل منه كل شيء في ذلك الهباء على حسب قوته واستعداده، كما يقبل زوايا البيت نور السراج، وعلى قدر قربه من ذلك النور يشتد ضوؤه وقبوله، قال الله تعالى (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) فشبه نوره بالمصباح، فلم يكن أقرب إليه قبولا في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم المسماة بالعقل الأول، فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود، فكان ظهوره من ذلك النور الإلهي ومن الهباء ومن الحقيقة الكلية، وفي الهباء وجد عينه وعين العالم من تجليه، وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب إمام العالم بأسره والجامع لأسرار الأنبياء أجمعين (1).

(هامش)

(1) الفتوحات المكية - الباب السادس، في بدء الخلق. (*)

ص 276

وجوه دلالة هذا الكلام

 ويدل كلام الشيخ ابن عربي على المطلوب من وجوه: الأول: قوله في حق النبي صلى الله عليه وآله: فلم يكن أقرب إليه قبولا في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم المسماة بالعقل الأول، فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود، فكان ظهوره من ذلك النور... ظاهر في أن كونه صلى الله عليه وآله سيد العالم بأسره فرع كونه الأقرب إليه قبولا في عالم النور، وأن العالم كله مخلوق لأجله ومن تجليات أنواره. أقول: فكذلك أمير المؤمنين عليه السلام، لأن خلقه مقارن لخلقه وهما من نور واحد، فهو سيد العالم بأسره من بعده، فلا يجوز تقدم أحد عليه في شيء، وهو المطلوب. الثاني: قوله: وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب أي في عالم الهباء والنور الإلهي، وهذا الكلام يدل على صحة حديث النور ويؤكد قطعية صدوره، وإذا كان أقرب الناس إليه في ذلك العالم كان سيد العالم بأسره من بعده، فلا يجوز تقدم أحد عليه في أمر من الأمور. الثالث: قوله في حق علي: إمام العالم بأسره تصريح بالحق ونص في المطلوب، فهو عليه السلام إمام جميع الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين من الأولين والآخرين، فلا يجوز تقدم أحد عليه، فهو مما يبطل تقدم الثلاثة والحمد لله. الرابع: قوله: والجامع لأسرار الأنبياء أجمعين أي: إنه عليه السلام حاو لجميع كمالات الأنبياء المقربين وجامع لأسرارهم وعلومهم، وهذا يدل على الأفضلية وبطلان تقدم من تقدم عليه. وبهذه الجملة من كلامه تتضح صحة حديث التشبيه وهو قوله صلى الله

ص 277

عليه وآله وسلم في أحد ألفاظه: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في فهمه وإلى موسى في مناجاته وإلى عيسى في سمته وإلى محمد في تمامه وكماله وجماله فلينظر إلى هذا يعني عليا عليه السلام - ودلالته على الأفضلية، وأن ما لفقه (الدهلوي) في المنع من دلالته باطل عاطل. فثبت بهذا الكلام صحة دلالة حديث النور وحديث التشبيه، بل جميع الأحاديث المستدل بها على أفضلية أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، والحمد لله رب العالمين. كلام آخر لابن عربي وقال الشيخ ابن عربي في الباب العاشر من (الفتوحات) في معرفة دورة الملك: إعلم أيدك الله: أنه ورد في خبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا سيد ولد آدم ولا فخر - بالراء - وفي رواية بالزاء وهو التبجح بالباطل. وفي صحيح مسلم: أنا سيد الناس يوم القيامة، ويثبت له السيادة والشرف على أبناء جنسه من البشر. وقال عليه السلام: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين، يريد على علم بذلك، فأخبره الله بمرتبته وهو روح قبل إيجاده الأجسام الانسانية، كما أخذ الميثاق على بني آدم قبل إيجاده أجسامهم، وألحقنا الله تعالى بأنبيائه بأن جعلنا شهداء على أممهم معهم حين يبعث من كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وهم الرسل، فكانت الأنبياء عليهم السلام في العالم نوابه صلى الله عليه وسلم من آدم إلى آخر الرسل عليهم السلام. وقد أبان صلى الله عليه وسلم عن هذا المقام بأمور منها: قوله صلى الله عليه وسلم: لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني. وقوله في نزول عيسى بن مريم في آخر الزمان: إنه يؤمنا إمام منا وهو يحكم فينا بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، يكسر الصليب ويقتل الخنزير.

ص 278

ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم قد بعث في زمان آدم إلى زمان وجوده الآن، لكانت الأنبياء وجميع الناس تحت حكم شريعته إلى يوم القيامة، ولهذا لم يبعث عامة إلا هو خاصة، فهو الملك والسيد... فكان الامداد يأتي إليهم من تلك الروح الطاهرة فيما يظهرون به من الشرائع والعلوم في زمان وجودهم رسلا وتشريعهم الشرائع، كعلي ومعاذ وغيرهما في زمان وجودهم ووجوده صلى الله عليه وسلم، وكإلياس والخضر عليهما السلام وعيسى عليه السلام في زمان ظهوره في آخر الزمان حاكما بشرع محمد صلى الله عليه وسلم في أمته... فخرج من هذا المجموع كله: أنه ملك وسيد على جميع بني آدم، وأن جميع من تقدمه كان ملكا وله تبعا والحاكمون فيه نواب عنه. فإن قيل: فقوله صلى الله عليه وسلم: لا تفضلوني! فالجواب: نحن ما فضلنا بل الله فضله... (1). أقول: وكل هذه المقامات الثابتة لرسول الله صلى الله عليه وآله ثابت لسيدنا أمير المؤمنين عليه السلام (لحديث النور) الدال على اتحادهما في الخلق قبل آدم عليه السلام، فهو مفضل على جميع الأنبياء سواه صلى الله عليه وآله وسلم ومقدم عليهم وسيد جميع بين آدم. وإذا ثبتت الأفضلية ثبتت الإمامة والخلافة بلا ريب، وهو المطلوب. كلام آخر لابن عربي وقال الشيخ ابن عربي أيضا: إعلم أن الله لما جعل منزل محمد صلى الله عليه وسلم السيادة فكان سيدا ومن سواه سوقة علمنا أنه لا يقاوم، فإن السوقة لا تقاوم ملوكها، فله منزل خاص وللسوقة منزل، ولما أعطي هذه المنزلة وآدم بين الماء والطين علمنا أنه الممد لكل إنسان مبعوث بناموس إلهي أو حكمي، وأول ما ظهر

(هامش)

(1) الفتوحات المكية - الباب العاشر - في معرفة دورة الملك. (*)

ص 279

من ذلك في آدم حيث جعله الله خليفة عن محمد صلى الله عليه وسلم، فأمده بالأسماء كلها من مقام جامع الكلم التي لمحمد صلى الله عليه وسلم... (1). أقول: فكذلك علي عليه السلام (لحديث النور) بما تقدم من البيان، وبذلك يتضح بطلان خلافة من تقدم عليه، لأنهم سوقة والسوقة لا تقاوم ملوكها فكيف بتقدمها عليهم؟! ترجمة ابن عربي ومن المناسب أن نورد هنا بعض كلماتهم في حق شيخهم الأكبر ابن عربي: قال الشعراني: أجمع المحققون من أهل الله عز وجل على جلالته في سائر العلوم كما يشهد به كتبه، وما أنكر عليه من أنكر إلا لدقة فهم كلامه لا غير، فأنكروا على من يطالع كتبه من غير سلوك لطريق الرياضة، خوفا من حصول شبهة في معتقده يموت عليها لا يهتدي لتأويلها على مراد الشيخ. وقد ترجمه الشيخ صفي الدين بن أبي المنصور وغيره بالولاية الكبرى والصلاح والعرفان فقال: هو الشيخ الإمام المحقق رأس العلماء العارفين والمقربين، صاحب الإشارات الملكوتية والنفحات القدسية والأنفاس الروحانية، والفتح المونق والكشف المشرق، والبصائر الخارقة والسرائر الصادقة والمعارف الباهرة والحقائق الزاهرة، له المحل إلا رفع من مراتب القرب في منازل الأنس، والمورد العذب من مناهل الوصل، والطول الأعلى من معارج الدين، والقدم الراسخ في التمكين من أحوال النهاية، والباع الطويل في التصرف في أحكام الولاية، وهو أحد أركان هذه الطائفة رضي الله عنه. وكذلك ترجمه الشيخ العارف بالله تعالى محمد بن أسعد اليافعي رضي الله

(هامش)

(1) الفتوحات المكية. الباب السابع وثلاثون وثلاثمائة. (*)

ص 280

عنه بالعرفان والولاية. ولقبه الشيخ أبو مدين بسلطان العارفين. وكلام الرجل دليل على مقاماته الباطن والظاهر، ومناقبه مشهورة بين الناس لا سيما بأرض الروم... وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام شيخ الإسلام بمصر المحروسة يحط عليه كثيرا، فلما صحب الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه وعرف أحوال القوم صار يترجمه بالولاية والعرفان والقطبية (1). وقال ابن النجار بترجمته ما ملخصه: وكان قد صحب الصوفية وأرباب القلوب وسلك طريق الفقر، وحج وجاور وصنف كتبا في علوم القوم وفي أخبار مشايخ المغرب وزهادها، وله أشعار حسنة وكلام مليح، اجتمعت به بدمشق وكتبت عنه من شعره، ونعم الشيخ هو، دخل بغداد وحدث بها بشيء من مصنفاته وكتب عنه حافظ العصر الشيخ عبد الله الدبيثي... توفي سنة 638 (2). وذكر الاسكندري قصة ملاقاته للخضر النبي عليه السلام، ضمن الحكايات التي استشهد بها في كتابه على بقاء الخضر (3). وذكر أيضا تكلم وعاء زجاج مع الشيخ ابن عربي في محضر جماعة من المشايخ (4). وقد ذكر القصتين اليافعي في (الارشاد) بعد أن وصفه ب‍ شيخ الطريقة وبحر الحقيقة . ووصفه ابن الزملكاني ب‍ البحر الزاخر في المعارف الإلهية .

(هامش)

(1) لواقح الأنوار في طبقات الأخيار 1 / 163. (2) ذيل تاريخ بغداد - مخطوط. (3) لطائف المتن 152. (4) المصدر: 152. (*)

ص 281

وقال الكفوي بترجمته: هو قدوة القائلين بوحدة الوجود، والناس في حقه فرقتان، فإن بعض الفقهاء وعلماء الظاهر قد طعنوا فيه وأكفروه، وبعض الفقهاء وعلماء الآخرة وكبراء الصوفية عظموه وفخموه تفخيما عظيما، ومدحوا كلامه مدحا كريما، ووصفوه بعلو المقامات، وأخبروا عنه بما يطول ذكر من الكرامات، وصنفوا في مناقبه وألفوا في أحواله ومراتبه. ذكر الإمام اليافعي في تاريخه: أن الشيخ شهاب الدين السهروردي والشيخ محيي الدين العربي اجتمعا في مجلس، فسئل كل منهما عن صاحبه، فقال العربي للسهروردي: هو رجل مملو من قرنه من السنة. وقال السهروردي: هو بحر الحقائق (1). وقال الأزنيقي: ومن لطائف كتاب المحاضرات (محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار) للشيخ الإمام العالم الرباني والبحر الصمداني، وسند السالكين ومنقذ الهالكين، الشيخ أبي عبد الله محيي الدين محمد بن علي بن محمد العربي الحاتمي الطائي الأندلسي قدس الله سره العزيز. كان جليل الشأن، وله المصنفات الوافرة والمؤلفات الفاخرة وتصانيف لا تحصى (2). وقال عبد العلي السهالي: قال الشيخ وارث النبي صلى الله عليه وسلم الشيخ محيي الدين ابن العربي صاحب الفتوحات: هم أخذوا العلم عن ميت، ونحن أخذنا العلم من حي لا يموت (3). ووصفه البرزنجي ب‍ إمام المحققين (4). وترجم له الجامي ووصفه بمثل عبارات الكفوي المتقدمة ثم ذكر نسبة لبسه

(هامش)

(1) كتائب أعلام الأخيار - مخطوط. (2) مدينة العلوم للأزنيقي. (3) الصبح الصادق في شرح المنار. (4) الاشاعة لأشراط الساعة 107. (*)

ص 282

الخرقة إليه (1). وقد مدحه (الدهلوي) ووصفه ب‍ الشيخ الأكبر واستشهد بكلماته واستند إليها (2). ووصفه الشيخ سلامة الله في (معركة الآراء) ب‍ قطب الموحدين . وعده صديق حسن القنوجي في (الجنة) في عداد المجتهدين حيث قال: ومنهم الشيخ الأكبر ابن العربي، فإنه لم يقلد أحدا إلا النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، وقد ذكر في الفتوحات المذاهب الأربعة وغيرها واختار منها ما أفضى إليه اجتهاده من غير مبالاة بزيد وعمرو، وأكابر العلماء اعتقدوا ولايته، والولي الكامل لا يكون مقلدا .

 2 - الشيخ عبد الوهاب الشعراني

 وقد قرر الشيخ عبد الوهاب الشعراني كلمات ابن عربي السالفة الذكر، حيث نقلها مستشهدا بها معتمدا عليها حيث قال: فإن قلت: فما معنى قولهم: إنه صلى الله عليه وسلم أول خلق الله؟ هل المراد من خلق مخصوص؟ أو المراد به الخلق على الإطلاق؟ فالجواب كما قاله الشيخ في الباب السادس: إن المراد به خلق مخصوص، وذلك أن أول ما خلق الله الهباء... وقال الشيخ محيي الدين: وكان أقرب الناس إليه في ذلك الهباء علي بن أبي طالب الجامع لأسرار الأنبياء أجمعين... فعلم كما قاله الشيخ محي الدين في الفتوحات أن مستمد جميع الأنبياء والمرسلين من روح محمد صلى الله عليه وآله، إذ هو قطب

(هامش)

(1) نفحات الأنس - 564. (2) رسالة الرؤيا للدهلوي. (*)

ص 283

الأقطاب... (1). فعلم أن الشعراني ذاهب إلى ما ذهب إليه ابن عربي، فكلامه أيضا يثبت المطلوب بالوجوه السديدة المتقدمة هناك. هذا، ولا ينافي ذلك قوله بعدئذ: وقول الشيخ في حق علي رض الله عنه جامع لأسرار الأنبياء، قد نقل أيضا عن الخضر عليه السلام في حق الشيخ أبي مدين التلمساني فقال حين سئل عنه: جامع أسرار المرسلين لا أعلم أحدا في عصري هذا أجمع لأسرار المرسلين منه . فإنه - لو ثبت هذا النقل - غير فإنه - لو ثبت هذا النقل - غير ضائر بالمطلوب وهو إثبات أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام - بمقتضى الأقربية والجامعية لأسرار الأنبياء - ممن تقدم عليه في أمر الخلافة والامامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فمع تسليم صحة النقل المذكور عن الخضر عليه السلام في أبي مدين التلمساني يكون أبو مدين أفضل من من أولئك كذلك. وأما التساوي بين أمير المؤمنين وأبي مدين فلا يتوهمه عاقل فضلا عن المسلم، على أن كلام الخضر في أبي مدين مخصوص بعصره كما هو صريحه. كلام آخر للشعراني وقال الشيخ الشعراني أيضا: فإن قلت: قد ورد في الحديث: أول ما خلق الله نوري. وفي رواية: أول ما خلق الله العقل، فما الجمع بينهما؟ فالجواب: إن معناهما واحد، لأن حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم تارة يعبر عنها بالعقل الأول، وتارة بالنور. فإن قلت: فما الدليل على كونه صلى الله عليه وسلم ممدا للانبياء السابقين في الظهور عليه من القرآن؟

(هامش)

(1) اليواقيت والجواهر 2 / 20. (*)

ص 284

فالجواب: من الدليل على ذلك قوله تعالى (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) أي: إن هداهم هو هداك الذي سرى إليهم ذلك في الباطن، فإذا اهتديت بهداهم فإنما ذلك اهتداء بهداك، إذ الأولية لك باطنا والآخرية لك ظاهرا، ولو أن المراد بهداهم غير ما قررناه لقال له صلى الله عليه وسلم: فبهم اقتده. وتقدم حديث كنت نبيا وآدم بين الماء والطين، فكل نبي تقدم على زمان ظهوره فهو نائب عنه في بعثته بتلك الشريعة، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث وضع الله تعالى يده بين ثديي أي كما يليق بجلاله فعلمت علم الأولين والآخرين إذ المراد بالأولين هم الأنبياء الذين تقدموا في الظهور عند غيبة جسمه الشريف، وإيضاح ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم أعطي العلم مرتين مرة قبل خلق آدم ومرة بعد ظهور رسالته صلى الله عليه وسلم، كما أنزل عليه القرآن أولا من غير علم جبرئيل ثم علمه به جبرئيل مرة أخرى.. فإن قلت: فإذن روح محمد صلى الله عليه وسلم هي روح عالم الخير كله، وهي النفس الناطقة فيه كله. قلت: نعم والأمر كذلك كما ذكره الشيخ في الباب السادس والأربعين وثلاثمائة، فحال العالم المذكور قبل ظهوره صلى الله عليه وسلم بمنزلة الجسد المستوي، وحاله بعد موته صلى الله عليه وسلم بمنزلة النائم، وحال العالم حيث يبعث يوم القيامة بمنزلة الانتباه من النوم، فالعالم كله نائم من حين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يبعث (1). أقول: وكلما ذكره في حق رسول الله صلى الله عليه وآله صادق وثابت في حق علي عليه السلام (لحديث النور)، فهو مثله في كل شيء، ومن ذلك التقدم على الأنبياء، فهو الأفضل من بعده على جميع الخلائق، فهو المتعين للخلافة من بعده.

(هامش)

(1) اليواقيت والجواهر 2 / 20 - 21. (*)

ص 285

ترجمة الشعراني وتظهر جلالة الشيخ عبد الوهاب الشعراني من الكلمات الواردة في حقه والأوصاف الكريمة التي وصفوه بها: فقد قال الشرقاوي بترجمته: الشيخ الإمام العالم العامل الفقيه العارف بالله تعالى والدال عليه عبد الوهاب الشعراني ابن أحمد بن علي بن أحمد بن محمد، المنتهي نسبه إلى محمد بن الحنفية رضي الله عنه، كان إماما في العلوم الشرعية وغيرها. أخذ العلوم عن مشايخ عصره كالشيخ السيوطي وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري وغيرهما من علماء الظاهر. وأخذ عن الشيخ محمد الشناوي والشيخ علي الخواص وغيرهما من علماء الباطن، وسلك طريق التصوف بعد تضلعه في العلوم الشرعية والانتهاء منها... وله مصنفات كثيرة نحو سبعين مصنفا، ومناقبه شهيرة وكراماته ظاهرة. توفي رضي الله عنه يوم الاثنين من شهر جمادى الأولى سنة 973 (1). وذكره محمد بن عبد الله الزرقاني في سند إجازة روايته لكتاب (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية لشهاب الدين القسطلاني) حيث ذكر طريقه إليه عن مؤلفها القسطلاني، وقد وصفه ب‍ العارف (2). وكذا ذكره أبو مهدي عيسى بن محمد الثعالبي المالكي في تراجم مشايخه من (مقاليد الأسانيد) وقد وصفه ب‍ الولي العارف بالله صاحب التصانيف السائرة . وقد نقل عنه نور الدين الحلبي في السيرة مترضيا عليه. وقال تاج الدين الدهان في مرويات العجيمي: طبقات الصوفية - للعالم

(هامش)

(1) التحفة البهية في طبقات الشافعية - مخطوط. (2) شرح المواهب اللدنية 1 / 3. (*)

ص 286

الرباني سيدي الشيخ عبد الوهاب بن علي الشعراني. أخبر بها - يعني الشيخ حسن العجيمي - عن جماعة... عن مؤلفها العارف بالله تعالى والدال عليه سيدي الشيخ عبد الوهاب بن علي الشعراني فذكرها (1). ووصفه الشيخ أحمد القشاشي ب‍ الإمام في (السمط المجيد). وقال محمد عابد السند في (حصر الشارد): وأما كتاب اليواقيت والجواهر في عقيدة الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني فأرويه... . وقال محمد معين بن محمد أمين السندي: قال إمام الحنفية، بل قطب الصوفية الواصل إلى عين الشريعة التي يغترف منها الأئمة المجتهدون، الإمام الشعراوي في الميزان... (2). وذكره شاه ولي الله الدهلوي في (الانتباه) في بيان كيفية ارتباطه بالسلسلة القادرية من جهة الخرقة، فكان الشعراني في طريق لبس الدهلوي الخرقة القادرية. وقد وقع أيضا في طريق حديث المصافحة في مسلسلات الشيخ ولي الله الدهلوي. وقد أوضح ولده (الدهلوي) كون الشعراني من مشايخ والده ولي الله في رسالته في (أصول الحديث).

 3 - شمس الدين الفناري

 قال الشيخ شمس الدين محمد الفناري: أقول: كان هو المراد بالهباء الذي قال في الفتوحات:... فلم يكن أقرب إليه قبولا إلا الحقيقة المحمدية المسماة بالعقل الأول. وكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود.

(هامش)

(1) كفاية المطلع - مخطوط. (2) دراسات اللبيب 163. (*)

ص 287

وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب وسائر الأنبياء. تم كلامه. وأقول: وهذا غير الهباء الذي قال في الفتوحات بعد وريقات: لما خلق القلم واللوح وسماهما العقل والروح، وأعطى الروح صفتين علمه وعمله، وجعل العقل لهما معلما، خلق جوهرا دون النفس الذي هو الروح المذكور، سماه الهباء، قال الله تعالى: (فكانت هباء منبثا) سماه به علي بن أبي طالب (1). أقول: هكذا جاء في النسخة الحاضرة من كتاب (مصباح الأنس) وقد أسقط فيه من عبارة الفتوحات كلمة إمام العالم بأسره وكذا جملة الجامع لأسرار الأنبياء أجمعين ، وجعل بدل هذه الجملة كلمة وسائر الأنبياء عاطفا إياها على علي بن أبي طالب . وإن كنت في ريب من هذا التحريف فراجع نص كلام ابن عربي المتقدم سابقا. لكنه - والحال هذه - يفيد المطلوب، وهو كون أمير المؤمنين عليه السلام أقرب الخلائق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فهو أفضلهم من بعده صلى الله عليه وآله، فهو المقدم على الجميع، لعدم جواز تقديم المفضول على الفاضل في شريعة من الشرائع. ومن الغريب إعراض (الدهلوي) عن مفاد كلمات هؤلاء الأعلام من العرفاء والصوفية في هذا المقام، وتشبثه بكلمات بعض مجاهيلهم في الجواب عن دلالة حديث (التشبيه)، وسيأتي في محله ما فيه. كتاب مصباح الأنس وكتاب (مصباح الأنس) من مرويات الشيخ حسن العجيمي والشيخ إبراهيم الكردي، وهما من كبار مشايخ شاه ولي الله والد (الدهلوي). قال الكردي: مصباح الأنس بين المعقول والمشهود في شرح مفتاح غيب

(هامش)

(1) مصباح الأنس 175. (*)

ص 288

الجمع والوجود، للشمس محمد بن حمزة الفناري، وسائر تصانيفه ومروياته، قرأت منه أطرافا على شيخنا الإمام أحمد قدس سره، بسنده إلى الحافظ ابن حجر عنه (1). وقال تاج الدين الدهان: شرح مفتاح الغيب المسمى مصباح الأنس بين المعقول والمشهود، للإمام المحقق الشمس محمد بن حمزة الفناري رحمه الله. أخبر بها وبسائر مصنفاته ومروياته عن الشيخ أحمد العجل، عن البدر محمد ابن الرضي الغزي، عن الحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، عن الحافظ أحمد ابن حجر العسقلاني والعلامة محمد بن سليمان الكافياجي، كلاهما عن مؤلفهما العلامة شمس الدين محمد بن حمزة الفناري، فذكرهما (2). ترجمة الفناري وإليك خلاصة ترجمة الفناري عن (كتائب أعلام الأخيار): المولى الفاضل الأستاذ على الإطلاق، والعامل الكامل المشار إليه بلا شقاق، شمس الأئمة الأعلام وبدر الأجلة، ذو الباع الواسع واللسان الجاري، مولانا شمس الدين محمد بن حمزة بن محمد الفناري، عليه رحمة الله الغفار الباري. إمام كبير، علامة نحرير، عظيم القدر، جليل المحل، جامع بين العلم والعمل، أوحد أوانه في العلوم النقلية أصولا وفروعا، وأغلب أقرانه في الفنون العقلية، وكان يجمعها جموعا، شيخ دهره في العلم والأدب، ومجتهد عصره في الخلاف والمذهب، وهو أفضل الرؤساء الذين انفرد كل منهم بفضل، ففاق فيه أقرانه على رأس القرن الثامن، رحل إلى مصر، ثم رجع إلى الروم، فولي قضاء بروسا وشاع فضله، صنف فصول البدائع في أصول الشرائع، وغير ذلك من

(هامش)

(1) الأمم لإيقاظ الهمم 121. (2) كفاية المتطلع في مرويات الشيخ حسن العجيمي - مخطوط. (*)

ص 289

الكتب المستحسنة (1).

 4 - السيد محمد كيسو دراز

 وقال السيد محمد كيسو دراز، العارف الشهير بتفسير قوله تعالى: (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم) الآية، بعد إيراد حديث النور بلفظ: خلقت أنا وعلي من نور واحد قبل أن يخلق الله آدم بأربعة آلاف سنة، ثم ركب الله ذلك النور في صلب آدم، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففي النبوة وفيه الخلافة قال: وعليه قول الشاعر: إني وإن كنت ابن آدم صورة * فلي فيه معنى شاهد بأبوتي وإليه أشار قول الله تقدس: (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) كنت تتقلب في أصلاب آبائك الأنبياء وتتشكل بها تستفيض من فيضهم، كل من الأنبياء اختص بما لا يفهم غيره، بالعقل والحسن اجتمع عندك خصائص مائة ألف نبي وأربعين ألف ونيف، حتى امتلأ جناب قلبك باللطائف والأنوار والمشاهدة والأسرار، ولم يبق مساغ الازدياد ومكان الاستكثار، جليناك عن تتق الأستار وأظهرناك عن كتم الأسرار لتتم مكارم الأخلاق، إن النبوة تاج الأنبياء الأخيار وإنك درة التاج يا سيد الأحرار (2). أقول: فهذا بعض مكارم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله على لسان هذا العارف الكبير، وجميع ذلك ثابت لسيدنا أمير المؤمنين عليه السلام، بدليل (حديث النور) وبمقتضى هذا الحديث يصدق في حقه قول الشاعر الذي استشهد به، ويكون الإمام عليه السلام أفضل من آدم وسائر الأنبياء عليهم

(هامش)

(1) كتائب أعلام الأخيار من مذهب النعمان المختار - مخطوط. (2) الدر الملتقط - تفسير الآية. (*)

ص 290

السلام. فثبت دلالة حديث النور على إمامة أمير المؤمنين، وبطلان تقدم المتقدمين عليه. كلام آخر وقال السيد محمد المذكور في كتاب آخر له ما تعريبه: ويدل حديث خلقت أنا وعلي من نور واحد قبل أن يخلق الله آدم بأربعة آلاف سنة، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، على أن جميع كمالات آدم ونوح وموسى والخليل انتقلت إلى محمد، وأنه لم يخلق آدم ولا العالم إلا من أجله (1). أقول: يدل الحديث على انتقال كمالاتهم إلى محمد وعلي، وأنه لم يخلق آدم ولا العالم إلا من أجل محمد وعلي، فهما أفضل منهم، وعلي أفضل الخلق بعد محمد صلى الله عليه وآله وبذلك ترتفع شبهات المعاندين، والحمد لله رب العالمين.

 5 - القسطلاني

 وقال شهاب الدين القسطلاني: لما تعلقت إرادة الحق تعالى بإيجاد خلقه وتقدير رزقه، أبرز الحقيقة المحمدية من الأنوار الصمدية في الحضرة الأحدية... ثم أعلمه تعالى بنبوته وبشره برسالته، هذا وآدم لم يكن إلا - كما قال - بين الروح والجسد، ثم انبجست منه صلى الله عليه وسلم عيون الأرواح، فظهر للملأ الأعلى وهو بالمنظر الأجلى، وكان لهم المورد الأحلى، فهو صلى الله عليه وسلم الجنس العالي على جميع الأجناس، والأب الأكبر لجميع الموجودات والناس (2).

(هامش)

(1) الاسمار - السمر 47. (2) المواهب اللدنية بالمنح المحمدية 1 / 5. (*)

ص 291

أقول: وإذا كان صلى الله عليه وآله الأب الأكبر لجميع الموجودات والناس بسبب خلق نوره قبل خلق جميع العوالم كلها علوها وسفلها، فإن عليا عليه السلام كذلك، لوحدة نورهما، فلا يجوز تقدم أحد عليه، لأن جميع الخلائق أشياع وأتباع له، ومن هنا قال صلى الله عليه وآله: يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة. قال الرومي في شرح قول البوصيري: أحل أمته في حرز ملته * كالليث حل مع الأشبال في الأجم قال: يقول: وكيف لا؟ وقد أحل وأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمة إجابته في حرزه الحريز وحصنه الحصين من شريعته الحنيفية الباقية إلى يوم القيامة، وهو ضرغام غابة غاية الكمال من الرجال، وأتباعه كالأولاد لقوله تعالى (إنما المؤمنون إخوة) ولقوله صلى الله عليه وسلم: أنا من الله والمؤمنون مني، وأنا وأنت يا علي أبوا هذه الأمة، وناهيك لقوة دين الله دليلا، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا (1). فهل يجوز تقدم أحد عليه والحال هذه؟!

 6 - الدولت آبادي

 وقال ملك العلماء شهاب الدين آبادي - بعد أن أورد حديث النور وذكر حاصل معناه - ما تعريبه: وقد عاد النور مجتمعا مرة أخرى في رحم فاطمة، لأن الحسن والحسن من نور الله، ولقد كان للمصطفى غير علي بنو عمومة، وغير فاطمة بنات، وكان لعلي وفاطمة أولاد غير الحسن والحسين، إلا أنهما خصا بكونهما من نور الله (يا أيها

(هامش)

(1) تاج الدرة في شرح البردة - مخطوط (*)

ص 292

الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا، فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما). إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي، فإن من تمسك بنور الله لا يضل أبدا. وهذه عناية من الله وتوفيق، يهدي الله بنوره من يشاء، ويضرب الله الأمثال للناس، فالذين أبعدوا عن هذا النور وضلوا ولعنوا يسعون في إطفاء نور الله، ويعترضون على فضائلهم (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)... ولو اجتمع أهل العالم كلهم على إطفاء نور الله هذا لما تمكنوا من ذلك... فإن نسلهم باق إلى يوم القيامة، ويجتمع على حبهم المنورون من الناس بنور الإيمان، وأما غيرهم فينكرونهم... واعلم أن ذوات هؤلاء مخلوقة من النور، وقد كان هذا النور يظهر في وجه فاطمة. في آخر الظهيرية: ولها - أي لفاطمة - كان نور يضييء من وجهها، حتى روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: أسلك في سم الخياط في الليلة المظلمة من نور وجه فاطمة. وفي الدرر: عاد الحسن والحسين ذات ليلة من عند المصطفى وقد أحاط بهما نورهما. وقد ذكرناه في الجلوة الأولى من الهداية الثامنة، حتى تعلم أنهم نور الله (1). أقول: وفي هذا الكلام من وجوه الدلالة على المطلوب على ضوء حديث النور ما لا يخفى على ذوي البصر والبصيرة، وقد ظهر منه أن الذين ينكرون حديث النور ودلالته هم من الذين (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره...)

 7 - الهمداني

 وقال العارف الكبير السيد علي الهمداني بشرح قول ابن الفارض: لها البدر كاس وهي شمس تديرها * هلال وكم يبدو إذا مزجت نجم

(هامش)

(1) هداية السعداء - مخطوط. (*)

ص 293

قال ما تعريبه: ويريد الناظم من هذه المعاني إما الأعيان الخارجية وإما الحقائق النفسانية، وعلى التقدير الأول فإن المراد هي الحقيقة المحمدية وهي مظهر الأنوار الإلهية ووعاء الحقائق الذوقية والمراد من الهلال هو علي وهو مدير كؤوس محبة ذي الجلال ومورد المتعطشين إلى مورد الوصال، وقد ورد في حقه أنا مدينة العلم وعلي بابها. وكما أن الهلال لا يختلف والبدر بل هو جزء منه، فكذلك سيد الأولياء بالنسبة إلى سيد الأنبياء، إذ قال صلى الله عليه وسلم: أنا وعلي من نور واحد. وقال: علي مني وأنا منه. ثم إن امتزاج أحكام الشريعة المصطفوية بالحقائق المرتضوية هو السبب لظهور مشارب أذواق أعيان الأولياء، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: أنا وأنت أبوا هذه الأمة، يشير إلى هذا المعنى، إذ هو منبع أسرار معارف التوحيد ومطلع أنوار معالم التحقيق، ومن ينبوع هدايته حصل جميع أهل الكشف والشهود على درجات الكمال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا المنذر وعلي الهادي. وقال لعلي: وبك يا علي يهتدي المهتدون. وإذا انكشف لك هذا السر فاعلم: أن جميع أنوار الحقائق التي حصل عليها الأولياء مقتبس من مشكاة ولاية علي، ومع وجود هذا الإمام الهادي فإن متابعة غيره من قلة البصيرة . أقول: وهذا الكلام يدل علي المطلوب على ضوء حديث النور من وجوه عديدة كذلك، وهي غير خافية على الفطن النبيه.

8 - السهروردي

 وقال الشيخ شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمد السهروردي في (العوارف) بعد أن ذكر بعض الأحاديث الدالة على فضيلة التفقه في الدين: والله سبحانه وتعالى جعل الفقه صفة القلب فقال (لهم قلوب لا يفقهون بها)، فلما

ص 294

فقهوا علموا، ولما عملوا علموا، ولما عملوا عرفوا، ولما عرفوا اهتدوا، فكل من كان أفقه كانت نفسه أسرع إجابة وأكثر انقيادا لعالم الدين، وأوفر حظا من نور اليقين، فالعلم جملة موهوبة من الله تعالى للقلوب، والمعرفة تميز تلك الجملة والهدى وجدان القلوب ذلك، فالمعنى: مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم، أخبر أنه وجد القلب النبوي الهدى والعلم، فكان هاديا مهديا، وعلمه صلوات الله عليه ورائة معجونة فيه من آدم أبي البشر صلوات الله عليه، حيث علم الأسماء سمة الأشياء فكرمه الله تعالى بالعلم فقال (علم الانسان ما لم يعلم)، فآدم عليه السلام بما ركب فيه من العلم والحكمة صار ذا الفهم والفطنة والمعرفة والرأفة واللطف والحب والبغض والفرح والغم والرضاء والرخاء والغضب والكياسة، ثم اقتضاء استعمال كل ذلك، وجعل لقلبه بصيرة واهتدى إلى الله بالنور الذي وهب له. فالنبي عليه السلام بعث إلى الأمة بالنور الموروث والموهوب له خاصة، وقيل: لما خاطب الله سبحانه السماوات والأرض يقول لهما (ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين)*، نطق من الأرض وأجاب موضع الكعبة ومن السماء ما يحاذيها، وقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أصل طينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سرة الأرض بمكة. فقال بعض العلماء: هذا يشعر بأنما أجاب من الأرض ذرة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، ومن موضع الكعبة دحيت الأرض، فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأصل في التكوين والكائنات تبع له، وإلى هذا الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين. وفي رواية: بين الروح والجسد. وقيل: لذلك سمي أميا، لأن مكة أم القرى، وذرته أم الخليقة وتربة الشخص مدفنه، فكان يقتضي أن يكون مدفنه بمكة حيث كانت تربته منها، ولكن قيل الماء لما تموج ورمى الزبد إلى النواحي وقت جوهرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يحاذي تربته بالمدينة، وكان رسول الله مكيا مدنيا حنينه إلى مكة وتربته بالمدينة. فالإشارة فيما ذكرنا من ذرة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما قال الله

ص 295

تعالى (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى). ورد في الحديث: إن الله مسح ظهر آدم وأخرج ذريته منه كهيئة الذرة واستخرج الذر من مسام شعر آدم، فخرج الذر كخروج العرق. وقيل: كان المسح من بعض الملائكة فأضاف الفعل إلى المسبب، وقيل: معنى القول بأنه مسح أي: أحصى كما يحصى الأرض بالمساحة، وكان ذلك ببطن نعمان - وهو واد بجنب عرفة بين مكة والطائف - فلما خاطب الله الذرة وأجابوا ببلى كتب العهد في رق أبيض، وأشهد عليه الملائكة وألقمه الحجر الأسود، وكانت ذرة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي المجيبة من الأرض، والعلم والهدى فيه معجونان، فبعث بالعلم والهدى مورثا له وموهوبا. وقيل: لما بعث الله تعالى جبرئيل وميكائيل ليقبضا قبضة من الأرض فأبت حتى بعث الله عزرائيل فقبض قبضة من الأرض، وكان إبليس قد وطئ بقدميه، فصار بعض الأرض بين قدمه وبعض الأرض موضع أقدامه، فخلقت النفس مما مس قدم إبليس، فصارت مأوى الشر، وبعضها لم يصل إليه قدم إبليس، فمن تلك الأرض تربة أصل الأنبياء والأولياء. فكانت ذرة رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع نظر الله سبحانه وتعالى من قبضة عزرائيل، لم يمسها قدم إبليس فلم يصبه حظ الجهل، بل صار منزوع الجهل موفرا حظه من العلم والهدى، فبعثه الله تعالى بالهدى والعلم وانتقل من قلبه إلى القلوب ومن نفسه إلى النفوس، فوقعت المناسبة في أصل طهارة الطينة ووقع التأليف بالتعارف الأول، فكل من كان أقرب منه مناسبة بنسبة طهارة الطينة كان أوفر حظا من قبول ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت قلوب الصوفية أقرب منها مناسبة، فأخذت من العلم حظا وافرا وصارت بواطنهم أخاذات، فعلموا وعملوا كالأخاذ التي يسقى منه ويزرع منه، وجمعوا بين فائدة علم الدراسة وعلم الوراثة فائدة بإحكام أساس التقوى، فلما تركت النفوس انجلت مرائي قلوبهم بما صقلها من التقوى، وانجلى فيها صور الأشياء على هيآتها وماهيتها، فبانت لهم الدنيا بقبحها فرفضوها، وظهرت الآخرة بحسنها فطلبوها،

ص 296

فلما زهدوا في الدنيا انصبت إلى بواطنهم أقسام العلوم انصبابا وانضاف إلى علم الدراية علم الوراثة . أقول: فهذه بعض مقامات رسول الله صلى الله عليه وآله على أثر قربه من الله تعالى وخلقة نوره من قبل العالم بأسره، ولما كان أمير المؤمنين عليه السلام مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في جميع منازله ومقاماته كان جميع ما ذكر ثابتا في حقه أيضا، فيكون مثله أفضل جميع الخلائق وأجلهم وأقدمهم بعده، فهو الخليفة من بعده على أمته وهو المطلوب.

 9 - أبو نعيم الاصفهاني

 قال الحافظ الشهير والعارف الكبير أبو نعيم الاصبهاني في خطبة كتابه (دلائل النبوة) ما نصه: أما بعد فقد سألتم... جمع المنتشر من الروايات في النبوة ودلائلها والمعجزة وحقائقها، وخصائص المبعوث محمد صلى الله عليه وسلم بالسناء الساطع والشفاء النافع، الذي استضاء به السعداء واستشفى به الشهداء واستوصل دونه البعداء، فاستعنت بالله واستوفقته، وبه الحول والقوة وهو القوي العزيز. واعلموا وفقكم الله أن الخالق الحكيم أنشأ الخلق مختلفي الصور والجواهر متفاوتي الأمزجة والبصائر، أجزاؤهم في الطبيعة والقوة متفاضلة، وأحلامهم في النظر والاعتبار متفاوتة، فمن معتدل مزاجه مستغن بصحته عن الأطباء والعقاقير ومتوسط في الاعتدال يطيبه القليل من الأبازير، وساقط رذيل لا يقيمه العزيز من العناصر، كذلك الأرواح، منها صاف زكي بالحكمة مشغوف، وإلى التعرف والتبصر ملهوف، حريص على ما استبق إليه السعداء ومنها روح كدر بطئ عن المعارف والبصائر معطوف، وعن الآيات والعبر مصروف، خميص إلى ما استلذه البعداء. ومنها روح متوسط حط به عن كمال الصفاء والزكاء، ونجى به من هلاك

ص 297

الكدر والعماء. فلتفاوت الأشباح والأرواح اختلفت الأقوال والأحوال، فالمحبو لصافي الأرواح يحن جوهره دائما إلى صفوة الروحانية الذين هم سكان العلى من السماوات، والممنو بكدر الأرواح يميل جوهره دائما إلى مماثلة المسخرة والبهائم من الأنعام المركبة من الكدر والظلمات. فإذا اختلفت الأبنية والأمزجة فالمجبول على أعدل الترتيب وأصفى التركيب من لباب البشر وصباب النشر: من ارتاح للتأله والصلاح، واهتز للتشمر والفلاح، مخصوص بالبشارة والنذارة مقصود بالنفث والإيحاء من الكرام البررة، ممد بالموهبة الإلهية والأثرة العلوية ويسعد بالقبول منه المتوسط من المقبلين، ويحجب بالنفور عنه والتكبر منه العماة من المدبرين. فأولئك المقصودون هم الدعاة من الأولياء والسادة من الرسل والأنبياء . أقول: دل هذا الكلام على أفضلية الأنبياء لكونهم أشرف الخلائق خلقة، ولاختصاصهم بهذه المزايا المذكورة والفضائل العالية، ولما كان نور أمير المؤمنين عليه السلام متحدا مع نور النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك النور متقدما في الخلق على خلق آدم عليه السلام، كان علي عليه السلام - كالنبي - أفضل من جميع الأنبياء وسائر الخليقة، وصاحب تلك المزايا الجليلة، فعلي أفضل الأمة الإسلامية بعد النبي، وإذا كان كذلك بطل تقدم الثلاثة عليه، وهو المطلوب. ثم قال أبو نعيم: فالنبوة هي سفارة العبد بين الله وبين ذوي الألباب من خليقته، ولهذا يوصف أبدا بالرسالة والبعثة، وقيل: إن النبوة إزاحة علل ذوي الألباب فيما تقصر عقولهم عنه من مصالح الدارين، ولهذا يوصف دائما بالحجة والهداية، ليزيح بها عللهم على سبيل الهداية والتثقيف، ومعنى النبي هو ذا النبأ والخبر بأن يكون مخبرا عن الله بما خصه به من الوحي، وقيل: إنها مشتقة من النبوة التي هي المكان المرتفع عن الأرض، وهو أن يخص بضرب من الرفعة، فجعل سفيرا بين الله وبين خلقه، يعني بذلك وصفه بالشرف والرفعة، ومن جعل النبوة من الأنباء التي هي الأخبار لم يفرق بين النبوة والرسالة.

ص 298

وأما معنى الرسول فهو المرسل، فعول على لفظ مفعل، وإرساله أمره إياه بإبلاغ الرسالة والوحي، ومعنى الوحي مأخوذ من الوحي وهو العجلة، فلما كان الرسول متعجلا لما يفهم قيل لذلك التفهم وحي، وله مراتب ووجوه في القرآن وحي إلى الرسول، وهو أن يخاطبه الملك شفاها أو يلقي ذلك في روعه وذلك قوله (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء). يريد بذلك خطابا يلقى فهمه في قلبه حتى يعيه ويحفظه وما عداه من غير خطاب، فإنما هو ابتداء إعلام وإلهام وتوقيف من غير كلام ولا خطاب كقوله تعالى: (وأوحى ربك إلى النحل)، (وأوحينا إلى أم موسى) وما في معناه. ثم إن هذه النبوة التي هي السفارة لا تتم إلا بخصائص أربعة يهبها الله لهم، كما أن إزاحة علل العقول لا تتم إلا بالسلامة من آفات أربع يعصم منها، فالسفير السعيد بالمواهب الأربع سليم عن الآفات الأربع، والعاقل السليم من الآفات الأربع ليس بسعيد بالمواهب الأربع. فالمواهب الأربع أولها: الفضيلة النوعية، وثانيها: الفضيلة الإكرامية، وثالثها: الامداد بالهداية، ورابعها: التثقيف عند الزلة. والآفات الأربع التي يعصم منها السليم من الأولياء أولها: الكفر بالله، وثانيها التقول على الله، وثالثها الفسق في أوامر الله، ورابعها الجهل بأحكام الله. فمعنى الفضيلة النوعية: أن الأحسن في سير الملوك والأحمد من حكمهم أنهم لا يرسلون مبلغا عنهم إلا الأفضل المستقل بأثقال الرسالة، قد ثقفته خدمته وخرجته أيامه، والعقول تشهد أن مثله يكون مقيضا مرتادا عند المرسل في الابلاغ والتأدية عنه، فالله الحكيم العزيز لا يختار للرسالة إلا المتقدم على المبعوث إليهم المزين بكل المناقب، ولهذا لم يوجد نبي قط به عاهة في بدنه أو اختلاط في عقله أو دناءة في نسبه أو رداءة في خلقه، وإليه يرجع قوله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته). ومعنى الفضيلة الإكرامية: أن الملوك متى أرسلوا رسولا اختاروه للوفادة أيدوه في حال الإرسال بلطائف وكرامات وزوائد معاونات، ييسرون الخطب عليه

ص 299

فوق ما كان مكنه منه وخوله في ماضي خدمته، فالله الرؤف الرحيم إذا أثر للإبلاغ عنه الأفضل، أمده بتقوى قلبه وتشحذ قريحته وتمكنه من الأخلاق الحميدة والعزائم القوية والحكم المديدة، كما أيد موسى بحل العقدة من لسانه وإشراكه لهارون إياه في الإرسال. وهو قوله: (فأرسله معي ردءا يصدقني)، وإليه يرجع قوله (قد أوتيت سؤلك يا موسى). ومعنى الامداد بالهداية: أن الملوك متى ما اختاروا للإبلاغ عنهم من علموا منه الكفاية والاستقلال بما ولوه، فلا يخلونه من كتب منهم إليه تتضمن الرشد والهداية، علما منهم بأنه مجبول على صيغة الآدميين، فالله العلي العظيم متى قلد عبدا قلائد الرسالة فحكمته تقتضي أن لا يخليه من مواد الارشاد، لعلمه أن العلوم المكتسبة لا تنال إلا تعريفا ولا تصاب مصالح الكلية إلا توقيفا، وإليه يرجع قوله: (كذلك لنثبت به فؤادك) (ولولا أن ثبتناك لقد كدت). ومعنى التثقيف عند الزلة: ما بعث ملك وافدا يجتلب به الرعية إلى طاعته، فيرى طبعه مائلا في حال الابلاغ إلا زجره عند أدنى هفوة بأبلغ مزجرة يتفقه بها، صيانة لمحله وحفظا لحراسته واستقامته، علما منه بأن من لم ينبه على فلتاته أو شك أن تألفه وتعتاده، فالله اللطيف بعباده الوافي لأوليائه بالنصر والتأييد لا يعدم وافده وصفيه المرشح لحمل أثقال النبوة التنبيه ولتثقيف، وإليه يرجع قوله تعالى لنوح (فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين). وقوله لداود (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط) وقوله لسليمان (وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب). وقوله لمحمد صلى الله عليه وسلم (واستقم كما أمرت ولا تتبع أهوائهم ولولا كتاب من الله سبق). قوله: (وإن كان كبر عليك إعراضهم). الآية. فهذه الخصائص الأربعة لا تنال إلا بالاكتساب والاجتهاد، لأنها موهبة إلهية وأثرة علوية، حكمها معلقة بتدبير من له الخلق والأمر، لا يظهرها إلا في أخص الأزمنة وأحق الأمكنة عند امتساس الحاجة الكلية وإطباق الدهماء على الضلال من البرية، ومحلها أعلى من أن يفوز به العقول الجزوية أو تحصلها

ص 300

المساعي الكسبية، وإليه يرجع قوله (وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء). وقوله (إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) وقوله (فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) . أقول: وهذه الخصائص الأربعة الحاصلة للانبياء بسبب أن خلقتهم أشرف وأجل من خلقة الخلائق أجمعين، حاصلة لسيدنا أمير المؤمنين، لأنه خلق مع أفضل الأنبياء من نور واحد، فهو أفضل الخلائق والأنبياء عدا خاتمهم صلى الله عليه وآله وسلم فلا يجوز تقدم أحد عليه.

10 - شاه ولي الله الدهلوي

وقال والد (الدهلوي) في (إزالة الخفا) ما تعريبه: لقد خلقت نفوس الأنبياء عليهم السلام القدسية في غاية الصفاء والرفعة، وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن ينالوا النبوة بذلك الصفاء والرفعة، ففوضت إليهم رئاسة العالم، قال الله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته). وفي الأمة قوم خلقت نفوسهم قريبة من جوهر نفوس الأنبياء، وهؤلاء في أصل الفطرة خلفاء الأنبياء في الأمم، كالشمس تنعكس في المرآة ولا تنعكس في التراب والخشب والحجر، فإن هؤلاء - وهم خلاصة الأمة - يتأثرون بالنفس القدسية النبوية بوجه لا يتأتى لغيرهم، وقلوبهم تشهد بصحة ما يستفيدونه منها، حتى كأنه قد سبق لهم إدراك ذلك على وجه الاجمال، ثم جاء كلامه صلى الله عليه وسلم شارحا له ومبينا لإجماله، ثم تلى هؤلاء جماعات كل منها أدنى من سابقتها بدرجة حتى تصل النوبة إلى العوام من المسلمين. فكما أن صاحب الخلافة الخاصة هو رئيس المسلمين في الظاهر، فكذلك يجب أن يكون رئيسا لهم متقدما عليهم من حيث الاستعدادات الباطنية كصفاء الباطن ورفعة الشأن، حتى تكن رئاسته الظاهرية مقرونة بالرئاسة الباطنية... .

ص 301

وجوه دلالة هذا الكلام وكلام والد (الدهلوي) هذا يوضح دلالة حديث النور على المطلوب من وجوه: 1 - قوله: وقد افتضت الحكمة الإلهية أن ينالوا بذلك الصفاء والرفعة، ففوضت إليهم رئاسة العالم، قال الله تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالته). أقول: إذا كان الأمر كذلك فإن الإمام عليا عليه السلام كانت له الأهلية الكاملة لأن تفوض إليه رئاسة العالم - وهي الخلافة العامة والحكومة التامة - لوجود المقتضي الذي ذكره لذلك، بدليل حديث (النور)، وإذ أنه يفيد كون أمير المؤمنين عليه السلام أشرف وأفضل من آدم وسائر الأنبياء عليهم السلام، ما عدا خاتمهم صلى الله عليه وآله من حيث الصفاء والرفعة وغير ذلك لاتحاد نوره مع نوره، مع العلم بأنه أفضل جميع الأنبياء السابقين، فحديث النور من الأدلة الدالة على وجوب تفويض الإمامة لعلي عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو المطلوب، فمخالفة (الدهلوي) لأبيه وإنكاره دلالة الحديث على الإمامة أمر غريب. 2 - قوله: وفي الأمة... أقول: وبما أن حديث النور يدل بفحواه دلالة قطعية على هذا المعنى، فإن عليا عليه السلام هو الخليفة بعد الرسول الأعظم لا غيره ممن لا يبلغ هذه الدرجة ولا إلى أقل قليل منها. 3 - قوله: كالشمس تنعكس... ظاهر في أن خلفاء الرسول يجب أن يكونوا هكذا، لا كالتراب والخشب والحجارة التي لا تنعكس فيها أشعة الشمس أبدا. ولا ريب في أن عليا هو الذي كان يداني النبي في حالاته وصفاته، بل هما واحد (لحديث النور) وغيره بحيث لا يدانيه أحد حتى من الأنبياء والمرسلين، فكيف بأولئك الذين لم تنطبع في ذواتهم شيء من صفات الرسول، ولم تتمثل فيهم

ص 302

خصلة من خصاله الحميدة. 4 - قوله: فإن هؤلاء وهم خلاصة الأمة... صريح في أن الخلفاء لا بد وأن يكونوا آخذين من النبي صلى الله عليه وآله ما لم يوفق له غيرهم... وعلي عليه السلام قد بلغ هذه الدرجة الرفيعة (لحديث النور) قطعا، فهو الخليفة بلا فصل، وخلافة المتقدمين عليه باطلة بلا ريب. 5 - قوله: فكما أن صاحب الخلافة الخاصة... . أقول: لقد دل (حديث النور) على هذا المعنى أيضا، ودل على اختصاصه بعلي عليه السلام، فهو رئيس الأمة في الظاهر والباطن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا حظ لغيره من ذلك، فتقدم أحد عليه - حتى لو بلغ ما بلغ من العظمة والجلال - غير جائز، فما ظنك بتقدم من تقدم عليه؟!.

 11 - محمد صدر العالم

وللعلامة محمد صدر العالم كلام طويل، صريح في المطلوب، واف بالغرض، نورده بنصه على طوله: أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن علي قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأنذر عشيرتك الأقربين) دعاني فقال: يا علي، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعا وعرفت مهما أبادههم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمت عليها، حتى جاءني جبرئيل فقال: يا محمد إنك إن لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك. فاصنع لي صاعا من طعام واجعل عليه رجل شاة واجعل لنا عسا من لبن ثم أجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغ ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون أو ينقصونه، فيهم أعمامهم أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به، فلما وضعته تناول النبي صلى الله عليه

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الخامس

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب