ص 54
كتب إلي بالاجازة ولم ألحقه ببخارا، لأنه توفي ليلة الثاني عشر من جمادى الآخرة سنة
546. ومحمد بن عبد الرحمن هذا من مشايخ صاحب الهداية وقد ذكره في مشيخته وقال: أجاز
لي رواية جميع ما صح من مسموعاته... (1). 3 - الكفوي: الإمام الزاهد علاء الدين
محمد بن عبد الرحمن البخاري المفسر المعروف بعلاء الزاهد، له تفسير كبير مشتمل على
مجلدات ضخام... (2).
*(22)* نظام الدين النيسابوري

وأما ذكر نظام الدين الحسن بن
محمد النيسابوري مجئ (المولى) بمعنى (الأولى) فقد قال: *(هي مولاكم)* قيل: المراد
أنها تتولى أموركم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار. وقيل: أراد هي أولى بكم،
قال جار الله: حقيقته هي محراكم ومقمنكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم، كما
قيل: هو مئنة للكرم، أي: مكان لقول القائل إنه لكريم (3). وقال: *(والله مولاكم)*
متولي أموركم. وقيل: أولى بكم من أنفسكم، ونصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم
(4).
(هامش)
(1) الجواهر المضية 2 / 76. (2) كتائب أعلام الأخيار - مخطوط. (3) تفسير النيسابوري
هامش الطبري 27 / 131. (4) المصدر نفسه 28 / 101. (*)
ص 55
*(23)* ابن طلحة القرشي

وأما ذكر أبي سالم محمد بن طلحة القرشي النصيبي مجئ
(المولى) بمعنى (الأولى) فهو حيث قال: واشتمل - أي حديث الغدير - على لفظة
المولى، وهي لفظة مستعملة بأزاء معان متعددة قد ورد القرآن الكريم بها، فتارة تكون
بمعنى أولى. قال الله تعالى في حق المنافقين *(مأواكم النار هي مولاكم)* معناه: هي
أولى بكم (1). وسنذكر ترجمة ابن طلحة فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.
*(24)* سبط
ابن الجوزي

وأما ذكر شمس الدين أبي المظفر يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي مجئ
(المولى) بمعنى (الأولى) فهو حيث قال في ذكر معاني (المولى): العاشر بمعنى
الأولى. قال الله تعالى: *(فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم
النار هي مولاكم)* أي: أولى بكم (2). وسنترجم لسبط ابن الجوزي فيما سيأتي
بالتفصيل.
(هامش)
(1) مطالب السئول في مناقب آل الرسول 1 / 45. (2) تذكرة خواص الأمة في معرفة
الأئمة: 32. (*)
ص 56
*(25)* القاضي البيضاوي

وأما تفسير القاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي
(المولى) ب (الأولى) فقد جاء في (تفسيره) حيث قال: *(مولاكم)* هي أولى بكم كقول
لبيد: فغدت كلا الفرجين تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وأمامها وحقيقته: محراكم، أي
مكانكم الذي يقال فيه أولى بكم (1). ترجمة البيضاوي وسيأتي تفصيل ترجمة البيضاوي
إن شاء الله. ونقتصر هنا بخلاصة ما ترجمه به اليافعي حيث قال: وفيها: الإمام
أعلام العلماء الأعلام، ذو التصانيف المفيدة المحققة، والمباحث الحميدة المدققة،
قاضي القضاة ناصر الدين... (2). وقال السيالكوتي: إن التفسير العتيق والبحر
العميق المسمى بأنوار التنزيل للإمام الهمام قدوة علماء الإسلام، سلطان المحققين
وبرهان المدققين، القاضي ناصر الدين عبد الله البيضاوي، قد استهتر العلماء بحل
مشكلاته، وأسهر الأذكياء أحداقهم بفتح مغلقاته، إلا أنه لوجازة العبارات واحتوائه
على الإشارات جل عن أن يكون شريعة لكل وارد، وأن يطلع عليه إلا واحد بعد واحد....
(3).
(هامش)
(1) تفسير البيضاوي - أنوار التنزيل: 716. (2) مرآة الجنان حوادث 692. (3) حاشية
السالكوتي على تفسير البيضاوي - خطبة الكتاب. (*)
ص 57
*(26)* ابن سمين الحلبي

وأما تصريح أحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي المعروف بابن
سمين بمجئ (المولى) بمعنى (الأولى) فقد جاء في (الدر المصون) حيث قال: قوله *(هي
مولاكم)* يجوز أن يكون مصدرا، أي ولايتكم أي ذات ولايتكم، وأن يكون مكانا، أي مكان
ولايتكم، وأن يكون أولى بكم كقولك: هو مولاه (1). ترجمة ابن سمين 1 - العسقلاني:
أحمد بن يوسف بن عبد الدائم بن محمد الحلبي، شهاب الدين، المقري النحوي نزيل
القاهرة، تعانى النحو فمهر فيه، ولازم أبا حيان إلى أن فاق أقرانه، وأخذ القراءات
عن التقي الصائغ ومهر فيها، وسمع الحديث من يونس الدبوسي وغيره، وولى تصدير
القراءات بجامع ابن طولون، وأعاد بالشافعي، وناب في الحكم، وولي نظر الأوقاف، وله
تفسير القرآن في عشرين مجلدة رأيته بخطه، والاعراب سماه الدر المصون في ثلاثة أسفار
بخطه، صنفه في حياة شيخه وناقشه فيه ناقشات كثيرة غالبها جيدة، وجمع كتابا في أحكام
القرآن، وشرح التسهيل، والشاطبية. قال الأسنوي في الطبقات: كان فقيها بارعا في
النحو والقراءات، ويتكلم في الأصول، خيرا أديبا، مات في جمادى الآخرة، وقيل في
شعبان سنة 756 (2).
(هامش)
(1) الدر المصون في علم الكتاب المكنون - مخطوط. (2) الدرر الكامنة في أعيان المائة
الثامنة 1 / 360. (*)
ص 58
2 - أبو بكر تقي الدين ابن قاضي شهبة كذلك (1). 3 - السيوطي: السمين، صاحب
الإعراب المشهور ثم أورد كلام ابن حجر العسقلاني المذكور (2). 4 - وقد ذكر تاج
الدين الدهان سند رواية تفسير ابن السمين واصفا إياه بالامام (3).
*(27)* محمد بن
أبي بكر الرازي

وأما تصريح محمد بن أبي بكر الرازي بمجئ (المولى) بمعنى (الأولى)
وتفسيره الكلمة بهذا المعنى فهو حيث قال: والمولى الذي هو أولى بالشئ، ومنه قوله
تعالى: *(مأواكم النار هي مولاكم)* أي هي أولى بكم. والمولى في اللغة على ثمانية
أوجه: المعتق وابن العم والناصر والجار والحليف ويقال العقيد والصهر والأولى بالشئ
(4). كتاب غريب القرآن. وكتاب (غريب القرآن) لمحمد بن أبي بكر الرازي أوله:
الحمد لله بجميع محامده على جميع نعمه، وصلاته على نبيه المبعوث بجوامع أحكامه ولوا
مع حكمه، وعلى آله وصحبه المهتدين بأخلاقه وشيمه. قال الإمام الأجل الأفضل
(هامش)
(1) طبقات الشافعية 3 / 18. (2) حسن المحاضرة 1 / 536. (3) كفاية المتطلع - مخطوط.
(4) غريب القرآن: ولي. (*)
ص 59
العلامة ملك المفسرين شيخ العرب والعجم محمد بن أبي بكر الرازي رحمه الله وعفا عنه:
سألني بعض إخواني من طلبة العلم وحملة القرآن العظيم أن أجمع لهم تفسير غرائب
القرآن جمعا يشتمل على حسن الترتيب وسهولته، وعلى استيعاب كل الألفاظ العربية التي
في الكتاب العزيز، ويعرى عن تكرار تفسير الألفاظ وإعادتها، فأجبتهم إلى ذلك، وجمعت
هذا المختصر متميزا عن كل ما صنف في هذا الفن بهذه الفوائد الثلاث. وجميع ما أودعته
فيه إنما نقلته عن الأئمة المجمع على درايتهم، وصحة روايتهم، كالزجاج، والفراء،
والأزهري، والزمخشري، والعزيزي، والهروي، ومن شابههم. وضممت في بعض المواضع إلى
تفسير اللغة شيئا من فوائد الإعراب والمعاني، لئلا يكون حافظه جامدا على مجرد
الألفاظ . وذكره في (كشف الظنون) في ذكر المصنفين في غريب القرآن (1).
*(28)* جلال
الدين الخجندي

وصرح جلال الدين أحمد الخجندي بمجئ (المولى) بمعنى (الأولى) على ما
نقل عنه شهاب الدين أحمد حيث قال: قال الشيخ الإمام جلال الدين أحمد الخجندي قدس
سرة: المولى يطلق على معان: منها الناصر ومنها الجار بمعنى المجير لا المجار ومنها
السيد المطاع، ومنها الأولى: *(هي مولاكم)* أي أولى بكم (2). وستأتي ترجمة
الخجندي إن شاء الله تعالى.
(هامش)
(1) كشف الظنون 2 / 1208. (2) توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط. (*)
ص 60
*(29)* أبو البركات النسفي

أما تفسير حافظ الدين عبد الله بن أحمد النسفي (المولى)
ب (الأولى)، فقد جاء في تفسيره للآية المباركة: *(هي مولاكم)* هي أولى بكم. حقيقة
مولاكم محراكم أي مكانكم الذي يقال فيه أولى بكم (1). ترجمة النسفي 1 - القرشي:
عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين أبو البركات النسفي أحد الزهاد المتأخرين،
صاحب التصانيف المفيدة في الفقه والأصول... توفي ليلة الجمعة في شهر ربيع الأول سنة
701... (2). 2 - الكفوي: علم الهدى علامه الورى، مفتي الدهر قدوة ما وراء
النهر، أبو البركات حافظ الملة والدين، ناصر الإسلام والمسلمين، ناصح الملوك
والسلاطين... كان إماما كاملا عديم النظر في زمانه، ورأسا فقيد المثيل في الأصول
والفروع في أوانه، بارعا في الحديث ومعانيه، ماهرا في فنون الأدب ومبانيه، وله
مقامات سنية في العلوم العقلية ومقالات بهية في الفنون النقلية، وله التوسع في
الكلام والفصاحة في الجدل والخصام، كثير العلم مرتفع المكان، بدائعه تجل عن بيان
لسان العصر فياض البنان، فريد ما له في الفضل مبار، له في العلوم آثار ما
(هامش)
(1) تفسير النسفي: مدارك التنزيل 4 / 226. (2) الجواهر المضية في طبقات الحنفية 1 /
270. (*)
ص 61
ليس لغيره من أهل عصره، أخذ العلوم من أفواه الرجال حتى صار مضرب الأمثال... وله
تصانيف معتبرة مشهورة مفيدة... (1). تفسيره وقد ذكر تفسيره في (كشف الظنون)
بقوله: مدارك التنزيل وحقائق التأويل للإمام حافظ الدين عبد الله بن أحمد النسفي
المتوفى سنة 701 وقيل 710. أوله: الحمد لله المتفرد بذاته عن إشارة الأوهام الخ.
وهو كتاب وسط في التأويلات جامع لوجوه الإعراب والقراءات، متضمن لدقائق علم البديع
والاشارات، موشح بأقاويل أهل السنة والجماعة، خال عن أباطيل أهل البدع والضلالة،
ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل (2).
*(30)* عمر الفارسي القزويني

وأما
تفسير عمر بن عبد الرحمن الفارسي القزويني (المولى) ب (الأولى) فهو حيث قال:
قوله: فغدت كلا الفرجين تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وأمامها يصف بقرة وحشية نفرت
من توجس ركز الصائد فزعة لا تدري أقدامها الصائد أم خلفها. يقول فغدت البقرة كلا
جانبيها الخلف والإمام، تحسب أنه أولى وأحرى بأن يكون فيه الخوف... (3).
(هامش)
(1) كتائب أعلام الأخيار - مخطوط. (2) كشف الظنون 2 / 1640. (3) كشف الكشاف -
مخطوط. (*)
ص 62
ترجمة عمر القزويني وكتابه وقد ذكر في (كشف الظنون) كتاب (كشف الكشاف لعمر الفارسي
القزويني) حيث قال في ذكر حواشي الكشاف: وممن كتب أيضا غير ما ذكره السيوطي:
الإمام العلامة عمر بن عبد الرحمن الفارسي القزويني حاشية في مجلد سماها الكشف.
وتوفي سنة 745. أولها: الحمد لله الذي أنار الأعيان بنور الوجود الخ. وذكر أنه أشار
إلى تأليفها من أمره مطاع، فشرع وكتب فيها ما تلقفه من الأئمة الماضين أو استنبطه
بميامين أنوارهم، وليس فيه التسمية وإنما قال: أشار إلي أن أحرر في الكشف عن مشكلات
الكشاف (1).
*(31)* ابن الصباغ المالكي

وأما ذكر نور الدين علي المعروف بابن
الصباغ المالكي مجئ (المولى) بمعنى (الأولى) فهذا نص كلامه: قال العلماء: لفظة
المولى مستعملة بأزاء معان متعددة، وقد ورد القرآن العظيم بها، فتارة تكون بمعنى
أول قال الله تعالى في حق المنافقين: *(مأواكم النار هي مولاكم)* معناه أولى بكم
(2). وسيأتي ذكر ترجمة ابن الصباغ فيما بعد إن شاء الله تعالى.
(هامش)
(1) كشف الظنون 2 / 1480 وله ترجمة في طبقات المفسرين للداودي 2 / 5، الدرر الكامنة
3 / 256، شذرات الذهب 6 / 143، طبقات القراء 1 / 594. (2) الفصول المهمة في معرفة
الأئمة: 43. (*)
ص 63
*(32)* جلال الدين المحلي

وفسر جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (المولى) ب
(الأولى) حيث قال: *(مأواكم النار هي مولاكم)* أولى بكم (1). تفسير الجلالين و
تفسير الجلالين الذي اشترك في تأليفه جلال الدين السيوطي وجلال الدين المحلي من
التفاسير المشهورة المعتبرة، قال تاج الدين الدهان في (كفاية المتطلع في مرويات
الشيخ حسن العجيمي): التفسير المعروف بالجلالين العلامتين الإمام المحقق جلال
الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد المحلي الأخباري، والحافظ العمدة جلال
الدين أبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، والدر المنثور في التفسير بالمأثور
للحافظ السيوطي. وقد شرع الجلال المحلي من سورة مريم إلى آخر الكتاب العزيز، ثم شرع
في تفسير النصف الأول فمات بعد تفسير الفاتحة، فأتمه الحافظ السيوطي من أول سورة
البقرة إلى آخر سورة الكهف. أخبر بها... (2). ترجمة الجلال المحلي وقد ترجم
للجلال المحلي شمس الدين السخاوي بما هذا ملخصه:
(هامش)
(1) تفسير الجلالين: 716. (2) كفاية المتطلع لتاج الدين الدهان - مخطوط. (*)
ص 64
محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن هاشم، الجلال أبو عبد الله ابن
الشهاب أبي العباس بن الكمال الأنصاري، المحلي الأصل - نسبة للمحلة الكبرى من
الغربية - القاهري الشافعي ولد كما رأيته بخطه في مستهل شوال سنة 791 بالقاهرة ونشأ
بها. فقرأ القرآن وكتبا واشتغل في فنون ومهر وتقدم على غالب أقرانه، وتفنن في
العلوم العقلية والنقلية، وتصدى للتصنيف والتدريس والأقراء، ورغب الأئمة في تحصيل
تصانيفه وقرائتها وإقرائها، وارتحل الفضلاء للأخذ عنه، وتخرج به جماعة درسوا في
حياته. وكان إماما، علامة، محققا، نظارا، مفرط الذكاء، صحيح الذهن، معظما بين
الخاصة والعامة، مهابا، وقورا، عليه سيما الخير، اشتهر ذكره وبعد صيته، وقصد
بالفتاوى من الأماكن النائية، وهرع إليه غير واحد من الأعيان بقصد الزيارة والتبرك.
هذا، ولم أكن أقصر به عن درجة الولاية. وترجمته يحتمل كراريس، مع أني قد أطلتها في
معجمي. وقد حج مرارا. ومات سنة أربع وستين (1).
*(33)* الحسين الواعظ الكاشفي

وفسر حسين بن علي الواعظ الكاشفي (المولى) ب (الأولى) في تفسيره المشهور ب (تفسير
حسيني) بتفسير قوله تعالى: *(مأواكم النار هي مولاكم)*(2).
(هامش)
(1) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع 7 / 39 - 41. (2) تفسير حسيني - المواهب
العلية. سورة الحديد. (*)
ص 65
تفسير حسيني و (تفسير حسيني) للواعظ الكاشفي يعد في التفاسير المعتبرة، وقد اعتمد
عليه العلماء، كالشيخ أحمد بن أبي سعيد بن عبد الله بن عبد الرزاق الحنفي الصالحي
المعروف ب (ملاجيون) المترجم له بكل تعظيم في (سبحة المرجان)، في تفسيره المعروف
ب (تفسير أحمدي)، ضمن التفاسير التي اعتمد عليها ونقل عنها كالتفاسير البيضاوي
والبغوي والسيوطي والزمخشري. وقد وصفه ب الشيخ الكبير العلي الحسيني الواعظ
الكاشفي . وكالمولوي تراب علي في آخر كتابه (التدقيقات الراسخات في شرح التحقيقات
الشامخات. الملقب بسبيل النجاح إلى تحصيل الفلاح) وعده من الصحف الموثوقة والزبر
الأنيقة كتفاسير الرازي والنسفي والنيسابوري والبغوي. وكالشيخ محبوب عالم في
تفسيره المسمى (تفسير شاهي). وقد ذكر تفسيره المذكور في (كشف الظنون) بقوله:
تفسير حسين بن علي الكاشفي الواعظ المتوفى في حدود سنة 900. وهو تفسير فارسي
متداول. في مجلد. سماه بالمواهب العلية، كما ذكره ولده في بعض كتبه، وترجمته
بالتركية لأبي الفضل محمد بن إدريس البدليسي المتوفى سنة 982. وله جواهر التفسير
للزهراوين. يأتي في الجيم (1).
*(34)* أبو السعود العمادي

وفسر أبو السعود بن
محمد العمادي (المولى) ب (الأولى) بتفسير الآية
(هامش)
(1) كشف الظنون 1 / 446. (*)
ص 66
المذكورة، وهذا نص كلامه: قوله تعالى: *(مأواكم النار)* لا تبرحون أبدا *(هي
مولاكم)* أي أولى بكم. وحقيقته مكانكم الذي يقال فيه: هو أولى بكم. كما يقال هو
مئنة الكرم. أي مكان لقول القائل: إنه لكريم. أو مكانكم عن قريب، من الولي وهو
القرب. أو ناصركم عن قريب من المولى وهو القرب. أو ناصركم على طريقة قوله: تحية
بينهم، ضرب وجيع. أو متوليكم تتولاكم كما توليتم موجباتها (1). ترجمة أبي السعود
وترجم له محمود بن سليمان الكفوي بما هذا ملخصه المولى الفاضل العلامة، والحبر
الكامل الفهامة، لسان الزمان، إمام أهل اللسان، بدائعه الحسان تجل عن البيان، واسع
التقرير كامل التحرير، سحبان النثر حسان الشعر، كشاف مشكلات التنزيل الجليل، وحلال
معضلات الكتاب بالتفسير والتأويل، حافظ قوانين الفروع والأصول، وضابط مسائل كل
الفنون من المعقول والمنقول، زبدة أرباب التقوى وعمدة أصحاب الفتوى، إمام المفسرين
ختام المجتهدين، شيخ الإسلام وعماد الدين، أبو السعود ابن الشيخ محيي الدين المنتسب
بالعماد عامله الله بلطفه يوم المعاد. وهو الأستاذ على الإطلاق، والمشار إليه
بالاتفاق، قرعت به أسماع سكان الآفاق، وصكت به آذان أهل فارس والعراق، شيخ كبير،
إمام خبير، عالم نحرير، لا في العجم له مثيل ولا في العرب له نظير، مشهور الاسم،
عالي الرتبة، عظيم الجاه، زائد الحشمة، تضرب به الأمثال وتشد إليه الرحال، ترد
الفتاوى عليه من أقطار الأرض وترد إليه بعضها على بعض، ولقد كان على أحسن طريقة
سلكها الأشراف، وقلدها أشراف الأخلاف، من دين مكين وعقل رزين، وكان
(هامش)
(1) تفسير أبي السعود - إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم - هامش تفسير
الرازي 8 / 72. (*)
ص 67
من محاسن الزمان، لم تر العيون مثله في العلم والعرفان، وكان يجتهد في بعض المسائل
ويخرج ويرجح بعض الدلائل، وكان إذا لم يجد واقعة الفتوى وجوابها في الكتب المتداولة
المعمولة يكتب الجواب على رأيه الوجيز. ولد رحمه الله في رأس المائة العاشرة، ومكث
في منصب الفتوى أكثر من ثلاثين سنة، وصنف فيها كتاب التفسير المسمى بإرشاد العقل
السليم إلى مزايا الكتاب الكريم في مجلدين ضخمين (1).
*(35)* سعيد الجلبي

وذكر
سعيد الجلبي مفتي الروم تفسير (المولى) ب (الأولى) في حاشية البيضاوي حيث قال:
قوله: فغدت كلا الفرجين. البيت. يصف بقرة وحشية نفرت من صوت الصائد. فغدت فزعة لا
تدري أقدامها الصائد أم خلفها. أي: فغدت البقرة كلا جانبيها الإمام والخف، تحسب أنه
أولى وأحرى بأن يكون فيه الخوف، والفرج بمعنى المخافة أي كلا موضعيها الذي يخاف
منهما في الجملة. أو بمعنى: ما بين قوائم الدابة، فما بين اليدين فرج وما بين
الرجلين فرج، وهو بمعنى السعة والانفراج. وفسره بالقدام والخلف توسعا، أو بمعنى
الجانب والطريق، فعل بمعنى مفعول لأنه مفروج مكشوف، وضمير أنه لكلا لأنه مفرد
اللفظ. وخلفها وأمامها إما بدل من كلام، وإما خبر مبتدأ محذوف، أي هما خلفها
وأمامها. كذا في الكشف. قوله: حقيقته محراكم، من الحري، فالمولى مشتق من الأولى
بحذف
(هامش)
(1) كتائب أعلام الأخيار للكفوي. وتوجد ترجمة أبي السعود المتوفى سنة 982 في: البدر
الطالع 1 / 261، شذرات الذهب 8 / 398 وغيرهما. (*)
ص 68
الزوائد (1).
*(36)* شهاب الدين الخفاجي

وأما تفسير شهاب الدين أحمد بن محمد بن
عمر الخفاجي (المولى) ب (الأولى)، فتجده في حاشيته على تفسير البيضاوي، فقد قال:
قوله: *(هي أولى بكم)* أي: أحق من النجاة. وهو بيان لحاصل المعنى. قوله: كقول لبيد.
العامري الشاعر المشهور وهو من قصيدته المشهورة التي هي إحدى المعلقات السبع...
والشاهد في قوله: مولى المخافة، فإنه بمعنى مكان أولى وأحرى بالخوف. قوله: وحقيقته.
أي: حقيقة مولاكم هنا محراكم بالحاء والراء المهملتين، أي المحل الذي يقال فيه إنه
أحرى وأحق بكم، من قولهم هو حري بكذا أي خليق وحقيق وجدير به، كلها بمعنى واحد،
وليس المراد إنه اسم مكان من الأولى على حذف الزوائد كما توهم، وسترى معناه عن
قريب. قوله: كقولك هو مئنة الكرم الخ. يعني: إن مولاكم اسم مكان لا كغيره من أسماء
الأمكنة فإنها مكان للحدث بقطع النظر عمن صدر عنه، وهذا محل للمفضل على غيره الذي
هو صفته، فهو ملاحظ فيه معنى أولى لا أنه مشتق منه، كما أنه المئنة مأخوذة من أن
التحقيقية وليست مشتقة منه، إذ لم يذهب أحد من النحاة إلى الاشتقاق من اسم التفضيل،
كما لم يقل أحد بالاشتقاق من الحرف، ومئنة الكرم وصف له على طريق الكناية الرمزية
في قولهم: الكرم بين بردية كما في
(هامش)
(1) لاحظ سورة الحديد من حاشية تفسير البيضاوي للجلبي مفتي الروم. وتوجد ترجمته في:
الشقائق النعمانية 2 / 43، الفوائد البهية: 78. توفي سنة 945. (*)
ص 69
شروح الكشاف... (1). ترجمة الخفاجي وشهاب الدين الخفاجي من شيوخ مشايخ شاه ولي
الله الدهلوي والد عبد العزيز (الدهلوي) كما لا يخفى على من راجع رسالته في أسانيده
المسماة ب (الارشاد). وقد ترجم للخفاجي محمد أمين المحبي ترجمة حافلة نختصر منها
ما يلي: الشيخ أحمد بن محمد بن عمر قاضي القضاة الملقب بشهاب الدين الخفاجي
المصري الحنفي، صاحب التصانيف السائرة، وأحد أفراد الدنيا المجمع على تفوقه
وبراعته، وكان في عصره بدر سماء العلم ونير أفق النثر والنظم، رأس المؤلفين ورئيس
المصنفين، سار ذكره سير المثل، وطلعت أخباره طلوع الشهب في الفلك، وكل من رأيناه أو
سمعناه به ممن أدرك وقته معترفون له بالتفرد في التقرير والتحرير وحسن الانشاء،
وليس فيهم من يلحق شأوه ولا يدعي ذلك، مع أن في الخلق من يدعي ما ليس فيه. وتآليفه
كثيرة ممتعة مقبولة وانتشرت في البلاد، ورزق فيها سعادة عظيمة فإن الناس اشتغلوا
بها. وأشعاره ومنشآته مسلمة لا مجال للخدش فيها. والحاصل إنه فاق كل من تقدمه في كل
فضيلة، وأتعب من يجئ بعده، مع ما خوله الله تعالى من السعة وكثرة الكتب ولطف الطبع
والنكتة النادرة. وقد ترجم نفسه في آخر ريحانته من حين مبدئه، ثم ذكر أن من تآليفه:
حواشي تفسير القاضي وهي التي سماها عناية القاضي، وشرح الشفا، وشرح درة الغواص،
والريحانة... وأخذ عنه جماعة اشتهروا بالفضل الباهر... (2).
(هامش)
(1) عناية القاضي - حاشية تفسير البيضاوي. سورة الحديد. (2) خلاصة الأثر في أعيان
القرن الحادي عشر 1 / 331. (*)
ص 70
*(37)* سليمان الجمل

وذكر الشيخ سليمان الجمل تفسير (المولى) ب (الأولى) في حاشيته
على تفسير الجلالين حيث قال: قوله: *(هي مولاكم)* يجوز أن يكون مصدرا أي ولايتكم
أي ذات ولايتكم، وأن يكون مكانا أي مكان ولايتكم، وأن يكون بمعنى أولى كقولك: هو
مولاه أي أولى به إلخ. سمين. وفي أبي مسعود: هي مولاكم أي أولى بكم، وحقيقته مكانكم
الذي يقال فيه هو أولى بكم، كما يقال هو مئنة الكرم، أي مكان لقول القائل إنه لكريم
أو مكانكم عن قريب، من الولي وهو القرب، أو ناصركم على طريقة قوله: تحية بينهم ضرب
وجيع. الخ. وفي الشهاب: قوله هو مئنة الكرم يعني: إن مولاكم اسم مكان لا كغيره من
أسماء الأمكنة، فإنها مكان للحدث بقطع النظر عمن صدر عنه. وهذا محل للمفضل على غيره
الذي هو صفته، فهو ملاحظ فيه معنى أولى لا أنه مشتق منه، كما أن المئنة مأخوذة من
أن وليست مشتقة منها. الخ. وقوله: أو ناصركم. فالمعنى لا ناصر لكم إلا النار، كما
أن معنى البيت لا تحية لهم إلا الضرب على التهكم. والمراد نفي الناصر ونفي التحية.
الخ شهاب (1).
(هامش)
(1) حاشية تفسير الجلالين سورة الحديد. وتوجد ترجمته في الأعلام 3 / 131. (*)
ص 71
*(38)* جار الله الإله آبادي

وأما ذكر الملا جار الله آبادي مجئ (المولى) بمعنى
(الأولى) فقد جاء في حاشيته على تفسير البيضاوي بتفسير الآية من سورة الحديد حيث
قال: قوله: وحقيقته محراكم من الحري، فالمولى الحري، مشتق من الأولى بحذف الزائد
(1).
*(39)* محب الدين الأفندي

وقد فسر محب الدين الأفندي (المولى) ب (الأولى)
في شرح بيت لبيد الذي استشهد به الزمخشري في الكشاف (2).
*(40)* محمد الأمير
اليماني

وذكر محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير اليماني مجئ (المولى) بمعنى
(هامش)
(1) حاشية البيضاوي. سورة الحديد. توجد ترجمته في نزهة الخواطر 6 / 54. (2) تنزيل
الآيات في شرح شواهد الكشاف: 140. وتوجد ترجمته في: ريحانة الألباء: 99. توفي سنة
1014. (*)
ص 72
(الأولى) نقلا عن الفقيه حميد ضمن معانيه حيث قال: ومنها بمعنى الأولى. قال
تعالى: *(هو مولاكم)* أي أولى بكم وبعذابكم (1). وسيأتي طرف من ترجمة محمد بن
إسماعيل الأمير فيما بعد إن شاء الله تعالى.
*(41)* عبد الرحيم بن عبد الكريم

وفسر
عبد الرحيم بن عبد الكريم (المولى) ب (الأولى) في شرح بيت لبيد العامري حيث قال:
وأراد بالمولى الأولى... يقول: فغدت البقرة في كلا الفرجين تحسب أن كل واحد من
الفرجين - وهما خلفها وأمامها - أولى بالمخافة (2).
*(42)* رشيد النبي

وكذا فسره
رشيد النبي في شرح بيت لبيد المذكور (3).
(هامش)
(1) الروضة الندية - شرح التحفة العلوية. (2) شرح المعلقات السبع. (3) شرح المعلقات
السبع. وتوجد ترجمته في نزهة الخواطر 7 / 178. (*)
ص 73
*(43)* السيد الشبلنجي

وذكر السيد مؤمن بن حسن الشبلنجي (الأولى) من معاني (المولى)
نقلا عن العلماء (1). أقول: فهل يمكن أن يقال أن (الدهلوي) لم يطلع على هذه الكلمات
التي ذكرناها عن كبار الأئمة ومشاهير اللغة والتفسير والحديث والأدب؟ وهل يمكن أن
يقال إنه لم يراجع شيئا من التفاسير ولم يقف على كلمات المفسرين حتى التفاسير
المتداولة كالكشاف ومعالم التنزيل وتفسير الجلالين وأنوار التنزيل؟ أللهم كلا...
إنه ليس إلا التعصب والعناد، إنه يحاول خديعة العوام وتضليلهم بالأكاذيب وإنكار
الحقائق الراهنة، ونحن نكشف النقاب عن ذلك كله بكلمات علماء طائفته ومشاهير أئمتهم
في كل مورد، والله ولي التوفيق.
(هامش)
(1) نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار: 78. (*)
ص 74
اعتراف علماء الكلام بمجئ (المولى) بمعنى (الأولى)

بل إن بعض مشاهير متكلمي أهل
السنة - في الوقت الذي ينكرون تواتر حديث الغدير ودلالته تبعا للخفر الرازي -
يعترفون بشيوع استعمال (المولى) بمعنى (الأولى بالتصرف) وهذا دليل آخر على شدة تعصب
(الدهلوي) الذي ينكر هذه الجهة أيضا، ولا بأس بإيراد نصوص عباراتهم في هذا المقام:
التفتازاني

قال سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني: ولفظ (المولى) قد يراد به
المعتق والحليف والجار وابن العم والناصر والأولى بالتصرف. قال الله تعالى:
*(مأواكم النار)* أي أولى بكم. ذكره أبو عبيدة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها. أي الأولى بها والمالك لتدبير أمرها. ومثله في
الشعر كثير. وبالجملة استعمال (المولى) بمعنى: المتولي والمالك للأمر والأولى
بالتصرف شائع في كلام العرب منقول عن كثير من أئمة اللغة. والمراد إنه اسم لهذا
المعنى، لا أنه صفة بمنزلة الأولى ليعترض بأنه ليس من صيغة أفعل التفضيل وأنه لا
ص 75
يستعمل استعماله (1).
القوشجي

وقال علاء الدين علي بن محمد القوشجي: ولفظ
(المولى) قد يراد به المعتق والمعتق والحليف والجار وابن العم والناصر والأولى
بالتصرف. قال الله تعالى: *(مأواكم النار هي مولاكم)* أي أولى بكم ذكره أبو عبيدة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها. أي الأولى بها في
التصرف والمالك لتدبير أمرها. ومثله في الشعر كثير (2). ولا يتوهم: أن هذا الكلام
من التفتازاني والقوشجي هو تقرير لدلالة حديث الغدير على الإمامة من جانب الإمامية
ولا يدل على قبولهما ذلك. لأن سكوتهما في مقام الجواب عن الاستدلال بحديث الغدير عن
الجواب عن هذه الناحية وتعرضهما لسند حديث الغدير، وجعل ذيل الحديث وهو: اللهم
وال من والاه وعاد من عاداه مشعرا بأن المراد من (المولى) هو الناصر والمحب...
دليل على قبولهما شيوع استعمال (المولى) بمعنى (الأولى بالتصرف)، وأن هذا الكلام
لهما وليس من جانب الشيعة. وإن كنت في ريب مما ذكرناه فراجع نص عبارتيهما. ويدل على
ما ذكرناه بوضوح تصريح المولوي عبد الوهاب القنوجي بذلك حيث أنه بعد أن نقل عن
(المواقف وشرحها) إنكار مجئ (المولى) بمعنى (الأولى) رد عليه باعتراف القوشجي شارح
التجريد بمجيئه بهذا المعنى... ولننقل نص عبارته الواردة ضمن ما ذكره في الجواب عن
حديث الغدير: وعن الثالث - بمنع صحة الحديث... ولأن عليا رضي الله عنه لم يكن
(هامش)
(1) شرح المقاصد 2 / 290. (2) شرح التجريد: 363. (*)
ص 76
يوم الغدير مع النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان باليمن. ورد هذا بأن غيبته لا
تنافي صحة الحديث، إلا أن يروى هكذا: أخذ بيده واستحضره وقال كذا وكذا... ولأن
مفعلا بمعنى أفعل لم يذكره أحد، ويقال أولى من كذا دون مولى من كذا، وأولى الرجلين
والرجال دون مولى الرجلين أو الرجال. هكذا في المواقف وشرحه. وفيه بحث أورده شارح
التجريد حيث قال: قد يراد بالمولى الأولى بالتصرف قال الله تعالى: *(ومأواكم النار
هي مولاكم)* أي أولى بكم. ذكره أبو عبيدة، وقال صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة
نكحت بغير إذن مولاها. أي الأولى بها في التصرف والمالك لتدبير أمرها. ومثله في
الشعر كثير، وبالجملة، استعمال المولى بمعنى المتولي والمالك للأمر والأولى بالتصرف
شائع في كلام العرب، منقول عن أئمة اللغة، والمراد إنه إسم لهذا المعنى لا صفة
بمنزلة الأولى ليعترض بأنه ليس من صيغة اسم التفضيل، وأنه لا يستعمل استعماله. ولو
سلم أن المراد بالمولى هو الأولى فأين الدليل على أن المراد هو الأولى بالتصرف
والتدبير، بل يجوز أن يراد الأولى في الاختصاص به والقرب منه... .
ترجمة
التفتازاني

وإذ علمت باعتراف التفتازاني بمجئ (المولى) بمعنى (الأولى) وشيوع ذلك في
كلام العرب فلنذكر خلاصة ترجمته: قال السيوطي: مسعود بن عمر بن عبد الله الشيخ
سعد الدين التفتازاني، الإمام العلامة، عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان
والأصلين والمنطق وغيرها، شافعي. قال ابن حجر: ولد سنة 712، وأخذ عن القطب والعضد،
وتقدم في الفنون، واشتهر بذلك، وطار صيته وانتفع الناس بتصانيفه. وكان في لسانه
لكنة
ص 77
وانتهت إليه معرفة العلو بالمشرق، مات بسمرقند سنة 791 (1). وقال الكفوي: وكان
من كبار العلماء الشافعية، ومع ذلك له آثار جليلة في أصول الحنفية (2).
ترجمة
القوشجي

والقوشجي أيضا من كبار علماء أهل السنة المحققين، فقد ذكر في (كشف الظنون)
في شروح التجريد: شم شرح المولى المحقق علاء الدين علي بن محمد الشهير بالقوشجي
المتوفى سنة 879 شرحا لطيفا ممزوجا أوله: خير الكلام حمد الملك العلام الخ. لخص فيه
فوائد الأقدمين أحسن تلخيص، وأضاف إليها نتائج فكره، مع تحرير سوده بكرمان وأهداه
إلى السلطان أبي سعيد خان. قد اشتهر هذا الشرح بالشرح الجديد. قال في ديباجته بعد
مدح الفن والمصنف: إن كتاب التجريد الذي صنفه المولى الأعظم قدوة العلماء الراسخين،
أسوة الحكماء المتألهين نصير الحق والملة والدين، تصنيف مخزون بالعجائب وتأليف
مشحون بالغرائب. فهو وإن كان صغير الحجم وجيز النظم، فهو كثير العلم جليل الشأن،
حسن الانتظام مقبول الأئمة العظام، لم يظفر بمثله علماء الأمصار، مشتمل على إشارات
إلى مطالب هي الأمهات، مملو بجواهر كلها كالفصوص متضمن لبيانات معجزة في عبارات
موجزة، يفجر ينبوع السلاسة من لفظه ولكن معانيه لها السحر، وهو في الاشتهار كالشمس
في رابعة النهار تداولته أيدي النظار. ثم إن كثيرا من الفضلاء وجهوا نظرهم إلى شرح
هذا الكتاب ونشر معانيه... وإني بعد أن صرفت في الكشف عن حقائق هذا العلم شطرا من
عمري
(هامش)
(1) بغية الوعاة 2 / 285. (2) كتائب الأعلام - مخطوط. (*)
ص 78
ووقفت على الفحص على دقائقه قدرا من دهري... فرأيت أن أشرحه شرحا يذلل صعابه ويكشف
نقابه وأضيف إليها فوائد... (1).
(هامش)
(1) كشف الظنون 1 / 348 وللقوشجي ترجمة في: البدر الطالع 1 / 495 وغيره. (*)
ص 79
فهم الشيخين (الأولى) من (المولى)

هذا كله، بالاضافة إلى فهم الشيخين أبي بكر وعمر
بالخصوص معنى (الأولى) من لفظ (المولى) يوم الغدير، فقد ذكر ابن حجر المكي في وجوه
الجواب عن الاستدلال بحديث الغدير: ثالثها - سلمنا أنه (أولى)، لكن لا نسلم أن
المراد أنه الأولى بالامامة، بل بالاتباع والقرب منه، فهو كقوله تعالى: *(إن أولى
الناس بإبراهيم للذين اتبعوه)* ولا قاطع بل ولا ظاهر على نفي هذا الاحتمال، بل هو
الواقع إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر، وناهيك بهما في الحديث، فإنهما لما سمعاه
قالا له: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة. أخرجه الدارقطني. وأخرج أيضا
أنه قيل لعمر: إنك تصنع بعلي شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: إنه مولاي (1). وذكر الشيخ عبد الحق الدهلوي في (اللمعات في شرح المشكاة)
هذا الكلام عن ابن حجر المكي وارتضاه. وقال شهاب الدين أحمد العجيلي: وقد توليت
الإمام المرتضى لقبا وفعلا
(هامش)
(1) الصواعق المحرقة: 26. (*)
ص 80
وقولا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والمراد بالتولي الولاية، وهو الصديق الناصر،
أو الأولى بالاتباع والقرب كقوله تعالى: *(إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه)*
وهذا هو الذي فهمه عمر رضي الله عنه من الحديث، فإنه لما سمعه قال: ليهنئك يا ابن
أبي طال أمسيت ولي كل مؤمن ومؤمنة (1).
تناقض من ابن حجر لكن

العجب من ابن حجر
المكي إذ ناقض نفسه فأنكر مجئ (المولى) بمعنى (الأولى) مطلقا، فإنه مع تنصيصه في
الوجه الثالث على أن كون (المولى) بمعنى (الأولى بالاتباع والقرب من النبي) هو
الواقع إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر... قال في الوجه الثاني من وجه الرد على
تمسك الشيعة بحديث الغدير: وثانيها: لا نسلم أن معنى المولى ما ذكروه، بل معناه
الناصر، لأنه مشترك بين معان كالمعتق والعتيق والمتصرف في الأمر والناصر والمحبوب،
وهو حقيقة في كل منها، وتعيين بعض معنى المشترك من غير دليل يقتضيه تحكم لا يعتد
به، وتعميمه في مفاهيمه كلها لا يسوغ، لأنه إن كان مشتركا لفظيا بأن تعدد وضعه بحسب
تعدد معانيه كان فيه خلاف، والذي عليه جمهور الأصوليين وعلماء البيان واقتضاء
الاستعمالات العصماء للمشترك أنه لا يعم جميع معانيه، على أنا لو قلنا بتعميمه على
القول الآخر أو بناءا على أنه مشترك معنوي بأن وضع وضعا واحدا للقدر المشترك وهو
القرب المعنوي من الولي بالفتح فيصلح لصدقه على كل مما مر، فلا يتأتى تعميمه هنا،
لامتناع إرادة كل من العتق والعتيق. فتعين إرادة البعض، ونحن وهم متفقون على صحة
إرادة الحب بالكسر. وعلي رضي الله عنه سيدنا وحبيبنا. على أن كون المولى بمعنى
الإمام لم يعهد لغة ولا شرعا. أما الثاني فواضح،
(هامش)
(1) ذخيرة المآل - مخطوط. (*)
ص 81
وأما الأول فلأن أحدا من أئمة العربية لم يذكر أن مفعلا يأتي بمعنى أفعل. وقوله
تعالى: *(مأواكم النار هي مولاكم)* أي مقركم أو ناصرتكم، مبالغة في نفي النصرة،
كقولهم: الجوع زاد من لا زاد له. وأيضا، فالاستعمال يمنع من أن مفعلا بمعنى أفعل،
إذ يقال هو أولى من كذا دون مولى من كذا، وأولى الرجلين دون مولاهما، وحينئذ فإنما
جعلنا من معانيه المتصرف في الأمور نظرا للرواية الآتية من كنت وليه. فالغرض من
التنصيص على موالاته اجتناب بغضه لأن التنصيص عليه أوفى بمزيد شرفه. وصدره بألست
أولى بكم من أنفسكم ثلاثا ليكون أبعث على قبولهم. وكذا بالدعاء له لأجل ذلك أيضا...
(1). فالعجب منه كيف يصر هنا - في الوجه الثاني - على نفي احتمال إرادة (الأولى)
من (المولى) مطلقا، ثم في الوجه الثالث يدعي بأن المعنى الواقعي من (المولى) في
الحديث هو (الأولى بالاتباع والقرب) استنادا إلى فهم الشيخين هذا المعنى منه، فيبطل
تطويلاته وخزعبلاته في الوجه الثاني بنفسه؟! أليس تلك التطويلات ردا على الشيخين
وإبطالا لفهمهما؟! نعم لا بد من الرد على الشيعة وإن استلزم الرد على أبي بكر
وعمر!!
تحريف من عبد الحق الدهلوي

والعجب أيضا من الشيخ عبد الحق الدهلوي إذ اقتفى
أثر ابن حجر المكي في هذا التهافت والتناقض، ونقله في (اللمعات) من غير تنبيه على
ذلك، وأما في ترجمته المشكاة إلى الفارسية فأورد كلام ابن حجر في الوجه الثالث مع
إسقاط جملة: بل هو الواقع... فحيا الله الأمانة!!
(هامش)
(1) الصواعق المحرقة: 25. (*)
ص 82
حديث الغدير بلفظ: من كنت أولى به...

ومن الأدلة القاطعة على مجئ (المولى)
بمعنى (الأولى) وأنه المراد من حديث الغدير هو: ورود حديث الغدير في بعض طرقه بلفظ:
من كنت أولى به من نفسه وفي بعضها بلفظ: من كنت وليه وأولى بنفسه : أخرج
الطبراني في مسند زيد بن أرقم خطبة الغدير وفيها حديث الثقلين وجاء في آخرها: ثم
أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه، اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه (1). وقال الميرزا محمد بن معتمد خان البدخشاني: وللطبراني
في رواية أخرى عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما بلفظ: من كنت أولى به
من نفسه فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (2). وقال أيضا: وعند
الطبراني في رواية أخرى عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما بلفظ: من كنت
أولى به من نفسه فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (3).
(هامش)
(1) المعجم الكبير 5 / 186. (2) مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط. (3) نزل
الأبرار بما صح من مناقب آل البيت الأطهار ص: 21. (*)
ص 83
وقال القاضي ثناء الله الهندي - وهو من تلامذة الشاه ولي الله، والموصوف عند
مخاطبنا (الدهلوي) ب بيهقي الزمان كما في (إتحاف النبلاء): وفي بعض طرقه: من
كنت أولى به من نفسه فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (1). وقال سبط
ابن الجوزي: فتعين العاشر، ومعناه: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به. وقد صرح
بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الاصفهاني في كتابه المسمى بمرج
البحرين، فإنه روى هذا الحديث بإسناده إلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله صلى
الله عليه وسلم بيد علي وقال: من كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه (2).
الحديث يفسر بعضه بعض

ثم إن من القضايا المسلمة لدى علماء الحديث إن الحديث يفسر
بعضه بعضا ، وهي قضية يستند إليها المحققون في توضيح مشكلات الأخبار ورفع
إشكالاتها، ومن ذلك قول ابن حجر العسقلاني في شرح حديث عائشة الآتي: إستأذنت هالة
بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استيذان خديجة فارتاع
لذلك، فقال: اللهم هالة، قالت: فغرت فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء
الشدقين، هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا منها فقال: قوله: قد أبدلك الله
خيرا منها. قال ابن التين: في سكوت النبي صلى الله عليه وسلم على هذه المقالة دليل
على أفضلية عائشة على خديجة، إلا أن يكون المراد بالخيرية هنا حسن الصورة وصغر السن
انتهى.
(هامش)
(1) سيف مسلول - مخطوط. (2) تذكرة خواص الأمة: 32. (*)
ص 84
ولا يلزم من كونه لم ينقل في هذه الطريق أنه صلى الله عليه وسلم رد عليها عدم ذلك،
بل الواقع أنه صدر منه رد لهذه المقالة. ففي رواية أبي نجيح عن عائشة عند أحمد
والطبراني في هذه القصة قالت عائشة فقلت: قد أبدلك الله بكبيرة السن حديثة السن،
فغضب حتى قلت: والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلا بخير. وهذا يؤيد ما تأوله
ابن التين في الخيرية المذكورة. والحديث يفسر بعضه بعضا (1). ونحن نقول بمقتضى
الحديث يفسر بعضه بعضا إن رواية الطبراني والأصبهاني تفسر حديث الغدير، ويتضح أن
المراد من (المولى) فيه هو (الأولى).
(هامش)
(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7 / 111. (*)
ص 85
مجئ (المولى) بمعنى: (المتصرف في الأمر) و(ولي الأمر) و(المليك) ونحوها

ص 87
1 - مجئ (المولى) بمعنى (المتصرف في الأمر)

ثم إنه قد صرح جماعة من أعلام أهل السنة
بأن من المعاني الحقيقية للفظ (المولى) هو المتصرف في الأمر . وهذا أيضا واف
بمطلوب الشيعة، وكاف لاستدلالهم بحديث الغدير، إذ الحاصل من (الأولى بالتصرف)
و(المتصرف في الأمر) واحد... وممن صرح بمجئ (المولى) بهذا المعنى:
ذكر من نص على
ذلك

1 - ابن حجر المكي، وقد تقدم نص عبارته قريبا. 2 - عبد الحق الدهلوي، حيث نقل
مقالة ابن حجر في (اللمعات). 3 - كمال الدين بن فخر الدين الجهرمي في (البراهين
القاطعة في ترجمة الصواعق المحرقة). 4 - محمد بن عبد الرسول البرزنجي، إذ قال في
الجواب عن حديث الغدير: الثاني - إنه لو سلمنا تواتره ففيه دلالة وليس نصا في
المدعى، لأن القدر المصرح بذكر الخلافة فيه موضوع كما مر التنبيه عليه، والقدر
الصحيح غير صريح فيه، لأنا لا نسلم أن (المولى) هو (الإمام)، بل له معان كثيرة،
فإنه مشترك بين الناصر والمعتق والعتيق والمتصرف في الأمر والمحبوب وابن العم
والقريب وغيرها.
ص 88
وهو حقيقة في الكل، وتعيين بعض معاني المشترك من غير دليل يقتضيه تحكم لا يعبأ
به... (1). 5 - الفاضل رشيد الدين خان الدهلوي حيث أورد كلام ابن حجر المذكور في
(إيضاح لطافة المقال) وارتضاه. ومتى ثبت مجئ (المولى) بمعنى المتصرف في الأمر
باعتراف علماء أهل السنة، لم يجدهم إنكار مجيئه بمعنى (الأولى)، لأن غرض الشيعة من
الاستدلال بحديث الغدير إثبات دلالته على الإمامة، وهذه الدلالة تامة على كل تقدير،
فمن العجيب إنكار ابن حجر والجهرمي والبرزنجي مجئ (المولى) بمعنى (الأولى) وإثباتهم
في نفس الوقت مجيئه بمعنى (المتصرف في الأمر)!! ويزيد كون (المتصرف في الأمر) معنى
حقيقيا للفظ (المولى) وضوحا أنهم لا ينكرون على الشيعة قولهم بمجيئه بهذا المعنى،
وإن أجابوا عن استدلالهم بذلك على الإمامة، فقد قال الحسن بن محمد الطيبي: قالت
الشيعة: المولى هو المتصرف في الأمور، وقالوا: معنى الحديث إن عليا رضي الله عنه
يستحق التصرف في كل ما يستحق الرسول صلى الله عليه وسلم التصرف فيه، ومن ذلك أمور
المؤمنين فيكون إمامهم. أقول: لا يستقيم أن يحمل الولاية على الإمامة التي هي
التصرف في أمور المؤمنين، لأن المتصرف المستقل في حياته صلى الله عليه وسلم هو لا
غير، فيجب أن يحمل على المحبة وولاء الإسلام ونحوهما (2). فترى أن الطيبي لا ينكر
مجئ (المولى) بمعنى (المتصرف في الأمر). كما أن كلامه ظاهر في أن التصرف في أمور
المؤمنين هي الإمامة بعينها. وذكر علي بن سلطان القاري كلام الطيبي هذا بنصه في
شرحه على المشكاة حيث قال: وفي شرح المصابيح للقاضي قالت الشيعة: المولى هو
المتصرف
(هامش)
(1) نواقض الروافض - مخطوط. (2) شرح المشكاة - مخطوط. (*)
ص 89
وقالوا: معنى الحديث إن عليا رضي الله عنه يستحق التصرف في كل ما يستحق الرسول صلى
الله عليه التصرف فيه، ومن ذلك أمور المؤمنين فيكون إمامهم. قال الطيبي: لا يستقيم
أن يحمل الولاية على الإمامة التي هي التصرف في أمور المؤمنين، لأن المتصرف المستقل
في حياته صلى الله عليه وسلم هو لا غير، فيجب أن يحمل على المحبة وولاء الإسلام
ونحوهما (1). وقال الفخر الرازي بتفسير قوله تعالى: *(ثم ردوا إلى الله مولاهم)*
البحث الثالث - إنه تعالى سمى نفسه في هذه الآية باسمين، أحدهما: المولى وقد عرفت
أن لفظ المولى ولفظ الولي مشتقان من الولي أي القرب، وهو سبحانه القريب البعيد
الظاهر الباطن... وأيضا قال: مولاهم الحق. والمعنى إنهم كانوا في الدنيا تحت تصرفات
الموالي الباطلة، وهي النفس والشهوة والغضب، كما قال: *(أفرأيت من اتخذ إلهه هواه)*
فلما مات الانسان تخلص من تصرفات الموالي الباطلة، وانتقل إلى تصرفات المولى الحق
(2). وقال بتفسير قوله تعالى: *(واعتصموا بالله هو مولاكم)*: وقال القفال: إجعلوا
الله عصمة لكم مما تحذرون، هو مولاكم: سيدكم والمتصرف فيكم. فنعم المولى: فنعم
السيد. ونعم النصير. فكأنه سبحانه قال: أنا مولاك، بل أنا ناصرك وحسبك (3). وقال
النيسابوري بتفسير الآية الأولى: والمعنى: إنهم كانوا في الدنيا تحت تصرفات
الموالي الباطلة، وهي النفس والشهوة والغضب، فلما ماتوا تخلصوا إلى تصرف المولى
الحق (4).
(هامش)
(1) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 568. (2) تفسير الرازي 13 / 17 - 18. (3) تفسير
الرازي 23 / 74. (4) تفسير النيسابوري 7 / 128. (*)
ص 90
وقال ابن كثير بتفسيرها: أي ورجعت الأمور كلها إلى الله الحكم العدل ففصلها،
وأدخل أهل الجنة وأهل النار النار (1). ففسر ابن كثير (المولى) ب (الحكم)، ولو
أنا فسرنا (المولى) في حديث الغدير بهذا المعنى لثبتت الإمامة كذلك.
2 - مجئ
(المولى) بمعنى (متولي الأمر)

وقد ثبت مجئ (المولى) بمعنى (متولي الأمر) من كلمات
علماء العربية والمفسرين، وهذا المعنى أيضا يفيد الإمامة والخلافة كسابقه، لأن
(المتولي) هو (المتصرف) كما هو ظاهر جدا، وبه صرح سعيد الجلبي، والشهاب الخفاجي في
حاشيتيهما على البيضاوي كما سيجئ.
ذكر من قال بذلك

ومجئ (المولى) بمعنى (متولي
الأمر) قد ثبت من كلمات جماعة من أعلام المحققين في العلوم المختلفة، وممن صرح
بذلك: 1 - أبو العباس محمد بن يزيد المبرد. 2 - أبو القاسم الحسين بن محمد بن
المفضل المعروف بالراغب الاصفهاني. 3 - أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي. 4 - أحمد بن
الحسن بن أحمد الزاهد. 5 - جار الله محمود بن عمر الزمخشري. 6 - أبو السعادات مبارك
بن محمد الجزري. 7 - أحمد بن يوسف بن حسن الكواشي. 8 - ناصر الدين عبد الله بن عمر
البيضاوي.
(هامش)
(1) تفسير ابن كثير 2 / 138. (*)
ص 91
9 - عبد الله بن أحمد النسفي. 10 - أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي. 11 - نظام
الدين حسن بن محمد بن حسين النيسابوري. 12 - جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر
السيوطي. 13 - محمد طاهر الكجراتي. 14 - أبو السعود بن محمد العمادي. 15 - سعيد
الجلبي. 16 - شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي.
*(1)* محمد بن يزيد المبرد

قال المبرد - على ما نقل عنه السيد المرتضى - بعد تأويل قوله تعالى: *(ذلك بأن الله
مولى الذين آمنوا)*: والولي والمولى معناهما سواء، وهو الحقيق بخلقه المتولي
لأمورهم (1).
*(2)* الراغب الاصفهاني

وقال الراغب الاصبهاني في كتابه (غريب
القرآن) الذي قال عنه السيوطي
(هامش)
(1) الشافي في الإمامة: 123 عن كتاب العبارة عن صفات الله للمبرد. (*)
ص 92
في ذكر كتب غريب القرآن: ومن أحسنها المفردات للراغب - قال ما هذا نصه:
الولاء والتوالي أن يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك
للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة
والاعتقاد، والولاية النصرة، والولاية تولي الأمر، والولي والمولى يستعملان في كل
ذلك، وكل واحد منهما يقال في معنى الفاعل أي الموالي، وفي معنى المفعول أي الموالي،
يقال للمؤمن هو ولي الله، ولم يرد مولاه (1).
*(3)* أبو الحسن علي بن أحمد
الواحدي

وقال أبو الحسن الواحدي: *(ثم ردوا)* يعني العباد يردون بالموت *(إلى
الله مولاهم الحق)* الذي يتولى أمورهم (2).
*(4)* أحمد بن الحسن الزاهد الدرواجكي

وقال الزاهد الدرواجكي: قوله *(ومأواكم النار هي مولاكم)* والمولى في اللغة: من
يتولى مصالحك فهو مولاك، يلي القيام بأمورك وينصرك على أعدائك، ولهذا سمي ابن العم
والمعتق مولى، ثم صار اسما لمن لزم الشيء، كما يقال أخ الفقراء وأخ المال (3).
(هامش)
(1) المفردات: 533. (2) التفسير الوسيط - مخطوط. (3) تفسير الزاهدي - مخطوط. (*)
ص 93
*(5)* جار الله الزمخشري

وقال الزمخشري: *(مولانا)* سيدنا ونحن عبيدك، أو ناصرنا،
أو متولي أمورنا *(فانصرنا)* فمن حق المولى أن ينصر عبيده، فإن ذلك عادتك، أو فإن
ذلك من أمورنا التي عليك توليها (1).
*(6)* أبو السعادات ابن الأثير

وقال المبارك
بن محمد بن الأثير الجزري: وقد تكرر ذكر المولى في الحديث، وهو اسم يقع على جماعة
كثيرة... وكل من ولي أمرا أو قام به فهو مولاه ووليه... ومنه الحديث: أيما امرأة
نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل، وفي رواية وليها. أي متولي أمرها... (2).
(هامش)
(1) الكشاف 1 / 333. (2) النهاية: ولي. (*)
ص 94
*(7)* أحمد بن يوسف الكواشي

وقال أحمد بن يوسف الكواشي: ولا يوقف على *(أنت
مولانا)* سيدنا ومتولي أمورنا، لوجود الفاء في قوله *(فانصرنا على القوم الكافرين)*
لأنك سيدنا، والسيد ينصر عبيده (1).
*(8)* ناصر الدين البيضاوي

وقال ناصر الدين
البيضاوي: *(مأواكم النار هي مولاكم)* هي أولى بكم كقول لبيد: فغدت كلا الفرجين
تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وأمامها... أو متوليكم. تتولاكم كما توليتم موجباتها
في الدنيا وبئس المصير النار (2).
(هامش)
(1) التلخيص في التفسير. توجد منه في المكتبة الناصرية نسخة مكتوبة في حياة المؤلف
تاريخها 677. (2) تفسير البيضاوي: 716. (*)
ص 95
*(9)* عبد الله بن أحمد النسفي

وقال النسفي: (أنت مولانا)* سيدنا ونحن عبيدك، أو
ناصرنا أو متولي أمورنا (1).
*(10)* أبو حيان الأندلسي

وقال أبو حيان: *(هو
مولانا)* أي ناصرنا وحافظنا قاله الجمهور. وقال الكلبي: أولى بنا من أنفسنا في
الموت والحياة. وقيل: مالكنا وسيدنا فلهذا يتصرف كيف شاء، فيجب الرضى بما يصدر من
جهته. وقال: *(ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم)* فهو
مولانا الذي يتولانا ويتولاهم (2). وقال أبو حيان أيضا: ومعنى *(إلى الله)* إلى
عقابه. وقيل: إلى موضع جزائه *(مولاهم الحق)* لا ما زعموه من أصنامهم، إذ هو
المتولي حسابهم، فهو مولاهم في الملك والاحاطة لا في النصر والرحمة (3).
(هامش)
(1) تفسير النسفي 1 / 144. (2) البحر المحيط 5 / 52. (3) نفس المصدر 4 / 149. (*)
ص 96
*(11)* نظام الدين النيسابوري

وقال نظام الدين النيسابوري: ... وهو قوله *(أنت
مولانا)* ففيه الاعتراف بأنه سبحانه هو المتولي لكل نعمة ينالونها، وهو المعطي لكل
مكرمة يفوزون بها، وأنهم بمنزلة الطفل الذي لا تتم مصلحته إلا بتدبير قيمه، والعبد
الذي لا ينتظم شمل مهماته، إلا بإصلاح مولاه. وبهذا الاعتراف يحق الوصول إلى الحق،
من عرف نفسه أي بالإمكان والنقصان عرف ربه أي بالوجوب والتمام (1). وقال
النيسابوري أيضا: *(فاعلموا أن الله مولاكم)* ناصركم ومتولي أموركم، يحفظكم ويدفع
شر الكفار عنكم، فإنه *(نعم المولى ونعم النصير)* فثقوا بولايته ونصرته (2). وقال
أيضا: *(هو مولانا)* لا يتولى أمورنا إلا هو، يفعل بنا ما يريد من أسباب التهاني
والتعازي، لا اعتراض لأحد عليه (3). وقال: *(والله مولاكم)* متولي أموركم.
وقيل: أولى بكم من أنفسكم ونصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم (4). وقال:
*(واعتصموا بحبل الله)* حتى تصلوا إليه، هو متولي إفنائكم عنكم، *(نعم المولى)* في
إفناء وجودكم *(ونعم النصير)* في إبقائكم بربكم (5).
(هامش)
(1) تفسير النيسابوري 3 / 113. (2) نفس المصدر 9 / 153. (3) نفس المصدر 10 / 104.
(4) نفس المصدر 28 / 80. (5) تفسير النيسابوري 17 / 126. (*)
ص 97
*(12)* جلال الدين السيوطي

وقال جلال الدين السيوطي: *(أنت مولانا)* سيدنا ومتولي
أمورنا (1). وقال: *(فاعلموا أن الله مولاكم)* ناصركم ومتولي أموركم (2).
وقال: *(لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)* إصابته *(هو مولانا)* ناصرنا ومتولي
أمورنا (3).
*(13)* محمد بن طاهر الكجراتي

وقال محمد طاهر الفتني الكجراتي نقلا
عن النهاية: ... وكل من ولي أمرا أو قام به فهو مولاه ووليه... ومنه: أيما امرأة
نكحت بغير إذن مولاها. وروى وليها. أي متولي أمرها (4).
(هامش)
(1) تفسير الجلالين: 66. (2) تفسير الجلالين: 240. (3) المصدر نفسه: 256. (4) مجمع
البحار: ولي. (*)
ص 98
*(14)* أبو السعود العمادي

وقال أبو السعود: *(هي مولاكم)* أو متوليكم تتولاكم
كما توليتم موجباتها (1).
*(15)* سعيد الجلبي

وقال سعيد الجلبي بتفسير *(هي
مولاكم)*:... أو متوليكم. أي المتصرف فيه (2).
*(16)* الشهاب الخفاجي

وقال شهاب
الدين الخفاجي: وقوله: متوليكم. أي المتصرف فيكم كتصرفكم فيما أوجبها واقتضاها من
أمور الدنيا... (3).
(هامش)
(1) تفسير أبي السعود هامش الرازي 8 / 73. (2) حاشية البيضاوي للجلبي. (3) حاشية
البيضاوي للخفاجي. (*)
ص 99
إعتراف الرازي وإن مجئ (المولى) بمعنى (متولي الأمر) في غاية الثبوت والوضوح، حتى
فسر به الفخر الرازي - الذي سعى في إنكار مجيئه بمعنى (الأولى) - فقال في تفسير
قوله تعالى *(أنت مولانا فارحمنا وانصرنا على القوم الكافرين)*: وفي قوله: أنت
مولانا فائدة أخرى، وذلك: أن هذه الكلمة تدل على نهاية الخضوع والتذلل، والاعتراف
بأنه سبحانه هو المتولي لكل نعمة يصلون إليها، وهو المعطي لكل مكرمة يفوزون بها،
فلا جرم أظهروا عند الدعاء أنهم في كونهم متكلين على فضله وإحسانه بمنزلة الطفل
الذي لا تتم مصلحته إلا ببر [بتدبير] قيمه، والعبد الذي لا ينتظم شمل مهماته إلا
بإصلاح مولاه، فهو سبحانه قيوم السماوات والأرض، والقائم بإصلاح مهمات الكل، وهو
المتولي في الحقيقة للكل على ما قال: *(نعم المولى ونعم النصير)*(1) .
3 - مجئ
(المولى) بمعنى (الوارث الأولى)

على أن الرازي الذي أطال الكلام في إنكار مجئ
(المولى) بمعنى (الأولى) بإبداء التشكيكات الواهية والاعتراضات السخيفة التي أضلت
بعض الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق - قد ألجأته الحقيقة الراهنة إلى نقل
تفسير (المولى) ب (الوارث الأولى) عن أبي علي الجبائي، واستحسانه هذا المعنى
كالوجوه الأخرى المذكورة بتفسير قوله تعالى: *(ولكل جعلنا موالي...)* وهذا نص
كلامه: المسألة الثالثة - من الناس من قال: هذه الآية منسوخة، ومنهم من قال: إنها
غير منسوخة. أما القائلون بالنسخ فهم الذين فسروا الآية بأحد هذه الوجوه
(هامش)
(1) تفسير الرازي 7 / 161. (*)
ص 100
التي نذكرها... القول الثاني - قول من يقول: الآية غير منسوخة، والقائلون بذلك
ذكروا في تأويل الآية وجوها: الأول - تقدير الآية: ولكل شيء مما ترك الوالدان
والأقربون والذين عاقدت أيمانكم موالي وورثة فآتوهم نصيبهم. أي: فآتوا الموالي
والورثة نصيبهم. فقوله: والذين عاقدت أيمانكم معطوف على قوله: الوالدان والأقربون،
والمعنى: إن ما ترك الذين عاقدت أيمانكم فله وارث هو أولى به، وسمي الله تعالى
الوارث المولى، والمعنى: لا تدفعوا المال إلى الحليف بل إلى المولى والوارث، وعلى
هذا التقدير فلا نسخ في الآية. وهذا تأويل أبي علي الجبائي . ثم قال الرازي بعد
ذكر ثلاثة وجوه أخرى: وكل هذه الوجوه حسنة محتملة. والله أعلم بمراده (1).
وأيضا، فقد اعترف الرازي في (نهاية العقول) بحكم أبي عبيدة وابن الأنباري بأن لفظة
(المولى) تأتي ل (الأولى) وهذا نص كلامه: لا نسلم أن كل من قال بأن لفظه المولى
محتملة للأولى قال بدلالة الحديث على إمامة علي رضي الله عنه. أليس أن أبا عبيدة
وابن الأنباري حكما بأن لفظ المولى للأولى مع كونهما قائلين بإمامة أبي بكر رضي
الله عنه (2). فالحمد لله الذي وفقنا لإظهار بطلان كلامه في إنكار مجئ (المولى)
بمعنى (الأولى) من كلام نفسه في (التفسير) و(نهاية العقول). كما أثبتنا بطلان رده
لحديث الغدير من كلامه في هذين الكتابين والتفسير. والله ولي التوفيق.
4 - مجئ
(المولى) بمعنى (ولي الأمر)

وقد فسر جماعة من كبار المفسرين لفظة (المولى) ب (ولي
الأمر) فقد قال
(هامش)
(1) تفسير الرازي 10 / 88. (2) نهاية العقول - مخطوط. (*)
ص 101
جلال الدين المحلي: *(وهو كل)* ثقيل *(على مولاه)* ولي أمره (1). وقال الواحدي:
*(أنت مولانا)* أي ناصرنا والذي يلي علينا أمورنا (2). وقال النيسابوري:
قوله: *(وهو كل على مولاه)* أصله: من الغلظ الذي هو نقيض الحدة، يقال: كل السكين
إذا غلظت شفرته، وكل اللسان إذا غلظ فلم يقدر على الكلام، وكل فلان عن الكلام إذا
ثقل عليه ولم ينبعث فيه، وفلان كل على مولاه أي ثقيل وعيال على من يلي أمره ويعوله
(3). وقال: *(أنت مولانا)* ولينا في رفع وجودنا وناصرنا في نيل مقصودنا (4).
ومن الواضح: أن (ولي الأمر) مثل (متولي الأمر) كلاهما بمعنى (الإمام، الحاكم،
الرئيس). فلو كان (المولى) في حديث الغدير بمعنى (ولي الأمر) لتم استدلال الشيعة به
على معتقدهم.
إنكار ولي الله الدهلوي

إلا أن الشاه ولي الله الدهلوي أنكر (5) مجئ
(المولى) بمعنى (ولي الأمر). وذلك من أصدق الشواهد على دلالة حديث الغدير على هذا
التقدير أيضا، ولا ريب في أن هذا الانكار مكابرة واضحة وتعصب مقيت، وما أوردنا من
كلمات علماء القوم كاف بإبطاله.
5 - مجئ (المولى) بمعنى (المليك)

فهل يا ترى لم
يلحظ شاه ولي الله تفسير الجلالين؟! أو لم يقف على تصريح
(هامش)
(1) إزالة الخفا عن سيرة الخلفاء. (2) تفسير الجلالين: 362. (3) التفسير الوسيط -
مخطوط. (4) تفسير النيسابوري 14 / 99. (5) المصدر 3 / 113. (*)
ص 102
البخاري بمجئ (المولى) بمعنى (المليك) وهو مرادف (ولي الأمر)؟! قال البخاري في كتاب
التفسير: باب: *(ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت
أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا)* وقال معمر: موالي: أولياء
ورثة عاقد أيمانكم، هو مولى اليمين وهو الحليف. والمولى أيضا: ابن العم. والمولى:
المنعم المعتق والمولى: المعتق. والمولى: المليك. والمولى: مولى في الدين (1). إن
مجئ (المولى) بمعنى (المليك) أيضا كاف لثبوت مطلوب الشيعة من حديث الغدير، لأن
(المليك) و(ولي الأمر) في المعنى واحد، وإن كان لأحد من المكابرين شك من هذا
الترادف ننقل له كلمات شراح البخاري في شرح كلامه المذكور: قال بدر الدين العيني:
إن لفظ المولى يأتي لمعان كثيرة، وذكر منها خمسة معان... الرابع: يقال للمليك
المولى، لأنه يلي أمور الناس... (2). وقال شهاب الدين القسطلاني: ... والمولى:
المليك، لأنه يلي أمور الناس (3). إذن يقال للمليك المولى لأنه يلي أمور الناس،
فالمولى يستعمل بمعنى (ولي الأمر) و(متولي الأمر) أيضا قطعا. على أن هذا المعنى
ثابت بوضوح من كلمات اللغويين، فقد قال الجوهري والملكوت من الملك كالرهبوت من
الرهبة، يقال: له ملكوت العراق وملكوت العراق أيضا، مثال الترقوة. وهو الملك والعز،
فهو مليك وملك وملك، مثال فخذ وفخذ. كأن الملك مخفف من ملك والملك مقصور من مالك أو
مليك، والجمع: الملوك والأملاك، والاسم: الملك، والموضع: المملكة، وتملكه أي ملكه
قهرا،
(هامش)
(1) صحيح البخاري 8 / 199 بشرح ابن حجر. (2) عمدة القاري 18 / 170. (3) إرشاد
الساري 7 / 77. (*)
ص 103
ومليك النحل: يعسوبها (1). وقد ترجم اللغويون المترجمون للغات العربية إلى
الفارسية لفظة (الملك) ب (شاه) و(پادشاه) كما لا يخفى على من راجع (صراح اللغة)
و(منتهى الأرب في لغات العرب). ثم إن المراد من معمر في كلام البخاري هو (أبو
عبيدة معمر بن المثنى اللغوي) وبه صرح ابن حجر العسقلاني في الشرح حيث قال: ومعمر
هذا بسكون المهملة - وكنت أظنه معمر بن راشد. إلى أن رأيت الكلام المذكور في المجاز
لأبي عبيدة واسمه معمر بن المثنى، ولم أره عن معمر بن راشد، وإنما أخرج عبد الرزاق
عنه في قوله: *(ولكل جعلنا موالي)* قال: الموالي الأولياء الأب والأخ والابن وغيرهم
من الغصبة، وكذا أخرجه إسماعيل القاضي في الأحكام من طريق محمد بن ثور عن معمر.
وقال أبو عبيدة: *(ولكل جعلنا موالي)* أولياء [و] ورثة *(والذين عاقدت أيمانكم)*
فالمولى ابن العم، وساق ما ذكره البخاري وأنشد في المولى ابن العم: مهلا بني عمنا
مهلا موالينا. وما لم يذكره وذكره غيره من أهل اللغة: المولى: المحب. والمولى
الجار. والمولى: الناصر. والمولى: الصهر. والمولى: التابع. والمولى: الولي....
(2). فظهر أن المراد من (معمر) هو (أبو عبيدة اللغوي معمر بن المثنى). وقد نقل ابن
حجر عن اللغويين مجئ (المولى) بمعنى (الولي).
(المولى) بمعنى (الأولى) من حديث في
الصحيحين

بل إن دلالة (المولى) على الأولوية في التصرف ثابتة بوضوح من حديث
(هامش)
(1) الصحاح - ولي. (2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8 / 199. (*)
ص 104
أخرجه الشيخان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا نصه فيهما: قال البخاري:
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو عامر، ثنا فليح عن هلال ابن علي عن عبد الرحمن
بن أبي عمرة عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مؤمن إلا وأنا
أولى به في الدنيا والآخرة، إقرأوا إن شئتم: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)*
فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني
فأنا مولاه (1). وأخرجه مرة أخرى في كتاب التفسير في تفسير سورة الأحزاب (2).
وقال مسلم بن الحجاج: حدثني محمد بن رافع قال: نا شبابة قال: حدثني ورقاء عن أبي
الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفس محمد
بيده إن على الأرض من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به، فأيكم ترك دينا أو ضياعا فأنا
مولاه وأيكم ترك مالا فإلى العصبة من كان (3). فهذا الحديث ظاهر في كون (المولى)
بمعنى (الأولى بالتصرف) لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أولا: ما من مؤمن
إلا وأنا أولى به... ثم فرع على ذلك قوله: فأيما مؤمن... فظهر أن المراد من
قوله بالتالي: فأنا مولاه هو الأولوية التي نص عليها واستدل عليها بالآية
الكريمة. وفي شرح القسطلاني في كتاب التفسير بشرح قوله: وأنا مولاه ما نصه
أي: ولي الميت أتولى عنه أموره (4). وظاهره أن المراد من (المولى) في هذا الحديث
هو (متولي الأمر). وشرح بعضهم بمعنى (القائم بالمصالح) و(ولي الأمر)، ففي شرح شمس
الدين الكرماني: وقضاء دين المعسر كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم،
(هامش)
(1) صحيح البخاري 3 / 155 باب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس. (2)
المصدر 8 / 420 بشرح ابن حجر. (3) صحيح مسلم. كتاب الفرائض. (4) إرشاد الساري 7 /
280. (*)
ص 105
وذلك كان من خالص ماله، وقيل: من بيت المال. وفيه: إنه قائم بمصالح الأمة حيا وميتا
وولي أمرهم في الحالين (1). وقال النووي: ومعنى هذا الحديث: إن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: أنا قائم بمصالحكم في حياة أحدكم وموته، وأنا وليه في الحالين، فإن
كان عليه دين قضيته من عندي إن لم يخلف وفاء، وإن كان له مال فهو لورثته لا آخذ منه
شيئا، وإن خلف عيالا محتاجين ضائعين فليأتوا إلي فعلي نفقتهم ومؤنتهم (2).
فالمولى إذن هو (ولي الأمر) و(متولي الأمر) و(القائم بمصالح المتولي عليه). وفي شرح
ابن حجر العسقلاني: فأنا مولاه. أي: وليه (3). وهو يريد (ولي الأمر) قطعا.
اعتراف الرازي بمجئ (المولى) بمعنى (ولي الأمر)

ولقد بلغ مجئ (المولى) بمعنى (ولي
الأمر) في الثبوت والشهرة حدا بحيث لم يتمكن الرازي مع كثرة تعصبه من إنكاره وجحده،
بل لقد أثبته إذ قال في (نهاية العقول): وأما قول الأخطل ع: فأصبحت مولاها من
الناس بعده. وقوله: ع: لم يأشروا فيه إذا كانوا مواليه. وقوله: موالي حق يطلبون به.
فالمراد بها: الأولياء. ومثله قوله عليه السلام: مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي
الله ورسوله. أي: أولياء الله ورسوله. وقوله عليه السلام: أيما امرأة تزوجت بغير
إذن مولاها. والرواية المشهورة مفسرة له. وقوله: *(ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا)*
أي وليهم وناصرهم *(وأن الكافرين لا مولى لهم)* أي لا ناصر لهم. هكذا روي عن ابن
عباس ومجاهد وعامة المفسرين . ومن الواضح أن المراد من (الولي) في هذا المقام هو
(ولي الأمر).
(هامش)
(1) الكواكب الدراري 23 / 159 كتاب الفرائض. (2) المنهاج في شرح صحيح مسلم هامش -
إرشاد الساري. كتاب الفرائض. (3) فتح الباري 12 / 7. (*)