نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثامن

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثامن

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 204

3 - السيوطي: ابن مردويه الحافظ الكبير العلامة... كان قيما بهذا الشأن، بصيرا بالرجال، طويل الباع، مليح التصانيف، ولد سنة 323. ومات لست بقين من رمضان سنة 410 (1). 4 - الزرقاني: أبو بكر الحافظ أحمد بن موسى بن مردويه الاصبهاني الثبت [اللبيب] العلامة. ولد سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وصنف التاريخ والتفسير المسند والمستخرج على البخاري، وكان فهما بهذا الشأن، بصيرا بالرجال طويل الباع، مليح التصنيف، مات لست بقين من رمضان سنة 410... (2). وتظهر جلالة الحافظ ابن مردويه من كلام لابن قيم الجوزية حول حديث بني المنتفق حيث قال بعد أن ذكره ما هذا نصه: هذا حديث كبير جليل، ينادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة، لا يعرف إلا من حديث عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني، رواه عنه إبراهيم بن ضمرة الزبيري، وهما من كبار أهل المدينة، ثقتان يحتج بهما في الصحيح، إحتج بهما إمام الحديث محمد بن إسماعيل البخاري، رواه أئمة السنة في كتبهم وتلقوه بالقبول وقابلوه بالتسليم والانقياد، ولم يطعن أحد منهم فيه، ولا في أحد من رواته. فممن رواه الإمام ابن الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في مسند أبيه وفي كتاب السنة... ومنهم الفاضل الجليل أبو بكر أحمد بن عمرو بن عاصم النبيل في كتاب السنة له. ومنهم الحافظ أبو أحمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان العسال في كتاب المعرفة. ومنهم حافظ زمانه ومحدث أوانه أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب

(هامش)

(1) طبقات الحفاظ: 412. (2) شرح المواهب اللدنية 1 / 68. (*)

ص 205

الطبراني في كثير من كتبه. ومنهم الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن حيان أبو الشيخ الاصبهاني في كتاب السنة. ومنهم الحافظ ابن الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى ابن مندة حافظ إصبهان. ومنهم الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه. ومنهم حافظ عصره أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن إسحاق الاصبهاني. وجماعة من الحفاظ سواهم يطول ذكرهم (1). وتظهر جلالته أيضا من عبارة لتاج الدين السبكي فإنه قال في (طبقاته): فأين أهل عصرنا من حفاظ هذه الشريعة: أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وعلي المرتضى... ومن طبقة أخرى من التابعين: أويس القرني...... أخرى: وأبي عبد الله بن مندة، وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن بكير، وأبي عبد الله الحاكم، وعبد الغني بن سعيد الأزدي، وأبي بكر بن مردويه... فهؤلاء مهرة هذا الفن، وقد أغفلنا كثيرا من الأئمة، وأهملنا عددا صالحا من المحدثين، وإنما ذكرنا من ذكرناه لننبه بهم على من عداهم، ثم أفضى الأمر إلى طي بساط الأسانيد رأسا وعد الاكثار منها جهالة ووسواسا (2). وهذه العبارة تدل على جلالة ابن مردويه من وجوه عديدة لا تخفى. كما تظهر جلالته من وصفهم إياه بالحفظ، فقد قال السمعاني بترجمة حمزة

(هامش)

(1) زاد المعاد في هدي خير العباد 3 / 56. (2) طبقات الشافعية 1 / 317. (*)

ص 206

ابن الحسين المؤدب الاصبهاني: روى عنه أبو بكر ابن مردويه الحافظ (1). وقال ابن كثير حول حديث الطائر: وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات مفردة، ومنهم أبو بكر ابن مردويه الحافظ، وأبو طاهر محمد بن أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبد الله الذهبي (2). وقال الكاتب الجلبي: تفسير ابن مردويه هو الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى الاصبهاني المتوفى سنة 410 (3). الحافظ في الاصطلاح ثم إن الحافظ من الألقاب الجليلة في اصطلاح علماء الحديث، قال الشيخ علي القاري: الحافظ - المراد به حافظ الحديث لا القرآن. كذا ذكره ميرك، ويحتمل أنه كان حافظا للكتاب والسنة. ثم الحافظ في اصطلاح المحدثين من أحاط علمه بمائة ألف حديث متنا وإسنادا... (4). وفي (لواقح الأنوار) بترجمة السيوطي: وكان الحافظ ابن حجر يقول: الشروط التي إذا اجتمعت في الانسان سمي حافظا هي: الشهرة بالطلب: والأخذ من أفواه الرجال، والمعرفة بالجرح والتعديل لطبقات الرواة ومراتبهم وتمييز الصحيح من السقيم، حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره، مع استحفاظ الكثير من المتون، فهذه الشروط من جمعها فهو حافظ . وقال البدخشي: الحافظ - يطلق هذا الاسم على من مهر في فن الحديث بخلاف المحدث (5).

(هامش)

(1) الأنساب - الاصبهاني. (2) تاريخ ابن كثير 7 / 353. (3) كشف الظنون 1 / 439. (4) جمع الوسائل في شرح الشمائل: 7. (5) تراجم الحفاظ - مخطوط. (*)

ص 207

ومن شواهد جلالة ابن مردويه: إن شمس الدين محمد ابن الجزري ذكره في عداد مشاهير الأئمة، وكبار علماء الحديث الذين روى عنهم في كتابه (الحصن الحصين)، مع أصحاب الصحاح والمسانيد وسائر الكتب المعتبرة وجعل رمزه مر ، وذكر في خطبة كتابه ما نصه: فليعلم أني أرجو أن يكون جميع ما فيه صحيحا (1). كما أن (الدهلوي) نفسه ذكر تفسير ابن مردويه في (رسالة أصول الحديث) في عداد تفاسير الديلمي وابن جرير وغيرهم، وقدمه عليها في الذكر، وهذا يدل على أن تفسير ابن مردويه من التفاسير المشهورة المعتبرة لدى أهل السنة.

*(4)* رواية الثعلبي

 روى أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي نزول الآية الكريمة: *(يا أيها الرسول بلغ...)* في يوم غدير خم في تفسيره حيث قال: قال أبو جعفر محمد بن علي: معناه: بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب، فلما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. أخبرنا أبو القاسم يعقوب بن أحمد بن السري، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله ابن محمد، نا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي، نا حجاج بن منهال نا حماد عن علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء قال: لما نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كنا بغدير خم فنادى: إن الصلاة جامعة، وكسح

(هامش)

(1) الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين بشرح القاري: انظر 20 و25. (*)

ص 208

للنبي صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين، فأخذ بيد علي فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: هذا مولى من أنا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال: فلقيه عمر فقال: هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة. أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد القايني، نا أبو الحسين محمد بن عثمان النصيبي، نا أبو بكر محمد بن الحسن السبيعي، نا علي بن محمد الدهان والحسين ابن إبراهيم الجصاص، نا حسين بن حكم، نا حسن بن حسين عن حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)* الآية. قال: نزلت في علي، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغ فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه (1).

 ترجمة الثعلبي

 وقد ذكرت ترجمة أبي إسحاق الثعلبي وآيات عظمته وجلالته ووثاقته في المنهج الأول من الكتاب، في الجواب عن شبهات (الدهلوي) حول الاستدلال بقوله تعالى: *(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)*. كما ستأتي ترجمته في الدليل السادس من أدلة دلالة حديث الغدير على إمامة علي عليه السلام، وستقف هناك على كلمات الثناء التي قالها والد (الدهلوي) في حق الثعلبي. كما يتضح من عبارة الثعلبي في خطبة تفسيره عظمة هذا التفسير واعتباره.

(هامش)

(1) الكشف والبيان في تفسير القرآن - مخطوط. (*)

ص 209

*(5)* رواية أبي نعيم

وروى أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني نزولها في واقعة يوم غدير خم في كتاب (ما نزل من القرآن في علي عليه السلام). وقد ذكر روايته الفاضل رشيد الدين خان الدهلوي في (إيضاح لطافة المقال) نقلا عن الشيخ علي المتخلص بحزين، وتلك الرواية هي بإسناده عن علي بن عامر [عياش] عن أبي الجحاف والأعمش عن عطية قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي بن أبي طالب: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)*. وقد ذكر مثل هذه الرواية الحاج عبد الوهاب بن محمد عن الحافظ أبي نعيم كما سيجئ.

 ترجمة أبي نعيم

 1 - ابن خلكان: الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق ابن موسى بن مهران الاصبهاني، الحافظ المشهور، صاحب كتاب حلية الأولياء. كان من أعلام المحدثين، وأكابر الحفاظ الثقات، أخذ عن الأفاضل وأخذوا عنه وانتفعوا به. وكتاب الحلية من أحسن الكتب، وله كتاب تاريخ إصبهان... وتوفي في صفر وقيل يوم الاثنين الحادي والعشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة بأصبهان. رحمه الله تعالى (1).

(هامش)

(1) وفيات الأعيان 1 / 26. (*)

ص 210

2 - الصلاح الصفدي: أحمد بن عبد الله بن إسحاق بن موسى بن مهران، أبو نعيم الحافظ، سبط محمد بن يوسف بن البناء الاصفهاني، تاج المحدثين وأحد أعلام الدين، له العلو في الرواية والحفظ والفهم والدراية، وكانت الرحال تشد إليه، أملى في فنون الحديث كتبا سارت في البلاد وانتفع بها العباد، وامتدت أيامه حتى ألحق الأحفاد بالأجداد، وتفرد بعلو الاسناد... وكان أبو نعيم إماما في العلم والزهد والديانة، وصنف مصنفات كثيرة منها: حلية الأولياء، والمستخرج على الصحيحين - ذكر فيها [فيه] أحاديث ساوى فيها البخاري ومسلما، وأحاديث علا عليهما فيها كأنهما سمعاها منه، وذكر فيها حديثا كأن البخاري ومسلما سمعاه ممن سمعه منه ودلائل النبوة، ومعرفة الصحابة، وتاريخ بلده، وفضائل الصحابة، وصفة الجنة، وكثيرا من المصنفات الصغار. وبقي أربعة عشر سنة بلا نظير، لا يوجد شرقا ولا غربا أعلى إسنادا منه ولا أحفظ، ولما كتب كتاب الحلية إلى نيسابور بيع بأربعمائة دينار... (1). 3 - الخطيب التبريزي: أبو نعيم الاصفهاني هو: أبو نعيم أحمد ابن عبد الله الاصفهاني صاحب الحلية، هو من مشايخ الحديث الثقات المعمول بحديثهم المرجوع إلى قولهم، كبير القدر، ولد سنة 334 وما تفي صفر سنة 430 بأصفهان وله من العمر 96 سنة رحمه الله تعالى (2).

(هامش)

(1) الوافي بالوفيات 7 / 81. (2) رجال المشكاة = الاكمال في أسماء الرجال ط مع المشكاة 3 / 805. (*)

ص 211

*(6)* رواية الواحدي

 وروى ذلك أيضا أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، وعنه في (مطالب السئول لابن طلحة الشافعي) و(الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي) وهذا نص ما جاء في (أسباب النزول) له: قوله تعالى: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)* قال الحسن: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: لما بعثني الله تعالى برسالته ضقت بها ذرعا، وعرفت أن من الناس من يكذبني، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهاب قريشا واليهود والنصارى، فأنزل الله تعالى هذه الآية. أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الصفار قال: أنا الحسن بن أحمد المخلدي قال: أنا محمد بن حمدون بن خالد، أنا محمد بن إبراهيم الحلواني [الخلواتي] قال: أنا الحسن بن حماد سجادة قال: علي بن عياش [عابس] عن الأعمش وأبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال نزلت هذه الآية: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)* يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1).

كلام الواحدي في خطبة أسباب النزول

 ولأجل أن لا يبقى ريب في اعتبار هذه الرواية نورد نص عبارة الواحدي في خطبة كتابه (أسباب النزول) فإنه قال: وبعد هذا: فإن علوم القرآن غزيرة... فآل الأمر بنا إلى إفادة المستهترين بعلوم الكتاب إبانة ما أنزل فيه من

(هامش)

(1) أسباب النزول للواحدي: 115. (*)

ص 212

الأسباب، إذ هي أولى ما يجب الوقوف عليها وأولى ما يصرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها، ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهد التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلاب. وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل في العثار في هذا العلم بالنار: أنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنبأ أبو الحسين [الحسن] محمد بن أحمد بن حامد العطار، أنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، أنا ليث بن حماد، ثنا أبو عوانة عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إتقوا الحديث إلا ما علمتم، فإنه من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار. والسلف الماضون - رحمهم الله - كانوا من أبعد الغاية احترازا عن القول في نزول الآية، أنا أبو نصر أحمد بن عبد الله المخلدي، أنا أبو عمرو بن مجيد ثنا أبو مسلم، ثنا عبد الرحمن بن حماد، ثنا أبو عمر عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن آية من القرآن فقال: إتق الله وقل سدادا، ذهب الذين يعلمون في ما أنزل القرآن. فأما اليوم فكل واحد يخترع للآية سببا ويخلق إفكا وكذبا، ملقيا زمامه إلى الجهالة، غير مفكر في الوعيد لجاهل سبب الآية، وذاك الذي حداني إلى إملاء الكتاب الجامع للأسباب، لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن، والمتكلمون في نزول القرآن، فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب، ويجدوا في تحفظه بعد السماع والطلب (1). وإذا كان ما ذكر سبب تأليفه هذا الكتاب، فإن هذا الحديث الذي رواه في سبب نزول الآية: *(يا أيها الرسول بلغ...)* يكون هو الخبر الصدق الوارد

(هامش)

(1) أسباب النزول: 4. (*)

ص 213

عمن شاهد التنزيل ووقفوا على الأسباب، فيجب التصديق به والإعراض عن غيره، لأنه من الكذب على القرآن، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار.

ترجمة الواحدي

 1 - ابن الأثير: وفيها توفي أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن متويه الواحدي المفسر، مصنف الوسيط والوجيز في التفسير، وهو نيسابوري إمام مشهور (1). 2 - الذهبي: الإمام العلامة الأستاذ أبو الحسن... صاحب التفسير، وإمام علماء التأويل، من أولاد النجار، وأصله من ساوة، لزم الأستاذ أبا إسحاق الثعلبي وأكثر عنه، وأخذ علم العربية من أبي الحسن القهندري الضرير وسمع من أبي طاهر بن مخمس، والقاضي أبي بكر الحيري، وأبي إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، ومحمد بن إبراهيم المزكي، وعبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأحمد بن إبراهيم النجار، وخلق. حدث عنه: أحمد بن عمر الأرغياني، وعبد الجبار بن محمد الخواري وطائفة أكبرهم الخواري. صنف التفاسير الثلاثة: البسيط والوسيط والوجيز، وبتلك الأسماء سمى الغزالي تواليفه الثلاثة في الفقه، ولأبي الحسن كتاب أسباب النزول مروي،... تصدر للتدريس مدة وعظم شأنه، وقيل: كان منطلق اللسان في جماعة من العلماء بما لا ينبغي، وقد كفر من ألف كتاب حقائق التفسير، فهو معذور... قال أبو سعد السمعاني: كان الواحدي حقيقا بكل احترام وإعظام، لكن كان فيه بسط لسان في الأئمة، وقد سمعت أحمد بن محمد بن بشار يقول: كان الواحدي

(هامش)

(1) الكامل في التاريخ حوادث سنة 468. (*)

ص 214

يقول صنف السلمي كتاب حقائق التفسير، ولو قال إن ذلك تفسير القرآن لكفر به. قلت: الواحدي معذور مأجور. مات بنيسابور في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وأربعمائة، وقد شاخ (1). 3 - الذهبي أيضا: أحد من برع في العلم.. وكان رأسا في الفقه والعربية... (2). 4 - ابن الوردي: كان أستاذا في التفسير والنحو، وشرح ديوان المتنبي أجود شرح، وهو تلميذ الثعلبي، وتوفي بعد مرض طويل بنيسابور (3). 5 - اليافعي: الإمام المفسر أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، أستاذ عصره في النحو والتفسير، تلميذ أبي إسحاق الثعلبي، وأحد من برع في العلم، وصنف التصانيف الشهيرة المجمع على حسنها، والمشتغل بتدريسها والمرزوق السعادة فيها... (4). 6 - ابن الجزري: إمام كبير علامة، روى القراءة عن علي بن أحمد البستي، وأحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي. روى القراءة عنه: أبو القاسم الهذلي. مات في سنة 468 بنيسابور (5). 7 - ابن قاضي شهبة: كان فقيها، إماما في النحو واللغة وغيرهما، شاعرا، وأما التفسير فهو إمام عصره فيه،... (6). 8 - الديار بكري: وفي سنة ثمان وستين وأربعمائة توفي أبو الحسن علي بن

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء 18 / 339. (2) العبر، حوادث سنة 468. (3) تتمة المختصر، حوادث سنة 468. (4) مرآة الجنان، حوادث سنة 468. (5) طبقات القراء 1 / 523. (6) طبقات الشافعية 1 / 264. (*)

ص 215

أحمد بن محمد بن متويه الواحدي المفسر، مصنف البسيط والوسيط والوجيز في التفسير، وهو نيسابوري إمام مشهور (1). 9 - الكاتب الجلبي: أسباب النزول للشيخ الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المفسر المتوفي سنة 468. وهو أشهر ما صنف فيه، أوله: الحمد لله الكريم الوهاب (2). 10 - وذكر ولي الله الدهلوي الواحدي مع البغوي والبيضاوي، واصفا إياهم بكبار المفسرين، وجاعلا إياهم قدوة المسلمين... (3).

*(7)* رواية أبي سعيد السجستاني

 ورواه أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني في كتابه حول حديث الولاية بإسناده عن ابن عباس إنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ بولاية علي، فأنزل الله عز وجل *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)* الآية فلما كان يوم غدير خم قام فحمد الله وأثنى عليه وقال صلى الله عليه وسلم: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحب من أحب وأبغض من أبغضه وانصر من نصره، وأعز من أعزه، وأعن من أعانه .

(هامش)

(1) تاريخ الخميس 2 / 359. (2) كشف الظنون 1 / 76. (3) إزالة الخفاء. (*)

ص 216

ترجمة أبي سعيد السجستاني

 وأبو سعيد السجستاني من مشاهير حفاظ أهل السنة الثقات، وقد تقدم سابقا ذكر طرف من ترجمته عن السمعاني والذهبي.

*(8)* رواية الحاكم الحسكاني

 وروى أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني نزول قوله تعالى: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك...)* في واقعة يوم غدير خم، ففي كتاب (مجمع البيان) بتفسير الآية المباركة: عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن الكلبي عن أبي صالح عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله قالا: أمر الله محمدا صلى الله عليه وآله أن ينصب عليا علما للناس فيخبرهم بولايته، فتخوف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقولوا حابى ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله إليه هذه الآية، فقام عليه السلام بولايته يوم غدير خم . قال: وهذا الخبر بعينه قد حدثناه السيد أبو الحمد عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني بإسناده عن ابن أبي عمير في كتاب شواهد التنزيل في قواعد التفضيل (1).

(هامش)

(1) مجمع البيان في تفسير القرآن المجلد الثاني / 223 وهو في شواهد التنزيل 1 / 187. (*)

ص 217

*(9)* رواية ابن عساكر

 وممن روى نزول تلك الآية المباركة في واقعة يوم غدير خم: أبو القاسم علي بن الحسن المعروف بابن عساكر الدمشقي، كما عرفت ذلك من عبارة السيوطي في (الدر المنثور) (1).

 ترجمة ابن عساكر

 1 - ياقوت الحموي: هو أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله... الحافظ أحد أئمة الحديث المشهورين والعلماء المذكورين. ولد في المحرم سنة 499. ومات في الحادي عشر من رجب سنة 571... (2). 2 - ابن خلكان: الحافظ أبو القاسم... المعروف بابن عساكر الدمشقي الملقب ثقة الدين. كان محدث الشام في وقته ومن أعيان الفقهاء الشافعية، غلب عليه الحديث فاشتهر به، وبالغ في طلبه، إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره، ورحل وطوف وجاب البلاد ولقي المشايخ، وكان رفيق الحافظ أبي سعد عبد الكريم ابن السمعاني في الرحلة. وكان حافظا دينا، جمع بين معرفة المتون والأسانيد... وصنف التصانيف المفيدة وخرج التخاريج، وكان حسن الكلام على الأحاديث، محفوظا في الجمع والتأليف، صنف التاريخ الكبير لدمشق في ثمانين مجلدة، أتى فيه بالعجائب،

(هامش)

(1) وهو في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق 2 / 86. (2) معجم الأدباء 13 / 73. (*)

ص 218

وهو على نسق تاريخ بغداد، قال لي شيخنا الحافظ العلامة أبو محمد عبد العظيم المنذري حافظ مصر أدام الله به النفع - وقد جرى ذكر هذا التاريخ وأخرج لي منه مجلدا وطال الحديث في أمره واستعظامه - ما أظن هذا الرجل إلا عزم على وضع هذا التاريخ من يوم عقل على نفسه، وشرع في الجمع من ذلك الوقت، وإلا فالعمر يقصر عن أن يجمع الانسان فيه مثل هذا الكتاب بعد الاشتغال والتنبه. قال - ولقد قال الحق - من وقف عليه عرف حقيقة هذا القول، ومتى يتسع للانسان الوقت حتى يضع مثله، وهذا الذي ظهر هو الذي اختاره وما صح له هذا إلا بعد مسودات ما كاد ينضبط حصرها. وله غيره تواليف حسنة وأجزاء ممتعة... (1). 3 - الذهبي: ابن عساكر الإمام الحافظ الكبير محدث الشام فخر الأئمة ثقة الدين... قال السمعاني: أبو القاسم حافظ ثقة متقن دين خير حسن السمت، جمع بين معرفة المتن والإسناد، وكان كثير العلم غزير الفضل، صحيح القراءة، متثبتا، رحل وتعب وبالغ في الطلب، وجمع ما لم يجمعه غيره، وأربى عليه الاقران... وقال المحدث بهاء الدين القاسم: كان أبي رحمه الله مواظبا على الجماعة والتلاوة، يختم كل ليلة ختمة [يختم كل جمعة]، ويختم في رمضان كل يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية، وكان كثير النوافل والأذكار، ويحيي ليلة العيدين بالصلاة والذكر، وكان يحاسب نفسه على لحظة تذهب... قال سعد الخير: ما رأيت في سنن [سن] ابن عساكر مثله. قال القاسم ابن عساكر سمعت التاج المسعودي يقول سمعت أبا العلاء الهمداني يقول لرجل استأذنه في الرحلة [قال]: إن عرفت أحدا أفضل مني فحينئذ آذن لك أن تسافر إليه، إلا أن تسافر إلى ابن عساكر فإنه حافظ كما يجب. وحدثني أبو المواهب بن صصري قال: لما دخلت همدان قال لي الحافظ: أنا

(هامش)

(1) وفيات الأعيان 1 / 335. (*)

ص 219

أعلم أنه لا يساجل الحافظ أبا القاسم في شأنه أحد، فلو خالق الناس ومازجهم كما ينبغي [أصنع] إذا لاجتمع عليه الموافق والمخالف، وقال لي يوما: أي شيء فتح له؟ وكيف الناس له؟ قلت: هو بعيد من هذا كله، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلا بالجمع والتسميع حتى في نزهته وخلواته، قال: الحمد لله هذا ثمرة العلم، إلا أنا حصل لنا [من] هذا المسجد والدار والكتب تدل على قلة حظ أهل العلم في بلادكم. ثم قال: ما كان يسمى أبو القاسم إلا شعلة نار ببغداد من ذكائه وتوقده وحسن إدراكه. قال أبو المواهب: كنت أذاكر أبا القاسم الحافظ عن الحفاظ الذين لقيهم. فقال: أما بغداد فأبوا عامر العبدري، وأما أصبهان فأبو نصر اليونارتي لكن إسماعيل بن محمد الحافظ كان أشهر. فقلت: فعلى هذا ما كان رأى سيدنا مثل نفسه. قال: لا تقل هذا قال الله: *(لا تزكوا أنفسكم)* قلت: فقد قال [الله تعالى] *(أما بنعمة ربك فحدث)*. فقال: لو قال قائل: إن عيني لم تر مثلي لصدق. ثم قال أبو المواهب: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه، من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة، من لزوم الصلوات في الصف الأول إلا من عذر، والاعتكاف في رمضان وعشر ذي الحجة، وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور، قد أسقط ذلك عن نفسه، وأعرض عن طلب المناصب من الإمامة والخطابة، وأباها بعد أن عرضت عليه... وكان شيخنا أبو الحجاج يميل إلى أن ابن عساكر ما رأى حافظا مثل نفسه. قال الحافظ عبد القادر: ما رأيت أحفظ من ابن عساكر. وقال ابن النجار: أبو القاسم إمام المحدثين في وقته، إنتهت إليه الرياسة في الحفظ والاتقان والنقل والمعرفة التامة وبه ختم هذا الشأن. فقرأت بخط الحافظ معمر بن الفاخر في معجمه أنا الحافظ أبو القاسم الدمشقي - بمنى - وكان أحفظ من رأيت من طلبة الحديث والشبان. وكان شيخنا إسماعيل بن محمد الإمام

ص 220

يفضله على جميع من لقيناهم، قدم إصبهان ونزل في داري، وما رأيت شابا أودع ولا أحفظ ولا أتقن منه، وكان مع ذلك فقيها أديبا سنيا، جزاه الله خيرا وكثر في الإسلام مثله، وإني كثيرا سألته عن تأخره على المجئ إلى إصبهان فقال: لم تأذن لي أمي. قال القاسم: توفي أبي في حادي عشر رجب سنة 571. ورئي له منامات حسنة، ورثي بقصائد، وقبره يزار بباب الصغير (1). 4 - الذهبي أيضا: فيها توفي الحافظ ابن عساكر صاحب التاريخ الثمانين مجلدا... ساد أهل زمانه في الحديث ورجاله، وبلغ في ذلك الذروة العليا، ومن تصفح تاريخه علم منزلة الرجل في الحفظ. توفي في حادي عشر رجب (2). 5 - اليافعي: وفيها: الفقيه الإمام، المحدث البارع، الحافظ المتقن الضابط ذو العلم الراسخ، شيخ الإسلام، ومحدث الشام، ناصر السنة، وقامع البدعة زين الحفاظ وبحر العلوم الزاخر، رئيس المحدثين المقر له بالتقدم، العارف الماهر، ثقة الدين، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر، الذي اشتهر في زمانه بعلو شانه، ولم ير مثله في أقرانه، الجامع بين المعقول والمنقول، والمميز بين الصحيح والمعلول. كان محدث زمانه، ومن أعيان الفقهاء الشافعية، غلب عليه الحديث واشتهر به، وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره، رحل وطوف وجاب البلاد، ولقي المشايخ، وكان رفيق الحافظ أبي سعد عبد الكريم بن السمعاني في الرحلة. وكان أبو القاسم المذكور حافظا دينا، جمع بين معرفة المتون والأسانيد... - وصنف التصانيف المفيدة، وخرج التخاريج، وكان حسن الكلام على الأحاديث

(هامش)

(1) تذكرة الحفاظ 4 / 1328 - 1333. (2) العبر حوادث 571. (*)

ص 221

محفوظا على الجمع والتأليف، صنف التاريخ الكبير لدمشق في ثمانين مجلدات أتي فيه بالعجائب وهو على نسق تاريخ بغداد... قال بعض أهل العلم بالحديث والتواريخ: ساد أهل زمانه في الحديث ورجاله وبلغ فيه الذروة العليا، ومن تصفح تاريخ علم منزلة الرجل في الحفظ. قلت: بل من تأمل تصانيفه من حيث الجملة علم مكانه في الحفظ والضبط للعلم، والاطلاع وجودة الفهم، والبلاغة والتحقيق والاتساع في العلوم، وفضائل تحتها من المناقب والمحاسن كل طائل... وكان ابن عساكر المذكور - رضي الله عنه - حسن السيرة والسريرة، قال الحافظ الرئيس أبو المواهب: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة منذ أربعين سنة... ذكره الإمام الحافظ ابن النجار في تاريخه فقال: إمام المحدثين في وقته ومن انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والاتقان والمعرفة التامة والثقة به، وبه ختم هذا الشأن... وقال الحافظ عبد القاهر الرهاوي: رأيت الحافظ السلفي والحافظ أبا العلاء الهمداني والحافظ أبو موسى الهمداني فما رأيت فيهم مثل ابن عساكر (1). 6 - الأسنوي: ومنهم الحافظ أبو القاسم علي أخو الصائن المتقدم ذكره، إمام الشافعية، صاحب تاريخ دمشق في ثمانين مجلدة وغير ذلك من المصنفات... كان رحمه الله دينا خيرا حسن السمت مواظبا على الاعتكاف... (2). 7 - ابن قاضي شهبة: علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين، الحافظ الكبير، ثقة الدين، أبو القاسم ابن عساكر، فخر الشافعية، وإمام أهل الحديث في زمانه وحامل لوائهم، صاحب تاريخ دمشق وغير ذلك من المصنفات المفيدة المشهورة، مولده في مستهل سنة تسع وتسعين وأربعمائة، ورحل إلى بلاد

(هامش)

(1) مرآة الجنان حوادث 571. (2) طبقات الشافعية 2 / 216. (*)

ص 222

كثيرة، وسمع الكثير من نحو ألف وثلاثمائة شيخ وثمانين امرأة، تفقه بدمشق وبغداد، وكان دينا خيرا... (1).

 *(10)* الفخر الرازي

وذكر فخر الدين محمد بن عمر الرازي نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في (تفسيره)، في بيان الأقوال المذكورة في سبب تلك الآية، حيث قال: العاشر - نزلت هذه الآية في فضل علي رضي الله عنه، ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: هنيئا لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي (2). أقول: إن العبرة بذكر الرازي لهذا القول في ضمن الأقوال المزعومة الأخرى، وقد عرفت أنه ينسب هذا القول إلى ابن عباس والبراء بن عازب وسيدنا الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام، فلا عبرة إذن بكلامه هو حول هذا الموضوع، فإنه كلام لا موجب له إلا المكابرة والعناد، ويكفي في سقوطه أنه رد على الإمام المعصوم أبي جعفر الباقر عليه السلام. ولو قيل: إن المتعصبين من أهل السنة لا يعتقدون بعصمة الأئمة الطاهرين، بل إن بعضهم كابن الجوزي في (الموضوعات) والسيوطي في (اللئالي المصنوعة) وابن العراق في (تنزيه الشريعة) يجرحون فيهم والعياذ بالله.

(هامش)

(1) طبقات الشافعية 1 / 345. (2) تفسير الرازي 1 / 49. (*)

ص 223

قلنا: فما يقولون في حق صحابة يقولون بعد التهم كابن عباس والبراء بن عازب، وكأبي سعيد الخدري القائل بهذا القول - كما في تفسير النيسابوري، وسنذكر عبارته - وعبد الله بن مسعود كما ستعلم فيما بعد؟ فالحاصل: إن الرازي يعترف بأن القول بنزول الآية في فضل أمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير هو قول ابن عباس والبراء والإمام الباقر، وإن كان لا يرتضي هذا القول ولا يعتمد عليه تعصبا وعنادا.

 ترجمة الرازي

 وقد بالغ بعض علماء أهل السنة في الثناء على هذا المتعصب العنيد: 1 - فقد ترجم له ابن خلكان بقوله: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين ابن الحسن بن علي، التيمي، البكري، الطبرستاني [الأصل] الرازي المولد، الملقب فخر الدين، المعروف بابن الخطيب، الفقيه الشافعي. فريد عصره ونسيج وحده، فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات وعلم الأوائل، له التصانيف المفيدة في فنون عديدة، منها تفسير القرآن الكريم، جمع فيه كل غريب وغريبة، وهو كبير جدا لكنه لم يكمله... وكل كتبه ممتعة. وانتشرت تصانيفه في البلاد ورزق فيها سعادة عظيمة، فإن الناس اشتغلوا بها ورفضوا كتب المتقدمين، وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه، وأتى فيها بما لم يسبق إليه، وكان له في الوعظ اليد البيضاء، ويعظ باللسانين العربي والعجمي، وكان يلحقه الوجد في حال الوعظ ويكثر البكاء، وكان يحضر مجلسه بمدينة هراة أرباب المذاهب والمقالات، ويسألونه وهو يجيب كل سائل بأحسن إجابة، ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة، وكان يلقب بهراة شيخ الإسلام... وكان العلماء يقصدونه من البلاد وتشد إليه الرحال من الأقطار... (1).

(هامش)

(1) وفيات الأعيان 3 / 381 - 385. (*)

ص 224

2 - ابن الوردي: الإمام فخر الدين... الفقيه الشافعي، صاحب التصانيف المشهورة، ومولده سنة 543 ومع فضائله كانت له اليد الطولى في الوعظ بالعربي والعجمي، ويلحقه فيه وجد وبكاء، وكان أوحد الناس في المعقولات والأصول، قصد الكمال السمناني، ثم عاد إلى الري إلى المجد الجيلي، واشتغل عليهما، وسافر إلى خوارزم وما وراء النهر، وجرت الفتنة التي ذكرت، واتصل بشهاب الدين الغوري صاحب غزنة وحصل له منه مال طائل، ثم حظي في خراسان عند السلطان خوارزم شاه بن تكش، وشدت إليه الرحال، وقصده ابن عنين ومدحه بقصائد... (1). 3 - اليافعي: وفيها الإمام الكبير، العلامة النحرير، الأصولي المتكلم المناظر المفسر، صاحب التصانيف المشهورة في الآفاق، الحظية في سوق الافادة بالنفاق، فخر الدين الرازي... الملقب بالامام عند علماء الأصول، المقرر لشبه مذاهب فرق المخالفين، والمبطل بها بإقامة البراهين، الطبرستاني الأصل، الرازي المولد، المعروف بابن الخطيب، الشافعي المذهب، فريد عصره ونسيج دهره، الذي قال فيه بعض العلماء: خصه الله برأي هو للغيب طليعة، فيرى الحق بعين دونها حد الطبيعة، ومدحه الإمام سراج الدين يوسف ابن أبي بكر بن محمد السكاكي الخوارزمي... فاق أهل زمانه في الأصلين والمعقولات وعلوم الأوائل، صنف التصانيف المفيدة في فنون عديدة... وكان صاحب وقار وحشمة ومماليك، وثروة وبزة حسنة وهيئة جميلة، إذا ركب ركب معه نحو ثلاثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم، في التفسير والفقه والكلام والأصول والطب وغير ذلك... (2). 4 - محمد الحافظ خواجة بارسا: قال الإمام النحرير، المناظر المتكلم

(هامش)

(1) تتمة المختصر حوادث سنة 606. (2) مرآة الجنان حوادث سنة 606. (*)

ص 225

المفسر، صاحب التصانيف المشهورة، فخر الملة والدين الرازي... في التفسير الكبير في قوله سبحانه: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)* فيه لطيفة وهو: إن الرجس قد يزول عنا ولا يطهر المحل، فقوله سبحانه: ليذهب عنكم الرجس أي يزيل عنكم الذنوب، وقوله سبحانه: ويطهركم تطهيرا أي يلبسكم خلع الكرامة تطهيرا، لا يكون بعده تلوث (1). 5 - ابن قاضي شهبة: محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي، العلامة سلطان المتكلمين في زمانه... المفسر المتكلم، إمام وقته في العلوم العقلية، وأحد الأئمة في العلوم الشرعية، صاحب المصنفات المشهورة والفضائل الغزيرة المذكورة، ولد في رمضان سنة 544، وقيل سنة ثلاث، اشتغل أولا على والده ضياء الدين عمر، وهو من تلامذة البغوي، ثم على الكمال السمناني وعلى المجد الجيلي صاحب محمد بن يحيى، وأتقن علوما كثيرة وبرز فيها وتقدم وساد، وقصده الطلبة من سائر البلاد، وصنف في فنون كثيرة... (2)

*(11)* رواية محمد بن طلحة

 وروى أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد القرشي النصيبي نزول آية التبليغ في واقعة يوم الغدير حيث قال: زيادة تقرير - نقل الإمام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمى بأسباب النزول يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أنزلت هذه الآية: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)* يوم غدير

(هامش)

(1) فصل الخطاب - مخطوط. (2) طبقات الشافعية 1 / 396. (*)

ص 226

خم في علي بن أبي طالب (1)

. ترجمة محمد بن طلحة

 وقد ترجم لمحمد بن طلحة مشاهير علمائهم، واصفين إياه بالمحامد الجميلة والفضائل العظيمة، وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى، ونكتفي هنا بما ذكره اليافعي في حقه حيث قال: الكمال محمد بن طلحة النصيبي الشافعي. وكان رئيسا محتشما بارعا في الفقه والخلاف، ولي الوزارة مرة ثم زهد وجمع نفسه، توفي بحلب في شهر رجب وقد جاوز التسعين، وله دائرة الحروف... (2).

*(12)* رواية الرسعني

 وروى عبد الرزاق بن رزق الله الرسعني نزول الآية الكريمة في يوم الغدير، قال محمد بن معتمد خان البدخشاني: أخرج عبد الرزاق الرسعني عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)* أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (3).

(هامش)

(1) مطالب السئول في مناقب آل الرسول: 44. (2) مرآة الجنان حوادث سنة 652. (3) مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط. (*)

ص 227

ترجمة الرسعني

 1 - الذهبي: الرسعني العلامة عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر، المحدث المفسر الحنبلي. ولد سنة تسع وثمانين. وسمع بدمشق من الكندي وببغداد من ابن منينا، وصنف تفسيرا جيدا، وكان شيخ الجزيرة في زمانه علما وفضلا وجلالة. توفي في ثاني عشر ربيع الآخر (1). 2 - الذهبي أيضا: الرسعني الإمام المحدث الرحال، الحافظ المفسر، عالم الجزيرة... عني بهذا العلم، وجمع وصنف تفسيرا حسنا، رأيته يروي فيه بأسانيده، وصنف كتاب مقتل الشهيد الحسين، وكان إماما متقنا ذا فنون وأدب، روى عنه ولده العدل شمس الدين، والدمياطي في معجمه، وغير واحد، وبالاجازة أبو المعالي الابرقوهي. كانت له حرمة وافرة عند الملك بدر الدين صاحب الموصل... وله شعر رائق، ولي مشيخة دار الحديث بالموصل. كان من أوعية العلم والخير، توفي سنة 661 (2). 3 - ابن الجزري: عبد الرزاق بن رزق الله أبو محمد الرسعني، الإمام العلامة، المحدث المقرئ، شيخ ديار بكر والجزيرة... (3). 4 - السيوطي: الرسعني الإمام المحدث الرحال، الحافظ المفيد، عالم الجزيرة، عز الدين أبو محمد عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف الجزري، ولد برأس عين سنة 589، وسمع الكندي وعدة، وعني بهذا الشأن وصنف تفسيرا، وكان إماما متقنا ذا فنون وأدب، أجاز للدمياطي والابرقوهي،

(هامش)

(1) العبر حوادث 661. (2) تذكرة الحفاظ 4 / 1452. (3) طبقات القراء 1 / 384. (*)

ص 228

ولي مشيخة دار الحديث بالموصل. مات سنة 661 (1). 5 - وذكر الكاتب الجلبي تفسير الرسعني في مواضع من كتابه، ففي باب التاء: تفسير عبد الرزاق بن رزق الله الحنبلي الرسعني، المسمى بمطالع أنوار التنزيل. يأتي. قلت: تفسير عبد الرزاق المذكور اسمه رموز الكنوز. قال محمد المالكي الداودي صاحب طبقات المفسرين بعد نقل هذا التفسير واسمه: وفيه فوائد حسنة، ويروي فيه الأحاديث بأسانيده (2). وقال في باب الراء: رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز، للشيخ الإمام عز الدين عبد الرزاق الرسعني الحنبلي المتوفي سنة 660 (3). وقال في باب الميم: مطالع أنوار التنزيل ومفاتيح أسرار التأويل لعبد الرزاق بن رزق الله... وهو تفسير كبير حسن، إنتفاه السيوطي، وكتب في آخره إجازة سماعه في مجالس آخرها ثاني ذي القعدة سنة 659 بدار الحديث المهاجرية بالموصل... (4).

*(13)* رواية النيسابوري

 وأما رواية نظام الدين حسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري نزول آية التبليغ المباركة في واقعة يوم غدير خم، فهي في تفسيره بعد تفسير قوله تعالى

(هامش)

(1) طبقات الحفاظ: 505. (2) كشف الظنون: 1 / 452. (3) المصدر 1 / 913. (4) المصدر 2 / 1715. (*)

ص 229

*(ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون)* إذ قال: ثم أمر رسوله بأن لا ينظر إلى قلة المقتصدين وكثرة المعاندين، ولا يتخوف مكرهم [مكروههم] فقال. *(يا أيها الرسول بلغ)* عن أبي سعيد الخدري إن هذه الآية نزلت في فضل علي بن أبي طالب [رضي الله عنه وكرم الله وجهه] يوم غدير خم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمر وقال: هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس والبراء ابن عازب ومحمد بن علي. وروى أنه صلى الله عليه وسلم نام في بعض أسفاره تحت شجرة وعلق سيفه عليها، فأتاه أعرابي وهو نائم، فأخذ سيفه واخترطه وقال: يا محمد من يمنعك مني؟ فقال: الله. فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف من يده، وضرب برأسه الشجر [ة] حتى انتثر دماغه ونزل *(والله يعصمك من الناس)*. وقيل: لما نزلت آية التخيير: *(يا أيها النبي قل لأزواجك)* فلم يعرضها عليهن خوفا من اختيارهن الدنيا نزلت *(يا أيها الرسول بلغ)*. وقيل: نزلت في أمر زيد وزينب بنت جحش. وقيل: لما نزل: *(ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله)* سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عيب آلهتهم فنزلت، أي: بلغ معائب آلهتهم ولا تخفها. وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم لما بين الشرائع والمناسك في حجة الوداع قال: هل بلغت؟ قالوا: نعم. فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم اشهد. فنزلت. وقيل: نزلت في قصة الرجم والقصاص المذكورتين. وقال الحسن: إن نبي الله قال: لما بعثني الله برسالته ضقت بها ذرعا، وتخوفت أن من الناس من يكذبني، واليهود والنصارى يخوفونني، فنزلت الآية. فزال الخوف.

ص 230

وقالت عائشة: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقلت: يا رسول الله ما شأنك؟ قال: ألا رجل صالح يحرسني الليلة؟! قلت: فبينا نحن في ذلك إذ سمعت صوت السلاح، فقال من هذا؟ قال: سعيد وحذيفة جئنا نحرسك. فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه، فنزلت هذه الآية، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قبة أدم فقال: إنصرفوا أيها الناس، فقد عصمني الله. وعنه ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس، فكان يرسل معه أبو طالب كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه، حتى نزلت هذه الآية، فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسونه فقال: يا عماه إن الله تعالى قد عصمني من الجن والإنس (1). أقول: نلمس من هذه العبارة أن النيسابوري يرى أن سبب نزول الآية هو واقعة يوم الغدير، وأن القول بنزولها في فضل أمير المؤمنين عليه السلام هو الصحيح من بين الأقوال، ولذا قدم هذا القول على سائر الأقوال، مع عزوه إلى جماعة من الصحابة والإمام الباقر عليه السلام، ونسب أكثر الأقوال الأخرى إلى القيل. ويشهد بكون ذكر هذا القول مقدما على غيره قرينة على اختيار النيسابوري له: أن رشيد الدين الدهلوي نقل عن النسفي كلاما في موضوع، ثم نسب إليه اختيار الأول منهما، لذكره إياه مقدما على القول الآخر، وهذا كلام رشيد الدين في (إيضاح لطافة المقال): وقال العلامة أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي صاحب كنز الدقائق، في آخر كتاب الاعتماد في الاعتقاد: ثم قيل: لا يفضل أحد بعد الصحابة إلا بالعلم والتقوى، وقيل: فضل أولادهم على ترتيب فضل آبائهم،

(هامش)

(1) تفسير النيسابوري 6 / 129 - 130. (*)

ص 231

إلا أولاد فاطمة عليهما السلام، فإنهم يفضلون على أولاد أبي بكر وعمر وعثمان، لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم العترة الطاهرة والذرية الطيبة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وتفيد هذه العبارة - من جهة تقديم ذكر القول المختار للشيخ عبد الحق - أن هذا القول هو الأرجح عند صاحب كتاب الاعتماد، كما لا يخفى على العلماء الأمجاد .

 الاعتماد على النيسابوري وتفسيره

 وذكر الكاتب الجلبي تفسير النيسابوري بقوله: غرائب القرآن ورغائب الفرقان في التفسير، للعلامة نظام الدين حسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري، المعروف بالنظام الأعرج... (1). وعده المولوي حسام الدين السهارنبوري ضمن مصادر كتابه (مرافض الروافض) في عداد تفسير البيضاوي ومعالم التنزيل والمدارك والكشاف وجامع البيان، واصفا إياها بالكتب المعتبرة. وقد اعتمد القوم على كلمات النيسابوري واستندوا إليها في مقابلة أهل الحق والرد على استدلالاتهم، من ذلك استناد (الدهلوي) إلى ما اختاره النيسابوري في الجواب عن مطعن عزل أبي بكر عن إبلاغ سورة البراءة (2). ومن ذلك استشهاد المولوي حيدر علي الفيض آبادي في (منتهى الكلام)، في كلامه حول حديث ارتداد الأصحاب بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذب الرسول صلى الله عليه وسلم إياهم عن الحوض.

(هامش)

(1) كشف الظنون 2 / 1195. (2) التحفة. باب المطاعن: 272. (*)

ص 232

كلام النيسابوري في خطبة تفسيره

 كما يظهر اعتبار هذا التفسير من كلام النيسابوري نفسه أيضا في خطبته، إذ قال: ولقد انتصب جم غفير وجمع كثير من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين، والفضلاء المحققين، والأئمة المتقنين في كل عصر وحين، للخوض في تيار بحاره والكشف عن أستار أسراره، والفحص عن غرائبه والاطلاع على رغائبه، نقلا وعقلا وأخذا واجتهادا، فتباعدت مطامح هماتهم، وتباينت مواقع نياتهم، وتشعبت مسالك أقدامهم، وتفننت مقاطر أقلامهم، فمن بين وجيز وأوجز ومطنب وملغز، ومن مقتصر على حل الألفاظ، ومن ملاحظ مع ذلك حظ المعاني والبيان ونعم اللحاظ، فشكر الله تعالى مساعيهم وصان عن إزراء القادح معاليهم، ومنهم من أعرض عن التفسير وأقبل على التأويل، وهو عندي ركون إلى الأضاليل وسكون على شفا جرف الأباطيل، إلا من عصمه الله وإنه لقليل، ومنهم من مرج البحرين وجمع بين الأمرين، فللراغب الطالب أن يأخذ العذب الفرات ويترك الملح الاجاج، يلقط الدر الثمين ويسقط السبخ والزجاج. وإذ وفقني الله تعالى لتحريك القلم في أكثر الفنون المنقولة والمعقولة، كما اشتهر - بحمد الله تعالى ومنه - فيما بين أهل الزمان، وكان علم التفسير من العلوم بمنزلة الانسان من العين والعين من الانسان، وكان قد رزقني الله تعالى من إبان الصبى وعنفوان الشباب حفظ لفظ القرآن وفهم معنى الفرقان، وطالما طالبني بعض أجلة الأخوان وأعزة الأخدان ممن كنت مشارا عندهم بالبنان في البيان، والله المنان يجازيهم عن حسن ظنونهم ويوفقنا لإسعاف سؤلهم وإنجاح مطلوبهم، أن أجمع كتابا في علم التفسير مشتملا على المهمات، مبنيا على ما وقع إلينا من نقل الاثبات وأقوال الثقات، من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين والفضلاء المحققين المتقدمين والمتأخرين، جعل الله تعالى سعيهم مشكورا

ص 233

وعملهم مبرورا، إستعنت بالمعبود وشرعت في المقصود، معترفا بالعجز والقصور في هذا الفن وفي سائر الفنون، لا كمن هو بابنه وشعره مفتون، كيف وقد قال عز من قائل *(وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)* ومن أصدق من الله قيلا؟ وكفى بالله وليا وكفى بالله وكيلا. ولما كان التفسير الكبير المنسوب إلى الإمام الأفضل والهمام الأمثل، الحبر النحرير والبحر الغزير، الجامع بين المعقول والمنقول، الفائز بالفروع والأصول، أفضل المتأخرين، فخر الملة والحق والدين، محمد بن عمر بن الحسين الخطيب الرازي، تغمده الله برضوانه وأسكنه بحبوحة جنانه، إسمه مطابق لمسماه، وفيه من اللطائف والبحوث ما لا يحصى، ومن الزوائد والنيوث ما لا يخفى، فإنه قد بذل مجهوده ونثل موجوده حتى عسر كتبه على الطالبين، وأعوز تحصيله على الراغبين. حاذيت سياق مرامه وأوردت حاصل كلامه، وقربت مسالك أقدامه، والتقطت عقود نظامه، من غير إخلال بشيء من الفوائد، وإهمال لما يعد من اللطائف والعوائد، وضممت إليه ما وجدت في الكشاف وفي سائر التفاسير من اللطائف المهمات، ورزقني الله تعالى من البضاعة المزجاة، وأثبت القراءات المعتبرات والوقوف المعللات، ثم التفسير المشتمل على المباحث اللفظيات والمعنويات، مع إصلاح ما يجب إصلاحه، وإتمام ما ينبغي إتمامه، من المسائل الموردة في التفسير الكبير والاعتراضات، ومع كل ما يوجد في الكشاف من المواضع المعضلات، سوى الأبيات المعقدات، فإن ذلك يوردها من ظن أن تصحيح القراءات وغرائب القرآن إنما يكون بالأمثال والمستشهدات، كلا، فإن القرآن حجة على غيره وليس غيره حجة عليه، فلا علينا أن نقتصر في غرائب القرآن على تفسيرها بالألفاظ المشتهرات، وعلى إيراد بعض المتجانسات التي تعرف منها أصول الاشتقاقات، وذكرت طرفا من الإشارات المقنعات، والتأويلات الممكنات، والحكايات المبكيات، والمواعظ الرداعة عن المنهيات، الباعثة على أداء الواجبات.

ص 234

والتزمت إيراد لفظ القرآن الكريم أولا مع ترجمته على وجه بديع وطريق منيع، يشتمل على إبراز المقدرات وإظهار المضمرات، وتأويل المتشابهات وتصريح الكنايات، وتحقيق المجازات والاستعارات، فإن هذا النوع من الترجمة مما تكسب فيه العبرات، ويؤذن المترجمون هنالك إلى العثرات، وقلما يفطن له الناشي الواقف على متن اللغة العربية، فضلا عن الدخيل القاصر في العلوم الأدبية، واجتهدت كل الاجتهاد في تسهيل سبيل الرشاد، ووضعت الجميع على طرف الثمام، ليكون الكتاب كالبدر في التمام، وكالشمس في إفادة الخاص والعام، من غير تطويل يورث الملام ولا تقصير يوعر مسالك السالك، ويبدد نظام الكلام، فخير الكلام ما قل ودل، وحسبك من الزاد ما بلغك المحل، والتكلان في الجميع على الرحمن المستعان، والتوفيق مسئول ممن بيده مفاتيح الفضل والاحسان، وخزائن البر والامتنان، وهذا أوان الشروع في تفسير القرآن .

 *(14)* رواية الهمداني

 وروى السيد علي بن شهاب الدين الهمداني نزول آية التبليغ، في فضل أمير المؤمنين عليه السلام في واقعة يوم غدير خم: عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فلما كان بغدير خم نودي الصلاة جامعة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة، وأخذ بيد علي وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: ألا من أنا مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: هنيئا لك يا علي بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وفيه نزلت *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)*

ص 235

الآية (1).

 ترجمة الهمداني وخطبة كتابه

 والسيد علي الهمداني من علماء أهل السنة الربانيين، ومن مشاهير عرفائهم المنتجبين، فقد ترجموا له بما يفوق الوصف، ونسبوا الكرامات الجليلة إليه مثل إحياء الأموات وغيره، كما سنذكر ذلك فيما سيأتي إن شاء الله. وأما كتابه (مودة القربى) فقد مدحه مؤلفه في خطبته، وبين اعتباره وشأنه بقوله: وبعد، فقد قال الله تعالى: *(قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحبوا الله لما أرفدكم من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي. فلما كان مودة آل النبي مسئولا عنها حيث أمر الله تعالى حبيبه العربي بأن لا يسأل عن قومه سوى المودة في القربى، وأن ذلك سبب النجاة للمحبين، وموجب وصولهم إليه وإلى آله عليهم السلام كما قال عليه السلام: من أحب قوما حشر في زمرتهم. وأيضا قال عليه السلام: المرء مع من أحب. فوجب على من طلب طريق الوصول ومنهج القبول محبة الرسول ومودة أهل بيت البتول، وهذه لا تحصل إلا بمعرفة فضائله وفضائل آله عليهم السلام، وهي موقوفة على معرفة ما ورد فيهم من أخباره عليه السلام. ولقد جمعت الأخيار في فضائل العلماء والفقراء أربعينيات كثيرة، ولم يجمع في فضائل أهل البيت إلا قليلا، فلذا - وأنا الفقير الجاني على العلوي الهمداني - أردت أن أجمع في جواهر أخباره ولآلي آثاره مما ورد فيهم، مختصرا موسوما بكتاب (المودة في القربى) تبركا بالكلام القديم، كما في مأمولي أن يجعل ذلك وسيلتي إليهم ونجاتي بهم، وطويته على أربع عشرة مودة، والله يعصمني من الخبط والخلل في القول والعمل، ولم يحول قلمي إلى ما لم ينقل، بحق محمد ومن اتبعه من أصحاب الدول .

(هامش)

(1) مودة القربى. أنظر ينابيع المودة: 249. (*)

ص 236

*(15)* رواية ابن الصباغ

 وروى نور الدين علي بن محمد المعروف بابن الصباغ المالكي نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في كتابه (الفصول المهمة) حيث قال: روى الإمام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمى بأسباب النزول، يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)* يوم غدير خم في علي بن أبي طالب (1).

ترجمة ابن الصباغ واعتبار كتابه

 وابن الصباغ من مشاهير فقهاء المالكية، ومن ثقات علماء أهل السنة المعروفين، فهم ينقلون عنه أقواله ويعتمدون على رواياته، ويصفونه - وهم ناقلون عنه - بالأوصاف العظيمة. وممن أكثر من النقل عنه نور الدين السمهودي في كتابه (جواهر العقدين). وفي (نزهة المجالس): ورأيت في الفصول المهمة في معرفة الأئمة بمكة المشرفة شرفها الله تعالى وهي مصنفة لأبي الحسن المالكي: إن عليا ولدته أمه بجوف الكعبة شرفها الله تعالى (2). وعبر عنه الشيخ أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي ب‍ الشيخ الإمام علي ابن محمد الشهير بابن الصباغ من علماء المالكية في كلام له حول حكم الخنثى

(هامش)

(1) الفصول المهمة في معرفة الأئمة: 42. (2) نزهة المجالس لعبد الرحمن الصفوري 2 / 204 - 205. (*)

ص 237

وهذا نصه: قلت: وهذه المسألة وقعت في زماننا هذا ببلاد الجبرت، على ما أخبرني به سيدي العلامة نور بن خلف الجبرتي، وذكر لي أن الخنثى الموصوفة توفيت عن ولدين، ولد لبطنها وولد لظهرها، وخلفت تركة كثيرة، وأن علماء تلك الجهة تحيروا في الميراث واختلفت أحكامهم، فمنهم من قال: يرث ولد الظهر دون ولد البطن. ومنهم من قال بعكس هذا. ومنهم من قال: يقتسمان التركة. ومنهم من قال: توقف التركة حتى يصطلح الولدان على تساو أو على مفاضلة. وأخبرني أن الخصام قائم والتركة موقوفة، وأنه خرج لسؤال علماء المغرب خصوصا علماء الحرمين عن ذلك. وبعد الاتفاق به بسنتين، وجدت حكم أمير المؤمنين في كتاب الفصول المهمة في فضل الأئمة تصنيف الشيخ الإمام علي بن محمد الشهير بابن الصباغ من علماء المالكية (1). وذكر محمد رشيد الدين خان الدهلوي كتاب (الفصول المهمة) ناسبا إياه إلى الشيخ ابن الصباغ المالكي، ومصرحا بكونه من كتب أهل السنة المؤلفة في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام. كما ذكر عبد الله بن محمد المدني والمطيري شهرة، الشافعي مذهبا، الأشعري اعتقادا، والنقشبندي طريقة - كتاب (الفصول المهمة) في خطبة كتابه (الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة) حيث قال: أما بعد فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن محمد المطيري شهرة المدني حالا: هذا كتاب سميته بالرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة، جمعت فيه ما اطلعت عليه مما ورد في هذا الشأن، واعتنى بنقله العلماء العاملون الأعيان، وأكثره من الفصول المهمة لابن الصباغ، ومن الجوهر الشفاف للخطيب .

(هامش)

(1) ذخيرة المآل - مخطوط. (*)

ص 238

*(16)* رواية العيني

 وروى بدر الدين محمود بن أحمد العيني نزول آية التبليغ: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك)*. في واقعة يوم الغدير، في شرحه على صحيح البخاري، حيث جاء بتفسير الآية المذكورة من كتاب التفسير ما هذا نصه: ص - باب يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. ش - أي هذا باب من قوله تعالى: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل)* ذكر الواحدي من حديث الحسن بن حماد سجاة قال: ثنا علي بن عياش عن الأعمش وأبي الجحاف، عن عطية، عن أبي سعيد قال: نزلت هذه الآية: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)* يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال مقاتل: قوله بلغ ما أنزل إليك. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا اليهود إلى الإسلام فأكثر الدعاء، فجعلوا يستهزؤن به ويقولون: أتريد يا محمد أن نتخذك حنانا كما اتخذت النصارى عيسى حنانا. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك سكت عنهم، فحرض الله تعالى نبيه عليه السلام على الدعاء إلى دينه لا يمنعه تكذيبهم إياه واستهزاؤهم به عن الدعاء. وقال الزمخشري: نزلت هذه الآية بعد أحد. وذكر الثعلبي عن الحسن قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما بعثني الله عز وجل برسالته ضقت بها ذرعا، وعرفت أن من الناس من يكذبني - وكان يهاب قريشا واليهود والنصارى - فنزلت. وقيل: نزلت في عيينة بن حصين وفقراء أهل الصفة. وقيل: نزلت في الجهاد، وذلك أن المنافقين كرهوه وكرهه أيضا بعض

ص 239

المؤمنين، وكان النبي عليه السلام يمسك في بعض الأحايين عن الحث على الجهاد لما يعرف من كراهية القوم، فنزلت. وقيل: بلغ ما أنزل إليك من ربك. في أمر زينب بنت جحش، وهو مذكور في البخاري. وقيل: بلغ ما أنزل إليك في أمر نسائك. وقال أبو جعفر محمد بن علي بن حسين: معناه بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلما نزلت هذه الآية أخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. وقيل: بلغ ما أنزل إليك من حقوق المسلمين، فلما نزلت هذه الآية خطب عليه السلام في حجة الوداع، ثم قال: اللهم هل بلغت؟ وعند ابن الجوزي: بلغ ما أنزل إليك من الرجم والقصاص (1). هذا هو النص الكامل لعبارة العيني في هذا المقام، وقد رأيت أنه قد قدم القول بنزولها في فضل علي عليه السلام يوم الغدير على سائر الأقوال في الذكر، الأمر الذي يدل على تقديمه إياه عليها في الاختيار كما تقدم... ثم إنه عاد وذكر قول سيدنا الإمام الباقر عليه السلام وهو القول الفصل، والحمد لله رب العالمين.

 ترجمة البدر العيني

 1 - شمس الدين السخاوي: محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود، القاضي بدر الدين أبو محمد - وقيل أبو الثناء - ابن القاضي شهاب الدين، الحلبي الأصل، العنتابي المولد، القاهري الحنفي. أحد الأعيان، ويعرف بابن العيني. كان مولد والده بحلب في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وانتقل إلى عنتاب فولي قضاءها فولد بها ولده البدر، وذلك - كما قرأته

(هامش)

(1) عمدة القاري - شرح صحيح البخاري 18 / 206. (*)

ص 240

بخطه - في سابع عشر رمضان سنة 762، فنشأ بها، وقرأ القرآن واشتغل بالعلوم من سائر الفنون على العلماء الكبار... وكان إماما عالما علامة، عارفا بالتصريف والعربية وغيرهما، حافظا للتاريخ واللغة، كثير الاستعمال لها، مشاركا في الفنون، لا يمل من المطالعة والكتابة، كتب بخطه جملة من الكتب، وصنف الكثير، وكان نادرة بحيث لا أعلم بعد شيخنا أكثر تصانيف منه، وقلمه أجود من تقريره، وكتابته طريفة حسنة من السرعة... وحدث وأفتى ودرس، مع لطف العشرة والتواضع، واشتهر اسمه وبعد صيته، وأخذ عنه الفضلاء من كل مذهب، وممن سمع عليه من القدماء: الكمال الشمني، سمع عليه بعض شرح الطحاوي من تصانيفه، وأرغون شاه التيدمري المتوفى سنة 802 صحيح البخاري ومسلم والمصابيح. وعلق شيخنا من فوائده بل سمع عليه، لأجل ما كان عزم عليه من عمل البلدانيات... وذكره العلاء ابن خطيب الناصرية في تاريخه فقال: وهو إمام عالم فاضل مشارك في علوم، وعنده حشمة ومروة وعصبية وديانة - إنتهى. وقد قرأت عليه الأربعين التي انتقاها شيخي رحمه الله تعالى من صحيح مسلم، في خامس صفر سنة إحدى وخمسين، وعرضت عليه قبل ذلك محافيظي وسمعت عدة من دروسه... (1). 2 - السيوطي: العيني قاضي القضاة... تفقه واشتغل بالفنون، وبرع ومهر، ودخل القاهرة وولي الحسبة مرارا، وقضاء الحنفية، وله تصانيف منها: شرح البخاري، وشرح الشواهد، وشرح معاني الآثار، وشرح الهداية، وشرح الكنز، وشرح المجمع، وشرح درر البحار، وطبقات الحنفية، وغير ذلك. مات في

(هامش)

(1) الذيل الطاهر للسخاوي - مخطوط. ومنه نسخة وعليها خط المؤلف في مكتبة السيد صاحب عبقات الأنوار رحمه الله. (*)

ص 241

ذي الحجة سنة 855 (1). 3 - السيوطي أيضا: ... وكان إماما عالما علامة... (2). 4 - محمود بن سليمان الكفوي: قاضي القضاة بدر الدين... ذكر جلال الدين السيوطي في طبقات الحنفية المصرية في حسن المحاضرة، قال... (3). 5 - الزرقاني المالكي: ... وتفقه واشتغل بالفنون وبرع... (4). 6 - الأزنيقي: ... وتفقه، واشتغل بالفنون، وبرع ومهر وولي قضاء الحنفية بالقاهرة، وكان إماما عالما علامة بالعربية والتصريف وغيرهما... (5). 7 - وقال الكاتب الجلبي في شروح البخاري: ومن الشروح المشهورة أيضا شرح العلامة بدر الدين... فإن شرحه حافل كامل في معناه، لكن لم ينتشر كانتشار فتح الباري في حياة مؤلفه وهلم جرا (6). 8 - وقد احتج المولوي حيدر علي الفيض آبادي في (منتهى الكلام) بكلمات العيني في مقابلة أهل الحق، مع الثناء على شرحه للبخاري - عمدة القاري - وقال في حق العيني بأن تبحره وغزارة علومه ومهارته في فن الحديث أشهر من أن يذكر. وهنا يحق لنا أن نسأل المولوي حيدر علي وأمثاله فنقول: كيف يجوز التمسك بما قال العيني في مجال الرد على الشيعة، مع وصفه بالتبحر والمهارة والفقه والامامة وغير ذلك من الأوصاف الجليلة - ولا يجوز الالتفات إلى كلام له أو رواية له لحديث ينفع الشيعة فيما يذهبون إليه؟

(هامش)

(1) حسن المحاضرة 1 / 473. (2) بغية الوعاة 2 / 275. (3) كتاب الأعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار - مخطوط. (4) شرح المواهب اللدنية 1 / 58.

(5) مدينة العلوم للأزنيقي. (6) كشف الظنون 1 / 548. (*)

ص 242

*(17)* رواية السيوطي

وروى جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي حديث نزول آية التبليغ: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك...)* في واقعة يوم غدير خم، في فضل سيدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، وهذا نص عبارته في تفسير الآية المذكورة: أخرج أبو الشيخ عن الحسن: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله بعثني برسالة، فضقت بها ذرعا وعرفت أن الناس مكذبي، فوعدني لأبلغن أو ليعذبني، فأنزلت *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)*. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لما نزلت *(بلغ ما أنزل إليك من ربك)*. قال: يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع، يجتمع علي الناس فنزلت: *(وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)*. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس: *(وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)* يعني إن كتمت آية مما أنزل إليك لم تبلغ رسالته. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)*. على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)*. إن عليا مولى المؤمنين *(وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)*. وأخرج ابن أبي حاتم عن عنترة قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل

ص 243

فقال: إن ناسا يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئا لم يبده رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس. فقال: ألم تعلم أن الله قال: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)*. والله ما ورثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء في بيضاء (1).

وجوه اعتبار هذه الرواية

 ورواية السيوطي هذا الخبر في سبب نزول آية التبليغ في يوم غدير خم في كتاب (الدر المنثور) معتبرة من وجوه: الأول: إن سياق كلام السيوطي ظاهر في أنه يرى أن هذا القول هو الحق من بين الأقوال في هذا المقام، لأنه لم ينقل قولا آخر يخالفه في الدلالة، أما قول الحسن فلا ينافي القول بنزولها يوم الغدير في فضل علي عليه السلام، لأنه روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الله تعالى بعثه برسالة فضاق صلى الله عليه وسلم بها ذرعا... فأنزلت الآية... فلم يبين في هذه الرواية حقيقة تلك الرسالة، فلا تأبى الحمل على أنها كانت حول الإمامة والخلافة، ونصب أمير المؤمنين عليه السلام لها، بل إن قوله صلى الله عليه وسلم: فضقت بها ذرعا وعرفت الناس مكذبي يؤيد هذا الحمل ويؤكده. وكذا الأمر بالنسبة إلى ما ذكره مجاهد، وإلى الخبرين عن ابن عباس، فإن هذه الأخبار أيضا لا تنافي خبر نزول الآية الكريمة في واقعة يوم غدير خم بوجه من الوجوه. الثاني: إن كلام السيوطي في خطبة كتابه (الدر المنثور) صريح في أن الآثار المذكورة فيه في ذيل الآيات مستخرجة من الكتب المعتبرة، وهذا نص عبارته: الحمد لله الذي أحيى بمن شاء مآثر الآثار بعد الدثور، ووفق لتفسير كتابه العزيز بما وصل إلينا بالإسناد العالي من الخبر المأثور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا

(هامش)

(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2 / 298. (*)

ص 244

شريك له، شهادة تضاعف لصاحبها الأجور، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أسفر فجره الصادق فمحى ظلمات أهل الزيغ والفجور، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي العلم المرفوع والفضل المشهور، صلاة وسلاما دائمين على مر الليال والدهور. وبعد - فلما ألفت كتاب ترجمان القرآن وهو التفسير المسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وقد تم بحمد الله في مجلدات، وكان ما أوردته فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرج منها واردات، رأيت قصور أكثر الهمم عن تحصيله، ورغبتهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الاسناد وتطويله، فلخصت منه هذا المختصر مقتصرا فيه على متن الأثر، مصدرا بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر، وسميته بالدر المنثور في التفسير بالمأثور، والله أسأل أن يضاعف لمؤلفه الأجور، ويعصمه عن الخطأ والزور، بمنه وكرمه، لأنه البر الغفور . الثالث: إن كتاب (الدر المنثور) من التفاسير الممدوحة المشهورة التي ذكرها (الدهلوي) في رسالته في (أصول الحديث)، ذكره في عداد تفاسير ابن مردويه والديلمي وابن جرير ثم قال: وإن الدر المنثور للشيخ جلال الدين السيوطي أجمعها. وقد صرح صاحب (منتهى الكلام) بأن معنى الشهرة في هذا المقام هو الاعتبار والاعتماد عند العلماء الأعلام. الرابع: إن السيوطي قد نص في مواضع عديدة من (الدر المنثور) على ضعف الخبر، وهذا يدل على أنه لا يترك الحديث بحاله، بل ينبه على ضعفه إن كان ضعيفا عنده، وعلى هذا الأساس يجوز لنا الاحتجاج بكل حديث يخرجه فيه ولا ينص على جرح له، وقد ذكر هذا المعنى المولوي حيدر علي بالنسبة إلى حديث رواه الشيخ ابن بابويه الصدوق ولم يتعرض إلى جرح فيه. وحينئذ نقول: إن السيوطي أخرج الروايتين الدالتين على نزول آية التبليغ

ص 245

في يوم الغدير ولم يقدح فيهما أصلا بنوع من الأنواع. الخامس: لقد أكثر علماء الحديث والكلام من أهل السنة من الاستناد إلى أحاديث (الدر المنثور) والاحتجاج بها. ففي (تنبيه السفيه) لسيف الله بن أسد الله الملتاني ذكر (الدر المنثور) في سياق كتب مهمة ككتاب: الأسماء والصفات للبيهقي، والمصنف لابن أبي شيبة، والآثار للإمام محمد الشيباني، قائلا بأنها مصادر كتاب (التحفة الاثنا عشرية) من كتب أهل السنة. وفي (الشوكة العمرية) لمحمد رشيد الدين خان تلميذ (الدهلوي) ذكر (الدر المنثور) في كتب التفسير لأهل السنة، المشتملة على الأخبار التفسيرية الواردة عن أمير المؤمنين وغيره من أئمة أهل البيت عليهم السلام. السادس: لقد زعم (الدهلوي) في كتابه (التحفة) أن علماء أهل السنة ومحدثيهم مشهورون بالتقى والعدالة والديانة، بخلاف الرواة في الفرق الأخرى - ولا سيما الشيعة - فإن جميعهم مطعونون ومجروحون عند أنفسهم (1). أقول: وهذا الكلام - بغض النظر عما فيه من جميع نواحيه - فيه أعلى درجات التوثيق وأقصى مراتب التعديل لرواة أهل السنة ورجال أحاديثهم وأخبارهم، وعلى هذا الأساس تسقط جميع المناقشات الصادرة من (الدهلوي) وغيره في أسانيد أحاديث فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، التي رواها المحدثون من أهل السنة، وأخرجها الأئمة والحفاظ في كتبهم المعتبرة، ومنها حديث نزول آية التبليغ: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك...)* في فضل سيدنا الأمير عليه السلام يوم الغدير، فإنه حديث أخرجه جماعة كثيرة من كبار أئمة القوم، عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله... وكفى الله المؤمنين القتال. والحمد لله رب العالمين.

(هامش)

(1) التحفة. الباب الحادي عشر وفي جواب المطعن الثامن من مطاعن الصحابة. (*)

ص 246

*(18)* رواية محبوب العالم

وروى محمد محبوب العالم ابن صفي الدين جعفر المعروف ببدر العالم نزول الآية المباركة: *(يا أيها الرسول بلغ...)* في يوم غدير خم بتفسير الآية في تفسير المشهورة (تفسير شاهي) حيث قال بعد ترجمة الآية، ونقل رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام في معنى العصمة: وفي النيسابوري عن أبي سعيد الخدري: هذه الآية نزلت في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم غدير خم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر رضي الله تعالى عنه وقال: هنيئا لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي رضي الله تعالى عنهم . وقد أورد هذه الرواية ولم يذكر رواية أخرى مخالفة لها.

اعتبار تفسير شاهي من كلام (الدهلوي) وغيره

وقد نص (الدهلوي) في كتابه (التحفة) على اعتبار (تفسير شاهي)، ووصف الروايات الواردة فيه عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بأنها مضبوطة وهذا كلامه حيث قال بتعريف كتب الشيعة: وأما التفاسير فمنها التفسير الذي ينسبونه إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام، رواه عنه ابن بابويه بإسناده عنه، ورواه عنه غيره أيضا بإسناده، مع تفاوت زيادة ونقصانا. وإن أهل السنة أيضا يروون عن الإمام المذكور وغيره من الأئمة في التفسير، كما جاء في الدر المنثور ، وتلك الروايات مجموعة ومضبوطة في تفسير

ص 247

شاهي ، لكن ما يرويه الشيعة عن الأئمة لا يتطابق أبدا مع تلك الروايات (1). وبعد هذا المدح والثناء للتفسيرين المذكورين، لا تسمع الخدشة في ثبوت هذا الحديث المذكور فيهما، لأنه لا يكون إلا عن مكابرة واضحة. كما ذكر تلميذه محمد رشيد الدين خان الدهلوي تفسير شاهي مع تفسير الفخر الرازي، في بيان أن تفاسير أهل السنة مليئة بالأخبار والروايات عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، ومن هذا الكلام يتضح أن هذا التفسير من التفاسير المشهور المعتبرة لدى أهل السنة. والعجب أنهم مع ذلك يقدحون في حديث نزول آية التبليغ المروي في تفسير شاهي - وتفسير الرازي أيضا - وينسون ما ذكروه في الثناء والاعتماد على التفسير المذكور!!

 *(19)* رواية الحاج عبد الوهاب البخاري

 وروى الحاج عبد الوهاب بن محمد بن رفيع الدين أحمد نزول الآية المباركة في واقعة يوم غدير خم حيث قال بتفسير قوله تعالى: *(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)*: عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال في قوله تعالى: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)* أي بلغ من فضائل علي. نزلت الآية في غدير خم. فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. فقال عمر رضي الله عنه: بخ بخ يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. رواه أبو نعيم. وذكره أيضا الثعالبي في كتابه .

(هامش)

(1) التحفة الاثنا عشرية. الباب الثالث: 111. (*)

ص 248

ترجمة الحاج عبد الوهاب

 والحاج عبد الوهاب البخاري من أكابر العلماء المشاهير من أهل السنة، ترجم له الشيخ عبد الحق الدهلوي وأثنى عليه الثناء البالغ في (أخبار الأخيار) (1). وكذلك ترجم له السيد محمد ابن السيد جلال ماه عالم في (تذكرة الأبرار). وقد توفي عبد الوهاب البخاري سنة: 932.

 *(20)* رواية جمال الدين المحدث

 ورواه عطاء الله بن فضل الله الشيرازي، المعروف بجمال الدين المحدث، حيث قال بعد ذكر حديث الغدير: أقول: أصل هذا الحديث - سوى قصة الحارث - تواتر عن أمير المؤمنين عليه السلام. وهو متواتر عن النبي صلى الله عليه وآله أيضا. رواه جمع كثير وجم غفير من الصحابة. فرواه ابن عباس ولفظه قال: لما أمر النبي أن يقوم بعلي بن أبي طالب المقام الذي قام به، فانطلق النبي إلى مكة فقال: رأيت الناس حديثي عهد بكفر، ومتى أفعل هذا به يقولون صنع هذا بابن عمه، ثم مضى حتى قضى حجة الوداع، ثم رجع حتى إذا كان بغدير خم أنزل الله عز وجل: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ما ربك)* الآية. فقام مناد فنادى الصلاة جامعة، ثم قام وأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (2)

(هامش)

(1) أخبار الأخيار: 206. وتوجد ترجمته في كتاب نزهة الخواطر 4 / 223 وقد وصفه بقوله: الشيخ الصالح ولد سنة 869. توفي سنة 932. (2) كتاب الأربعين في فضائل أمير المؤمنين - مخطوط. (*)

ص 249

خطبة كتاب الأربعين

 ويتضح من كلام الجمال المحدث في خطبة كتاب (الأربعين) اعتبار الأحاديث المخرجة فيه، فإنه قال: وبعد فيقول العبد الفقير إلى الله الغني عطاء الله بن فضل الله المشتهر بجمال الدين المحدث الحسيني، حسن الله أحواله وحقق بجوده العميم آماله: هذه أربعون حديثا في مناقب أمير المؤمنين وإمام المتقين ويعسوب المسلمين، ورأس الأولياء والصديقين، ومبين مناهج الحق واليقين، كاسر الأنصاب وهازم الأحزاب، المتصدق في المحراب، فارس ميدان الطعان والضراب، المخصوص بكرامة الأخوة والانتخاب، المنصوص عليه بأنه لدار الحكمة ومدينة العلم باب، وبفضله واصطفائه نزل الوحي ونطق الكتاب، المكنى بأبي الريحانتين وأبي تراب. هو النبأ العظيم وفلك نوح * وباب الله وانقطع الخطاب المشرف بمزية: من كنت مولاه فعلي مولاه، المدعو بدعوة: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فكم كشف عن نبي الله صلى الله عليه وآله من شدة وبؤسي، حتى خصه بقوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وكم فرج عنه من عمة وكربي حتى أنزل الله فيه *(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)*. ثم زاده شرفا ورفعة، ووفر حظه من أقسام العلى توفيرا، وإنما أنزل فيه وفي بنيه: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)* مظهر جسيمات المكارم، ومظهر عميمات المنن، الذي حبه وحب أولاده العظام وأحفاده الكرام من أوفى العدد وأوقى الجنن، شعر: أخو أحمد المختار صفوة هاشم * أبو السادة الغر الميامين مؤتمن وصي إمام المرسلين محمد * علي أمير المؤمنين أبو الحسن

ص 250

هما ظهرا شخصين والنور واحد * بنص حديث النفس والنور فاعلمن هو الوزر المأمول في كل حطة * وإن لا تنجينا ولايته فمن؟ عليهم صلاة الله ما لاح كوكب * وما هز ممراض النسيم على فنن وإن كانت مناقبه كثيرة وفضائله جمة غزيرة، بحيث لا تعد ولا تحصى ولا تحد ولا تستقصى، كما ورد عن ابن عباس مرفوعا: لو أن الرياض أقلام والبحر مداد والجن حساب والإنس كتاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب. وروي: أن رجلا قال لابن عباس: سبحان الله ما أكثر مناقب علي بن أبي طالب! إني لأحسبها ثلاثة آلاف. قال: أولا تقول أنها إلى ثلاثين ألف أقرب؟ لكني اقتصرت منها على أربعين حديثا روما للاختصار، ومراعاة لما اشتهر من سيد الأبرار وسند الأخيار محمد المصطفى الرسول المختار صلى الله عليه وآله ما ترادف الليل والنهار وتعاقب العشي والإبكار أنه قال: من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله تعالى فقيها عالما. وفي رواية: بعثه الله تعالى يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء. وفي رواية: كتب في زمرة العلماء وحشر في زمرة الشهداء. وفي رواية: وكنت له يوم القيامة شافعا وشهيدا وفي رواية: قيل له: أدخل من أي أبواب الجنة شئت. جمعتها من الكتب المعتبرة على طريقة أهل البيت عليهم السلام .

 *(21)* رواية شهاب الدين أحمد

 وروى شهاب الدين أحمد نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في ذكر الآيات النازلة في حق أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: قوله تعالى: *(يا أيها

ص 251

الرسول بلغ من أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)* وبالاسناد المذكور عن أبي الجارود إلى حمزة [أبي جعفر - ظ] قال: *(يا أيها الرسول بلغ من أنزل إليك من ربك)* نزلت في شأن الولاية. وفي رواية أبي بكر ابن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وبارك وسلم: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك إن عليا مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس (1). وقد ذكر شهاب الدين أحمد في عنوان الباب الذي ذكر فيه الآيات النازلة في حق الإمام عليه السلام: الباب الثاني في فضله الذي نطق القرآن ببيانه، وما نزل من الآيات في علو شأنه - إعلم أن الآيات بعضها وردت متفقا عليها في شأن هذا الولي النبيه، وبعضها قد اختلف فيها هل هي لغيره أم هي فيه، فأنا أذكرهما كليهما، معتمدا على ما رواه الصالحاني الإمام، وأسردهما كما ذكرها بإسناده برواية الحفاظ الأعلام، عن الحافظ أبي بكر ابن مردويه، بإسناده إلى أفضل البشر مرفوعا، أو جعله في التحقيق بالاعتزاء إلى الصحابي مشفوعا، غير أني أذكر السور على ترتيب المصاحف في الآفاق، وإن وافقه غيره من الأئمة في شيء أذكر ذلك الوفاق .

 عبارته في خطبة كتابه

وذكر في خطبة كتابه ما يدل على عظمة شأن هذا الكتاب، وجلالة الأحاديث المروية فيه حيث قال: واعلم أن كتابي هذا إن شاء الله تعالى خال عن موضوعات الفريقين، حال بتحري الصدوق وتوخي الحق وتنحي مطبوعات

(هامش)

(1) توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط. (*)

ص 252

الطريقين . وقال: وخرجت من كتب السنة المصونة عن الهرج ودواوينها، وانتهجت فيه منهج من لم ينتهج بنهج العوج عن قوانينها، أحاديث حدث حديثها عن حدث الصدق في الأخبار، ومسانيد ما حدث وضع حديثها بغير الحق في الأخبار. معزوة في كل فصل إلى رواتها، مجلوة في كل أصل عن تداخل غواتها . قال: فيا أهل الانتصاب وجيل سوء الاصطحاب، ويا شر القبيل، لا تغلو في دينكم غير الحق، ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا، وضلوا عن سواء السبيل، إن تجدوا في الكتاب ما وجدتكم على وجدانكم مخالفا لأمر الخلافة، أو ترونه على رأيكم مناقضا للاجماع على تفضيل الصديق منبع الحلم والرأفة، فلا تواضعوا رجما بالغيب في الحكم، تحكما بوضع أخبار أخبر بها نحارير علماء السنة في فضائل مولانا المرتضى، ولا تسارعوا نبذا في الجيب إلى إلقائها قبل تلقيها، فإنها تلاقت قبول مشاهير عظماء الأمة من كل من اختار الحق وارتضى... والغرض في هذا الباب من تمهيد هذه القواعد، أن لا يقوم بالرد لأخبار هذا الكتاب من كان كالقواعد، فإن معظماتها في الصحاح والسنن، ومروياتها مأثورات أصاحب الصلاح في السنن .

 *(22)* رواية البدخشاني

 وروى الميرزا محمد بن معتمد خان الحارثي البدخشاني نزول آية التبليغ في واقعة يوم الغدير، كما عرفت في تخريج رواية ابن مردويه، ورواية عبد الرزاق الرسعني، وهذا نص عبارته كاملة في هذا المقام:

ص 253

الآيات النازلة في شأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كثيرة جدا لا أستطيع استيعابها، فأوردت في هذا الكتاب لبها ولبابها... وأخرج - أي ابن مردويه - عن زر عن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك إن عليا مولى المؤمنين وإن لم تفعل فلما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس. وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)* أخذ النبي بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مثله، وفي آخره: فنزلت *(اليوم أكملت لكم دينكم)* الآية. فقال النبي: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب (1).

 ترجمة البدخشاني

 والميرزا محمد البدخشاني من أكابر مشاهير علماء أهل السنة، وقد صرح محمد رشيد الدين خان الدهلوي في (إيضاح لطافة المقال) بأنه من عظماء أهل السنة، وإن كتابه (مفتاح النجا) يدل كغيره من كتب عظماء أهل السنة - بزعمه - على موالاة أهل السنة لأهل البيت عليهم الصلاة والسلام. وذكر المولوي حيدر علي الفيض آبادي في (إزالة الغين) هذا الرجل من جملة علماء أهل السنة، الذين يعتقدون بلعن يزيد بن معاوية عليه اللعنة وسوء العذاب.

(هامش)

(1) مفتاح النجا - مخطوط. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثامن

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب