ص 153
(25) قوله ص: من كنت مولاه فعلي مولاه، أوحي إلي في علي: إنه أمير
المؤمنين.....

قول النبي ص: من كنت مولاه فعلي مولاه، أوحي إلي في
علي: إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين
ص 155
أخرج أبو العباس ابن عقدة في (كتاب الولاية) قائلا: (حدثنا مثنى بن القاسم الحضرمي،
عن هلال بن أيوب الصيرفي، عن أبي كثير الأنصاري، عن عبد الله بن أسعد بن زرارة عن
أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه، أوحي إلي في
علي أنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين) (1). وإن واحدا من هذه
الأوصاف الجليلة لكاف في الدلالة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وخلافته بعد
رسول الله بلا فصل، فكيف في صورة اجتماعها في حديث واحد. ثم إن هذه الصفات تقوي
دلالة (من كنت مولاه فعلي مولاه) على الإمامة والخلافة. وأخرج أبو سعيد مسعود بن
ناصر السجستاني في (كتاب الولاية) قائلا: (أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد
البزاز فيما قرئ عليه في بغداد. قال
(هامش)
(1) كتاب الولاية لابن عقدة. وكان هذا الكتاب موجودا عند السيد علي ابن طاوس الحلي،
وقد روى عنه الحديث المذكور في كتاب اليقين الباب: 37. (*)
ص 156
حدثنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن هارون بن محمد الصيني إملاء في صفر سنة 393
قال حدثني أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الحافظ سنة 330. وأخبرنا أبو
الحسين محمد بن محمد بن علي الشروطي، قال أخبرنا أبو الحسين محمد ابن عمر بن بهثة
وأبو عبد الله الحسين بن مروان بن محمد القاضي الصيني وأبو محمد عبد الله بن محمد
بن الفضل بن إبراهيم الأشعري، قال حدثنا أبي قال حدثنا المثنى بن قاسم الحضرمي، عن
هلال بن أيوب الصير في عن ابن أبي كثير الأنصاري عن عبد الله بن أسعد بن زرارة عن
أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه. فهذا آخر
حديث البزاز. وزاد الشروطي في روايته: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوحي إلي
في علي ثلاث: أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين) (1). هذا، وقد تقدم
في الكتاب ترجمة (ابن عقدة) و(أبي سعيد السجستاني) فليراجع. * * *
(هامش)
(1) كتاب الولاية لأبي سعيد السجستاني كان هذا الكتاب موجودا عند السيد علي بن طاوس
الحلي وقد نقل عنه الحديث المذكور في كتاب اليقين الباب: 37. (*)
ص 157
(26) خطبة الغدير كما في كتاب (توضيح الدلائل)

ص 159
وروى السيد شهاب الدين أحمد خطبة يوم غدير خم باللفظ الآتي. (الحمد لله على آلائه
في نفسي وبلائه في عترتي وأهل بيتي، أستعينه على نكبات الدنيا وموبقات الآخرة،
وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا
شريكا ولا عمدا، وأني عبد من عبيده أرسلني برسالته إلى جميع خلقه، ليهلك من هلك عن
بينة ويحيى من حي عن بينة، واصطفاني على العالمين من الأولين والآخرين، وأعطاني
مفاتيح خزائنه ووكد علي بعزائمه واستودعني سره وأمدني فأبصرت له، فأنا الفاتح وأن
الخاتم ولا قوة إلا بالله. إتقوا الله أيها الناس حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم
مسلمون، واعلموا أن الله بكل شيء محيط، وأنه سيكون من بعدي أقوام يكذبون علي فيقبل
منهم، ومعاذ الله أن أقول على الله إلا الحق أو أنطق بأمره إلا الصدق، وما آمركم
إلا ما أمرني به ولا أدعوكم إلا إلى الله، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
فقام إليه عبادة بن الصامت فقال: ومتى ذاك يا رسول الله؟ ومن هؤلاء؟ عرفناهم
لنحذرهم. قال: أقوام قد استعدوا لنا من يومهم وسيظهرون لكم إذا بلغت النفس ههنا -
وأومأ صلى الله عليه وبارك وسلم إلى حلقه - فقال عبادة: إذا
ص 160
كان ذلك فإلى من يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وبارك وسلم: عليكم بالسمع
والطاعة للسابقين من عترتي والآخذين من نبوتي، فإنهم يصدونكم عن الغي ويدعونكم إلى
الخير، وهم أهل الحق ومعادن الصدق، يحيون فيكم الكتاب والسنة، ويجنبونكم الالحاد
والبدعة، ويقمعون بالحق أهل الباطل، لا يميلون مع الجاهل. أيها الناس: خلقني وخلق
أهل بيتي من طينة لم يخلق منها غيرها، كنا أول من ابتدأ من خلقه، فلما خلقنا نور
بنورنا كل ظلمة وأحيى بنا كل طينة - ثم قال صلى الله عليه وسلم - هؤلاء خيار أمتي
وحملة علمي وخزانة سري وسادة أهل الأرض، الداعون إلى الحق المخبرون بالصدق، غير
شاكين ولا مرتابين ولا ناكصين ولا ناكثين. هؤلاء الهداة المهتدون والأئمة الراشدون،
المهتدي من جاءني بطاعتهم وولايتهم، والضال من عدل منهم وجاءني بعداوتهم، حبهم
إيمان وبغضهم نفاق، هم الأئمة الهادية وعرى الأحكام الواثقة، بهم تتم الأعمال
الصالحة، وهم وصية الله في الأولين والآخرين، والأرحام التي أقسمكم الله بها إذ
يقول: *(واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)*. ثم ندبكم
إلى حبهم فقال: *(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)* هم الذين أذهب
الله عنهم الرجس وطهرهم من النجس، الصادقون إذا نطقوا العالمون إذا سئلوا، الحافظون
لما استودعوا. جمعت فيهم الخلال العشر لم تجمع إلا في عترتي وأهل بيتي: الحلم
والعلم والنبوة والنبل والسماحة والشجاعة والصدق والطهارة والعفاف والحكم. فهم كلمة
التقوى ووسيلة الهدى والحجة العظمى والعروة الوثقى، هم أولياؤكم عن قول ربكم، وعن
قول ربي ما آمرتكم. ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه
وانصر من نصره واخذل من خذله. أوحي إلي من ربي فيه ثلاث: إنه سيد المسلمين وإمام
الخيرة المتقين وقائد الغر المحجلين، وقد بلغت عن ربي ما أمرت واستودعهم الله فيكم،
واستغفر الله لي ولكم).
ص 161
وقد جمع في هذه الخطبة بين (من كنت مولاه فعلي مولاه) وبين (إنه سيد المسلمين وإمام
الخيرة المتقين وقائد الغر المحجلين). وأنت تعلم أن واحد من هذه الصفات يكفي لأن
يستدل به على ثبوت الإمامة والخلافة له دون غيره.
وجوه دلالة الخطبة على إمامة أهل
البيت

هذا، بالاضافة إلى دلالة هذه الخطبة على إمامة أهل البيت عليهم الصلاة
والسلام من وجوه: الأول: إنه أمر أمته بالسمع والطاعة لهم. وهذا يستلزم الإمامة
والخلافة بلا ريب، إذ لا يعقل أن يكون المأمور بالإطاعة إماما والمطاع مأموما.
وأيضا: هذا الأمر يقتضي أفضلية المطاع، وهي تستلزم الإمامة. وأيضا: هذا الأمر دليل
العصمة، وهي تستلزم الإمامة. الثاني: وصفهم بالسابقين. وهذا الوصف يستلزم الأفضلية
وهي تستلزم الإمامة. الثالث: قوله (فإنهم يصدونكم عن الغي ويدعونكم إلى الخير)
معناه أنهم الذين يأمرون الصحابة بالمعروف وينهونهم عن المنكر، فكون واحد من
الصحابة خليفة دونهم - والحال هذه - يستلزم انعكاس الموضوع. الرابع: قوله (يحيون
فيكم الكتاب والسنة ويجنبونكم الالحاد والبدعة ويقمعون بالحق أهل الباطل لا يميلون
مع الجاهل) يدل على الأفضلية بوضوح. الخامس: قوله (خلقني وخلق أهل بيتي من طينة لم
يخلق منها غيرها) دليل على الأفضلية. السادس: قوله (كنا أول من ابتدأ من خلقه) دليل
على الأفضلية كذلك. السابع: قوله (نور بنورنا كل ظلمة) دليل على الأفضلية. الثامن:
قوله (هؤلاء خيار أمتي) دليل على الأفضلية. التاسع: قوله (حملة علمي...) دليل على
الأفضلية.
ص 162
العاشر: قوله (سادة أهل الأرض) صريح في الأفضلية. الحادي عشر: قوله (هؤلاء الهداة
المهتدون والأئمة الراشدون) نص صريح في أنهم الأئمة. الثاني عشر: قوله (المهتدي من
جاءني بطاعتهم) صريح في أنه تجب طاعة أهل البيت، فيكونون مطاعين للصحابة لا بالعكس.
الثالث عشر: قوله (هم الأئمة الهادية) نص صريح في الإمامة. الرابع عشر: قوله (جمعت
فيهم الخلال العشر...) دليل الأفضلية المطلقة. وتدل الجمل الأخرى من هذه الخطبة على
إمامة أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام، وذم من خالفهم وعاداهم، وسيعلم الذين
ظلموا أي منقلب منقلبون.
الثناء على صاحب توضيح الدلائل

وإن السيد شهاب الدين صاحب
(توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل) من أكابر علماء أهل السنة، ومن هنا نجد المولوي
شاه سلامة الله في كتابه (معركة الآراء) يعجز عن إنكار رواياته ويجعل كتابه دليلا
على رواية أهل السنة لفضائل أمير المؤمنين عليه السلام. والسيد شهاب الدين المذكور
هو سبط قطب الدين الأيجي كما يظهر من قوله: (وإني قد وجدت هذين البيتين بشريف خط
جدي الإمام المالك من السنة بالزمام قطب الحق والدين الأيجي روح روحه في دار
السلام: ولايتي لأمير المؤمنين علي * بها بلغت الذي أرجوه من أملي تحققا أنني لولا
ولايته * ما كان ذو العرش مني قابلا عملي)
ترجمة الشيخ سلامة الله البدايوني

وإن
رأي الشيخ سلامة الله هذا بوحده يكفينا لأن نحتج ونستشهد بما جاء
ص 163
في كتاب (توضيح الدلائل). وذلك لأن شاه سلامة الله البدايوني أحد العلماء المشهورين
بالهند، ومن تلامذة المولوي عبد العزيز الدهلوي صاحب (التحفة الاثنى عشرية) وكان -
كما زعم صاحب (نزهة الخواطر) - (يتكلم مع الشيعة ويناظرهم، ويفحم الكبار منهم). جاء
ذلك بترجمته حيث عنونه بقوله: (الشيخ الفاضل سلامة الله بن بركة الله الصديقي
البدايوني ثم الكانبوري، أحد العلماء المشهورين ولد ونشأ ببدايون، وقرأ النحو
والصرف على الشيخ أبي المعالي بن عبد الغني العثماني، وبعض رسائل المنطق والحكمة
على مولانا ولي الله تلميذ الشيخ باب الله الجونبوري. ثم لازم السيد مجد الدين
الشاه جانبوري ببلدة بريلي، وقرأ عليه سائر الكتب الدرسية. ثم سافر إلى دهلي
واستفاض عن الشيخ رفيع الدين وصنوه الكبير عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي، وأسند
الحديث عن الشيخ عبد العزيز المذكور، وأخذ الطريقة عن السيد آل أحمد الحسيني
المارهروي، ثم رجع إلى لكهنو وتصدر بها للدرس والافادة. وكان له ذوق سليم في
المناظرة، كان يتكلم مع الشيعة ويناظرهم ويفحم الكبار منهم، حتى بهت مجتهدهم ولم
يقدر على الذب عن نحلته فقضى عليه بالجلاء، فذهب إلى كانبور وسكن بها. قال صاحبه
الشيخ محسن بن يحيى الترهتي في اليانع الجني: إنه جامع بين أنواع العلوم من القرآن
والحديث والفقه وأصوله والتصوف والكلام وغيره من العلوم النظرية، مارسها أحسن ما
يكون من الممارسة، حصلت له الإجازة من قبل عبد العزيز المسند، واجتمع به بآخر عمره،
وكتب له رفيع الدين الإجازة من قبل أخيه فيما أظن. له كتب ورسائل... ومنها في الجدل
مع الرافضة مثل كتابه معركة الآراء... مات يوم السبت لثلاث خلون من رجب سنة 1271
بكانبور) (1).
(هامش)
(1) نزهة الخواطر 7 / 202. (*)
ص 164
فمن كان بصدد الرد على الشيعة، يتكلم معهم ويناظرهم، ويفحم الكبار منهم!! لا ينسب
كتابا لشيعي أو لمائل إلى التشيع إلى أهل السنة، ولا يوافق على أخباره ورواياته. *
* *
ص 165
(27) قول النبي ص في يوم الغدير: لكن علي بن أبي طالب أنزله
الله مني بمنزلتي منه

ص 167
ومن الأدلة: ما رواه ابن المغازلي بقوله: (أخبرنا أحمد بن محمد بن طاوان قال حدثني
الحسين بن محمد العلوي العدل، قال حدثني علي بن عبد الله بن ميسرة، قال حدثني أحمد
بن منصور الرمادي، قال حدثني عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة عن أبي هبيرة وبكر بن
سوادة عن قبيصة بن ذويب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله: إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم نزل بخم، فتنحى الناس عنه، وأمر عليا فجمعهم، فلما اجتمعوا قام
فيهم وهو متوسد يد علي بن أبي طالب، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه
قد كرهت تخلفكم عني حتى خيل لي أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني. ثم قال: لكن
علي بن أبي طالب أنزله الله مني بمنزلتي منه، فرضي الله عنه كما أنا راض عنه، فإنه
لا يختار على قربي ومحبتي شيئا. ثم رفع يديه فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم
وال من والاه وعاد من عاداه. قال: فابتدر الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
يبكون ويتضرعون ويقولون: يا رسول الله ما تنحينا عنك إلا كراهية أن نثقل عليك،
فنعوذ بالله من
ص 168
سخط رسوله - فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم عند ذلك) (1). فنقول: ما هي
منزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الله عز وجل؟ إن منزلة رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم منه عز وجل تعلم من آيات القرآن الكريم، فهو خليفة الله في
الأرض، ومجعول حاكما على الناس من قبله، قال الله تعالى لداود: *(إنا جعلناك خليفة
في الأرض فاحكم بين الناس بالعدل...)* ونبينا أفضل من داود عليه السلام. وهو رسول
الله وشاهده والمبشر والنذير من قبله، قال عز وجل: *(إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا
ونذيرا...)* ومقرون طاعته بطاعته ومعصيته بمعصيته بقوله: *(من يطع الرسول فقد أطاع
الله)* *(ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب)* ومجعول أولى بالمؤمنين من
أنفسهم - بقوله: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم...)* -. إلى غير ذلك مما يعتقده
كل مسلم ولو أنكر الكفر. وعلي عليه السلام أنزله الله من رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم منزلته منه، فيكون حائزا لتلك المنازل، وبها يكون الحاكم على الناس كلهم،
والمولى الواجب إطاعته واتباعه على جميعهم، والأولى بهم من أنفسهم، وهذه هي الإمامة
العظمى والخلافة الكبرى. * * *
(هامش)
(1) مناقب أمير المؤمنين: 25. (*)
ص 169
(28) قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الغدير هذا وليي والمؤدي عني

ص 171
ومن الأدلة ما رواه الحافظ ابن كثير بقوله: (قال ابن جرير حدثنا أحمد بن عثمان أبو
الجوزاء، ثنا محمد بن خالد بن عتمة، ثنا موسى بن يعقوب الربعي - وهو صدوق - حدثني
مهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد سمعت أباها يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم الجحفة وأخذ بيد علي فخطب ثم قال: أيها الناس إني وليكم. قالوا: صدقت.
فرفع يد علي فقال: هذا وليي والمؤدي عني، وإن الله موال من والاه ومعاد من عاداه.
قال شيخنا الذهبي: وهذا حديث حسن غريب. ثم رواه ابن جرير من حديث يعقوب بن جعفر بن
أبي كثير عن مهاجر بن مسمار. فذكر الحديث وأنه عليه السلام وقف حتى لحقه من بعده
وأمر برد من كان تقدم. فخطبهم. الحديث) (1). وقد أخرجه النسائي قائلا: (أنبأنا أبو
عبد الرحمن زكريا بن يحيى السجستاني، قال حدثني محمد بن الرحيم، قال أنبأنا
إبراهيم، قال ثنا معن قال
(هامش)
(1) تاريخ ابن كثير 5 / 212. (*)
ص 172
ثني موسى بن يعقوب عن المهاجرين مسمار عن عائشة بنت سعد وعامر ابن سعد: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: أما بعد أيها الناس فإني وليكم. قالوا: صدقت. ثم
أخذ بيد علي فرفعها قال: هذا وليي والمؤدي عني، وال اللهم من والاه وعاد اللهم من
عاداه) (1). أقول: ويفهم من هذا الحديث - بقرينة لفظة (والمؤدي عني) - أن المراد من
(الولي) ليس المحب والناصر ونحوهما، بل إن المراد منه هو الخليفة والإمام، لأنه
الذي يؤدي الأحكام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. والأصرح من هذا الحديث هو
الحديث الآخر الذي رواه ابن كثير أيضا حيث قال: (قال الإمام أحمد ثنا يحيى بن آدم
وابن أبي بكر قالا: ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة. قال يحيى بن آدم:
وكان قد شهد حجة الوداع - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي مني وأنا منه
ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي) (2). * * *
(هامش)
(1) الخصائص: 100. (2) تاريخ ابن كثير 5 / 213. (*)
ص 173
(29) قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كان الله وأنا مولاه فهذا علي مولاه
يأمركم وينهاكم

ص 175
ومن الأدلة: ما رواه السيد علي بن شهاب الدين الهمداني: (عن أبي الحمراء رضي الله
عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال بعد كبر سنه لواحد من رفقائه:
لأحدثنك ما سمعت أذناي ورأت عيناي: أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخل
على عائشة فقال لها: ادعي لي سيد العرب، فبعثت إلى أبي بكر فدعته، فجاء حتى كان
كرأي العين علم أن غير دعي. فخرج من عندها حتى دخل على حفصة فقال لها: ادعي لي سيد
العرب فبعثت إلى عمر فدعته حتى إذا صار كرأي العين علم أن غيره دعي. فخرج من عندها
حتى إذا دخل على أم سلمة رضي الله عنها وكانت من خيرهن وقال: ادعي لي سيد العرب
فبعثت إلى علي فدعته. ثم قال لي: يا أبا الحمراء رح ائتني بمائة من قريش وثمانين من
العرب وستين من الموالي وأربعين من أولاد الحبشة، فلما اجتمع الناس قال: ائتني
بصحيفة من أديم فأتيته بها، ثم أقامهم مثل صف الصلاة فقال: معاشر الناس! أليس الله
أولى بي من نفسي يأمرني وينهاني ما لي على الله أمر ولا نهي؟ قالوا: بلى يا رسول
الله. قال: من كان الله وأنا مولاه فهذا علي مولاه يأمركم وينهاكم مالكم عليه من
أمر ولا نهي، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه
ص 176
وانصر من نصره واخذل من خذله. اللهم أنت شهيدي عليهم أني قد بلغت ونصحت، ثم أمر
فقرات الصحيفة علينا ثلاثا ثم قال: من شاء أن يقيله ثلاثا. فقلنا: نعوذ بالله
وبرسوله أن نستقيله ثلاثا ثم أدرج الصحيفة وختمها بخواتيمهم. ثم قال: يا علي خذ
الصحيفة إليك فمن نكث فاتل الصحيفة فأكون أنا خصيمه. ثم تلا هذه الآية: *(ولا
تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا)* فتكونوا كبني إسرائيل إذ
شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، ثم تلا *(فمن نكث فإنما ينكث على نفسه)* الآية)
(1). وهذا الحديث من أقوى الأدلة على أن (المولى) في حديث الغدير بمعنى الإمامة
والأولوية في التصرف. * * *
(هامش)
(1) مودة القربى. أنظر ينابيع المودة: 250. (*)
ص 177
(30) قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت وليه فعلي وليه ومن كنت إمامه فعلي
إمامه

ص 179
وروى السيد علي الهمداني المذكور: (عن فاطمة عليها السلام قالت قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: من كنت وليه فعلي وليه، ومن كنت إمامه فعلي إمامه) (1). وهذا
الحديث أيضا صريح في المطلوب.
ترجمة السيد علي الهمداني

والسيد علي الهمداني من
أكابر علماء أهل السنة ومن مشاهير عرفائهم، وقد أثنى عليه وعلماؤهم مثل عبد الرحمن
بن أحمد الجامي في كتاب (نفحات الأنس من حضرات القدس) ومحمود بن سليمان الكفوي في
كتاب (كتائب الأعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار) ونور الدين جعفر
البدخشاني في كتاب (خلاصة المناقب) والشيخ أحمد القشاشي في كتاب (السمط المجيد في
سلاسل أهل التوحيد) وشاه ولي الله الدهلوي في كتاب (الانتباه في سلاسل أولياء
الله). وقد توفي السيد علي الهمداني في السادس من ذي الحجة سنة ست وثمانين
(هامش)
(1) مودة القربى. أنظر ينابيع المودة: 250. (*)
ص 180
وسبعمائة. وقد وصفه الكفوي بقوله: (لسان العصر سيد الوقت، المنسلخ عن الهياكل
الناسوتية والمتوصل إلى السبحات اللاهوتية، الشيخ العارف الرباني والعالم الصمداني،
أمير سيد علي بن شهاب بن محمد بن محمد الهمداني قدس الله تعالى سره. كان جامعا بين
العلوم الظاهرة والباطنة، ولو مصنفات كثيرة في علم التصوف). وقال صاحب (نزهة
الخواطر): (الشيخ علي بن شهاب الهمداني، الشيخ العالم الكبير الرحالة. ولد في 12
رجب، وأدرك المشايخ الكبار واستفاد منهم، بلغ عددهم إلى أربعمائة وألف من رجال
العلم والمعرفة. فقدم كشمير فأسلم على يده غالب أهلها. وله مصنفات كثيرة ممتعة.
وكانت وفاته في سنة 786) (1). * * *
(هامش)
(1) نزهة الخواطر 2 / 84 ملخصا بلفظه (*)
ص 181
إعترافات مشاهير علماء السنة بمفاد حديث الغدير

ص 183
وبالاضافة إلى تلك الوجوه السديدة والأدلة الباهرة التي يكفي كل واحد منها لإثبات
مطلوب أهل الحق لو أنصف المنصفون، فقد رأينا جماعة كبيرة من أساطين علماء أهل السنة
يصرحون بدلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، وينصون
على مطلوب أهل الحق بكل وضوح، وإن كل كلمة من كلمات هؤلاء ليكفي لدفع شكوك
المشككين، وتأويلات الجاحدين، وإليك نصوص عبارات طائفة منهم:
*(1)* محمد بن محمد
الغزالي

قال أبو حامد الغزالي: (اختلف العلماء في ترتيب الخلافة وتحصيلها لمن آل
أمرها إليه، فمنهم من زعم أنها بالنص، ودليلهم في المسألة قوله تعالى: *(قل
للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا
يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما)*. وقد
دعاهم أبو بكر رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ص 184
إلى الطاعة فأجابوه. وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: *(وإذ أسر النبي إلى بعض
أزواجه حديثا)* قال في الحديث: إن أباك هو الخليفة من بعدي يا حميراء. وقالت امرأة:
إذا فقدناك فإلى من نرجع؟ فأشار إلى أبي بكر. ولأنه أم بالمسلمين على حياة رسول
الله، والامامة عماد الدين. هذا جملة ما يتعلق به القائلون بالنصوص. ثم تأولوا
وقالوا: لو كان علي أول الخلفاء لا نسحب عليهم ذيل الفناء، ولم يأتوا بفتوح ولا
مناقب، ولا يقدح في كونه رابعا كما لا يقدح في نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم إذ كان آخرا. والذين عدلوا عن هذا الطريق زعموا أن هذا تعلق فاسد وما يتعلق به
فاسد، وتأويل بارد جاء على زعمكم وأهويتكم، وقد وقع الميراث في الخلافة والأحكام
مثل داود وزكريا وسليمان ويحيى، قالوا: كان لأزواجه ثمن الخلافة، فبهذا تعلقوا وهذا
باطل إذ لو كان ميراثا لكان العباس أولى. لكن أسفرت الحجة وجهها وأجمع الجماهير على
متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول: من كنت مولاه فعلي
مولاه. فقال عمر: بخ بخ يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. فهذا
تسليم ورضى وتحكيم. ثم بعد هذا غلب الهوى لحب الرياسة وحمل عمود الخلافة وعقود
البنود وخفقان الهوى في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار سقاهم
كأس الهوى، فعادوا إلى الخلاف الأول فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلا
فبئس ما يشترون) (1). وقد أورد سبط ابن الجوزي كلام الغزالي هذا حيث قال: (وذكر أبو
حامد الغزالي في كتاب سر العالمين وكشف ما في الدارين ألفاظا تشبه هذا. فقال قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي
(هامش)
(1) سر العالمين: 74. (*)
ص 185
مولاه. فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
قال: وهذا تسليم ورضى وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى حبا للرياسة وعقد البنود وخفقان
الرايات وازدحام الخيول في فتح الأمصار وأمر الخلافة ونهيها، فحملهم على الخلاف
فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون) (1).
كتاب (سر العالمين)
للغزالي

وقد عرفت من عبارة سبط ابن الجوزي ثبوت هذا الكتاب لأبي حامد الغزالي وصحة
نسبته إلى مؤلفه. وأيضا، يشهد بذلك عبارة الحافظ الذهبي حيث قال: (الحسن بن الصباح
الاسماعيلي الملقب بالكيا، صاحب الدعوة النزارية وجد أصحاب قلعة الموت. كان من كبار
الزنادقة ومن دهاة العالم، وله أخبار يطول شرحها لخصتها في تاريخي الكبير في حوادث
سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وأصله من مرو، وقد أكثر التطواف ما بين مصر إلى بلد
كاشغر، يغوي الخلق ويضل الجهلة، إلى أن صار منه ما صار، وكان قوي المشاركة في
الفلسفة والهندسة، كثير المكر والحيل، بعيد الغور، لا بارك الله فيه. قال أبو حامد
الغزالي في كتاب سر العالمين: شاهدت قصة الحسن بن الصباح لما تزهد تحت حصن الموت،
فكان أهل الحصن يتمنون صعوده إليهم فيمتنع فيقول: أما ترون المنكر كيف فشا وفسد
الناس، فتبعه خلق، ثم خرج أمير الحصن يتصيد، فنهض أصحابه فتملكوا الحصن، ثم كثرت
قلاعهم...) (2).
(هامش)
(1) تذكرة خواص الإمامة: 62. (2) ميزان الاعتدال 1 / 500. (*)
ص 186
ترجمة الغزالي

ومن المناسب أن نورد هنا طرفا من كلمات القوم في تعظيم الغزالي
والثناء عليه وتبجيله: 1 - اليافعي بعد ذكر نبذ من فضائل الغزالي في نحو من ثلاث
ورقات كبيرة: (قلت: وفضائل الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رضي الله عنه أكثر
من أن تحصر، وأشهر من أن تشهر. وقد روينا من الشيخ الفقيه الإمام العارف بالله،
رفيع المقام الذي اشتهرت كرامته العظيمة وترادفت وقال للشمس يوما قفي فوقفت حتى بلغ
المنزل الذي يريد من مكان بعيد، أبي الذبيح إسماعيل ابن الشيخ الفقيه الإمام العارف
ذي المناقب والكرامات والمعارف محمد بن إسماعيل: أنه سأل بعض الطاعنين في الإمام
أبي حامد المذكور رضي الله عنه في فتيا أرسل بها إليه هل يجوز قراءة كتب الغزالي؟
فقال رضي الله عنه في الجواب: إنا لله وإنا إليه راجعون، محمد بن عبد الله صلى الله
عليه وآله وسلم سيد الأنبياء، ومحمد بن إدريس سيد الأئمة، ومحمد بن محمد الغزالي
سيد المصنفين. هذا جوابه رحمة الله عليه. وقد ذكرت في كتاب الارشاد: أنه سماه سيد
المصنفين، لأنه تميز عن المصنفين بكثرة المصنفات البديعات، وغاص في بحار العلوم
واستخرج عنها الجواهر النفيسات، وسحر العقول بحسن العبارة وملاحة الأمثلة، وبداعة
الترتيب والتقسيمات والبراعة في الصناعة العجيبة مع جزالة الألفاظ وبلاغة المعاني
الغريبة، والجمع بين علوم الشريعة والحقيقة، والفروع والأصول، والمعقول والمنقول،
والتدقيق والتحقيق، والعلم والعمل، وبيان معالم العبادات والعادات والمهلكات
والمنجيات، وإبراز محاسن أسرار المعارف المحجبات العاليات، والانتفاع بكلامه علما
وعملا، لا سيما أرباب الديانات، والدعاء إلى الله سبحانه برفض الدنيا والخلق،
ومحاربة الشيطان والنفس بالمجاهدة والرياضات، وإفحام
ص 187
الفرق أيسر عنده من شرب الماء بالبراهين القطاعات وتوبيخ علماء السوء الراكبين إلى
الظلمة والمائلين إلى الدنيا الدنية أولي الهمم الدنيات، وغير ذلك مما لا يحصى مما
جمع في تصانيفه من المحاسن الجميلات والفضائل الجليلات، مما لا يجمعه مصنف فيما
علمنا ولا يجمعه فيما يظن ما دامت الأرض والسماوات. فهو سيد المصنفين عند المنصفين،
وحجة الإسلام عند هل الاستسلام لقبول الحق من المحققين في جميع الأقطار والجهات،
وليس يعني أن تصانيفه أصح فصحيحا البخاري ومسلم أصح الكتب المصنفات...) (1). 2 -
السيوطي: (وعلى رأس الخامسة الإمام أبو حامد الغزالي، وذلك لتميزه بكثرة المصنفات
البديعات، وغوصه في بحور العلم، والجمع بين علوم الشريعة والحقيقة، والفروع والأصول
والمعقول والمنقول، والتدقيق والتحقيق والعلم والعمل، حتى قال بعض العلماء الأكابر
الجامعين بين العلم الظاهر والباطن: لو كان بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم نبي
لكان الغزالي، وأنه يحصل ثبوت معجزاته ببعض مصنفاته) (2). 3 - الزرقاني: (ذكر له
الأسنوي في المهمات ترجمة حسنة منها: هو قطب الوجود والبركة الشاملة لكل موجود،
وروح خلاصة أهل الإيمان، والطريق الموصل إلى رضا الرحمن، يتقرب به إلى الله تعالى
كل صديق، ولا يبغضه إلا ملحد أو زنديق، قد انفرد في ذلك العصر عن الزمان كما انفرد
في هذا الباب فلا يترجم معه فيه لانسان. إنتهى. وله كتب نافعة مفيدة خصوصا الأحياء
فلا يستغني عنه طالب الآخرة. مات بطوس سنة 505) (3).
(هامش)
(1) مرآة الجنان حوادث سنة 505. (2) التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة
للسيوطي: 12. (3) شرح المواهب اللدنية 1 / 36. (*)
ص 188
*(2)* أبو المجد مجدود بن آدم (الحكيم السنائي)

وقال أبو المجد الحكيم السنائي في
مدح سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام: (نائب مصطفى بروز غدير * كرده بر شرع خود مر
أو را مير) (1) وهذا صريح في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل عليا عليه
السلام في يوم الغدير نائبا ونصبه أميرا على شرعه. و(الحكيم السنائي) من كبار علماء
وعرفاء أهل السنة. وقد أثنى عليه عبد الرحمن بن أحمد الجامي في (نفحات الأنس)، وذكر
كتابه (حديثة الحقيقة) مقرظا إياه.
*(3)* فريد الدين العطار

وقال الشيخ فريد الدين
العطار الهمداني في واقعة غدير خم ومعنى حديث الغدير: (چون خدا گفته است در خم غدير
* بارسول الله ز آيات منير. ايها الناس اين بود الهام أو * زانكه از حق آمده پيغام
أو گفت روكن باخلائق اين ندا * نيست اين دم خود رسولم بر شم
(هامش)
(1) حديقة الحقيقة للحكيم السنائي. (*)
ص 189
هر چه حق گفته است من خود آن كنم * بر تو من اسرار حق آسان كنم چونكه جبرئيل آمد
وبر من بگفت * من بگويم با شما راز نهفت ايچنين گفته است قهار جهان * حق وقيوم خداى
غيب دان مرتضى والى إر اين ملك من است * هر كه اين سر را نداند أو زنست) (1). في
هذه الأشعار: إن حديث الغدير كان بأمر من الله عز وجل، وإن معناه هو أن أمير
المؤمنين عليه السلام هو الوالي لمملكة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الثناء على
العطار والاعتماد عليه

هذا، والشيخ فريد الدين المذكور من كبار المشايخ الموصوفين
بالعلم والمعرفة لدى علماء أهل السنة، فقد ترجم له وأثنى عليه الشيخ عبد الرحمن
الجامي (2) واستند إلى كلامه نصر الله الكابلي حيث قال: (قال الشيخ الجليل فريد
الدين أحمد بن محمد النيسابوري: من آمن بمحمد ولم يؤمن بأهل بيته فليس بمؤمن، أجمع
العلماء والعرفاء على ذلك ولم ينكره أحد) (3). بل ذكر (الدهلوي) في الباب الحادي
عشر من كتابه (التحفة) ما ترجمته: (وأيضا: إنهم يعلمون بأهل أهل السنة يجعلون حب
الأمير وذريته الطاهرة من فرائض الإيمان. قال حضرة فريد الدين أحمد بن محمد
النيسابوري المعروف بالعطار في أشعاره العربية: فلا تعدل بأهل البيت خلقا * فأهل
البيت هم أهل السعادة فبغضهم من الانسان خسر * حقيقي وحبهم عبادة
(هامش)
(1) ديوان مظهر حق للعطار النيسابوري. (2) نفحات الأنس: 599. (3) الصواقع لنصر الله
الكابلي - مخطوط. (*)
ص 190
وقد أورد الشيخ بهاء الدين العاملي هذه الأشعار في كشكوله. وينقل عن الشيخ المذكور
أيضا أنه كان يقول: من آمن بمحمد ولم يؤمن بأهل بيته فليس بمؤمن).
*(4)* ابن طلحة
الشافعي

وقال الشيخ محمد بن طلحة الشافعي ما نصه: (وأما مؤاخاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم إياه وامتزاجه به وتنزيله إياه منزلة نفسه وميله إياه وإيثاره إياه فهذا
بيانه: فإنه قد روى الإمام الترمذي في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم أنه قال: لما آخا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه جاءه علي تدمع عيناه. فقال: يا رسول الله
آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد. قال: فسمعت رسول الله يقول: أنت أخي في
الدنيا والآخرة. وروى بسنده أيضا: أن رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. وهذا
اللفظ بمجرده رواه الترمذي ولم يزد عليه. وزاد غيره ذكر اليوم والموضع. فذكر الزمان
وهو عند عود رسول الله من حجة الوداع في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة. وذكر المكان
وهو ما بين مكة والمدينة يسمى خما في غدير هناك، فسمي ذلك اليوم غدير خم. وقد ذكره
عليه السلام في شعره الذي تقدم. وصار ذلك اليوم عيدا وموسما لكونه كان وقتا خص فيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بهذه المنزلة العلية وشرفه بها دون الناس كلهم.
ونقل عن زاذان قال: سمعت عليا في الرحبة وهو ينشد الناس: من شهد منكم رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم غدير خم وهو يقول ما قال؟ فقام ثلاثة
ص 191
عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. زيادة تقرير:
نقل الإمام أبو الحسن علي الواحدي في كتابه المسمى بأسباب النزول يرفعه بسنده إلى
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية: *(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل
إليك من ربك)* يوم غدير خم في علي بن أبي طالب. فقوله صلى الله عليه وسلم: من كنت
مولاه فعلي مولاه قد اشتمل على لفظة (من) وهي موضوعة للعموم، فاقتضى أن كل إنسان
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاه كان علي مولاه. واشتمل على لفظه (المولى)
وهي لفظة مستعملة بإزاء معان متعددة قد ورد القرآن الكريم بها، فتارة تكون بمعنى
(أولى) قال الله تعالى في حق المنافقين: *(مأواكم النار هي مولاكم)* معناه: أولى
بكم. وتارة بمعنى الناصر. قال الله تعالى: *(ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن
الكافرين لا مولى لهم)* معناه: إن الله ناصر المؤمنين وإن الكافرين لا ناصر لهم.
وتارة بمعنى الوارث قال الله تعالى: *(ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان
والأقربون)* معناه: وارثا. وتارة بمعنى العصبة. قال الله تعالى: *(وإني خفت الموالي
من ورائي)* معناه عصبتي. وتارة بمعنى الصديق والحميم قال الله تعالى: *(يوم لا يغني
مولى عن مولى شيئا)* معناه حميم عن حميم وصديق عن صديق وقرابة عن قرابة. وتارة
بمعنى السيد المعتق وهو ظاهر. وإذا كانت واردة لهذه المعاني فعلى أيها حملت؟ أما
على كونه أولى كما ذهبت إليه طائفة أو على كونه صديقا حميما، فيكون معنى الحديث: من
كنت أولى به أو ناصره أو وارثه أو عصبته أو حميمه أو صديقه فإن عليا منه كذلك، وهذا
صريح في تخصيصه لعلي بهذه المنقبة العلية وجعله لغيره كنفسه بالنسبة إلى من دخلت
عليهم كلمة (من) التي هي للعموم بما لم يجعله لغيره. وليعلم: أن هذا الحديث هو من
أسرار قوله تعالى في آية المباهلة: *(فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا
ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم)* والمراد نفس علي
ص 192
على ما تقدم، فإن الله جل وعلا لما قرن بين نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين
نفس علي وجمعهما بضمير مضاف إلى رسول الله أثبت رسول الله لنفس علي بهذا الحديث ما
هو ثابت لنفسه على المؤمنين عموما، فإنه أولى بالمؤمنين وناصر المؤمنين وسيد
المؤمنين. وكل معنى أمكن إثباته مما دل عليه لفظ (المولى) لرسول الله فقد جعله لعلي
عليه السلام. وهي مرتبة سامية ومنزلة شاهقة ودرجة علية ومكانة رفيعة خصه صلى الله
عليه وسلم بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأوليائه) (1).
ترجمة ابن طلحة

وابن طلحة المذكور من كبار الفقهاء ومشاهير المحققين، فقد ترجم له
وأثنى عليه اليافعي (2). وذكره الأسنوي في (طبقات فقهاء الشافعية) بقوله: (الكمال
النصيبي أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد القرشي النصيبي الملقب كمال الدين، كان
إماما بارعا في الفقه والخلاف، عالما بالأصلين، رئيسا كبيرا معظما، ترسل عن الملوك
وأقام بدمشق بالمدرسة الأمينية، وعينه الملك الناصر صاحب دمشق للوزارة وكتب تقليده
بذلك فنصل منه واعتذر فلم يقبل منه، فباشرها يومين ثم ترك أمواله وموجوده وغير
ملبوسه وذهب فلم يعرف موضعه. سمع وحدث. وتوفي بحلب في السابع والعشرين من رجب سنة
652. وقد جاوز السبعين. ذكره في العبر مختصرا) (3). وقال ابن قاضي شهبة بترجمته:
(أحد الصدور والرؤساء المعظمين، ولد سنة 582 وتفقه وشارك في العلوم. وكان فقيها
بارعا بالمذهب والأصول والخلاف، ترسل عن الملوك وساد وتقدم وسمع الحديث وحدث ببلاد
كثيرة... قال السيد
(هامش)
(1) مطالب السئول 44 - 45. (2) مرآة الجنان حوادث سنة 562. (3) طبقات الشافعية
للأسنوي 2 / 503. (*)
ص 193
عز الدين: أفتى وصنف وكان أحد العلماء المشهورين والرؤساء المذكورين...) (1). وذكره
عبد الغفار بن إبراهيم العلوي العكي العد ثاني بقوله: (محمد بن طلحة كمال الدين أبو
سالم القرشي العدوي النصيبي، مصنف كتاب العقد الفريد، كان أحد العلماء المشهورين)
(2).
*(5)* سبط ابن الجوزي

وقال يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي في كتابه (تذكرة خواص
الأمة في معرفة الأئمة) الذي نقل عنه ابن حجر في (صواعقه) والسمهودي في (جواهر
العقدين) وغيرهما: (إتفق علماء السير أن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي صلى الله
عليه وسلم من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة نص صلى الله عليه وسلم على ذلك
بصريح العبارة دون التلويح والإشارة جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفا - وقال:
من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث. وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده: إن
النبي صلى الله عليه وسلم لما قال ذلك طار في الأقطار وشاع في البلاد والأمصار،
وبلغ ذلك الحارث بن نعمان الفهري وأتاه على ناقة له، فأناخها على باب المسجد ثم
عقلها، وجاء فدخل المسجد فجثا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد
إنك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا منك ذلك. ثم لم ترض
بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك وفضلته على الناس وقلت: من كنت مولاه فعلي
(هامش)
(1) طبقات الشافعية 2 / 121. (2) عجالة الراكب وبلغة الطالب - مخطوط. (*)
ص 194
مولاه. فهذا شيء منك أو من الله تعالى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد
احمرت عيناه -: والله الذي لا إله إلا هو إنه من الله وليس مني. قالها ثلاثا. فقام
الحارث وهو يقول: أللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأرسل علينا حجارة من السماء أو
ائتنا بعذاب أليم. قال: فوالله ما بلغ ناقته حتى رماه الله بحجارة من السماء فوقع
على هامته فخرج من دبره ومات وأنزل الله تعالى: *(سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس
له دافع)*. فأما قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال علماء العربية: لفظ (المولى)
يرد على وجوه (أحدها) بمعنى المالك ومنه قوله تعالى: *(ضرب الله مثلا عبدا مملوكا
لا يقدر على شي ء وهو كل على مولاه)* أي على مالك رقه (والثاني) بمعنى المعتق
(والثالث)) بمعنى المعتق بفتح التاء (والرابع) بمعنى الناصر ومنه قوله تعالى: *(ذلك
بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم)*. أي لا ناصر لهم (والخامس)
بمعنى ابن العم قال الشاعر: مهلا بني عمنا مهلا موالينا * لا تنبشوا بيننا ما كان
مدفونا وقال آخر: هم الموالي حنقوا علينا * وإنا من لقائهم لزور وحكى صاحب الصحاح
عن أبي عبيدة أن قائل هذا البيت عني بالموالي بني العم. قال: وهو كقوله تعالى *(ثم
نخرجهم طفلا)*. (السادس) الحليف. قال الشاعر: موالي حلف لا موالي قرابة * ولكن
قطينا يسألون الأثاويا يقول: هم حلفاء لا أبناء عم. قال في الصحاح: وأما قول
الفرزدق: ولو كان عبد الله مولى هجوته * ولكن عبد الله مولى المواليا
ص 195
فلأن عبد الله بن أبي إسحاق مولى الحضرميين، وهم حلفاء بني عبد شمس ابن عبد المناف.
والحليف عند العرب مولى، وإنما نصب الموالي لأنه رده إلى أصله للضرورة، وإنما لم
ينون مولى لأنه جعله بمنزلة غير المعتل الذي لا ينصرف. (والسابع) المتولي لضمان
الجريرة وحيازة الميراث. وكان ذلك في الجاهلية ثم نسخ بآية المواريث. (والثامن)
الجار. وإنما سمي به لما له من الحقوق بالمجاورة - (والتاسع) السيد المطاع وهو
المولى المطلق. قال في الصحاح كل من ولي أمر أحد فهو وليه (العاشر) بمعنى الأولى
قال الله تعالى *(فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي
مولاكم)* أي أولى بكم.... والمراد من الحديث: الطاعة المخصوصة فتعين العاشر.
ومعناه: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به. وقد صرح بهذا المعنى الحافظ أبو
الفرج يحيى ابن سعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه المسمى بمرج البحرين، فإنه روى هذا
الحديث بإسناده إلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله بيد علي وقال: من كنت وليه
وأولى به من نفسه فعلي وليه. فعلم أن جميع المعاني راجعة إلى الوجه العاشر. ودل
عليه أيضا قوله عليه السلام: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ وهذا نص صريح في إثبات
إمامته وقبول طاعته. وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: وأدر الحق معه حيث دار. فيه
دليل على أنه ما جرى خلاف بين علي وبين أحد من الصحابة إلا والحق مع علي. وهذا
بإجماع الأمة. ألا ترى أن العلماء استنبطوا أحكام البغاة من وقعة الجمل وصفين. وقد
أكثرت الشعراء في يوم غدير خم، فقال حسان بن ثابت: يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم
فأسمع بالرسول مناديا وقال فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنت ولينا * ومالك منا في الولاية عاصيا فقال له قم يا علي فإنني *
رضيتك من بعدي إماما وهاديا فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق مواليا
ص 196
هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا ويروى أن النبي صلى الله عليه
وسلم لما سمعه ينشد هذه الأبيات قال له: يا حسان لا تزال مؤيدا بروح القدس ما
نصرتنا أو نافحت عنا بلسانك. وقال قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري وأنشدها بين يدي
علي بصفين: قلت لما بغى العدو علينا * حسبنا ربنا ونعم الوكيل علي إمامنا وإمام *
لسوانا به أتى التنزيل يوم قال النبي من كنت مولاه * فهذا مولاه خطب جليل إن ما
قاله النبي على الأمة * حتم ما فيه قال وقيل وقال الكميت: نفى عن عينك الأرق
الهجوعا * وهما يمترى عنه الدموعا لدى الرحمن يشفع بالمثاني * فكان لنا أبو حسن
شفيعا ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا ولكن الرجال تبايعوها *
فلم أر مثلها خطرا مبيعا ولهذه الأبيات قصة عجيبة، حدثنا بها شيخنا عمر بن صافي
الموصلي رحمه الله تعالى. قال: أنشد بعضهم هذه الأبيات وبات مفكرا، فرأى عليا كرم
الله وجهه في المنام فقال له: أعد علي أبيات الكميت، فأنشده إياها حتى بلغ إلى قوله
(خطرا مبيعا) فأنشد علي بيتا آخر من قوله زيادة فيها: فلم أر مثل ذاك اليوم يوما *
ولم أر مثله حقا أضيعا فانتبه الرجل مذعورا. وقال السيد الحميري: يا بائع الدين
بدنياه * ليس بهذا أمر الله
ص 197
من أين أبغضت عليا الرضا * وأحمد قد كان يرضاه من الذي أحمد من بينهم * يوم غدير
الخم ناداه أقامه من بين أصحابه * وهم حواليه فسماه هذا علي بن أبي طالب * مولى لمن
قد كنت مولاه فوال من والاه يا ذا العلا * وعاد من قد كان عاداه وقال بديع الزمان
أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمداني: يا دار منتجع الرسالة * بيت مختلف الملائك يا
ابن الفواطم والعواتك * والترائك والأرائك أنا حائك إن لم أكن * مولى ولائك وابن
حائك) (1) هذا كلام سبط ابن الجوزي، وقد وفي الحق حقه وأيده بأشعار الكميت وقيس بن
سعد والحميري وغيرهم، فما ذا بعد الحق إلا الضلال. وحيث أنه ذكر أشعار الكميت
الصريحة في دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، فقد كان من
المناسب أن نورد هنا بعض الكلمات في مدح الكميت والثناء عليه.
ترجمة الكميت

قال عبد
الرحيم بن عبد الرحمن العباسي في (معاهد التنصيص) بترجمة الكميت: (الكميت هو ابن
زيد الأسدي شاعر مقدم، عالم بلغات العرب خبير بأيامها، فصيح من شعراء مضر وألسنتها،
والمتعصبين على القحطانية، المقاربين المقارعين لشعرائهم العلماء بالمثالب والأيام
المفاخرين بها، وكان في أيام بني أمية
(هامش)
(1) تذكرة خواص الأمة 30 - 34. (*)
ص 198
ولم يدرك الدولة العباسية ومات قبلها. وكان معروفا بالتشيع لبني هاشم مشهورا بذلك.
وقصائده الهاشميات من جيد شعره ومختاره. قال ابن قتيبة: كان بين الكميت وبين
الطرماح خلطة ومودة وصفاء لم يكن بين اثنين... قال: وهذه الأحوال بينهما على تفاوت
المذاهب والعصبية والديانة. كان الكميت شيعيا عصبيا عدنانيا من شعراء مضر متعصبا
لأهل الكوفة. والطرماح خارجي صفري قحطاني عصبي لقحطان من شعراء اليمن متعصب لأهل
الشام. فقيل له: فيم اتفقتما هذا الاتفاق مع سائر اختلاف الأهواء؟ قالا: اتفقنا على
بغض العامة. وحدث محمد بن أنس السلامي الأسدي قال: سئل معاذ الهراء من أشعر الناس؟
قال: أمن الجاهليين أم من الاسلاميين؟ قال: بل من الجاهليين. قال: امرؤ القيس وزهير
وعبيد بن الأبرص. قالوا: فمن الاسلاميين؟ قال: الفرزدق وجرير والأخطل والراعي. قال:
فقيل له: يا أبا محمد ما رأيناك ذكرت الكميت فيمن ذكرت؟ قال: ذاك أشعر الأولين
والآخرين. وحدث محمد النوفلي قال: لما قال الكميت بن زيد الشعر كان أول ما قاله
الهاشميات فسترها. ثم أتى لفرزدق وقال: يا أبا نؤاس إنك شيخ مضر وشاعرها وأنا ابن
أخيك الكميت بن زيد الأسدي. قال له: صدقت أنت ابن أخي فما حاجتك؟ قال: نفث على
لساني فقلت شعرا فأحببت أن أعرضه عليك، فإن كان حسنا أمرتني بإذاعته وإن كان قبيحا
أمرتني بستره وكنت أول من ستره علي. فقال له الفرزدق: أما عقلك فحسن وإني لأرجو أن
يكون شعرك على قدر عقلك. فأنشدني ما قلته. فأنشدته: طربت وما شوقا إلى البيض
أطرب... فقال له الفرزدق: أذع ثم أذع، فأنت والله أشعر من مضى وأشعر من بقي. وحدث
إبراهيم بن سعد الأسدي قال: سمعت أبي يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم
فقال لي: من أي الناس أنت؟ قلت: من العرب.
ص 199
قال: أعلم فمن أي العرب أنت؟ قلت: من بني أسد. قال: أسد بن خزيمة؟ قلت: نعم. قال
أتعرف الكميت بن زيد؟ قلت: يا رسول الله ابن عمي ومن قبيلتي. قال: أتحفظ من شعره
شيئا؟ قلت: نعم. قال: أنشدني: طربت وما شوقا إلى البيض أطرب. قال: فأنشدته حتى بلغت
قوله: فما لي إلا آل أحمد شيعة * وما لي إلا مشعب الحق مشعب فقال لي صلى الله عليه
وسلم: إذا أصبحت فاقرأ عليه السلام وقل له: قد غفر الله لك بهذه القصيدة. وحدث نصر
بن مزاحم المنقري: أنه رأى النبي في النوم وبين يديه رجل ينشده: من لقلب متيم
مستهام. قال: فسألت عنه. فقيل لي: هذا الكميت بن زيد الأسدي. قال: فجعل النبي صلى
الله عليه وسلم يقول: جزاك الله خيرا. وأثنى عليه. وحدث محمد بن سهل صاحب الكميت
قال: دخلت مع الكميت على أبي عبد الله جعفر بن محمد في أيام التشريق، فقال له: جعلت
فداك ألا أنشدك! قال: إنها أيام عظام. قال: إنها فيكم. قال: هات، وبعث أبو عبد الله
إلى بعض أهله فقرب ما أنشده، فكثر البكاء حتى أتى على هذا البيت. يصيب به الرامون
عن قوس غيرهم * فيا آخر أسدى له الغي أوله فرفع أبو عبد الله يديه فقال: اللهم اغفر
للكميت ما قدم وما أخر وما أسر وما أعلن وأعطه حتى يرضى. وحدث صاعد مولى الكميت
قال: دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي فأنشده الكميت قصيدته التي أولها: من لقلب
متيم مشتاق. فقال: اللهم اغفر للكميت اللهم اغفر للكميت. قال: ودخل يوما عليه
فأعطاه ألف دينار وكسوة فقال له الكميت: والله ما جئتكم للدنيا ولو أردت الدنيا
لأتيت من هي في يده
ص 200
ولكنني جئتكم للآخرة، فأما الثياب التي أصابت أجسامكم فأنا أقبلها لبركاتها وأما
المال فلا أقبله ورده وقبل الثياب. قال: ودخلنا على فاطمة بنت الحسين فقالت: هذا
شاعرنا أهل البيت وجاءت بقدح فيه سويق فحركته بيدها وسقته الكميت فشربه. ثم أمرت له
بثلاثين دينار ومركب فهملت عيناه وقال: لا والله لا أقبلها، إني لم أحبكم للدنيا)
(1).
ترجمة السبط والثناء عليه

وسبط ابن الجوزي فقيه، مؤرخ، واعظ مشهور، أثنى عليه
علماء أهل السنة واعتمدوا عليه ونقلوا عنه ووثقوه وأطروه. 1 - ابن خلكان بترجمة
جده: (وكان سبطه شمس الدين أبو المظفر يوسف ابن قزغلي الواعظ المشهور، حنفي المذهب،
وله صيت وسمعة في مجالس وعظه وقبول عند الملوك وغيرهم، وصنف تاريخا كبيرا رأيته
بخطه في أربعين مجلدا سماه مرآة الزمان في تاريخ الأعيان. وتوفي ليلة الثلاثاء
الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة 654 بدمشق بمنزله بجبل قاسيون ودفن هناك. ومولده
في سنة 581 ببغداد وكان هو يقول: أخبرتني أمي أن مولدي سنة 82. رحمه الله تعالى).
وقال ابن خلكان بترجمة الحلاج: (قلت: ذكر صاحبنا شمس الدين أبو المظفر يوسف الواعظ
سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي الواعظ المشهور في تاريخه الكبير الذي
سماه مرآة الزمان أخبار ابن المقفع وما جرى له وقتله في سنة 146. ومن عادته أن يذكر
كل واقعة في السنة التي كانت فيها. فيدل على أن قتله في السنة المذكورة) (2). 2 -
اليافعي: (العلامة الواعظ المؤرخ... أسمعه جده منه ومن جماعة
(هامش)
(1) معاهد التنصيص في شواهد التلخيص 381 - 388. (2) وفيات الأعيان 1 / 405. (*)
ص 201
وقدم دمشق سنة بضع وستمائة، فوعظ بها وحصل له القبول العظيم للطف شمائله وعذوبة
وعظه. وله تفسير في تسعة وعشرين مجلدا، وشرح الجامع الكبير وجمع مجلدا في مناقب أبي
حنيفة ودرس وأفتى، وكان في شبيبته حنبليا، ولم يزل وافر الحرمة عند الملوك) (1). 3
- الأزنيقي: (شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزغلي الواعظ المشهور، حنفي المذهب، وله
صيت وسمعة في مجالس وعظه وقبول عند الملوك وغيرهم، روى عن جده ببغداد، وسمع أبا
الفرج ابن كليب وابن طبرزد، وسمع بالموصل ودمشق وحدث بها وبمصر...) (2). 4 -
الذهبي: (ابن الجوزي العلامة الواعظ المؤرخ... درس وأفتى، وكان في شبيبته حنبليا.
توفي في الحادي والعشرين من ذي الحجة، وكان وافر الحرمة عند الملوك) (3). 5 - محمود
بن سليمان الكفوي: (يوسف بن قزغلي بن عبد الله البغدادي سبط الحافظ أبي الفرج ابن
الجوزي الحنبلي، صاحب مرآة الزمان في التاريخ، ذكره الحافظ شرف الدين في معجم
شيوخه... تفقه وبرع وسمع من جده... وكان إماما عالما فقيها، واعظا جيدا نبيها،
يلتقط الدرر من كلمه ويتناثر الجوهر من حكمه، يصلح المذهب القاصي عندما يلفظ ويتوب
الفاسق العاصي حينما يعظ، يصدع القلب بخطابه ويجمع العظام النخرة بجنابه، لو استمع
له الصخر لانفلق والكافر الجحود لآمن وصدق. وكان طلق الوجه دائم البشر حسن المجالسة
مليح المحاورة، يحكي الحكايات الحسنة وينشد الأشعار المليحة، وكان فارسا في البحث
عديم النظير مفرط الذكاء، إذا سلك طريقا ينقل فيها أقوالا ويخرج أوجهها. وكان من
وحداء الدهر بوفور فضله وجودة قريحته وغزارة علمه
(هامش)
(1) مرآة الجنان 654. (2) مدينة العلوم للأزنيقي. (3) العبر حوادث 654. (*)
ص 202
وحدة ذكائه وفطنته، وله مشاركة في العلوم ومعرفة بالتواريخ، وكان من محاسن الزمان
وتواريخ الأيام، وله القبول التام عند العلماء والأمراء والخاص والعام، وله تصانيف
معتبرة مشهورة...) (1). 6 - ابن الوردي: (الشيخ شمس الدين يوسف سبط جمال الدين ابن
الجوزي واعظ فاضل، له: (مرآة الزمان) تاريخ جامع، قلت: وله تذكرة الخواص من الأمة
في مناقب الأئمة، والله أعلم) (2). 7 - أبو المؤيد الخوارزمي: (أما المسند الأول
وهو مسند الأستاذ أبي محمد الحارثي البخاري، فقد أخبرني الأئمة بقراءتي عليهم:
الإمام أقضى قضاة الأنام أخطب خطباء الشام، جمال الدين أبو الفضائل عبد الكريم بن
عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الحرستاني، والشيخ الثقة صفي الدين
إسماعيل ابن إبراهيم بن يحيى الداجي القرشي المقدسي بقراءتي عليها بجامع دمشق،
والشيخ الإمام شمس الدين يوسف بن عبد الله سبط الإمام الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي
بقراءتي عليه...) (3).
اعتماد العلماء على السبط

هذا، ولقد اعتمد على رواياته جمهور
علماء أهل السنة، بل لقد احتج بأقواله ورواياته جماعة من متعصبيهم في مقابل
الإمامية، كالخواجة الكابلي في (صواقعه) و(الدهلوي) في كتابه (التحفة) والقاضي في
(السيف المسلول) حيث استندوا إلى روايته - إلى جنب كبار المؤرخين والأئمة كالبخاري
والطبري وابن كثير وابن الجوزي - في الجواب عما طعن به عمر بن الخطاب من درء الحد
عن المغيرة ابن شعبة.
(هامش)
(1) كتائب أعلام الأخيار - مخطوط. (2) تتمة المختصر حوادث 656. (3) جامع مسانيد أبي
حنيفة 1 / 70. (*)