نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء التاسع

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء التاسع

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 203

وقد نص محمد رشيد الدين الدهلوي في (إيضاح لطافة المقال) على كون سبط ابن الجوزي من قدماء أئمة الدين المعتمدين عند أهل السنة.

*(6)* محمد بن يوسف الكنجي الشافعي

 وقال محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي بعد ذكر حديث فيه أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: (لو كنت مستخلفا أحدا لم يكن أحدا حق منك) قال ما نصه: (وهذا الحديث وإن دل على عدم الاستخلاف لكن حديث غدير خم دال على التولية وهي الاستخلاف. وهذا الحديث أعني حديث غدير خم ناسخ لأنه كان في آخر عمره صلى الله عليه وسلم) (1).

*(7)* سعيد الدين الفرغاني

 وقال سعيد الدين الفرعاني بشرح قول ابن الفارض: (وأوضح بالتأويل ما كان مشكلا * علي بعلم ناله بالوصية) قال: (وكذلك هذا البيت مبتدأ محذوف الخبر تقديره: وبيان علي كرم الله وجهه وإيضاحه بتأويل ما كان مشكلا من الكتاب والسنة بوساطة علم ناله، بأن

(هامش)

(1) كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 166 - 167. (*)

ص 204

جعله النبي صلى الله عليه وسلم وصيه وقائما مقام نفسه بقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه. وذلك كان يوم غدير خم على ما قاله كرم الله وجهه في جملة أبيات منها قوله: وأوصاني النبي على اختياري * لأمته رضى منه بحكمي وأوجب لي ولايته عليكم * رسول الله يوم غدير خم وغدير خم ماء على منزل من المدينة على طريق يقال له الآن طريق المشاة إلى مكة. كان هذا البيان بالتأويل بالعلم الحاصل بالوصية من جملة الفضائل التي لا تحصى، خصه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فورثها منه عليه الصلاة والسلام) (1). وقال الفرغاني: (وأما حصة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: فالعلم والكشف وكشف معضلات الكلام العظيم والكتاب الكريم الذي هو من أخص معجزاته صلى الله عليه وسلم، بأوضح بيان بما ناله بقوله: أنا مدينة العلم وعلي بابها. وبقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه. مع فضائل أخر لا تعد ولا تحصى).

 ترجمة الفرغاني وكتابه

 وقد ذكر كاشف الظنون شرح الفرغاني على التائية. قال: (تائية في التصوف للشيخ أبي حفص عمر بن علي بن الفارض الحموي المتوفى سنة 576... ولها شروح منها: شرح السعيد محمد بن أحمد الفرغاني المتوفى في حدود سنة 700. وهو الشارح الأول لها وأقدم الشايعين له، حكي أن الشيخ صدر الدين القونوي عرض لشيخه محي الدين ابن عربي في شرحها فقال للصدر: لهذه

(هامش)

(1) شرح تائية ابن الفارض. (*)

ص 205

العروس بعل من أولادك، فشرحها الفرغاني والتلمساني وكلاهما من تلاميذه...) (1). وقد ترجم للفرغاني: 1 - عبد الرحمن الجامي، ووصفه بأنه من أكمل أرباب العرفان وأكابر أصحاب الذوق والوجدان، لم يضبط أحد مسائل الحقيقة بأحسن بيان مثله... ثم ذكر شرحه على التائية وغيره من مصنفاته... (2). 2 - محمود بن سليمان الكفوي: (الشيخ الفاضل الرباني والمرشد الكامل الصمداني سعيد الدين الفرغاني، هو من أعزة أصحاب الشيخ صدر الدين القونوي مريد الشيخ محي الدين العربي، كان من أكمل أرباب العرفان وأفضل أصحاب الذوق والوجدان، وكان جامعا للعلوم الشرعية والحقيقية، وقد شرح أحسن الشروح أصول الطريقة، وكان لسان عصره وبرهان دهره ودليل طريق الحق وسر الله بين الخلق، بسط مسائل علم الحقيقة وضبط فنون أصول الطريقة في ديباج شرح القصيدة التائية الفارضية...) (3). 3 - الذهبي في (العبر في خبر من عبر) (4).

(هامش)

(1) كشف الظنون 2 / 265. (2) نفحات الأنس: 559. (3) كتائب أعلام الأخيار - مخطوط. (4) العبر حوادث 699. (*)

ص 206

*(8)* تقي الدين المقريزي

 وقال تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي ما نصه: (وقال ابن زولاق: وفي يوم ثمانية عشر من ذي الحجة سنة 362 وهو يوم الغدير يجتمع خلق من أهل مصر والمغاربة ومن تبعهم للدعاء، لأنه يوم عيد، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فيه واستخلفه. فأعجب المعز ذلك من فعلهم، وكان هذا أول ما عمل بمصر) (1).

ترجمة المقريزي

 وترجم جلال الدين السيوطي المقريزي بقوله: (المقريزي تقي الدين أحمد ابن علي بن عبد القادر بن محمد مؤرخ الديار المصرية. ولد سنة 769 واشتغل بالفنون وخالط الأكابر وولي حسبة القاهرة، ونظم ونثر وألف كتبا كثيرة منها: درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة. والمواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار. وعقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط. وإيقاظ الحنفا بأخبار الفاطميين الخلفا. والسلوك بمعرفة دول الملوك. والتاريخ الكبير. وغير ذلك. مات سنة 840) (2).

ترجمة ابن زولاق

 وابن زولاق الذي نقل المقريزي كلامه المذكور من مشاهير المؤرخين

(هامش)

(1) المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار 2 / 220. (2) حسن المحاضرة 1 / 557. (*)

ص 207

المعتمدين: 1 - ابن خلكان: (أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الحسين بن الحسين بن الحسن بن علي بن خالد بن راشد بن عبد الله بن سليمان بن زولاق، الليثي مولاهم المصري، كان فاضلا في التاريخ وله فيه مصنف جيد، وله كتاب في خطط مصر استقصى فيه. وكتاب أخبار قضاة مصر جعله ذيلا على كتاب أبي عمر محمد ابن يوسف بن يعقوب الكندي الذي في أخبار قضاة مصر وانتهى منه إلى سنة 246 فكمله ابن زولاق المذكور...) (1). 2 - السيوطي: (ابن زولاق أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الحسن المصري المؤرخ، صنف كتابا في فضائل مصر، وذيلا على قضاة مصر للكندي مات في ذي القعدة سنة 387 عن إحدى وثمانين سنة) (2). 3 - ابن الوردي: كذلك (3). هذا، وقد ذكر في كشف الظنون ذيله على تاريخ مصر.

 *(9)* شهاب الدين الدولت آبادي

 وصريح كلمات شهاب الدين الدولت آبادي - وتوجد ترجمته في (سبحة المرجان بذكر مآثر هندوستان) و(أخبار الأخبار) وغيرهما - أن حديث الغدير يدل على خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ونيابته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه يدل على وجوب إطاعة علي ولزوم اتباعه عليه السلام. كما لا يخفى

(هامش)

(1) وفيات الأعيان 1 / 370. (2) حسن المحاضرة 1 / 553. (3) تتمة المختصر حوادث سنة 387. (*)

ص 208

على من لا حظ كلماته في (الهداية الرابعة عشر) (1).

*(10)* شهاب الدين أحمد

وقد تقدم في الكتاب سابقا نص عبارة شهاب الدين أحمد صاحب (توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل)، الذي رجح فيه أن يكون المراد من (المولى) في حديث الغدير معنى (السيد) من بين معانيه المتعددة، ناقلا ذلك عن بعض أهل العلم. ثم قال: إن قوله صلى الله عليه وآله وسلم في صدر الحديث: (ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين) يؤيد هذا القول. ثم إنه نقل كلام الشيخ جلال الدين الخجندي. وأيضا نقل حديثا عن كتاب (مرج البحرين) واستنتج من كل ذلك دلالة حديث الغدير على الإمامة والأولوية في الطاعة والاتباع.

*(11)* محمد بن إسماعيل الأمير

 وقال محمد بن إسماعيل الأمير اليماني - بعد ذكر طرق عديدة من طرق حديث الغدير -: (وتكلم الفقيه حميد على معانيه وأطال، وننقل بعض ذلك قال رحمه الله: منها - فضل العترة عليهم السلام ووجوب رعاية حقهم حيث جعلهم أحد الثقلين اللذين يسأل عنهما، وأخبر بأنه سأل لهم اللطيف الخبير وقال: فأعطاني، يعني استجاب لدعائه فيهم، ناصرهما ناصري وخاذلهما خاذلي ووليهم

(هامش)

(1) من كتابه هداية السعداء - مخطوط. (*)

ص 209

لي ولي وعدوهما لي عدو، وهذا يقضي بأنهم قائلون بالصدق وقائمون بالحق، لأنه قد جعل ناصرهما - يعني الكتاب والعترة - ناصرا له عليه السلام وخاذلهما خاذلا له، ونصرته صلى الله عليه وآله وسلم واجبة وخذلانه حرام عند أهل الإسلام، فكذلك يكون حال العترة الكرام عليهم السلام، وهذا يوجب أنهم لا يتفقون على ضلال ولا يدينون بخطأ، إذ لو جاز ذلك عليهم حتى يعمهم كان نصرهم حراما وخذلانهم فرضا وهذا لا يجوز، لأن خبره فيهم عام يتناول جميع أحوالهم ولا يدل على التخصيص. وزاده بيانا وأردفه برهانا بقوله: ووليهما لي ولي وعدوهما لي عدو، وهذا يقتضي كونهم على الصواب وأنهم ملازمون الكتاب حتى لا يحكمون بخلافه. وفيه أجلي دلالة على أن إجماعهم حجة يجب الرجوع إليها، حيث جمع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بينهم وبين الكتاب، وفيه أوفى عبرة لمعتبر في عطب معاوية ويزيد وأتباعهم وأشياعهم من سائر النواصب، الذين جهدوا في عداوة العترة النبوية والسلالة العلوية. ومنها - قوله: أخذ بيده ورفعها وقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، والمولى إذا أطلق من غير قرينة فهم منه أنه المالك للتصرف، وإذا كان في الأصل يستعمل لمعان عديدة: منها المالك للتصرف، ولهذا إذا قيل: هذا مولى القوم سبق الأفهام أنه المالك المتصرف في أمورهم. ومنها: الناصر، قال تعالى: *(ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم)* ومنها: ابن العم، قال الله تعالى: *(وإني خفت الموالي من ورائي)* أراد بني العم بعدي. ومنها بمعنى المعتق والمعتق، ومنها بمعنى الأولى قال تعالى *(مأواكم النار هي مولاكم)* أي أولى بكم وبعذابكم. وبعد، فلو لم يكن السابق إلى الأفهام من لفظة مولى السابق المالك للتصرف لكانت منسوبة إلى المعاني كلها على سواء، وحملناها عليها جميعا إلا ما يتعذر في حقه عليه السلام، من المعتق والمعتق، فيدخل في ذلك المالك للتصرف والأولى المفيد ملك التصرف على الأمة، وإذا كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم كان

ص 210

إماما، وتفصيل ذلك مودع في موضعه. ومنها - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت وليه فهذا وليه، والولي المالك للتصرف بالسبق إلى الفهم وإن استعمل في غيره، وعلى هذا قال صلى الله عليه وآله وسلم: السلطان ولي من لا ولي له. يريد ملك التصرف في عقد النكاح، يعني أن الإمام له الولاية فيه حيث لا عصبة. ثم لو سلمنا احتمال الولي لغير ما ذكرناه على حده فهو كذلك يجب حمله على الجميع بناءا على أن كل لفظة احتملت معنيين بطريقة الحقيقة فإنها يجب حملها عليهما أجمع، إذا لم يدل دليل على التخصيص. ومنها -: قوله: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وهذا يشهد بفضل علي عليه السلام وبراءته من الكبائر، حيث دعا النبي إلى الله بأن يوالي من والاه ويعادي من عاداه، ولو جاز أن يرتكب كبيرة لوجبت معاداته، ومتى وجبت معاداته لم يكن الله ليعادي من عاداه كما لا يعادي من عادى مرتكبي الكبائر، بل هو من أوليائه في الحقيقة، فلما قضى صلى الله عليه وآله وسلم بأنه يعادي من عاداه مطلقا من غير تخصيص دل على حالة لا يقارف فيها كبيرة. فبهذا يظهر أن معاوية قد عاداه على الحقيقة، لأن المعلوم بلا مرية بأنه كان معاديا لعلي عليه السلام، ومن كان عدو الله كيف يجوز الترحم عليه والتولي له؟ لولا عمى الأخبار وخبث الظواهر والسرائر والانحراف عن العترة الأطهار وإمام الأبرار؟ ولو لم يرو إلا حديث الغدير في مناقب علي عليه السلام لكفى في رفع درجته وعلو منزلته، وقضى له بالفضل على سائر الصحابة. إنتهى كلامه رحمه الله مع اختصار منه).

ص 211

*(12)* المولوي محمد إسماعيل الدهلوي

 ابن أخ (الدهلوي) وللمولوي محمد إسماعيل ابن أخ مخاطبنا (الدهلوي) الذي يقتدي به ويعتقده جمع كثير وجم غفير من أهالي هذه الديار في رسالته التي صنفها في بيان حقيقة الإمامة، كلام صريح في دلالة حديث الغدير على ما ترتأيه الإمامية، فقد قال في بيان الأمور التي يقوم بها الإمام مقام النبي: (ومنها: ثبوت الرئاسة، أي فكما أن لأنبياء الله نوعا من الرئاسة الثابتة لهم بالنسبة إلى أممهم وهي الرئاسة التي تنسب تلك الأمة إلى رسولها والرسول إلى أمته، وبالنظر إليها يكون للرسول تصرف في كثير من أمورهم الدنيوية كما قال الله تعالى: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* ويكون له أيضا ولاية في بعض الأمور الأخروية قال الله تعالى *(فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)* كذلك الإمام، فإنه يكون له مثل تلك الرئاسة على تلك الأمة في الدنيا والآخرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. فقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه. وقال الله تعالى: *(يوم ندعو كل أناس بإمامهم)* *(وقفوهم إنهم مسئولون)* قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنهم مسئولون عن ولاية علي). بل إن كلام ابن أخ (الدهلوي) يدل على ما تذهب إليه الشيعة الإمامية من جهات عديدة لا تخفى على من تأمل فيها. وتوجد ترجمة هذا الرجل مفصلة في كتاب (إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين) للمولوي صديق حسن القنوجي.

ص 212

وتوجد ترجمة مطولة أيضا للشيخ إسماعيل بن عبد الغني بن ولي الله الدهلوي في نزهة الخواطر وصفه في أولها: (بالشيخ العالم الكبير العلامة المجاهد في سبيل الله الشهيد... أحد أفراد الدنيا في الذكاء والفطنة والشهامة وقوة النفس والصلابة في الدين) قال: (وقد وقع مع أهل عصره قلاقل وزلازل، وصار أمره أحدوثة، وجرت فتن عديدة في حياته وبعد مماته، والناس قسمان في شأنه) ثم ذكر مختاراته في المسائل الشرعية، ومصنفاته، وقد عد منها: (منصب إمامت). وذكر أنه قتل في سنة 1246 في معركة (1). * * *

(هامش)

(1) نزهة الخواطر 7 / 56 - 61. (*)

ص 213

دحض مناقشات الدهلوي في دلالة حديث الغدير

ص 215

[1] احتمال إرادة الأولوية في التعظيم

 قوله: (إذ يحتمل أن يكون المراد الأولى بالمحبة والأولى بالتعظيم). هذا يفيد الإمامة أقول: وهذا الاحتمال أيضا يفيد الإمامة ويبطل مذهب أهل السنة، لأنه إذا كان أمير المؤمنين عليه السلام الأولى بالمحبة والأولى بالتعظيم على الإطلاق والعموم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان عليه السلام الأفضل من الشيوخ الثلاثة، والأفضلية شرط الإمامة والخلافة بلا كلام ولا شبهة. وأما ثبوت الأفضلية بالأولوية بالمحبة والتعظيم ففي غاية البداهة، إذ الأولى بالمحبة والتعظيم أفضل ممن ليس كذلك، ولا يجوز في العقل أن يكون المفضول أولى بالتعظيم من الفاضل، إذ لا تدور الأولوية في المحبة والتعظيم إلا مدار

ص 216

الأكثرية في الفضيلة والشرف الديني، فمن كان أفضل كان أولى بالمحبة والتعظيم، ودلالة التعظيم على الفضل ظاهرة من كلام (الدهلوي) في رسالته المسماة ب‍ (السر الجليل) حيث قال: (كل من أمرنا بتعظيمه فهو ذو فضل...). ولا مجال هنا لأن يتوهم تخصيص هذه الأولوية بالنسبة إلى الشيخين، لما تقدم عن ابن حجر المكي من أن الشيخين قد فهما من حديث الغدير أولوية أمير المؤمنين عليه السلام بالاتباع والقرب، ولذا خاطباه بقولهما: (أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة). ويدفعه أيضا: قول عمر بن الخطاب لعلي عليه السلام: (أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن). وأيضا: حديث مخاطبة جبرئيل لعمر حول الولاية نص صريح في بطلان هذا التوهم بالنسبة إلى عمر، وكذلك أبو بكر بن أبي قحافة، للاجماع المركب، فكيف يجعلون الشيخين أولى بالمحبة والتعظيم، ويزعمون أفضليتهما ويدينون بخلافتهما مع كونهما مفضولين؟ ومن العجيب أيضا تجويز (الدهلوي) هنا إرادة (الأولى بالمحبة) و(الأولى بالتعظيم) من حديث الغدير، ثم دعواه أفضلية الشيخين في رسالته (السر الجليل في مسألة التفضيل) التي ألفها بعد (التحفة الاثنا عشرية). وقال الفاضل النحرير باقر علي خان في (الحجج الباهرة) في هذا المقام: (ولو فرض كون المقصود هو الأولى بالمحبة والتعظيم لم يناف ما ندعيه، لأن الأولى بالمحبة الدينية والتعظيم الشرعي هو الأفضل من الكل، والأفضل أحق بالخلافة من المفضول، قال في الصواعق: سئل شيخ الإسلام محقق عصره أبو زرعة الولي العراقي عمن اعتقد في الخلفاء الأربعة الأفضلية على الترتيب المعلوم، ولكن يحب أحدهم أكثر هل يأثم؟ فأجاب بأن المحبة قد تكون لأمر ديني، وقد تكون لأمر دنيوي، فالمحبة الدينية لازمة للأفضلية، فمن كان أفضل كان محبتنا الدينية له أكثر، فمتى اعتقدنا في واحد منهم أنه أفضل ثم أحببنا غيره من جهة الدين حبا أكثر منه كان تناقضا، نعم إن أحببنا غير الأفضل أكثر من محبة الأفضل

ص 217

لأمر دنيوي كقرابة أو إحسان أو نحوه فلا تناقض في ذلك ولا امتناع، فمن اعترف بأن أفضل هذه الأمة بعد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، لكنه أحب عليا أكثر من أبي بكر مثلا فإن كانت المحبة المذكورة محبة دينية فلا معنى لذلك، إذ المحبة الدينية لازمة للأفضلية كما قررناه، وهذا لم يعترف بأفضلية أبي بكر إلا بلسانه لا بقلبه، فهو مفضل لعلي لكونه أحبه محبة دينية زائدة على محبة أبي بكر، وهذا لا يجوز. وإن كانت المحبة المذكورة دنيوية لكونه من ذرية علي أو لغير ذلك من المعاني فلا امتناع فيه). فتلخص أن فرار (الدهلوي) من (الأولى بالتصرف) إلى (الأولى بالمحبة والتعظيم) لا ينفعه.

 [2] النقض بقوله تعالى *(إن أولى الناس بإبراهيم...)*

 قوله: (وأي ضرورة لأن يحمل لفظ (الأولى) على (الأولوية بالتصرف) في كل مورد؟ قال تعالى: *(إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا)*. وواضح أن أتباع إبراهيم لم يكونوا أولى بالتصرف منه). بطلان هذا النقض أقول: في قوله تعالى: *(إن أولى الناس بإبراهيم...)* قرينة تمنع من الحمل على (الأولوية بالتصرف) بخلاف ما نحن فيه، فلا يقاس أحدهما على الآخر. ومتى كان (المولى) بمعنى (الأولى) وكان مطلقا غير مقيد بقيد فإنه يحمل على الأولوية في جميع الأمور، وإذا ثبتت الأولوية في جميع الأمور تحققت الأولوية بالتصرف بالضرورة.

ص 218

أما حمل (الأولى) على الأولوية في جميع الأمور بسبب عدم تقييده بقيد فهو ثابت من كلمات كبار علماء أهل السنة المحققين، إذ قد عرفت سابقا قول الزمخشري والنيسابوري والبيضاوي والعيني وغيرهم بتفسير قوله عز وجل: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* أنه صلى الله عليه وآله وسلم أولى بهم من أنفسهم في جميع الأمور، لإطلاق لفظة (الأولى) في الآية الكريمة، فكذلك لفظة (المولى) في حديث الغدير تحمل على العموم والاطلاق، لعدم تقيدها بقيد، فثبتت الأولوية بالتصرف وبطلت كلمات المشككين وتأويلاتهم الباردة للحديث الشريف. على أنه لا ريب في أن المراد من (المولى) في (فعلي مولاه) نفس المراد منه في (من كنت مولاه) وقد اعترف (الدهلوي) نفسه بأن الكلام مسوق لتسوية الولايتين في جميع الأوقات ومن جميع الوجوه، فإذا كان المراد أولوية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت أولويته في جميع الأمور، بعين ما ذكره أساطين المفسرين في قوله تعالى: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* فكذلك أولوية سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام. فبطلت أوهام المنكرين.

[3] جعل ذيل الحديث قرينة على إرادة المحبة

قوله: (ثالثا: إن القرينة المتأخرة تدل بصراحة على أن المراد من الولاية المستفاد من لفظ (المولى) أو (الأولى) - أيا ما كان - هو معنى المحبة، وتلك القرينة قوله: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه). الجواب عن ذلك أقول: لقد اضطرب أهل السنة واختلفت كلماتهم في تأويل حديث الغدير بغية صرفه عن مدلوله الحقيقي، فمنهم من أوله بجعل المراد من (المولى) فيه هو

ص 219

(الناصر) و(المحب) كالقوشجي الذي قال: (وبعد صحة الرواية فمؤخر الخبر أعني قوله: اللهم وال من والاه. يشعر بأن المراد بالمولى هو الناصر والمحب) (1) وكالحلبي القائل: بل معنى ذلك عند العلماء الذين هم أهل هذا الشأن وعليهم الاعتماد في تحقق ذلك، من كنت ناصره ومواليه ومحبه ومصافيه فعلي كذلك) (2). وهذا التأويل عجيب للغاية، إذ لا يعقل أن يكون ذاك الاهتمام الذي عرفته لمجرد بيان كون علي عليه السلام محبا وناصرا لمن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم محبا وناصرا له، فلا يجوز نسبة إرادة هذا المعنى إلى الرسول الأعظم، إلا إذا أريد المحبة والنصرة الخاصة للخليفة والوصي من بعده، فعلى ذلك يتم المطلوب لأهل الحق. ومن هنا ترى أن بعض أكابرهم يستبعد هذا التأويل، فقد قال الحافظ محب الدين الطبري: (قد حكى الهروي عن أبي العباس: إن معنى الحديث: من أحبني ويتولاني فليحب عليا وليتوله. وفيه عندي بعد، إذ كان قياسه على هذا التقدير أن يقول: من كان مولاي فهو مولى علي، ويكون المولى ضد العدو، فلما كان الاسناد في اللفظ على العكس بعد هذا المعنى) (3). وأما قول الطبري: (نعم يتجه ما ذكره من وجه آخر بتقدير حذف في الكلام على وجه الاختصار، تقديره من كنت مولاه فسبيل المولى وحقه أن يحب ويتولى، فعلي أيضا مولى القربة مني ومكانته من تأييد الإسلام فليحبه وليتوله كذلك) (4). فسقوطه في غاية الوضوح، لأن حديث الغدير ظاهر في معنى يوافق

(هامش)

(1) شرح التجريد للقوشجي: 403. (2) السيرة الحلبية 3 / 340. (3) الرياض النضرة 1 / 205. (4) الرياض النظرة 1 / 205. (*)

ص 220

استعمال الكتاب والسنة واللغة، وقد فهم كبار الأصحاب منه هذا المعنى، ونص عليه أكابر العلماء ودلت عليه القرائن والأخبار الأخرى، لكن (الدهلوي) يناقش في دلالته على هذا المعنى مع وجود هذه الأمور، فكيف يرتضي عاقل تأويل الطبري وهو تأويل ركيك محتاج إلى الحذف والتقدير، ولا يوافقه الاستعمال ولا يخطر ببال أحد أبدا؟ ومنهم من اخترع معنى آخر للفظة (المولى) لما رأى عدم تمامية حمله عل (المحب والناصر) وهو (المحبوب) كابن حجر المكي والكابلي صاحب (الصواقع) وشاه ولي الله الدهلوي في (إزالة الخفا). ولكنها دعوى مجردة عن الدليل، فليس في كتب اللغة المشهورة أمثال (الصحاح) و(القاموس) و(الفائق في غريب الحديث) و(النهاية الأثيرية) و(مجمع البحار) و(المفردات) و(أساس البلاغة) و(المغرب) و(المصباح المنير) وغيرها ذكر (للمحبوب) في معاني لفظة (المولى). ألا سائل يسألهم! ما الذي حملهم على الاعراض عن معنى يوافقه الكتاب والسنة، ويساعده استعمال أهل اللسان، ويفهمه القريب والبعيد، ويذعن به الموافق والمخالف، والاعتماد على معنى مخترع من عندهم، لم يذكره اللغويون، ولا تثبته القرائن، ولا تشهد به وقائع القضية!! لكن الكابلي وبالرغم من أنه يعد (المحبوب) من جملة معاني (المولى) حيث يقول: (ولأن المولى مشترك بين معان، كالمالك والعبد وهو المعتق والصاحب والقريب كابن العم ونحوه الجار والحليف والصديق والناصر والمنعم والمنعم عليه والرب والنزيل والمحب والمحبوب والتابع والظهير) يحمل (المولى) في الحديث على (المحب والناصر) حيث يقول: (وخاتمة الحديث - وهي الجملة الدعائية - قرينة واضحة على أن المراد بالمولى المحب والصديق).

ص 221

ولعل ذلك من جهة عدم تجاسره على حمل كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم على معنى مخترع مكذوب، ومن هنا يتضح تخليط (الدهلوي) وتلبيسه، حيث اكتفى بدعوى أن المراد من الولاية المستفادة من حديث الغدير هي (المحبة) ولم يوضح مراده من هذه المحبة، وأنه هل يحمل (المولى) على (المحب) أو (المحبوب)؟! والسبب في ذلك هو محاولة الفرار عن الاشكال، لأنه إن صرح بالأول أورد عليه باستحالة إرادة هذا المعنى من حديث الغدير، وإن صرح بالثاني أورد عليه بعدم ثبوت هذا المعنى في معاني لفظة (المولى). ومنهم من ذكر (16) معنى للفظة (المولى) ثم جوز حملها في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كنت مولاه فعلي مولاه) على أكثر تلك المعاني، كابن الأثير الجزري في كتابه (النهاية في غريب الحديث) (1). وهذا من عجائب الأمور، لوضوح عدم جواز حمل الحديث المذكور على أكثر تلك المعاني، وقد نقل محمد رشيد الدين الدهلوي عبارة النهاية أيضا ولم يلتفت إلى الخلل الموجود فيها... وكالفتني صاحب (مجمع البحار) حيث قال: (وقد تكرر ذكر المولى في الحديث وهو اسم يقع على جماعة كثيرة، فهو الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والمعتق والمنعم عليه... ومنه الحديث: من كنت مولاه فعلي مولاه. يحمل على أكثر الأسماء المذكورة) (2). وصاحب (الصواعق) - وإن ذكر (المحبوب) في جملة المعاني الحقيقة للفظة.

(هامش)

(1) النهاية في غريب الحديث: (ولى). (2) مجمع البحار: (ولى). (*)

ص 222

(المولى) صحح إرادة (الحب) بالكسر، وادعى إجماع الفريقين على ذلك حيث قال: (ونحن وهم متفقون على صحة إرادة الحب بالكسر، وعلي رضي الله عنه سيدنا وحبنا) (1). ولم يتضح لنا وجه الحمل على (الحب) دون (المحبوب) مع أنه مرادف له لغة، وقد عده من المعاني الحقيقة للفظة (المولى)!! على أن مجئ (المولى) بمعنى (الحب بالكسر) محتاج إلى دليل، والأعجب دعوى إجماع الفريقين على صحة إرادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المعنى من حديث الغدير! والأعجب من الكل استناد محمد رشيد الدين خان الدهلوي إلى هذا الكلام في مقابلة أهل الحق. ثم إن الحمل على (المحبة) والقول بأن المراد من حديث الغدير إيجاب محبة علي عليه السلام، يبطل أساس مذهب أهل السنة الذي بنوا عليه مسائل مهمة ومعتقدات كثيرة، ألا وهو الاعتقاد بعدالة الصحابة أجمعين أكتعين. فإذا وجبت محبة علي عليه السلام من حديث الغدير فقد حرمت مقاتلته بالأولوية القطعية، وبذلك يظهر حال معاوية وعائشة وطلحة والزبير وعمرو بن العاص وأمثالهم من مئات الصحابة. وبعد، فإن الجملة الأخيرة من حديث الغدير التي زعموا أنها قرينة على تأويلهم قد كذبها ابن تيمية الحراني حيث قال: (الوجه الخامس: إن هذا اللفظ وهو قوله: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث. وأما قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه فلهم فيه قولان سنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى. الوجه السادس: إن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم مجاب، وهذا الدعاء ليس بمجاب، فعلم أنه ليس من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه من

(هامش)

(1) الصواعق المحرقة: 25. (*)

ص 223

المعلوم أنه لما توفي كان الصحابة وسائر المسلمين ثلاثة أصناف، صنف قاتلوا معه وصنف قاتلوه، وصنف قعدوا عنه، هذا، وأكثر السابقين الأولين من العقود، وقد قيل: إن بعض السابقين الأولين قاتلوه. وذكر ابن حزم: إن عمار بن ياسر قتله أبو الغادية، وإن أبا الغادية هذا من السابقين الأولين، ممن بايع تحت الشجرة، وأولئك جميعهم قد ثبت في الصحيحين أنه لا يدخل النار منهم أحد) (1). قوله: (ولو كان المولى بمعنى المتصرف في الأمر، أو كان المراد بالأولى هو الأولى بالتصرف، لكان المناسب أن يقول: اللهم أحب من كان تحت تصرفه وأبغض من لم يكن تحت تصرفه). أقول: هذا عجيب من فهم (الدهلوي)، فأي ملازمة بين الكون تحت التصرف وبين الاطاعة والاعتقاد بالإمامة؟ قد يكون مخالفوا الإمام الحق تحت تصرفه بحسب نفوذ أحكامه فيهم، لكنهم في الباطن لا يعتقدون بكونه إماما حقا، بل قد يتظاهرون باعتقادهم لكن لا مناص لهم من الكون تحت تصرفه، كما هو الشأن في قضية أهل الذمة، فإنهم واقعون تحت تصرف النبي أو الإمام مع عدم الاعتقاد بنبوته أو إمامته. إذن، لا ملازمة بين الأمرين حتى يستحق من كان تحت التصرف للدعاء المذكور، نعم من كان كذلك مع الاعتقاد بالإمامة ووجوب الطاعة يستحقه بلا ريب، فظهر أن المناسب ما كان لا ما توهمه (الدهلوي). قوله: (فذكر محبته ومعاداته دليل صريح على أن المقصود إيجاب محبته والتحذير من معاداته لا التصرف وعدم التصرف).

(هامش)

(1) منهاج السنة 40 / 16. (*)

ص 224

أقول: لقد دلت الألفاظ العديدة من حديث الغدير - كبعض الأحاديث الأخرى - على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخشى من تكذيب القوم إياه، فقد عرفت سابقا صلى الله عليه وآله وسلم في حديث: (رأيت الناس حديثي عهد بكفر ومتى أفعل هذا به يقولون صنع هذا بابن عمه) (1). وقوله في حديث آخر: (وعرفت أن الناس مكذبي) (2). وقوله في ثالث: (يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع علي الناس) (3). ومن هنا تتضح المناسبة التامة بين دعائه صلى الله عليه وآله وسلم لمن والى عليا وعلى من عاداه، وبين إمامته عليه الصلاة والسلام. قال الحافظ محب الدين الطبري في الجواب عن حديث (علي مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي) قال: (وأما الحديث الثالث. فقوله: فتعين حمل المولى على الناصر والمتولي إلى آخر ما قرر. قلنا: الجواب عنه من وجهين، الأول - القول بالموجب على المعنيين مع البيان بأنه لا دليل لكم فيه، أما على معنى الناصر فلما بيناه في الحديث قبله، وأما بمعنى المتولي فقد كان ذلك وإن كان بعد من كان بعده، إذ يصدق عليه بعده حقيقة. ومثل هذا قد ورد. وسيأتي في مناقب عثمان أن النبي رأى في منامه حورية فقال لها: من أنت؟ قالت: للخليفة من بعدك عثمان. ويكون فائدة ذلك التنبيه على فضيلته، والأمر بالتمرن على محبته، فإنه سيلي عليكم ويتولى أمركم ومن يتوقع إمرته، فالأولى عن يموت القلب على مودته ومحبته ومجانبة بغضه، ليكون أدعى على الانقياد وأسرع للطواعية وأبعد من الخلف. ويشهد ذلك: إن هذا القول يعني إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي، صدر حين وقع فيه من وقع، وأظهر بغضه من أظهر، على ما تضمنه

(هامش)

(1) الأربعين للمحدث الشيرازي - مخطوط. (2) الدر المنثور 2 / 298. (3) المصدر 2 / 298. (*)

ص 225

الحديث، فأراد نفي ذلك عنهم والتمرن على خلافته، لحاجتهم إليه وحاجته إليهم) (1). ثم ما ذا يقول (الدهلوي) في مقابلة ما فهمه الشاعر الصحابي حسان بن ثابت من حديث الغدير، وقال على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ورضيتك من بعدي إماما وهاديا)؟ هل يتجاسر على القول بأن حسانا قد حمل الحديث على غير محمله الصحيح؟ هل يتجاسر على أن يقول ذلك ولا سيما مع تقرير النبي صلى الله عليه وآله وسلم لشعر حسان وسروره به؟ وماذا يقول في مقابلة مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام الناس بحديث الغدير، في مقام إثبات إمامته وخلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وماذا يقول في مقابلة أشعار قيس بن سعد بن عبادة؟ وماذا يقول في مقابلة كلمات أكبار علماء طائفته؟

 [4] إرادة الإمامة منه تخالف طريقة النبي في بيان الواجبات والسنن

 قوله: (ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان قد بلغ أدنى الواجبات بل السنن، بل آداب القيام والقعود والأكل والشرب بوجه يفهم الكل - سواء الحاضر والغائب ممن عرف لغة العرب المعاني المقصودة من ألفاظه بلا تكلف).

 النقض بحديث الاثنا عشر خليفة

 أقول: إن هذا الكلام في الحقيقة طعن في الصحابة والعلماء الذين أثبتوا إمامة أمير

(هامش)

(1) الرياض النضرة 1 / 205. (*)

ص 226

المؤمنين عليه السلام من حديث الغدير، بل إنه طعن في تبليغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأدائه الرسالة الإلهية... لقد غفل (الدهلوي) أو تغافل عما ذكر علماء مذهبه في معنى حديث (الاثنا عشر خليفة) من الكلمات المشوشة والأقاويل المضطربة من أجل صرفه عن مدلوله الواقعي، معرضين عن الأحاديث المفسرة الواردة بطرق أهل الحق بل بطرقهم. لقد كثرت تأويلاتهم الركيكة وتوجيهاتهم السخيفة لهذا الحديث الشريف الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك فقد اعترف بعض أعاظم علمائهم بالعجز عن بيان معناه وأعرض عن تأويله، قال ابن حجر العسقلاني: (قال ابن بطال عن المهلب: لم ألق أحدا يقطع في هذا الحديث يعني بشيء معين) (1). قال: (وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث وتطلبت مظانه وسألت عنه، فلم أقع على المقصود به، لأن الألفاظ مختلفة ولا أشك أن التخليط فيها من الرواة) (2). وقال أبو بكر ابن العربي: (ولم أعلم للحديث معنى) وهذا نص كلامه في شرح الحديث: (روى أبو عيسى عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون بعدي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش. صحيح فعددنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ملك باسم الملك العام اثني عشر أميرا، فوجدنا أبا بكر، عمر، عثمان، علي، الحسن، معاوية، يزيد بن معاوية، معاوية ابن يزيد، مروان، عبد الملك، بن مروان، الوليد، سليمان، عمر بن عبد العزيز، هشام بن عبد الملك، يزيد بن عبد الملك، مروان بن محمد بن مروان، السفاح المنصور، المهدي، الهادي، الرشيد، الأمين، المأمون، المعتصم، الواثق المتوكل، المنتصر، المستعين، المعتز، المهتدي، المعتمد، المعتضد، المكتفي،

(هامش)

(1) فتح الباري - شرح البخاري - كتاب الفتن 16 / 338. (2) المصدر نفسه 16 / 339. (*)

ص 227

المقتدر، القاهر، الراضي، المتقي، المستكفي، المطيع، الطائع القائم، المهتدي وأدركته سنة 484، وعهد إلى المستظهر أحمد ابنه. وتوفي في المحرم سنة 86. ثم بايع المستظهر لابنه أبي المنصور المفضل وخرجت عنهم سنة 95. وإذا عددنا منهم اثني عشر إنتهى العدد بالصورة إلى سليمان بن عبد الملك، وإذا عددناهم بالمعنى كان معنى منهم خمسة: الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز. ولم أعلم للحديث معنى، ولعله بعض حديث. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلهم من قريش) (1). ثم إن كلام (الدهلوي) هذا يقتضي أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدم البلاغة وقصور البيان في كل كلام له تحيرت في فهمه الأفهام والأفكار، بل يقتضي نسبة هذا النقص إلى القرآن الكريم لاختلاف العلماء والفقهاء وتحيرهم في فهم كثير من آيات الأحكام، ونعوذ بالله عز وجل من التفوه بمثل هذا الكلام. إن (الدهلوي) يريد دفع دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، وإن استلزم ذلك الأباطيل المنكرة، بل الطعن في كلمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل القرآن العظيم، ولكن تلميذه محمد رشيد الدين الدهلوي ينص على أن ثبوت خلافة الأمير من حديث الغدير لا ينافي مذهب أهل السنة، وأنه لا حاجة إلى تمهيد المقدمات المطولة لهذا الدليل المختصر (2). وكلام الرشيد الدهلوي هذا يوضح مدى تعصب (الدهلوي) وأسلافه وارتكابهم الأكاذيب والخرافات في رد حديث الغدير، ولقد اعترف - ولله الحمد - بدلالة الحديث المذكور على مطلوب أهل الحق. واعترف ملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي بدلالة حديث الغدير

(هامش)

(1) عارضة الأحوذي في شرح الترمذي 9 / 67 - 69. (2) إيضاح لطافة المقال - مخطوط. (*)

ص 228

على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (قال أهل السنة: المراد من الحديث من كنت مولاه فعلي مولاه. أي في وقت خلافته وإمامته) (1). فهم يعترفون بدلالته على الإمامة والخلافة، وهذا يبطل تأويل (الدهلوي) وبعض أسلافه، أما حمل معنى الحديث على الإمامة والخلافة في وقتها فيبطله فهم الأصحاب وتهنئة الشيخين وغيرهما وغير ذلك. قوله: (وفي ذلك - في الحقيقة - كمال البلاغة، وهو مقتضى منصب الارشاد والهداية). أقول: فأين كان مقتضى منصب الارشاد والهداية في حديث (سيكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش) الذي زعموا عدم وضوح معناه، ولم يخل وجه من الوجوه التي ذكروها في شرحه من نقد وإشكال، ولم يتم له توجيه يقبله أهل الفضل والكمال؟ قوله: (فدعوى الاكتفاء حينئذ بمثل هذا الكلام الذي لا تساعده قواعد لغة العرب يستلزم إثبات قصور البيان والبلاغة، بل المساهلة في أمر التبليغ والهداية في حق النبي. والعياذ بالله من ذلك).

 النقض بحديث خوخة أبي بكر

 أقول: أولا: إن دعوى عدم مساعدة قواعد اللغة العربية لاستفادة الإمامة من حديث الغدير من عجائب التقولات، لثبوت دلالته من استشهاد أمير المؤمنين

(هامش)

(1) هداية السعداء - مخطوط. (*)

ص 229

عليه السلام ومناشدته، ومن صريح أشعار حسان بن ثابت مع تقرير النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأشعار قيس بن سعد بن عبادة، ومن تصريحات كبار أئمة أهل السنة كما علمت آنفا. وثانيا: إن نفي دلالة حديث الغدير على الإمامة يساوق نفي دلالة (لا إله إلا الله) على التوحيد، ويساوق نفي دلالة (محمد رسول الله) على الرسالة. وثالثا: إن كلام (الدهلوي) هذا ينتقض بحديث خوخة أبي بكر المزعوم، ذاك الحديث الذي جعلوه من أدلة خلافة أبي بكر، فإنا نقول لمخاطبنا: إن لم يدل حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام مع وجود تلك القرائن والشواهد فأي علاقة لحديث خوخة أبي بكر مع خلافته حتى جعلوه من أدلتها؟ قال القاري بشرح حديث: (لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر) قال: (قال التوربشتي: وهذا الكلام كان في مرضه الذي توفي فيه في آخر خطبة خطبها، ولا خفاء بأن ذلك تعريض بأن أبا بكر هو المستخلف بعده وهذه الكلمة إن أريد بها الحقيقة فكذلك، لأن أصحاب المنازل اللاصقة بالمسجد قد جعلوا من بيوتهم مخترقا يمرون فيه إلى المسجد أو كوة ينظرون إليها منه، وأمر بسد جملتها سوى خوخة أبي بكر تكريما له بذلك أولا، ثم تنبيها للناس في ضمن ذلك على أمر الخلافة حيث جعله مستحقا لذلك دون الناس. وإن أريد به المجاز فهو كناية عن الخلافة وسد باب المقالة دون التطرق إليها والتطلع عليها، والمجاز فيه أقوى، إذ لم يصح عندنا أن أبا بكر كان له بمنزل بجنب المسجد، وإنما كان منزله بالسنح من عوالي المدينة، ثم إنه مهد المعنى المشار إليه وقرره بقوله: ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا. ليعلم أنه أحق الناس بالنيابة عنه، وكفانا حجة على هذا التأويل تقديمه إياه في الصلاة وإباؤه كل الإباء أن يقف غيره ذلك الموقف) (1).

(هامش)

(1) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 524. (*)

ص 230

وقال القاري أيضا: (قال أبو حاتم: وفي قوله: سدوا... دليل على حسم أطماع الناس كلهم من الخلافة إلا أبا بكر) (1). فأي علاقة بين (الخوخة) و(الخلافة) يا منصفون؟ وأي الحديثين أولى بالاستدلال: حديث الغدير لإمامة علي أو حديث الخوخة لإمامة أبي بكر يا منصفون؟ ولما رأى الحافظ الطبري عدم دلالة حديث خوخة أبي بكر، فإنه لم يجد بدا من الاعتراف بذلك فصرح بأنه (لا ينهض في الدلالة، وإنما بانضمام القرائن الحالية إليه) وهذا نص كلامه حديث قال: (عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه، فجلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنه ليس من الناس أحد آمن علي بنفسه وماله من ابن أبي قحافة، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر لكن خلة الإسلام سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر. خرجه أحمد والبخاري وأبو حاتم واللفظ له. وقال في قوله: سدوا عني كل خوخة إلى آخره دليل على حسم أطمع الناس كلهم من الخلافة إلا أبا بكر. قلت: وهذا القول وحده لا ينهض في الدلالة، وإنما بانضمام القرائن الحالية التي حصلت، وذلك بارتقائه المنبر في حال المرض ومواجهة الناس بذلك وتعريفهم بحق أبي بكر وتفضيله بذكر الخلة، وذلك تنبيه على أنه الخليفة من بعده. وكأن هذا القول كالتوصية لهم به لأنه قرب الموت، وكذلك فهمه الصحابة من القال والحال) (2). أقول: فإذا كان حديث الخوخة يدل على خلافة أبي بكر بانضمام القرائن من ارتقاء المنبر ومواجهة الناس والتعريف بحق أبي بكر وتفضيله... كما قال المحب الطبري... فإن حديث الغدير - بغض النظر عن دلالته بوحده - يدل

(هامش)

(1) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 525. (2) الرياض النضرة 1 / 112. (*)

ص 231

على إمامة وخلافة أمير المؤمنين بانضمام تلك القرائن إليه، من ارتقاء المنبر قرب الموت، والتعريف بحق علي وأهل البيت عليهم السلام، وأنه مولى من كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مولاه - هذا الكلام الذي يفيد التساوي من جميع الوجوه وتفضيل علي بذلك كما فهمه الدهلوي - ونزول الآيات الكريمة من القرآن الكريم في تلك الواقعة، وشدة اهتمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأمر، وخوفه من شر المخالفين، وكون الواقعة في زمان ومكان لم يتعارف فيه هكذا اجتماع، ثم أمره صلى الله عليه وآله وسلم برد من تقدم وإلحاق من تخلف، وصنعه منبرا له من أقتاب الإبل، ثم رفعه لعلي حتى رآه الناس كلهم، مع تغيير ملابسه وتعميمه إياه بيده، ثم تهنئة الشيخين وعامة الأصحاب والأزواج لعلي، وترتب الثواب العظيم على صوم هذا اليوم المبارك... إلى غير ذلك...

ذكر من روى تعميم النبي عليا يوم الغدير بيده

 وقد روى حديث تعميم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده عليا عليه السلام يوم غدير خم جماعة من أكابر أئمة أهل السنة أمثال: 1 - سليمان بن داود بن الجارود أبو داود الطيالسي. 2 - عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي. 3 - أحمد بن منيع البغوي. 4 - أحمد بن الحسين بن علي البيهقي. 5 - محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري. 6 - إبراهيم بن محمد الحمويني. 7 - محمد بن يوسف الزرندي. 8 - علي بن محمد المعروف بابن الصباغ. 9 - جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي. 10 - جمال الدين عطاء الله بن فضل الله المحدث الشيرازي. (*)

ص 232

11 - علاء الدين علي بن حسام الدين الشهير بالمتقي. 12 - محمود بن علي الشيخاني القادري. 13 - أحمد بن محمد القشاشي. قال علي المتقي: (عن علي قال: عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم بعمامة فسدلها خلفي. وفي لفظ: فسدل طرفيها على منكبي. ثم قال: إن الله أمدني يوم بدر وحنين بملائكة يعتمون هذه العمة. وقال: إن العمامة حاجزة بين الكفر والايمان. وفي لفظ بين المسلمين والمشركين، ورأى رجلا يرمي بقوس فارسية فقال: إرم بها. ثم نظر إلى قوس عربية فقال: عليكم بهذه وأمثالها ورماح القنا، فإن بهذه يمكن الله لكم في البلاد ويؤيد لكم. ش. ط وابن منيع ق) (1). وقال محب الدين الطبري: (ذكر تعميمه إياه بيده، عن عبد الأعلى بن عدي البهراني: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليا يوم غدير خم فعممه وأرخى عذبه من خلفه) (2). وقال شهاب الدين أحمد: (عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنهم: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وبارك وسلم عمم علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه عمامته السحابة وأرخاها من بين يديه ومن خلفه، ثم قال: أقبل فأقبل. ثم قال: أدبر فأدبر. فقال صلى الله عليه وآله وبارك وسلم: هكذا جائتني الملائكة ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله) (3). وقال الحمويني: (أخبرنا القاضي جلال الدين أبو المناقب محمود بن مسعود

(هامش)

(1) كنز العمال للملا علي المتقي. والمراد من (ش) هو ابن أبي شيبة. ومن (ط) أبو داود الطيالسي. ومن (ق) البيهقي. (2) الرياض النصرة 2 / 289. (3) توضيح الدلائل - مخطوط. (*)

ص 233

ابن أسعد بن العراقي الطاووس القرويني إجازة بروايته عن الشيخ إمام الدين عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم إجازة قال: أنبأنا أبو منصور شهردار بن شيرويه ابن شهردار الحافظ إجازة قال: أنبأنا أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب ابن الإمام أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة الحافظ بقراءتي عليه بإصفهان في داره، أنبأنا أبو عمر عثمان بن محمد بن أحمد بن سعيد الخلال، أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن جميل، أنبأنا جدي إسحاق، أخبرنا أحمد بن منيع عن علي بن هاشم عن أشعث بن سعيد عن عبد الله ابن بشر عن أبي راشد عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل أيدني يوم بدر وحنين بملائكة معتمين هذه العمة، والعمة الحاجز بين المسلمين والمشركين. قاله لعلي لما عممه يوم غدير خم بعمامة سدل طرفها منكبيه) (1). وقال أيضا: (... عن جعفر بن محمد قال: حدثني أبي عن جدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمم علي بن أبي طالب رضي الله عنه عمامته السحاب فأدخلها من بين يديه ومن خلفه، ثم قال: أقبل فأقبل ثم قال: أدبر فأدبر، قال: هكذا جاءتني الملائكة) (2). وقال أيضا: (... عن علي بن أبي طالب قال: عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم بعمامة فسدل طرفها على منكبي وقال: إن الله أمدني يوم بدر بملائكة معتمين بهذه العمامة) (3). روى محمد بن يوسف الزرندي الحديث الثاني المذكور عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده وأضاف: (ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من

(هامش)

(1) فرائد السمطين 1 / 75. (2) المصدر 1 / 76. (3) المصدر 1 / 76. (*)

ص 234

والاه وعاد من عاداه وانصر من نصر واخذل من خذله...) (1). ورواه نور الدين ابن الصباغ: (عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم بعمامة فسدل نمرقها على منكبي وقال: إن الله تعالى أمدني يوم بدر وحنين بملائكة معتمين هذه العمامة) (2). وقال المحدث الشيرازي: (ورواه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام وفيه من الزيادة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمم علي بن أبي طالب عمامته السحابة أرخاها بين يديه ومن خلفه. ثم قال: أقبل فأقبل، ثم قال: أدبر فأدبر. فقال: هكذا جاءتني الملائكة يوم بدر ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث) (3). وقال محمود بن محمد بن علي الشيخاني القادري المدني: (وفي الفصول المهمة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم بعمامة فسدل نمرقها على منكبي وقال: إن الله تعالى أمدني يوم بدر وحنين بملائكة معتمين هذه العمامة) (4). وقال أحمد القشاشي: (... فقد روينا بالسند السابق إلى الحافظ جلال الدين السيوطي أنه قال في الجامع الكبير معزوا إلى ابن أبي شيبة والطيالسي وابن منيع والبيهقي ما نصه: عن علي رضي الله عنه قال: عممني رسول الله...) (5).

(هامش)

(1) نظم در السمطين 112. (2) الفصول المهمة في معرفة الأئمة: 27. (3) الأربعين للمحدث الشيرازي - مخطوط. (4) الصراط السوي - مخطوط. (5) السمط المجيد في سلاسل التوحيد: 99. (*)

ص 235

ترجمة أحمد القشاشي

 والشيخ أحمد القشاشي من أعاظم مشايخ والد (الدهلوي) في الإجازة، وقد ترجم له المحبي في (خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر) ذاكرا فضائله منوها بمقاماته وجلالته... فراجع (1). قوله: (فقد ظهر أن غرضه صلى الله عليه وسلم إفادة هذا المعنى الذي يفهم من هذا الكلام بلا تكلف، أي إن محبة علي فرض كمحبة النبي ومعاداته محرمة كمعاداة النبي، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهو المطابق لفهم أهل البيت). أقول: لقد - ظهر - مما - ذكرنا - سابقا - أن غرضه - صلى الله عليه - وآله وسلم - إفادة ما هو الظاهر المفهوم من كلامه بلا تكلف، أي كون أولوية أمير المؤمنين عليه السلام بالتصرف مثل أولوية رسول الله صلى الله عليه وآله بالتصرف، وأن طاعته فرض واجب مثل إطاعة النبي. وهذا هو مذهب أهل الديانة وهو المطابق لفهم أهل البيت عليهم السلام.

 معنى حديث الغدير عند أهل البيت والأصحاب

 فقد روى العلامة المجلسي: (عن أبي إسحاق قال: قلت لعلي بن الحسين عليه السلام: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ قال: أخبرهم أنه الإمام بعده) (2).

(هامش)

(1) خلاصة الأثر 1 / 343. (2) بحار الأنوار للعلامة محمد باقر المجلسي 37 / 223. (*)

ص 236

ومثله روايات عديدة في (بحار الأنوار) وغيره من كتب الأخبار، ونحن نكتفي بالخبر المذكور لغرض المعارضة به مع الخبر الذي سيذكره (الدهلوي) عن طريق أهل مذهبه، على أن الخبر الذي ذكرناه له شواهد تصدقه وهي أشعار أمير المؤمنين، وأشعار حسان بن ثابت - التي قالها في حضور النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ومع تقريره - وأشعار قيس بن سعد... وغير ذلك من الشواهد والقرائن المذكورة سابقا. ومع ذلك كله ترى الفضل ابن روزبهان يقول في جواب (نهج الحق وكشف الصدق): (والعجب أن هذا الرجل لا ينقل حديثا إلا من جماعة أهل السنة، لأن الشيعة ليس لهم كتاب ولا رواية ولا علماء مجتهدون مستخرجون للأخبار، فهو في إثبات ما يدعيه عيال على كتب أهل السنة). وقد جعل هذا الرجل أو تجاهل أو نقل الشيعة الحديث عن جماعة أهل السنة هو لأجل الافحام والالزام كما هو قاعدة البحث والمناظرة، وهذا لا يدل على أن الشيعة ليس لهم كتاب ولا رواية ولا علماء مجتهدون مستخرجون للأخبار. إذن، يجوز للشيعة الاحتجاج بأحاديثهم، بل قد يجب عليهم ذلك أحيانا لأغراض عديدة، ومنها إثبات أن لهم كتبا وروايات وعلماء. وبنقل الحديث المذكور عن الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام ثبت أن الذي فهمه أئمة أهل البيت عليهم السلام من حديث الغدير، هو الأولوية بالإمامة والخلافة لأمير المؤمنين عليه السلام، فظهر بطلان دعوى (الدهلوي).

[5] التمسك بكلام يروونه عن الحسن المثنى

 قوله: (أخرج أبو نعيم عن الحسن المثنى ابن الحسن السبط رضي الله عنهما أنه سئل: هل حديث من كنت مولاه نص على خلافة علي رضي الله عنه؟ فقال: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني بذلك الخلافة لأفصح لهم بذلك، فإن

ص 237

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفصح الناس، ولقال لهم: يا أيها الناس هذا والي أمركم والقائم عليكم بعدي فاسمعوا له وأطيعوا. ولو كان الأمر إن الله جل وعلا ورسوله صلى الله عليه وسلم اختار عليا لهذا الأمر وللقيام على الناس بعده، فإن عليا أعظم الناس خطيئة وجرما، إذ ترك أمر رسول الله أن يقوم فيه كما أمره ويعذر إلى الناس. فقيل له: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: أما والله لو يعني رسول الله بذلك الأمر والسلطان لأفصح به كما أفصح بالصلاة والزكاة ولقال يا أيها الناس: إن عليا وإلى أمركم من بعدي والقائم في الناس). أقول: إحتجاج (الدهلوي) بهذه الرواية الموضوعة باطل لوجوه:

 1 - هذه الرواية من متفردات الجماعة

 إن هذه الرواية لم ينقلها الشيعة، وإنما هي من متفردات أهل السنة والجماعة، وأنت تعلم أن روايات كل طائفة لا تكون حجة على الطائفة الأخرى في مقام البحث والمناظرة والاستدلال، فإن جعلت روايات أهل السنة حجة على الشيعة فلتجعل روايات الشيعة على أهل السنة حجة كذلك.

2 - استدلاله بها يخالف ما التزم به

ثم إن (الدهلوي) قد خالف وعده ونكث عهده، وذلك لأنه قد التزام في كتابه (التحفة) بأن ينقل في باب الإمامة من كتب أهل الحق فقط، فقال - بعد ذكر الآيات التي استدل بها بزعمه على خلافة أبي بكر -: (وأما أقوال العترة فإن المروي منها من طريق أهل السنة خارج عن حد الحصر والاحصاء، فلتلحظ في ذاك

ص 238

الكتاب (يعني إزالة الخفاء) ولما وقع الالتزام في هذه الرسالة بعدم التمسك بغير روايات الشيعة في جميع المسائل فإنه يذكر من أقوال العترة في هذا الباب ما جاء منها في كتبهم المعتبرة ومروياتهم الصحيحة). فنقول: العجب أن (الدهلوي) يلتزم هنا بأن لا ينقل من أقوال العترة حديثا إلا من كتب الشيعة المعتبرة ومروياتهم الصحيحة، ومع ذلك يخالف في هذا المقام ومقامات كثيرة غيره ما التزم به *(ومن نكث فإنما ينكث على نفسه)*.

3 - اعترافه بعدم حجية روايات فرقة

 على أخرى وقال (الدهلوي) في صدر كتابه (التحفة): (وفي نقل مذهب الشيعة وبيان أصولهم وما يمكن إلزامهم به فقد التزم في هذه الرسالة بعدم النقل من غير كتبهم المعتبرة، كما أن إلزام أهل السنة يجب أن يكون بحسب روايات أهل السنة، وإلا توجه إلى كل واحد من الطرفين التهمة بالتعصب والعناد، ولم يتحقق الاعتماد والوثوق بينهما). وهذا الكلام صريح في عدم حجية روايات كل فرقة من الفرقتين على الفرقة الأخرى، فالعجب أن هذا الرجل يقول هذا الكلام ثم ينسى أو يتناسى ما قاله، فيخالفه، في موارد عديدة من البحث والكلام، ومن ذلك احتجاجه بهذا الحديث الذي رواه أبو نعيم عن الحسن المثنى، وهو حديث مزعوم موضوع لم يروه إلا أهل السنة.

4 - ليس هذا الحديث في الكتب الصحيحة

 وهذا الحديث المزعوم لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الصحاح عند أهل السنة، أو الكتب التي التزم فيها بالصحة، ولا هو من الأحاديث الصحيحة سندا، وقد ذكر (الدهلوي) في كتاب (التحفة) في باب الإمامة عند الجواب عن

ص 239

الحديث السادس فيه: (إن القاعدة المقررة لدى أهل السنة هي: إن كل حديث رواه بعض أئمة فن الحديث في كتاب لم يلتزم فيه بصحة ما فيه، مثل البخاري ومسلم وبقية أصحاب الصحاح، أو لم يصرح بصحة ذاك الحديث صاحب الكتاب أو غيره من المحدثين الثقات، فهو غير قابل للاحتجاج). فهذه هي القاعدة المقررة لدى أهل السنة كما يقول (الدهلوي)، فكيف يحتج بهذا الحديث المزعوم الذي ليس مصداقا لهذه القاعدة؟!.

5 - ما لا سند له لا يصغى إليه

 ومن القواعد المقررة لدى أهل السنة - كما ذكر (الدهلوي) - أنهم لا يصغون إلى الحديث الذي لا سند له، وعلى هذا الأساس حاول (الدهلوي) نفسه الجواب على المطعن الثالث من مطاعن أبي بكر بعد إنكاره قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لعن الله من تخلف عنها) وإن كان الشهرستاني صاحب (الملل والنحل) وغيره من رواته... فقال: إن كل حديث لم يكن في الكتب المسندة للمحدثين مع الحكم بالصحة فلا يصغى إليه. وعلى ضوء ما ذكر (الدهلوي) في ذاك المقام نعترض عليه إستناده إلى هذا الحديث المزعوم في محل الكلام، لأنه ليس حديثا مسندا في كتب المحدثين فضلا عن كونه صحيحا عندهم، فيلزم أن لا يصغى إليه، فكيف يستند إليه والحال هذه؟ ونظير المقام إستناده إلى الحديث المختلق: (ما صب الله في صدري شيئا إلا وصببته في صدر أبي بكر) وهو أيضا لا سند له أبدا. كما نص عليه ابن الجوزي وغيره في (الموضوعات).

 6 - احتجاج الدهلوي بهذا الحديث تعسف

 إن (الدهلوي) يرد في باب الإمامة أحاديث عديدة يرويها أكابر أئمة أهل

ص 240

مذهبه ومشاهير محدثيهم بالأسانيد المتكررة والطرق المختلفة، أمثال حديث الطائر وحديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها) وحديث الأشباه، بل إن هذه الأحاديث الثلاثة المذكورة يرويها والده أيضا في جملة فضائل أمير المؤمنين عليه السلام. فالعجب من هذا الرجل الذي يرد هكذا أحاديث صحيحة مستفيضة بل متواترة، كيف يستند إلى حديث أبي نعيم في هذا المقام؟ وأيضا نرى (الدهلوي) يستهزء بالشيعة ويطعن فيهم لأنهم يحتجون بحديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها) - مع أنه حديث متواتر يرويه كبار أئمة المحدثين والحفاظ من أهل السنة، ويثبته والده الشاه ولي الله الدهلوي - لأنه بزعمه حديث موضوع!! وهو في نفس الوقت يحتج برواية أبي نعيم التي لا تبلغ درجة حديث (أنا مدينة العلم) ونحوه من أحاديث فضائل الإمام عليه السلام!! ألا يتوجه عليه ما تلفظ به بالنسبة إلى الشيعة من ألفاظ الاستهزاء والسخرية؟!

 7 - بطلان المعارضة من كلام والد الدهلوي

 وكما ثبت بطلان استدلال (الدهلوي) برواية أبي نعيم من كلام نفسه، فإنه يثبت بطلان استدلاله بهذه الرواية من كلام والده الشاه ولي الله الذي نص في آخر كتابه (قرة العينين في تفضيل الشيخين) على عدم. جواز المناظرة مع الزيدية بل الإمامية بأحاديث الصحيحين فضلا عن غيرها. فنقول: فاستناد ولده إلى رواية أبي نعيم في هذا المقام تعسف باطل ومخالفة للقواعد المقررة وعقوق لوالده.

8 - بطلان المعارضة من كلام تلميذه

وكما بطل استناد (الدهلوي) إلى رواية أبي نعيم من كلام والده، فهو باطل لدى تلميذه محمد رشيد الدين خان الدهلوي الذي ذكر في كتابه (الشوكة

ص 241

العمرية) أن أخبار كل فرقة لا تصلح للاعتبار والاعتماد في مقام البحث والنقاش مع غيرها من الفرق، لأن رواة أخبار كل فرقة مقدوحون لدى علماء الفرقة الأخرى. أقول: فحديث أبي نعيم لا يجوز الاحتجاج به في مقابلة الشيعة الإمامية، فكيف بدعوى التعارض بينه وبين حديث متواتر لدى الفريقين؟ وعلى ما ذكره رشيد الدين الدهلوي فإنه يلزم على أهل السنة التسليم والاذعان باستدلال الشيعة بأحاديث فضائل أمير المؤمنين عليه السلام المخرجة في كتب أهل السنة، وبهذا تسقط مكابرات (الدهلوي) وأسلافه كابن حجر وابن تيمية وأمثالها، لأن استدلال الشيعة كان مطابقا للقواعد المقررة المتبعة في مقام المناقشة والمناظرة، فيجب على من خالفهم التسليم والقبول.

 9 - اعتراضهم على تمسك الإمامية برواية أبي نعيم

 وهل من العدل والانصاف اعتراضهم على الإمامية التمسك برواية أبي نعيم لفضائل أمير المؤمنين عليه السلام، وهم في نفس الوقت يستندون إلى حديث يرويه أبو نعيم في مقابلة حديث الغدير المتواتر؟! لقد قال ابن تيمية: (فإن أبا نعيم روى كثيرا من الأحاديث التي هي ضعيفة بل موضوعة باتفاق علماء الحديث وأهل السنة والشيعة). وقال أيضا: (مجرد رواية صاحب الحلية ونحوه لا يفيد ولا يدل على الصحة، فإن صاحب الحلية قد روى في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والأولياء وغيرهم أحاديث ضعيفة بل موضوعة باتفاق أهل العلم).

 10 - تنصيص الدهلوي على عدم اعتبار تصانيف أبي نعيم

 وقال (الدهلوي) في رسالته في أصول الحديث في بيان طبقات كتب الحديث نقلا عن والده ما تعريبه: (الطبقة الرابعة: الأحاديث غير المعروفة في

ص 242

القرون السابقة والتي رواها المتأخرون، فلا يخلو حالها عن أحد أمرين، فإما قد تفحص عنها السلف ولم يقفوا لها على أصل حتى يروونها، وإما وقفوا لها على أصل لكن رأوا فيه علة أوجبت ترك جميع تلك الأحاديث، وعلى كل حال فإن هذه الأحاديث لا يجوز الاعتماد عليها والتمسك بها في عقيدة أو عمل. ولنعم ما قال بعض الشيوخ في أمثال هذا: فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة * وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم ولقد قطع هذا القسم من الأحاديث الطريق على كثير من المحدثين، واغتروا بكثرة طرقها الواردة في هذا القسم من الكتب، فحكموا بتواترها وتمسكوا بها في مقام القطع واليقين، خلافا لما تدل عليه الأحاديث في الطبقة الأولى والثانية والثالثة. وقد تضمنت كتب كثيرة لهذا القسم من الأحاديث وهذه أسامي بعضها: كتاب الضعفاء لابن حبان، تصانيف الحاكم، كتاب الضعفاء للعقيلي، كتاب الكامل لابن عدي، تصانيف الخطيب، تصانيف ابن شاهين، تفسير ابن جرير، الفردوس للديلمي بل جميع تصانيفه، تصانيف أبي نعيم، تصانيف الجوزجاني، تصانيف ابن عساكر، تصانيف أبي الشيخ، تصانيف ابن النجار. وإن أكثر المساهلة والوضع هو في باب المناقب والمثالب والتفسير وأسباب النزول و...). أقول على ضوء هذا الكلام: إن الحديث الذي استند إليه (الدهلوي) في مقابلة استدلال الإمامية بحديث الغدير المتواتر هو من الأحاديث المجهولة في القرون السابقة، ولا يخلو أمره من أحد الأمرين اللذين ذكرهما، وعلى كل حال لا يجوز الاستناد إليه والاعتماد عليه، فالعجب، إن هذا الرجل يعتمد على حديث يراه هو والده حديثا باطلا لا يجوز التمسك به فناسب أن نقول له: فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة * وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

ص 243

بل إنه يدري فالمصيبة أعظم...

11 - طعن ابن الجوزي في أبي نعيم

 ولقد بالغ الحافظ ابن الجوزي في ذم أبي نعيم والطعن عليه، وإليك نص عبارته: (وجاء أبو نعيم الاصبهاني فصنف لهم - أي للصوفية - كتاب الحلية، وذكر في حدود التصوف أشياء قبيحة، ولم يستح أن يذكر في الصوفية أبا بكر وعمر وعثمانا وعلي بن أبي طالب وسادات الصحابة رضي الله عنهم، فذكر عنهم فيه العجب) (1).

12 - ومن رواته (فضيل بن مرزوق)

 ومن رواة هذا الخبر هو (فضيل بن مرزوق) كما في (الاكتفاء) حيث جاء فيه: (وروي عن فضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن - أي المثنى ابن الحسن السبط - وقال له رجل: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه.؟ قال: بلى. أما والله لو يعني بذلك الإمارة والسلطان لأفصح لهم بذلك كما أفصح بالصلاة والزكاة والصيام والحج، فإن رسول الله كان أفصح الناس للمسلمين، ولقال لهم: يا أيها الناس هذا والي الأمر والقائم عليكم من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا) (2). و(فضيل بن مرزق) وإن وثقه غير واحد فقد تكلم فيه جماعة من الأعلام، قال الذهبي: (قال النسائي: ضعيف، وكذا ضعفه عثمان بن سعيد) (3). قال: (قال أبو عبد الله الحاكم: فضيل بن مرزوق ليس من شرط

(هامش)

(1) تلبيس إبليس: 159. (2) الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط. (3) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 3 / 362. (*)

ص 244

الصحيح، عيب على مسلم إخراجه في الصحيح. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا كان ممن يخطئ على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات) (1). وذكره الذهبي في (المغني في الضعفاء) قائلا: (فضيل بن مرزوق الكوفي، عن أبي حازم الأشجعي والكبار. وثقه غير واحد، وضعفه النسائي وابن معين أيضا. قال الحاكم: عيب على مسلم إخراجه في الصحيح) (2). وقال ابن حجر: (قال عبد الخالق بن منصور عن ابن معين: صالح الحديث صدوق يهم كثيرا يكتب حديثه. قلت: يحتج به؟ قال: لا. وقال النسائي: ضعيف... قال مسعود عن الحاكم: ليس هو من شرط الصحيح وقد عيب على مسلم إخراجه لحديثه. قال ابن حبان في الثقات: يخطئ، وقال في الضعفاء: يخطئ على الثقات. وروى عن عطية الموضوعات. وقال ابن شاهين في الثقات: إختلف قول ابن معين فيه. وقال في الضعفاء قال أحمد بن صالح: حدث فضيل عن عطية عن أبي سعيد حديث إن الذي خلقكم من ضعف، ليس له عندي أصل ولا هو بصحيح. وقال ابن رشدين: لا أدري من أراد أحمد ابن صالح بالتضعيف أعطية أم فضيل بن مرزوق) (3). هذه كلمات القوم في (فضيل بن مرزوق).

13 - اشتمال الحديث على فرية قبيحة

 لقد ظهر إلى الآن أن هذا الكلام موضوع على الحسن المثنى وأنه لم يقله قطعا، وقد اشتمل في رواية محب الدين الطبري على فرية أخرى عليه، إذ جاء فيه: (ويحكم، لو كان نافعا بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا، أباه وأمه). وهذا نص ما ذكره بتمامه: (ذكر ما روي عن الحسن بن الحسن أخي عبد الله

(هامش)

(1) ميزان الاعتدال 3 / 362. (2) المغني في الضعفاء 2 / 515. (3) تهذيب التهذيب 7 / 298. (*)

ص 245

ابن الحسن أنه قال لرجل ممن يغلو فيهم: ويحكم أحبونا بالله، فإن أطعنا الله فأحبونا وإن عصينا الله فابغضونا. فقال له رجل: إنكم ذوو قرابة من رسول الله وأهل بيته. قال: ويحكم لو كان نافعا بقرابة رسول الله بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا، أباه وأمه، والله إني أخاف أن يضاعف الله للعاصي منا العذاب ضعفين، والله إني لأرجو أن يؤتي المحسن منا أجره مرتين. قال: ثم قال: لقد أساءنا آباؤنا وأمهاتنا، إن كان ما تقولون من دين الله ثم لم يخبرونا به ولم يطلعونا عليه ولم يرغبوا فيه، ونحن كنا أقرب منهم قرابة منكم وأوجب عليهم وأحق أن يرغبونا فيه منكم، ولو كان الأمر كما تقولون أن الله جل وعلا ورسوله صلى الله عليه وسلم اختار عليا لهذا الأمر وللقيام على الناس بعده، فإن عليا أعظم الناس خطيئة وجرما، إذ ترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم فيه كما أمره ويعذر إلى الناس. فقال له الرافضي: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: أما والله لو يعني رسول الله بذلك الأمر والسلطان والقيام على الناس، لأفصح كما أفصح بالصلاة والزكاة والصيام والحج، ولقال أيها الناس إن هذا الولي بعدي فاسمعوا وأطيعوا. خرج جميع الأذكار عن أهل البيت الحافظ أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسن السمان الرازي، في كتاب الموافقة بين أهل البيت والصحابة رضوان الله أجمعين) (1). وإن نفي انتفاع والدي صلى الله عليه وآله وسلم من هذه القرابة من رسول الله من أوضح الأباطيل عند المسلمين قاطبة، كما لا يخفى على من طالع رسائل الحافظ السيوطي في هذا الباب. فنسبة هذا الكلام إلى الحسن المثنى فرية شنيعة، ووجوده في هذا الحديث قرينة أخرى على وضع الحديث وبطلانه من أصله.

(هامش)

(1) الرياض النضرة 1 / 60. (*)

ص 246

14 - اشتماله على فرية أخرى

 وما جاء في هذا الحديث من أنه (لو كان الأمر كما تقولون... فإن عليا أعظم الناس خطيئة وجرما إذ ترك أمر رسول الله...) فرية أخرى على الحسن المثنى، فإن هذا الكلام من عجائب الخرافات، لأن أمير المؤمنين عليه السلام قد طالب بحقه مرارا، وامتنع عن البيعة مع أبي بكر، فلما لم يعط عليه السلام حقه ولم يعنه الناس على قيامه على الظالمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما ذنبه؟! ويكون هذا الكلام في البطلان كما لو قال المنكرون لنبوة الأنبياء في حق الأنبياء الذين ظلموا، واستشهدوا على أيدي الأمم السالفة، ولم يتمكنوا من إنفاذ الشرايع السماوية: أنه لو كانوا أنبياء الله حقا فإنهم أعظم الناس خطيئة، لعدم قيامهم بما بعثهم الله عليه... وقال ابن حجر المكي: (تنبيه - استدل أهل السنة بمقاتلة علي لمن خالفوه من أهل الجمل والخوارج وأهل صفين مع كثرتهم، وبإمساكه عن مقاتلة المبايعين لأبي بكر والمستخلفين له، مع عدم إحضارهم لعلي رضي الله عنه وعدم مشاورتهم له في ذلك، مع أنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج بنته رضي الله عنها، والمحبو منها بمزايا ومناقب لا توجد في غيره، ومع كونه الشجاع القرم والعالم الذي يلقي كل منهم إلى علمه السلم، والفائق لهم في ذلك، المحتمل عنهم مشقة القتال في أوعر المسالك، وبإمساكه أيضا عن مقاتلة عمر المستخلف له أبي بكر ولم يستخلف عليا كرم الله وجهه، وعن مقاتلة أهل الشورى ثم ابن عوف المنحصر أمرها فيه باستخلافه لعثمان، على أنه لم يكن عنده علم ولا ظن بأنه صلى الله عليه وسلم عهد له صريحا ولا إيماء بالخلافة، وإلا لم يجز له عند أحد من المسلمين السكوت على ذلك، لما يترتب عليه من المفاسد التي لا تتدارك، لأنه إذا كان خليفة بالنص ثم مكن غيره من الخلافة كانت خلافة ذلك الغير باطلة وأحكامها كلها

ص 247

كذلك، فيكون إثم ذلك كله على علي كرم الله وجهه، وحاشاه من ذلك. وزعم أنه إنما سكت لكونه كان مغلوبا على أمره. يبطله أنه كان يمكنه أن يعلمهم باللسان ليبرأ من آثام تبعة ذلك، ولا يتوهم أحد أنه لو قال: عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالخلافة فإن أعطيتموني حقي وإلا صبرت أنه يحصل له بسبب هذا الكلام لوم من أحد من الصحابة بوجه وإن كان أضعفهم، فإذا لم يقل ذلك كان سكوته عنه صريحا في أنه لا عهد عنده ولا وصية إليه بشيء من أمور الخلافة، فيبطل ادعاء كونه مغلوبا) (1). أقول: فإذا كان إعلام الصحابة بالنص كافيا لأن يبرأ عليه الصلاة والسلام من الآثام المترتبة على السكوت، فإن الإمام قد أعلم المتغلبين بوجود النصوص النبوية بشأن إمامته وخلافته، كما تقدم نموذج ذلك من رواية الواحدي وأسعد الأربلي وسيجئ الباقي فيما بعد إن شاء الله تعالى، وقد برأ عليه الصلاة والسلام - حسب كلام ابن حجر - من تبعات الآثام، وبذلك يظهر بطلان هذا الكلام المنسوب إلى الحسن المثنى.

 15 - إفصاح النبي بأمر خلافة علي عليه السلام

 ثم إن ما جاء في هذا الحديث من قوله: (أما والله لو يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الأمر والسلطان والقيام على الناس لأفصح به...) تبطله الوجوه العديدة التي أقمناها سابقا على دلالة حديث الغدير على إمامته عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد بلغت دلالة الحديث على ذلك مبلغا جعلت حسان بن ثابت يفصح عن معنى هذا الحديث عن لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي حضوره مع تقريره لكلامه فيقول: (رضيتك من بعدي إماما وهاديا)... ولم نجد أحدا من الصحابة ينكر عيه هذا القول...

(هامش)

(1) تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوه بثلب معاوية بن أبي سفيان - هامش الصواعق 84. (*)

ص 248

فالإفصاح قد تحقق بأحسن ما يمكن وأتم ما يرام، وبطلت شبهات المنكرين ووساوس الشياطين. والخلاصة: إنه متى أفاد الكلام - ولو بلحاظ القرائن - المعنى المطلوب فقد تمت به الحجة وكملت النعمة، وكان نصا قطعيا ثابتا لا يعتريه ريب، ولا تمنع عن دلالته الاحتمالات البعيدة التي يبديها المتعصبون، لأنه لو جاز الاصغاء إلى تلك الاحتمالات البعيدة التي يذكرها بعض أهل السنة حول مفاد حديث الغدير، لم يبق مصداق للنص، ولسقطت جميع النصوص عن الدلالة حتى أمثال (قل هو الله أحد) و(محمد رسول الله). قال الغزالي: (ولو شرط في النص انحسام الاحتمالات البعيدة - كما قال بعض أصحابنا - لم يتصور لفظ صريح، وما عدوه من الآيات والأخبار يتطرق إليها احتمالات، فقوله: قل هو الله أحد يعني آله الناس دون الجن، وقوله: محمد رسول الله أي محمد؟ " وإلى أي إقليم؟ وفي أي زمان؟ وقوله: يجزي عنك أي يثاب عليه، وقوله: إن اعترفت فارجمها. أي إذا لم تتب. فهذه احتمالات بعيدة تتطرق إليها) (1).

 16 - تأييد هذا الحديث للمذهب الحق بوجوه

 وبالرغم من أن أهل السنة ينسبون هذا الكلام إلى الحسن المثنى للرد به على المذهب الحق بزعمهم، إلا أنه يظهر بالتأمل تأييده للحق بوجوه عديدة: (الأول): إنه يفيد أن عبارة (يا أيها الناس إن عليا والي أمركم من بعدي والقائم في الناس) نص صريح في الإمامة والخلافة، كنصوصه الواردة في الصلاة والزكاة والصيام والحج، فكانت تلك العبارة واضحة الدلالة بالنصوصية على خلافة علي عليه السلام، مثل عباراته الواردة في الصلاة والزكاة وغيرهما من الواجبات الدينية، ولا يكون في دلالتها قصور أو التباس أو إبهام.

(هامش)

(1) المنخول في علم الأصول: 184. (*)

ص 249

أقول: ولو قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك أيضا لما خضع المتعصبون المتسولون له، ولما آمنوا وسلموا، بل يذكرون له الاحتمالات البعيدة، فيقولون مثلا إن المراد من (الأمر) هو المحبة والنصرة لا الإمارة والخلافة، أو أن المراد مقام القطبية والامامة في الباطن، بأن يكن القيام في الناس بمعنى أن يأخذوا منه العلوم الباطنية ويقتدون به في تلك الجهات فحسب... وبذلك يخرج هذا الكلام عن كونه نصا صريحا في الإمامة والخلافة، وحينئذ ينسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم التقصير في إبلاغ الرسالة الإلهية، والقصور في بياناته الشريفة حول المسائل المهمة الأساسية، وحيث يراد تنزيه مقام النبوة من هذه النقائص تدفع تلك الاحتمالات بالقرائن القطعية الحافة بالكلام، ويقال بوجوب حمل (الأمر) في (أمركم) على الإمامة والخلافة. ونحن على ضوء هذه المقدمة نقول: إن حديث الغدير نص في الإمامة، ولو أن المتعصبين حاولوا صرفه عن الدلالة على ذلك بذكر الاحتمالات البعيدة فإنا ندفع تلك الاحتمالات بالقرائن القطعية. فعلم أن هذا الكلام المنسوب إلى الحسن المثنى يؤيد مرام أهل الحق، وأن من احتج به فقد غفل أو تغافل عن ذلك. (الثاني): إنه يثبت دلالة (من بعدي) على الاتصال دلالة صريحة لا يعتريها ريب ولا يشوبها شك، وبذلك يبطل حمل بعضهم هذا القيد الموجود في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (علي وليكم بعدي) ونحوه على الانفصال، وكفى الله المؤمنين القتال. (الثالث): إنه لما كانت هذه العبارة: (يا أيها الناس إن عليا والي أمركم من. بعدي والقائم عليكم في الناس بأمري) نصا صريحا في الإمامة والخلافة، وتدل على المطلوب بلا ريب أو شبهة بحيث لا يبقى مجال لأي تأويل أو احتمال... فإن سائر نصوص إمامة أمير المؤمنين المشتملة على لفظ (الإمامة) أو (الخلافة) التي سمعت بعضها تكون دالة على المطلوب بالقطع واليقين، وبذلك تذهب تأويلات

ص 250

المتأولين واحتمالات المتعصبين أدراج الرياح.

17 - معارضة ما نسبوه إلى الحسن المثنى بما رووه عن حفيده

 ثم إن هذا الحديث الذي نسبوه إلى الحسن المثنى - لو سلم صدقه وجواز الاستدلال به - يعارضه ما رووه عن حفيده (محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى). فقد ذكر فخر الدين الرازي بتفسير قوله تعالى: *(وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض)* ما نصه: (تمسك محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب فقال: قوله تعالى: *(وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض)* يدل على ثبوت الأولوية، وليس في الآية شيء معين في ثبوت هذه الأولوية، فوجب حمله على الكل إلا ما خصه الدليل، وحينئذ يندرج فيه الإمامة. ولا يجوز أن يقال: إن أبا بكر كان من أولي الأرحام، لما نقل أنه صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه سورة براءة ليبلغها إلى القوم ثم بعث عليا خلفه، وأمر بأن يكون المبلغ هو علي وقال: لا يؤديها إلا رجل مني. وذلك يدل على أن أبا بكر ما كان منه. فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية) (1). لكن ما نسبوه إلى الحسن مكذوب عليه قطعا، ولا يجوز الاستدلال به البتة... وقال أبو العباس المبرد: (ونحن ذاكرون الرسائل بين أمير المؤمنين المنصور وبين محمد بن عبد الله بن حسن العلوي، كما وعدنا في أول الكتاب. ونختصر ما يجوز ذكره منه ونمسك عن الباقي، فقد قيل الراوية أحد الشاتمين. قال: لما خرج محمد بن عبد الله على المنصور كتب إليه المنصور: بسم الله الرحمن الرحيم - من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله أما بعد: ف‍ *(إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن

(هامش)

(1) تفسير الرازي 15 / 213. (*)

ص 251

يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم. إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم)* ذلك عهد الله وذمته وميثاقه وحق نبيه، إن تبت من قبل أن أقدر عليك أؤمنك على نفسك وولدك وإخوتك ومن بايعوك وتابعوك وجميع شيعتك، وأن أعطيك ألف ألف درهم، وأنزلك من البلاد حيث شئت، وأقضي ما شئت من الحاجات، وأطلق من سجني أهل بيتك وشيعتك وأنصارك، ثم لا أتبع أحدا منكم بمكروه. فإن شئت أن تتوثق لنفسك فوجه إلي من يأخذ لك من الميثاق والعهد والأمان ما أحببت. والسلام. فكتب إليه محمد بن عبد الله: بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله محمد المهدي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن محمد - أما بعد: *(طسم تلك آيات الكتاب المبين. نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون. إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين. ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين. ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)*. وأنا أعرض عليك من الأمان مثل الذي أعطيتني، قد تعلم أن الحق حقنا وأنكم طلبتموه بنا، ونهضتم فيه بشيعتنا وحظيتموه بفضلنا، وإن أبانا عليا كان الوصي والإمام، فكيف ورثتموه دوننا ونحن أحياء؟! ولقد علمتم أنه ليس أحد من بني هاشم يمت بمثل فضلنا ولا يفخر بمثل قديمنا وحديثنا ونسبنا وسببنا، وإنا بنو أم الرسول صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت عمرو في الجاهلية دونكم، وبنو فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإسلام من بينكم، فإنا أوسط بني هاشم نسبا وخيرهم أما وأبا، لم تلدني العجم ولم تعرق في أمهات الأولاد، وإن الله تبارك وتعالى لم يزل يختار لنا، فولدني من النبيين أفضلهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن الأصحاب أقدمهم إسلاما وأوسعهم علما وأكثرهم

ص 252

جهادا علي بن أبي طالب، ومن نسائه أفضلهن سيدة نساء الجاهلية خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، أول من آمن بالله من النساء وصلى إلى القبلة، ومن بناته أفضلهن وسيدة نساء أهل الجنة...). فقد نص في هذا الكتاب على (إن أبانا عليا كان الوصي والإمام). وجاء في جواب المنصور قوله: (ولقد طلب بها أبوك بكل وجه فأخرجها [يعني الزهراء عليها السلام] تخاصم، ومرضها سرا، ودفنها ليلا فأبي الناس إلا تقديم الشيخين) وهذا نص كتاب المنصور كما روى المبرد: (فكتب إليه المنصور: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله. أما بعد: فقد أتاني كتابك وبلغني كلامك، فإذا جل فخرك بالنساء لتضل به الجفاة والغوغاء، ولم يجعل الله النساء كالعمومة ولا الآباء كالعصبة والأولياء، ولقد جعل العم أبا وبدأ به على الوالد الأدنى فقال جل ثناؤه عن نبيه: *(واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب)* ولقد علمت أن الله بعث محمدا وعمومته أربعة، فأجابه اثنان وكفر اثنان. وأما ما ذكرت من النساء وقراباتهن، فلو أعطين على قرب الأنساب وحق الأحساب لكان الخير كله لآمنة بنت وهب، ولكن الله يختار لدينه من يشاء من خلقه. فأما ما ذكرت من فاطمة أم أبي طالب فإن الله لم يهد أحدا من ولدها إلى الإسلام، ولو فعل لكان عبد الله بن عبد المطلب أولاهم بكل خير في الآخرة والأولى، وأسعدهم بدخول الجنة غدا، ولكن الله أبى ذلك فقال: *(إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)* وأما ما ذكرت من فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب وفاطمة أم الحسن والحسين، وأن هاشما ولد عليا مرتين، وإن عبد المطلب ولد الحسن مرتين، فخير الأولين والآخرين رسول الله لم يلده هاشم إلا مرة واحدة. وأما ما ذكرت من أنك ابن رسول الله فإن الله جل وعز أبى ذلك فقال: *(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)* ولكنكم بنو بنته وإنها لقرابة قريبة، غير أنها امرأة لا تحوز الميراث ولا تؤم، فكيف تورث الإمامة

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء التاسع

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب