ص 106
فظهر أن شاه ولي الله الدهلوي أكثر تعصبا وأشد عنادا من الفخر الرازي الشهير
بالعناد والتعصب.
6 - مجئ (المولى) بمعنى (الرئيس)

وقال الفخر الرازي: أما قوله:
*(لبئس المولى ولبئس العشير)* فالمولى هو الولي والناصر، والعشير الصاحب والمعاشر.
واعلم أن هذا الوصف بالرؤساء أليق، لأن ذلك لا يكاد يستعمل في الأوثان، فبين تعالى
أنهم يعدلون عن عبادة الله تعالى الذي يجمع خير الدنيا والآخرة إلى عبادة الأصنام
وإلى طاعة الرؤساء. ثم ذم الرؤساء بقوله: لبئس المولى. المراد به ذم من انتصر بهم
والتجأ إليهم (1). فظهر أن (المولى) يأتي بمعنى (الرئيس) وهو و(ولي الأمر)
و(متولي الأمر) واحد كما لا يخفى.
ومن قال بمجئ (المولى) بمعنى (ولي الأمر)

جماعة
من مشاهير العلماء ومحققي اللغويين كالأنباري حيث قال: والمولى في اللغة ينقسم
إلى ثمانية أقسام أولهن: المولى المنعم المعتق، ثم المنعم عليه المعتق، والمولى:
الولي، والمولى: الأولى بالشئ... (2). وقد أورد كلام الأنباري هذا ابن البطريق -
يحيى بن الحسن الحلي المتوفى سنة 600 - قائلا: وقال أبو بكر محمد بن القاسم
الأنباري في كتابه المعروف بتفسير المشكل في القرآن في ذكر أقسام المولى: إن
المولى: الولي. والمولى: الأولى بالشئ. واستشهد على ذلك بالآية المقدم ذكرها، وببيت
لبيد أيضا: كانوا موالي حق يطلبون به * فأدركوه وما ملوا ولا تعبوا (3)
(هامش)
(1) تفسير الرازي 23 / 15. (2) مشكل القرآن: ولي. (3) العمدة لابن بطريق: 55. (*)
ص 107
وكالسجستاني العزيزي حيث قال: *(مولانا)* أي ولينا. والمولى على ثمانية أوجه:
المعتق والمعتق والولي والأولى بالشئ وابن العم والصهر والجار والحليف (1). وكأبي
زكريا ابن الخطيب التبريزي إذ قال: المولى عند كثير من الناس هو ابن العم خاصة
وليس هو هكذا، ولكنه الولي وكل ولي للانسان فهو مولاه، مثل: الأب والأخ وابن الأخ
والعم وابن العم، وما وراء ذلك من العصبة كلهم. ومنه قوله: *(إني خفت الموالي من
ورائي)* ومما يبين ذلك - أي المولى كل ولي - حديث النبي صلى الله عليه وآله: أيما
امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل. أراد بالمولى الولي. وقال عز وجل: *(يوم
لا يغني مولى عن مولى شيئا)* أفتراه إنما عني ابن العم خاصة دون سائر أهل بيته؟
ويقال للحليف أيضا مولى... (2). وكالفيروز آبادي: والمولى: المالك والعبد
والمعتق والمعتق والصاحب والقريب كابن العم ونحوه والجار والحليف والابن والعم
والنزيل والشريك وابن الأخت والولي والرب والناصر والمنعم والمنعم عليه والمحب
والتابع والصهر... (3). وكأبي ليث السمرقندي حيث قال: *(أنت مولانا)* يعني
ولينا وحافظنا (4). وقال أيضا: *(بل الله مولاكم)* يقول: أطيعوا الله تعالى
فيما يأمركم. هو مولاكم يعني وليكم وناصركم (5). وكالثعلبي حيث قال: *(أنت
مولانا)* أي ناصرنا وحافظنا وولينا وأولى
(هامش)
(1) نزهة القلوب: 209. (2) غريب الحديث: ولي. (3) القاموس: ولي. (4) تفسير أبي
الليث - مخطوط. (5) المصدر. (*)
ص 108
بنا (1). وكالواحدي: *(بل الله مولاكم)* ناصركم ومعينكم. أي فاستغنوا عن موالاة
الكفار فلا تستنصوهم، فإني وليكم وناصركم (2). وكالبغوي: *(أنت مولانا)* ناصرنا
وحافظنا وولينا (3). وكابن الجوزي: *(والله مولاكم)* أي وليكم وناصركم (4).
وكالقمولي: *(والله مولاكم)* أي وليكم وناصركم... (5). وكالنيسابوري: ... *(بأن
الله مولى الذين آمنوا)* أي وليهم وناصرهم (6). فهؤلاء وغيرهم يفسرون (المولى) ب
(الولي)، وحيث أنهم يفسرون (الولي) ب (ولي الأمر) (ومتولي الأمر) فإنه يكون معنى
(المولى) هو (مولى الأمر) و(متولي الأمر). وقد جاء تفسير (الولي) بمعنى (ولي الأمر)
في تفسير الرازي حيث قال: قوله تعالى: *(الله ولي الذين آمنوا...)* فيه مسألتان.
المسألة الأولى: الولي فعيل بمعنى فاعل من قولهم: ولي فلان الشيء يليه ولاية فهو
وال وولي. وأصله من الولي الذي هو القرب، قال الهذلي: عدت عواد دون وليك تشغب. ومنه
يقال: داري تلي دارها أي تقرب منها، ومنه يقال للمحب المعاون: ولي لأنه يقرب منك
بالمحبة والنصرة ولا يفارقك، ومنه الوالي لأنه يلي القوم بالتدبير والأمر والنهي
ومنه المولي (7).
(هامش)
(1) تفسير الثعلبي - مخطوط. (2) التفسير الوسيط للواحدي - مخطوط. (3) معالم التنزيل
1 / 265. (4) زاد المسير 8 / 307. (5) تكملة تفسير الرازي. (6) تفسير النيسابوري 26
/ 24. (7) تفسير الرازي 7 / 18. (*)
ص 109
وجاء تفسير (الولي) بمعنى (متولي الأمر) في تفسير النيسابوري حيث قال: *(والله ولي
الذين آمنوا)* أي متولي أمورهم وكافل مصالحهم. فعيل بمعنى فاعل. والتركيب يدل على
القرب. فالمحب ولي، لأنه يقرب منك بالمحبة والنصرة، ومنه الوالي لأنه يلي القوم
بالتدبير (1)
(هامش)
(1) تفسير النيسابوري 3 / 21. (*)
ص 110
حديث الغدير بلفظ: من كنت وليه فعلي وليه

وقد جاء في كثير من طرق حديث الغدير
لفظ من كنت وليه فعلي وليه بدل من كنت مولاه فعلي مولاه وهذا دليل على مجئ
(المولى) بمعنى (الولي) ومجئ (المفعل) بمعنى (الفعيل). وإليك نصوص بعض الأخبار
المشتملة على ذلك:
*(1)* رواية أحمد بن حنبل

لقد جاء في مسند أحمد ما نصه: حدثنا
عبد الله، حدثني أبي، ثنا وكيع ثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه
قال قال رسول الله صلى
ص 111
الله عليه وسلم: من كنت وليه فعلي وليه (1). وفيه: حدثنا عبد الله، حدثني أبي،
حدثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه قال: بعثنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية قال لما قدمنا قال: كيف رأيتم صحابة صاحبكم؟
قال: فإما شكوته أو شكاه غيري. قال: فرفعت رأسي وكنت رجلا مكبابا، قال: فرأيت النبي
صلى الله عليه وسلم قد أحمر وجهه قال وهو يقول: من كنت وليه فعلي وليه (2). وفيه:
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن
أبيه: أنه مر على مجلس وهم يتناولون من علي، فوقف عليهم فقال: إنه قد كان في نفسي
على علي شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول الله صلى الله عليه وآله في
سرية عليها علي وأصبنا سبيا، قال: فأخذ علي جارية من الخمس لنفسه. فقال خالد بن
الوليد: دونك. قال: فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وآله جعلت أحدثه بما كان.
ثم قلت: إن عليا أخذ جارية من الخمس. قال: وكنت رجلا مكبابا. قال فرفعت رأسي فإذا
وجه رسول الله صلى الله عليه وآله قد تغير فقال: من كنت وليه فعلي وليه (3).
*(2)* رواية النسائي

وقال النسائي: ذكر قول النبي صلى الله عليه وآله: من كنت
وليه فعلي وليه.
(هامش)
(1) مسند أحمد 5 / 261. (2) المسند 5 / 350. (3) المصدر 5 / 358. (*)
ص 112
أنبأنا محمد بن المثنى قال ثنا يحيى بن حماد قال: أخبرنا أبو عوانة عن سليمان قال
حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لما رجع
رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن، ثم
قال: كأني قد دعيت فأجبت، وإني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب
الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي
الحوض. ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليه
فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد: سمعته من رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم؟ قال: ما كان من الدوحات أحد إلا رآه بعينه وسمعه بأذنه.
أخبرنا أبو كريب محمد بن العلاء الكوفي قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن
سعيد بن عمير عن ابن بريدة عن أبيه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
واستعمل علينا عليا، فلما رجعنا سألنا: كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ فإما شكوته أنا أو
شكاه غيري، فرفعت رأسي وكنت رجلا من مكة [مكبابا] وإذا وجه رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد احمر فقال: من كنت وليه فعلي وليه (1). أخبرنا أحمد بن عثمان [البصري
أبو الجوزاء] قال ثنا ابن عثمة - وهو محمد ابن خالد البصري - عن عائشة بنت سعد عن
سعد قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال: ألم تعلموا أني أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: نعم صدقت يا رسول الله. ثم أخذ بيد
علي فرفعها فقال: من كنت وليه فهذا وليه، وإن الله ليوالي من والاه ويعادي من
عاداه. أخبرنا زكريا بن يحيى قال حدثنا يعقوب بن جعفر بن أبي كثير عن مهاجر
(هامش)
(1) الخصائص 93 - 94. (*)
ص 113
ابن مسمار قال أخبرتني عائشة بنت سعد عن سعد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم بطريق مكة وهو متوجه إليها، فلما بلغ غدير خم وقف للناس، ثم رد من تبعه ولحقه
من تخلف، فلما اجتمع الناس إليه قال: أيها الناس من وليكم؟ قالوا: الله ورسوله -
ثلاثا - ثم أخذ بيد علي فأقامه ثم قال: من كان الله ورسوله وليه فهذا وليه اللهم
وال من والاه وعاد من عاداه (1). أخبرنا الحسين بن حريث المروزي قال أخبرنا
الفضل بن موسى عن الأعمش عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال قال علي كرم الله وجهه في
الرحبة: أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول: إن الله
وليي وأنا ولي المؤمنين، ومن كنت وليه فهذا وليه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه
وانصر من نصره. قال فقال سعيد: فقام إلى جنبي ستة. وقال زيد بن يثيع من عندي ستة -
وقال عمرو ذو مر: أحب من أحبه وأبغض من أبغضه. وساق الحديث (2). أنبأنا يوسف بن
عيسى أنبأنا الفضل بن موسى قال ثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال قال علي
رضي الله عنه في الرحبة: أنشد بالله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير
خم يقول: الله وليي وأنا ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه... (3).
(هامش)
(1) الخصائص: 101. (2) المصدر: 103. (3) المصدر: 103. (*)
ص 114
*(3)* رواية ابن ماجة

وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني: ثنا علي
بن محمد نا أبو الحسين أخبرني حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت
عن البراء بن عازب قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته التي حج،
فنزل في بعض الطريق، فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي فقال: ألست أولى بالمؤمنين من
أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال فهذا ولي من
أنا مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (1).
*(4)* رواية الطبري

وأخرج محمد
بن جرير الطبري أحاديث عديدة متضمنة للفظ (الولي) بدلا عن (المولى) وقد روى القاري
هذه الأحاديث، وإليك ذلك: عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: لما رجع رسول الله
صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع فنزل غدير خم أمر بدوحات فقممن. ثم قال: فقال:
كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل
ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني
(هامش)
(1) سنن ابن ماجة 1 / 43. (*)
ص 115
فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كل
مؤمن، ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليه فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من
عاداه. فقلت لزيد: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما كان في
الدوحات أحد إلا قد رآه بعينيه وسمعه بأذنيه. ابن جرير. أيضا عن عطية العوفي عن أبي
سعيد الخدري مثل ذلك. ابن جرير (1). عن أبي الضحى عن زيد بن أرقم قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم من كنت وليه فعلي وليه. ابن جرير (2). عن بريدة قال:
بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية واستعمل علينا عليا، فلما جئنا سألنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ فإما شكوته أنا وإما شكاه
غيري،، فرفعت رأسي وكنت رجلا مكبابا إذا حدثت الحديث أكببت، فإذا النبي صلى الله
عليه وسلم قد احمر وجهه فقال: من كنت وليه فإن عليا وليه، فذهب الذي في نفسي عليه
فقلت: لا أذكره بسوء - ابن جرير (3).
*(5)* رواية الحاكم النيسابوري

وقال الحاكم
أبو عبد الله النيسابوري: حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد ابن تميم الحنظلي
ببغداد، ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا يحيى بن حماد، وحدثني أبو
بكر محمد بن أحمد بن بالويه وأبو بكر أحمد بن جعفر البزاز قالا:
(هامش)
(1) كنز العمال 13 / 104. (2) كنز العمال 13 / 105. (3) المصدر 13 / 135. (*)
ص 116
حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يحيى بن حماد. وثنا أبو نصر أحمد
بن سهل الفقيه ببخارى، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، ثنا خلف ابن سالم
المخرمي، ثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش قال ثنا حبيب بن أبي
ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لما رجع رسول الله صلى الله
عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأني قد دعيت
فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى، وعترتي أهل
بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. ثم قال:
الله عز وجل مولاي وأنا ولي كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: من كنت
وليه فهذا وليه. اللهم وال من والاه. وذكر الحديث بطوله. هذا حديث صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه بطوله. شاهده حديث سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل أيضا صحيح على
شرطهما (1).
*(6)* رواية الخطيب الخوارزمي

وروى الموفق بن أحمد المعروف بأخطب
خوارزم حديث الغدير بسنده عن الحاكم النيسابوري كما تقدم مضيفا إليه: فقلت: أنت
سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينه
وسمعه بأذنه (2).
(هامش)
(1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 109. (2) مناقب الخوارزمي: 93. (*)
ص 117
*(7)* رواية ابن المغازلي

ورواه علي بن محمد الجلابي المعروف بابن المغازلي حيث
قال: أخبرنا أبو يعلى علي بن عبد الله بن العلاف البزار إذنا قال: أخبرنا عبد
السلام بن عبد الملك ابن حبيب البزار قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال:
حدثنا محمد بن بكر ابن عبد الرزاق، حدثنا أبو حاتم مغيرة بن محمد المهلبي قال:
حدثني مسلم بن إبراهيم حدثنا نوح بن قيس الحداني حدثنا الوليد بن صالح عن ابن امرأة
زيد بن أرقم قالت: أقبل نبي الله من مكة في حجة الوداع حتى نزل صلى الله عليه وسلم
بغدير الجحفة بين مكة والمدينة، فأمر بالدوحات فقم ما تحتهن من شوك، ثم نادى:
الصلاة جامعة. فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر، وإن منا
لمن يضع رداءه على رأسه وبعضه على قدميه من شدة الرمضاء، حتى انتهينا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فصلى بنا الظهر ثم انصرف إلينا فقال: الحمد لله نحمده ونستعينه
ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، الذي لا
هادي لمن أضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد أيها الناس، فإنه لم يكن لنبي من العمر إلا نصف من عمر من قبله، وإن عيسى
بن مريم لبث في قومه أربعين سنة، وإني قد أسرعت في العشرين، ألا وإني يوشك أن
أفارقكم، ألا وإني مسؤول وأنتم مسؤولون فهل بلغتكم؟ فماذا أنتم قائلون؟ فقام من كل
ناحية من القوم مجيب يقولون: نشهد أنك عبد الله ورسوله، قد بلغت رسالته وجاهدت في
سبيله وصدعت بأمره،
ص 118
وعبدته حتى أتاك اليقين، جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته. فقال: ألستم
تشهدون أن لا إله إلا الله لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله؟ وأن الجنة حق وأن
النار حق وتؤمنون بالكتاب كله؟ قالوا: بلى. قال: فإني أشهد أن قد صدقتكم وصدقتموني،
ألا وإني فرطكم وإنكم تبعي توشكون أن تردوا علي الحوض، فأسألكم حين تلقونني عن ثقلي
كيف خلفتموني فيهما. قال: فأعيل علينا ما ندري ما الثقلان، حتى قام رجل من
المهاجرين وقال: بأبي وأمي أنت يا نبي الله ما الثقلان؟ قال صلى الله عليه وآله:
الأكبر منهما كتاب الله تعالى، سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم فتمسكوا به ولا
تضلوا، والأصغر منهما عترتي، من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي، فلا تقتلوهم ولا تقهروهم
ولا تقصروا عنهم، فإني قد سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني، ناصرهما لي ناصر
وخاذلهما لي خاذل، ووليهما لي ولي وعدوهما لي عدو. ألا وإنها لم تهلك أمة قبلكم حتى
تتدين بأهوائها وتظاهر على نبوتها، وتقتل من قام بالقسط، ثم أخذ بيد علي بن أبي
طالب فرفعها ثم قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، ومن كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال
من والاه وعاد من عاداه. قالها ثلاثا. هذا آخر الخطبة (1).
(هامش)
(1) المناقب لابن المغازلي 16 / 18. (*)
ص 119
*(8)* رواية الحمويني

ورواه إبراهيم بن محمد بن حمويه بسنده عن مهاجر بن مسمار عن
عائشة بنت سعد عن سعد... كما تقدم سابقا (1).
*(9)* رواية ابن كثير

ورواه إسماعيل
بن عمر المعروف بابن كثير الدمشقي عن النسائي في سننه ثم قال: تفرد به النسائي من
هذا الوجه. قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح. وقال ابن ماجة... وكذلك
رواه عبد الرزاق عن معمر عن علي بن جدعان عن عدي عن البراء (2).
(هامش)
(1) فرائد السمطين 1 / 70. (2) تاريخ ابن كثير 5 / 209. (*)
ص 120
*(10)* رواية ولي الله الدهلوي

ورواه شاه ولي الله الدهلوي عن الحاكم النيسابوري
من طريق سليمان الأعمش عن حبيب عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم... (1). أقول: إلى
هنا ظهر: أولا: إن (المفعل) يأتي بمعنى (الفعيل). وثانيا: إن (المولى) يأتي بمعنى
(الولي). وثالثا: إن هذه الأحاديث - ولا سيما حديث سعد - تدل على الإمامة بوضوح،
لأن الإمام هو (ولي الأمر) و(المتصرف في الأمر) وهو المراد من (الولي) في هذه
الأحاديث قطعا، لأن النبي صلى الله عليه وآله سأل الأصحاب: من وليكم فقالوا:
الله ورسوله ، فلو كان المراد من (الولي) هو (المحب) لم يكن لحصر الولاية بالله
ورسوله معنى. ثم إنه صلى الله عليه وآله بعد أن أثبت هذه الولاية لله ورسوله وشهد
القوم بذلك قال من كان الله ورسوله وليه فإن هذا وليه أي: فمن كان الله ورسوله
المتصرف في أمره فإن عليا هو المتصرف في أمره.
7 - مجئ (المولى) بمعنى (السيد)

وقد
ثبت من كلمات جماعة من أعلام القوم ومشاهيرهم مجئ لفظة (المولى) بمعنى (السيد)،
وممن فسرها بهذا المعنى وأثبته:
(هامش)
(1) إزالة الخفا في سيرة الخلفاء 2 / 112. (*)
ص 121
أحمد بن الحسن الزاهد بتفسير قوله تعالى: *(حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا
وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق)*. والزمخشري بتفسير قوله تعالى: *(أنت
مولانا فانصرنا على القوم الكافرين)*(1). وابن الأثير حيث قال: وقد تكرر ذكر
المولى في الحديث، وهو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو: الرب والمالك والسيد... (2).
والنووي حيث أورد كلام ابن الأثير (3). وأحمد الكواشي والبيضاوي والنسفي بتفسير
الآية: *(أنت مولانا....)*. والطيبي حيث قال: قوله: من كنت مولاه. نه: المولى يقع
على جماعة كثيرة: المالك والسيد... (4). وابن كثير بتفسيره قوله تعالى: *(وإن
تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير)*(5). وجلال الدين السيوطي في
(النثير) و(تفسير الجلالين). وعلي بن سلطان القاري في (شرح المشكاة) (6). والفاضل
رشيد الدين خان الدهلوي تلميذ (الدهلوي) في (إيضاح لطافة المقال). أقول: وإذ ثبت أن
(المولى) يأتي بمعنى (السيد) فإن (السيد) بمعنى (الإمام)
(هامش)
(1) الكشاف 1 / 333. (2) النهاية: ولي. (3) تهذيب الأسماء واللغات 4 / 196. (4) شرح
المشكاة - مخطوط. (5) تفسير ابن كثير 2 / 309. (6) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 568.
(*)
ص 122
و (الرئيس) كما سيجئ فيما بعد إن شاء الله تعالى، وبذلك يتم الاستدلال بحديث الغدير
من هذا الوجه أيضا. ومن هنا قال الشريف المرتضى رحمه الله: وذكرت [يوما] بحضرة
الشيخ [أبي عبد الله دام عزه] ما ذكره أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي
رحمه الله في كتاب الانصاف حيث ذكر أن شيخا من المعتزلة أنكر أن تكون العرب تعرف
المولى سيدا وإماما. قال: فأنشدته قول الأخطل: فما وجدت فيها قريش لأمرها * أعف
وأوفى من أبيك وأمجدا وأورى بزنديه ولو كان غيره * غداة اختلاف الناس أكدى وأصلدا
فأصبحت مولاها من الناس كلهم * وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا قال أبو جعفر رحمه الله:
فأسكت الشيخ كأنما ألقم حجرا، وجعلت استحسن ذلك (1). فتلخص: أن كلا من هذه
المعاني التي اعترف بها الخصوم للفظة (المولى) يفيد الإمامة والرياسة، وهي معاني
متقاربة ومتلازمة، يفي أحدها بالغرض من الاستدلال بالحديث، فكيف بجميعها! فما
ذكرناه كاف لدفع شبهات المتعصبين وقمع خرافات الجاحدين، والحمد لله رب العالمين.
دعوى عدم مجئ (مفعل) بمعنى (أفعل)

قوله: بل قالوا: إن مفعلا لم يجئ بمعنى أفعل في
مادة من المواد فضلا عن هذه المادة بالخصوص .
(هامش)
(1) الفصول المختارة من العيون والمحاسن 1 / 4 - 5. (*)
ص 123
أقول: هذه دعوى كاذبة أخرى، فقد وقفت على نصوص كلمات أهل العربية الدالة على أن
(مفعلا) يجئ بمعنى (أفعل) حيث فسروا (المولى) بمعنى (الأولى) وبذلك ثبت مجئ (مفعل)
بمعنى (أفعل) في خصوص هذه المادة. وكم فرق بين هذا الكلام من (الدهلوي) وكلام
(الكابلي) في كتابه (الصواقع) الذي انتحله (الدهلوي). فقد قال الكابلي ما نصه:
وهو باطل لأن مولى لم يجئ بمعنى الأولى، ولم يصرح أحد من أهل العربية أن مفعلا جاء
بمعنى أفعل . فالكابلي لم يدع أن أهل العربية قد نصوا على أن مفعلا ما جاء بمعنى
أفعل في مادة مطلقا فكيف هذه المادة بالخصوص! وهذا مما يوضح أن ما نسبه (الدهلوي)
إلى أهل العربية ليس إلا كذبا مفترى. هذا، والجدير بالذكر أن الفخر الرازي قد سعى
سعيا حثيثا وبذل جهدا كثيرا في إنكار مجئ (المولى) بمعنى (الأولى)، وقد ذكر
(الدهلوي) خلاصة كلام الرازي مع إسقاط الموارد التي اعترف فيها الرازي بالحق
والحقيقة، مثل تفسير الزجاج والأخفش والرماني لفظ (المولى) ب (الأولى)، والاستشهاد
بشعر لبيد، وتصريحه بحكم ابن الأنباري بأن (المولى) هو (الأولى). لكنه - أي
(الدهلوي) - أضاف إلى كلام الرازي أكاذيب وافتراءات لم يتفوه بها الرازي.
فمن تلك الأكاذيب [1] قوله بأن أهل العربية قاطبة ينكرون
مجئ (المولى) بمعنى (الأولى). فإن هذا غير موجود في كلام الرازي، بل ظاهر كلامه
تكذيب هذه الدعوى، لأنه تارة ينقل تفسير (المولى) ب (الأولى) والاستشهاد بشعر لبيد
عن أبي عبيدة والأخفش والزجاج والرماني، وأخرى يصرح بحكم أبي عبيدة وابن الأنباري
بأن (المولى) هو (الأولى).
[2] قوله: ذكر أهل العربية أن مفعلا يجئ بمعنى الأفعل في مادة فضلا عن خصوص هذه
المادة. فإن هذه الدعوى غير مذكورة في كلام الرازي، نعم قال بأن أحدا من أئمة النحو
واللغة لم يذكر مجئ مفعل بمعنى أفعل. والفرق بين الكلامين واضح جدا، لأن الرازي
يدعي أن أحدا من علماء العربية لم يذكر هذا المعنى، بينما يدعي (الدهلوي) تصريحهم
بعدم مجئ ذلك. [3] (الدهلوي) حصر القول بمجئ (المولى) بمعنى (الأولى) في أبي زيد
اللغوي، بينما لم يذكر الرازي هذا الحصر الباطل، بل كلامه ظاهر في بطلانه، إذ ينقل
القول بذلك عن جماعة من أئمة اللغة. [4] إن جمهور أهل العربية يخطئون أبا زيد
تجويزه مجئ (المولى) بمعنى (الأولى). وهذا كذب واضح لم يجرأ عليه الرازي. [5] إن
أهل العربية يخطئون أبا زيد اعتماده على تفسير أبي عبيدة ل (مولاكم) في الآية
الكريمة ب (أولى). وهذا أيضا لم يتفوه به الرازي. [6] إن جمهور أهل العربية قالوا
بأنه لو صح هذا القول لزم جواز أن يقال (مولى منك) بدل (أولى منك). لكن هذه الشبهة
هي من الرازي نفسه، فإنه قد ذكرها ولم ينسبها إلى أحد من علماء أهل العربية فضلا عن
جمهورهم. [7] إن جمهور أهل العربية قالوا بأن (فلان مولى منك) باطل منكر بالاجماع.
وهذا الكلام يشتمل على كذبتين، أحدهما حكمهم ببطلان هذا الاستعمال. والثانية: دعوى
إجماعهم على ذلك، وذلك لأن أهل العربية لم ينصوا على بطلان هذا الاستعمال أبدا. [8]
إن جمهور أهل العربية قالوا بأن تفسير أبي عبيدة هو بيان حاصل المعنى. وهذه الشبهة
ذكرها الرازي نفسه ولم ينسبها إلى أحد أصلا، فكيف إلى جمهور أهل العربية! [9] إن
جمهور أهل العربية ذكروا حاصل معنى الآية - بصدد تخطئة تفسير أبي عبيدة - بأنه
يعني: النار مقركم ومصيركم والموضع اللائق بكم. ومن لاحظ
كلماتهم يعلم أنهم ذكروا هذا المعنى ضمن المعاني التي تحتملها الآية المذكورة، لا
بصدد تخطئة أبي عبيدة. [10] إن جمهور أهل العربية قالوا بأن تفسير أبي عبيدة ليس
كون لفظ (المولى) بمعنى (الأولى). فظهر أن (للدهلوي) في كلمته المختصرة هذه أكاذيب
عشرة لم يتفوه الرازي في تلفيقاته المطولة بواحدة منها. الأصل في هذه الدعوى هو
الرازي ثم إن الأصل في دعوى عدم مجئ (المولى) بمعنى (الأولى) وعدم مجئ (مفعل) بمعنى
(أفعل) هو الفخر الرازي فإنه قال: ثم إن سلمنا صحة أصل الحديث ومقدمته، فلا نسلم
دلالته على الإمامة، ولا نسلم أن لفظ المولى محتملة للأولى، والدليل عليه أمران:
أحدهما - إن (أفعل من) موضوع ليدل على معنى التفضيل، و(مفعل) موضوع ليدل على
الحدثان أو الزمان أو المكان، ولم يذكر أحد من أئمة النحو واللغة أن المفعل قد يكون
بمعنى أفعل التفضيل، وذلك يوجب امتناع إفادة المولى بمعنى الأولى (1).
لقد ذكر الرازي للمفعل ثلاثة معان (1) الحدثان (2) الزمان (3) المكان ولم
يذكر له معنى غيرها، والحال أن لفظ (المفعل) يأتي لإفادة معنى (الفاعل) و(المفعول)
و(الفعيل)، كما سيعلم ذلك من كلمات أئمة اللغة الذين عليهم مدار علم العربية، وإن
مجيئه بهذه المعاني بلغ من الشهرة والظهور إلى حد لم يتمكن أحد من المتعصبين
إنكاره، بل إن الرازي نفسه يعترف بمجيئه بمعنى (الفاعل) و(الفعيل). فقد قال في
(نهاية العقول): وأما قول الأخطل:
(هامش)
(1) نهاية العقول - مخطوط. (*)
ص 126
قد أصبحت مولاها من الناس بعده. وقوله: لم تأشروا فيه إذ كنتم مواليه. وقوله: موالي
حق يطلبون. فالمراد بها الأولياء. ومثله قوله عليه السلام: مزينة وجهينة وأسلم
وغفار موالي الله ورسوله. أي: أولياء الله ورسوله. وقوله عليه السلام: أيما امرأة
تزوجت بغير إذن مولاها. والرواية المشهورة مفسرة له. وقوله: *(ذلك بأن الله مولى
الذين آمنوا)* - أي: وليهم وناصرهم - وأن الكافرين لا مولى لهم - أي لا ناصر لهم
هكذا روى ابن عباس ومجاهد وعامة المفسرين . فإن كان مراد الرازي من قوله: مفعل
موضع ليدل على الحدثان أو الزمان أو المكان هو حصره في هذه المعاني، كان اللازم
بطلان مجيئه بمعنى الفاعل والفعيل والمفعول، وإن لم يكن مراده الحصر كان هذا الكلام
لغوا لا محصل له. وأما قوله: ولم يذكر أحد من أئمة النحو واللغة أن المفعل قد
يكون بمعنى أفعل التفصيل فيبطله تصريح كبار أئمة اللغة والتفسير بإفادة (المولى)
معنى (الأولى) بالخصوص. على أنه لا ملازمة عقلا ونقلا بين عدم مجئ (المفعل) بمعنى
(الأفعل) - في مادة لو ثبت - وبين عدم مجئ (المولى) بمعنى (الأولى). فقوله: وذلك
يوجب امتناع إفادة المولى لمعنى الأولى باطل جدا، وإلا لزم بطلان الاستعمالات
النادرة والألفاظ المستعملة في الكتاب والسنة وكلام العرب، والتي لا نظير لها في
العربية.
من الاستعمالات التي لا نظير له

في العربية ولا يخفى على من مارس ألفاظ
الكتاب والسنة، ووقف على كلمات علماء
ص 127
العربية، كثرة هذه الاستعمالات التي لا نظير لها، وشيوع استعمال الألفاظ النادرة،
ونحن نتعرض هنا لنماذج من تلك الاستعمالات: فمن ذلك عجاف وهو جمع أعجف قال
الله تعالى: *(وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف...)*(1). ولا
نظير لهذا اللفظ في العربية، قال السيوطي: وقال - أي ابن فارس - ليس في الكلام
أفعل مجموعا على فعال إلا أعجف وعجاف (2)، وقال الجوهري: العجف بالتحريك:
الهزال، والأعجف المهزول، وقد عجف، والأنثى عجفاء، والجمع عجاف على غير قياس، لأن
أفعل وفعلاء لا يجمع على فعال، ولكنهم بنوه على سمان، والعرب قد تبني الشيء على ضده
(3). وقال الفخر الرازي نفسه بتفسير الآية المباركة: المسألة الأولى: قال
الليث: العجف ذهاب السمن، والفعل عجف يعجف، والذكر أعجف، والأنثى عجفاء، والجمع
عجاف في الذكران والإناث. وليس في كلام العرب أفعل وفعلاء جمعا على فعال غير أعجف
وعجاف، وهي شاذة حملوها على لفظ سمان فقالوا: سمان وعجاف، لأنهما نقيضان. ومن دأبهم
حمل النظير على النظير والنقيض على النقيض (4). ومن ذلك هاؤم ، قال السيوطي:
قال ابن هشام في تذكرته: إعلم أن هاؤما وهاؤم نادر في العربية لا نظير له، ألا ترى
أن غيره من صه ومه لا يظهر فيه الضمير ألبتة، وهو مع ندوره غير شاذ في الاستعمال
ففي التنزيل: *(هاؤم اقرأوا كتابيه)*(5).
(هامش)
(1) سورة يوسف: 43. (2) المزهر في اللغة: 2 / 77. (3) الصحاح - العجف. (4) تفسير
الرازي 18 / 147. (5) الأشباه والنظائر 2 / 89. (*)
ص 128
ومن ذلك ميسره بضم السين - وهو قراءة عطاء - قال السيوطي: قال سيبويه: وليس
في الكلام مفعل. قال ابن خالويه في شرح الدريدية: وذكر الكسائي والمبرد مكرما
ومعونا ومالكا. فقال من يحج لسيبويه: إن هذه أسماء جموع، وإنما قال سيبويه لا يكون
اسم واحد على مفعل. قال ابن خالويه: وقد وجدت أنا في القرآن حرفا *(فنظرة إلى
مسيرة)* كذا قرأها عطاء (1). ومن ذلك جمالات ، قال السيوطي: ليس في كلامهم
جمع جمع ست مرات إلا الجمل، فإنهم جمعوا جملا أجملا ثم أجمالا ثم جاملا ثم جمالا ثم
جمالة ثم جمالات، قال تعالى: *(جمالات صفر)* فجمالات جمع جمع جمع جمع جمع الجمع
(2). ومن ذلك تفاوت فتح الواو وكسرها. قال السيوطي: ليس في كلامهم مصدر فاعل
إلا على التفاعل بضم العين، إلا على التفاعل بضم العين، إلا حرف واحد جاء مفتوحا
ومكسورا ومضموما: تفاوت الأمر تفاوتا وتفاوتا وتفاوتا، وهو غريب مليح. حكاه أبو زيد
(3). ومن ذلك تكاد مضارع كدت بضم الكاف قال السيوطي: قال ابن قتيبة: كل ما
كان على فعل فمستقبله بالضم، لم يأت غير ذلك إلا في حرف واحد من المعتل، روى سيبويه
أن بعض العرب قال: كدت تكاد (4). ومن ذلك سقط في أيديهم قال السيوطي: في
شرح المقامات للمطرزي قال الزجاجي: سقط في أيديهم نظم لم يسمع قبل القرآن، ولا
عرفته العرب، ولم يوجد ذلك في أشعارهم... (5).
(هامش)
(1) المزهر 2 / 33. (2) المصدر نفسه 2 / 58. (3) المصدر نفسه 2 / 61. (4) المزهر 2
/ 61. (5) المصدر نفسه 2 / 153. (*)
ص 129
ومن ذلك نشدتك بالله لما فعلت قال السيوطي: وقال الزمخشري: في الأحاجي: قولهم
نشدتك بالله لما فعلت. كلام محرف عن وجهه، معدول عن طريقه، مذهوب مذهب ما أغربوا به
على السامعين من أمثالهم ونوادر ألغازهم وأحاجيهم وملحهم وأعاجيب كلامهم... (1).
وإن هذه الألفاظ والاستعمالات التي ذكرناها هي من باب التمثيل، ومن شاء المزيد
فليراجع كتاب (المزهر) وكتاب (الأشباه والنظائر) للسيوطي وغيرهما من كتب هذا الشأن.
وقال السيوطي: قال ابن جني في الخصائص: المسموع الفرد هل يقبل ويحتج به؟ له أحوال
أحدها: أن يكون فردا، بمعنى أنه لا نظير له في الألفاظ المسموعة، مع إطباق العرب
على النطق به. فهذا يقبل ويحتج به ويقاس عليه إجماعا، كما قيس على قولهم في شنوة
شناءي، مع أنه لم يسمع غيره، لأنه لم يسمع ما يخالفه، وقد أطبقوا على النطق به...
(2). ومن طرائف الأمور ذكر الرازي موردا لا نظير له حيث قال في (نهاية العقول):
وأما بيت لبيد قال حكي عن الأصمعي فيه قولان أحدهما: إن المولى فيه اسم لموضع الولي
كما بينا، أي تحسب البقرة أن كلا من الجانبين موضع المخافة، وإنما جاء مفتوح العين
تغليبا لحكم اللام على الفاء، على أن الفتح في معتل الفاء قد جاء كثيرا، منه موهب،
موحد، وموضع، وموحل، والكسر في معتل اللام لم يسمع إلا في كلمة واحدة وهي مأوى...
(3).
جواب لطيف عن الدعوى

ومن الأجوبة عن دعوى عدم مجئ (المولى) بمعنى (الأفعل)،
وعدم
(هامش)
(1) الأشباه والنظائر 1 / 188. (2) المزهر 1 / 147. (3) بغية الوعاة 1 / 567. (*)
ص 130
ورود (مولى منك) في مكان (أولى منك) ما انقدح في ذهني ببركة أهل البيت عليهم السلام
وهو: إن عدم مجئ (المفعل) بمعنى (الأفعل) في المواد الأخرى، وعدم صحة استعمال (مولى
منك) بدل (أولى منك) يدل على أن في لفظة (المولى) شعاعا من نور لفظ الجلالة (الله)،
لأن الله تعالى قد أطلق هذا اللفظ على نفسه، وقرنه بلفظ الجلالة ونحوه من غير فصل،
في موارد من القرآن الكريم: ففي سورة البقرة: *(ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به
واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين)* وفي سورة آل
عمران: *(بل الله مولاكم وهو خير الناصرين)*. وفي سورة الأنعام: *(ثم ردوا إلى الله
مولاهم الحق)*. وفي سورة الأنفال: *(وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى
ونعم النصير)*. وفي سورة التوبة: *(قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا
وعلى الله فليتوكل المؤمنون)*. وفي سورة يونس: *(وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل
عنهم ما كانوا يفترون)*. وفي سورة الحج: *(فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا
بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير)*. وفي سورة محمد: *(ذلك بأن الله مولى
الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم)*. وفي سورة التحريم: *(قد فرض الله لكم تحلة
أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم)*. وأيضا في سورة التحريم: *(وإن تظاهرا
عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير)*. فالأولى
والأحق بإطلاق لفظ (المولى) عليه هو (الله) سبحانه ثم (النبي)
ص 131
صلى الله عليه وآله ثم سيدنا (أمير المؤمنين) عليه السلام، ومن هنا أطلق النبي صلى
الله عليه وآله ذلك على نفسه، واختار هذا اللفظ في مقام بيان إمامة علي عليه
السلام، فكما أن لله تعالى والنبي والإمام خصائص، فإن لهذا اللفظ أيضا من الخصائص
ما لا نصيب لغيره من الألفاظ منها. فيكون للفظ (المولى) خصائص كما للفظ (الله)
خصائص اختص بها: قال نجم الأئمة رضي الدين محمد بن الحسن الاسترابادي * ترجم له
السيوطي بقوله: الرضي الإمام المشهور، صاحب شرح الكافية لابن الحاجب، الذي لم
يؤلف عليها بل ولا في غالب كتب النحو مثله، جمعا وتحقيقا وحسن تعليل. وقد أكب الناس
عليه وتداولوه، واعتمده شيوخ هذا العصر فمن قبلهم في مصنفاتهم ودروسهم، وله فيه
أبحاث كثيرة مع النحاة واختيارات جمة ومذاهب تفرد بها. ولقبه نجم الأئمة. ولم أقف
على اسمه ولا شيء من ترجمته، إلا أنه فرغ من تأليف هذا الشرح سنة 683. وأخبرني
صاحبنا شمس الدين ابن عرم بمكة أن وفاته سنة أربع وثمانين أو ست. الشك مني، وله شرح
على الشافية (1) * والأكثر في (يا الله) قطع الهمزة، وذلك للايذان من أول الأمر
على أن الألف واللام خرجا عما كانا عليه في الأصل، وصارا كجزء الكلمة، حتى لا
يستكره اجتماع يا واللام، فلو كان بقيا على أصلهما لسقط الهمزة في الدرج، إذ همزة
اللام المعرفة همزة وصل. وحكى أبو علي: يا الله بالوصل على الأصل، وجوز سيبويه أن
يكون (الله) من لا يليه ليها، أي استتر، فيقال في قطع همزته واجتماع اللام ويا: إن
هذا اللفظ اختص بأشياء لا تجوز في غيره، كاختصاص مسماه تعالى. وخواصه ما في اللهم
وتا لله وا آلله وها الله وذا الله مجرورا بحرف مقدر في السعة، وأفالله بقطع الهمزة
كما يجئ في باب القسم، وقوله: من أجلك يا التي تيمت قلبي * وأنت بخيلة بالوصل عني
(هامش)
(1) بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة 1 / 567. (*)
ص 132
شاذ، ووجه جوازه مع الشذوذ لزوم اللام. وقوله: فيا الغلامان اللذان فرا * إياكما أن
تبغيا لي شرا أشد. وبعض الكوفيين يجوز دخول يا علي ذي اللام مطلقا في السعة.
والميمان في اللهم عوض من يا أخرتا تبركا باسمه تعالى... (1). قوله: إلا أبا
زيد اللغوي فإنه جوز ذلك . أقول:
1 - هذه الدعوى كاذبة

إن القول بأن مجوز مجئ
(المولى) بمعنى (الأولى) ليس إلا أبو زيد اللغوي كذب صريح، وافتراء محض، فقد علمت
فيما تقدم أن القائلين بإفادة (المولى) لمعنى (الأولى) هم جمع كثير، وجم غفير من
أساطين أئمة اللغة، ومشاهير علوم العربية ورجال الأدب.
2 - فيها رد على الكابلي

إلا
أن إقرار (الدهلوي) بتجويز أبي زيد اللغوي ذلك، فيه الرد على دعوى شيخه الكابلي عدم
صحة ثبوت قول أبي زيد ذلك، حيث قال في جواب حديث الغدير من (الصواقع): وهو باطل،
لأن مولى لم يجئ بمعنى الأولى ولم يصرح أحد من أهل العربية أن مفعلا جاء بمعنى
أفعل، وما روي عن أبي زيد ثبوته لم يصح .
(هامش)
(1) شرح الكافية لنجم الأئمة الاسترابادي 1 / 73 ط قديم. (*)
ص 133
3 - كلام الرازي يكذب هذه الدعوى

ويتضح بطلان نسبة القول بجواز ذلك إلى أبي زيد
فحسب من كلام الفخر الرازي - الذي هو الأصل في هذه الشبهات -، إذ تقدم في البحوث
السابقة نقله تفسير (المولى) ب (الأولى) عن جماعة من أئمة اللغة والأدب، كأبي
عبيدة والأخفش والزجاج والرماني وابن الأنباري.
4 - لو لم يكن غير أبي زيد لكفى
لوجوه

هذا كله... مع أنه لو فرض أن أحدا من أئمة اللغة لم يجوز ذلك، إلا أبا زيد
اللغوي، فإن قول أبي زيد وحده يكفينا في الاستدلال، وبه يتم مرام أهل الحق لوجوه
عديدة نذكرها باختصار:
الوجه الأول

قال السيوطي: النوع الخامس: معرفة الأفراد،
وهو: ما انفرد بروايته واحد من أهل اللغة، ولم ينقله أحد غيره، وحكمه القبول إن كان
المتفرد به من أهل الضبط والاتقان، كأبي زيد، والخليل، والأصمعي، وأبي حاتم، وأبي
عبيدة وأضرابهم وشرطه أن لا يخالفه فيه من هو أكثر عددا منه، وهذه نبذة من أمثلته:
فمن أفراد أبي زيد الأوسي الأنصاري قال في الجمهرة: المنشبة: المال. هكذا قال أبو
زيد ولم يقله غيره. وفيها: رجل ثط. ولا يقال أثط. قال أبو حاتم قال أبو زيد مرة:
أثط. فقلت له: أتقول أثط؟ فقال: سمعتها. والثطط خفة اللحية في العارضين... (1).
فلو سلمنا انفراد أبي زيد برواية مجئ (المولى) بمعنى (الأولى)، فإن حكمه
(هامش)
(1) المزهر في اللغة 1 / 77. (*)
ص 134
القبول، لأنه من أهل الضبط والاتقان كما نص عليه السيوطي، ولم يخالفه واحد من
الأئمة فضلا عن العدد الكثير.
الوجه الثاني

قال السيوطي: قال ابن الأنباري: نقل
أهل الأهواء مقبول في اللغة وغيرها، إلا أن يكونوا ممن يتدينون بالكذب، كالخطابية
من الرافضة، وذلك لأن المبتدع إذا لم تكن بدعته حاملة له على الكذب فالظاهر صدقه
(1). فإذا كان نقل أهل الأهواء مقبولا، فنقل أبي زيد يكون مقبولا بالأولوية.
الوجه الثالث

قال السيوطي: قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في فتاواه: أعتمد في
العربية على أشعار العرب وهم كفار، لبعد التدليس فيها، كما أعتمد في الطب وهو في
الأصل مأخوذ عن قوم كفار كذلك. إنتهى. ويؤخذ من هذا أن العربي الذي يحتج بقوله لا
يشترط فيه العدالة، بخلاف راوي الأشعار واللغات، وكذلك لم يشترطوا في العربي الذي
يحتج بقوله البلوغ، فأخذوا عن الصبيان (2). إذن، يقبل قول أبي زيد اللغوي
بالأولوية القطعية من جهات.
الوجه الرابع

قال السيوطي: إذا سئل العربي أو الشيخ
عن معنى لفظ فأجاب بالفعل لا بالقول يكفي، قال في الجمهرة: ذكر الأصمعي عن عيسى بن
عمر قال:
(هامش)
(1) المصدر نفسه 1 / 84. (2) المصدر نفسه وذكره في (تدريب الراوي) أيضا 1 / 152.
(*)
ص 135
سألت ذا الرمة عن النضناض. فلم يزدني على أن حرك لسانه في فيه. إنتهى. قال ابن دريد
يقال: نضنض الحية لسانه في فيه إذا حركته وبه سمي الحية نضناضا (1). ومن المعلوم
أن أبا زيد عربي وشيخ فلا وجه لرد قوله.
الوجه الخامس

قال السيوطي: وقال ابن جني
في الخصائص: من قال إن اللغة لا تعرف إلا نقلا فقد أخطأ، فإنها قد تعلم بالقرائن
أيضا، فإن الرجل إذا سمع قول الشاعر: قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم * طاروا إليه
زرافات ووحدانا يعلم أن الزرافات بمعنى الجماعات (2). فإذا كانت اللغة تعلم
بالقرائن أيضا، فإن النقل الصريح يفيد العلم بها بالأولوية القطعية.
الوجه السادس

تجويز ابن هشام الاحتجاج بالشواهد التي لم يعرف قائلوها، فإنه قال في جواب من
استشكل ذلك: ولو صح ما قاله لسقط الاحتجاج بخمسين بيتا من كتاب سيبويه، فإن فيه
ألف بيت قد عرف قائلوها وخمسين مجهولة القائل (3). وعليه فالاحتجاج بقول أبي زيد
اللغوي الإمام المشهور جائز بالأولوية القطعية.
(هامش)
(1) المزهر 1 / 86. (2) المصدر نفسه 1 / 37. (3) المصدر نفسه 1 / 85. (*)
ص 136
ترجمة أبي زيد اللغوي

ثم إن كلمات كبار علماء أهل السنة ومشاهير أئمتهم في ترجمة
أبي زيد والثناء عليه، لخير شاهد ودليل على عظمة الرجل وجلالته، وأنه من أئمة اللغة
والأدب، المعتمد عليهم في معرفة اللغات، وممن إليه الرجوع في علوم العربية، وإليك
بعض كلماتهم في حقه: 1 - النووي: أبو زيد الأنصاري النحوي اللغوي، صاحب الشافعي،
وشيخ أبي عبيد القاسم بن سلام، هو: أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت، أبو زيد الأنصاري،
الإمام في النحو واللغة... قال الخطيب: وكان ثقة ثبتا من أهل البصرة، وقدم بغداد.
ثم ذكر الخطيب بإسناده عن أبي عثمان المازني قال: كنا عند أبي زيد فجاء الأصمعي
فأكب على رأسه وجلس وقال: هذا عالمنا ومعلمنا منذ ثلاثين سنة، فبينا نحن كذلك إذ
جاء خلف الأحمر فأكب على رأسه وجلس فقال: هذا عالمنا ومعلمنا منذ عشر سنين. وسئل
الأصمعي وأبو عبيدة عنه فقالا: ما شئت من عفاف وتقوى وإسلام. وقال صالح بن محمد
الحافظ: أبو زيد ثقة. توفي سنة 215. وقيل سنة 514. قال المبرد حدثنا الرياشي وأبو
حاتم: إنه توفي سنة 215، وله ثلاث وتسعون سنة، توفي بالبصرة رحمه الله (1). 2 -
الذهبي: العلامة أبو زيد الأنصاري... قال بعض العلماء: كان الأصمعي يحفظ ثلث
اللغة، وكان أبو زيد يحفظ ثلثي اللغة. وكان صدوقا صالحا (2). 3 - اليافعي: ...
قال أصحاب التاريخ: كان من أئمة الأدب، وغلبت
(هامش)
(1) تهذيب الأسماء واللغات 1 / 235. (2) العبر - حوادث 215. (*)
ص 137
عليه اللغات والنوادر والغريب، وكان ثقة في روايته، وقال أبو عثمان المازني: رأيت
الأصمعي وقد جاء إلى حلقة أبي زيد المذكور، فقبل رأسه وجلس بين يديه وقال: أنت
رئيسنا وسيدنا منذ خمسين سنة. وكان الإمام أبو سفيان الثوري يقول: أما الأصمعي
فأحفظ الناس، وأما أبو عبيدة فأجمعهم، وأما أبو زيد الأنصاري فأوثقهم... وكان صدوق
صالحا (1). 4 - الجزري: ... قال الحافظ أبو العلاء: كان أبو زيد الأنصاري من
أجلة أصحاب أبي عمرو وكبرائهم، ومن خيار أهل النحو واللغة والشعر ونبلائهم، مات سنة
215 بالبصرة عن أربع أو خمس وتسعين سنة (2). 5 - السيوطي: ... أبو زيد الأنصاري
الإمام المشهور. كان إماما نحويا، صاحب تصانيف أدبية ولغوية. غلبت عليه اللغة
والنوادر والغريب... وروى له أبو داود والترمذي... قال السيرافي: كان أبو زيد يقول:
كلما قال سيبويه أخبرني الثقة فأنا أخبرته به. وقيل: كان الأصمعي يحفظ ثلث اللغة،
وأبو زيد ثلثي اللغة، والخليل بن أحمد نصف اللغة... (3). 6 - وقد تقدم بترجمة أبي
عبيدة طريف من مناقب أبي زيد اللغوي عن كتاب (المزهر في اللغة) عن أبي الطيب
اللغوي، وفيه من ذلك ما لم ننقله سابقا فليراجع.
دعوى (الدهلوي) أن مستمسك أبي زيد
قول أبي عبيدة

قوله: ومستمسكه قول أبي عبيدة في تفسير *(هي مولاكم)* أي: أولى بكم
.
(هامش)
(1) مرآة الجنان - حوادث 215. (2) طبقات الحفاظ 1 / 305. (3) بغية الوعاة 1 / 582.
(*)
ص 138
أقول:
لا دليل على هذه الدعوى

هذه الدعوى لا دليل عليها، وأبو زيد كان معاصرا لأبي
عبيدة، وكان يقاربه في السن أيضا، فأبو زيد ولادته سنة 120 كما في (طبقات
القراء) لابن الجزري وتوفي كما ذكر النووي سنة 215 وله من العمر 93 وكذا
ذكر الذهبي في (العبر) واليافعي في (مرآة الجنان). وأبو عبيدة ولد سنة 112 ومات
سنة سبع، وقيل عشر، وقيل إحدى عشرة ومائتين كما في (بغية الوعاة). ثم إن أبا زيد
كان أعلم وأفضل من أبي عبيدة، كما تفيد عبارات المبرد وغيره. على أن كلام (الدهلوي)
هذا يشتمل على تكذيب الكابلي، فإن الكابلي نفى صحة ثبوت مجئ (المولى) بمعنى
(الأولى) عن أبي زيد، لكن (الدهلوي) يصرح بتجويز أبي زيد ذلك، ويدعي أنه قد اعتمد
في هذا القول على قول أبي عبيدة، وهذا كله رد على الكابلي وتكذيب لإنكاره ثبوت قول
أبي زيد بهذا المعنى، ولله الحمد على ذلك. كما أن ظاهر كلام (الدهلوي) هو الاعتراف
بتفسير أبي عبيدة *(هي مولاكم)* بقوله: أي أولى بكم فأبو عبيدة أيضا ممن يقول
بمجئ (المولى) بمعنى (الأولى)، وبه فسر هذا اللفظ في الكلام الإلهي، فاستنكار
(الدهلوي) أخذ (المولى) بمعنى (الأولى) في حديث الغدير في غاية البطلان. وأما حمله
تفسير أبي عبيدة على أنه بيان لحاصل معنى الآية فيأتي جوابه عن قريب، وخلاصته: أن
هذا الحمل دعوى لا دليل عليها، على أنه - لو سلم - لا ينافي استفادة معنى (الأولى)
من تلك اللفظة بوجه من الوجوه.
ص 139
هذا، مضافا إلى أن اعتراف (الدهلوي) بتفسير أبي عبيدة يدل على شدة تعصب الكابلي
الذي لم يتطرق إلى هذا الموضوع، وكأنه يحاول إسدال الستار على هذه الحقيقة الراهنة.
دعوى (الدهلوي) إنكار جمهور اللغويين

قوله: لكن جمهور أهل العربية يخطئون هذا
القول وهذا التمسك . أقول: هذه الدعوى كاذبة كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون
إلا كذبا، سبحان الله!! ما هذه الكذبات المتكررة، والافتراءات المتوالية؟! نعم، إنه
يريد إثبات أن الولد على سر أبيه ، فقد أنكر أبوه من قبل مجئ (المولى) بمعنى
(ولي الأمر)، بالرغم من أن الفجر الرازي وأتباعه لم يناقشوا في هذا المعنى قط، أما
ولده (الدهلوي) فإنه - وإن لم ينكر مجيئه بهذا المعنى لكنه - نفى مجيئه بمعنى
(الأولى)، وزعم أن ذلك مذهب جمهور أهل العربية، مع أن جمهورهم لم يخطئوا هذا القول
أبدا، والمدعي مطالب بالدليل. بل إن كثيرا من أساطينهم كالفراء، وأبي عبيدة،
والأخفش، وأبي العباس ثعلب، والمبرد، والزجاج، وابن الأنباري، والسجستاني،
والرماني، والجوهري والثعلبي، والواحدي، والأعلم الشنتمري، والزوزني، والبغوي،
والزمخشري... وغيرهم، ممن سمعت أسمائهم يوافقون أبا زيد في إثبات مجئ (المولى)
بمعنى (الأولى)، ويقولون بقوله... فإن كانت هذه الموافقة تخطئة فلا مشاحة
ص 140
في الاصطلاح. ومما يوضح شناعة هذه الأكذوبة أن الرازي - مع أنه رئيس المنكرين
ومقتدى الجاحدين - لم يجترئ عليها، وإن أتباعه كالأصفهاني، والإيجي، والجرجاني،
والبرزنجي، وابن حجر، والكابلي، لم يتفوهوا بها، مع كونهم في مقام الرد على حديث
الغدير، وإبطال الاستدلال به. كما أن هذه الدعوى تثبت كذب الكابلي في نفي صحة نسبة
هذا القول إلى أبي زيد، فإن صريح كلام (الدهلوي) هو دعوى إنكار جمهور أهل العربية
على أبي زيد هذا القول، فيكون قول أبي زيد بذلك ثابتا لدى الجمهور. ومن الغريب أن
(الدهلوي) يحتج بقول أبي زيد اللغوي في باب المكائد من كتابه (التحفة)، لكنه هنا
حيث يرى موافقة قول أبي زيد لمذهب أهل الحق يحاول إيطال هذا القول، ولو بالأكاذيب
والافتراءات المتوالية المتكررة. هذا، ولو فرضنا أن أحدا من اللغويين قد أنكر
بصراحة على أبي زيد قوله، لم يكن في إنكاره حجة، لأن المثبت مقدم على النافي، ولأن
إثبات المثبتين كاف لصحة استدلال أهل الحق الميامين. على أنه قد علم مما تقدم أن
أبا زيد أعلم وأفضل من أبي عبيدة، والأصمعي، بل الخليل، وعلم أيضا إنتهاء علم
العربية إلى هؤلاء الثلاثة، فيكون مجئ (المولى) بمعنى (الأولى) ثابتا بقول أفضل
الثلاثة، الذين انتهى إليهم علم العربية، وبقول واحد آخر منهم وهو أبو عبيدة، إذ
فسر (المولى) في الآية الكريمة ب (الأولى).
ص 141
وجوه إبطال النقض بلزوم استعمال (مولى منك) في موضع (أولى منك)

ص 143
قوله: قائلين بأنه لو صح هذا القول لزم جواز أن يقال: مولى منك في موضع
أولى منك ، وهو باطل منكر بالاجماع . أقول: هذا الكلام باطل من وجوه:
1 - نسبته
إلى الجمهور كذب

فأول ما فيه: إن نسبة هذا النقض إلى جمهور أهل العربية كاذبة،
فالله حسيب (الدهلوي) على هذه الأكاذيب الفاضحة والدعاوي الباطلة.
2 - الأصل فيه هو
الرازي

بل الأصل في هذا الكلام الباطل هو الرازي وأتباعه، الذين لا يد لهم في علم
العربية ولا نصيب، ولو كان لهم أدنى مناسبة بذلك لما تفوهوا به، ولذا أعرض عنه
الكابلي، فلم يذكره ولم يورط نفسه.
ص 144
ثم إن هذه الشبهة مذكورة مع جوابها في أوائل الكتب التي يدرسها المبتدئون مثل (سلم
الثبوت) و(شروحه)، ولكن (الدهلوي) قد غفل عن ذلك لشدة انهماكه في الخرافات، وسعيه
وراء إنكار الحقائق بالشبهات.
3 - نص كلام الرازي

ولما كان كلام (الدهلوي) هذا
ملخصا لكلام الفخر الرازي فإنا نورد نص عبارة الرازي في (نهاية العقول) في هذا
المقام، ثم نشرع في استيصال شبهاته بالتفصيل، فيكون كلام (الدهلوي) هباء منثورا،
وهذه عبارة الرازي بعينها: ثانيهما: إن (المولى) لو كان يجئ بمعنى (الأولى) لصح
أن يقرن بأحدهما كل ما يصح قرنه بالآخر، لكنه ليس كذلك، فامتنع كون المولى بمعنى
الأولى. بيان الشرطية: إن تصرف الواضع ليس إلا في وضع الألفاظ المفردة للمعاني
المفردة، فأما ضم بعض تلك الألفاظ إلى البعض - بعد صيرورة كل واحد منها موضوعا
لمعناه المفرد - فذلك عقلي. مثلا إذا قلنا الانسان حيوان فإفادة لفظة الانسان
للحقيقة المخصوصة بالوضع، وإفادة لفظ الحيوان للحقيقة المخصوصة أيضا بالوضع.
فأما نسبة الحيوان إلى الانسان بعد المساعدة على كون كل واحد من هاتين اللفظتين
موضوعة للمعنى المخصوص، فذلك بالعقل لا بالوضع. وإذا ثبت ذلك فلفظة الأولى إذا
كانت موضوعة لمعنى، ولفظة من موضوعة لمعنى آخر، فصحة دخول أحدهما على الآخر لا
يكون بالوضع بل بالعقل. وإذا ثبت ذلك فلو كان المفهوم من لفظة الأولى بتمامه من
غير زيادة ولا نقصان هو المفهوم من لفظة المولى ، والعقل حكم بصحة اقتران
المفهوم من لفظة من بالمفهوم من لفظة الأولى ، وجب صحة اقترانه أيضا
بالمفهوم من لفظة المولى ، لأن صحة ذلك الاقتران ليست بين اللفظتين بل بين
مفهوميهما.
ص 145
بيان أنه ليس كلما يصح دخوله على أحدهما صح دخوله على الآخر أنه لا يقال: هو مولى
من فلان كما يقال: هو أولى من فلان ، ويصح أن يقال: هو مولى و هما موليان
ولا يصح أن يقال: هو أولى بدون من و هما أوليان . وتقول: هو مولى
الرجل و مولى زيد ولا تقول: هو أولى الرجل ولا أولى زيد ، ولا تقول:
هما أولى رجلين و هم أولى رجال ، ولا تقول: هما مولى رجلين ولا هم مولى
رجال ، ويقال: هو مولاه ومولاك ولا يقال: هو أولاه وأولاك. لا يقال: أليس
يقال ما أولاه ؟ لأنا نقول: ذاك أفعل التعجب، لا أفعل التفضيل. على أن ذاك فعل
وهذا اسم، الضمير هناك منصوب وهنا مجرور. فثبت بهذين الوجهين أنه لا يجوز حمل
المولى على (الأولى). وهذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول .
4 - الرد على كلام
الرازي بالتفصيل

وكلام الرازي هذا يشتمل على مكابرات وأباطيل كثيرة، نوضحها فيما
يلي بالتفصيل: (1) قوله: إن تصرف الواضع ليس إلا في وضع الألفاظ المفردة للمعاني
المفردة، فأما ضم بعض تلك الألفاظ إلى البعض - بعد صيرورة كل واحد منهما موضوعا
لمعناه المفرد - فذلك أمر عقلي إدعاء محض ولم يذكر له دليلا. (2) قوله: مثلا -
إذا قلنا الانسان حيوان... فرار من ذكر الدليل على الدعوى، ومن الواضح أن ذكر
المثال يكون بعد الدليل، ولا يغني التمثيل عن الدليل بحال من الأحوال. (3) قوله:
فأما نسبة الحيوان إلى الانسان بعد المساعدة على كون كل واحد من هاتين اللفظتين
موضوعة للمعنى المخصوص فذلك بالعقل لا بالوضع خبط وذهول، إذ الكلام في ضم بعض
الألفاظ والمفردة إلى البعض الآخر، كما هو
ص 146
صريح كلامه سابقا حيث قال: فأما ضم بعض تلك الألفاظ إلى البعض بعد صيرورة كل واحد
منهما موضوعا لمعناه المفرد فذلك أمر عقلي . ومن المعلوم أن ضم بعض الألفاظ إلى
البعض عبارة عن التركيب بين الألفاظ بحسب القواعد في ذلك اللسان، كضم الفعل إلى
الفاعل، والمضاف إلى المضاف إليه، والمبتدأ إلى الخبر... وهكذا... وضم بعض الألفاظ
إلى البعض هو بحسب الاستعمال والنطق، وأنا نسبة الحيوان إلى الانسان فهو بحسب
التصور والتعقل، فالتمثيل بهذا المثال لذاك المعنى تهافت وذهول، لأن كلامنا في صحة
اقتران لفظ بلفظ في الاستعمال، وليس الكلام في نسبة المفاهيم والمصاديق، وكون الأول
من الأمور المنقولة والثاني من الأمور المعقولة غير مخفي على أحد، كما لا يخفى
بطلان قياس أحدهما على الآخر. (4) قوله: وإذا ثبت ذلك فلفظة... . ما الذي ثبت؟!
الذي ذكره أمران، أحدهما ادعاء، والآخر تمثيل، فأما الدعوى المحضة فلا تثبت أمرا،
وأما التمثيل فكذلك إن كان مطابقا للممثل له، فكيف بهذا المثال الذي ذكره، البعيد
عن الممثل له غاية البعد؟! (5) إن قياس معنى من على معنى الانسان و
الحيوان من البطلان بمكان، لأن كلا من اللفظتين مستقلة بالمفهومية، بخلاف من
فإن معناها غير مستقل، ولا مناسبة بين المستقل وغير المستقل. (6) فصحة دخول
أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل من غرائب المجازفات وعجائب التقولات،
لا تجده في أبسط كتاب من كتب النحو، ولا يتفوه به أحد من أصاغر الطلبة، ولو صح ما
ذكره لبطل الكثير من القواعد النحوية، ووقع الاختلال العظيم في المحاورات
العرفية.... إنه يجب حذف الخبر في مواضع ذكرها النحويون... قال الشيخ ابن الحاجب في
(الكافية): وقد يحذف المبتدأ لقيام قرينة جوازا كقول المستهل:
ص 147
الهلال والله. والخبر جوازا مثل: خرجت فإذا السبع. ووجوبا فيما التزم في موضعه غيره
مثل: لولا زيد لهلك عمر، ومثل: ضربي زيدا قائما، ومثل: كل رجل وضيعته، ومثل: لعمرك
لأفعلن كذا . ولو كان ضم بعض الألفاظ إلى بعض بالعقل لا بالوضع، لم يكن وجه لوجوب
حذف الخبر في هذه المواضع الأربعة، لعدم لزوم أي استحالة عقلية من ذكره فيها. ويجب
حذف فعل المفعول المطلق سماعا وقياسا، قال ابن الحاجب: وقد يحذف الفعل لقيام
قرينة جوازا، كقولك لمن قدم: خير مقدم. ووجوبا سماعا نحو: سقيا ورعيا، وخيبة وجدعا،
وحمدا وشكرا، وعجبا. وقياسا في مواضع، منها: ما وقع مثبتا بعد نفي أو معنى نفي داخل
على اسم لا يكون خبرا عنه، أو وقع مكررا نحو: ما أنت إلا سيرا، وما أنت إلا سير
البريد، وإنما أنت سيرا، وزيد سيرا سيرا. ومنها: ما وقع تفصيلا لأثر مضمون جملة
متقدمة مثل *(فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء)* ومنها: ما وقع للتشبيه علاجا
بعد جملة مشتملة على اسم بمعناه وصاحبه مثل: مررت به فإذا له صوت صوت حمار وصراخ
صراخ الثكلى. ومنها: ما وقع مضمون جملة لا محتمل لها غيره نحو: له علي ألف درهم
اعترافا، ويسمى تأكيدا لنفسه. ومنها: ما وقع مضمون جملة لها محتمل غيره مثل: زيد
قائم حقا ويسمى تأكيدا لغيره. ومنها: ما وقع مثل لبيك وسعديك . ولو كان ضم بعض
الألفاظ إلى بعض والتركيب بينها بالعقل لا بالوضع، لم يمتنع ذكر الفعل في هذه
المواضع، لعدم لزوم أي استحالة عقلية من ذلك. وقد يجب حذف الفعل العامل في المفعول
به، قال ابن الحاجب: وقد يحذف الفعل لقيام قرينة جوازا نحو: زيدا لمن قال: من
أضرب؟ ووجوبا في أربعة مواضع: الأول سماعي نحو: أمرا ونفسه. و*(انتهوا خيرا لكم)*
وأهلا وسهلا... . ولو كان التركيب بين الألفاظ دائرا مدار حكم العقل لجاز ذكر
الفعل في هذه المواضع.
ص 148
وقال السيوطي: الأصول المرفوضة، منها: جملة الاستقرار الذي يتعلق به الظرف الواقع
خبرا. قال ابن يعيش: حذف الخبر الذي هو استقر ومستقر، وأقيم الظرف مقامه وصار الظرف
هو الخبر، والمعاملة معه، ونقل الضمير الذي كان في الاستقرار إلى الظرف، وصار
مرتفعا بالظرف، كما كان مرتفعا بالاستقرار، ثم حذف الاستقرار وصار أصلا مرفوضا، لا
يجوز إظهاره للاستغناء عنه بالظرف. ومنها: خبر المبتدأ الواقع بعد لولا، نحو: لو لا
زيد لخرج عمر، وتقديره لولا زيد حاضرا. قال ابن يعيش: ارتبطت الجملتان، وصارتا
كالجملة الواحدة، وحذف خبر المبتدأ من الجملة الأولى، لكثرة الاستعمال، حتى رفض
ظهوره ولم يجز استعماله. ومنها: قولهم إفعل هذا أما لا. قال ابن يعيش: ومعناه: إن
رجلا أمر بأشياء يفعلها فتوقف في فعلها فقيل له: إفعل هذا إن كنت لا تفعل الجميع،
وزادوا على إن ما وحذف الفعل وما يتصل به، وكثر حتى صار الأصل مهجورا. ومنها: قال
ابن يعيش: بنو تميم لا يجيزون ظهور خبر لا المثبتة ويقولون هو من الأصول المرفوضة.
وقال الأستاذ أبو الحسن بن أبي الربيع في شرح الإيضاح: الإخبار عن سبحان الله يصح
كما يصح الإخبار عن البراءة من السوء، لكن العرب رفضت ذلك، كما أن مذاكير جمع
لمفرد لم ينطق به، وكذلك لييلية تصغير لشيء لم ينطق به، و أصيلان تصغير لشيء
لم ينطق به، وإن كان أصله أن ينطق به، وكذلك سبحان إذا نظرت إلى معناه وجدت
الإخبار عنه صحيحا، لكن العرب رفضت ذلك، وكذلك لكاع ولكع وجميع الأسماء التي لا
تستعمل إلا في النداء، إذا رجعت إلى معانيها وجدت الإخبار ممكنا فيها، بدليل
الإخبار عما هي في معناه، لكن العرب رفضت ذلك. وقال أيضا في قولك زيدا أضربه: ضعف
فيه الرفع على الابتداء، والمختار النصب، وفيه إشكال من جهة الاسناد، لأن حقيقة
المسند والمسند إليه ما لا يستقل الكلام بأحدهما دون صاحبه، واضرب ونحوه يستقل به
الكلام وحده،
ص 149
ولا تقدر هنا أن تقدر مفردا تكون هذه الجملة في موضعه، كما قدرت في زيد ضربته. فإن
قلت: فكيف جاء هذا مرفوعا وأنت لا تقدر على مفرد يعطي هذا المعنى؟ قلت: جاء على
تقدير شيء رفض ولم ينطق به، واستغنى عنه بهذا الذي وضع مكانه، وهذا وإن كان الأصل
فيه بعد إذا أنت تدبرته وجدت له نظائر، ألا ترى أن قام أجمع النحويون على أن
أصله قوم، وهذا ما سمع قط فيه ولا في نظيره فكذلك زيد أضربه كأن أضربه وضع موضع
مفرد مسند إلى زيد على معنى الأمر، ولم ينطق قط به ويكون كقام. وقال أيضا: مصدر عسى
لا يستعمل وإن كان الأصل لأنه أصل مفروض (1). أقول: وهذا القدر كاف للرد على ما
ادعاه الرازي وارتضاه أتباعه. (7) قوله: وإذا ثبت فلفظة الأولى إذا كانت
موضوعة لمعنى ولفظة من موضوعة لمعنى آخر، فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون
بالوضع بل بالعقل . واضح البطلان، لأن اقتران من ب الأولى مأخوذ من النقل
والسماع، وإلا لجاز اقتران غيره من الحروف مثل عن و على و إلى و في .
فأي مانع عقلا من أن يقال: زيد أولى من عمرو أو يقال: زيد أولى على عمرو ؟
ومما يؤيد ما ذكرنا من كون اقتران من ب أولى مأخوذا من الاستعمال والوضع
كلام الشيخ خالد الأزهري في أحكام أفعل التفضيل وهذا نصه: والحكم الثاني فيما بعد
أفعل: أن تؤتي من الجارة للمفضول كما تقدم من الأمثلة، وهي عند المبرد وسيبويه
لابتداء الارتفاع في نحو أفضل منه وابتداء الانحطاط في نحو شر منه. واعترضه ابن
مالك بأنها لا تقع بعدها إلى واختار أنها للمجاوزة، فإن معنى زيد أفضل من عمرو:
جاوز زيد عمرا في الفضل. واعترضه في المغني: بأنها لو كانت للمجاوزة لصح في موضعها
عن . ودفع بأن
(هامش)
(1) الأشباه والنظائر 1 / 70 - 71. (*)
ص 150
صحة وقوع المرادف موقع مرادفه إنما يكون إذا لم يمنع من ذلك مانع، وههنا منع مانع
وهو الاستعمال، فإن اسم التفضيل لا يصاحب من حروف الجر إلا من خاصة (1). (8)
لقد نص المحققون من أهل اللغة والنحو على عدم جواز تركيب ما في لغة، من غير أن يسمع
لذلك التركيب نظائر، قال السيوطي: قال أبو حيان في شرح التسهيل: العجب ممن يجيز
تركيبا ما في لغة من اللغات من غير أن يسمع من ذلك التركيب نظائر. وهل التراكيب
العربية إلا كالمفردات العربية؟ فكما لا يجوز إحداث لفظ مفرد كذلك لا يجوز في
التراكيب، لأن جميع ذلك أمور وضعية، والأمور الوضعية تحتاج إلى سماع من أهل ذلك
اللسان، والفرق بين علم النحو وبين علم اللغة: أن علم النحو موضوعه أمور كلية،
وموضوع علم اللغة أشياء جزئية، وقد اشتركا معا في الوضع (2). وقد نقل السيوطي هذا
عن القرافي ونقل عن غيره أنه عزاه إلى الجمهور. قلت: وعلى هذا فكيف يجوز القول بأن
اقتران لفظ بلفظ آخر يكون بالعقل فقط؟ (9) قوله: وإذا ثبت ذلك... . قلت: أي شيء
ثبت؟ إنه لم يسبق هذا إلا قوله: فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل
بالعقل وقد عرفت أنه ادعاء محض، بل عرفت بطلانه. (10) قوله: وجب صحة اقترانه
أيضا بالمفهوم من لفظة المولى ، لأن صحة ذلك الاقتران ليس بين اللفظتين بل بين
مفهوميهما . أقول: هذا الكلام يناقض ما تقدم منه، لأنه قد ادعى أنه لو كان
(المولى)
(هامش)
(1) التصريح في شرح التوضيح. مبحث أفعل التفضيل. (2) المزهر 1 / 28. (*)
ص 151
بمعنى (الأولى) لزم صحة أن يقال فلان مولى من فلان ، لكنه بهذا الكلام ينفي ذاك
اللزوم، لأنه يقول بأن الاقتران ليس بين اللفظتين، بل إن مفهوم قوله: بل بين
مفهوميهما هو أن الاقتران ليس إلا بين المفهومين، مع أن مورد الالزام في كلامه
السابق وأصل الدعوى هو الاقتران بين اللفظين، فقد قال سابقا: وثانيهما: إن
المولى لو كان يجئ بمعنى الأولى لصح أن يقترن بأحدهما كل ما يصح قرنه بالآخر
بل ذلك هو صريح الجملة الأخرى من كلامه وهي قوله: فأما ضم بعض تلك الألفاظ إلى
البعض وهكذا قوله: فلفظة الأولى إذا كانت موضوعة لمعنى ولفظة من... ، وهو
أيضا صريح الجملة اللاحقة من كلامه: ... لا يقال: هو مولى من فلان، كما يقال هو
أولى من فلان . فظهر بطلان قوله: لأن صحة ذلك الاقتران ليس بين اللفظتين بل بين
مفهوميهما من كلامه نفسه سابقا ولاحقا. ثم إنه لم يوضح مراده من أن الاقتران بين
المفهومين لا بين اللفظتين، وأي نفع له في هذا الكلام الفارغ؟ أو أي ضرر على خصمه
فيه؟!
وصول الكلام إلى النقض

الذي أخذه (الدهلوي) وأما قوله: بيان أنه ليس كلما
يصح دخوله على أحدهما يصح دخوله على الآخر... ففيه: أنه أول دليل ذكره على هذه
الدعوى قوله: إنه لا يقال هو مولى من فلان كما يقال هو أولى من فلان ولم يدخل
في هذا المثال من على الأولى ، كما لا يدل على عدم جواز دخولها على المولى
، بل إن من فيه متأخرة عن الأولى . وأما قوله: لا يقال: هو مولى من فلان،
كما يقال هو أولى من فلان فهذا ما ذكره (الدهلوي) هنا، ونحن وإن بينا فساد مقدمات
هذا الاستدلال - المستلزم لفساده - نذكر وجوها على بطلانه استنادا إلى كلمات الرازي
وكبار محققي علماء اللغة والنحو من مشاهير أهل السنة:
ص 152
1 - إن كان الاقتران بالعقل فلا مانع

لقد ذكر الفخر الرازي أن صحة اقتران لفظ بلفظ
هو بالعقل لا بالوضع، وعلى هذا الأساس فلا مانع من أن يقال: هو مولى من فلان
كما يقال هو أولى من فلان .
2 - جواب شارحي المقاصد والتجريد عن النقض

لقد أجاب
شارح المقاصد وشارح التجريد عن هذه الشبهة بأن (المولى) اسم بمعنى (الأولى)، لا أنه
وصف بمنزلته حتى يعترض بعدم كون (المولى) من صيغ اسم التفضيل، وأنه لا يستعمل
استعماله. وقد تقدم نص عبارتهما سابقا، كما أورد صاحب (بحر المذاهب) عبارة شارح
التجريد للرد على توهم صاحب المواقف وشارحها.
3 - بقاء (المولى) على معناه الأصلي
عند جماعة

وقال الزمخشري والبيضاوي والخفاجي وغيرهم ببقاء (المولى) الوارد بمعنى
(الأولى) على أصله وهو الظرفية، وعليه، فلا يلزم أن يكون استعمال (المولى) مثل
استعمال (الأولى) وإن كان بمعناه، حتى لو ثبت جواز إقامة المرادف مقام مرادفه، لأن
جواز ذلك مشروط بعدم إرادة معنى الظرفية من (المولى)، مثلا: مئنة ظرف مأخوذ من
أن يقال: فلان مئنة للكرم والجار والمجرور يتعلق به، كما يقال البلد
الفلاني مجمع للعلماء لكن لا يجوز استعماله مثل استعمال إنه لكريم ، فلا يقال:
زيد مئنة لكريم مع أنه و إن زيدا لكريم بمعنى واحد.
4 - بطلان النقض من كلام (الدهلوي)

لقد أبطل (الدهلوي) كلمات الرازي هذه بنفسه من حيث لا يشعر، فقد
ص 153
ذكر بجواب الاستدلال بجملة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم بأن الأولى هنا
مشتقة من الولاية بمعنى المحبة، يعني: ألست أحب إلى المؤمنين من أنفسهم...
فنقول: إن معنى هذا الكلام كون الأولى مرادفا للأحب ، مع أن استعمال
اللفظتين ليس واحدا، لأن صلة أولى هي الباء كما في هذا الكلام النبوي في
هذا الحديث الشريف، وصلة أحب هي إلى كما قال (الدهلوي) نفسه. فلو كان من
اللازم اتحاد المترادفين في الاستعمال للزم جواز أن يقوم أولى إليه مقام أحب
إليه في كل كلام، وهو غير مسموع... إذن... كما أن عدم اقتران إلى مع أولى
ليس بقادح في مجيئه بمعنى الأحب كما يدعي (الدهلوي)، فكذلك لا يقدح عدم اقتران
من ب المولى في كون المولى بمعنى الأولى .
5 - بطلان النقض من كلام
الرازي

لقد عدل الفخر الرازي عن لجاجه ورجع إلى صوابه في كتاب (المحصول) وقبل الحق
الحقيق بالقبول، فقد قال جلال الدين المحلي والحق وقوع كل من الرديفين أي اللفظين
المتحدي المعنى مكان الآخر، إن لم يكن تعبد بلفظه، أي يصح ذلك في كل رديفين بأن
يؤتى بكل منهما مكان الآخر في الكلام، إذ لا مانع من ذلك، خلافا للإمام الرازي في
نفيه ذلك مطلقا، أي من لغتين أو لغة، قال: لأنك لو أتيت مكان من في قولك مثلا: خرجت
من الدار بمرادفها بالفارسية أي أز بفتح الهمزة وسكون الزاي، لم يستقم الكلام،
لأن ضم لغة إلى أخرى بمثابة ضم مهمل إلى مستعمل. قال: وإذا عقل ذلك في لغتين فلم لا
يجوز مثله في لغة. أي لا مانع من ذلك. وقال: إن القول الأول أي الجواز الأظهر في
أول النظر والثاني الحق . وإن هذا الرأي من الرازي مذكور في كتاب سلم العلوم
وشروحه.
ص 154
لكن من دأب المتعصب العنيد أن يخالف الحق مكابرة، وينكره لغرض إبطال استدلال خصمه!!
6 - اعتراف الرازي بأن هذا الوجه فيه نظر

لقد ذكر الرازي في آخر كلامه الذي شحنه
بالأباطيل بأن هذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول يعني أن الحق ما ذهب إليه في
المحصول من منع القول بلزوم وقوع أحد المترادفين مقام الآخر. أقول: فإذا كان هذا
الوجه مردودا، فأي وجه لذكره مع هذا التطويل؟ والأغرب من ذلك استحسان الاصفهاني
والإيجي والشريف الجرجاني وابن حجر المكي والبرزنجي والسهارنفوري الوجه المردود مع
عدم تعرضهم لكونه مردودا منظورا فيه كما اعترف الرازي نفسه!! ثم جاء (الدهلوي) فرحا
مستبشرا فقلد الرازي في ذكره، وغض النظر عن وجه النظر فيه، مخالفا للكابلي الذي
أعرض عن ذكر النقض من أصله لعلمه بوهنه وبطلانه.
7 - قوله المحققين بعدم وجوب قيام
أحد المترادفين مقام الآخر

وكما أن القول بوجوب قيام أحد المترادفين مقام الآخر
ممنوع عند الرازي في (المحصول) ومنظور فيه عنده في (نهاية العقول)، فإن سائر
المحققين من أهل السنة يذهبون إلى هذا المذهب، ويصرحون بعدم وجوب ذلك. فقد قال
القاضي محب الله البهاري في (سلم العلوم): ولا يجب قيام كل مقام الآخر وإن كانا
من لغة، فإن صحة الضم من العوارض، يقال: صلى عليه، ولا يقال دعا عليه . وقد تبعه
على ذلك شراح كتابه (مسلم الثبوت) وأقاموا الأدلة على هذا القول فليرجع إليها.
ص 155
وقد تقدم نص كلام الشيخ خالد الأزهري من محققي النحاة (2). وقال رضي الدين
الاسترابادي - وهو من محققي النحاة أيضا - في مبحث أفعال القلوب: ولا يتوهم أن
بين علمت وعرفت فرقا من حيث المعنى كما قال بعضهم. فإن معنى علمت أن زيدا قائم
وعرفت أن زيدا قائم واحد، إلا أن عرف لا ينصب جزئي الاسمية كما ينصبهما علم، لا
لفرق معنوي بينهما، بل هو موكول إلى اختيار العرب، فإنهم قد يخصون أحد المتساويين
في المعنى بحكم لفظي دون الآخر . وقال أيضا - بعد أن ذكر إلحاق أفعال عديدة بصار:
وليس إلحاق مثل هذه الأفعال بصار قياسا بل سماعا، ألا ترى أن انتقل لا يلحق به مع
أنه بمعنى تحول .
8 - من أمثلة عدم قيام أحد المترادفين مقام الآخر

لقد مثل
البهاري لعدم الجواز بأن دعا لا يقوم مقام صلى ، وعرفت أن عرف لا يقوم
مقام علم وأن انتقل لا يقوم مقام تحول . لكن أمثلة امتناع قيام أحد
المترادفين مقام الآخر كثيرة جدا، إلا أن الوقوف على طرف منها يستلزم التتبع لكلمات
علماء الفن ومعرفة اللغات والألفاظ، والرازي وأتباعه بعيدون عن ذلك، ونحن نشير هنا
إلى بعض تلك الأمثلة والموارد: فمنها: الفروق الموجودة بين حتى و إلى مع
أنهما متساويان في الدلالة على الغاية، كدخول إلى على المضمر بخلاف حتى ،
ووقوع الأول في موضع الخبر مثل: والأمر إليك، بخلاف الثاني... ومنها: الفروق بين
الواو و حتى العاطفة وهي ثلاثة فروق كما في (مغني
(هامش)
(1) توجد ترجمته في الضوء اللامع 3 / 171 وغيره. (*)