ص 353
*(13)* رواية أحمد بن باكثير

وروى أحمد بن الفضل بن محمد باكثير نزول الآية *(سأل
سائل بعذاب واقع)* في واقعة غدير خم عن الثعلبي حيث قال: روى الثعلبي في تفسيره:
إن سفيان بن عيينة رحمه الله سئل عن قوله عز وجل: *(سأل سائل بعذاب واقع)* فيمن
نزلت؟ فقال للسائل: سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، حدثني أبي عن جعفر بن
محمد عن آبائه رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بغدير خم،
نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه،
فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث ابن النعمان الفهري، فأتى رسول الله صلى
الله عليه وسلم على ناقة، فنزل بالابطح عن ناقته وأناخها وقال: يا محمد أمرتنا عن
الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبلناه منك،
وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك، وأمرتنا بالحج فقبلنا، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت
بضبعي ابن عمك تفضله علينا. فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أو من
الله عز وجل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي لا إله إلا هو إن هذا من الله
عز وجل. قال: فولى الحارث بن النعمان - وهو يريد راحلته - وهو يقول: اللهم إن كان
ما يقول حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إلى راحلته
حتى رماه الله بحجر، فسقط على هامته حتى خرج من دبره فقتله. فأنزل الله تعالى:
*(سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع)*(1).
(هامش)
(1) وسيلة المآل في عد مناقب الآل - مخطوط. (*)
ص 354
ترجمة ابن باكثير المكي

وقد ترجم محمد أمين المحبي لابن باكثير المكي بقوله:
الشيخ أحمد بن الفضل بن محمد باكثير المكي الشافعي، من أدباء الحجاز وفضلائها
المتمكنين، كان فاضلا أديبا له مقدار علي وفضل جلي، وكان له في العلوم الفلكية وعلم
الأوفاق والزابرجا يد عالية. وكان له عند أشراف مكة منزلة وشهرة، وكان في الموسم
يجلس في المكان الذي يقسم فيه الصر السلطاني بالحرم الشريف، بدلا عن شريف مكة. ومن
مؤلفاته: حسن المآل في مناقب الآل... وكانت وفاته سنة 1047 بمكة، ودفن بالمعلاة
(1). ووصفه رضي الدين محمد بن علي بن حيدر لدى النقل عنه في كتابه (تنضيد العقود
السنية بتمهيد الدولة الحسينية) بقوله: قال أحمد صاحب الوسيلة، وهو الثقة الأمين
في كل فضيلة... .
*(14)* رواية محبوب عالم

ورواه محبوب عالم - وهو من أكابر علماء
أهل السنة وعرفائهم - في تفسير المعروف (تفسير شاهي) الذي أثنى عليه (الدهلوي)
وغيره من علمائهم رواه عن (العقد النبوي) عن (تفسير الثعلبي).
(هامش)
(1) خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر 1 / 271 - 273. (*)
ص 355
*(15)* رواية محمد صدر العالم

ورواه محمد صدر العالم، عن تفسير الثعلبي كذلك، حيث
قال: أخرج الثعلبي في تفسيره: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال يوما: اللهم
من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فسمع ذلك واحد من
الكفرة من جملة الخوارج، فجاء إلى النبي فقال: يا محمد هذا من عندك أو من عند الله؟
فقال النبي: هذا من عند الله. فخرج الكافر من المسجد وقام على عتبة الباب وقال: إن
كان ما يقوله حقا فأنزل علي حجرا من السماء، قال: فنزل حجر ورضخ رأسه فنزل قوله:
*(سأل سائل)* الآية (1).
*(16)* رواية محمد بن إسماعيل الأمير

ورواه محمد بن
إسماعيل بن صلاح الأمير الصنعاني، عن تفسير الثعلبي، ثم قال: قلت: وذكره الحافظ
العلامة أبو سعود الرومي، في تفسيره الشهير (2).
(هامش)
(1) معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط. (2) الروضة الندية - شرح التحفة
العلوية: 84. (*)
ص 356
الثناء على محمد بن إسماعيل الأمير

قال أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي:
وأولاد الإمام المتوكل علماء جهابذة وأبرار، أعظمهم ولده الإمام المؤيد بالله محمد
بن إسماعيل، قرأ كتب الحديث وبرع فيها. كان إماما في الزهد والورع، يعتقده العامة
والخاصة، ويأتونه بالنذور فيردها ويقول: إن قبولها تقرير لهم على اعتقادهم أنه من
الصالحين، وهو يخاف أنه من الهالكين... ومن أعيان آل الإمام: السيد المجتهد الشهير،
المحدث الكبير السراج المنير، محمد بن إسماعيل الأمير، مسند الديار ومجدد الدين في
الأقطار، صنف أكثر من مائة مؤلف، وهو لا ينسب إلى مذهب بل مذهبه الحديث... . وقال:
وسيدنا الإمام محمد بن إسماعيل الأمير رضي الله عنه، أخذ عن علماء الحرمين
واستجاز منهم وارتبط بأسانيدهم، وقرأ على الشيخ عبد الخالق ابن الزين المزجاجي،
والشيخ عليه، واستجاز منه وأسند عنه، مع تمكنه من علوم الآل وتأصله (1). وقال
صديق حسن القنوجي: إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد، للإمام بدر الملة المنير
محمد بن إسماعيل اليمني الأمير، المتوفى سنة 1182... (2). كما ذكر كتبا أخرى له
مع الثناء عليها وعلى مؤلفها، ووصفه بالأوصاف الجليلة.
(هامش)
(1) ذخيرة المآل - مخطوط. (2) إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء والمحدثين
- مخطوط. (*)
ص 357
*(17)* رواية أحمد بن عبد القادر

ورواه أحمد بن عبد القادر الشافعي في كتابه (ذخيرة
المآل في شرح عقد جواهر اللئال) عن الثعلبي معبرا عنه ب الإمام .
الثناء عليه
وعلى كتابه

وقد وصفه الشيخ أحمد بن محمد الأنصاري اليمني الشرواني لدى النقل عنه،
بأوصاف جليلة، حيث قال: وما أحسن قول محب الآل العارف المفضال، شهاب الدين أحمد
بن عبد القادر الحفظي الشافعي، رحمه الكبير المتعال، في منظومته المسماة بعقد جواهر
اللآل: وآية التطهير فيهم نزلت * وأذهبت رجسهم وطهرت لما تلاها قام يدعو أهله * في
بيت سكناه وخص آله أدخلهم تحت الكسا وجللا * جميعهم ثم دعا وابتهلا وقال اللهم
هؤلاء * هم أهل بيتي وهم عصائي إني لمن حاربهم حرب ومن * سالمهم سلم على مر الزمن
وإنني منهم وهم مني فصل * عليهم أزكى صلاة وأجل وارحم وبارك وارض عنهم واغفر *
والرجس أذهب عنهم وطهر فهذه الآية أصل القاعدة * ومنبع الفضل لكل عائدة وإنما حرف
يفيد الحصرا * ويقصر المراد فيهم قصرا فلا يريد الله فيهم غير أن * يذهب عنهم كل
رجس ودرن
ص 358
مؤكدا تطهيرهم بالمصدر * منكرا إشارة للعبقري ومنها: وكل أعدائهم والجافي * فلا
نواليهم ولا نصافي قد قطعوا ما أمروا بوصله * وما رعوا ذمة خير رسله عقوه في أولاده
وهجروا * ونقضوا عهودهم وغدروا ما عذرهم يوم اللقا والحجة * وكيف ينجو غارق في
اللجة؟ ماذا يولون إذا ما سئلوا * وشهد الله على ما فعلوا؟ وهم بذاك اليوم في هوان
* تطأهم الأقدام كالجعلان ويحكم الله بحكم الحق * بينهم وبين أهل العق والمصطفى
والمرتضى وفاطمة * قد حضروا في مجلس المخاصمة يا حسرة عليهم لا تنقضي * وخجلة لمن
جفا ومن رضي وما جرى فقد مضى وإنما * يا ويل من والى لمن قد ظلما وكل من يسكت أو
يلبس * ومن لعذر فاسد يلتمس فذاك مغبون بكل حال * قد ضيع الربح ورأس المال واستبدل
الأدنى بكل خير * وباع دينه بدنيا الغير وفي غد كل فريق يجمع * تحت لواء من له يتبع
وكل أناس بإمام يدعى * فاختر لمن شئت وألق السمعا قال محبر هذا الكتاب - أذاقه الله
حلاوة عفوه يوم الحساب - وللشهاب العارف الحفظي شرح على منظومته، دال على حسن
عقيدته ووفور محبته، لأهل البيت الرفيع وسلامته من التعصب الشنيع، سماه: ذخيرة
المآل في شرح عقد جواهر اللآل. ولما كنت مقيما في الوطن كان الشهاب موجودا في برج
شرفه بين الحجاز واليمن، ولا أدري اليوم أباق لمعان ذلك النور أم غاب عن الأبصار
بعد
ص 359
الظهور، لبعدي عن تلك الأقطار وانقطاع ما لم أزل مترقبا لوصوله من أخبار الأخيار
الساكنين في أنفس الديار... (1).
الثناء على مادح الحفظي وأحمد الشرواني اليمني
وصفه مشاهير علمائهم بأوصاف كريمة، في تقاريظهم لكتابه المذكور (المناقب الحيدرية)،
فممن كتب له تقريظا هو: رشيد الدين خان الدهلوي تلميذ (الدهلوي). ومنهم: المولوي
حسن علي المحدث تلميذ (الدهلوي)، ومنهم: المولوي أوحد الدين البلجرامي. وقد طبعت
هذه التقاريظ في آخر كتاب (المناقب الحيدرية) فليلاحظ.
*(18)* رواية الشبلنجي

ورواه
أيضا سيد مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي عن الثعلبي - مع التعبير عنه ب الإمام -
كذلك (1).
(هامش)
(1) المناقب الحيدرية 75 - 77. (2) نور الأبصار: 78. (*)
ص 360
دلالة هذا الحديث على أفضلية علي عليه السلام

وحديث نزول قوله عز وجل: *(سأل سائل
بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع)* في شأن الحارث بن النعمان الفهري، بعد نزول
العذاب عليه بسبب اعتراضه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما قاله يوم غدير خم،
في حق أمير المؤمنين عليه السلام، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه
فعلي مولاه... صريح في دلالة هذا الكلام على أفضلية علي عليه السلام، لأنه قال
للنبي في اعتراضه: ولم ترض بهذا حتى أخذت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا وقلت: من
كنت مولاه فعلي مولاه . وهذا وجه آخر لسقوط تأويلات القوم لحديث الغدير،
ومناقشاتهم في دلالتهم على الأفضلية والامامة، تلك الدلالة التي أذعن بها جميع
المتأخرين والغائبين الذين بلغهم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله، في ذلك يوم
العظيم وفي ذلك الجمع الحاشد.
ص 361
استلزام الأفضلية للإمامة والأفضلية

تستلزم الإمامة كما بينا ذلك بالتفصيل في
(المنهج الأول)، وسنوضحه في البحوث الآتية إن شاء الله تعالى... ولكن لا بأس يذكر
كلمات بعض أساطين أهل السنة الصريحة في لزوم كون الخليفة أفضل الناس، وأنه لا يجوز
خلافة المفضول مع وجود الأفضل منه في الأمة: قال ابن تيمية: أما جمهور الناس
ففضلوا عثمان، وعليه استقرار أهل السنة، وهو مذهب أهل الدين ومشايخ الزهد والتصوف
وأئمة الفقهاء، كالشافعي وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه، وهو أصح الروايتين عن مالك
وعليها أصحابه. قال مالك: لا أجعل من خاض في الدماء كمن لم يخض فيها، وقال الشافعي
وغيره: إنه بهذا السبب قصد وإلى المدينة الهاشمي ضرب مالك، وجعل طلاق المكره سببا
ظاهرا، وهو أيضا مذهب جماهير أهل الكلام: الكرامية والكلابية والأشعرية والمعتزلة.
وقال أيوب السختياني: من لم يقدم عثمان على علي فقد أزرى المهاجرين والأنصار، وهكذا
قال أحمد بن حنبل وأبو الحسن الدارقطني وغيرهما. إنهم اتفقوا على تقديم عثمان،
ولهذا تنازعوا فيمن لم يقدم عثمان هل يعد مبتدعا على قولين، هما روايتان عن أحمد،
فإذا قام الدليل على تقديم عثمان كان ما سواه أوكد. فأما الطريق التوفيقي فالنص
والاجماع، أما النص ففي الصحيحين عن ابن عمر قال: كنا نقول ورسول الله صلى الله
عليه وسلم حي: أفضل أمة النبي بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان. وأما الإجماع فالنقل
الصحيح قد ثبت: إن عمر جعل الأمر شورى في ستة، وأن ثلاثة تركوه لثلاثة: عثمان وعلي
عبد الرحمن، وأن الثلاثة اتفقوا على أن عبد الرحمن يختار واحدا منهما، وبقي عبد
الرحمن ثلاثة أيام حلف أنه لم ينم فيها كثير نوم يشاور المسلمين، وقد اجتمع
بالمدينة أهل الحل والعقد حتى أمراء الأمصار، وبعد ذلك اتفقوا على مبايعة عثمان
بغير رغبة ولا
ص 362
رهبة، فيلزم أن يكون هو الأحق، ومن كان هو الأحق كان هو الأفضل، فإن أفضل الخلق من
كان أحق أن يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر. وإنما قلنا يلزم
أن يكون هو الأحق، لأنه لو لم يكن ذلك للزم إما جهلهم وإما ظلمهم، فإنه إذا لم يكن
أحق وكان غيره أحق فإن لم يعلموا ذلك كانوا جهالا، وإن علموه وعدلوا عن الأحق إلى
غيره كانوا ظلمة، فتبين أن عثمان إن لم يكن أحق لزم إما جهلهم وإما ظلمهم، وكلاهما
منتف، أما أولا فلأنهم أعلم بعثمان وعلي منا، وأعلم بما قاله الرسول فيهما منا،
وأعلم بما دل عليه القرآن في ذلك منا، ولأنهم خير القرون فيمتنع أن نكون نحن أعلم
منهم بمثل هذه المسائل، مع أنهم أحوج إلى علمها منا، فإنهم لو جهلوا مسائل أصول
دينهم وعلمنا نحن لكنا أفضل منهم، وذلك ممتنع. وكونهم علموا الحق وعدلوا عنه أعظم
وأعظم، فإن ذلك قدح في عدالتهم، وذلك يمنع أن يكونوا خير القرون بالضرورة، ولأن
القرآن قد أثنى عليهم ثناءا يقتضي غاية المدح، فيمتنع إجماعهم وإصرارهم على الظلم
الذي هو ضرر في حق الأمة كلها، فإن هذا ليس ظلما للممنوع من الولاية بل هو ظلم لكن
من منع نفعه عن ولاية الأحق بالولاية، فإنه إذا كان راعيان أحدهما هو الذي يصلح
للرعاية ويكون أحق بها، كان منعه من رعايتها يعود بنقص الغنم حقها في نفعه، ولأن
القرآن والسنة دل على أن هذه الأمة خير الأمم وأن خيرها أولوها، فإن كانوا مصرين
على ذلك لزم أن تكون هذه الأمة شر الأمم، وأن لا يكون أولوها خيرها، ولأنا نحن نعلم
أن المتأخرين ليسوا مثل الصحابة، فإن كان أولئك ظالمين مصرين على الظلم، فالأمة
كلها ظالمة، فليست خير الأمم. وقد قيل لابن مسعود لما ذهب إلى الكوفة: من وليتم؟
قال: ولينا أعلانا ذا فوق ولم نأل. وذو الفوق هو السهم، يعني أعلانا سهما في
الإسلام. فإن قيل: قد يكون عثمان الأحق بالامامة وعلي أفضل منه.
ص 363
قيل: أولا هذا السؤال لا يمكن أن يورده أحد من الإمامية، لأن الأفضل عندهم أحق
بالامامة، وهذا قول الجمهور من أهل السنة. وهنا مقامان: إما أن يقال: الأفضل أحق
بالامامة لكن يجوز تولية المفضول إما مطلقا وإما للحاجة. وإما أن يقال: ليس كل من
كان أفضل عند الله يكون هو الأحق بالامامة. وكلاهما منتف ههنا. أما الأول فلأن
الحاجة إلى تولية المفضول في الاستحقاق كانت منتفية، فإن القوم كانوا قادرين على
تولية علي، وليس هناك من ينازع أصلا، ولا يحتاجون إلى رغبة ولا رهبة، ولم يكن هناك
لعثمان شوكة تخاف، بل التمكن من تولية هذا كان كالتمكين من تولية هذا. فامتنع أن
يقال: ما كان يمكن إلا تولية المفضول، وإذا كانوا قادرين - وهم يتصرفون للأمة لا
لأنفسهم - لم يجز لهم تفويت مصلحة الأمة من ولاية الفاضل، فإن الوكيل والولي
المتصرف لغيره ليس له أن يعدل عما هو أصلح لمن ائتمنه، مع كونه قادرا على تحصيل
المصلحة، فكيف إذ كانت قدرته على الأمرين سواء. وأما الثاني فلان رسول الله صلى
الله عليه وسلم أفضل الخلق، وكل من كان به أشبه فهو أفضل ممن لم يكن كذلك، والخلافة
كانت خلافة نبوة لم تكن ملكا، فمن خلف النبي وقام مقام النبي كان أشبه بالنبي، ومن
كان أشبه بالنبي كان أفضل، فالذي يخلفه أشبه به من غيره، والأشبه به أفضل، فالذي
يخلفه أفضل (1). وقال حسن بن محمد الطيبي بشرح حديث لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر
أن يؤمهم غيره قال: هذا دليل على فضله على جميع الصحابة، فإذا ثبت هذا ثبت
خلافته، لأن خلافة المفضول مع وجود الفاضل لا تصح (2). وقال علي بن سلطان الهروي
القاري: وأولى ما يستدل به على أفضلية
(هامش)
(1) منهاج السنة 4 / 202 - 203. (2) الكاشف - شرح المشكاة - مخطوط. (*)
ص 364
الصديق رضي الله عنه في مقام التحقيق نصبه صلى الله عليه وسلم لإمامة الأنام مدة
مرضه في الليالي والأيام، ولذا قال أكابر الصحابة: رضيه لديننا أفلا نرضاه لدنيانا!
ثم إجماع جمهورهم على نصبه للخلافة ومتابعة غيرهم أيضا في آخر أمرهم، ففي الخلاصة
رجلان في الفقه والصلاح سواء، إلا أن أحدهما أقرأ، فقدم أهل المسجد الآخر فقد
أساؤا، وكذا لو قلدوا القضاء رجلا وهو من أهله وغيره أفضل منه، وكذا الوالي. وأما
الخليفة فليس لهم أن يولوا الخلافة إلا أفضلهم، وهذا في الخلفاء خاصة، وعليه إجماع
الأمة (1). وقد نص شاه ولي الله الدهلوي على لزوم أفضلية الخليفة، ولهذا ألف كتاب
(قرة العينين في تفضيل الشيخين).
دلالة الحديث على الإمامة من وجه آخر

ويدل إباء
الحارث بن النعمان الفهري عن قبول كون أمير المؤمنين عليه السلام المولى - حتى
أنه دعا على نفسه بقوله: اللهم إن كان هذا حقا... - على أن مدلول قوله صلى الله
عليه وآله من كنت مولاه فعلي مولاه أم عظيم ومنصب جسيم لم ينله أحد أبدا، ولو
كان المراد من المولى هو الناصر أو المحب أو غير ذلك لما كان يمتنع
الحارث عن قبول ذلك، ولما صعب عليه الخضوع له والاذعان به. من وجوه دلالته على
الإمامة تكذيب ابن تيمية إياه ولما كان حديث نزول الآية الكريمة: *(سأل سائل بعذاب
واقع للكافرين ليس له دافع)* في شأن الحارث بن النعمان الفهري في واقعة حديث
الغدير، من أوضح الأدلة والبراهين على دلالة حديث الغدير على إمامة أمير
(هامش)
(1) شرح الفقه الأكبر 113 - 114. (*)
ص 365
نبين مواضع بطلانها: الوجه الثالث - أن نقول: في نفس هذا الحديث ما يدل على أنه
كذب من وجوه كثيرة، فإن فيه أن رسول الله لما كان بغدير يدعى خما نادى الناس
فاجتمعوا، فأخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وإن هذا شاع وطار بالبلاد،
وبلغ ذلك النعمان بن الحارث الفهري، وأنه أتى النبي على ناقة وهو بالابطح، وأتى وهو
في ملأ من أصحابه، فذكر أنهم قبلوا أمره بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج،
قال: لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي
مولاه، وهذا منك أو من الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو من أمر الله، فولى
الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر
علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط
على هامته وخرج من دبره فقتله وأنزل الله: *(سأل سائل بعذاب واقع للكافرين)* الآية.
فيقال لهؤلاء الكذابين: أجمع الناس على أن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم بغدير
خم كان حين مرجعه من حجة الوداع، والشيعة تسلم هذا وتجعل ذلك اليوم عيدا، وهو اليوم
الثامن عشر من ذي الحجة والنبي بعد ذلك لم يرجع إلى مكة، بل رجع من حجة الوداع إلى
المدينة، وعاش تمام ذي الحجة والمحرم والصفر، وتوفي في أول ربيع الأول. وفي هذا
الحديث يذكر أنه قال هذا بغدير خم، وشاع في البلاد، وجاء الحارث وهو بالأبطح
والأبطح بمكة. فهذا كذب جاهل لم يعلم متى كانت قصة غدير خم. وأيضا: فإن هذه السورة
- سورة سأل سائل - مكية باتفاق أهل العلم، نزلت بمكة قبل الهجرة، فهذه نزلت قبل
غدير خم بعشر سنين أو أكثر من ذلك، المؤمنين عليه السلام، لم يجد ابن تيمية سبيلا
إلى الجواب عنه إلا تكذيبه، وهذا وجه آخر يؤكد دلالة هذا الحديث على المطلوب،
ولنذكر عين عبارة ابن تيمية ثم
ص 366
فكيف يكون نزلت بعد ذلك؟ وأيضا فقوله تعالى: *(وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق
من عندك)* في سورة الأنفال، وقد نزلت عقيب بدر بالاتفاق، قبل غدير خم بسنين كثيرة.
وأيضا: فأهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون للنبي بمكة قبل
الهجرة، كأبي جهل وأمثاله، وإن الله ذكر نبيه بما كانوا يقولونه *(وإذ قالوا اللهم
إن كان هذا هو الحق من عندك)* أي أذكر قولهم اللهم. كقوله: *(وإذ قال ربك
للملائكة)* *(وإذ غدوت من أهلك)* ونحو ذلك. فأمر بأن يذكر ما تقدم. فدل على أن هذا
القول كان قبل نزول هذه السورة. وأيضا: فإنهم لما استحقوا من الله أنه لا ينزل
عليهم العذاب ومحمد صلى الله عليه وسلم فيهم فقال تعالى: *(وإذ قالوا اللهم إن كان
هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم)* قال الله
تعالى: *(وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)* واتفق
الناس على أن أهل مكة لم ينزل عليهم حجارة من السماء لما قالوا ذلك. وأيضا: فلو كان
هذا آية لكان من جنس آية أصحاب الفيل، ومثل هذا ما تتوافر اللهم والدواعي على نقله،
ولو أن الناقل طائفة من أهل العلم، ولما كان هذا لا يرويه أحد من المصنفين في العلم
لا المسند ولا الصحيح ولا الفضائل ولا التفسير ولا السير ونحوها، إلا ما يروى بمثل
هذا الاسناد المنكر علم أنه كذب باطل. وأيضا: فقد ذكر في هذا الحديث إن هذا القائل
آمن بمباني الإسلام الخمس، وعلى هذا فقد كان مسلما لأنه قال: فقبلناه منك، ومن
المعلوم بالضرورة أن أحدا من المسلمين على عهد النبي لم يصبه هذا. وأيضا: فهذا
الرجل لا يعرف في الصحابة، بل هو من جنس الأسماء التي
ص 367
تذكرها الطرقية (1). فنقول في جوابه: إن توهم بطلان هذا الحديث مندفع بوجوه:
1 -
الحديث في تفسير الثعلبي

لقد أورد الثعلبي الحديث في تفسيره، وهذا يدل على صحة هذا
الحديث واعتباره، لما عرفت من جلالة قدر الثعلبي واعتبار تفسيره (الكشف والبيان)
لدى أئمة أهل السنة وعلمائهم الأعلام. بل لقد نص الثعلبي - وهو الثقة الأمين عندهم
- في خطبة تفسيره المذكور على أن تفسيره كتاب جامع مهذب يعتمد وفي علم القرآن
عليه يقتصر وأنه قد صنفه بعد سؤال قوم من الفقهاء المبرزين والعلماء المخلصين
والرؤساء المحتشمين وأنه كتاب شامل كامل مهذب ملخص مفهوم منظوم، استخرج من زهاء
مائة كتاب مجموعات مسموعات سوى ما التقطته من التعليقات والأجزاء، وتلقفته عن أفواه
المشايخ الكبار وهم قريب من ثلاثمائة شيخ قال: نسقته بأبلغ ما قدرت عليه من
الايجاز والترتيب، ولفقته بغاية التنقيب والتهذيب. وينبغي لكل مؤلف كتابا في فن قد
سبق إليه أن لا يعدم كتابه بعض الخلال التي أنا ذاكرها: إما استنباط شيء كان مغفلا،
أو جمعه إن كان متفرقا، أو شرحه إن كان غامضا، أو حسن نظم وتأليف أو إسقاط حشو
وتطويل. وأرجو أن لا يخلو هذا الكتاب عن هذه الخصال التي ذكرت. والله الموفق لإتمام
ما نويت وقصدت .
2 - من رواته سفيان بن عيينة

إن سفيان بن عيينة من مشاهير
الأئمة الموثوقين، والأئمة المعتمدين عند أهل السنة، وإليك بعض كلماتهم في توثيقه
ومدحه والثناء عليه باختصار: 1 - النووي: سفيان بن عيينة... روى عنه: الأعمش،
والثوري،
(هامش)
(1) منهاج السنة 4 / 13. (*)
ص 368
ومسعر وابن جريج، وشعبة، وهمام، ووكيع، وابن المبارك، وابن المهدي، والقطان، وحماد
بن زيد، وقيس بن الربيع، والحسن بن صالح، والشافعي، وابن وهب، وأحمد بن حنبل، وابن
المديني، وابن معين، وابن راهويه، والحميدي، وخلائق لا يحصون من الأئمة. وروى
الثوري عن القطان عن ابن عيينة. واتفقوا على إمامته وجلالته وعظم مرتبته... ولد
سفيان سنة 107 وتوفي يوم السبت غرة رجب سنة 198 (1). 2 - الذهبي: العلامة
الحافظ شيخ الإسلام. كان إماما حجة حافظا واسع العلم كبير القدر... (2). 3 -
الذهبي أيضا: الإمام أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي مولاهم، الكوفي، شيخ
الحجاز. قال الشافعي: لو لا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز، وقال ابن وهب: لا أعلم
أحدا أعلم بالتفسير منه. وقال أحمد العجلي: كان حديثه نحوا من سبعة آلاف حديث ولم
يكن له كتاب. وكان ثبتا في الحديث. وقال بهز بن أسد: ما رأيت مثل ابن عيينة، فقيل:
ولا شعبة؟ قال: ولا شعبة. وقال أحمد: ما رأيت أحدا أعلم بالسنن منه (3). 4 -
الذهبي أيضا: أحد الأعلام، ثقة ثبت حافظ إمام (4). 5 - اليافعي: وفي أول رجب
منها توفي شيخ الحجاز وأحد الأعلام، أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي مولاهم
الكوفي، الحافظ، نزيل مكة، وله إحدى وتسعون سنة، وحج سبعين حجة. قال الشافعي: لو لا
مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز، وقال ابن وهب: لا أعلم أحدا أعلم بالتفسير من ابن
عيينة. وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت أحدا أعلم بالسنن من ابن عيينة. وقال غيرهم من
(هامش)
(1) تهذيب الأسماء واللغات 1 / 224. (2) تذكرة الحفاظ 1 / 262. (3) العبر حوادث
197. (4) الكاشف 1 / 379. (*)
ص 369
العلماء: كان إماما عالما ثبتا ورعا مجمعا على صحة حديثه... (1).
3 - الحديث في
وسيلة المآل

إن ذكر صحاب كتاب (وسيلة المآل) هذا الحديث في كتابه المذكور، من
الوجوه الدالة على اعتباره، لما سيأتي من التزامه بإيراد الأحاديث المعتبرة من
الأحاديث التي صححها العلماء في هذا الكتاب. وبمثل هذا صرح بعض العلماء الآخرين،
الذين رووا هذا الحديث في كتبهم، كالسمهودي في (جواهر العقدين)، وسبط ابن الجوزي في
(تذكرة الخواص)، والزرندي في (نظم درر السمطين)، والشيخاني القادري في (الصراط
السوي).
4 - السكوت على الحديث بعد نقله دليل القبول

لقد ذكر (الدهلوي) في الباب
الرابع من كتابه (التحفة) أن السكوت على حديث بعد نقله - وإن كان عن طريق المخالفين
في الاعتقاد - دليل على التسليم به وقبوله. وعلى هذا الأساس، فلأن نقل هذه الكثرة
من العلماء المشاهير من أهل السنة لهذا الحديث وسكوتهم عن الطعن فيه، دليل على
تصحيحهم له وقبولهم إياه، لا سيما وأنهم يروونه في كتبهم عن طرقهم لا عن طريق
المخالفين لهم. وقد وافق رشيد الدين الدهلوي أستاذه (الدهلوي) على هذا الذي ذكره
ونص عليه.
(هامش)
(1) مرآة الجنان حوادث سنة 189. (*)
ص 370
الجواب عن شبهات ابن تيمية

وإذ قد عرفت اعتبار حديث نزول الآية: *(سأل سائل بعذاب
واقع للكافرين ليس له دافع)* في حق الحارث بن النعمان في واقعة غدير خم، وثبت بطلان
دعوى ابن تيمية بطلان الحديث المذكور وكذبه، نشرع في الجواب عن شبهات هذا المتعصب
العنيد حول هذا الحديث ودفعها بإيجاز:
1 - ليس الأبطح بمكة فحسب
فأول ما قاله
ابن تيمية هو إنه: أجمع الناس على أن ما قاله النبي بغدير خم كان حين مرجعه من
حجة الوداع... والنبي بعد ذلك لم يرجع إلى مكة، بل رجع من حجة الوداع إلى
المدينة... وفي هذا الحديث يذكر أنه قال هذا بغدير خم وشاع في البلاد، وجاء الحارث
وهو بالابطح والأبطح بمكة، فهذا كذب جاهل لم يعلم متى كانت قصة غدير خم . وهذا
كلام من لم يعلم معنى الأبطح فظن أنه بمكة فقط، ولا يقال لغيرها أبطح، وهذا
باطل جدا، فليس المراد من الأبطح في هذا الحديث أبطح مكة، ولا أن الأبطح منحصر
بأبطح مكة. بل قال الجوهري: الأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى، والجمع الأباطح
والبطاح أيضا على غير القياس. قال الأصمعي: يقال بطاح وبطح كما يقال عوام وعوم حكاه
أبو عبيدة، والبطيحة والبطحاء مثل الأبطح، ومنه بطحاء مكة (1). وقال أبو الفتح
ناصر بن عبد السيد المطرزي: البطحاء مسيل ماء فيه رمل وحصى، ومنها بطحاء مكة:
ويقال له الأبطح أيضا، وهو من الأبطح النبط (2).
(هامش)
(1) الصحاح: بطح. (2) المغرب في ترتيب المعرب: بطح. (*)
ص 371
وقال الفيروز آبادي: والبطح ككتف والبطيحة والبطحاء والأبطح: مسيل واسع فيه دقاق
الحصى. ج أبطاح وبطاح وبطائح، وتبطح السيل اتسع في البطحاء. وقريش البطاح الذين
ينزلون بين أخشبي مكة (1). وقال ابن الأثير: وفي حديث عمر أنه أول من بطح
المسجد وقال: أبطحوه من الوادي المبارك، أي ألقي فيه البطحاء وهو الحصى الصغار،
وبطحاء الوادي وأبطحه حصاه اللين في بطن المسيل، ومنه الحديث: إنه صلى بالأبطح يعني
أبطح مكة مسيل واديها، ويجمع على البطاح والأباطح، ومنه قيل: قريش البطاح هم الذين
ينزلون أباطح مكة وبطاحها (2). وقال السيوطي: وأبطح مكة مسيل واديها، الجمع
بطاح وأباطح، وقريش البطاح الذين ينزلون أباطح مكة (3). وقال الفتني: صلى
بالأبطح أي مسيل وادي مكة (4). وقال الشيخ حسن البوريني بشرح قول ابن الفارض:
أسعد أخي وغنني بحديث من * حل الأباطح إن رعيت إخائي قال: والأباطح جمع الأبطح،
وهو مسيل واسع فيه دقاق الحصى (5). وقال الشيخ عبد الغني النابلسي بشرحه: كنى
بمن حل الأباطح عن الروح الذي هو من أمر الله المفتوح منه في الأجسام الانسانية
الكاملة العرفان (6).
(هامش)
(1) القاموس المحيط: بطح. (2) النهاية الأثيرية: بطح. (3) النثير في مختصر النهاية
لابن الأثير: بطح. (4) مجمع البحار: بطح. (5) شرح ديوان ابن الفارض للبوريني. (6)
شرح ديوان ابن الفارض. (*)
ص 372
وكذا قال البوريني بشرح قول ابن الفارض: يا ساكني البطحاء هل من عودة * أحيى بها
يا ساكني البطحاء (1) وقوله: وإذا وصلت إلى ثنيات اللوى * فانشد فؤادا بالأبيطح
طاحا (2) وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن مرزوق بشرح قول
البوصيري: وأحيت السنة البيضاء دعوته * حتى حكت غرة في الأعصر الدهم بعارض جاد أو
خلت البطاح بها * سيب من اليم أو سيل من العرم قال: والأبطح مسيل واسع فيه دقاق
الحصى، والجمع الأباطح والبطاح أيضا على غير قياس، وبطاح بطح كعوام عوم، والبطيحة
والبطحاء مثل الأبطح، ومنه بطحاء مكة وبطائح النبط بين العراقين، وتبطح السيل اتسع
في البطحاء (3). وقال سعد الدين التفتازاني: وقد تحصل الغرابة بتصرف في
الاستعارة العامية كما في قوله: أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا * وسالت بأعناق المطي
الأباطح جمع أبطح، وهو مسيل الماء فيه دقاق الحصى (4). بل لقد استعمل الأبطح
استعمال اسم الجنس في أشعار العرب
(هامش)
(1) شرح ديوان ابن الفارض 2 / 22. (2) المصدر 2 / 41. (3) الاستيعاب في شرح البردة
البوصيرية. (4) شرح مختصر تلخيص المفتاح: 188. (*)
ص 373
الجاهلين، ففي قصيدة عمرو بن كلثوم - (وهي القصيدة الخامسة من القصائد السبع
المعلقات) -: يدهون الرؤس كما تدهدي * حزاورة بأبطحها الكرينا قال شارحه
الزوزني: الحزور الغلام الغليظ الشديد، والجمع الحزاورة. يقول: يدحرجون رؤس
أقرانهم كما يدحرج الغلمان الغلاظ والشداد الكرات في مكان مطمئن . وقال بشرح قوله.
وقد علم القبائل من معد * إذا قبب بأبطحها بنينا قال: يقول: قد علمت قبائل
معد إذا بنيت قبابها بمكان أبطح، والقبب والقباب جمع قبة (1).
شعر حيص بيص
وترجمته

ومن الشواهد شعر حيص بيص في قصة ذكرها ابن خلكان بترجمته، وهذا نص ما حكاه:
وقال الشيخ نصر الله بن مجلى مشارف الصناعة بالمخزن - وكان من ثقات أهل السنة -
رأيت في المنام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقلت له: يا أمير المؤمنين تفتحون مكة
فتقولون: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. ثم يتم على ولدك الحسين يوم الطف ما تم؟
فقال: أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا؟ فقلت: لا. فقال: إسمعها منه. ثم استيقظت
فبادرت إلى دار حيص بيص، فخرج إلي، فذكرت له الرؤيا، فشهق وأجهش بالبكاء، وحلف
بالله إن كانت خرجت من فمي أو خطي
(هامش)
(1) شرح المعلقات للزوزني: 113 - 114. (*)
ص 374
إلى أحد، وإن كنت نظمتها إلا في ليلتي هذه - ثم أنشدني: ملكنا فكان العفو منا سجية
* فلما ملكتم سال بالدم أبطح وحللتم قتل الأسارى وطالما * غدونا على الأسرى نعفو
ونصفح فحسبكم هذا التفاوت بيننا * وكل إناء بالذي فيه ينضح و حيص بيص هذا شاعر
مشهور، وفقيه شافعي، عنونه ابن خلكان بقوله: أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن
الصيفي التميمي، الملقب شهاب الدين المعروف بحيص بيص، الشاعر المشهور، كان فقيها
شافعي المذهب، تفقه بالري على القاضي محمد بن عبد الكريم الوزان، وتكلم في مسائل
الخلاف، إلا أنه غلب عليه الأدب ونظم الشعر وأجاد فيه مع جزالة لفظه، وله رسائل
فصيحة بليغة. ذكره الحافظ أبو سعد السمعاني في كتاب الذيل وأثنى عليه، وحدث بشيء من
مسموعاته، وقرأ عليه ديوانه ورسائله، وأخذ الناس عنه أدبا وفضلا كثيرا، وكان من
أخبر الناس بأشعار العرب واختلاف لغاتهم... وكانت وفاته ليلة الأربعاء سادس شعبان
سنة 574 ببغداد... (1). وذكره أيضا أبو محمد اليافعي وأثنى عليه كذلك. ثم أورد
القصة المذكورة (2). وقد أوردها أيضا الشيخ أحمد الخفاجي بترجمة قطب الدين محمد بن
أحمد المكي النهرواني (3) والمحبي بترجمة عبد الله بن قادر (4). وإذ عرفت أن
الأبطح اسم لمطلق المسيل الذي فيه دقاق الحصى، وليس
(هامش)
(1) وفيات الأعيان 2 / 106 - 108. (2) مرآة الجنان حوادث 574. (3) ريحانة الأدب 1 /
414 - 415. (4) خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر. (*)
ص 375
اسما لمكان خاص بمكة الكريمة، لم يبق عندك ريب في صحة ما جاء في الحديث المذكور،
وبطل ما أورده ابن تيمية من هذه الناحية، إذ لا مانع من إطلاق هذا الاسم على بعض
الأودية بالمدينة المنورة. بل لقد كانت في هذه البلدة الطيبة مواضع تسمى بهذا
الاسم، فقد قال نور الدين السمهودي في كتاب (خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى): في
بقاعها وآطامها وبعض أعمالها وأعراضها وجبالها: البطحاء، يدفع فيها طرف عظم
الشامي وما دبر من الصلصلين، وتدفع هي من بين الجبلين في العقيق (1)... فمن هذه
العبارة يعلم أن هناك مكانا مسمى بهذا الاسم في المدينة المنورة وهو معروف به، وقد
علمت سابقا من عبارات اللغويين أن البطحاء والأبطح بمعنى واحد. كما يتضح ذلك من
كلام ابن الحاجب حيث قال: والصفة نحو عطشي على عطاش، ونحو حرما على حرامي، ونحو
بطحاء على بطاح وقال الجاربردي بشرحه: ثم ذكر الممدود كبطحاء وهي مسيل واسع فيه
دقاق الحصى ومنه بطحاء مكة (2). وقال السيوطي بشرح قول الفرزدق: تنح عن البطحاء
إن قديمها * لنا والجبال الراسيات القوارع قال: والبطحاء الموضع الواسع، وأراد
هنا ببطحاء: مكة (3). فظهر أنه لا مانع من إطلاق الأبطح على بطحاء المدينة
المنورة . وقال السمهودي بعد أن نقل قول أبي عبيدة في بيان العقيق: وقال غيره:
أعلى أودية العقيق النقيع، وصدور العقيق ما دفع في النقيع من قدس وما أقبل
(هامش)
(1) خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى: 246. (2) شرح الشافية 90 - 91. (3) شرح شواهد
مغني اللبيب 1 / 14. (*)
ص 376
من الحرة ويقال له: بطاويح فيصب ذلك في النقيع على أربعة برد من المدينة في يمانيها
(1). بل هناك في المدينة المنورة موضع اسمه الأبطح وبه صرح الحسين بن معين
الميبدي بشرح قول أمير المؤمنين عليه السلام: يهددني بالعظيم الوليد * فقلت أنا
ابن أبي طالب أنا ابن المجبل بالأبطحين * وبالبيت من سلفي غالب فلا تحسبني أخاف
الوليد * ولا أنني منه بالهائب (2)
2 - لا مانع من تكرر نزول الآية

واعترض ابن
تيمية على حديث سفيان بن عيينة بأن سورة سأل سائل مكية، فكيف يقال بأنها نزلت في
شأن الحارث بن النعمان في واقعة غدير خم؟! وهو اعتراض باطل جدا، فإنه لا مانع عن
القول بنزول هذه السورة مرتين، بأن تكون قد نزلت بمكة مرة، وفي الواقعة المذكورة
مرة أخرى، ولقد ذكر علماء أهل السنة احتمال تكرر النزول بالنسبة إلى آيات كثيرة من
القرآن الكريم. قال جلال الدين السيوطي: النوع الحادي عشر: - ما تكر نزوله - صرح
جماعة من المتقدمين والمتأخرين بأن من القرآن ما تكرر نزوله. قال ابن الحصار: قد
يتكرر نزول الآية تذكيرا وموعظة، وذكر من ذلك خواتيم سورة النحل، وأول سورة الروم.
وذكر ابن كثير منه آية الروح، وذكر قوم منه الفاتحة، وذكر بعضهم منه قوله: *(ما كان
النبي والذين آمنوا)* الآية. وقال الزركشي في البرهان: قد ينزل الشيء مرتين، تعظيما
لشأنه وتذكيرا
(هامش)
(1) خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى: 236. (2) الفواتح - شرح ديوان أمير المؤمنين:
197. (*)
ص 377
عند حدوث سببه خوف نسيانه. ثم ذكر منه آية الروح وقوله: *(أقم الصلاة طرفي النهار)*
الآية. قال: فإن سورة الاسراء وهود مكيتان وسبب نزولهما يدل على أنهما نزلا
بالمدينة، ولهذا أشكل ذلك على بعضهم ولا إشكال، لأنها نزلت مرة بعد مرة. قال: وكذلك
ما ورد في سورة الاخلاص من أنها جواب المشركين بمكة، وجواب لأهل الكتاب بالمدينة،
وكذلك قوله تعالى: *(ما كان للنبي والذين آمنوا)* الآية. قال: والحكمة في هذا كله:
إنه قد يحدث سبب من سؤال أو حادثة تقتضي نزول آية، وقد نزل قبل ذلك من يتضمنها،
فيوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الآية بعينها تذكيرا لهم بها، وبأنها تتضمن
هذه. تنبيه: قد يجعل من ذلك الاحرف التي تقرأ على وجهين فأكثر، ويدل له ما أخرجه
مسلم من حديث أبي: إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على
أمتي، فأرسل إلي أن أقرأ على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن
اقرأه على سبعة أحرف. فهذا الحديث يدل على أن القراءات لم تنزل من أول وهلة، بل مرة
بعد أخرى. وفي جمال القراء للسخاوي - بعد أن حكى القول بنزول الفاتحة مرتين -: فإن
قيل: فما فائدة نزولها مرة ثانية؟ قلت: يجوز أن يكون نزلت أول مرة على حرف واحد،
ونزلت في الثانية ببقية وجوهها، نحو ملك ومالك، والسراط والصراط، ونحو ذلك انتهى.
تنبيه - أنكر بعضهم كون شيء من القرآن تكرر نزوله، كذا رأيته في كتاب الكفيل بمعاني
التنزيل، وعلله بأنه تحصيل ما هو حاصل، لا فائدة فيه. وهو مردود بما تقدم من
فوائده، وبأنه يلزم منه أن يكون كلما نزل بمكة نزل بالمدينة مرة أخرى، فإن جبرئيل
عليه السلام كان يعارضه القرآن كل سنة. ورد بمنع الملازمة، وبأنه لا معنى للإنزال
إلا أن جبرئيل كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرآن لم يكن نزل به من
قبل فيقرؤه إياه. ورد منع اشتراط قوله لم يكن
ص 378
نزل به من قبل (1). وقد بحث السيوطي عن هذا الموضوع في مقام ذكر تعدد أسباب
النزول حيث قال: الحال السادس: أن لا يمكن ذلك فيحمل على تعدد النزول وتكرره...
(2).
3 - ما ذكره ابن تيمية حول آية: *(وإذ قالوا اللهم...)

* ومن العجيب قول ابن
تيمية بعد ما تقدم: وأيضا فقوله تعالى: *(وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من
عندك)* في سورة الأنفال، وقد نزلت عقيب بدر بالاتفاق قبل غدير خم بسنين كثيرة،
وأيضا، فأهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون للنبي بمكة قبل
الهجرة كأبي جهل وأمثاله... فدل على أن هذا القول كان قبل نزول هذه السورة . فإنه
ليس في حديث سفيان بن عيينة ذكر لنزول هذه الآية المباركة في واقعة غدير خم... فهذا
كلام من لا يعقل ما يقول.
4 - قوله تعالى: *(وما كان الله ليعذبهم)*

. لا ينفي
العقاب على الإطلاق. ثم قال ابن تيمية: وأيضا، فإنهم لما استحقوا من الله أن لا
ينزل عليهم العذاب ومحمد صلى الله عليه وسلم فيهم فقال تعالى: *(وإذ قالوا اللهم إن
كان... وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم...)*. والجواب: إن تلك الآية الشريفة لا
تنفي تعذيبهم على الإطلاق، فلقد وقع العذاب عليهم بنص الكتاب والروايات، وقد قال
تعالى بعد هذه الآية
(هامش)
(1) الاتقان في علوم القرآن 1 / 35. (2) الاتقان 1 / 33. (*)
ص 379
نفسها: *(وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كان صلاتهم عند
البيت إلا مكاءا وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون)* فلو كانت تلك الآية
الكريمة دالة على رفع العذاب على الإطلاق، للزم التناقض بينها وبين هذه الآية
المتصلة بها. ومن هنا قال الرازي: واعلم أنه تعالى بين في الآية الأولى أنه لا
يعذبهم ما دام الرسول فيهم. وذكر في هذه الآية أنه يعذبهم. وكأن المعنى أنه يعذبهم
إذا خرج الرسول من بينهم. ثم اختلفوا في هذا العذاب فقال بعضهم: لحقهم هذا العذاب
المتوعد به يوم بدر، وقيل بل يوم فتح مكة (1).
5 - بطلان جعل هذه الآية من جنس
آية أصحاب الفيل

ثم قال: وأيضا، فلو كان هذا آية لكان من جنس آية أصحاب الفيل،
ومثل هذا ما تتوافر الهمم والدواعي على نقله... وهذا قياس فاسد، إذ كيف يقاس
تعذيب رجل واحد بتعذيب جماعة كبيرة جاءت لهدم الكعبة وإبادة خدامها ومن حولها؟! إن
تلك الواقعة مما تتوافر الهمم على نقله، بخلاف واقعة تعذيب رجل واحد، فإن توفر
الدواعي على نقله ممنوع، وإلا لزم بطلان جميع المعاجز النبوية التي لم تنقل إلينا
بالتواتر. وأيضا، لقد كانت الدواعي متوفرة على إخفاء قصة الحارث بن النعمان، بخلاف
قصة أصحاب الفيل. فانقطع القال والقيل.
6 - بطلان دعوى دلالة الحديث على إسلام
الحارث

وأما قوله: وأيضا، فقد ذكر في هذا الحديث إن هذا القائل آمن بمباني
الإسلام الخمس، وعلى هذا فقد كان مسلما لأنه قال: فقبلناه منك ومن المعلوم
(هامش)
(1) تفسير الرازي 15 / 159. (*)
ص 380
بالضرورة أن أحدا من المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يصبه هذا . فمن
طرائف الخزعبلات. أما أولا: فلأن هذا الحديث كما يتضمن قبول الحارث للمباني
المذكورة كذلك يتضمن كفره وارتداده بقوله: أللهم إن كان ما يقوله محمد حقا... وأما
ثانيا فلو سلمنا كونه مسلما، فمن أين دعوى العلم الضروري بأن أحدا من المسلمين على
عهد النبي صلى الله عليه وآله لم يصبه هذا؟
7 - الحارث بن النعمان من الصحابة

ثم
انتهى ابن تيمية إلى القول بأن هذا الرجل لا يعرف في الصحابة بل هو من جنس
الأسماء التي تذكرها الطرقية وهذا الكلام باطل أيضا. فأول ما يبطه كلام نفسه، إذ
ذكر أن الحارث آمن بمباني الإسلام الخمس ثم قال: وعلى هذا فقد كان مسلما... فهو
إذن من الصحابة المسلمين عند ابن تيمية. وثانيا: لقد قلنا سابقا إن هذا الحديث يدل
على ارتداد الحارث وكفره، وهو بذلك يخرج من عداد الصحابة، لأن من شرائط الصحابي
موته على الإسلام، ومن خرج عن الإسلام لا يعد في الصحابة البتة، ولا يذكره المصنفون
في الصحابة أبدا. وثالثا: ولو وافقنا ابن تيمية جدلا وقلنا بعدم خروج الحارث عن
الإسلام ومن عداد صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله بما تفوه به، فما الدليل على
حصر المصنفين واستقصائهم لأسماء جميع الصحابة في كتبهم؟ بل الأمر على العكس من ذلك،
فإنهم قد نصوا على أنهم لم يتمكنوا من الوقوف على العشر من أسامي الصحابة، وإليك نص
عبارة ابن حجر العسقلاني في خطبة (الإصابة): أما بعد، فإن من أشرف العلوم الدينية
علم الحديث النبوي، ومن أجل معارفه تمييز أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن
خلف بعدهم. وقد جمع
ص 381
في ذلك جمع من الحفاظ تصانيف بحسب ما وصل إليه إطلاع كل منهم... إلى أن كان في
أوائل القرن السابع، فجمع عز الدين ابن الأثير كتابا حافلا سماه أسد الغابة.. ثم
جرد الأسماء التي في كتابه مع زيادات عليها الحافظ أبو عبد الله الذهبي وأعلم لمن
ذكر غلطا ولمن لا تصح صحبته. ولم يستوعب ذلك ولا قارب، وقد وقع لي بالتتبع كثير من
الأسماء التي ليست في كتابه ولا أصله على شرطهما، فجمع كتابا كبيرا في ذلك ميزت فيه
الصحابة من غيرهم. ومع ذلك، فلم يحصل لنا من ذلك جميعا الوقوف على الشعر من أسامي
الصحابة، بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعة الرازي، قال: توفي النبي صلى الله عليه
وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة، كلهم قد روى عنه
سماعا ورؤية. قال ابن فتحون في ذيل الاستيعاب بعد أن ذكر ذلك: أجاب أبو زرعة بهذا
سؤال من سأله عن الرواة خاصة فكيف بغيرهم؟ ومع هذا فجميع من في الاستيعاب - يعني
فمن ذكر فيه باسم أو كنية أو هما ثلاثة آلاف وخمسمائة، وذكر أنه استدرك عليه على
شرطه قريبا ممن ذكر. قلت: وقرأت بخط الحافظ الذهبي من ظهر كتابه التجريد: لعل
الجميع ثمانية آلاف إن لم يزيدوا ولم ينقصوا. ثم رأيت بخطه أن جميع من في أسد
الغابة سبعة آلاف وخمسمائة وأربعة وخمسون نفسا. ومما يؤيد قول أبي زرعة ما ثبت في
الصحيحين عن كعب بن مالك في قصة تبوك: والناس كثير لا يحصيهم ديوان. وثبت عن الثوري
- فيما أخرجه الخطيب بسنده الصحيح إليه - قال: من قدم عليا على عثمان فقد أزرى على
اثني عشر ألفا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض. فقال النووي: ذلك
بعد النبي صلى الله عليه وسلم باثني عشر عاما، بعد أن مات في خلافة أبي بكر في
الردة والفتوح الكثير ممن لم يضبط أسماؤهم. ثم مات في خلافة عمر في الفتوح وفي
الطاعون العام وعمواس وغير ذلك من لا يحصى كثرة. وسبب خفاء أسمائهم أن أكثرهم أعراب
وأكثرهم حضروا حجة الوداع والله أعلم .