نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثامن

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثامن

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 254

دلالة نزول آية التبليغ في الغدير على الإمامة

 ثم إن نزول هذه الآية المباركة في واقعة يوم غدير خم دليل على أنها إنما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله، لتأكد على لزوم تبليغه أمر خلافة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، وتوضح المراد من حديث الغدير وما خطب به رسول الله في ذلك اليوم، إذ أن قوله تعالى: *(وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)* يدل على عظمة شأن ما أمره تعالى بتبليغه، بحيث أنه إن لم يبلغه القوم فما بلغ الرسالة الإسلامية، ولذهبت متاعبه وأعماله هباءا منثورا، وما ذلك إلا حكم الإمامة الذي هو أصل عظيم من أصول الدين، وبه يتم صلاح المسلمين في الدنيا والآخرة. قال في (بحار الأنوار): إن الأخبار المتقدمة الدالة على نزول قوله تعالى: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)* مما يعين أن المراد بالمولى: الأولى والخليفة والإمام، لأن التهديد بأنه إن لم يبلغه فكأنه لم يبلغ شيئا من رسالاته، وضمان العصمة له يجب أن يكون في إبلاغ حكم يكون بإبلاغه إصلاح الدين والدنيا لكافة الأنام، وبه

ص 255

يتبين للناس الحلال والحرام إلى يوم القيامة، وكان قبوله صعبا على الأقوام، وليس ما ذكروه من الاحتمالات في لفظ المولى مما يظن فيه أمثال ذلك، فليس المراد إلا خلافته عليه السلام وإمامته، إذ بها يبقى ما بلغه صلى الله عليه وآله من أحكام الدين، وبها ينتظم أمور المسلمين. وضغائن الناس لأمير المؤمنين عليه السلام كان مظنة إثارة الفتن من المنافقين، فلذا ضمن الله له العصمة من شرهم (1). ثم إنه لما نزلت الآية المباركة على رسول الله صلى الله عليه وآله، وأمر بتبليغ هذه الرسالة العظيمة مع ذلك التهديد، ضاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ذرعا لأنه عرف أن الناس يكذبونه. وذلك من جملة البراهين الواضحة على عظمة تلك الرسالة وصعوبة تقبل بعض الصحابة إياها، ولو كان من أمر بتبليغه من الأمور الفرعية السهلة، أو كان مجرد إيجاب محبة أمير المؤمنين ومودته لما ضاق بإبلاغه ذرعا، ولما خاف تكذيب الناس إياه، والحال أن جملة من روايات حديث الغدير تضمنت هذه الجهات: فعن كتاب (مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام) لابن مردويه بإسناده في شأن نزول آية التبليغ: عن زيد بن علي قال: لما جاء جبرئيل عليه السلام بأمر الولاية ضاق النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ذرعا وقال: قومي حديثو عهد بجاهلية فنزلت . وعنه بإسناده عن ابن عباس قال: لما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقوم بعلي فيقول له ما قال، فقال صلى الله عليه وسلم: يا رب إن قومي حديثو عهد بالجاهلية، ثم مضى بحجه، فلما أقبل راجعا نزل بغدير خم أنزل الله عليه *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)* الآية. فأخذ بعضد علي ثم خرج إلى الناس. إلى آخر ما سيجئ فيما بعد إن شاء الله تعالى .

(هامش)

(1) بحار الأنوار 38 / 249. (*)

ص 256

وقد رواه السيد جمال الدين المحدث الشيرازي كما عرفت. وعرفت أيضا قول السيوطي: أخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: إن الله بعثني رسالة فضقت بها ذرعا وعرفت أن الناس مكذبي، فوعد ربي لأبلغن أو ليعذبني، فأنزلت *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)*. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لما نزلت *(بلغ ما أنزل إليك من ربك)* قال رسول الله: يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع علي الناس! فنزلت *(وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)*(1). وما رواه ابن مردويه وغيره يفسر هذا الحديث، لأن الحديث يفسر بعضه بعضا كما تقرر في علم أصول الحديث. ونص عليه الحافظ ابن حجر في (فتح الباري في شرح صحيح البخاري) وقد تقدم ذكر عبارته سابقا. فإن قيل: إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يحذر تكذيب الكفار والمشركين لا الصحابة. قلنا: إنه صلى الله عليه وآله قد أمر بتبليغ هذه الرسالة إلى المسلمين، وقد كان الحاضرون في يوم الغدير كلهم مسلمين وصحابة له، ومتى كان الكفار موجودين في الغدير حتى يخاف صلى الله عليه وآله تكذيبهم؟! فإن قيل: فقد كان من بين الصحابة منافقون. قلنا: فذلك ما نقول به، وقد كان أكثرهم كذلك، ولو كانوا أقل من المؤمنين به والمخلصين له لما خاف وضاق بالتبليغ ذرعا، ولما قال: يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع علي الناس ، على أن اللفظ الذي رواه المحدث وابن مردويه صريح في أنه صلى الله عليه وآله كان يخاف صحابته المسلمين الذين وصفهم بأنهم حديثو عهد بالجاهلية، ولو كان الذين يحذرهم كفرة لما وصفهم بهذا

(هامش)

(1) الدر المنثور 2 / 298. (*)

ص 257

الوصف. فتلخص أن نزول الآية المباركة في الغدير، وإن ما كان في ذلك اليوم، دليل قطعي على الإمامة والخلافة لأمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل، وأنه لم يكن ما أمر بتبليغه مجرد إيجاب مودة أمير المؤمنين عليه السلام، الأمر الذي فعله من ذي قبل مرارا وتكرارا، إما تصريحا باسمه وإما في ضمن إيجاب مودة أهل البيت وذوي القربى، من غير خوف وحذر، مع كون الصحابة أقرب عهدا بالكفر والجاهلية. لا يقال: فإن النبي صلى الله عليه وآله قد بين أمر الخلافة قبل يوم الغدير، وعين أمير المؤمنين عليه السلام لها، فيلزم أن يكون المراد من الرسالة غيرها. لأن الغرض إثبات أن الأمر الذي أمر صلى الله عليه وآله بتبليغه في غاية العظمة والأهمية، ولا يتصور غير الإمامة والخلافة أمر آخر بهذه المثابة، بحيث يخاف من تكذيب الصحابة، وإن تبليغ هذا الأمر العظيم من ذي قبل لا ينافي تبليغه والتأكيد عليه في حجة الوداع وفي يوم الغدير، مع أمور جديدة لم تقع من قبل، وهي استخلافه صلى الله عليه وآله لعلي والتنصيص على ذلك، وأخذ البيعة على خلافته قرب وفاته، وفي هذا المشهد العظيم المنقطع النظير.

ص 259

(2) نزول قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم ...... يوم غدير خم

ص 261

لقد نزل قوله تعالى: *(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)* بعد فراغ رسول الله صلى الله عليه وآله من خطبته في يوم غدير خم، وتعيين أمير المؤمنين عليه السلام للإمامة والخلافة، وذلك من الأدلة القوية والبراهين القويمة على أن المراد من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت مولاه فهذا علي مولاه هو التنصيص على الإمامة والخلافة لعلي عليه السلام من بعده، إذ ليس هناك غير الإمامة والخلافة أمر آخر يصلح لأن يكون به إكمال الدين وإتمام النعمة، فإن الإمامة والخلافة أصل عظيم من أصول الدين وبها قد كمل، وتمت النعمة، والحمد لله رب العالمين.

ذكر من روى نزول الآية في الغدير

 ولقد روى جماعة من أئمة علماء أهل السنة حديث نزول آية *(اليوم أكملت لكم دينكم...)* في واقعة يوم الغدير، ومنهم: 1 - أحمد بن موسى بن مردويه الاصفهاني. 2 - أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني. 3 - أبو الحسن علي بن محمد الجلابي المعروف بابن المغازلي.

ص 262

4 - الموفق بن أحمد المعروف بأخطب خطباء خوارزم. 5 - محمد بن علي بن إبراهيم النطنزي. 6 - أبو حامد محمود بن محمد الصالحاني. 7 - إبراهيم بن محمد بن المؤيد الحمويني.

*(1)* رواية ابن مردويه

 لقد روى أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الاصفهاني نزول قوله تعالى *(اليوم أكملت لكم دينكم)* في واقعة يوم غدير خم، فقد قال الميرزا محمد بن معتمد خان البدخشي: أخرج عبد الرزاق الرسعني عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)* أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مثله، وفي آخره، فنزلت: *(اليوم أكملت لكم دينكم)* الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب (1).

 *(2)* رواية أبي نعيم

 ورواه أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصفهاني أيضا، حيث أخرج بإسناده:

(هامش)

(1) مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط. (*)

ص 263

عن قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى علي في غدير خم، وأمر بما تحت الشجرة من شوك فقم، وذلك في يوم الخميس، فدعا عليا وأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس بياض إبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم يفترقوا حتى نزلت هذه الآية: *(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)* فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر على إتمام الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وبالولاية لعلي من بعدي الخ (1).

 *(3)* رواية ابن المغازلي

 ورواه أبو الحسن علي بن محمد بن الخطيب الجلابي المعروف بابن المغازلي بسنده عن أبي هريرة، وهذا عين عبارته: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن طاوان قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن الحسين ابن السماك قال: حدثني أبو محمد جعفر ابن محمد بن نصير الخلدي، حدثني علي بن سعيد بن قتيبة الرملي قال: حدثني ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: من صام ثمانية عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي بن أبي طالب فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. فأنزل الله تعالى: *(اليوم أكملت لكم

(هامش)

(1) ما نزل من القرآن في علي - مخطوط. (*)

ص 264

دينكم)*(1).

*(4)* رواية الخوارزمي

 وروى ذلك الموفق بن أحمد بن أبي سعيد المكي الخوارزمي المعروف بأخطب خوارزم قائلا: أخبرنا سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي - فيما كتب إلي من همدان - أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله ابن عبدوس الهمداني كتابة قال: حدثنا عبد الله بن إسحاق البغوي قال: حدثنا الحسن بن عقيل الغنوي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الذراع قال: حدثنا قيس ابن حفص قال: حدثني علي بن الحسين الحسن العبدي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري. أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم دعا الناس إلى غدير خم، أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقم وذلك يوم الخميس، ثم دعا إلى علي، فأخذ بضبعيه ثم رفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطه صلى الله عليه وسلم، ثم لم يفترقا حتى نزلت هذه الآية: *(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)* فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب (1).

(هامش)

(1) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي: 18. (2) مناقب علي بن أبي طالب للخوارزمي: 80. (*)

ص 265

*(5)* رواية النطنزي

 ورواه أبو الفتح محمد بن علي بن إبراهيم النطنزي بإسناده عن أبي هريرة قال: من صام ثمانية عشر من ذي الحجة، وهو يوم غدير خم، لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر بن الخطاب بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم. فأنزل الله: *(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)* كتب له صيام ستين شهرا (1).

*(6)* رواية الصالحاني

 ورواه أبو حامد محمود بن محمد الصالحاني أيضا، كما ذكر السيد شهاب الدين أحمد حيث قال: قوله تعالى: *(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)*. وبالاسناد المذكور عن مجاهد رضي الله تعالى عنه قال: نزلت هذه الآية بغدير خم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وبارك وسلم: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي

(هامش)

(1) الخصائص العلوية - مخطوط. (*)

ص 266

والولاية لعلي. رواه الإمام الصالحاني (1).

 *(7)* رواية الحمويني

 ورواه إبراهيم بن المؤيد الحمويني بإسناده حيث قال: عند سيد الحفاظ أبي منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي قال: أخبرني الحسن بن أحمد ابن الحسن الحداد المقري الحافظ قال: نبأنا أحمد بن عبد الله بن أحمد قال: نبأنا محمد بن أحمد بن علي قال: نبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: نبأنا يحيى الحماني قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى علي في غدير خم، وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقم - وذلك يوم الخميس - فدعا عليا فأخذ بضبعيه فرفعهما، حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم يفترقوا حتى نزلت هذه الآية: *(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)*. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي... الخ (2).

(هامش)

(1) توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط. (2) فرائد السمطين 1 / 74. (*)

ص 267

مع ابن كثير في تكذيبه لهذا الحديث

 وإذ وقفت على رواية نزول قوله تعالى: *(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)* في واقعة يوم غدير خم، وعرفت رواة هذه الرواية من أعلام أهل السنة بأسانيدهم، فاعلم أن الحافظ عماد الدين ابن كثير الدمشقي قال بعد أن ذكر الحديث عن أبي هريرة: فإنه حديث منكر جدا بل كذب . ونحن ننقل هنا نص عبارته، ثم نجيب عما ادعاه في هذا المقام بالتفصيل: أما عبارته فهذا نصها: فأما الحديث الذي رواه ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فأنزل الله عز وجل: *(اليوم أكملت لكم دينكم)* قال أبو هريرة: وهو يوم غدير خم، من صام يوم ثماني عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا. فإنه حديث منكر جدا بل

ص 268

كذب، لمخالفته ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بها كما قدمناه. وكذا قوله: إن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم غدير خم يعدل صيام ستين شهرا. لا يصح، لأنه قد ثبت ما معناه في الصحيح: إن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام واحد يعدل ستين شهرا. هذا باطل. وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي بعد إيراد الحديث: هذا حديث منكر جدا، رواه خيشون الخلال وأحمد بن عبد الله بن أحمد الديري - وهما صدوقان - عن علي بن سعيد الرملي عن ضمرة، قال: ويروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب، ومالك بن الحويرث، وأنس بن مالك، وأبي سعيد، وغيرهم، بأسانيد واهية. قال: وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله. وأما: اللهم وال من والاه. فزيادة قوية الاسناد. وأما هذا الصوم فليس بصحيح ولا والله نزلت الآية يوم عرفة قبل غدير خم بأيام. والله أعلم (1).

 إبطال كلام ابن كثير

 وهذا الكلام في غاية البطلان، لأنه قد اعترف بأن هذا الحديث يرويه ضمرة عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة، وهؤلاء كلهم من رجال الصحاح: فأما (ضمرة) فهو من رجال: الترمذي وأبي داود وابن ماجة والنسائي في صحاحهم.

(هامش)

(1) تاريخ ابن كثير 5 / 213 - 214. (*)

ص 269

وأما (عبد الله بن شوذب) فهو من رجال الصحاح الأربعة المذكورة. وأما (مطر الوراق) فهو من رجال مسلم والصحاح الأربعة المذكورة، ابن حبان أيضا. وأما (شهر بن حوشب) فهو أيضا من رجال مسلم بن الحجاج والأربعة المذكورة. وستعلم فيما بعد - إن شاء الله تعالى - أن رواية واحد من أصحاب الصحاح عن رجل دليل على كونه ثقة عادلا معتمدا صحيح الضبط عندهم، فكيف يكذب حديث رواه أهل السنة بأسانيدهم، عن رجال أخرج عنهم في الصحاح واعتمد عليهم؟! وقد رأينا أن علماء أهل السنة ومصنفيهم يثنون غاية على الصحاح، ويشنعون على الشيعة الإمامية طعنهم في بعض أخبارها ورواتها، فقد قال الميرزا مخدوم الشريفي: ومن هفواتهم: إنكارهم كتب الأحاديث الصحاح التي تلقت الأمة بقبولها، منها صحيحا البخاري ومسلم الذين مر ذكرهما. قال أكثر علماء الغرب أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى صحيح مسلم بن الحجاج القشيري. وقال الأكثرون من غيرهم صحيح محمد بن إسماعيل البخاري هو الأصح، وهو الأصح. وما اتفقا عليه هو ما اتفق عليه الأمة، وهو الذي يقول فيه المحدثون كثيرا صحيح متفق عليه، ويعنون به اتفاقهما لاتفاق الأمة وإن لزمه ذلك، واستدل في الأزهار لثبوت الملازمة باتفاق الأمة على تلقي ما اتفقا عليه والمتفق عليه بينهما هو الذي يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه راويان ثقتان من أتباع التابعين مشهوران بالحفظ، ثم يروي عن كل واحد منهم رواة ثقات من الطبقة الرابعة، ثم يروي عن كل واحد منهم شيخ البخاري ومسلم، والأحاديث المروية بهذه الشرائط قريبة إلى عشرة آلاف. وقد عمل بكتابيهما هذين الأئمة المجتهدون الكاملون بغير تفتيش وتفحص

ص 270

وتعديل وتجريح، من غاية وثوقهم عليهما، وبرئ جمع كثير من المرضى ونجي بيمنهما جم غفير من الغرقى، وقد بلغ القدر المشترك مما ذكر في ميامنهما وبركاتهما حد التواتر وصارا في الإسلام رفيقي المصحف الكريم والقرآن العظيم. فهؤلاء من كثرة جهلهم وقلة حيائهم ينكرون الصحيحين المزبورين وسائر صحاحنا... الخ (1). وقال الفضل ابن روزبهان: وصحاحنا ليس ككتب الشيعة التي اشتهر عند الشيعة أنها من موضوعات يهودي كان يريد تخريب بناء الإسلام، فعملها وجعلها وديعة عند الإمام جعفر الصادق، فلما توفي حسب الناس أنه من كلامه والله أعلم بحقيقة هذا الكلام، ومع هذا لا ثقة لأهل السنة بالمشهورات، بل لا بد من الاسناد الصحيح حتى يصح الرواية. وأما صحاحنا فقد اتفق العلماء أن كل ما عد من الصحاح - سوى التعليقات في الصحاح الستة - لو حلف رجل الطلاق أنه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من فعله وتقريره لم يقع الطلاق ولم يحنث (2). فنقول لابن روزبهان: وإذا كان كذلك فلماذا جعلت في كتابك حديث نزول آية: *(اليوم أكملت..)* في يوم الغدير الذي رواه رجال الصحاح من مفتريات الشيعة؟! ثم نقول: إن جميع هذه التشنيعات والمطاعن التي وجهها إلى الشيعة بسبب قدحهم في صحاح أهل السنة وإنكارهم لطائفة من أخبارهم، تنطبق على الحافظ ابن كثير الذي كذب حديث نزول آية *(اليوم أكملت لكم دينكم...)* في يوم الغدير، ورجاله من رجال الصحاح التي قد عرفت إجماعهم على توثيق رجالها.

(هامش)

(1) نواقض الروافض - مخطوط. (2) إبطال الباطل لابن رزوبهان الشيرازي. (*)

ص 271

رواة حديث أبي هريرة من رجال الصحاح وثقات

 قد عرفت أن رجال خبر أبي هريرة المذكور من رجال الصحاح الستة لأهل السنة، فلا كلام في ثقتهم، ونحن نذكر كلمات علماء الرجال الفطاحل في توثيق كل واحد من هؤلاء: أما ضمرة بن ربيعة: فقد وثقه وأثنى عليه أحمد بن حنبل جماعة، فقد قال الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي: ضمرة بن ربيعة الفلسطيني أبو عبد الله الرملي... روى عنه: الحكم بن موسى، وهارون بن معروف، ونعيم ابن حماد، وبكير بن محمد اسما بن أخي جويرية، ومهدي بن جعفر وأبو عمير عيسى بن محمد الرمليان، وأبو علي الحسن بن واقع، وعلي بن سعيد كان ينزل مدينة الداخل، ودحيم، وسليمان، وعبد الرحمن، وهشام بن عمار، وأحمد بن عبد الله بن بشير بن ذكوان، وأيوب بن بن محمد الوزان، وسليمان بن أيوب البرني، وعبد الله بن عبد الرحمان بن هاني، وعيسى بن يونس، وإدريس بن سليمان بن أبي الرباب، وعلي بن سعيد بن بشير النسائي، ومحمد بن الوزير الدمشقي، وعمرو ابن عثمان الحمصي، ومحمد بن عمرو بن حبان، وعبيد الله بن محمد الفريابي، وهشام بن خالد الأزرق، والحسن بن عبد العزيز الجروي، وأبو عتبة أحمد بن الفرح، وإسماعيل بن عباد الأرسوفي، وسعيد بن راشد بن موسى، وعمرو بن عبد الله بن صفوان والد أبي زرعة، وعبد الرحمن بن واقد الواقدي، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: من الثقات المأمونين، رجل صالح الحديث، لم يذكر بالشام رجل يشبهه، وهو أحب إلينا من بقية، بقية كان لا يبالي عمن حدث. وقال أبو حاتم: صالح. وقال آدم بن أبي أياس: ما رأيت أعقل لما يخرج من رأسه من ضمرة. وقال أبو سعيد ابن يونس: كان فقيه أهل فلسطين في زمانه، قدم مصر وحدث بها وروى عنه من أهلها: عمر بن صالح، وسعيد بن عفير، ويحيى بن أبي بكير، وتوفي بفلسطين في رمضان سنة 202. وقال محمد بن سعد:

ص 272

كان ثقة مأمونا لم يكن هناك أفضل منه، لا الوليد ولا غيره، توفي سنة 202. روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة (1). وذكره الذهبي في (الكاشف) وأورد توثيق أحمد ومدح ابن يونس إياه (2). وأيضا ذكره في (دول الإسلام) وقال: وكان من العلماء المكثرين (3). وأما عبد الله بن شوذب: ففي (الكمال): عبد الله بن شوذب البلخي البصري، سكن الشام ببيت المقدس، عداده في التابعين... روى عنه: أبو إسحاق الفزاري، وضمرة بن ربيعة، وعيسى بن يوسف، وعبد الله بن المبارك وسلمة بن العيار الفزاري، والوليد بن مزيد، وأيوب بن سويد، وإبراهيم بن أدهم، وابن مسلم الحفاف الحلبي، ومحمد بن الكثير المصيصي. قال سفيان الثوري: كان ابن شوذب عندنا وكنا نعده من ثقات مشايخنا. وقال الوليد بن كثير: إذا رأيت ابن شوذب ذكرت الملائكة، وسئل عنه يحيى بن معين فقال: ثقة. وقال أحمد بن حنبل: لا أعلم به بأسا - وفي لفظ - لا أعلم إلا خيرا، وهو من أهل بلخ، نزل البصرة سمع بها الحديث وتفقه، ثم انتقل إلى الشام فأقام بها، وكان من الثقات. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقال ضمرة: مات سنة 156. روى له: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة (4). وقال الذهبي: وثقه جماعة، كان إذا رأي ذكرت الملائكة (5). وقال ابن حجر: صدوق عابد (6). وفي (تهذيب التهذيب): قال أبو طالب عن أحمد: ابن شوذب من أهل

(هامش)

(1) الكمال في أسماء الرجال - مخطوط. (2) الكاشف / 38. (3) دول الإسلام - حوادث 202. (4) الكمال في أسماء الرجال - مخطوط. (5) الكاشف 1 / 356. (6) تقريب التهذيب 1 / 423. (*)

ص 273

بلخ، نزل البصرة، وسمع بها الحديث وتفقه وكتب، ثم انتقل إلى الشام فأقام بها وكان من الثقات. وقال سفيان: كان ابن شوذب من ثقات مشايخنا. وقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد: لا أعلم به بأسا. وقال مرة: لا أعلم إلا خيرا. وقال ابن معين وابن عمار والنسائي: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال وليد بن كثير: كنت إذا نظرت إلى ابن شوذب ذكرت الملائكة... قلت: ونقل ابن خلفون توثيقه عن ابن نمير وغيره ووثقه العجلي أيضا. وأما أبو محمد ابن حزم فقال: إنه مجهول (1). وأما مطر الوراق فذكره الحافظ أبو نعيم بقوله: ومنهم العالم المشفاق والعامل المنفاق أبو رجاء مطر الوراق. حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: ثنا إسحاق بن أحمد قال: ثنا عبد الرحمن بن عمر بن رسته قال: ثنا أبو داود قال: ثنا جعفر بن سليمان قال: سمعت مالك بن دينار يقول: يرحم الله مطرا كان عبد العلم. حدثنا أبو حامد بن جبلة قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: ثنا العباس بن أبي طالب قال: ثنا الخليل بن عمر بن إبراهيم قال: سمعت عمي أبا عيسى يقول: ما رأيت مثل مطر في فقهه وزهده . حدثنا أبو حامد بن جبلة قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: ثنا علي بن مسلم قال: ثنا سيار قال: ثنا جعفر بن سليمان قال: سمعت مالك بن دينار قال: يرحم الله مطرا إني لأرجو له الجنة (2). وأما شهر بن حوشب: فقال الحافظ عبد الغني المقدسي بترجمته: شهر بن حوشب أبو سعيد - ويقال أبو عبد الله، ويقال أبو عبد الرحمن ويقال أبو الجعد - الأشعري الشامي الحمصي وقيل الدمشقي... روى عنه: قتادة، ومعاوية بن

(هامش)

(1) تهذيب التهذيب 5 / 255 - 261. (2) حلية الأولياء 3 / 75 - 76. (*)

ص 274

قرة، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، وشمر بن عطية، وعبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي، وعوف الأعرابي، ويزيد بن أبي مريم السلولي، وأبان بن صالح، وداود بن أبي هند، وعبد الله بن أبي زياد المكي، وثعلبة بن مسلم الخثعمي، وميمون بن سياه البصري، وعبد الحميد بن بهرام، وأشعث الحداني، وثابت البناني، وسماك بن حرب، وسعيد بن عطية، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وعبد العزيز بن عبيد الله، والحكم بن لبان، وبديل بن ميسرة، وعبد العزيز ابن صهيب، وحفص بن أبي حفص أبو معمر التميمي، وأبو جعفر حماد بن جعفر البصري، وليث بن أبي سليم، ومستقيم بن عبد الملك، ويزيد أبو عبد الله الشيباني، وإبراهيم بن عبد الرحمن الشيباني، وزيد العمي، والحكم بن عتبة، وعقبة بن عبد الله الرفاعي، وعلي بن زيد بن جدعان، وحبيب بن أبي ثابت، وأبو كعب صاحب الحرير وقال عمرو بن علي: ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شهر بن حوشب وكان يحيى لا يحدث عنه. وسمعت معاذ بن معاذ يقول: ما نصنع بحديث شهر؟ إن شعبة ترك حديثه. وقال أحمد بن إسماعيل الكرماني عن أحمد بن حنبل: ما أحسن حديثه ووثقه وهو شامي من أهل حمص وأظنه كنديا، روى عن أسماء بنت يزيد أحاديث حسانا. وقال أحمد بن عبد الله: هو تابعي ثقة. وقال ابن أبي خيثمة عن يحيى: هو ثقة. وقال أبو حاتم: هو أحب إلي من أبي هارون وبشر بن حرب وليس بدون أبي الزبير لا يحتج به. وقال أبو زرعة: لا بأس به ولم يلق عمرو بن عبسة، وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل: عبد الحميد بن بهرام أحاديثه مقاربة هي حديث شهر، كان يحفظها كأنه يقرأ سورة من القرآن، وإنما هي سبعون حديثا وهي طوال ومنها حروف ينبغي أن تضبط ولكن يقطعونها. وقال الترمذي قال أحمد بن حنبل: لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب. وقال محمد: شهر حسن الحديث وقوى أمره وقال: إنما يتكلم فيه ابن عون، ثم روى عن هلال بن أبي

ص 275

زينب عن شهر بن حوشب، وقال محمد بن عبد الله بن عمار - وسئل عن شهر بن حوشب فقال - روى عنه الناس وما أعلم أحدا قال فيه غير شعبة. قلت: يكون حديثه حجة؟ قال: لا. وقال يعقوب بن شيبة: هو ثقة. وقال صالح بن محمد البغدادي: شهر بن حوشب شامي قدم العراق على حجاج بن يوسف، روى عنه الناس من أهل الكوفة وأهل البصرة، وأهل الشام، ولم يوقف منه على كذب، وكان رجلا ينسك إلا أنه روى أحاديث يتفرد بها لم يشركه فيها أحد، مثل حديث ثابت البناني عن شهر بن حوشب. أخرج له مسلم مقرونا بغيره، وأخرج له الجماعة إلا البخاري (1). وقال ابن حجر: قال يعقوب بن شيبة قيل لابن المديني: تروي [ترضى] حديث شهر؟ فقال: أنا أحدث عنه، وكان عبد الرحمن يحدث عنه، وأنا لا أدع حديث الرجل إلا أن يجتمعا عليه يحيى وعبد الرحمن - يعني على تركه - وقال حرب ابن إسماعيل عن أحمد: ما أحسن حديثه ووثقه وأظنه قال: هو كندي وروى عن أسماء أحاديث حسانا. وقال أبو طالب عن أحمد: عبد الحميد بن بهرام أحاديثه مقاربة هي أحاديث شهر كان يحفظها كأنه يقرأ سورة من القرآن، وقال حنبل عن أحمد: ليس به بأس، وقال عثمان الدارمي: بلغني أن أحمد كان يثني على شهر، وقال الترمذي قال أحمد: لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر، وقال الترمذي عن البخاري: شهر حسن الحديث وقوى أمره وقال ابن أبي خيثمة ومعاوية بن صالح عن ابن معين: ثقة. وقال عباس الدوري عن ابن معين: ثبت. وقال العجلي: شامي تابعي ثقة. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة على أن بعضهم قد طعن فيه. وقال يعقوب بن سفيان: وشهر وإن قال ابن عون تركوه فهو ثقة... وقال أبو جعفر الطبري: كان فقيها قارئا عالما، وقال أبو بكر البزار:

(هامش)

(1) الكمال في أسماء الرجال - مخطوط. (*)

ص 276

لا نعلم أحدا ترك الرواية عند غير شعبة... (1). وقال الذهبي: ... قال أبو عيسى الترمذي قال محمد - هو البخاري - شهر حسن الحديث وقوى أمره. وقال أحمد بن عبد الله العجلي ثقة شامي، وروى عياش عن يحيى: ثبت. وقال يعقوب بن شيبة: شهر ثقة طعن فيه بعضهم قال ابن عدي: شهر ممن لا يحتج به ولا يتدين بحديثه. قلت: ذهب إلى الاحتجاج به جماعة، وقال حرب الكرماني عن أحمد ما أحسن حديثه ووثقه وهو حمصي، وروى حنبل عن أحمد: ليس به بأس، وقال الفوي: شهر وإن تكلم فيه ابن عون فهو ثقة (2). وإذ قد عرفت توثيق هذه الكثرة من الأئمة لشهر بن حوشب فإنه يسقط عن الاعتبار أمام ذلك جرح بعضهم إياه. على أنه قد تقرر عندهم أن التعديل يترجح على الجرح ويجعله كأن لم يكن عند التعارض، وممن نص على ذلك أبو المؤيد الخوارزمي، وحكاه عن ابن الجوزي الذي قد نص على هذه القاعدة الكلية في كلام حول شهر بن حوشب الذي وقع في طريق حديث، وإليك عبارة أبي المؤيد الخوارزمي بعينها: والدليل على ما ذكرنا: إن التعديل متى ترجح على الجحر يجعل الجرح كأن لم يكن، وقد ذكر ذلك إمام أئمة التحقيق ابن الجوزي في (كتاب التحقيق في أحاديث التعليق) في مواضع منه، فقال في حديث المضمضة والاستنشاق الذي يرويه جابر الجعفي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا يتم الوضوء إلا بهما: فإن قال الخصم - أعني الشافعي رحمه الله فإنه يراهما سنة فيهما - جابر الجعفي قد كذبه أيوب السختياني وزائدة. قلنا: قد وثقه سفيان الثوري وشعبة وكفى بهما.

(هامش)

(1) تهذيب التهذيب 4 / 369 - 372. (2) ميزان الاعتدال 2 / 284. (*)

ص 277

وقال في حديث الأذنان من الرأس فيما يرويه سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: الأذنان من الرأس: فإن قال الخصم - أعني الشافعي فإنه يأخذ لهما ماءا جديدا - إن سنان بن ربيعة مضطرب الحديث، وشهر بن حوشب لا يحتج بحديثه. قال ابن عدي: ليس بالقوي ولا يحتج بحديثه. قلنا في الجواب: أما شهر بن حوشب فقد وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وأما سنان فاضطراب حديثه لا يمنع ثقته. إلى أن قال: وهكذا فعله غيره من علماء الحديث متى ترجح التعديل جعل الجرح كأن لم يكن، فالذي يروي عن بعض المحدثين توثيقه لا يعتبر فيه طعن الطاعنين... (1). ومن هنا أيضا يثبت وثاقة شهر عند ابن الجوزي أيضا.

بطلان ما ذكره ابن كثير حول صيام يوم الغدير

 وأما قول ابن كثير - بالنسبة إلى ثواب صوم يوم غدير خم الوارد في رواية أبي هريرة -: وكذا قوله إن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم غدير خم يعدل ستين شهر، لا يصح، لأنه قد ثبت معناه في الصحيح أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهرا؟ هذا باطل فلا يخفى بطلانه على من له أدنى خبرة بالأخبار، إذ قد ورد له نظائر كثيرة، نذكر هنا بعضها:

 1 - فضل صوم السابع والعشرين من رجب

 قال نور الدين الحلبي في ذكر مبعث النبي صلى الله عليه وآله: وقيل: كان ذلك ليلة أو يوم السابع والعشرين من رجب. فقد أورد الحافظ

(هامش)

(1) جامع مسانيد أبي حنيفة 1 / 39. (*)

ص 278

الدمياطي في سيرته عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: من صام يوم سبع وعشرين من رجب كتب الله له صيام ستين شهرا، وهو اليوم الذي نزل فيه جبرئيل عن النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وأول يوم هبط فيه جبرئيل. هذا كلامه (1). والعجب من الحلبي كيف يذكر الاعتراض على حديث أبي هريرة في صوم يوم الغدير بمثل ما ذكر ابن كثير، وهو يروي مثله عن أبي هريرة في صوم يوم المبعث؟ نعم قد أمر في آخر كلامه بالتأمل، وهذا نص كلامه: وما جاء من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهرا، قال بعضهم قال الحافظ الذهبي: هذا حديث منكر جدا أي بل كذب، فقد ثبت في الصحيح ما معناه إن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهرا. هذا باطل. هذا كلامه فليتأمل (2). ترجمة الحافظ الدمياطي والحافظ الدمياطي راوي حديث أبي هريرة في فضل صوم يوم المبعث ترجم له الحافظ الذهبي بقوله: الدمياطي شيخنا الإمام العلامة، الحافظ الحجة الفقيه النسابة، شيخ المحدثين، شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن أبي الحسن اليوني الدمياطي الشافعي صاحب التصانيف. مولده في آخر سنة 613، تفقه بدمياط وبرع، ثم طلب الحديث... وكتب العالي والنازل وجمع فأوعى، وسكن دمشق فأكثر بها من ابن مسلمة وغيره، ومعجم شيوخه يبلغون ألفا وثلاثمائة إنسان. وكان حاذقا حافظا متقنا، جيد العربية عزيز اللغة، واسع الفقه، رأسا في علم النسب، دينا كيسا متواضعا

(هامش)

(1) إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون 1 / 384. (2) نفس المصدر 3 / 337. (*)

ص 279

نسابا، محببا إلى الطلبة، مليح الصورة، نقي النية، كبير القدر... وسمعت أبا الحجاج الحافظ - وما رأيت أحدا أحفظ منه لهذا الشأن - يقول: ما رأيت أحفظ من الدمياطي... فتوفي في ذي القعدة سنة 705. وكانت جنازته مشهودة. ومن علومه القراءات السبع، تلا بها على الكمال العباسي الضرير (1). وهذا الحديث الذي رواه الدمياطي في فضيلة صيام السابع والعشرين من رجب قد رواه جماعة من أكابر أهل السنة، قال الشيخ عبد القادر الجيلاني: فصل في فضيلة صيام السابع والعشرين من رجب. أخبرنا الشيخ أبو البركات هبة الله السقطي قال: أخبرنا الشيخ الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي بن بشر قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ [قال] أخبرنا أبو نصر حبشون بن موسى الخلال قال: أخبرنا علي بن سعيد الرملي قال: أخبرنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن مرزوق، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من صام يوم السابع والعشرين من رجب كتب الله له صيام ستين شهرا، وهو أول يوم نزيل فيه جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة (2). وفي (نزهة المجالس): عن النبي صلى الله عليه وسلم: من صام يوم السابع والعشرين من رجب كتب الله له ثواب ستين شهرا (3). بل لقد رووا أن من صام هذا اليوم كان كمن صام مائة سنة، فقد قال الشيخ عبد القادر الجيلاني، أخبرنا هبة الله بإسناده عن أبي مسلم [سلمة] عن أبي هريرة وسلمان الفارسي - رضي الله عنهما - قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في رجب يوما وليلة، من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة كان له من

(هامش)

(1) تذكرة الحفاظ 4 / 1477. (2) غنية الطالبين 501 - 502. (3) نزهة المجالس 1 / 154. (*)

ص 280

الأجر كمن صام مائة سنة وقامها، وهي لثلاث بقين من رجب، وهو اليوم الذي بعث فيه نبينا صلى الله عليه وسلم (1). وفي (نزهة المجالس) أيضا: وعن أبي هريرة وسلمان الفارسي - رضي الله عنهما - قالا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن في رجب يوما وليلة من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة كان له من الأجر كمن صام مائة عام وقامها، وهي لثلاث بقين من رجب. حكاه الشيخ عبد القادر الكيلاني في الغنية (2). وقال علي بن يحيى البخاري الزندويستي: قال سلمان الفارسي قال النبي صلى الله عليه وسلم في رجب ليلة ويوم، من قام تلك الليلة وصام ذلك اليوم، كان كمن صام مائة سنة، وهو لثلاث بقين من رجب، فيه بعث الله تعالى محمدا (3).

2 - فضل صوم أيام شهر رجب

وفي (غنية الطالبين) حول فصل صيام واحد ويومين وثلاثة أيام من شهر رجب ما نصه: فمن ذلك ما أخبرنا به الشيخ الإمام هبة الله بن المبارك السقطي رحمه الله، عن الحسن بن أحمد بن عبد الله المقري، بإسناده عن هارون بن عنترة، عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شهر رجب شهر عظيم، من صام منه يوما كتب الله تعالى له صوم ألف سنة، ومن صام منه يومين كتب الله صوم ألفي سنة، ومن صام منه ثلاثة أيام كتب الله تعالى له صوم ثلاثة آلاف سنة (4).

(هامش)

(1) غنية الطالبين 502 - 503. (2) نزهة المجالس 1 / 154. (3) روضة العلماء - مخطوط. (4) غنية الطالبين 483. (*)

ص 281

وفي رواية طويلة له ذكر لصوم كل يوم من أيام رجب ثوابا وفضيلة إلى أن قال: ومن صام عشرة أيام فبخ بخ بخ، له مثل ذلك وعشرة أضعاف، وهو ممن يبد الله سيئاته حسنات، ويكون من المقربين القوامين لله بالقسط، وكان كمن عبد الله ألف عام قائما صائما صابرا محتسبا، ومن صام عشرين يوما كان له مثل ذلك وعشرين ضعفا، وهو ممن يزاحم إبراهيم خليل الله في قبته، ويشفع في مثل ربيعة ومضر من أهل الخطايا والذنوب، ومن صام ثلاثين كان له مثل ذلك وثلاثين ضعفا... (1). وفي (روضة العلماء): حدثنا الإمام أبو بكر الاسماعيلي بإسناد له عن سعيد ابن جبير عن أبيه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن رجبا شهر عظيم يضاعف الله في الحسنات، فمن صام منه ثلاثة كان كصيام سنة... (2). وفي (نزهة المجالس): قال علي رضي الله عنه: صوم ثالث عشر رجب كصيام ثلاثة آلاف سنة، وصوم رابع عشر رجب كصيام عشرة آلاف سنة، وصوم عشرين كصيام مائة ألف عام. وسيأتي نظيره في الأيام البيض. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: فضل رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الكلام. وعنه صلى الله عليه وسلم: من صام يوما من رجب فكأنه صام أربعين سنة (3). وفيه: وعن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم: من صام ثلاثة أيام من رجب وقام ليلها فله من الأجر كمن صام ثلاثة آلاف سنة وقام ليلها، يغفر الله له بكل يوم سبعين كبيرة، ويقضي له سبعين حاجة عند النزع، وسبعين حاجة في

(هامش)

(1) المصدر 486. (2) روضة العلماء - مخطوط. (3) نزهة المجالس 1 / 152. (*)

ص 282

قبره، وسبعين حاجة عند تطاير الصحف، وسبعين حاجة عند الميزان، وسبعين حاجة عند الصراط (1). وفيه: عن سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه وسلم: من صام يوما من رجب فكأنما صام ألف سنة وكأنما أعتق ألف رقبة (3).

3 - فضل صوم يوم عرفة

 وفي (روضة العلماء) في فضل صوم يوم عرفة: وحدثنا أيضا محمد بن نعيم، بإسناد له عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صام يوم عرفة فهو مثل صيام سنتين (3). وفيه: حدثنا الحاكم أبو نصر الحربي بإسناد له عن أبي سلمة رضي الله عنه عن أبي هريرة رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صام يوم عرفة كتب الله تعالى له بعدد من صام ذلك اليوم، وبعدد من لم يصمه من المسلمين عمر الدنيا كلها عشر مرات ثوابا، ويشيعه من قبره القيامة سبعون ألف ملك إلى الموقف وعند نصب الميزان، ومن الموقف إلى الصراط، ومن الصراط إلى الجنة، يهونون عليه أهوال يوم القيامة والنزع، ويبشرونه في كل خطوة - يخطوها مركبه - بشارة جديدة، وقيل له: تمن على الله ما شئت. صلى الله على محمد وآله أجمعين (4). وقال أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي: حدثنا أبي رحمه الله بإسناده عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن شابا كان صاحب سماع. أي كان

(هامش)

(1) نزهة المجالس 1 / 152. (2) المصدر 1 / 153. (3) روضة العلماء ونزهة الفضلاء لعلي بن يحيى الزندويستي المتوفى سنة 382 - مخطوط. كذا في الأعلام. (4) روضة العلماء الزندويستي - مخطوط. (*)

ص 283

مشهورا بين الناس بالخير والشجاعة، وكان إذا أهل هلال ذي الحجة أصبح قائما، فارتفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأرسل إليه ودعاه فقال: ما يحملك على صيام هذه الأيام؟ قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أصوم أيام المشاعر وأيام الحج عسى الله أن يشركني في دعائهم. قال: فإن لك بكل يوم تصومه عدل مائة رقبة ومائة بدنة ومائة فرس يحمل عليها في سبيل الله، فإذا كان يوم التروية فلك فيها عدل ألف رقبة وألف بدنة وألف فرس يحمل عليها في سبيل الله، فإذا كان يوم عرفة فلك فيه عدل ألفي رقبة وألفي بدنة وألفي فرس يحمل في سبيل الله، وهو يعدل صيام السنتين سنة قبلها وسنة بعدها. وفي رواية أخرى أنه قال: صيام عرفة يعدل سنتين ويعدل صوم عاشورا بصوم سنة (1).

4 - فضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر

 وفي (غنية الطالبين): عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم عند انتصاف النهار - وهو في الحجرة - فسلمت عليه، فرد السلام. ثم قال: يا علي هذا جبرئيل يقرئك السلام فقلت: عليك وعليه السلام يا رسول الله. ثم قال صلى الله عليه وسلم: أدن مني. فدنوت منه. فقال: يا علي يقول لك جبرئيل: صم من كل شهر ثلاثة أيام يكتب لك بأول يوم ثواب عشرة آلاف سنة، وباليوم الثاني ثواب ثلاثين ألف سنة، وباليوم الثالث مائة ألف سنة. فقلت: يا رسول الله هذا الثواب لي خاصة أم للناس عامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا علي يعطيك الله هذا الثواب ولمن يعمل بعملك بعدك... (2).

(هامش)

(1) تنبيه الغافلين - مخطوط. (2) غنية الطالبين 738. (*)

ص 284

5 - فضل صوم عاشوراء

 وكل يوم من محرم وحول فضل صوم عاشوراء وكل يوم من أيام شهر محرم الحرام قال الشيخ عبد القادر الكيلاني: مجلس في ذكر فضائل يوم عاشوراء. قال الله عز وجل: *(إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض منها أربعة حرم)* وقد تقدم ذكر ذلك وأن منها المحرم، فهذا الشهر من الأشهر المحرمة عند الله عز وجل، وفيه يوم عاشوراء الذي عظم الله أجر من أطاعه فيه. من ذلك ما أخبرنا به أبو نصر عن والده بإسناده عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صام يوما من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوما. ومن ذلك ما روى عن ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صام عاشوراء من المحرم أعطي ثواب عشرة آلاف ملك. من صام يوم عاشورا من المحرم أعطي ثواب عشرة آلاف حاج ومعتمر وثواب عشرة آلاف شهيد (1). وقال: وفي لفظ آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن صام يوم عاشورا كتب له عبادة ستين سنة بصيامها وقيامها... (2) وقال الصفوري: وفي رواية الطبراني: من صام يوما من المحرم كان له بكل يوم ثلاثون يوما (3). وقال أيضا: مكتوب في التوراة: من صام يوم عاشورا فكأنما صام الدهر

(هامش)

(1) غنية الطالبين 673. (2) المصدر 675. (3) نزهة المجالس 1 / 173. (*)

ص 285

كله (1).

دحض المعارضة بحديث الصحيحين

 وأما قول ابن كثير: فإنه حديث منكر جدا بل كذب، لمخالفته ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بها كما قدمناه . فالجواب عنه - بعد تسليم صحة حديث الصحيحين سندا، وبعد غض النظر عن عدم صلاحيته للمعارضة مع حديث أبي هريرة المذكور، لكونه متفقا عليه دونه - إنه يحتمل أن تكون هذه الآية نازلة مرتين، والجمع بين الحديثين بهكذا احتمال كثير شائع بين العلماء، كما لا يخفى على من يتتبع كتب الحديث والتفسير وشروح الحديث، وسيجئ إن شاء الله تعالى بيان ذلك في الوجه السادس. ولقد صرح سبط ابن الجوزي بهذا الاحتمال في خصوص هذه الآية الكريمة، وبذلك أجاب عن دعوى ضعف حديث نزولها في يوم غدير خم، فقد قال ما نصه: فإن قيل: فهذه الرواية التي فيها قول عمر رضي الله عنه: أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. ضعيفة. فالجواب: إن هذه الرواية صحيحة، وإنما الضعيف حديث رواه أبو بكر أحمد بن ثابت الخطيب عن عبد الله بن علي بن محمد بن بشر، عن علي بن عمر الدارقطني، عن أبي نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال، رفعه إلى أبي هريرة وقال في آخره: لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه نزل قوله تعالى: *(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي)* الآية. قالوا: وقد انفرد بهذا الحديث حبشون، ونحن نقول: نحن ما استدللنا بحديث حبشون،

(هامش)

(1) نزهة المجالس 1 / 174. (*)

ص 286

بل بالحديث الذي رواه أحمد في الفضائل عن البراء بن عازب وإسناده صحيح. ورواية حبشون مضطربة، لأنه قد ثبت في الصحيحين أن قوله تعالى: *(اليوم أكملت لكم دينكم)* الآية، نزلت عشية عرفة في حجة الوداع، على أن الأزهري قد روى عن حبشون ولم يضعفه، فإن رواية حبشون احتملت أن الآية نزلت مرتين... (1).

صوم يوم الغدير كصيام ستين شهر

. هذا، ولقد روى جماعة آخرون حديث فضل صوم يوم غدير خم عن أبي هريرة، فقد روى السيد علي الهمداني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: من صام يوم الثامن عشر من ذي الحجة كان له كصيام ستين شهرا، وهو اليوم الذي أخذ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي في غدير خم. فقال عليه الصلاة والسلام: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واخذل من خذله. وعن الإمام الباقر عن آبائه عليهم السلام مثل ذلك، بل يروى عن كثير من الصحابة في أماكن مختلفة هذا الخبر. إنتهى (2). وقال الخطيب الخوارزمي: وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا، قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو يعلى الزبير بن عبد الله الثوري قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله البزاز قال: حدثنا علي بن سعيد الرملي قال: حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: من صام اليوم الثماني عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين سنة، وهو يوم غدير خم، لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال: من كنت

(هامش)

(1) تذكرة الخواص: 29 - 30. (2) المودة في القربى للسيد علي الهمداني، أنظر ينابيع المودة: 249. (*)

ص 287

ولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره. فقال له عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ومسلمة (1). وقال الحموئي: أخبرنا الشيخ الإمام عماد الدين عبد الحافظ بن بدران - بقراءتي عليه بمدينة نابلس في مسجده - قلت له: أخبرك القاضي أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الحرستاني إجازة فأقر به، قال أنبأنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي إجازة قال: أنبأنا شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ قال: أنبأنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو يعلى الزبير بن عبد الله الثوري، حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله البزاز، حدثنا علي بن سعيد الرملي، حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: من صام يوم الثماني عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين سنة، وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره. فقال له عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم (2).

(هامش)

(1) مناقب علي بن أبي طالب 79. (2) فرائد السمطين 1 / 77. (*)

ص 289

(3) شعر حسان بن ثابت في يوم الغدير خم

ص 291

ومن الأدلة على دلالة حديث الغدير على الإمامة والخلافة: شعر حسان بن ثابت، الذي أنشده بعد فراغ رسول الله صلى الله عليه وآله من الخطبة بإذن منه، وبمشهد ومسمع منه صلى الله عليه وآله: وممن روى خبر ذلك من مشاهير أئمة أهل السنة: 1 - أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه. 2 - أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصفهاني. 3 - الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي. 4 - أبو الفتح محمد بن علي النطنزي. 5 - شمس الدين أبو المظفر سبط ابن الجوزي. 6 - أبو عبد الله محمد بن يوسف الكنجي. 7 - إبراهيم بن محمد بن المؤيد الحمويني. 8 - جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي.

ص 292

*(1)* رواية ابن مردويه

 لقد روى ابن مردويه - على ما نقل عنه في كشف الغمة -: عن ابن عباس قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم بعلي فيقول له ما قال. فقال صلى الله عليه وسلم: يا رب إن قومي حديثو عهد بجاهلية، ثم مضى بحجه، فلما أقبل راجعا نزل بغدير خم أنزل الله عليه: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)* الآية، فأخذ بعضد علي، ثم خرج إلى الناس فقال: يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واخذل من خذله وانصر من نصره، وأحب من أحبه وابغض من أبغضه. قال ابن عباس: فوجبت والله في رقاب القوم. وقال حسان بن ثابت: يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم واسمع بالرسول مناديا يقول فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت ولينا * ولم تر منا في الولاية عاصيا فقال له قم يا على فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا (1)

(هامش)

(1) كشف الغمة في معرفة 1 / 318 عن مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه. (*)

ص 293

*(2)* رواية أبي نعيم

 وروى ذلك أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصفهاني -: عن قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى علي في غدير خم، وأمر بما تحت الشجرة من شوك فقم، وذلك في يوم الخميس، فدعا عليا فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس بياض إبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: *(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)* فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وبالولاية لعلي بن بعدي. ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. قال حسان بن ثابت: إئذن لي يا رسول الله فأقول في علي أبياتا تسمعهن، فقال: قل على بركة الله. فقال حسان: يا معشر مشيخة قريش إسمعوا قولي بشهادة من رسول الله في الآية ماضية، فقال: يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع بالرسول مناديا يقول فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت ولينا * ولم تر منا في الولاية عاصيا فقال قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق مواليا هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا (1)

(هامش)

(1) ما نزل من القرآن في علي - مخطوط. (*)

ص 294

*(3)* رواية الخوارزمي

 وروى ذلك الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي بقوله: أخبرني سيد الحافظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي - فيما كتب إلي - من همدان قال أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني - كتابة - قال: حدثنا عبد الله بن إسحاق البغوي قال: حدثنا الحسن بن عقيل الغنوي قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الذراع قال: حدثنا قيس بن حفص قال: حدثني علي ابن الحسين بن الحسن العبدي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم دعا الناس إلى غدير خم، أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقم، وذلك يوم الخميس، ثم دعا الناس إلى علي، فأخذ بضبعه فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطه، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: *(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)* فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب. ثم قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. فقال حسان بن ثابت: يا رسول الله ائذن لي أن أقول أبياتا، قال: قل على بركة الله تعالى. فقال حسان بن ثابت: يا معشر مشيخة قريش إسمعوا شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم: يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع بالرسول مناديا بأني مولاكم نعم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت ولينا * فلا تجدن في الخلق للأمر عاصيا

ص 295

فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا (1)

*(4)* رواية أبي الفتح النطنزي

 ورواه أبو الفتح محمد بن علي النطنزي قائلا: أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسن المهري قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن أحمد قال: حدثنا محمد بن أحمد ابن علي قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا يحيى الحماني قال: حدثنا قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى علي رضي الله عنه في غدير خم، وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقم - وذلك يوم الخميس - فدعا عليا فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: *(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)* فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي: قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. فقال حسان بن ثابت: إئذن لي يا رسول الله فأقول في علي أبياتا تسمعها فقال: قل على بركه الله. فقام حسان فقال: يا معشر قريش إسمعوا قولي بشهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الولاية الثابتة: يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع بالرسول مناديا

(هامش)

(1) مناقب علي بن أبي طالب: 80. (*)

ص 296

يقول فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا إلهك مولانا وأنت ولينا * ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا هذا حديث له طريق كثيرة إلى أبي سعيد الخدري (1). ترجمة النطنزي وأبو الفتح النطنزي من أعلام محدثي أهل السنة الثقات، كما يظهر لك من ترجمته في كتبهم: 1 - أبو سعد السمعاني: أبو الفتح محمد بن علي بن إبراهيم النطنزي. أفضل من بخراسان والعراق في اللغة والأدب، والقيام بصنعة الشعر، قدم علينا مرو، سنة إحدى وعشرين، وقرأت عليه طرفا صالحا من الأدب، واستفدت منه، واغترفت من بحره، ثم لقيته بهمدان، ثم قدم علينا بغداد غير مرة في مدة مقامي بها، وما لقيته إلا وكتبت عنه واقتبست منه... (2). 2 - الصفدي: كان من بلغاء أهل النظم والنثر، سافر البلاد، ولقي الأكابر، وكان كثير المحفوظ، محب العلم والسنة، مكثر الصدقة والصيام، ونادم الملوك والسلاطين، وكانت له وجاهة عظيمة عندهم، وكان تياها عليهم، متواضعا لأهل العلم، سمع الحديث الكثير بأصبهان وخراسان وبغداد، ولم يمتع بالرواية،... (3). 3 - ابن النجار: كان نادرة الفلك ونابغة الدهر، وفاق أهل زمانه في بعض فضائله (4).

(هامش)

(1) الخصائص العلوية - مخطوط. (2) الأنساب - النطنزي. (3) الوافي بالوفيات 4 / 161. (4) ذيل تاريخ بغداد - مخطوط. (*)

ص 297

ترجمة ابن النجار مادح النطنزي وابن النجار الذي أثنى على النطنزي بما ذكر، من أكابر الأئمة، ترجم له الذهبي بقوله: ابن النجار - الحافظ الإمام البارع، مؤرخ العصر، مفيد العراق، محب الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن هبة الله بن محاسن ابن النجار البغدادي، صاحب التصانيف. ولد سنة 578... وجمع فأوعى وكتب العالي والنازل، وخرج لغير واحد، وجمع تاريخ مدينة السلام وذيل به واستدرك على الخطيب، وهو ثلاثمائة جزء، وكان من أعيان الحفاظ الثقات، مع الدين والصيانة والفهم وسعة الرواية... وكان رحمه الله من محاسن الدنيا. توفي في خامس شعبان سنة 163 (1).

 *(5)* رواية سبط الجوزي

 وقال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: وقد أكثرت الشعراء في يوم غدير خم، فقال حسان بن ثابت: يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم فأسمع بالرسول مناديا وقال فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت ولينا * ومالك منا في الولاية عاصيا فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق مواليا هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا

(هامش)

(1) تذكرة الحفاظ 4 / 1428. (*)

ص 298

ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمعه ينشد هذه الأبيات قال له: يا حسان، لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا، أو ما نافحت، عنا (1).

*(6)* رواية الحمويني

 وروى صدر الدين الحمويني شعر حسان يوم الغدير بقوله: أنبأني الشيخ تاج الدين أبو طالب علي بن الحسين بن عثمان بن عبد الله الخازن، قال أنبأنا الإمام برهان الدين ناصر بن أبي المكارم المطرزي إجازة قال: أنبأنا الإمام أخطب خوارزم أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي قال: أخبرني سيد الحفاظ فيما كتب إلي من همدان، أنبأنا الرئيس أبو الفتح كتابة، حدثنا عبد الله بن إسحاق البغوي، نبأنا الحسن بن عقيل الغنوي، أنبأنا محمد بن عبد الله الذراع، أنبأنا قيس بن حفص قال: حدثني علي بن الحسين العبدي عن أبي سعيد الخدري. إن النبي صلى الله عليه وسلم يوم دعا الناس إلى غدير خم، أمر الناس بما كانت تحت الشجرة من الشوك فقم - وذلك يوم الخميس - ثم دعا الناس إلى علي فأخذ بضبعه فرفعها، حتى نظر الناس إلى بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم، ثم لم يفترقا حتى نزلت هذه الآية: *(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)* فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي. ثم قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. فقال حسان بن ثابت: يا رسول الله أتأذن لي أن أقول أبياتا؟ قال: قل ببركة الله، فقال حسان بن ثابت: يا مشيخة قريش إسمعوا شهادة رسول الله

(هامش)

(1) تذكرة الخواص: 33. (*)

ص 299

صلى الله عليه وسلم، ثم أنشأ يقول: يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخ وأسمع بالنبي مناديا بأني مولاكم نعم ووليكم * وقالوا ولم يبدو هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت ولينا * ولا تجدن في الخلق للأمر عاصيا فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا (1) وروى الحمويني أيضا: عن سيد الحفاظ أبي منصور شهردار بن شيرويه ابن شهردار الديلمي قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد المقري الحافظ قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن أحمد قال: أنبأنا محمد بن أحمد بن علي قال: أنبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: أنبأنا يحيى الحماني قال: حدثنا قيس ابن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى علي في غدير خم، وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقم، وذلك يوم الخميس، فدعا عليا فأخذ بضبعيه، فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله، ثم لم يفترقوا حتى نزلت هذه الآية: *(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)*. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي. ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. فقال حسان بن ثابت: إئذن لي يا رسول الله فأقول في علي أبياتا تسمعها فقال: قل على بركة الله، فقام حسان بن ثابت فقال: يا معشر مشيخة قريش إسمعوا قولي شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولاية الثابتة، فقال:

(هامش)

(1) فرائد السمطين 1 / 72. (*)

ص 300

يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع بالرسول مناديا بأني مولاكم نعم ووليكم * وقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت ولينا * ولا تجدن في الخلق للأمر عاصيا فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا هذا حديث له طرق كثيرة إلى أبي سعيد سعد بن مالك الخدري الأنصاري (1).

الحمويني شيخ الذهبي

 وغير خاف على ذوي العلم والاطلاع، أن الحمويني من مشاهير أئمة أهل السنة، ومن أعلام مشايخ أكابرهم، قال الذهبي بترجمته: إبراهيم بن محمد المؤيد بن عبد الله بن علي بن محمد بن حمويه، الإمام الكبير المحدث، شيخ المشايخ، صدر الدين أبو المجامع الخراساني الجويني الصوفي، ولد سنة 644 وسمع بخراسان وبغداد والشام والحجاز، وكان ذا اعتناء بهذا الشأن، وعلى يده أسلم الملك غازان، توفي بخراسان في سنة 722. قرأنا على أبي المجامع إبراهيم بن حمويه سنة 695. أنا أبو عمرو عثمان ابن موفق الأذكاني بقراءتي سنة أربع وستين، أنا المؤيد بن محمد الطوسي. ح وأنا أحمد بن هبة الله عن المؤيد أخبرنا هبة الله بن سهل أنا سعيد بن محمد البحيري أنا زاهر بن أحمد الفقيه، أنا إبراهيم بن عبد الصمد، ثنا أبو مصعب، ثنا مالك بن سمى مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.

(هامش)

(1) فرائد السمطين 1 / 74. (*)

ص 301

متفق عليه. وأخرجه ابن ماجة عن أبي مصعب الزهري، فوافقناه بعلو (1).

 الحمويني شيخ الكازروني

والحمويني من مشايخ محمد بن مسعود الكازروني، فقد جاء في سيرته: أخبرنا شيخنا صدر الدين أبو المجامع إبراهيم بن محمد بن المؤيد الحمويني، أنا شيخنا أصيل الدين أبو بكر عبد الله بن عبد الأعلى بن محمد بن عبد الأعلى ابن محمد بن عبد الأعلى بن محمد أبي القاسم القطن الاصفهاني... عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الموسم، وبعث معه سورة براءة وأربع كلمات إلى الناس، فلحقه علي ابن أبي طالب في الطريق، فأخذ علي السورة والكلمات، وكان يبلغ وأبو بكر على الموسم، فإذا قرأ السورة نادى: ألا لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا، ولا يطوفن بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فأجله إلى مدته. فلما رجعا قال أبو بكر: مالي هل نزل في شيء؟ قال: لا إلا خيرا، وما ذاك؟ قال: إن عليا لحق بي وأخذ مني السورة والكلمات. فقال: أجل لكن لم يبلغها إلا أنا أو رجل مني (2).

 ترجمة الكازروني

 وقد أثنى ابن حجر العسقلاني على الكازروني بقوله: محمد بن مسعود ابن محمد بن خواجه الإمام... ذكره ابن الجزري في مشيخة الجنيد البلباني

(هامش)

(1) المعجم المختص: 65. (2) المنتقى في سيرة المصطفى - مخطوط. (*)

ص 302

... ثم قال: كان سعيد الدين محدثا فاضلا، سمع الكثير، وأجاز له المزي صاحب تهذيب الكمال وجماعة، وخرج المسلسل، وألف المولد النبوي فأجاد ومات في أواخر جمادى الآخرة سنة 758 (1).

*(7)* رواية الكنجي

 وقال أبو عبد الله الكنجي الشافعي في ذكر حديث الغدير: قال حسان ابن ثابت في المعنى: يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم فأسمع بالرسول مناديا وقال فمن مولاكم ووليكم * وقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت ولينا * ولم تلف منا في الولاية عاصيا فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق مواليا هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا حسان لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نافحت عنك بلسانك (2).

(هامش)

(1) الدرر الكامنة 4 / 255. (2) كفاية الطالب: 64. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثامن

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب